Ads by Google X

رواية بين قلبين كامله بقلم ايه صابر


بين قلبين.
ــــــــــــــــــــــــ
الفصل الأول.
ـــــــــــــــــــــــــ
 " قـيـل إنَّ لـجـمـال روح فـلـيـس كـل مـا نره جـمـيـل لـأنه جـمـيـل؛ بـل لإنـنـا أردنـا أنْ نراه جـمـيـل، يـكـمـن الـجـمال فـي أعـيـننا ولـيـس فيما نـراه؛ لـذلك قالوا كـن جـمـيـلًا ترَ الـوجود جـمـيـلًا".

ـ بدىٰ الصباح بوجه الباسم على أحد المنازل في حي المنشية في محافظة الإسكندرية، تداخل صوت زقزقة العصافير مع صياح والدة تلك النائمة باستكانة تضع في شحمتي أذنها سماعات هاتفها ‟ الهند فري ” وصوت قارئها المفضل " إسلام صبحي " يطغىٰ على صياح والدتها التي لاتزال تصيح منادية عليها لتحضر لوالدها الأفطار إلىٰ أن أيست من استجابة ابنتها فقامت بغضب العالم أجمع نحو غرفة ابنتها فهتفت بصياح وهى تنزع السماعات بعنف من أذن ابنتها .

ـ " أنتِ يا ست هانم هتفضلي نايمه لحد أمتا قومي فزي حضري لأبوكي الفطار الساعة داخلة على عشرة ناوية تنامي لحد أمتا،أنا مش عارفة أنا عملت في حياتي إيه عشان ربنا يبتلينا ببنت شبهك قومي شوفي بنات عمامك وعماتك يكشي تكوني ربعهم، اللهم لا اعتراض لا جمال ولا تعليم وكمان عايزة تكوني بُروطة في بيت واسمع كلمة ديه وديه مش كفاية عمتك حارقة دمي من كلامها عليكِ بسبب اللي عملاه في ابنها، نفشىٰ ريشك على إيه ياختي أنتِ تحمدي ربنا أنه راضي يجوزك أنا مش عارفة خدك على إيه أنتِ مفكيش ذرة أنوثة وحده كتك خيبة قومي ظبطي نفسك نيل أي حاجة في خلقتك ديه الراجل جاي على بعد الضهر عايزاكِ تفردي ضبك ده ".

ـ  رمشت بخفوت وحركت أعينها ببطء لتسمح لأشعة الشمس بتسرب إليهما ومن ثمة أغلقتهما عنوة؛ كي تتحكم في تلك الأدمع المهراقة، زفرت بألمٍ جلي على قسماتها التي نُحِت عليها الوجع باحترافية وشخصت أبصارها لذلك السقف الذي شهد آهاتها المثخنة،  أصبحت تنظر إليه أكثر من مرآتها التي دثرتها بوشاحها الأسود لـألَّا ترى وجهِها الذي كان السبب في كره الجميع لها.

ـ أطرقت رأسها لتلك الهواجس اللعينة التي أخذت تلطم بها هنا وهناك.

ـ ما ذنبي أليستُ خلق الله؟

ـ ما أقبح ذلك المجتمع الذي يحكم علينا من هيئتنا.
ـ أليس جميعنا سواسية؟

ـ أليس أحد أفضل من أحد سوىٰ بـتقوىٰ الله؟

ـ أصارت الأثواب تُزيننا أم الأخلاق هىٰ منْ تُجملنا؟

ـ اختلت المعاير في نظري وانجرفت مع ريح وصرت أخشى الناس وما هم بـحق ولكن انهكت روحي بـقبح ألسنتهم.

ـ علا صوت أبيها مناديًا باسمها؛ فأخذت طُرقات المنزل عدوًا تحمل بين يديها صحن كبير به بعض الفطائر والمشروب المصري الأصلي المعروف في محافظتها" شاي بلبن" واتجهت حيث يجلس أباها في شرفة المنزل يحمل بين يديه صحيفة اليوم
 " جرنال الأهرام " يقرأه بدون تركيز فجُل تركيزه منصب على تلك الواقفة أمامه كنسمة الصباح خفيفة أخف من جناح طائر صغير، نظر إليها بشرر متطاير من عينيه وألقىٰ الصفيحة بعصبية على المنضدة التي أمامه.

 وهتف بخشونة بصوتٍ عالٍ نسبيًا:

ـ ساعة عشان تيجي وتحضري الفطار، أمتا هتتحملي المسؤلية...

ـ قاطعته بأدب لتبرر موقفها:

ـ والله يا بابا متأخرتش صحيت أحضر الفطار ملقتش " أمين" ـ ابن حارس العمارة التي يملكها والدهاـ جاب العيش وأنا عارفة أن حضرتك بتحب العيش سخن وطازة فنزلت اسأله قالي معرفش يطلع عشان والده مش هنا يحرس العمارة فخدته من وطلعت حضرت الفطار.

ـ نظر إليها بغضب وجزَّ على أضراسه:

ـ أنتِ إزاي تقطعي كلامي كده، مش مالي عينك ولا إيه يا ست " آية "، ديه آخرة دلعي فيكِ ليه ياربي عملت إيه في دنيتي، منها لله أمك فيها إيه لو كانت وافقت أجوز واحدة تانية أجيب منها الواد اللي يشيل اسمي منك لله يا" تحية" أنتِ وبنتك في ساعة وحدة.

ـ أطاح بأطباق الطعام في وجه تلك المسكينة التي ترقرق الدمع في مقلتيها.

ـ ألاٰ يكفيها ما تسمعه من أمها في البكورِ والغدو!

ـ ألاٰ يكفيها أحاديث أقرانها من بنات وابناء عمومتها وعماتها!

ـ ألا يكفيها شعورها كأنها منبوذة من الآخرين وأنها الجُرم المضني الذي يجب الخلاص منه، وكأنها لعنة حطت عليهم.

ـ أيأتي والدها ويشعرها بنفوره منها؟!

ـ كم كانت تسكت تلك الهواجس بداخلها وتصرخ بأعلى صوت بأن والدها يحبها وأن ما يمنعه عنها انشغاله بأعماله لأجل توفير عيشة هنية لها ولوالدتها.

ـ كم تمنت لو يحتضنها والدها ويربت على كتفها بحنو؛ ليمحو أثر تلك الألسنة اللاذعة التي أشد ألمًا من السياط الجلادة.

ـ ما العيب أن يكون جل أمانيها تربيته حانية من والدها، لمسة تِحْنان من والدتها، بسمة حب من عماتها، ضحكات وليالٍ أُنس مع أقرانها من بنات عمومتها، نظرة احترام واحتواء من خطيبها.

ـ أكثير أم ليس لأمثالها حظ؟

ـ أنتِ لسة واقفة عندك، قومي نضفي القرف ده.

ـ أردفت  والدتها بتلك العبارة وهى تنظر لها نظرة احتقار وغضب تحمل بين طياتها الكثير والكثير.

ـ ألفظت ذلك القُبح من رحمي كيف ذلك؟

ـ أخُلِقت لعنة من دمي؟

ـ أليس بسببها لا أستطيع الإنجاب ثانية لو أعلم أنها ستكون بذلك القبح لِمَ ضحيت برحمي ولتركتها تلفظ أنفاسها الآخيرة وهى مختنقة من حبلي الذي أطعمها وسقاها.

ـ وجهت أسهم الاتهام إلىٰ فلذة كبدها ومقلتيها يشعان بوميض الكره.

ـ واعجباه كان يستوقفني قوله تعالىٰ:

" ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ۚ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُون".

" ويحي من قلبٍ أشد صلبة من حجر وألمي حين يكون ذلك القلب من حملتني وهنًا على وهن ".

ـ هتفت السيدة" تحية " بحقن وهى ترى دموع ابنتها التي انهمرت كالسيل الجارف:

ـ بتعيطي على إيه ولا إيه ياختي، خيبة اللي عايزة بنات، بسببك الراجل تطفشان خلفة الندامه،قومي انجزي خطيبك على وصول.

ـ تألم فؤادها وأردف يَئِنُ بخفوت يرثي حاله الذي بات الألم مسكنه.

" ومالي سوىٰ عَبَرات عائدات تؤنس مضجعي وتشاطرني وسادتي وتبرد لهيب فؤادي وتطفئ جروحي المثخنة".

صدع صوت آذن الظهر ومع قول " الله أكبر" صدع صوت فؤادها يهتف بوجعٍ:

" الله أكبر، إليك أنا يا الله،  أنا ذلك الفُتات المنثور، ذو الروح المنهكة وصوت الوجل، أنا الباقية المتهشمة من سوط أحبتي، أنا الذي خلقتُ من رحم الألم، إليك أنا وما أريد سوىٰ لطفك يا منْ جبرت العاصي بسترك وجبرت المريض بشفاءك وجبرت المتعافي بدوام عافيته، أجبرني ولملم شتاني وضمد انكساراتي وقومني".

ـ أمت على دعاء قلبها وذهبت صوب غرفتها كالبلد الميت جسد بلا روح تستعد لمزيد من جرعات الألم التي ستلقاها من ابن عمتها خطيبها المصون.

ـ السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله.

ما لبست أن تختم صلاتها إلَّا وصوت والدتها تسرب إلى أذنيها يحمل بين خباياه تلك الإهانات المحرقة وتلك الكلمات القاتلة.

ـ حرمًا يا ست الشيخة، ولا أقولك تقبل الله بدل متفتحيلي حقيقي، قومي ياختي خطيبك برة أفرضي خلقتك العكرة ديه.

ـ حركت رأسها بمعنى نعم دون أن تنطق ببنت شفة وذهبت ورائها كالإنسان الألي الذي وكل إليه أمر ويجب تنفيذه.

ـ تقدمت أمها وأردفت بأرق الكلمات وأطيب العبارات لخطيب ابنتها:

ـ وأنا أقول بيتنا نور ليه، أزيك يا " نادر" عامل إيه مش بتيجي ليه زي الأول ده أنت لك واحشة.

ـ تحدث بحشرجة وبنبرة حاول أن تكون عادية؛ فهو يأتي رغمًا عنه لو لم يكن عمه صاحب تلك العماير الشاهقة ما كان يقدم على تلك الزيخة أبدًا، هتف بود مخادع:

ـ الشغل والله وأخد كل واقتي وأنت والله يا مرات عمي.

ـ ربنا يعينك يا حبيبي، كنت هنسىٰ ده أنا عملتلك الرقاق اللي بتحبه، استنى هنادي على " آية " استعجلها معرفش تأخرت ليه.

ـ قاطع خروج والدتها من حجرة الضيوف دلوفها غاضة الطرف تحمل بين يديها صحن به شرائح الرقاق والعصير التي أعددتهم سلفًا، ولكن دائمًا كانت والدتها تخبر الجميع أنها هى التي تعد تلك الحلويات الشهية فما كان لها سوى الصمت سبيل، سألتها يومًا لما تفعل ذلك؟

ـ اجابتها بإهانة لاذعة:

ـ أنتِ عايزاني أقولهم أنك اللي بتعملي الأكل عشان بيجوش تاني، دول بيخافوا يبصوا في وشك.

ـ انتشلها من استرسال تلك الهواجس صوته الذي بدىٰ أكثر لينًا فهو يتعمد أن يكون هكذا أمام والدها ووالدتها، غير ذلك فهو لا يبالي ولا يهتم بها وكأنها فرضت عليه، حركت رأسها بعنف علَّها تتخلص من تلك الأمور التي تنغص حياتها؛ فهى كأي فتاه تتمنىٰ أن يرغب فيها زوجها وتكون عن طيب خاطر منه وليس فرض.

ـ إزيك يا " آية ".

ـ أردف بتلك العبارة الموجزة وهو يمد يده إليها يريد مصافحتها.

ـ نظرت إلي يده الممدودة باستحياء وهتفت بخفوت:

ـ وعليكم السلام ورحمة الله، الحمدلله، أنت أخبارك إيه، شكلك نسيت مش بسلم.

ـ نظرت إليها والدتها وشرر يتطاير من عينيها، وأردفت بحده:

ـ" آية" أتعدلي سلمي على خطيبك هو مش هيكلك ياختي، ده  سلام مش هيخدك بالحضن هو.

ـ نظرت الآخرى إلى والدتها بصدمة وأُلجِمَ لسانها عن حديث، أما الآخر فقد استغل تلك اللحظة وأردف بزعل مصطنع:

ـ خلاص يا طنط خليها براحتها شكلها مش حابه وجودي عن أذنكم.

ـ وخرج بسرعة البرق قبل أن يتفوه كلتاهما بكلمة فهو أراد ذلك منذ البداية.

ـ على حين غرة من " آية" أمسكتها والدتها من شعرها الذي كان خمارها الموڤ يغطيه  لطمتها بقوة على وجهها:

ـ أنتِ عايزة تطفشي العريس الحيلة ياختي اللي عبرك، أنتِ عايزة إيه بالظبط يا بت، فيها إيه ياختي لما تسلمي، أنتِ فاكرة نفسك مين بصي يا بت على شكلك في مراية ده وشك وقفاكِ حاجة واحدة.

ـ ودفعتها بقوة لترتطم رأس " آية" بقوة في نيش.

انسابت عَبَراتها بألم ولم تستطع قول شيء أحست كأن حقها في الحياة مسلوب إتكأت الكرسي الذي بجانبها وتحاملت على نفسها لتذهب إلى شقتها التي أهدها والدها إلى ابن عمتها حتى يتم تلك الزيجة في أسرع وقت.

ـ خطت بخطى بطيئة نحو جحيم آخرى متصور في عيشتها في تلك البقعة مع ذلك الوغد الذي لا يهمه سوى تلك الوريقات، وضعت مفاتيح في باب شقتها ولكن أوقفها تلك الضحكة الأنثوية القادمة من شقتها تضاربت مئات السيناريوهات في رأسها ولكن حسمت أمرها وفتحت باب شقتها وياليتها لم تفتحه.

ـ جحظت عينيها بصدمة أذلك خطيبها في وضع يخل ومع من؟!

ـ مع ابنة عمها الساكنة بجوارهم!

ـ أما الاثنين فقد ألجمتها الصدمة إلا أن الآخر أفاق منها سريعًا وتوجها صوبها بغضب قبض على زراعيها بقوة إلا أنها صرخت بصوت عالٍ:

ـ ابعد عني متلمسنيش.

ودفعته بقوة ولكنه لم يتحرك قيد نملة بل أحكم قبضته وكمم فاها بيده وأردف من بين أسنانه:

ـ إياكِ ثم إياكِ حد يعرف، عارفة لو حصل هعمل إيه هفسخ الخطوبة وستلقي وعدك من أمك وأبوكِ مش بعيد يرموكي برة، أنتِ ملكيش حق في العز ده كله أنا اللي هورثك بالحياه هخليكِ قاعدة كده يا بوظ الكلب وهتشوفيني مجوز عليكِ اثنين وتلاتة وأربعة، أنتِ فاكرة واخدك عشان سواد عيونك، لولا عمي جه وترجاني وكتبلي المحل باسمي مكنت فكرت أتف حتى في وشك بس بقىٰ أنا مش عايز حته المحل لاء أنا هاخد ثروتك كلها أتمتع بيها.

ألقىٰ بتلك الكلمات اللاذعة على مسامعها ودفعها بقوة خارج الشقة إلا أن تلك المسكينة لم تقوىٰ لا تعلم أبسبب ما فعلته أمها أم أبها ام كلمات خطيبها التي كانت تكذبها أم ضربة والدتها أم دفعة ذلك الوغد.

ترنحت وهى تخطو لتنزل إلى أسفل فوقعت فاقدة الوعي.

                  البارت الثاني من هنا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات خليها علي تليفونك وحمل تطبيقنا

تحميل تطبيق سكيرهوم
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-