رواية مع وقف التنفيذ الفصل الثاني

 

 الفصل الثانى

 

فى الصباح أستيقظ فارس على صوت والدته وهى توقظه وتهتف به:

- قوم يا فارس تليفون علشانك

نظر إليها بصعوبة وهو يحاول فتح عينيه قائلا:

- مين يا ماما

والدته بتأفف:

- السفيرة عزيزة بتاعتك

أبتسم وهو ينهض من فراشه واتجه مباشرة إلى الهاتف ليجيبها فقالت:

- صباح الخير يا حبيبى

- لسه فاكرة.. سايبانى طول اليوم وانتِ عارفة انى مضايق منك وجاية تتصلى تانى يوم

- خلاص بقى يا حبيبى متبقاش حمقى كده.. يالا بقى البس وانزل عاوزه اشوفك

 أبتسم ولكنه صبغ صوته بنبرة جدية قائلا:

- لا مش قادر انزل

- كده برضة يعنى موحشتكش

- طيب خلاص نتقابل فى المكان بتاعنا بعد ساعة

 زفرت بقوة وهى تقول:

- يا حبيبى مش هنغير بقى المكان ده.. أكيد مامتك ادتلك حلاوة النجاح

قال بحدة:

- جرى أيه يا دنيا.. هو انا عيل .. أيه حلاوة النجاح دى

- طب خلاص متتعصبش كده..  ساعة وهكون هناك.. يلا مع السلامة

أغلق فارس الهاتف واتجه إلى الحمام توضأ صلى الظهر , بدل ملابسه واتجه إلى المطبخ وجد والدته تعد طعام الغذاء , عندما رأته قالت بعبوس:

- يعنى مقولتش انك خارج النهاردة.. أنا بعمل الغدا ده لمين ان شاء الله

قبلها على وجنتها وهو ينظر للأوانى ويلتقط منها بعض الطعام ليأكله فى سرعة وهو يقول:

- معلش يا ماما مش هتأخر.. ساعتين وهتلاقينى هنا .. بس اتغدى انتِ متقعديش جعانة لحد ما ارجع

ضربته على ظهر يده وهو يعبث بالطعام وتقول:

- قولتلك قبل كده متحطش أيدك فى الأكل .. أستنى احطلك فى طبق

تناول كوب مياة مثلج ثم قال:

- لالا لما آجى بقى

ثم طبع قبلة اخرى على رأسها وغادر على الفور

هبط الدرج قفزًا كما يفعل دائما وخرج من باب البيت , وما أن خطى خطوتين حتى  سمع صوت طفولى من الأعلى يصيح به :

- فااااااارس يا فاااااارس

نظر للأعلى مبتسما وقال بهتاف وهو يلوح :

- عارف عارف مش هنسى العسلية

ضحكت مُهرة بينما نهرتها والدتها التى كانت تقف بجوارها فى الشرفة:

- يابت عيب كده .. هو خلفك ونسيكى

أخذت مُهرة دميتها ولم تجيبها ودخلت لتكمل لعبتها تارة وتضايق أخيها يحيى تارة أخرى

خرج  عامر من ورشته عندما سمع صوت فارس واتجه إليه فى خطوات واسعة مهنئا:

- مبروك يا أستاذ فارس .. معلش ملحقتش اكلمك امبارح كان عندى زباين واتحرجت اطلعلك فوق

أبتسم فارس متفهما وقال:

- الله يبارك فيك يا عم عامر ويارب عقبال مريان ومينا ما يتخرجوا وتفرح بيهم

قال عامر مبتسما:

- طيب مش هاعطلك بقى يا سعادة المستشار

ضحك فارس بعذوبة قائلا:

- يسمع من بؤك ربنا يا عم عامر ..عن أذنك انا بقى علشان مستعجل

وقبل أن يتحرك سمع جلبة من خلفة وهتاف يعرفه جيدًا:

- يا أستاذ فارس.. أستنى

ألتفت وهو يرفع حاجبيه بمرح للحاج عبد الله الذى أقبل عليه بجلبة كبيرة قائلا:

- مبروك يا أستاذ فارس يابنى.. والله والله انا فرحان زى ما يكون ابنى هو اللى اتخرج وبقى باشا قد الدنيا

ضحك فارس مداعبا:

- لسه مابقتش باشا يا حاج عبد الله.. أدعيلى انت بس

وضع الحاج عبد الله يده على كتفه وتكلم بهتاف كعادته :

- داعيلك يابنى والله.. ربنا يكتبلك الخير ماطرح ما تروح يابنى

ربت فارس على يده بامتنان قائلا:

- ربنا يتقبل منك يا حاج عبد الله..

ثم تنحنح واعتذر منه ليلحق بموعده الهام مع دنيا وتابع طريقه بصعوبة , فكلما خطى خطوة أوقفه أحد جيرانه مهنئا وداعيا له بالتوفيق.

وقفت دنيا تنتظر ظهور فارس وهى تنظر لساعتها اليدوية فى قلق حتى ظهر أخيرًا قادما من بعيد بابتسامته المشرقة الجذابة , وعندما رآها أسرع الخطى نحوها ووقف معتذرًا وهو يقص عليها ما حدث له مع جيرانه بمجرد خروجه من المنزل وحاول استرضائها مرارًا وعندما جلسا أخيرًا قالت:

- فارس انا ليا عندك طلب

أومأ برأسه قائلا:

- أؤمرينى يا حبيبتى

قالت بجدية:

- أنا عاوزه آجى اشتغل معاك فى المكتب

زفر بضيق قائلا:

- مش احنا اتفقنا قبل كده ان انا بس اللى هشتغل..أنتِ عارفة يا دنيا شغل المحاماة متعب ازاى.. وبصراحة كده بحس انه بهدله للبنات

قالت بعناد:

- بس انا عاوزه اشتغل.. وبعدين مانا هبقى معاك أيه اللى هيبهدلنى

رفع حاجبيه بدهشة قائلا:

- ياسلام يعنى لما تيجى تشتغلى والأستاذ حمدى يديكى شغل تعملية.. هتقوليله طب آخد فارس معايا ولا أيه مش فاهم يعنى... أنا مش حابب يا دنيا كل يوم تقعدى تتنططى ما بين الاقسام والنيابات والمحاكم .. والموظف ده يرزل عليكى والموظف ده يبصلك..لاء انا مش موافق

قالت بعناد أكبر:

- بص يا فارس أنا كده ولا كده هشتغل.. أنا مخدتش الشهادة علشان افضل قاعدة فى البيت.. فقولت اشتغل معاك احسن ما اروح اشتغل فى مكتب تانى

نظر إلى النيل متأملا وقال بهدوء:

- يعنى رأيي مش مهم عندك للدرجة دى

لمست كتفه وقالت بخفوت:

- ياحبيبى ازاى بس تقول كده .. بس انت عارف يا فارس انى لازم اساعد فى تجهيز نفسى وبابا مش هيقدر على الحمل ده كله لوحده

مط شفتيه متبرمًا وشعر بالإختناق وهو يقول:

- أنا لو عليا مخليكيش تجيبى قشاية.. لكن مفيش فى أيدى حاجة غير مرتبى وانتِ عارفة

قالت بهدوء:

- عارفة .. وبكره الدنيا هاتتغير وحياتنا هاتتغير وهانبقى من طبقة الهاى كلاس وبكره تقول دنيا قالت

 

***

 

 وقف الأستاذ حمدى مهران أمام فارس وهو يربت على كتفه  قائلا:

- بس كده يا سيدى خلاص.. أعتبرها اشتغلت  ..خإليها تيجى من بكره لو تحب

قال فارس بامتنان:

- متشكر أوى يا دكتور

عاد الأستاذ حمدى إلى مقعده وهو يقول باهتمام:

- بس انا عاوزك بقى تسعى فى الماجيستير من دلوقتى.. يا فارس ده هيخدمك جامد فى المستقبل.. وعندك يا سيدى المكتبة بتاعتى هنا فى المكتب استعين بيها زى ما انت عايز يعنى مش هتحتاج تشترى كتب من بره

قال فارس فى تفكير:

- إن شاء الله يا دكتور بس انا دماغى مشغول دلوقتى بحكاية النيابة دى ..عاوز استنى لما اعرف راسى من رجلى فيها

قال الأستاذ حمدى بنظرة حاول أن يخفيها:

- فكر تانى فى الموضوع ده.. النيابة دى لسه قدامها وقت ..وانت لسه هتاخد دبلومتين قبل الماجيستير .. أستغل الوقت ده

بدا عليه التفكير فى الأمر وهو ينظر للأمام قائلا:

- خلاص يا دكتور انا حطيت الموضوع فى دماغى وان شاء الله هابتدى فيه على طول

أومأ الأستاذ حمدى برأسه مبتسما فانصرف فارس إلى مكتبه وجلس إلى مقعده وأخرج بعض الملفات وبدأ فى العمل , ولكن عقله مازال يدور ويبحث الأمر ولا يجرؤ أبدًا أن يتطرق إلى احتمال عدم قبوله فى النيابة , هو ليس حلمه وحده, أنما هو حلم والدته ووالده قبل أن يتوفاه الله, بل وجيرانه وأصدقائه , ودنيا , دنيا التى تحلم بأن تصبح زوجة وكيل نيابة وأن تصعد من طبقتها إلى طبقة أخرى , دنيا التى لا تتوقف عن أحلامها ولا تقف أمامها أى حدود من أجل تحقيقها.

فى اليوم التالى وعند السادسة مساء كانت دنيا تقف أمام باب مكتب الأستاذ حمدى مهران وتخطو فيه أول خطواتها, تمت المقابلة معه بنجاح وبدأت فى الاطلاع على القضايا وملفاتها فى المكتب المجاور لمكتب فارس وفى نفس الغرفة, ثم حدثته وهى تنظر له قائلة:

- أنا ماكنتش فاكره الشغل العملى كده

قال بجدية:

- متقلقيش .. أنتِ هتنزلى معايا بكره المحكمة والشهر العقارى.. وواحدة واحدة هتتعلمى

مطت شفتاها وهى تقول :

- بس المجهود ده كله على المرتب ده بس

نظر لها باستنكار قائلا:

- المرتب ده ميحلمش بيه حد لسه متخرج .. ده الدكتور كرمك علشان خاطرى

قالت بحدة:

- اه هو ياخد على قلبه الألوفات واحنا الملاليم

تعجب فارس من طريقة حديثها وهى التى لم تبذل أى جهد حتى الآن , قرر أن يخبرها بحماسه لفكرة التحضير للماجيستير فقالت بدهشة:

- دبلومة ؟! .. طب والنيابة

عاد إلى الأوراق التى بيديه وقال ببساطة:

- ياستى النيابة لسه قدامها سنة ويمكن اكتر.. وانا زى ما انتِ عارفة مابحبش اضيع وقت.. أنا هاستغل الوقت ده واخلص الدبلومة ولو النيابة جات مش هاتخسر بالعكس دى هاتزيدنى خبرة فى شغلى

أومأت برأسها بتفكير قائلة:

- أى حاجة تخلينا نقب بسرعة معنديش فيها مانع

قاطعهم دخول باسم أحد المحامين العاملين فى المكتب  وهو ينادى على فارس بصخب , ولكنه توقف عندما وقع بصره على دنيا الجالسة خلف مكتبها, نهض فارس واقفا وهو يقدمها له قائلا:

- الأستاذه دنيا .. أول يوم معانا النهاردة

أبتسم باسم ابتسامة واسعة وهو يتقدم نحوها وقال مرحبا وهو يمد يده ليصافحها:

- اهلا وسهلا نورتى المكتب

صافحته بابتسامة رقيقه فبدأ فى تقديم نفسه قائلا:

- أنا باسم صفوت .. مدير المكتب هنا وابن خالة الدكتور حمدى

نظر لها فارس نظرة حادة لتسحب يدها من يده فارتبكت وهى تسحب يدها بهدوء قائلة:

- أهلا بحضرتك

لاحظ فارس نظراته المتفحصة لها والتى اشعلت مصافحته لها بداية فتيل الغيرة فى قلبه فلم يعد يحتمل نظراته فقال بعصبية واضحة:

- خير يا أستاذ باسم حضرتك كنت عاوز حاجة

ألتفت إليه باسم متعجبا من عصبيته المفاجأة ولكن الموقف لم يكن يحتاج الكثير من الذكاء فعلم على الفور أن دنيا تخصه بشكل أو بآخر

فقال بهدوء:

- خلصت الملف اللى اديتهولك امبارح قبل ما تمشى

كان يحاول السيطرة على أعصابه ولكنه لم ينجح ,فكانت كل خلجة من خلجات وجهه تنطق بالغيرة فاستدار ليتناول الملف من فوق سطح مكتبه وناوله أياه قائلا:

- أيوا خلصته اتفضل

قلب باسم صفحاته سريعًا وأشار إليه ليتبعه قائلا:

- طب تعإلى معايا مكتبى ..عاوز اناقشك فى شوية نقط فيه

ألقى عليها فارس نظرة حادة قبل أن يترك الحجرة وتبع باسم إلى حجرة مكتبه, فركت يدها فى توتر فهى تعلم ماذا ينتظرها من شلال جارف من الغيرة الساخطة  يجرفها بحدة لتصبح وحيدة لا يراها غيره ولا يلمسها غيره , هكذا هو دائما

فى هذه الأثناء دخل محاميًا آخر كانت قد التقت به من  قبل دخولها لمقابلة الأستاذ حمدى فابتسم لها قائلا:

- ها أخبار المقابلة أيه..أنا شايف اهو بدأتى شغلك

قالت بارتباك :

- اه الحمد لله متشكره أوى يا استاذ حسن

جلس إلى أحد المكاتب وأشار إلى المكتب الرابع والخاوى بجواره :

- ده بقى مكتب الأستاذه نورا..هى مجاتش النهاردة بس لما هاتتعاملى معاها هتحبيها أوى

قالت بفضول:

- هى شغالة معاكوا من زمان

أومأ برأسه قائلا:

- أه .. أصلها بتشتغل من وهى لسه بتدرس زى فارس كده

تصنعت الامبالاة وهى تنظر للملفات أمامها قائلة:

- واضح ان الأستاذ باسم قديم هنا فى المكتب

قال على الفور:

- ده بقالوا عشر سنين هنا.. ده غير أنه ابن خالة الدكتور حمدى وهو اللى ماسك أدارة المكتب تقريباً

تابعت حديثها بتسائل:

- طب وده أيه خلاه ميفتحش مكتب خاص بيه

أعجب حسن بفضولها الذى يشبع رغبته فى الحديث فى شئون زملاءه , نظر نحو باب حجرتهم وقال بصوت خفيض:

- ده ذكاء منه.. لو فتح مكتب هيضطر يجيب محامين وموظفين ويديهم مرتبات ده غير النور والإيجار وخلافه.. لكن كده بيشتغل فى القضايا الخاصة بتاعته واللى بياخد أتعابها كاملة لافى ضرايب ولا يحزنون

حركت رأسها بفهم بينما خرج فارس من مكتب باسم فوجدها تتحدث مع حسن فاتجه إلى مكتبه وجلس خلفه وهو ينظر إليها بتوعد مما جعلها تخفى وجهها بين أوراقها حتى لا تنظر إليه , لم يستطع حسن كتم فضوله أكثر فقال :

- هى الأستاذة دنيا تقربلك يا أستاذ فارس

نظر له فارس بحدة وقال:

- خطيبتى.. ليه؟

أرتبك حسن بسبب عصبية فارس الواضحة وقال:

- لا أبدا مفيش مجرد سؤال ..ألف مبروك

وبعد انتهاء مواعيد العمل فى المكتب انصرفت دنيا بصحبة فارس الذى ظل صامتاً وهو يمشى بجوارها وهى تحاول اللحاق بخطواته الكبيرة, فقالت وهى تحاول جاهدة ألتقاط أنفاسها :

- يا فارس براحة شوية أنا بجرى علشان الحقك

أبطء من سرعته قليلا وظل محتفظا بصمته فقالت :

- أنت مش ملاحظ انك مكبر الموضوع شوية يا فارس

توقف فجأة والتفت إليها  وضغط أسنانه بغضب وهو يقول:

- يعنى انتِ مش شايفة انك عملتى حاجة غلط؟

أرتبكت وقالت بتلعثم :

- يعنى كنت اقوله ايه.. هو اللى سلم وفضل ماسك أيدى

حاول كتم غضبه بقوة وهو يقول:

- خلى بالك انتِ مبتراعيش مشاعرى ولا وجودى خالص .. وانا مش هستحمل كده كتير

حاولت أن تدافع عن نفسها مرة أخرى ولكنه لم يعطيها الفرصة , أوقف سيارة أجرة لتستقلها لمنزلها.

***

الفصل الثالث من هنا 


 

 

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1