رواية حكاية سعاد ( بنت الغلابة ) كاملة بقلم نور الهدى
اما امي ست جدعه و أصيله .. كافحت وصبرت كتير مع ابويا .. وكانت بتحاول تساعده ف مصاريف البيت علي قد ما تقدر .. فاشتغلت خياطة .. وكانت بتقعد طول النهار تخيط وتفصل للجيران اللي حوالينا .. لحد ما ضهرها انكسر ونظرها ضعف.. والإرهاق ظهر ع وشها ..
ابويا لما كان بيشوفها كده كانت بتصعب عليه وبيقولها: ارتاحي ومتتعبيش نفسك ولا تشيلي هم المصاريف .. انا قدها وقدود ..وربك كريم هو اللي بيرزقنا .. فان شاء الله هيرزقني برزقكم .. ومش هخليكم محتاجين حاجه ..
كانت امي بترد عليه بسماحه ونفس راضيه : تعبك راحه .. وانا تعبي هييجي ايه جنب تعبك اللي بتتعبه عشان خاطرنا .. ربنا يخليك لينا ويباركلنا فيك .. اما القرشين اللي بكسبهم من الخياطه اهو بينفعونا ف وقت زنقه ..
ومواقف زي كده كتير كانت بتحصل قدامي .. اتعلمت منها يعني ايه تسامح .. وكفاح .. وصبر .. وأمانة ..
عندي ٦ اخوات وانا أكبرهم.. .. وزي ما انتوا عارفين .. الأخت الكبيرة بتبقي أقرب واحدة لامها وبتساعدها في شغل البيت .. وبتبقي ام تانية لاخواتها الصغيرين بتراعيهم وبتاخد بالها منهم ..
ابويا وامي مش متعلمين وفهمهم علي قدهم .. يعني كان كل اهتمامهم في الحياة أكل وشرب ولبس .. اما التعليم مش مهم .. لان اللي جاي علي قد اللي رايح .. ومش ناقصين مصاريف ..
لكن .. من صغري وانا عندي طموح.. وكان كل طموحي أكمل تعليمي وأدخل كلية الطب .. وعشان ظروفنا وحشة جدا وحالتنا ع قدنا .. حاولوا كتير يقعدوني من المدرسة .. ويقولولي كفاية تعليم لحد كده .. مش عرفتي تقري وتكتبي .. خلاص .. عاوزة ايه تاني .. اقعدي واتعلمي طبخه تنفعك .. !!
لكن انا أحلامي كانت أكبر من كده .. وكان نفسي يبقالي كيان وقيمة في المجتمع اللي انا عايشه فيه ..
زمان لما كنت عيلة صغيرة لما كان حد يسألني نفسك تطلعي إيه كنت برد عليه ببراءة الأطفال واجاوبه : نفسي اطلع دكتورة ..
عارفين ساعتها .. كانوا بيستغربوا من ردي ويقولولي : دكتورة مرة واحده .. متبصيش لفوق يا سعاد واحلمي علي قدك ..
إحباطهم ليا خلاني اتمسك بحلمي اكتر.. واذاكر وانجح كل سنة بتفوق ومن غير دروس خصوصية .. !!
لكن .. أبويا كان رافض اني اكمل تعليمي وكان كل سنة بيحاول يقعدني من المدرسة وانا كنت أتحايل عليه وابكي .. ولو مقتنعش كنت بروح لعمي الكبير واشتكيله.. والصراحة هو الوحيد اللي كان بيقف جنبي في الوقت ده .. ويقنع ابويا اني اكمل ..
ولما نتيجة ٣ ثانوي ظهرت .. نجحت بمجموع ٩٨ في المية .. وفرحت جدا اني أخيرا حلمي هيتحقق وادخل كلية الطب .. ونسيت أن ابويا رافض فكرة اني اكمل تعليمي اصلا .. ومش هيقتنع بسهولة..
حتي يومها قالي : انا صبرت عليكي كتير .. وسيبتك تتعلمي بما فيه الكفاية..والمصاريف اللي اتصرفت عليكي في التعليم كان الأولي تتصرف علي البيت واخواتك.. لكن لحد كده وكفاية .. حرام عليكي هلاحق علي ايه ولا ايه ..
رديت عليه بصوت مخنوق: عشان خاطري يا بابا .. متحرمنيش من حلم عمري اللي ما صدقت انه اتتحقق .. وسهرت وتعبت ليالي كتير عشان اوصل له ..
اتعصب ابويا ورد عليا وقالي : يعني احققلك حلم عمرك .. واخواتك يموتوا من الجوع.. ولا هجبلك فلوس منين .. !!
رديت عليه وقولتله : اذا كان ع الفلوس متشيلش هم .. لاني ممكن اشتغل واريحك من مصاريفي
صمم علي رأيه اكتر.. ورفض اني اشتغل واكمل تعليمي .. مش قسوة منه ولا تحكم بالعكس .. ابويا عمره ما قسي علينا ومفيش احن ولا اطيب من قلبه .. هو بس كان خايف عليا من التعب والبهدلة .. وبالذات اني بنت وعاوز يحافظ عليا ..
لكن هو ميعرفش اني متمسكه بحلمي لدرجه ايه .. !!
ميأستش وروحت لعمي الكبير وحكيت له اللي حصل ودموعي علي خدي وقولتله اني مستعدة اشتغل واشيل مسئولية نفسي ومطلبش منه حاجه .. بس يوافق أكمل تعليمي واشتغل ..
رد عليا عمي وانا حاساه متردد المره دي مش مقتنع : بصراحه يا بنتي مش عارف اقولك ايه .. خايف اقنع ابوكي ويوافق .. تتعبي ومتقدريش وخصوصا انك هتشتغلي ويومك كله هيضيع في الشغل ومش هتلاقي وقت تذاكري فيه ..
رديت عليه وقولتله ميخافش .. ربنا هيقدرني اوفق ما بين الاتنين .. اهم حاجه ابويا يوافق وهو راضي عني ..
مرضيش عمي يكسفني ويطلعني من بيته مكسورة الخاطر .. وبعد يومين جانا البيت وكلم ابويا وأخد وقت طويل علي ما أقنعه.. وكان إقناعه بشغلي كوم .. واني اكمل تعليمي كوم تاني خالص.. واتفاجئت بموقف امي .. لما اتدخلت في الكلام عشان تقنع ابويا مع عمي .. وكلمة منها علي كلمة من عمي .. ابويا وافق ودعا ربنا يوفقني ..
قبل دخول الجامعات بشهر تقريبا .. قررت انزل ادور علي شغل في الشوارع اللي حوالين الجامعه .. عشان أوفر عليا المشوار .. واقدر استئذن وقت المحاضرات واروح واجي بسرعه ..
اتمشيت حوالي ساعه تقريبا .. وقابلني كذا محل عاوز حد يشتغل .. وكنت بدخل وبسأل عن المواعيد والمرتب .. لكن مش عارفه ليه مكنتش برتاح .. واخد منهم رقم التليفون واقولهم طب هفكر وارد عليكم .. !!
كنت بحس اني في حاجه جوايا رافضه المكان.. ومش هرتاح فيه .. حتي لو المواعيد والمرتب مناسبين بالنسبالي ..
حسيت نفسي هلكت و تعبت من كتر المشي .. فقولت لنفسي كفايه كده انهارده .. وابقي ادور بكره تاني .. حتي مش ضروري الشغل يكون قريب من الجامعه .. صحيح هتعب في الروح والجي.. لكن اهم حاجه تكون الشغلانه كويسه وارتاح نفسيا ..
بصيت علي شمالي عشان اعدي الطريق .. لمحت مكتبه كبيرة متعلق علي بابها ورقه .. واكيد مكتوب فيها مطلوب آنسه للعمل .. فاترددت ادخل أسال ولا لا .. لاني خلاص كنت تعبت وقررت أروح .. لكن قولت لنفسي ادخل اسال بالمره وخلاص .. يمكن ارتاح المره دي للمكان وفرصه انها جنب الجامعه .. فدخلت اسأل واستفسر عن المواعيد والمرتب
ولما دخلت ولقيت راجل كبير في السن قاعد فيها .. فاستغربت وخصوصا ان المكتبة كبيرة وباين عليها شامله من كله .. فيها أدوات مدرسية .. ومكنة تصوير أوراق.. وجهاز كمبيوتر وطابعه .. وفاكس .. ازاي بيشتغل فيها لوحده ..
لما شافني صاحب المكتبه كان بيحسبني زبونة .. فقام من مكانه علي طول وسألني باهتمام : عاوزة حاجه .. !!
فقولتله : اه .. حضرتك كاتب ورقه علي باب المحل أنكم عايزين واحده تشتغل هنا في المكتبه .. فممكن اعرف ايه نظام الشغل هنا والمرتب كام ..
فرد عليا صاحب المكتبه وقالي : انتي اللي عاوزة تشتغلي ولا حد من معارفك
قولتله : انا اللي هشتغل ..!! فحابة اعرف المواعيد والمرتب كام
فرد عليا صاحب المكتبه وقالي : طب بصي يا بنتي .. مواعيد الشغل هنا من الساعه ٨ الصبح لحد الساعه ١٠ بليل .. والمرتب الف ونص ..
سكت دقيقه افكر .. وقولت لنفسي يا خسارة .. المواعيد مش مناسبة مع اني لاول مرة ارتاح في مكان ..!!
قطع حبل أفكاري صاحب المكتبه لما سألني : اشتغلتي قبل كده ف مكتبه .. ؟!
رديت عليه وقولتله : لا حضرتك .. اول مرة اشتغل !!
فرد صاحب المكتبة وسألني : بتدرسي ولا خلصتي ؟!
فرديت وقولتله : بدرس .. !! وهدخل اولي طب السنادي ان شاء الله ..!
استغرب صاحب المكتبه وقال : ما شاء الله .. طب هتقدري توفقي ما بين دراستك وشغلك ..
رديت وانا مترددة : ان شاء الله هحاول .. !!
قالي : والدك بيشتغل ؟!
استغربت من سؤاله اللي فيه شئ من الفضول .. لكن جاوبته من غير ما خجل ومن غير تردد : اه .. بياع خضار علي قده .. واللي بيكسبه في اليوم يادوبك بيقضينا بالعافيه .. وعشان كده نزلت ادور علي شغل ..
رد عليا صاحب المكتبه وقالي : جدعه.. والله انتي بنت بمية راجل .. !!
رديت وقولتله :شكرا.. ربنا يخليك .. وربنا يعلم اني ارتحت للمكان هنا .. لكن المواعيد اللي حضرتك قولتها صعبه شوية .. وانا قولتلك كل ظروفي ..
فرد عليا صاحب المكتبة وقالي : خلاص يا بنتي.. اعتبري نفسك اشتغلتي خلاص .. والمواعيد من١١ الضهر ل٦ المغرب بنفس المرتب اللي قولتلك عليه .. ها ايه رايك .. تمام كده .. !!
مصدقتش اللي سمعته .. واتبسطت جدا وقولتله : معقول اللي بتقوله ده حضرتك .. ده كرم جامد منك والله ومش عارفه اقولك ايه ..!!
رد عليا صاحب المكتبه وقالي : متقوليش حاجه .. انا بس هقولك كلمتين .. انا فاتح المكتبه دي ييجي من ٢٠ سنة .. عمري ما جبت حد .. ولا احتجت لحد يشتغل معايا فيها .. لكن لما عجزت .. وكبرت في السن .. مبقتش عارف اشتغل فيها زي الاول .. والمكتبه عايزة مجهود .. اقوم واقعد وانظم واروح واجي .. فكتبت الورقه اللي شوفتيها ع باب المكتبه .. عشان تشوفيها .. وينكتب لك رزقك هنا ..وانا من حسن حظي ان ربنا يرزقني بواحده جدعه زيك.. تساعدني في شغل المكتبة واعتمد عليها .. وائتمنها علي حاجتي وانا مطمن .. انتي فعلا بنت جدعه عارفه ليه
رديت عليه وانا مستغربة وقولتله : ليه
رد صاحب المكتبة وكان صوته حزين : لأنك اجدع من ولادي ..
الاتنين ربيتهم كويس وعلمتهم تعليم عالي .. وصرفت عليهم كل اللي في جيبي .. عشان يطلعوا حاجه كويسه ويقفوا علي رجليهم .. وفي الاخر نسيوني .. وباصين علي قعدتي في المكتبه انها حاجه مش قد المقام .. بعد ما كبرتهم منها وعلمتهم منها احسن تعليم ..
الولد دخل كلية هندسة وبقي مهندس كبير.. واتجوز وخلف .. والبنت دخلت كلية تربية انجليزي وشجعتها تكمل وتاخد الدكتوراه لحد ما دلوقتي بقت دكتورة في الجامعه .. واتجوزت وخلفت برده .. الاتنين فين وفين علي ما بيسألوا عليا ويخبطوا علي بابي .. انا لو شوفت ابوكي هقوله يا بخته بيكي .. عرفت تربي بجد .. !!
بياع الخضار عرف يربي أحسن مني.. !!
كلامه أثر فيا .. وزعلت من تقصير أولاده ناحيته ..مهما كانت أعذارهم .. ميصحش يسيبو ابوهم وميسألوش عنه بعد ما وصل للسن ده .. لانه اكتر سن محتاجهم فيه جنبه .. وبعد كده حمدت ربنا اني لقيت شغل كويس جنب الجامعه عند راجل محترم ..
وصدقت فعلا .. ان الواحد مننا لو مشي في طريق ونيته فيها خير .. وتوكل علي الله.. ربنا هيسهله الحال وبيوقف له فيها ولاد الحلال ..
حكاية سعاد لسه مخلصتش… يا تري هيحصل إيه في الحلقه الجاية .. عاوزة
الفصل الثاني من هنا