روايه وقعت في قبضة الوحش الحلقه الواحد والعشرون


 الفصل الحادي و عشرون من رواية:وقعت في قبضة الوحش.

بقلم/رولا هاني.


صرخات عالية تهز أرجاء المكان، بينما هي تركض و تركض باحثة عن مصدر الصوت، و لكن بات ركضها بلا جدوي!..ما الذي يحدث!؟...الصرخات تزداد عنفًا، و شعور الهلع يجتاحها بلا رحمة!...ظلت تلهث بخوفٍ و هو تقلب نظراتها بالمكان!؟...لا تعرف كيف وصفته بالهدوء وسط تلك الصرخات المرعبة و لكنه بدا مخيف و يصيب المرء بالإرتعاد!.....و فجأة ظهر أمامها لتتنهد براحة و هي ترتمي بأحضانه متشبثة بقميصه الأسود، و أكثر ما بث الأمان لقلبها هو صوته الواثق و هو يقول:


-أنا جمبك يا "نورسين". 

____________________________________________

شهقت بفزعٍ و هي تعتدل في جلستها لترتجف بإرتعابٍ، ظلت تلهث بصورة ملحوظة و صدرها يعلو و يهبط، و فجأة إنتفضت بخوفٍ و هي تصرخ بتلقائية فاتحة عينيها لتراه أمامها يهمس بحنو جعلها تشعر بالإرتياح بعدما تخلصت من ذلك الكابوس العجيب:


-"نورسين"، إنتِ كويسة!؟


تلاحقت أنفاسها لتضع كل كفيها علي ذراعيه ليرمقها هو بتعجبٍ إزداد و هي تهتف بذعرٍ واضح بفيروزتيها:


-كابوس، كابوس يا "زياد".


إزدردت ريقها بصعوبة، لتهمس بنبرة شبه خافتة و هي تسحب كفيها:


-ك....كنت خايفة أوي.


عقد حاجبيه ليضع خصلاتها المتمردة القصيرة خلف أذنها قائلًا بنبرة دافئة جعلتها تهدأ:


-مش عايزك تخافي طول ما إنتِ معايا.


هربت بنظراتها منه و تلك ليست المرة الأولي التي تشعر بها بالخجل بسببه، لذا همست بتوترٍ و هي تهرب من نظراته المصوبة عليها بكل الطرق:


-أ......ا....أنا نمت بالفستان و...و إنتَ مجبتليش أي لبس من هناك! 


اومأ لها عدة مرات، ثم هتف بنبرته الصارمة و هو ينهض من علي الفراش:


-كنت جاي أصحيكي عشان أقولك إني نازل أجيب أكل و لبس و أي حاجة هيحتاجها البيت. 


أزاحت الغطاء من عليها لتنهض هي الأخري هاتفة بذهولٍ:


-أي حاجة هيحتاجها البيت!؟...لية هو إحنا هنطول هنا؟ 


أشعل سيجارته الفاخرة ليجيبها بعدها بنبرته القاتمة المعهودة:


-لسة مش عارف.


و لم يعطيها فرصة للرد بل خرج من الغرفة قائلًا بصرامة لا تقبل النقاش قبل أن يفتح باب الشقة ليخرج منها:


-انا ماشي دلوقت، إياكي حد يخبط علي الباب و تفتحيله و ياريت متدخليش البلكونة ولا تفتحي الشبابيك.


خرجت من الغرفة و لكنه لم يعطيها فرصة لأي شئ عمدًا، فهو لا يريد البقاء معها و لو لدقيقة واحدة بعدما علم جيدًا كم تشكل هي خطرًا عليه!؟....أو ربما من يشكل خطرًا عليه هو العشق!

____________________________________________

-ماما "سيدة" هو عمو اللي إسمه "زياد" دة فين!؟


قالتها "نرمين" و هي تأكل شطيرة الجبن التي بين يديها ببراءة، ثم صوبت نظراتها تجاه "سيدة" التي كانت ترمقها بدهشة قائلة:


-إية فكرك بيه يا "نرمين"!؟


هزت الصغيرة كتفيها لتهتف بنبرة طفولية تحبها "سيدة":


-عادي يا ماما "سيدة" أصله وحشني.


عقدت "سيدة" حاجبيها لترمقها بنظراتٍ مشدوهة هاتفة بإستهجان:


-وحشك!


اومأت لها "نرمين" لتهمس بنبرتها البريئة المعهودة:


-هو كان شكله يخوف، بس شكله طيب.


لم ترد عليها "سيدة"، بل معنت النظر بوجه الصغيرة التي كانت ترمقها بعدم فهم هامسة ب:


-في إية يا ماما "سيدة"!؟


هزت "سيدة" رأسها نافية لتهمس بعدها بمرحٍ و هي تحمل الصغيرة بين ذراعيها:


-مافيش يا حبيبتي، تعالي بقي نكلم عمو "زياد" اللي وحشك دة و نشوف هو فين.


صفقت الصغيرة بفرحٍ شديدٍ بائن علي قسمات وجهها التي إنكمشت بسعادة، بينما "سيدة" تقبض علي هاتفها لتضغط عليه عدة ضغطات بمحاولة منها للتواصل مع "زياد"، و قد كانت ملامحها خالية من التعابير!

____________________________________________

دلف لتلك الغرفة ليجد "صخر" يحاول حل وثاق يديه بكل الطرق، بينما "سالم" فاقد الوعي من شدة الضربات التي تعرض لها، حمحم بصوتٍ عالٍ حتي ينبه بوجوده و بالفعل توقف "صخر" عن المحاولة و رفع رأسه بإرهاقٍ بادي علي وجهه الممتلئ بالكدمات، لتتحول تعابير وجهه الي إخري غاضبة، قاتمة، و ربما مرعبة ليصرخ قائلًا بإهتياجٍ:


-هتندم يا "زياد" يا "نويري".


رد عليه "زياد" بعجرفته المعهودة و هو يرمقه بفظاظة:


-إقفل بؤك يالا علي ما أفضالك، و بعدين أنا جاي للي نايم زي ال*** دة.


صوب نظراته ناحية الحارس "إيهاب" قائلًا بغطرسة:


-"إيهاب"، شوف شغلك.


اومأ له "إيهاب" بجدية، ثم إتجه ناحية "سالم" بعدما إلتقط دلو المياة البارد الذي كان بجانبه، و خلال ثوان سكب الدلو فوق رأسه لينتفض هو جالسًا برعبٍ صارخًا ب:


-كفاية ضرب، معملتش حاجة كفاية.


سحب "زياد" ذلك الكرسي الخشبي المتهالك ليجلس عليه بهدوء، ثم صاح بنبرة قاتمة تصيب المرء بالإرتعاد بعدما وضع ساقًا فوق الأخري:


-إنتَ عارف إنتَ هنا زي ال*** لية؟


تلاحقت أنفاس "سالم" عندما رأي تعابير وجه "زياد" التي لا تبشر بالخير، ثم هز رأسه نافيًا ليقهقه "زياد" بسخرية واضحة صائحًا بتهكمٍ موجهًا حديثه ل "إيهاب" الذي يبتسم بمكرٍ:


-كدة متفهموش يا "إيهاب"!


نهض من علي كرسيه و ظل يقترب منه و تعابير وجهه تزداد قتامة، و بنيتاه تزداد حدة، بينما "سالم" يحاول الزحف للخلف بصعوبة بسبب جسده الممتلئ بالكدمات المؤلمة و لكنه لم يستطع، و فجأة وجده أمامه لتلفح أنفاسه الحارة وجهه ليشعر و كأنه علي وشك مواجهة الجحيم!....باغته "زياد" بلكمة قوية كادت أن تحطم فكه، ثم قبض علي مقدمة قميصه الذي أصبح أحمر بلون الدماء، و صاح بتوعدٍ:


-إنتَ أكيد عارف إن اللي بيقرب من حاجة تخص "زياد النويري" بيحصله إية، صح؟


بصق "سالم" الدماء من فمه، ثم همس برجاء و هو يرتجف بإرتعابٍ:


-صدقني معملتش حاجة، إنتَ أكيد فاهم غلط.


تجاهل "زياد" ما قاله ثم لكمه مرة أخري بقوة شديدة كادت أن تتسبب في فقدان وعيه، و بعدها هتف بصرامة مخيفة ولا تبشر بالخير:


-و تخيل بقي لما تقرب لحد غالي أوي علي "زياد النويري"!


تلاحقت أنفاس "سالم" و شعر بالإختناقٍ، لذا صاح بألمٍ و شعور الدوار يداهمه:


-هو مش أنا، أبوها....أبوها هو اللي عايز يوصلك من خلالها عشان يشتغل معاك. 


تنهد "زياد" بروية فهو لا يعرف أكثر من تلك المعلومات، لذا صاح بإقتضابٍ و هو يرمقه بتحذيرٍ:


-لية؟


ظل" سالم" يلهث من فرط الألم الذي سيطر عليه، ثم همس بنبرة خافتة:


-وضع الشركة بتاعته مبقاش يطمن، و ممكن يفلس الفترة الجاية. 


اومأ له "زياد" بهدوء و قد فهم سبب رغبة ذلك الأحمق في الإقتراب من إبنته، تراجع بخطواته بعدما فاق من شروده قائلًا بإيجازٍ و هو يخرج من الغرفة ليري هاتفه الذي تعالي رنينه المزعج:


-رجعوه لأمه خليها تفرح بيه.

____________________________________________

تعالت الطرقات علي الباب الخشبي فضربت هي قدمها بالأرض بغيظٍ هامسة ب:


-هو اللي بيخبط دة مبيزهقش!


زفرت بحنقٍ عندما تعالت الطرقات مجددًا، فإتجهت ناحية الباب هامسة بنبرة خافتة غير مسموعة:


-مين!


و لكن كل ما كانت تفعله كان بلا جدوي، لذا فتحت الباب متجاهلة ما قاله بحزمٍ صباح اليوم، و ما إن فتحت الباب دلفت تلك المرأة العجوز قائلة بلومٍ و كأنها تعرفها لتعاتبها:


-في إية ياختي مبتفتحيش لية بقالي ساعتين بخبط علي الباب!


تخصرت "نورسين" لتهتف بعدها بحدة جعلت المرأة ترمقها بذهولٍ:


-إنتِ مين يا ست إنتِ!؟


إختفت تلك التعابير المتعجبة من علي وجه المرأة لتهتف بحماسٍ:


-أنا "سعدية" ياختي.


ثم تابعت بإعجابٍ و هي تمرر كفها علي خصلات "نورسين" القصيرة ببطئ:


-إنتِ بقي خطيبة الباشا؟ 


اومأت" نورسين" و هي ترمقها بتوترٍ، لتكمل تلك المرأة ببساطة و هي تربت علي كتفها:


-حلوة!


تنهدت "نورسين" بخفة لتهتف بعدها بفضولٍ:


-هو إنتِ تعرفي "زياد"!؟


إتسعت إبتسامة المرأة لتصيح بعدها بنبرة دافئة، و هي تتجه ناحية الأريكة لتجلس عليها:


-إلا أعرفه، دة أنا أعرفه و أعرف أمه الله يرحمها و أبوه كمان.


إبتسمت "نورسين" بدهاء لتهتف بعدها بلا تفكير:


-بجد!....طب ما تحكيلي عنهم.


كادت المرأة أن تقص عليها شئ تعرفه، و لما لا فلا يوجد شئ تحبه أكثر من اللت، و لكنها إبتلعت كلماتها قائلة بإرتباكٍ واضحٍ:


-لا ياختي أخاف، دة قاسي و مبيرحمش زي أبوه.


عقدت "نورسين" حاجبيها بعدم فهم لتصيح بعفوية:


-أبوه!


اومأت لها "سعدية" ثم صاحت بدهشة و هي تهز رأسها بإستفهامٍ:


-معقول متعرفيش أبوه "أكرم النويري"!


هزت "نورسين" رأسها نافية ثم شردت قليلًا، لتهتف بعدها بترددٍ و هي تصوب نظراتها تجاه تلك الصورة التي كان بها ذلك الرجل العابس:


-هو اللي في الصورة دة؟


اومأت لها "سعدية" هاتفة بحسرة:


-الله يسامحه علي اللي عمله في إبنه و مراته.


صاحت "نورسين" وقتها بتلهفٍ و لم يرحمها فضولها:


-عمل فيهم إية!؟


هزت "سيدة" رأسها بأسفٍ هاتفة بحرجٍ:


-ما أنا قولتلك يا بنتي أخاف أحكيلك اتأذي.


زفرت "نورسين" بضيقٍ، ثم هتفت بتساؤل و هي تضع خصلاتها القصيرة خلف أذنها:


-طب...طب هو فين!؟


تنهدت المرأة لتتحرك بجلسته بعدم راحة هاتفة ب:


-مات مقتول.


شهقت "نورسين" بصدمة لتهمس بعدم تصديق:


-مقتول!


و فجأة صرخت برعبٍ عندما تعالي رنين ذلك الهاتف الموضوع علي الكومود، فقد ظنته لا يعمل و لكنها تفاجأت عندما تعالي رنينه هكذا، لذا توجهت ناحيته لتقبض عليه و هي تضغط علي الهاتف، ثم وضعته علي أذنها قائلة بنبرة شبه هادئة:


-الو مين!؟


أتاها صوت ذلك الرجل يقول بإحترامٍ و جدية:


-أنا "إيهاب" يا "نورسين" هانم، "زياد" باشا باعتني عشان أوصلك الحاجات اللي جابها.


صمت لعدة لحظات ليأتها صوته مجددًا و هو يقول:


-حضرتك أنا تحت البيت، هطلع دلوقت أحط الحاجات قدام الباب و همشي تاني، و كل دة هيتم خلال خمس دقايق بس.


تعجبت من رسميته و جديته في الحديث، لذا صاحت ب:


-طب و لية مخدهاش منك بنفسي!؟


أتاها رده بعد عدة ثوان:


-دي أوامر يا هانم.


زفرت بإمتعاضٍ ثم أغلقت الخط و هي تضع ذلك الهاتف علي الكومود مجددًا، لتتجه ناحية تلك المرأة التي تراقبها بفضولٍ قائلة بخجلٍ:


-معلش بس هو محذرني مدخلش حد البيت و تقريبًا كدة هو قرب يجي.


اومأت "سعدية" بتفهمٍ ثم نهضت من علي الأريكة ببطئ هامسة بحنو و هي تربت علي كتف "نورسين":


-انا عارفة يا بنتي و فاهمة، و متخافيش أنا ساكنة في الدور اللي تحتيكي علطول لو عوزتي أي حاجة إندهي و قولي يا أم "رجب".


ثم تابعت بتلك النبرة الدافئة و هي تتجه ناحية باب الشقة الخشبي:


-و متخافيش أنا هحاول أجيلك كل يوم أقعد معاكي ساعة كدة ولا حاجة بدل ما إنتِ قاعدة لوحدك.


كادت "نورسين" أن تضع كفها علي مقبض الباب و لكنها توقفت عندما هتفت "سعدية" بحرجٍ:


-بس ياختي يعني متزعليش مني، مش شايفة يعني إنه ميصحش تقعدي كدة مع راجل غريب في بيت واحد!


عقدت "نورسين" حاجبيها لترمقها بحدة بينما المرأة تتابع حديثها بأسفٍ:


-أنا مش قصدي حاجة بس يعني الناس هنا مبتسكتش، هو صحيح محدش يعرف إنكوا موجودين هنا بس هيجي وقت و هيعرفوا.


و وقتها باغتتها "نورسين" بسؤالها ب:


-أمال إنتِ عرفتي منين إننا هنا!؟


أجابتها "سعدية" سريعًا و هي تلوح يديها بالهواء:


-كنت واقفة في البلكونة إمبارح بليل و شوفتكوا و إنتوا جايين.


أدارت "نورسين" مقبض الباب لتفتحه قائلة بهدوء:


-خلاص أنا هبقي أفكر في اللي قولتيهولي.


اومأت "سعدية" و قبل أن تخرج وجدت أمامها عدة حقائب بلاستيكية، فإبتسمت بخفة قائلة بخبثٍ و هي ترمق "نورسين" التي شحب وجهها بصورة ملحوظة:


-دة شكله مهتم أوي يا بنتي.


تصنعت "نورسين"الخجل و أطرقت رأسها بحرجٍ مزيفٍ، ثم تابعت "سعدية" و هي تهبط الدرج قائلة:


-أسيبك أنا بقي.


إلتقطت "نورسين" تلك الحقائب و هي تتمتم بصدمة لم تستطع إخفائها أكثر من ذلك:


-معقول يكون والده هو السبب في كل اللي هو فيه!

____________________________________________

-إنتَ فين؟


قالتها "سيدة" بهدوء و هي تضع الهاتف علي أذنها ليأتيها صوت "زياد" الذي لا يطمئن و هو يقول:


-بتسألي لية!؟


عقدت حاجبيها بقلقٍ لتصيح بوجلٍ و شعور التوجس يسيطر عليها:


-مال صوتك!؟..حصل حاجة؟


رد عليها ببروده المعتاد لتزفر هي بإمتعاضٍ:


-خلصي عايزة إية؟


كادت أن ترد عليه و هي تستدير ناحية الصغيرة التي كانت تخلص علي الأرجوحة بتلك الحديقة و لكنها لم تجدها بمكانها، لذا قلبت نظراتها بالمكان و أنفاسها تتلاحق هامسة برعبٍ:


-"زياد" إلحقني

.............................................................................. 

   الحلقه الثانيه والعشرون من هنا

تعليقات



×