الفصل الثاني و عشرون من رواية:وقعت في قبضة الوحش.
بقلم/رولا هاني.
نظرت لتلك الملابس القصيرة التي تكشف أكثر مما تستر بغيظٍ لتهتف بغلٍ و هي تلقي بتلك المنامة الحمراء التي بين يديها:
-و دة بيغيظني دة ولا إية.
زفرت بحنقٍ و هي ترمق فستانها الوردي بتأفف، لذا إلتقطت تلك المنامة القصيرة بضيقٍ هاتفة بإرتباكٍ:
-هعمل إية يعني ما هو مافيش حاجة البسها و أكيد مش هفضل بالفستان دة كتير.
نهضت من علي الأريكة لتتجه ناحية المرحاض لتنعم بحمام دافئ حتي تستطيع التفكير بصورة صحيحة حول "زياد النويري" و أسراره التي لن تنتهي!
____________________________________________
-إهدي يا "سيدة" هجيبهالك متخافيش.
قالها "زياد" و هو يحاول بث الأمان لقلبها من خلال نبرته الواثقة و لكنه لم يستطع بل إستمرت هي في البكاء العنيف، و جسدها يرتجف بقوة و هي تصرخ قائلة:
-ضاعت مني، لية كل حاجة بحبها بتضيع مني يا "زياد"!؟...لية!؟
ربت "زياد" علي كتفيها ثم هتف بثباتٍ و هو يهز رأسه نافيًا:
-مضاعتش منك، قولتلك هجيبهالك تاني، لية مش واثقة فيا؟
أتي وقتها الحارس "عبد الغفور" قائلًا بيأسٍ و هو يطرق رأسه:
-ملقينهاش يا باشا.
صرخ وقتها "زياد" بغضبٍ و جسده يهتز من فرط العصبية، فهو بالفعل يشعر بالمسئولية تجاه الصغيرة:
-يعني إية الكلام دة!؟...هو أنا مشغل معايا عيال صغيرة!؟
و فجأة تعالي رنين هاتفه المزعج، لذا إلتقطه من جيبه و هو يضغط عليه ليضعه علي أذنه قائلًا بعصبية واضحة:
-مين معايا؟
أتاه ذلك الصوت الغير مألوف و هو يقول:
-عندك حق يا باشا تسأل السؤال دة، و بالمناسبة أنا "كامل الشربيني" و أكيد طبعًا عرفت أبقي مين.
لوي "زياد" شفتيه بقسوة صائحًا ب:
-أيوة يعني أعملك إية؟
أجابه "كامل" بخبثٍ و قهقهاته تتعالي:
-يا باشا أنا عندي حاجة تخصك، ما هو يا باشا مش معقول ترجعلي إبن مراتي متبهدل كدة و أسكت!
تنهد "زياد" بتهملٍ و قد فهم ما حدث، لذا هتف بدهاء و هو يمرر كفه علي خصلاته البنية:
-أنا و إنتَ عارفين إن مش دة هدفك، إخلص و قول عايز إية؟
إستمع لتنهيدته المتوترة لذا إبتسم بمكرٍ و هو يستمع لرده ب:
-أحب الناس الذكية يا باشا، هي كلها صفقة صغيرة بيني و بينك، صفقة تساعد شركتي عشان متفلسش و أرجعلك في وقتها البنت الصغيرة، ها قولت إية؟
رد عليه "زياد" بنبرة واثقة و هو يتجه ناحية "سيدة" قبل أن يغلق الخط:
-لا.
جلس "زياد" بجانبها ثم همس بثباتٍ أثار دهشة "سيدة":
-متخافيش هترجعلك.
____________________________________________
-كدة بردو يا "كامل"، بعد ما إديتك كل فلوسي و كل حاجة أملكها متنفذش اللي أنا عايزاه!
قالتها "رفيف" بغضبٍ جحيمي بائن علي قسمات وجهها التي إنكمشت بعصبية، و هي تحتضن إبنها "سالم" الذي كان يسعل بإرهاقٍ، فرد عليها "كامل" بنبرته الخبيثة التي وضحت كل شئ لها:
-يا غبية إفهمي، أنا هعمل معاه الصفقة و هنقذ شركتي، و يجي ياخد مني البت الصغيرة أديهاله ميتة، و أبقي ضربت عصفورين بحجر.
و وقتها رد عليه "سالم" بتهكمٍ بالرغم من نبرته الضعيفة:
-و أديه رفض موضوع الصفقة، ورينا بقي هتعمل إية.
لوي "كامل" شفتيه بعدم رضا و كاد أن يلكم إبن زوجته بوجهه و لكنه توقف عندما وجدها ترمقه بتحذيرٍ، لذا تنهد بتمهلٍ قبل أن يجيبه بنبرة هادئة مصطنعة:
-أكيد هيقبل، هو معندوش حل تاني.
سعل "سالم" مجددًا و هو يضع كفه علي فمه، ثم صاح بجدية و هو ينهض من علي السرير ببطئ:
-خُد بالك، دة "زياد النويري" يعني مش أي حد.
رد عليه "كامل" بإيجازٍ و هو يزفر بحنقٍ:
-لا متخافش، أنا واخد بالي كويس أوي.
قهقهت وقتها "رفيف" بسخرية لتهتف بعدها بتلك النبرة الساخرة المستفزة التي جعلت "كامل" يستشيط غضبًا:
-و لما إنتَ واخد بالك أوي كدة، إبني راجعلي متبهدل كدة لية!؟
زفر "كامل" مرة أخري و هو يصرخ بإنفعالٍ لم يستطع السيطرة عليه:
-إبنك، إبنك، زهقتيني بإبنك دة علي أساس اللي كنت هأذيها دي مش بنتي مثلًا!
شهقت "رفيف" بصدمة لتصيح بعدها بإهتياجٍ و عيناها تجحظ بصورة واضحة عصبية و لا تبشر بالخير:
-إنتَ بتعلي صوتك عليا.
إبتسم "سالم" بمكرٍ و هو يري التوتر بين والدته و زوجها أوج ذروته، لذا فصل عدم التدخل، و لما لا يفضل و ذلك الشئ يعود له بمصلحته بالنهاية!؟...جلس مجددًا علي الفراش و هو يتابع صراخ والدته المزعج ب:
-طب طلقني.
تنهد "كامل" و هو يرمق "سالم" الذي يرمقه بشماتة بغيظٍ، ثم هتف بنبرة دافئة مزيفة:
-و هو أنا أقدر أعيش من غيرك يا "رفيف".
ثم إلتمعت بعينيه تلك العبرات المصطنعة و هو يقول بأسفٍ:
-أنا أسف، بس لازم تكوني عارفة إني بعمل كل دة عشان مصلحتنا.
لاحظ هو ملامحها التي تلين رويدًا رويدًا، لذا تابع ما يفعله و هو يرمق "سالم" الذي ينظر لهما بحقدٍ بإنتصارٍ:
-لكن لو هو دة اللي هيريحك يا حبيبتي، ف إنتِ..
وضعت "رفيف" كفها علي فم "كامل" و هي تصرخ برفضٍ، ثم إحتضنته بتلهفٍ و قد نست كل شئ حدث منذ قليل، أما "سالم" فقد خرج من الغرفة و هو لا يتحمل ما يحدث، و بداخله يخطط كثير من الخطط الشيطانية للتخلص من زوج والدته البغيض!
____________________________________________
-فلت إنتَ منها يا "هلال".
قالتها "روضة" و هي تضع الهاتف علي أذنها ليأتيها رد "هلال" بتلك النبرة المرتبكة:
-ولا فلت ولا حاجة، دة أنا اللي مشيت بدري من الحفلة لما حسيت بحاجة غريبة بتحصل.
همهمت بتفهمٍ ثم مررت كفها علي خصلاتها القصيرة و هي تسمعه يتابع بتلك النبرة المستفزة:
-شوفتي الناس كلها عمالة بتتكلم علي اللي إسمها "نورسين" و علي اللي عملته في الحفلة!
تنهدت "روضة" بعمقٍ قبل أن ترد عليه بنبرة قاتمة، و نيران الإنتقام تتأجج بصدرها:
-دي بذات أنا هوريها أسود أيام حياتها بس الصبر.
و وقتها إستمعت لرده السريع بدهاء ب:
-طب و اللي ينفذلك اللي إنتِ عايزاه دة منغير ما تتأذي، و منغير أي مشاكل مع "زياد النويري" كمان!
إبتسمت براحة فها هو مبتغاها يتحقق دون أي مجهود، ثم همست بعدم فهم مصطنع:
-إزاي يعني!؟
رد عليها بتلك النبرة الماكرة الذي تظهر نواياه بسهولة، فشخصية مثل "روضة" لا يستهان بها ولا بدهائها:
-طبعًا زي ما إنتِ عارفة هما عايزين يخلصوا من "زياد النويري"، و حاليًا كلهم عارفين إن "نورسين" نقطة ضعفه عشان كدة عايزين يأذوها...ها إية رأيك؟
تنهدت بهدوء لتهتف بنبرة شبه ثابتة:
-أيوة إية المطلوب مني مش فاهمة!؟
رد عليها "هلال" بسرورٍ بائن في نبرته بسبب قبولها لما قاله:
-تعرفي مكانها فين، و متخافيش هنحميكي من" زياد النويري" دة إن مكانش مات قبل ما تولدي.
وضعت كفها علي بطنها الذي بدأت أن تنتفخ، ثم همست بنبرة خالية من التعابير قبل أن تغلق الخط:
-خلاص سيبلي الموضوع دة.
ألقت الهاتف علي الكومود بإهمالٍ، ثم إرتمت علي الفراش لتضع كفها الصغير علي بطنها قائلة بأسفٍ واضحٍ و عبراتها تنهمر بلا توقف:
-إنتَ أكتر حد عايزة أتأسفله.
نهضت من علي الفراش لتخرج من الغرفة هامسة بألمٍ و هي تحيط بطنها بكلا كفيها:
-لازم تعرف إني عملت كدة عشان أحميك من الناس دي كلها.
ثم تابعت بنبرة تصيب المرء بالحزن و هي تبكي بحرقة:
-سامحني بس أنا مقدرش أشوفك بتتعذب في وسط الناس دي، محدش هيرحمك، زي ما محدش رحمني محدش هيرحمك.
وقفت ببداية الدرج ثم أطبقت جفنيها بقوة قبل أن تلقي بنفسها من علي الدرج لتقع ببطئ فاقدة الوعي، فتدفقت تلك الدماء منها لتلطخ فستانها الأبيض، بينما تلك الخادمة تخرج من المطبخ لتراها بصدمة صارخة بعدم تصديق:
-"روضة" هانم!
____________________________________________
-"إيهاب" نفذ اللي قولتهولك و متتناقش معايا.
قالها "زياد" بنبرته الصارمة و هو يرمق "سيدة" ذات العينان المنتفختان بثقة شديدة، فرد عليه حارسه بإحترامٍ:
-أوامرك يا باشا.
غادر "إيهاب" المكان فكاد "زياد" أن يبث الأمان لقلب "سيدة" المتوترة من خلال كلماته الدافئة و لكن ما قاطعه هو رنين هاتفه المزعج، لذا أخرجه من جيبه و وضعه علي أذنه بعدما ضغط عليه ليقول بجمودٍ:
-في إية؟
إستمع لما يقال بصدمة شديدة ظهرت علي تعابير وجهه التي إنكمشت بعدم تصديق صارخًا ب:
-إنتِ بتقولي إية!؟
____________________________________________
ظلت "هايدي" تنتظره بذلك المكان المهجور و علي وجهها علامات شبه هادئة و لم تمر عدة دقائق حتي وجدته أمامها بالفعل قائلًا بدون مقدمات:
-موافق.
-بس أنا كدة ممكن أتأذي.
قالها "نادر" بعد صمت دام لعدة دقائق، لترد هي عليه بحدة و هي تعقد ذراعيها بغضبٍ:
-يبقي مش هسامحك.
تنهد بقلة حيلة ليهتف بعدها بلا تفكير:
-خلاص خلاص موافق.
إتسعت إبتسامتها الساحرة لتهتف بحماسٍ و هي تحتضنه بتلقائية جعلته يشهق بتعجبٍ:
-بجد شكرًا ليك إنك هتساعدني عشان أعرف أرجع صاحبتي ليا.
تلاحقت أنفاسه و ذلك الشعور العجيب يجتاحه ، شعور لم يراوده من قبل!؟....شعور بالرغم من غرابته إلا إنه إستطابه!؟....و لم يشعر بنفسه و هو يطوق خصرها ليقربها منه هامسًا بلا وعي:
-هتأذي بس هعمل كدة عشانك!
عقدت حاجبيها بذهولٍ من نبرته التي لا تطمئن، و أكثر ما أصابها بالخجل هو تشبثه بها بتلك الصورة الغريبة و لأول مرة تكون قريبة منه هكذا، لذا إبتعدت عنه بصعوبة هاتفة بتعلثمٍ:
-"نادر"....ا....انا مش مصدقة إنك وافقت.
اومأ لها فنظرت هي له بدهشة.. لما كل تلك الجدية!؟ لما يرمقها بتلك الصورة المثيرة للتساؤل و الإهتمام!؟... لما ينظر لها هكذا!؟....لما عينيه تلتمع بذلك الوميض الذي لم تراه من قبل!؟...لذا و بعد عدة دقائق من الصمت همست هي بتعجبٍ لترمقه بنظراتها المشدوهة:
-"نادر" إنتَ..
و لكنها قاطعها ليبتلع كلماتها بين شفتيه، قبلها بتلك الصورة الرقيقة و هو يطوق خصرها، بينما هي لم تتحرك قيد أنملة من فرط الصدمة، ظل يقبلها بتلك الصورة الدافئة و هو يمرر كفه علي خصلاتها السوداء، أما هي و بعد عدة ثوان حاولت دفعه و بالفعل نجحت لتشهق بقوة و هي تلتقط أنفاسها بصعوبة ملحوظة صائحة بلا تصديق بائن علي قسمات وجهها التي إنكمشت بتوجسٍ:
-"نادر" إنتَ إزاي تعمل كدة!؟
تلمست موضع قبلته بكفها الصغير هامسة بنبرة متقطعة و هي لا تستطيع إستيعاب ما حدث:
-إزاي تعمل كدة!؟
هز هو رأسه نافيًا ليهتف بإيجازٍ و هو يوليها ظهره لاهثًا بعنفٍ:
-أنا مش عارف دة حصل إزاي!؟
تلاحقت أنفاسها و لم تستطع الصراخ بوجهه بسبب خجلها الذي سيطر عليها و ظهر من خلال وجنتيها اللتان توردتا بوضوحٍ، لذا فضلت الإنسحاب من خلال ركضها ناحية السيارة التي دلفتها و إنطلقت بها سريعًا لتغادر المكان دون أن تنبس بكلمة واحدة!
____________________________________________
كان يقف أمام غرفة "العمليات" و علي وجهه علامات قاتمة، مخيفة، مرعبة، و ربما تصيب المرء بالإرتعادٍ، لما قامت بتلك الفعلة المشينة!؟...كيف إستطاعت!؟ ألم يكن ذلك هو الجنين الذي كان سيصل بها الي مبتغاها!؟..."روضة" شخصية معقدة كالمتاهة و ربما غير مفهومة، و ربما أيضًا غير سوية!...هو حتي متردد في قتلها!...فهو أكثر الناس معرفة بما مرت به، و لكنها هي من أصرت علي خداعه هي من أرادت ذلك فلتتحمل نتيجة أفعالها الحمقاء، و بالرغم من كل ذلك إلا إن بكائها مازال بأذنه، صراخها ألمًا من شدة القسوة و البرودة عندما كانت تنام علي الأرضية الباردة ببيت والده منذ عدة سنوات مازال بأذنه، إستنجادها بوالدها الحقير مازال بأذنه، لم ينسي شئ و ذلك ما يجعله متردد في قتلها!..هي تحولت وحش مثلما تحول هو، و إن قتلها فيجب أن يُقتل هو الأخر!
و بتلك اللحظة خرج الطبيب ليهتف بأسفٍ:
-...
......................................................................