الفصل الثالث و ثلاثون (قبل الأخير) من رواية:وقعت في قبضة الوحش.
بقلم/رولا هاني.
-لسة معاك رقمي!
قالتها "سيدة" بتعجبٍ بائن علي تعابير وجهها التي إنكمشت بذهولٍ، بينما الصغيرة "نرمين" تستيقظ بفضولها المعهود لتتابعها بعدما نامت بين أحضانها، و بتلك اللحظة رد عليها "مؤمن" بنبرة عابثة:
-و إنتِ لسة حافظة رقمي!
إبتسمت بخجلٍ و لم تستطع الرد عليه، فوجدت نبرته اللطيفة تهتف بصدقٍ:
-لما جيتيلي النهاردة حسيت إنه لسة في أمل، أنا متصل بيكي دلوقت عشان أسألك يا "سيدة"، لسة في أمل ولا خلاص؟
إتسعت إبتسامتها الساحرة لتهمس بعدها برقة و ملامحها تلين رويدًا رويدًا، بينما عسليتاها تلتمع بوميض العشق الواضح:
-لسة في أمل.
إستمعت لتنهيداته التي توضح مدي راحته بإبتسامتها الواسعة، و بعد عدة ثوان بعدما إستطاع هو إستيعاب تلك الصدمة هتف بحبورٍ:
-تصبحي علي خير.
تنهدت بعمقٍ قبل أن ترد عليه بنبرتها الدافئة لتنتبه وقتها للصغيرة "نرمين" التي تراقبها بفضولها الطفولي البرئ:
-و إنتَ من أهله.
أغلقت الخط سريعًا لتصيح بإرتباكٍ و هي تعقد حاجبيها بتوترٍ ملحوظٍ:
-إية دة "نرمين" إنتِ صحيتي إمتي!؟
إبتسمت الصغيرة بحرجٍ و حاولت تجاهل ما قالته "سيدة" و هي تهمس بإهتمامٍ:
-ماما "سيدة" إنتِ هتتجوزي الراجل اللي شوفناه الصبح؟
شهقت "سيدة" بخجلٍ و هي تضع أصابعها علي فمها هامسة بتوبيخٍ طفيفٍ:
-إية الكلام دة يا "نرمين"!؟
جخظت عينان "سيدة" و هي تري الصغيرة تلقي عليها نظرات ماكرة تنبه بفهمها لكل شئ، لذا إزدردت ريقها قبل أن تهمس مجددًا بهدوء مزيفٍ:
-أكيد لا طبعًا مافيش الكلام دة.
أومأت لها الصغيرة عدة مرات ثم عادت مجددًا لأحضانها هاتفة بدهاء عجيبٍ و هي تطبق جفنيها لتستعد للنوم:
-هنشوف يا ماما "سيدة"، هنشوف.
____________________________________________
-هنروح فين دلوقت؟
قالها "زياد" بإستفهامٍ بعدما غادر الجميع المكان فأجابه "صخر" بنبرة جليدية و هو ينفث دخان سيجارته:
-هنستني لغاية بكرة، لغاية ما نعرف "سلطان" ناوي ل"جاك" علي إية.
تسائل "زياد" بنبرته القاتمة و هو يصوب نظراته ناحية "صخر" الذي أدار محرك السيارة لينطلق بها:
-هو ممكن ميقتلهوش!؟
تنهد "صخر" بحيرة قبل أن يصيح بصدقٍ و هو يهز رأسه عدة مرات:
-مش عارف، "سلطان" مش سهل و محدش يعرف هو بيفكر في إية؟
رمش "صخر" عدة مرات قبل يهمس بتعجبٍ و هو يحك مقدمة رأسه بعدم فهم:
-طب هو إنتَ مش خايف منه؟
رد عليه "زياد" بثقة و هو يطبق جفنيه بتعبٍ و لغوبٍ حقيقين فهو لم يذق طعم النوم أو الراحة خلال تلك الأيام الماضية:
-مش هقولك "سلطان" ميعرفنيش و لكن قتلي مش هيفيده بحاجة، "روبرت" كان مسيطر علي دماغ "جاك" و منقدرش ننكر دة، لكن "جاك" مهما يعمل إستحاله يعرف يسيطر علي دماغ "سلطان" و أديك شايف هو فشل ف دة إزاي، و إلا مكانش زماني قاعد جمبك دلوقت.
اومأ له "صخر" عدة مرات ثم صاح بتحذيرٍ و هو يلقي بسيجارته لخارج السيارة:
-طب خلي بالك إحنا لسة معرفناش "سلطان" هيعمل إية مع "جاك"، يعني بلاش تفضل مطمن لفكرة إن "سلطان" مش حاطك في دماغه.
اومأ "زياد" عدة مرات بعدم إهتمام قائلًا بهدوء و هو يحاول مقاومة ذلك النعاس:
-وديني المعادي.
رد عليه بنبرته العادية و هو يعتدل في جلسته:
-حاضر.
___________________________________________
ظلت تقضم أظافرها بتوترٍ ملحوظٍ و هي تهز ساقيها بحركات عشوائية من فرط القلق الذي سيطر عليها و كإنه مرض بغيض لا يترك المرء و لو لدقيقة واحدة، كفكفت عبراتها للمرة العاشرة بنفس الدقيقة و حركات جسدها الغير منتظمة تزداد سرعة ليتبين كم هي خائفة!...ليتبين شعور الوجل الذي سيطر عليها لعدة ساعات منذما تركها!...و بالرغم من نبرته التي طمأنتها و لكن أوامره التي ألقاها علي صديقتها من عدم خروجها من المنزل جعلت التوجس يتملكها، ربما هو بخطرٍ!...ربما هناك مصيبة علي وشلك الحدوث و هو يريد حمايتها منها بكل الطرق، و عند تلك اللحظة هبت "نورسين" واقفة برعبٍ لتدور برأسها تلك الأفكار التي راودتها بلا رحمة!...أهل هو بخير!؟....أم إن هناك شئ ما أصابه!؟ ...نظرت تجاه باب الغرفة لتنوي الذهاب تجاهه مجددًا لتطرق عليه بلا ملل ولا تعب صارخة بهستيرية:
-إفتحيلي الباب يا "هايدي" خليني أخرج و أشوف هو فين، إفتحيلي البـــاب.
إستمعت لصوت المفتاح الذي وُضع بمكانه بالباب من الخارج فإبتسمت بضعفٍ من وسط عبراتها التي غمرت وجنتيها بلا وعي، و بتلك اللحظة إنفتح الباب ليدلف هو منه متأملًا عينيها المتورمتين من فرط البكاء و وجهها الذي أصبح يميل للحمرة من فرط النحيب، لذا إقترب منها ببطئ هامسًا بأسفٍ بائن بنبرته المتحشرجة:
-"نورسين" دة أنا، "زياد"، إنتِ كويسة!؟
تلاحقت أنفاسها لتومئ له عدة مرات و هي ترمقه بإشتياقٍ ظهر بفيروزتيها اللتان ظهر بهما العشق الشديد، عشق لا يُقاوم، عشق من قوته لم تستطع تلك ال"نورسين" مجابهته، عشق تحدي الصعاب ليكن لهما، للقطة و الوحش، لتلك ال"نورسين"، و لذلك ال" زياد"، تحركت قليلًا تجاهه بعدما تسمرت بمكانها لعدة دقائق بينما هو يبسط ذراعيه لتكن تلك دعوة منه لترتمي هي بين أحضانه صارخة بنبرة عنيفة توضح به سوء حالتها خلال تلك الساعات:
-بقيت زي المرض اللي صابني، لا أنا عارفة أعيش معاه من الخوف، ولا أنا عايزة أتعالج منه.
طوق خصرها ليضمها الي صدره هامسًا بتلك النبرة اللطيفة التي خففت من حدة الموقف:
-"نورسين" أنا بس كان ورايا حاجة مهمة.
دفعته بعيدًا عنها لترد عليه بصراخٍ قوي بالرغم من نبرتها المبحوحة، و بتلك اللحظة شعرت بالإختناقٍ من فرط بكائها الذي أصاب وجهها بحمرة شديدة لا تبشر بالخير:
-و لية قولت ل"هايدي" متخرجنيش عشان هكون في خطر.
حاولت التنفس بصورة طبيعية و هي تكمل بتلك النبرة الضعيفة، بينما هو يراقبها بصدمة فهو لم يكن يتوقع حالتها تلك بأي وقت:
-إرحمني من الرعب و الخوف اللي معيشني فيه طول الوقت، إرحم حُبي ليك و كفاية كدة.
جحظت عيناه بغضبٍ لم يستطع إخفاءه، لم يستطع إحتواء رعبها و هلعها فصرخ هو الأخر بإهتياجٍ جعلها تنتفض من فرط الفزع:
-إنتِ لية أنانية كدة!؟....هو أنا بعمل كل دة لية!؟....بعرض حياتي للخطر لية؟..مش عشانك!؟ ....عشان أعيش معاكي و نفضل سوا، رُدي عليا متسكتيش.
إنهمرت عبراتها أكثر لتغمر وجنتيها مجددًا فهمست وقتها بلومٍ و نبرتها تعاتبه:
-"زياد"!
عض علي شفتيه بندمٍ و هو يضرب الحائط بقبضته بعدما كورها، ثم مد كفه للأمام و هو يقبض علي خصلاتها بخفة ليسحبها نحوه ضاممًا إياها مجددًا و هو يصيح بأسفٍ ليربت علي ظهرها بحنو:
-أنا أسف يا "نورسين".
تشبثت هي بملابسه و لم تهتم لما يقوله فذلك هو أكثر ما تحتاجه بتلك اللحظة!...نعم مجرد إقترابها منه لتكن بين ذراعيه هكذا يجعلها تشعر بالراحة، لتكن هادئة مطمئنة لا تهتم لأي شئ، فقط بين يديه ليتملكها شعور الأمان، و بتلك اللحظة لم تستطع ساقاها حملها فمالت هي بجسدها علي جسده ليزكن هو الأمر، و خلال لحظات إنحني قليلًا واضعًا يد خلف ظهرها و الأخري خلف ركبتيها ليحملها سريعًا و هو ينظر مباشرةً لفيروزتيها هاتفًا ب:
-خلاص يا "نورسين" كلها يومين و نبقي سوا.
____________________________________________
صباح يوم جديد.
مدت كفها من أسفل الغطاء لتلتقط الهاتف من علي الكومود فنظرت لهوية المتصل بتأففٍ و هي تضغط علي الهاتف لترفض المكالمة، ثم عادت للنوم مجددًا و لكن إصرار المتصل في التواصل معها جعلها تنتفض جالسة بضيقٍ لتأخذ الهاتف ضاغطة عليه بإنفعالٍ صائحة بفظاظة:
-عايزة إية يا ماما؟
وجدت صوت صراخ والدتها الغاضب يصدر من الهاتف فأبعدته قليلًا بعدم إهتمام حتي إختفي الصوت، فأعادته لأذنها صائحة بنفاذ صبر:
-خير يا "هادية" هانم؟
تعالي صراخ "هادية" مجددًا و هي توبخ إبنتها قائلة:
-إنتِ فين!؟...بقالي كتير عمالة بحاول أوصلك و مش عارفة.
نهضت "هايدي" من علي الفراش لتمرر كفها علي خصلاتها المشعثة و هي تهتف بعجرفة:
-إنتِ بتتكلمي كدة، مش كفاية اللي عملتيه.
توترت نبرة "هادية" و هي تصيح بإرتباكٍ ملحوظٍ:
-عملت!...عملت إية؟
قهقهت "هايدي" بتهكمٍ و هي ترد بسخرية لتوضح لوالدتها دهاءها الذي كشف خطتها الحمقاء:
-متحاوليش تضحكي عليا تاني، إية فاكراني مش عارفة إنك إتفقتي مع "نادر"؟
لم تجد رد من والدتها، و بالتأكيد لن تجد ف الصدمة تسيطر عليها، لذا صاحت هي بحنقٍ ظهر بنبرتها:
-عايزة أفهم إنتِ لية عملتي كدة!؟...رُدي عليا أنا تعبت من التفكير.
إزدردت "هادية" ريقها بصعوبة بالغة قبل أن ترد علي إبنتها بوهن مزيفٍ لتستعطف إبنتها:
-عشان متفضليش لوحدك يا بنتي.
إبتسمت "هايدي" بألمٍ و هي تهمس بقنوطٍ لتتهاوي عبراتها الحارة علي وجنتيها:
-كل دة كنتي فاكرة إنك بتصلحيلي مشكلة!....أنا دلوقت بتعذب بسببه يا أمي!
عقدت "هادية" حاجبيها بإستهجان و هي تصيح بإستنكارٍ:
-"هايدي" إوعي تكوني...
قاطعتها إبنتها بقهرٍ و هي تنتحب بهستيرية:
-أيوة يا ماما بحبه، بحبه و مش عارفة دة حصل إمتي ولا إزاي!
لم تجد رد من والدتها فخمنت هي رفضها لما قالته، لذا هتفت بتلك اللحظة برجاء و علي وجهها تظهر علامات التوسل:
-أرجوكي يا ماما توافقي إني أبقي معاه، عشان خاطري متقفيش في طريق سعادتي.
إستمعت لتنهيدات والدتها بنفاذ صبر و لكنها إبتسمت بفرحٍ عندما وجدتها ترد عليها بهدوء:
-حاضر يا "هايدي"، مش هقف في طريق سعادتك.
تعالت ضحكات "هايدي" و هي تغلق الخط لتقف علي سريرها و هي تقفز بسرورٍ و فجأة توقفت عن الحركة عندما إستمعت لصوته من خارج البيت و هو يهتف بإسمها، لذا هبطت من علي الفراش و هي تركض ناحية الشرفة لتدلفها و هي تبحث عنه بخضروتيها، و بالفعل وجدته بالأسفل و علي وجهه إبتسامة واسعة ظهرت ما إن دلفت للشرفة، هي لن تنكر تلك الإبتسامة الساحرة التي ظهرت علي وجهها ما إن رأته و لكنها يجب أن تتأكد من حبه لها، لذا أخفت تلك الإبتسامة من علي وجهها و هي تهتف بحدة:
-عايز إية!؟
مد ذراعه للأعلي و هو قابضًا علي تلك الزهور الفاخرة قائلًا ببراءة مصطنعة:
-عايز أديكي الورد!
إلتمعت عيناها بوميضٍ قوي يبين مدي حبورها بما تراه، فتلك هي المرة الأولى التي يدللها أحد فيها هكذا، لذا إبتسمت بخجلٍ و هي تومئ له عدة مرات لتدلف مجددًا لغرفتها لتخرج منها و هي تنوي الذهاب له و قلبها يحلق بالسماء من فرط الفرح!
____________________________________________
-أيوة أيوة جاية أهو.
قالتها "سيدة" بنعاسٍ و هي تتجه ناحية باب البيت بسبب تعالي صوت تلك الطرقات و ما إن فتحت الباب رأت..
.....................................................................