الفصل الحادي عشر من رواية:وقعت في قبضة الوحش.
بقلم/رولا هاني
أطبقت جفنيها و هي تحاول الهروب من واقعها المرير، و لكنه يلاحقها كظلها!..يلاحقها بكل مرة تنغمس فيها بأحلامها و هي تأمل أن تنسي كل شئ!..تنسي وحدتها التي تقيدها بصورة مؤلمة!..تنسي وحدتها التي باتت رفيقتها طوال حياتها!..والدتها لا تشعر بوجودها بل كل ما تهتم به هو السفر من أجل عملها فقط، والدها ذو شخصية ضعيفة ولا يهتم بها و لا حتي بوالدتها، هي حتي لا تمتلك حبيبًا كبقية صديقاتها!..رجل يفهم ما تشعر به فيتحضن ألمها الذي تتمني أن يوجد شخص ليشاركها إياه!..ظلت "نورسين" الصديقة المقربة لديها بسبب تشابه حياتهما و لكن الفرق هو إن نورسين قوية لا تهتم لأي شئ و لكن هي ضعيفة كالزهرة التي داهمتها الرياح، و لكن أين صديقتها الآن!؟..أصبحت عاجزة لا تستطيع إعادتها و كأن الحياة تسلب منها كل ما هو جميل!...إنتحبت "هايدي" بقهرٍ و هي تضع كلا كفيها علي وجهها لترتجف بألمٍ و هي تشهق بحسرة واضحة علي كل حياتها التي تمر بلا فائدة!....تنهدت ببطئ لتهمس بنبرة خافتة مبحوحة و هي تقلب نظراتها بالمكان:
-إنتِ فين يا "نورسين"!؟....انا محتاجالك أوي.
____________________________________________
إنتهي ذلك اللقاء الذي كان كالحجر علي قلبه، و غادرت تلك الصحفية من المنزل لتهتف بعدها الصغيرة بعفوية و هي ترتدي سترتها مجددًا:
-هو إنتوا لية كل شوية تسألوني عن بابا!؟
نظر لها "زياد" مطولًا لترمقه هي ببراءة، و هنا تدخلت "سيدة" قائلة بضيقٍ مما حدث:
-يلا يا "نرمين" عشان نروح.
هتف وقتها "زياد" بنبرته الصارمة التي لا تتحمل النقاش:
-باتوا هنا إنهاردة، الوقت إتأخر، دة غير إني عايزك في موضوع يا "سيدة".
اومأت له قائلة بفتورٍ و هي تسحب الطفلة ورائها تجاه إحدي الغرف:
-هنيم البنت و أجيلك لإني عايزة أتكلم معاك بردو.
إنتظر حتي ذهبت ليخرج من قناع البرود الذي إصطنعه لفترة طويلة، و فجأة ركل تلك الطاولة بقدمة لتقع أرضًا بما عليها بينما هو يصيح بإهتياجٍ:
-يا تري مين الراجل اللي مشيتي معاه يا "نورسين"!؟
____________________________________________
شهقت بخوفٍ عندما فتحت جفنيها لتراه أمامها مباشرًة فهتفت هي سريعًا و هي تحمي وجهها بكلا كفيها قائلة برعبٍ حقيقي:
-معملتش حاجة تاني، معملتش حاجة!
إقترب "زياد" منها ليهتف بنبرة تدب القشعريرة بجسد المرء جعلتها ترتجف من فرط الإرتعاد:
-إسمعي يا "روضة" أنا هتجوزك عشان مش أنا اللي أسيب إبني يتبهدل في الشوارع، بس صدقيني يا "روضة" لو طلع مش إبني مش هقدر أوصفلك أنا هعمل فيكي إية من بشاعة اللي هيحصلك.
مد ذراعه ليجعلها تنهض واقفة أمامه، ثم همس أمام وجهها لتلفحه أنفاسه الحارة:
-بكرة الصبح يا "روضة"، بكرة الصبح هتجوزك و هتكوني مراتي..!
تلاحقت أنفاسها و هي تري الأحداث تتطور بصورة غير متوقعة و بالرغم من فرحتها إلا إن شعورها بالإرتعابٍ من تهديده الصريح أفسد شعورها بالسعادة، إزدردت ريقها بتوترٍ، ثم لعقت شفتيها و كادت أن تهتف بشئ ما و لكنه قاطعها بغطرسة قائلًا و هو يدفعها بخفة تجاه باب الغرفة:
-إطلعي برة هتلاقي "راضية" هتوديكي أوضتك.
اومأت له و هي لا تستطيع مناقشته بالإضافة إلي إنقباض قلبها بصورة عجيبة و كأنه يخبرها بإن النهاية تقترب!
____________________________________________
خرجت من تلك الغرفة بعدما إطمأنت علي الصغيرة "نرمين" النائمة، لتجد الخادمة "راضية" تأخذ تلك الفتاة الغريبة تجاه غرفة ما بينما هو يتابعهما بنظراتٍ لا تطمئن ولا تبشر بالخير أبدًا!
إقتربت هي منه لتقطع حبل أفكاره قائلة بعصبية خفيفة و هي تعقد ساعديها أمام صدرها:
-لية عملت كدة!؟..لية تعمل حاجة تأثر علي الحالة نفسية للبنت بالشكل دة!؟
وجه نظراته صوبها ليهتف بشرودٍ و هو يتنهد علي مهل:
-أول مرة أعمل حاجة و أندم بالطريقة دي!
هتفت بتهكمٍ و هي ترمقه بنظراتٍ تعاتبه علي فعلته:
-عشان فكرتك بحياتك، مش كدة؟
هز رأسه بحيرة ليهمس و نظراته الزائغة تتابعها:
-يمكن.
سألته بنبرة شبه عادية و هي تحاول التحدث بشئ أخر حتي لا تري حالته تلك التي تصيب المرء بالشفقة:
-كنت عايزني في إية؟
وجدته يهتف بلا مقدمات و هو يتجه ناحية الأريكة ليجلس عليها و هي خلفه لتجلس علي ذلك الكرسي الخشبي:
-روحتي ل "سهيلة" لية؟
أجابته بتأففٍ فهي تعرف جيدًا إن ذلك الحارس لم يتواني عن إخباره بما حدث:
-كنت بخليها تشوف البنت عادي، و بصراحة كدة أمرتها لما "أسامة" يجيلها تاني متقولوش عن أي حاجة تخصنا.
عقد حاجبيه ليسألها بذهولٍ:
-هو جالها قبل كدة!؟
اومأت له لتصيح بترددٍ و هي تري تعابير وجهه الهادئة تتحول الي أخري قاتمة:
-أيوة و كان عايز منها تعرف معلومات عن "نورسين".
صاح بوجهها بهدوء مزيفٍ أخفي به غضبه الجحيمي بمهارة لا تليق سوي به:
-قوليلها متنفذش اللي قولتيلها عليه.
تعجبت مما قاله لتسأله بفضولٍ:
-أمال تقوله إية!؟
رد عليا بمنتهي البساطة و هو يتركها ليصعد الدرج ليتجه لغرفته:
-تقوله الحقيقة، إنها متعرفش أي حاجة.
ثم تمتم بنبرة غير مسموعة ساخرًا:
-بني أدم غبي لسة فاكر إن واحدة زي "سهيلة" هتنفعه بعد ما كشفناها!
____________________________________________
صباح يوم جديد.
ظلت تصيح بإسمه و لكن لم تجد أي إجابة، لذا نهضت من علي ذلك الفراش و هي تتمتم بعدة كلمات غير مفهومة، ثم خرجت من الغرفة لتبحث عنه بعينيها فلم تجده!
إتجهت ناحية المطبخ بسبب شعورها بالجوع لتجده واضعًا هاتفه علي أذنه و هو يهمس بعدة كلمات غير مسموعة، إقتربت منه قليلًا لتجده غير منتبه لوجودها و إزداد ذلك عندما أولاها ظهره فإقتربت هي منه لتستمع لما يقوله بشكٍ:
-لا يا ماما أنا مش هقبل ب دة يعني إية المصلحة كلها تروحله، مش كفاية إني قبلت أشترك معاه في اللعبة دي، و كفاية إني مستحمل إنك إتجوزتي بعد ما أبويا مات، و كمان مفلس و حتي مش عارف ياخد حاجة من بنته دي!
جحظت عيناها بصدمة لتترقرق الدموع بمقلتيها و هي لا تصدق ما إستمعته و لكنها تأكدت من شكوكها عندما قال "سالم":
-قوليله لو الفلوس اللي هنطلع بيها لو مبقتش بالنص هموت بنته فاهمة.
تراجعت "نورسين" بخطواتها و الصدمة تعتريها، وضعت كفيها علي فمها لتكتم شهقاتها التي كادت أن تفضحها، ثم ركضت بخطواتها السريعة ناحية باب المنزل و دموعها تتهاوي بألمٍ!
مدت كفها المرتجف تجاه قبضة الباب لتديره بصعوبة بالغة بسبب دموعها التي حجبتها عن الرؤية، ثم فتحت الباب ببطئ حتي لا يصدر أي أصوات و إنطلقت راكضة لخارج المنزل و هي تنتحب بصوتٍ تنفطر له القلوب!
____________________________________________
-(بارك الله لكما و بارك عليكما و جمع بينكما في خير)
قالها المأذون بعدما تم بالفعل عقد قرآنهما ، إنفرجت شفتاها بفرحٍ و هي ترمقه بسعادة بينما هو يرمقها ببرودٍ جعل إبتسامتها الواسعة تختفي لترمقه بترقبٍ و لم تشعر بالناس الذي غادرت المكان بسبب شرودها به لتجده يقول بجمودٍ و هو يشير للأعلي ناحية غرفته:
-عايزك تطلعي الأوضة و متخرجيش منها فاهمة؟
وقفت أمامه لتهمس برقة مزيفة و نبرتها يسيطر عليها الغنج:
-بس أنا مش محبوسة يا "زياد" عشان تحبسني في أوضتك!
قبض علي ذراعها ليصيح بتحذيرٍ و قد أصبحت تعابير وجهه قاتمة مخيفة:
-"زياد" باشا، متنسيش نفسك.
إقتربت منه بجرائه لتدفن وجهها بعنقه تقبله عدة قبلات بطيئة هامسة بنبرة خافتة لتشمئز تعابير وجهه:
-لية هو انا مش بقيت مراتك!؟
شدد قبضته علي ذراعها أكثر لتتأوه بقوة و فجأة سحبها بعيدًا عنه ليرميها ناحية الأريكة فوقعت عليها جالسة لتتأوه مجددًا و هي تضع كفها علي بطنها بألمٍ، و إنتفضت برعبٍ عندما صرخ بوجهها قائلًا:
-عارفة يا "روضة" لو كررتي اللي عملتيه دة تاني انا هقتلك، فاهمة؟
اومأت له و دموعها تهبط بلا توقف من شدة الإرتعابٍ لترمقه بغلٍ و هو يتجه ناحية باب المنزل عندما إستمع لتلك الطرقات العالية التي تصيب المرء بالفزع!
فتح باب المنزل ليجدها أمامه بتلك الهيئة المفزعة!...ملامحها شاحبة، نظراتها زائغة ترمقه بهلعٍ، خصلاتها مشعثة بصورة عجيبة، دموعها تتهاوي بقهرٍ لترتجف بصورة جعلته يرمقها بإستنكارٍ و فجأة إرتمت بين يديه ليلتقطها هو قبل أن تقع، و فجأة جحظت عيناه لترمقها بنظراتٍ مشدوهة خاصة عندما صرخت بحسرة قائلة:
-كلهم باعوني!....كلهم سابوني لوحدي!
إشتعلت عيناه بصورة عجيبة و هو يتوعد لمن تسبب في حزنها و ألمها، ثم إنحني قليلًا ليضع يده خلف ظهرها و الأخري خلف ركبتيها ليحملها بين يديه و هو يرمقها بنظراتٍ مطولة و هي تتشبث بقميصه لتدفن وجهها بعنقه ليتهز جسدها بين يديه أثرًا لتلك الصرخات المكتومة التي أطلقتها، ثم إقترب من أذنها ليهمس بجانبها بنبرة دافئة بثت القليل من الأمان لقلبها:
-متخافيش إنتِ جمبي و محدش هيقدر يأذيكي.
إستدار للجهة الأخري ليصعد الدرج ليتجه ناحية غرفتها غير مكترث ل "روضة" التي ترمقهما بغلٍ و حقدٍ واضحين!
____________________________________________
-أيوة يا "سيدة"!
قالتها "سهيلة" بتوترٍ و هي تضع الهاتف علي أذنها بعدما أعطاها الحارس إياه ليخبرها برغبة "سيدة" في الوصول إليها، وجدت ردها الذي كان بنبرة تحذيرية جعلت ملامحها تتقلص بتعجبٍ:
-إنسي اللي إتفقنا عليه و لو "أسامة" جالك تاني قوليله إنك معرفتيش تعرفي حاجة.
تنهدت "سهيلة" قائلة بطاعة:
-حاضر يا "سيدة".
ثم كادت أن تسألها عن إبنتها و لكنها أغلقت الخط لذا تسائلت بشوقٍ و دموعها تلتمع بعينيها:
-يا تري عاملة إية يا "نرمين" يا بنتي؟
____________________________________________
تشبثت به أكثر فلم يستطع تركها لذا تمدد بجانبها علي الفراش و هو يحتضنها بتوترٍ من شعوره بالألم لحالتها الذي لا يستطيع إنكاره، قُطع حبل أفكاره عندما ظلت تهمس بلا وعي و هي ترتجف بين يديه بصورة قوية جعلته يشدد من ضمه إليها:
-ل..لية مافيش حد معايا ها!؟....ط...طب لية هو محبنيش....ز...زي...ما أي أب بيحب بنته ها!؟...هو أنا وحشة!؟..ط..طب لية سابني كل السنين دي لوحدي أنا كنت محتاجاله!
إنتحبت بخوفٍ عندما تذكرت "سالم" عند ذكره لقتلها قائلة برعبٍ و هي ترمقه بإستنجادٍ:
-دة كان عايز يقتلني، كان عايز يقتلني و يموتني!
هز رأسه نافيًا ليجيبها بإصرارٍ و هو يكفكف عبراتها الحارقة:
-قولتلك محدش هيقدر يأذيكي.
جملته الواثقة جعلتها تتوقف عن البكاء لتشدد من تشبثها به لتضع رأسها علي صدره و هي تطبق جفنيها مستسلمة لتلك الراحة التي كانت بين يديه فقط!
..............................................................................
عارفة إن موضوع والد نورسين مازال مبهم و شبه غير مفهوم لكن دة كله هيتوضح في الفصول القادمة، هيتوضح والدها دة قصته إية و مرات والدها و إبنها و لو في أي حاجة تانية شايفينها غامضة أو غير مفهومة أسألوا و انا هجاوبكوا❤️
و دمتم سالمين❤️