الفصل الخامس عشر من رواية:وقعت في قبضة الوحش.
بقلم/رولا هاني
-ممكن أفهم إية سبب اللي حصل دة!؟
قالتها بإنفعالٍ و هي تعقد ساعديها أمام صدرها بضيقٍ، فهتف هو بحيرة جعلتها ترمقه بصدمة متجاهلًا ما قالته:
-تفتكري الواحد في الطبيعي نقطة ضعفه بتبقي خطيبته و مراته و كدة!؟
نظرت له مطولًا قبل أن تهمس بروية و هي ترمقه بإستغرابٍ:
-بُص هو في الطبيعي اة، إنما معاك إنتَ ف الموضوع يختلف.
إزدردت "نورسين" ريقها ببطئ لترمقه بتوترٍ خاصة عندما رمقها بنظراتٍ غير مفهومة ليزدرد ريقه هو الأخر هاتفًا بإستهزاء مريرٍ:
-و لية يختلف يا "نورسين"!؟
أجابته بتلقائية غير مبالية لمن ينفطر قلبه لتلك الكلمات التي إعتاد سماعها:
-عشان إنتَ اللي زيك لا بيعرف يحب ولا حتي من الممكن يبقاله نقطة ضعف.
تلاحقت أنفاسه ليوليها ظهره قبل أن تري ذلك الضعف ببنيتيه اللتان إلتمعتا بالدموع!...هي تضغط علي الوتر الحساس لديه ولا تشعر!...هي لا تعرف كم يكره هو ذلك الوحش الذي يزداد ضراوة بداخله!...هي لا تعرف كم يتمني التخلص من روحه القاسية التي باتت لا تعرف الرحمة!...هي لا تعرف أي شئ، هي لا تعرف كم يريد الهروب و لكن كل شئ بات لا يسمح، و أول تلك الأشياء!....هي!
سألته مجددًا و كإنها لم تقل شئ أحمق منذ قليل:
-ممكن أفهم بقي لية خليتنا نقوم من المكان اللي كُنا فيه!؟
ثم تابعت و لم تعطيه فرصة للرد:
-دة كان حلو جدًا!
تنهد بعمقٍ و هو يحاول إلتقاط أنفاسه بصعوبة، ثم قال بتحذيرٍ مبهمٍ و هو يحرر رابطة عنقه:
-خُدي بالك يا "نورسين" من نفسك الفترة دي بذات.
عقدت حاجبيها لتترجم كلماته المبهمة بصورة خاطئة، لذا صرخت بصورة حمقاء و هي تتخصر بغضبٍ لتتصرف بغباء كما قال لها من قبل:
-و دة تهديد بقي ولا إية!؟
عض علي شفتيه بعنفٍ بحاول كظم غضبه و لكنه لم يستطع، لذا إستدار لها مجددًا ليهتف بغيظٍ و هي يشير بسبابته ناحية رأسها:
-نفسي أشيل اللي جوة دماغك دة و أبدله بكيس شيبسي بالجبنة و هينفعني أكتر!
إنكمشت علي نفسها لترمقه ببلاهة و هو يخرج من الغرفة، لتهمس بذهولٍ و هي ترمش بعينيها عدة مرات:
-هو متعصب لية!؟
إرتمت بجسدها علي الفراش لتفكر فيما حدث بتلك الفترة، و فيما سيحدث!...ماذا عن تلك الخطبة التي تقترب و لم يتبقي علي موعدها سوي ثلاثة أيام!؟...و فجأة مر ببالها زوجته "روضة"، لذا إبتسمت بخبثٍ و هي تقرر الإنتقام منه بذلك الموعد:
-و ليه معملوش مفاجأة في اليوم دة؟... دة حتي هيفرح أوي!
____________________________________________
هز رأسه بعصبية بسبب عدم غيابها عن باله، ثم زفر بضيقٍ عندما تذكر ما أخبرته تلك الخادمة عن وجود تلك ال "روضة" بداخل غرفته!...كم يكره وجودها معه بنفس المكان و لكنه يبقيها معه قسرًا حتي يثبت كذبها، و ليتأكد من شكوكه، و وقتها لن يستطيع أحد إيقاف جحيمه المؤلم!
مد كفه الغليظ ليضعه علي المقبض بقنوطٍ ليديره ببطئ و هو يتمني أن تكون نائمة، و لكن المفاجأة صدمته عندما دلف للغرفة ليجدها تنتظره علي الفراش و هي ترتدي منامة حمراء قصيرة تكشف أكثر مما تستر فتحاشي هو النظر لها لتتقلص تعابير وجهه بإشمئزازٍ، ليصيح بإحتقارٍ و هو يغلق باب الغرفة خلفه:
-إية القرف اللي إنتِ لبساه دة!؟
تغنجت بجسدها و هي تنهض من علي الفراش لتقترب منه بخطواتٍ بطيئة و هي ترمقه بنظراتٍ لعوب، ثم همست بنبرة شبه خافتة و هي تلف ذراعيها حول عنقه بجرائة:
-إية يا "زياد" باشا؟...إنتَ نسيت "روضة" ولا إية؟
قبض علي ذراعيها يعتصرهما بين قبضتيه، ليهتف بصوتٍ جهوري و هو يدفعها للخلف بإزدراء واضحٍ علي قسمات وجهه التي مازالت تنكمش إشمئزازًا:
-حذرتك قبل كدة لو كررتي اللي عملتيه هقتلك، حصل ولا محصلش؟
تلاحقت أنفاسها و هي ترمقه برعبٍ، لتهمس بتعلثمٍ و هي تضع كفها علي موضع قلبها الذي إنقبض بصورة قوية مؤلمة جعلتها ترتجف إرتعابًا:
-أنا أسفة، إ...إنت بس وحشتني.
لوي شفتيه بتهكمٍ ليصيح بعدها بتأففٍ و هو يشير ناحية ثيابها بسبابته:
-غيري القرف اللي إنتِ لبساه دة.
ثم تابع بضيقٍ و هو يتراجع بخطواته للخلف حيث باب الغرفة الخشبي:
-و أنا هخرج أنام في أوضة تانية،مش عايز أقعد معاكي في نفس المكان.
عقدت حاجبيها بغضبٍ و هي تتابعه يخرج، لتتذكر ما حدث بتلك الأيام الماضية و خاصة موعد الخطبة التي تم تحديدها بدون علمها، ليمر ببالها "نورسين"..تلك الحمقاء التي باتت تكرهها أكثر من أي شئ، تخلصت من "أسامة" العائق الوحيد بينها و بين "زياد" دون تدخل ليبقي "نورسين"، تلك التي أصبحت تشكل خطرًا شديدًا علي خططها الشيطانية، لذا همست بغلٍ و قد تلاحقت أنفاسها بإنفعالٍ ليظهر حقدها الذي تخفيه عن الكل:
-مش هسمحلك يا "نورسين" تهدي كل اللي بعمله.
____________________________________________
-نفسي أفهم إنتَ مين عشان تفضل تلف ورايا في كل حتة كدة!؟
قالتها "هايدي" بنفاذ صبر و هي تجلس أمام ذلك الذي يبتسم لها ببلاهة، أمام ذلك الذي بات يلاحقها كظلها بكل مكان ما إن دلفت لذلك المشفي و ظلت به عدة أيام، و فجأة وجدته يرد عليها بإستفزازٍ و إبتسامته تتسع رويدًا رويدًا مما جعلها تستشيط غضبًا:
-أنا "نادر" دكتور في نفس المستشفي اللي إنتِ كنتي فيها.
رفعت حاجبيها بغيظٍ و هي تستمع لتلك الجملة التي يقولها كلما رأها، فصاحت هي بعصبية و هي تضرب الأرض بقدمها:
-عرفت إنك الزفت في نفس المستشفي اللي كنت تعبانة فيها.
رفع حاجبيه ببساطة ليصيح بها بهدوء جعلها تجز علي أسنانها و هي علي وشك الإنفجار:
-إنتِ لية قليلة الأدب كدة!؟
قبضت علي خصلاتها من الجانبين لتجذبهما بعنفٍ صائحة بنبرة شبه هادئة من بين أسنانها لتخفي بها إهتياجها:
-طيب، طيب ثواني دلوقت إنتَ الدكتور في المستشفي اللي أنا كنت فيها، و أنا "هايدي"، إنتَ بقي عايز بالظبط!؟
ثم إلتقطت كوب المياة الزجاجي لترتشف عدة رشفات منه، و لكنها أخرجت من إرتشفته من فمها سريعًا عندما قال بهيامٍ:
-بحبك!
فغرت شفتيها بصدمة، لتزدرد ريقها بصعوبة بالغة قبل أن تسأله بعدم تصديق:
-إنتَ قولت إية!؟
إرتسم علي ثغره إبتسامة ساحرة ليكرر ما قاله مجددًا، بينما هي ترمقه بذهولٍ، تتابع بؤبؤي عينيه و هما يتحركان ليتابعا تعابير وجهها، ثم صاحت بإستنكارٍ و هي تهز رأسها بتعجبٍ:
-هو إنتَ تعرفني عشان تحبني!
اومأ لها عدة مرات قبل أن يهتف بحماسٍ و هو يلوح بيده بالهواء، بينما هي ترمقه بفتورٍ:
-أيوة طبعًا عارفك، و إنتِ كمان عرفاني، أنا أبقي إبن "روح" صاحبة والدتك.
ضيقت عينيها لتتذكره ذلك الطفل الأحمق الذي كان يسرق طعامها من حقيبتها بالمدرسة، لذا صرخت وقتها بنبرة عالية لفتت نظر من حولهم بالمقهي:
-هو إنتَ بقي الواد التخين اللي كان بيسرق الأكل مني!
جحظت عيناه ليحمحم بحرجٍ و هو يضحك بخفة للناس التي ترمقه بدهشة، لذا همس بعصبية خفيفة:
-أيوة أنا هو الواد التخين.
جزت علي أسنانها مجددًا لتصيح بنفاذ صبر مرة أخري و هي تنهض لتخرج من المكان بوجه متجهمٍ:
-طب يا عم التخين ملكش دعوة بيا تاني فاهم!؟
رفع حاجبيه ليرمقها و هي تغادر المكان بنظراته المشدوهة ليهتف ب:
-هي إزاي تسيبني منغير ما أخلص كلامي!؟
____________________________________________
صباح يوم جديد.
فتحت جفنيها بإنزعاجٍ، لتبحث بعينيها عن مصدر صوت تلك الحمقاء التي تصيح بفظاظة قائلة:
-إنتِ، إصحي.
أصبحت الرؤية لديها أكثر وضوحًا لتجد تلك ال"روضة" ترمقها بغلٍ و هي جالسة أمامها علي الفراش، لذا هتفت "نورسين" بنبرة متحشرجة و هي تعتدل في جلستها ببطئ:
-عايزة إية؟
قبضت "روضة" علي فكها بقوة شديدة، لتهتف بعدها بتحذيرٍ و هي تتابع تعابير وجهها المصدومة:
-إسمعي يا بت إنتِ، "زياد النويري" دة بتاعي أنا و بس، و مش حتة بت **** زيك هي اللي هتبوظلي كل اللي بخططله.
جحظت عينان "نورسين" بغضبٍ حجيمي خاصة عندما هتفت تلك ال "روضة" بذلك السباب اللاذع، لذا و خلال ثوان جذبتها من خصلاتها الكثيفة لتدفعها ناحية الفراش، فإنقلب الوضع لتعتلي وقتها "نورسين" "روضة" و هي تجذبها من شعرها بصورة قاسية مؤلمة، ثم بصراخٍ هز أرجاء المكان صاحت ب:
-بقي أنا تغلطي فيا يا بنت ال***، أنا هوريكي.
ثم أخذت تنهال عليها بالصفعات المتتالية بينما هي تحاول حماية بطنها و جنينها من بطش تلك الشرسة، و بتلك اللحظة دلفت "راضية" للغرفة عندما إستمعت لتلك الصرخات التي تصيب المرء بالفضول، فشهقت بفزعٍ ما إن رأت "نورسين" التي تكاد تقتل تلك المسكينة من عنف ضرباتها بينما الأخري تحاول حماية جنينها الذي تزكن جيدًا إن خسرته ستخسر كل شئ، تراجعت "راضية" بخطواتها، لتخرج من الغرفة و هي تصيح بإستنجادٍ و هي تبحث عنه بعينيها:
-"زياد" باشا، يا "زياد" باشا.
وجدته يخرج من تلك الغرفة و هو يعدل من وضعية رابطة عنقه، ليقول بفتورٍ:
-في إية!؟
رمقها بإهتمامٍ أكبر خاصة عند صراخها المفزع، الذي يصيب المرء بالذعر ب:
-إلحق يا باشا "نورسين" هانم شكلها هتموت "روضة" هانم!
رفع حاجبيه بتعجبٍ و هو يحاول إستيعاب كلماتها و لكنه إنتفض راكضًا ناحية غرفة "نورسين" عندما إستمع لتلك الصرخات العالية!
بينما "راضية" ترمقه و هي يركض ناحية تلك الغرفة بضيقٍ، ثم همست بإمتعاضٍ و هي تهبط الدرج لتتجه للمطبخ بخطواتها المتئدة:
-يارب يطردها ولا تغور في أي داهيا، مش كفاية هيخطبها و يتجوزها و هتفضل قاعدالنا هنا!
___________________________________________
إنتحبت "روضة" بألمٍ و هي تحاول دفعها من فوقها، و بتلك اللحظة دلف هو للغرفة ليجذب "نورسين" بعنفٍ من فوق تلك المسكينة، ثم صرخ بإهتياج و هو يصفعها بإنفعالٍ:
-إنتِ إتجننتي بتمدي إيدك علي مراتي!
وضعت كفها علي موضع صفعته لترمقه بصدمة لم تستطع السيطرة عليها، لتصرخ هي أيضًا بعصبية بالغة و جسدها يهتز من فرط الغضب:
-قبل ما تمد إيدك عليا إعرف هي عملت إية الأول.
و وقتها تدخلت "روضة" الباكية قبل أن ينقلب السحر علي الساحر، و قالت بإستعطافٍ:
-كانت عايزة تقتل إبننا يا "زياد"، كانت عايزة تقتله.
ثم تابعت بقهرٍ مصطنع وعبراتها تهبط بلا توقف لترمقها "نورسين" بإستهجان:
-ك...كنت معدية من قدام أوضتها بالصدفة و فجأة لقيتها بتشدني لجوة و هي عمالة تضرب فيا، و فضلت تقولي "زياد النويري" دة بتاعي أنا و بس.
جزت "نورسين" علي أسنانها بغضبٍ تحاول كظم غضبها و لكنها لم تستطع خاصة عندما رأت نظراته التي تدل علي إقتناعه بما قالته تلك الحمقاء، لذا و بدون تردد إندفعت نحوها لتلتقط خصلاتها و هي تصرخ بوجه مكفهر:
-اة يا بنت ال***.
دفعها وقتها "زياد"لتبتعد عنها ثم صاح بالإثنتين بنفاذ صبر:
-أنا مش فاضي لشغل العيال بتاعكوا دة.
ثم هتف ب "نورسين" بتوعدٍ قبل أن يخرج من الغرفة:
-و إنتِ حسابك معايا بعدين.
تابعته "روضة" و هو يخرج، ثم جففت عبراتها المصطنعة بإنتصارٍ و قبل أن تخرج هي الأخري من الغرفة همست بنبرة شيطانية و هي تتخصر بحقدٍ واضحٍ:
-عشان تعرفي إنه بتاعي أنا و بس.
.......................….............................................