الفصل الرابع عشر من رواية:وقعت في قبضة الوحش.
بقلم/رولا هاني.
-حد يعمل في نفسه كدة يا مجنونة!
قالها "إسماعيل" و هو يرمقها بلومٍ، و لكن إمتقع وجهه ليصبح شاحبًا بصورة ملحوظة عندما قالت بتعابير متجهمة:
-و مش هبطل أعمل كدة، هعمل أي حاجة عشان أخليهم يخلصوا من بنتهم الفاشلة اللي ملهاش لازمة.
صاح بوجه مكفهر و زرقوتاه تتابع تعابير وجهها التي لا تطمئن بقلقٍ ملحوظٍ:
-"هايدي" إنتِ إتجننتي!؟
كادت أن ترد عليه و لكنها وجدت والدتها تلج للغرفة بخطواتٍ مترددة، لتقول بتعلثمٍ و هي ترمق إبنتها بندمٍ:
-"هايدي" أنا كنت جاية أسألك لو عايزة مني حاجة.
رمقها "إسماعيل" بتحذيرٍ فلم تبالي، بل صاحت بتهكمٍ و هي تبتسم بسخرية:
-إية يا "هادية" هانم وراكي شغل مش كدة، و أكيد كالعادة شغلك أهم من بنتك.
صرخ "إسماعيل" بوجهها ليحذرها بنظراته:
-"هايدي" خُدي بالك من طريقة كلامك مع مامتك.
حاولت الإعتدال في جلستها لتهتف بغلٍ، و تعابير وجهها تنكمش بإشمئزازٍ واضحٍ أصاب "هادية" بخيبة الأمل:
-أنا بكرهك.
رمقتها والدتها بصدمة لتنظر لإبنتها بأسي و هي تتابع حديثها بإحتقارٍ، و قد لاحقها شعور الذنب بتلك اللحظة كظلها:
-بكرهك يا "هادية" هانم، عارفة لية؟...عشان الوقت اللي كنت محتاجاكي فيه مكنتيش معايا، و لما كنتي بتبقي معايا كنتي بتأكديلي حاجة واحدة بس.
ثم أكملت حديثها بإزدراء و دموعها تنهمر بغزارة:
-إن مافيش حد بيحبني!.....و إني هفضل طول الوقت لوحدي!
إنتحبت بقهرٍ لتصرخ بإنهيارٍ بينما والدتها تتابعها بعدم تصديق، أما "إسماعيل" فلم يستطع إستيعاب ما حدث من الأساس:
-كان نفسي لما الكل سابني تكوني إنتِ جمبي، تحضنيني و تحسسني بالأمان عشان تطمنيني و تقوليلي أنا أمك و صاحبتك و كل حاجة حلوة في حياتك!
ثم تابعت بنبرة شبه خافتة و كإنها طفلة بالعاشرة تطلب الإهتمام:
-تفضلي جمبي و تحبيني زي ما أي أم بتحب بنتها.
أشارت "هادية" علي نفسها لتهمس بذهولٍ و هي تتابع إبنتها بنظراتها المشدوهة:
-أنا يا بنتي مبحبكيش!
ردت عليها "هايدي" بصراخٍ هز أرجاء المكان، لتتألم روحها المسكينة التي باتت فريسة لوحدتها:
-بس عمرك ما حسستيني ب دة!
إنتحبت "هايدي" بصورة تصيب المرء بالشفقة لتنظر لوالدتها بعتابٍ، ثم همست بأسفٍ و هي تخفض نظراتها بعيدًا عنها:
-أنا أسفة يا ماما، مكنتش أقصد أكلمك كدة سامحيني.
إقتربت "هادية" منها لتجلس بجانبها و هي تحتضنها بحنان لأول مرة منذ عدة سنوات، لتهمس بحنو و هي تربت علي كتفها بألمٍ:
-ششش متتأسفيش أنا اللي غلطت لما إفتكرت إن الفلوس هي اللي هتحققلك سعادتك يا بنتي.
تشثبت "هايدي" بثياب والدتها و هي تكتم شهقاتها العالية التي تعذب روحها المسكينة، ثم إستمعت لما قالته والدتها بشوقٍ حقيقي:
-إوعي تشكي مرة تانية في إني بحبك يا حبيبتي، دة أنا ماليش غيرك يا "هايدي".
اومأت "هايدي" لها بطاعة لتستند برأسها علي كتفها هامسة بإشتياقٍ و تشبثها بثياب والدتها يزداد:
-متسيبنيش يا ماما، أنا وحشني حضنك أوي.
ربتت "هادية" علي ظهرها لتشير ل "إسماعيل" بعينيها ليخرج، فزكن هو رغبتها ليخرج من الغرفة بهدوء بينما هي تربت علي إبنتها التي تحولت حالتها بصورة لا توصف لمجرد كلمات حنونة فقط!
____________________________________________
-ما قولك فيما هو منسوب إليك من قتل "سهيلة عبد الهادي".
قالها وكيل النيابة بهدوء ليهز "زياد" رأسه نافيًا، و هو يقول بثباتٍ:
-محصلش
-موكلي ليس له أي علاقة بقتل "سهيلة عبد الهادي" يا فندم!
قالها ذلك المحامي بعد صمت دام لعدة ثوان و هو يرمق "زياد" بثقة، ليجد رد وكيل النيابة الجالس أمامه بهدوء:
-إية دليلك؟
نظر له المحامي بثباتٍ ليجيبه ببساطة:
-كاميرات المراقبة يا فندم، دة غير إن موكلي مكانش عنده أي مشاكل مع المجني عليها يعني مافيش دافع للقتل!
نظر له وكيل النيابة مطولًا قبل أن يهتف بمن يجلس بجانبه بعد حقائق كثيرة أوضحها "زياد" و المحامي:
-إكتب يابني، لقد أمرنا نحن بحبس المُتهم "زياد أكرم النويري" بالحبس أربعة أيام علي ذمة التحقيق.
____________________________________________
-و كانت إية هي علاقتك بالمجني عليها؟
قالها وكيل النيابة و هو يتابع تعابير وجه "نورسين" الحزينة بروية، خاصة عند ردها بإقتضابٍ ب:
-كانت علاقة عادية، اللي أعرفه إن" زياد" علاقته بيها كانت كويسة جدًا.
ثم تابعت بحرصٍ و هي تضع كل تركيزها علي ما تقوله حتي لا تتصرف بغباء كما أخبرها من قبل:
-مكانتش مجرد واحدة شغالة عنده و دة شئ أنا لاحظته لما بقينا أصدقاء و كمان كُنا هنعلن خطوبتنا قريب، هو وضحلي إنه بيثق فيها و بيحبها زي أخته بالظبط دة حتي كان بياخد برأيها في ديكور أي مكان ليه، و المصنع اللي إتقتلت فيه كان من ضمن الأماكن اللي كانت بتدي رأيها في الديكور الجديد اللي كان هيتعمله.
ثم تابعت بقهرٍ و هي تطبق جفنيها بضيقٍ:
-"زياد" كان عايز يساعدها أكتر و يفضح جوزها "أسامة الصياد" اللي رماها هي و بنتها في الشارع و مسألش عنهم، و غير دة كله قتلها!
اومأ وكيل النيابة بهدوء ليتسائل بعدها بنبرة غامضة:
-عندك أي أقوال تانية؟
هزت رأسها نافية لتتابع ما يقوله بإهتمامٍ، و هي تتنهد براحة لإنه و أخيرًا مرت تلك الدقائق عليها كالسنوات!
____________________________________________
مر الأربع أيام سريعًا ليتم إخلاء سبيل "زياد"، و تم القبض علي "أسامة الصياد" بتُهمة قتل "سهيلة عبد الهادي" بعدما تم تسليم تسجيلات كاميرات المراقبة للنيابة، و بالطبع لم يتواني الصحفيون عن الكتابة عن تلك المواضيع خلال الأربعة أيام خاصة عن إرتباط الصحفية "نورسين الشربيني" برجل الأعمال الشهير "زياد النويري"، و الطفلة "نرمين" التي نالت تعاطف و شفقة الجميع خاصة بعدما توفت والدتها و بعدما تم سجن والدها!
____________________________________________
-مش عايز تقول حاجة؟
قالتها "نورسين" بعدما تنهدت بعمقٍ، و هي ترمقه بروية ليرد هو عليها بإيجازٍ:
-برافو.
عقدت حاجبيها لتزفر بضيقٍ من ردوده المختصرة التي تستفزها لتتسائل مجددًا بفضولٍ:
-طب و "نرمين"!؟
رد عليها بنفس نبرته السابقة لتستشيط هي غضبًا:
-تخصني.
و فجأة إلتمعت عيناها بحماسٍ عندما سألها بجدية و هو ينظر لها مطولًا بعدما ضغطت علي مكابح السيارة:
-لية جيتي لوحدك و مجبتيش حراس؟
هزت كتفيها بتلقائية لتجيبه بعفوية و هي تبتسم بخفة:
-بتخنق منهم.
ثم تابعت بتلهفٍ و هي تنظر لذلك المقهي البسيط:
-ما تيجي ننزل نقعد شوية و نطلب حاجة ناكلها، أنا جعانة جدًا.
هز رأسه رافضًا دون نقاش، ثم صاح بنبرة مرهقة:
-إبقي كُلي في البيت، أنا عايز أروح عشان أنام، منمتش بقالي أربع أيام.
لوت شفتيها بحنقٍ ليلاحظ هو غضبها الطفولي، فقال بترددٍ:
-لازم يعني!
اومأت له سريعًا و هي ترمقه بإستعطافٍ مصطنع و هي تضع كلا ذراعيها علي بطنها ببراءة، فهتف هو بتهكمٍ:
-خلاص، خلاص إنتِ هتشحتي!
إتسعت إبتسامتها الساحرة لتخرج من السيارة و هي تركض كالطفلة الصغيرة غير مكترثة لأي شئ، بينما هو يضرب كفًا علي كفٍ و هو يقول بقلقٍ حقيقي:
-مش مطمن للي بيحصلي الفترة دي يا "نورسين"!
____________________________________________
-إنتِ لسة زعلانة مني يا "نرمين" يا حبيبتي؟
قالتها "سيدة" بإرتباكٍ بعدما عادت هي و الصغيرة الي المنزل مجددًا، فأجابتها "نرمين" بتعابيرٍ حزينة:
-عايزة ماما.
تنهدت "سيدة" بألمٍ لتضع خصلات الصغيرة خلف أذنها، ثم هتفت بنبرة شبه ثابتة:
-إسمعي يا "نرمين"، ا...أنا....لما ظهرتي في حياتي إفتكرت وقتها بنتي "دارين"، حسيت بتغيير غريب بيحصلي.
ثم تابعت بحسرة و هي تسيطر علي عبراتها بصعوبة بالغة:
-حسيت ب "سيدة" اللي ماتت من زمان.
ثم جذبتها نحوها لتحتضنها برفقٍ قائلة بصدقٍ و عينيها تذرف دموعًا حارة تلهب وجنتيها:
-إنتِ متعرفيش إنتِ بالنسبالي إية يا "نرمين".
تابعت مجددًا و هي تربت علي كتفها بحنان لتصيح بحنو و هي تقبل مقدمة رأس الصغيرة:
-أنا هعمل أي حاجة عشان متضيعيش من إيدي يا حبيبتي، أنا ماليش غيرك، ولا إنتِ ليكي غيري.
و فجأة إنتبهت لعدم وجود رد من الصغيرة فمعنت النظر بوجهها لتجدها نائمة ببراءة طفولية جعلتها تبتسم تلقائيًا، و هي متوقعة حدوث ذلك بسبب حالة الإرهاق و الإنهاك التي لاحقتهما طوال تلك الأيام، ثم نهضت من علي الفراش بعدما تركت الصغيرة لتستريح علي الفراش بينما هي تفكر بجدية في أمر قتل "سهيلة" الذي بات غامضًا لها، هي علمت إن القاتل هو "أسامة الصياد" و لكن كيف!؟و متي!؟...و لماذا!؟...كل تلك الأسئلة دارت برأسها و راودتها لتقرر الذهاب له بعد يومان حتي تستطيع البقاء بجانب تلك الصغيرة التي تحتاجها تلك الفترة!
____________________________________________
-يا باشا دة مبقاش هامه حد!
قالها "هلال" و هو يرمق ذلك الرجل الذي يجلس بجانبه بروية، فأجابه ببرودٍ و هو ينفث دخان سيجارته:
-إنتَ عارف إني عايز أخلص منه، بس متعرفش إني بدورله علي نقطة ضعف.
إرتسم علي ثغر "هلال" إبتسامة جانبية ماكرة، ثم هتف بتلهفٍ و هو يسعي لتحقيق هدفه بكل الطرق:
-بقي ليه نقطة ضعف يا "صخر" باشا.
عقد "صخر" حاجبيه ليهمس بتساؤلٍ:
-تقصد البنت اللي بيقولوا هيخطبها دي؟
اومأ له "هلال" و هو يتابع تعابير وجهه الغير مفهومة و فجأة خاب أمله عندما وجده يقول:
-مأظنش إن البت دي هتأثر فيه.
صاح "هلال" مجددًا بنبرة شبه عالية و هو يهز رأسه بنفي:
-لا يا باشا حضرتك فاكر كدة إنما دة مش حقيقي.
ثم تابع و الشر يتطاير من عينيه لترتسم علامات الدهاء علي وجهه:
-أخر مرة يا باشا لما كنت هقتلها مشوفتش وشه، كان خايف و متوتر و أنا أول مرة أشوفه كدة.
إبتسم "صخر" بخبثٍ، ثم قال بنبرة مبهمة ليتنهد "هلال" بإرتياحٍ:
-خلاص بسيطة، نعمله مفاجأة يوم خطوبته.
___________________________________________
-إنتَ عايز سندوتش الفول بتاعك؟
قالتها "نورسين" بفضولٍ و بقايا الطعام متعلقة بشفتيها، بينما هو خرج عن شروده حول الطريقة الطفولية التي كانت تأكل بها و قال بمرحٍ بسيطٍ:
-لا مش عايزه.
سحبت شطيرة الفول لتبدأ في أكلها بنهمٍ و هي ترمقه بحرجٍ قائلة بخجلٍ شديدٍ:
-معلش أصل كنت جعانة أوي.
نظر لها "زياد" مطولًا ليهمس بترددٍ و هو يتابع تعابير وجهها بتسلية:
-مكلتيش بقالك كتير إنتِ؟
اومأت له لتجيبه مؤكدة علي حديثه و هي تقضم قطعة كبيرة من الشطيرة:
-يومين تقريبًا.
كاد أن يجيبها بعبثٍ و لكن لفت نظره ذلك الرجل الذي رأه من خلال جدار المطعم الزجاجي الشفاف، ضيق عينيه ليعرف سريعًا أين رأي ذلك الرجل من قبل، لذا هب واقفًا و هو يقبض علي معصمها ليسحبها خلفه دون أي مجهود بينما هي تصيح بدهشة:
-إية في إية!؟...طب إستني نشرب الشاي طب!
............................................................................