روايه وقعت في قبضة الوحش الحلقه الثلاثون


 الفصل الثلاثون من رواية:وقعت في قبضة الوحش.

بقلم/رولا هاني.


-و دة وقت تليفونه يتقفل فيه!


صرخت بها "هايدي" و هي تزفر بحنقٍ بائن علي تعابير وجهها التي إنكمشت بضيقٍ، ثم إلتقطت كوب المياة لتجعلها تتناثر علي وجه "نورسين" التي كانت تتمدد علي الفراش، نعم فهي بعدما فقدت الوعي حملتها بصعوبة بالغة لتضعها بإحدي الغرف علي ذلك الفراش، و بعد عدة ثوان إنتفض جسد "نورسين" لتشهق بصوتٍ مسموعٍ و هي تعتدل في جلستها بصورة سريعة لتتسائل بإختناقٍ واضحٍ علي تعابير وجهها:


-حصل إية!؟....ف..فين "زياد"؟


تنهدت "هايدي" بتمهلٍ قبل أن تجيبها بإيجازٍ:


-تليفونه مقفول.


عقدت "نورسين" حاجبيها بذهولٍ، فصاحت هي بشكٍ كعادتها لتتأجج نيران الغيرة بصدرها بتلك اللحظة:


-و إنتِ جبتي رقمه منين!؟


نظرت لها "هايدي" مطولًا لتفهم ما ترمي إليه، فعاتبتها بصورة غير مباشرة و هي تقول:


-معايا رقمه من ساعة ما إختفيتي عشان أدور عليكي يا صاحبتي.


ضغطت "هايدي" علي كلمتها الأخيرة لترمقها "نورسين" بتوترٍ ملحوظٍ خاصة عندما هتفت بأسفٍ و هي تحك مؤخرة رأسها:


-معلش يا "هايدي"، إنتِ عارفة إني مبثقش في حد.


زفرت "هايدي" بإمتعاضٍ لتتجاهل ما قالته صديقتها، ثم إنتبهت للهاتف الذي تعالي رنينه ليعلن عن وصول مكالمة هاتفية جديدة بتلك اللحظة و بذلك الوقت المتأخر، لم تتوقع هوية المتصل أبدًا، لذا إزدردت ريقها و هي تضغط علي الهاتف لتضعه علي أذنها قائلة بفظاظة مصطنعة تخفي بها إهتمامها لمعرفة حالته:


-عايز إية؟


إستمعت لنبرته الضعيفة بإشتياقٍ و ملامحها تلين، بينما "نورسين" تتابعها بتعجبٍ:


-وحشتيني.


إبتسمت بسخرية لتجيبه بتهكمٍ غافلة عن نظرات "نورسين" التي تتابعها بلا توقف، و تلك العبرات تلتمع بعينيها:


-بس أنا وجودي ملهوش لازمة، مش إنتَ قولت كدة!؟


إستمعت لتنهيداته الحارة و عبراتها تنهمر بغضبٍ، تريد توبيخه بكل الطرق و بنفس اللحظة تريد الإطمئنان عليه!...تريد لومه بقسوة و بنفس اللحظة تريد ضمه لصدرها لتربت علي كتفه بحنان و كإنها والدته!...تريد صفعه بصورة مُهينة و بنفس اللحظة تريد بث الأمان لقلبه بنبرتها العذبة!...و بتلك الثانية وجدته يصرخ بقلة حيلة:


-كنت تايه، أمي كانت كل حاجة في حياتي، أنا محتاجك جمبي يا "هايدي"...أنا عارف إن الصح إنك تسيبيني و تكرهيني أنا أذيتك و خدعتك بس أنا محتاجلك أرجوكي.


نبرته التي تتوسلها جعلتها تنتحب بهستيرية فنبرته الضعيفة تلك تضغط علي الوتر الحساس لديها لتتألم روحها، فهي باتت تتألم لحزنه، باتت تتحطم لقهره، تعالت شهقاتها لتصيح بتلك النبرة المبحوحة:


-عايز مني إية يا "نادر"؟


رد عليها برجاء و عبراته تسقط هو الأخر:


-متعيطيش يا "هايدي"، أنا مستاهلش دموعك دي.


تنهدت بحرارة لتهمس بلا وعي و هي تحاول السيطرة علي عبراتها التي تنهمر بلا توقف، بينما "نورسين" تربت علي كتفها برقة لتخفف من حدة الموقف الذي لا تفهم فيه شئ:


-زي ما إنتَ محتاجلي جمبك أنا كمان محتاجة حد جمبي.


إستمعت لصوت إنتحابه بقلبٍ منفطرٍ و فجأة جحظت عيناها بصدمة تحاول إستيعاب ما قاله:


-"هايدي" أنا بحبك!


ضحكت بسخرية مريرة لتهمس بإستهجان و هي تضم ساقيها الي صدرها:


-تاني يا "نادر"!


رد عليها بلا تردد لتصبح نبرته حادة بعض الشئ:


-إة يا "هايدي" تاني، بس المرادي بجد.


عضت علي شفتيها و لم تستطع إستكمال المكالمة فأغلقت الخط و هي تلقي بالهاتف ناحية المرآة التي تهشمت ليدوي صوتها بأنحاء الغرفة و هنا خرجت تلك الصرخة من بين شفتي "نورسين" بهلعٍ، فنهضت من علي الفراش مقتربة من صديقتها بمحاولة فاشلة منها لإحتواء غضبها الذي بات جحيمي لا يستطيع المرء مجابهته!

____________________________________________

باليوم التالي.


صوت أنفاسه المسموع ينتشر بالمكان ليصيبه بالإرتباكٍ و الوجلٍ بنفس اللحظة ليقع هو فريسة قلقه و خوفه، تنهد بيأسٍ و هي يحاول حل وثاق يديه و لكن لم يستطع بالطبع، لذا صرخ بلهجته العربية المتقنة و هي يضرب الأرضية الباردة بقدمه:


-بقي في الأخر أضيع عشان خاطر حتة بت ******!


-توقف عن الصياح باللغة العربية و تحدث كما نتحدث حتي نفهم ما تقول أيها الحقير. 


قالها ذلك الحارس الذي كان يجلس أمامه بصمتٍ و لكنه لم يلاحظ وجوده بسبب الظلام الذي يعم المكان، فرد عليه "روبرت" المكبل الأيدي بلهجته الإنكليزية بغضبٍ شيطاني:


-أصمت أيها الأحمق لا أريد سماع صوتك البغيض.


عض ذلك الحارس علي شفتيه بغيظٍ فنهض من علي كرسيه، و تقدم ناحية "روبرت" ليباغته بركلته العنيفة لوجهه التي بصق الدماء علي أثرها صارخًا ب:


-يابن ال***.


لم يفهمه ذلك الحارس بل إستطاع تخمين تلك الألفاظ النابية من نبرته الغاضبة فظل يركله بعنفٍ بالغٍ حتي إستمع هو لصوت الباب الذي إنفتح ليدخل "جاك" الذي أضاء الغرفة قائلًا بتهكمٍ و هو يقترب من حارسه:


-ما الذي تفعله!؟....أهل تخبر حارسي الشخصي كم أحبه!؟


تلاحقت أنفاس "روبرت" الذي صرخ بإهتياجٍ و هو يتحرك بجسده علي الأرض بحركات عشوائية:


-ستندم علي ما تفعله "جاك".


اومأ له "جاك" عدة مرات و هو يخرج سلاحه الناري من جيبه قائلًا بثباتٍ، بينما "روبرت" يرتجف بصورة ملحوظة تبين مدي رعبه مما سيحدث:


-بالتأكيد يا صديقي سأندم.


رفع "جاك" سلاحه الناري ليصوبه ناحية رأس "روبرت" الذي شهق برفضٍ و هو يهز رأسه نافيًا، و لكن و بتلك اللحظة خرجت الطلقات النارية لتصيب هدفها، فوقعت رأس "روبرت" علي الأرضية لتسيل منها تلك الدماء الغزيرة، بينما "جاك" يضع سلاحه مجددًا بجيبه قائلًا بلومٍ مزيفٍ و تلك البراءة المصطنعة ترتسم علي تعابير وجهه:


-أعطيتك أكثر من فرصة صديقي العزيز!

____________________________________________

فتح هاتفه بعدما كان مغلق بسبب عدم إهتمامه بشحنه ليجد عدة رسائل لعدة مكالمات هاتفية لم تصل له من "هايدي" فجحظت عيناه بتلهفٍ و هو يضغط علي الهاتف بهستيرية ليضعه علي أذنه قائلًا بتلك النبرة الحادة:


-"نورسين" عندك؟


إستمع لصوتها و أخيرًا، كم إشتاق لها خلال ذلك اليوم!؟.....كم ألمته نيران الشوق التي تأججت بصدره!؟...كم أصابه التوق لسماع نبرتها تلك!؟....كم أصابه الحنين بتلك الساعات!؟..لم يسمع لما قالته فتسائل هو بإهتمامٍ ظهر من خلال نبرته الهائمة:


-"نورسين"، إنتِ كويسة؟


إستمع لردها بإشتياقٍ و إبتسامته الساحرة تتسع رويدًا رويدًا:


-"زياد" شوفت اللي حصلي أنا كنت خايفة يا "زياد"، إ...إنتَ كنت فين؟...."قولي طب إنتَ كويس؟


بالرغم من ثرثرتها المزعجة إلا إنه ظل يستمع لها و لنبرتها و كإنها موسيقى يعشقها منذ أن إستمع لها، حاول الخروج من حالة الشرود التي أصابته ليهمس بتلك النبرة الدافئة التي تبث الأمان لقلبها:


-إهدي يا "نورسين"، إهدي و قوليلي إنتِ فين؟


ردت عليه "نورسين" سريعًا بعدما أخبرتها "هايدي" بالعنوان:


-انا هنا في بيت أهل "هايدي" في المعادي في (******).


اومأ عدة مرات ثم أغلق الخط معها بعدما ودعها قائلًا:


-تمام يا "نورسين"، كلها بالظبط نُص ساعة و هكون عندك.


فتح باب غرفته ليخرج منها، ثم هبط الدرج ليتجه ناحية باب بيته، فصعد سيارته بعدما توجه ناحيتها و أدار محركها ليتجه لذلك العنوان و قلبه يتراقص من فرط الفرح!

____________________________________________

مر ذلك اليوم العصيب عليه بصعوبة بالغة، لم يتحدث، و لم ينبس بكلمة واحدة، فقط صامت يحاول إستيعاب ما حدث و لكنه لا يستطيع!...أفقد طفله!؟...أم إن ذلك كابوس مثلما يتمنى!؟....سقطت عبراته بصمتٍ و هو يتذكره و يتذكر مرحه و عفويته الطفولية البريئة، قلب نظراته بتلك الغرفة التي مكث بها لعدة ساعات، نعم فتلك هي غرفة صغيره، صوب نظراته تجاه ملابسه التي وضعها علي الفراش الذي يجلس عليه، فقبض علي ذلك القميص ليقربه من أنفه ليشتم رائحته بحسرة حقيقية و هو يتذكر ذلك الموقف منذ عدة أيام.


(عودة للوقت السابق)


-يووووه يابني سيب الPerfume (عطر) بتاعي بقي!


صاح بها "إسماعيل" و هو يحاول سحب زجاجة العطر من بين يدي طفله "تامر" الذي ظل يركض بعيدًا لينثر منها علي ملابسه خاصة قميصه قائلًا بعفويته المعهودة:


-عايز أحط منه زي ما إنتَ بتحط.


إقترب "إسماعيل" منه ليحمله رافعًا إياه ليقربه من وجهه قائلًا بجدية مزيفة:


-يابني إحترمني شوية دة أنا أبوك.


تعالت ضحكات "تامر" ليتهف بمرحٍ و هو ينثر من زجاجة العطر مجددًا علي قميصه:


-ما أنا محترمك طول الوقت.


إبتسم "إسماعيل" بخفة ثم قبل صغيره بحنان و هو يضمه بحنو يوضح مدي حبه لإبنه!


(عودة للوقت الحالي)


و بتلك اللحظة دلفت "أريج" للغرفة بملامحها التي يسيطر عليها الإهتياج و قد كانت قابضة علي هاتف زوجها بقوة كادت أن تحطمه، ثم صرخت بإنفعالٍ و جسدها يهتز غير مكترثة لبكاء "إسماعيل":


-إية اللي علي تليفونك دة يا بيه!؟ 


صوب نظراته ناحيتها و هو يضم القميص لصدره بخوفٍ و كأنه يخشي فقدانه، ثم همس بنبرة مبحوحة:


-هو إية؟ 


ردت عليه بقهرٍ و جسدها يرتجف من فرط الصدمة التي تعرضت لها منذ قليل:


-إتفقت معاهم علي "نورسين" عشان الفلوس يا "إسماعيل"!


تنهد بحرارة و لم يرد عليها لتكمل هي صراخها الهستيري ب:


-إزاي عملت كدة!؟....بقي إنتَ يا "إسماعيل" إنتَ تعمل كدة؟


أطبق جفتيه بقوة شديدة ليتجاهل ما تقوله فهو ليس بحالة جيدة للنقاش أو للمشاجرة، و لكنها لم تتركه بل إقتربت منه لتلكزه بصدره بعنفٍ صارخة ب:


-بِعتهم كلهم يا "إسماعيل"!


تلاحقت أنفاسه بغضبٍ حقيقي لتتوتر تعابير وجهها خاصة عندما رأته بتلك الحالة العجيبة التي لم تراها من قبل و فجأة باغتها هو بصفعته العنيفة التي جعلت شفتيها تنزف، ثم صرخ بوجهها بتلك الصورة التي تصيب المرء بالفزع قائلًا:


-كُنتي فين لما إبني مات!؟....كُنتي فين؟ 


دفعته بكلا كفيها ليبتعد عنها، و صرخت هي الأخري بعصبية و عروقها النابضة بارزة علي عنقها:


-أنا بكرهك يا "إسماعيل"...بكرهك.


و لم تعطيه فرصة للرد بل خرجت من الغرفة و هي تبكي بهستيرية لتغادر المكان بأكمله، بينما هو يبكي بندمٍ بائن علي تعابير وجهه!

____________________________________________

-سيبينا لوحدنا يا "هايدي".


قالها "زياد" بجدية أثارت دهشة "نورسين" التي ظلت تقلب نظراتها ناحيته و ناحية صديقتها التي أومأت له عدة مرات قائلة بهدوء:


-تمام.


صوبت "نورسين" نظراتها تجاه صديقتها و هي تخرج من الغرفة، ثم رمقته بعدم فهم قائلة بإستفهامٍ:


-هو في إية!؟


رد عليها بنبرة مبحوحة و هو يحاول السيطرة علي عبراته:


-في إنك لازم تعرفي عني كل حاجة.

..................................................................... 

       الحلقه الواحد والثلاثون من هنا

تعليقات



×