روايه وقعت في قبضة الوحش الحلقه السادسه عشر


 الفصل السادس عشر من رواية:وقعت في قبضة الوحش

بقلم/رولا هاني


مر ذلك اليوم سريعًا دون أي أحداث مهمة. 


صباح يوم جديد. 


ثمة نيران إشتعلت بالمكان الذي إهتزت أرجائه بسبب ذلك الصراخ المفزع، خاصة صراخ "نورسين" الغاضبة و هي تضرب السفرة بكفيها من فرط العصبية:


-هو إية دة اللي يشيلوا البيض من علي السفرة عشان حضرتك مبتحبهوش!....إنتِ هتتحكمي فينا ولا إية!؟


هزت "روضة" كتفيها بحركاتٍ بطيئة مستفزة قبل أن تضع كفها الصغير علي بطنها برقة، لتقول بغنجٍ جعل "نورسين" علي وشك الإنفجار من شدة الغيظ، بينما الأخر يجلس علي كرسيه الخشبي و هو يرتشف من كوب قهوته بكل برودٍ:


-أنا هنا مرات "زياد" باشا يعني أعمل اللي أنا عايزاه، شيلي البيض يا "راضية".


اومأت "راضية" و كادت أن تحمل ذلك الصحن و لكنها توقفت عندما هتف "زياد" بصرامة لا تتقبل النقاش جعلت تلك ال "روضة" تشتعل غيظًا و هي تنظر له شزرًا، و قد برزت عروقها النابضة من فرط الإنفعال:


-سيبي البيض يا "راضية" إنتِ عارفة إني بحبه.


تراجعت "راضية" للخلف و هي تزفر بضيقٍ، لتدمدم بتأففٍ:


-مش هنخلص إحنا مش الخناقات دي.


عضت "روضة" علي شفتيها بتوترٍ قبل أن تهمس بنبرة رقيقة لفتت نظر "نورسين" لتشتعل حدقتيها بنيران الغيرة التي كانت واضحة بفيروزتيها:


-"زياد" حبيبي مش حابب نخرج مع بعض إنهاردة؟


رد عليها بجمودٍ لتكتم "نورسين" ضحكاتها التي كادت أن تكشف عن سعادتها بما قاله، بينما "روضة" تكاد تنفجر من شدة الإحراج الذي تسبب به زوجها لها:


-مش فاضيلك و ورايا حاجات أهم منك، منها خطوبتي أنا و "نورسين".


كانت ترمقها بإنتصارٍ، و لكنها إنتفضت بخفة عندما وجدته يهمس بروية، و هو يضغط علي كل كلمة يقولها:


-مش كدة يا قطتي.


تلاحقت أنفاس "روضة" لتهب واقفة و هي تصرخ ب:


-ممكن أفهم دي قاعدة هنا معانا في البيت لية!؟


أجابها "زياد" بحدة، و قد جحظت عيناه بتحذيرٍ بث الرعب لقلبها المذعور:


-مش إنتِ اللي تقولي مين يفضل في البيت و مين يمشي، البيت دة بيتي أنا، و أنا اللي أقول مين يفضل و مين يمشي.


لهثت بعنفٍ ليعلو صدرها و يهبط بصورة سريعة من فرط العصبية، و أكثر ما جعلها تستشيط غضبًا لتصبح كالثور الهائج "نورسين" التي ظلت ترمقها بإستفزازٍ، لتعرف وقتها إن تلك المعركة لم تظفر بها بعد، بعدما كانت تظن إن النتيجة معروفة، أرادت وقتها الإنسحاب مؤقتًا، لذا تراجعت بخطواتها و هي تستدير لتبتعد عن المكان، و لكنها تسمرت بمكانها بهلعٍ عندما هتف ببرودٍ:


-متوصلنيش لإني أطلقك يا "روضة". 


لم ترد عليه بل إنفرجت شفتاها بصدمة تحاول إستيعاب ما قاله، و أكثر ما زادها خوفًا هو إكماله لحديثه ب:


-و وقتها هقتلك لإني صبري معاكي هيكون إنتهي. 


إزدردت ريقها لتبتعد عن المكان دون رد، و لكن بداخلها نيران مشتعلة تكاد تحرق كل شئ يقف أمامها من شدة الحقد و الغيرة!


بينما هو كان يتابع إبتعادها عن المكان بوجه شبه متجهم، و فجأة إلتفت لتلك التي تأكل ببرودٍ مصطنعٍ ليهمس بعبثٍ:


-مش كدة يا قطتي؟ 


توردت وجنتاها بحمرة الخجل التي أصبحت تصيبها كثيرًا خاصة بتلك الفترة الأخيرة، و لكن لم تظل علي حالتها كثيرًا بسبب صياحه المتغطرس ب:


-عارفة يا "نورسين" لو إتصرفتي بغباء يوم الخطوبة، وقتها هرميكي تاني من البلكونة بس وقتها هيبقي قصاد كل الناس و شوفي بقي الناس هتقول إية علي الراجل اللي رمي خطيبته من البلكونة يوم خطوبتهم!


و كأنه يقرأ أفكارها الجنونية التي ستؤذيها بالنهاية و لن تكون في صالحها، بينما هو يمعن النظر بوجهها الشارد ليعرف وقتها تخطيطها المجهول لشئ ما، لذا حذرها مجددًا بغموضٍ و بنبرة مبهمة:


-إياكي يا "نورسين" في اليوم دة بذات تعملي أي حاجة غبية، فاهمة؟


نفضت رأسها سريعًا لتصيح بنبرة قوية غير قابلة للنقاش، و هي تتخصر بصورة شبه مستفزة:


-مش أنا اللي أتهدد يا "زياد" يا "نويري"، دة أنا "نورسين الشربيني".


إرتسم علي ثغره إبتسامة جانبية ساخرة ليهتف بتهكمٍ و هو يضع عدة لقيمات بفمه:


-أنا مش هكرر اللي قولته تاني.


جزت علي أسنانها بغضبٍ لتتابع تلك الخادمة التي وقفت بجانبه لتقول بنبرة هادئة أثارت فضولها الأحمق:


-"سيدة" يا باشا مستنياك برة.


نهض من علي كرسيه ليتجه للخارج بينما هي تهز كلا ساقيها بحركات منتظمة لتهمس بتعجبٍ:


-يا تري عايزة إية علي الصبح كدة!؟

____________________________________________

كانت تأكل بنهمٍ شديدٍ بسبب عدم إهتمامها بطعامها بتلك الفترة الأخيرة، و بالرغم من علاقتها التي أصبحت أفضل مع والدتها، و والدها الذي أصبح مهتم بها كأي أب، و لكن صديقتها الوحيدة لم تغيب عن بالها، تُري كيف حالها الآن!؟...و أكثر ما أصابها بالحيرة هي تلك الأخبار التي قرأتها حول موعد تلك الخطبة و قتل سهيلة!....هناك شئ غير مفهوم و غير معروف، هي تزكن ذلك جيدًا و لكن...ما هو ذلك الشئ!؟.....تنهدت بعمقٍ و هي تلوك الطعام بفمها لتقرر الذهاب لتلك الخطبة لرؤية صديقتها و معرفة كل شئ، و لكن كيف ستذهب بمفردها!؟...أهل سيسمح لها أحد بالذهاب من الأساس!؟....و فجأة قُطع حبل أفكارها بسبب ذلك الذي جلس أمامها و علي وجهها تلك الإبتسامة الواسعة، و بيده زهرة بيضاء جميلة، ثم وجدته يمد يده لها قائلًا بنبرة لطيفة إعتادت هي علي سماعها منه طوال تلك الفترة التي كان يلاحقها كظلها فيها:


-أحلي وردة لأحلي "هايدي". 


عقدت حاجبيها بعبوسٍ و هي تضرب كفها بجبهتها من شدة الغيظ فسألها هو ببساطته المعهودة:


-في حاجة مضايقاكي!؟ 


عضت علي شفتيها بغضبٍ ملحوظٍ و لكن هدأت تعابير وجهها سريعًا عندما روادتها تلك الفكرة، لتهتف بلا تردد:


-مش إنتَ بتحبني!؟ 


اومأ لها سريعًا و بلا تفكير لتبتسم هي بمكرٍ و هي تعقد ساعديها أمام صدرها. 

____________________________________________

-فهمني إزاي دة حصل!؟ 


قالتها "سيدة" بوجه متجهم فأجابها هو بضيقٍ و هو يزفر بحنقٍ:


-لما قولتيلي إنها مراته و إنها كانت بتقوله كل حاجة تخصنا وقتها فهمت إنه أكيد بيروحلها و بيطلب مساعدتها، و كنت بالطريقة دي همسك عليه حاجة و أسجنه. 


رمقته بصدمة ففهم هو ما مر ببالها ليصيح بنفي:


-بس مكنتش متخيل إنه ممكن يقتلها لمجرد إنها رفضت مساعدته، مكنتش أعرف إنه غبي كدة.


اومأت له عدة مرات لتتخلص من ذلك الشك الذي روادها لعدة أيام، ثم تنهدت براحة و هي تسأله بفضولٍ ظهر علي تعابير وجهها:


-عملت إية معاهم؟ 


رد عليها بقتامة و بتعابير وجه جامدة:


-عايزين يخلصوا مني. 


رفعت حاجبيها بقلقٍ لتهمس بخوفٍ حقيقي ظهر علي قسمات وجهها التي إنكمشت رعبًا:


-طب و هتعمل إية!؟ 


أخرج سيجارته الفاخرة ليشعلها بتمهلٍ قبل أن يقول ببرودٍ، ليوجه نظراته صوب ساعته:


-أكيد هيدوروا علي نقطة ضعف يإذوني بيها، عشان كدة أنا عايزك إنتِ و "نرمين" تيجوا هنا بكرة. 


كادت أن ترد عليه و لكنها إنتفضت بذهولٍ عندما وجدته يصرخ بإهتياجٍ:


-نورسيــــــن". 


إستقامت في وقفتها عندما زكنت رؤيته لها خلف تلك الأريكة فقالت ببراءة مزيفة و هي تخفض نظراتها بخجلٍ:


-ك....كنت بدور على "روضة". 


رفع حاجبيه الأيمن ليصيح بنبرة ساخرة:


-بتدوري علي "روضة" ورا الكنبة! 


عضت علي شفتيها بحرجٍ شديد ظهر علي وجنتيها اللتان أصابتهما حمرة الخجل، ثم تمتمت بنبرة غير مسموعة:


-هو أنا بقيت غبية اليومين دول كدة لية!؟ 


-ما تردي. 


صاح بها "زياد" بنبرة وضحت مدي غضبه من تصرفاتها الحمقاء التي باتت تخرب كل شئ فإنتفضت "نورسين" بإرتباكٍ، ثم أطرقت رأسها بإستحياء و هي لا تجد شئ لتقوله بينما هو يتابعها بنظراته الحادة ينتظر منها أي إجابة، و لكن تدخلت وقتها "سيدة" قائلة بنبرة لطيفة لتخفف بها من حدة الموقف:


-إنتِ بقي اللي هتبقي مرات إبن عمي؟


رفعت "نورسين" رأسها لترمقها بتأففٍ فهي لم تنسي ما فعلته بها تلك المرأة، لذا كادت أن ترد عليها بفظاظة و لكن نظراته الحادة منعتها لتهمس بنبرة شبه خافتة، و هي ترمقه بروية:


-أيوة أنا. 


اومأت لها "سيدة" عدة مرات، ثم هتفت بحماسٍ و هي ترمق "زياد" برجاء:


-طب يا "زياد" دة إنتوا خطوبتكوا بكرة و لسة هي مجابتش فستان ليها ولا حتي أنا، أنا هاخده... 


قاطعها هو بعجرفة و هو يرمقها بتحذيرٍ فهمته سريعًا:


-فستانها موجود في أوضتها من الصبح، إنتِ عايزة تروحي روحي. 


زفرت "سيدة" بعصبية خفيفة من فظاظته التي لم و لن تتغير، بينما الأخري كانت شاردة بما إستمعته...أهل يقصد شئ بذلك السؤال الغريب الذي سأله لها منذ يومين!؟....أهل ستكون بخطر بسبب وجودها معه!؟....أهل ستكون (نقطة ضعف) له.....أم إن هناك شئ أخر لا تفهمه!....شهقت بخفة عندما وجدت "سيدة" تسحبها خلفها تجاه الدرج فإلتفتت له لتجده مشغول بالهاتف فتنهدت بضيقٍ و هي تفكر حول ذلك الأمر بمنتهي الجدية!

____________________________________________

-مش كفاية هربت منك!


قالها "كامل" بتهكمٍ و هو يلوي شفتيه بغيظٍ فردت وقتها "رفيف" لتحمي إبنها من توبيخ زوجها:


-لا بقولك إية متزعقش للواد، و إلا طلقني.


توترت ملامح "كامل"، لذلك هز رأسه بخوفٍ واضحٍ علي قسمات وجهه المرتبكة، ثم قال بنبرة رقيقة و هو يضع كفه علي كتفها ليجذبها نحوه بلطفٍ:


-كدة بردو يا "رفيف"، دة أنا بقوله كدة عشان خايف عليه مش أكتر!


إبتسمت بخفة لترمقه بعبثٍ هامسة بتحذيرٍ:


-"كامل" إبعد الولد واقف.


إبتعد عنها قليلًا و تلك الإبتسامة العابثة مازالت مرتسمة علي ثغره، و فجأة إتسعت إبتسامته بإنتصارٍ عندما هتفت زوجته بحزمٍ:


-إسمع كلام جوز أمك يا حبيبي، دة أكتر واحد عارف مصلحتك، إنتَ تروح بكرة خطوبتهم زي ما قال و تنفذ اللي قالك عليه.


اومأ لها بتبرمٍ و هو يتنهد بضيقٍ ملحوظٍ بسبب "كامل" الذي يسيطر علي والدته بصورة عجيبة!

____________________________________________

نظرت تجاه ذلك الفستان الأحمر الممزق بإنتصارٍ لتهمس بعدها بمكرٍ ظهر علي تعابير وجهها التي إنكمشت بصورة خبيثة:


-لما أشوف أنا ولا إنتِ يا "نورسين".


و فجأة شعرت بتلك الخطوات التي تقترب من الغرفة فشهقت بخوفٍ عندما توقعت و بكل سهولة توجه "نورسين" لغرفتها بذلك الوقت، لذا إنحنت بحذرٍ و هي تضع كفها علي بطنها، ثم جثت علي ركبتيها لتختبئ أسفل الفراش و هي تتمتم برعبٍ:


-هتبقي مصيبة لو شافتني.


دلفت وقتها "نورسين" للغرفة و معها "سيدة" التي ترمقها بنظراتها المشدوهة، و هي تحاول فهم ما حدث عندما سحبتها بمكان بعيد عن "زياد" لتري معها الفستان الخاص بموعد الخطبة، و كانت المفاجأة وقتها هي وجود الفستان بغرفة "زياد" و ليس بغرفتها، لذا سألتها بتعجبٍ و أنظارها تتوجه صوب ذلك الفستان الأخر الممزق:


-إنتِ لية حاطة الفستان في أوضة "زياد" مش في أوضتك!؟


ثم تابعت بدهشة و هي تتحسس ذلك الفستان الممزق بأناملها:


-و إية الفستان المقطع دة!؟


إبتسمت "نورسين" بدهاء و هي تتذكر ما حدث صباح اليوم عندما بدلت فستانها بفستان تلك ال "روضة" بسبب علمها بنواياها الخبيثة، و ها هي الآن بفستانها الوردي الجميل، و ها هي تلك الحمقاء بفستانها الممزق!


هزتها "سيدة" بخفة لتكرر ما قالته فردت عليها وقتها "نورسين" بتعجبٍ مصطنعٍ و هي تتجاهل سؤالها:


-هو إنتِ متعرفيش إنه إتجوز!؟


شهقت "سيدة" بصدمة لتصرخ بإستنكارٍ:


-إتجوز!....مين؟


هزت "نورسين" كتفيها بلا مبالاة و هي تجيبها ببساطة، لترمقها بمقتٍ لم تستطع التخلص منه بسبب ما فعلته بها:


-إسأليه.


تراجعت "سيدة" بخطواتها للخلف لتخرج من الغرفة راكضة، لتصيح بإسمه بينما الأخري تبتسم بهدوء و هي تضع فستانها علي الفراش لتقول بصوتٍ مسموعٍ:


-لما نشوف بقي هتعمل إية لما تعرف إني بدلت الفساتين.


و وقتها وجدت تلك الحمقاء تخرج من أسفل الفراش و هي تصرخ بسباب لاذع لتستقيم في وقفتها، و لكن "نورسين" تجاهلتها قليلًا لتتجه ناحية باب الغرفة لتوصده بالمفتاح و علي وجهها إبتسامة غامضة لا تبشر بالخير!

........................….......…................................. 

    الحلقه السابعه عشر من هنا

تعليقات



×