الفصل السابع عشر من رواية:وقعت في قبضة الوحش.
بقلم/رولا هاني.
-ميخصكيش أنا إتجوزت ولا لا.
صرخ بها "زياد" و هو يرمق إبنة عمه بنظراته القاتمة، فبادلته هي بنظراتٍ أخري قاسية لتهتف ب:
-لا يخصني، مش عشان أنا بنت عمك لا عشان إنتَ تعرف عني كل حاجة و بالتالي لازم أنا كمان أعرف كل حاجة.
جز علي أسنانه بعنفٍ لتنكمش قسمات وجهه بصورة مرعبة، لذا صاح من بين أسنانه بغضبٍ مكتومٍ بسبب تلك النبرة الحادة التي تحدثت بها و كإنها لا تبالي لإنفعاله الجحيمي الذي يكاد أن يحرق كل شئ من شدة إشتعاله:
-متخلنيش أزعلك يا "سيدة".
إرتسم علي ثغرها إبتسامة جانبية ساخرة فردت عليه بتهكمٍ، و هي تهز رأسها بشفقة أثارت حفيظته:
-هتفضل مش عارف مين معاك و مين عليك طول عمرك.
ثم غادرت المكان و لم تعطيه فرصة للرد، رفع هو أنظاره صوب غرفتها لتتلاحق أنفاسه الحارقة و هو يهمس بتوعدٍ ليصعد الدرج بخطواته السريعة:
-و رحمة أمي يا هسيبك يا "نورسين".
وصل لغرفتها و كاد أن يضع كفه الغليظ علي مقبض الباب الخشبي و لكنه توقف عندما إستمع لتلك الصرخات الهستيرية، لذا حاول فتح الباب عدة مرات و لكنه لم يستطع فتحه، إبتعد قليلًا عن الباب بدون تفكير ثم ركض نحوه ليحاول كسره و هو يرمي جسده عليه!
____________________________________________
لم تنتبه "نورسين" لتلك الأصوات العالية التي كان مصدرها الباب بسبب صراخ "روضة" الذي لم يتوقف للثانية واحدة!
إنتهت من قص أخر خصلة لديها بشعرها لتصيح بعدها بإنتصارٍ و هي تلقي ذلك المقص بوجهها:
-و بنفس المقص اللي قصيتي بيه الفستان.
رفعت "نورسين" كفها لتجفف بظهره تلك الدماء التي كانت تنزف من وجهها بسبب غرز أظافر تلك الحمقاء بوجهها، و بتلك اللحظة دلف "زياد" للداخل بعدما إستطاع كسر ذلك الباب ليجد ما لم يتوقعه أبدًا!
وجد "روضة" تبكي بحسرة حقيقية و هي تمسك خصلاتها بين يديها، لتتعالي شهقاتها بقهرٍ، بالإضافة إلي خصلات شعرها التي أصبحت في صورة قبيحة و غير متساوية!
شهقت خافتة خرجت من بين شفتيها عندما رأته أمامها يرمق ما أمامه بصدمة، لذا ظنت إنه لن يراها فركضت سريعًا لتتجه ناحية الخارج و لكن لم تستطع بسبب كفه الغليظ الذي قبض علي خصلاتها بقسوة بالغة ليقربها من وجهه هامسًا بنبرة تشبه فحيح الأفعي، لتلفح أنفاسه الحارة وجهها:
-مش قولتلك قبل كدة الجزاء من جنس العمل.
جحظت عيناها لتهز رأسها بهستيرية فتلوت من بين ذراعيه صارخة بإهتياجٍ جنوني وضح مدي خوفها البائن علي قسمات وجهها:
-لا، لا إستحالة مش هسمحلك إنتَ فاهم!؟
طوق خصرها ليقربها منه أكثر هامسًا بنبرة شيطانية لا تبشر بالخير أبدًا:
-إبقي وريني مش هتسمحيلي إزاي يا قطتي.
ثم إنحني قليلًا ليحملها علي ظهره كشوال البطاطس وسط صرخاتها الرافضة، و حركاتها العشوائية المتوترة، ثم إتجه ناحية "روضة" التي مازالت تنتحب بحرقة ليلتقط ذلك المقص الذي بجانبها، ثم غادر الغرفة بكل هدوء بينما "روضة" تهتف بغضبٍ و قد إستفحلت شرًا ضد "نورسين":
-هدفعك تمن اللي عملتيه دة غالي أوي يا ****.
____________________________________________
كبل أيديها بلا مجهود، ثم إلتقط أولي خصلاتها ليقصها ببرودٍ تامٍ وسط صرخاتها الرافضة و حركات قدميها السريعة، حاولت دفعه من فوقها و لكنها لم تستطع، لذا إلتفتت لذلك الكومود الذي كان بجانب الفراش لتجد تلك الزهرية الصغيرة، لذا حاولت تحريك جسدها ناحيتها و لكنه سحبها بعيدًا و كإنه يقرأ أفكارها و بكل سهولة، و وقتها إرتجف جسدها بقهرٍ عندما رأت خصلاتها تتساقط أمام عينيها، لذا صرخت بإنهيارٍ و عبراتها تتهاوي بلا توقف بالرغم من محاولاتها الفاشلة في السيطرة عليها:
-إبعد عني يا ***، ال**** مراتك هي اللي كانت عايزة تإذيني من الأول.
ألقي المقص أرضًا ثم تهاوي كفه علي وجنتها ليصيح بإهتياجٍ قابضًا علي فكها، و قد تفاقم غضبه بتلك اللحظة:
-لو غلطتي مرة تانية مش عارف أوصفلك اللي هعمله فيكي وقتها.
نزفت شفتاها و تدفقت الدماء منها، لذا بصقت بوجهه صارخة بإنفعالٍ جحيمي، بينما هو تتحول تعابير وجهه الغاضبة إلي أخري مرعبة، إلي أخري تبث الإرتعاد للقلوب:
-أنا بكرهك يا "زياد"، بكرهك.
تلاحقت أنفاسه فإرتجفت شفتاها من فرط الذعر، وجدته يمسح بظهر كفه لعابها، ثم و خلال لحظات سحبها خلفه من عنقها ليلقي بجسدها ناحية باب الشرفة الزجاجية، ليتحطم الزجاج بينما هي تصرخ من فرط الألم الذي شعرت به، بالإضافة إلي تلك الجروح التي أصابت وجهها، وجدته يقترب منها لذا إلتقطت تلك الزجاجة التي كانت بجانبها لتغرزها بقدمه بلا تفكير فصرخ هو ألمًا هاتفًا بسباب لاذع، بينما هي تحاول النهوض و بالفعل نجحت، ثم كادت أن تخرج من الغرفة راكضة لتستغل إنشغاله بقدمه المصابة، و لكنه باغتها بإلتقاطه لخصلاتها التي أصبحت قصيرة غير متساوية، و بالرغم من كل شئ إلا إنها تقاومه و تقاوم عنفه بضراوة، و كادت أن تركله بمعدته و لكنه قبض علي ركبتها ليدفعها ناحية الفراش تاركًا خصلاتها، ثم إقترب منها لينحني بجذعه للأمام لينظر ليديها المكبلتين بسخرية هاتفًا و الشر يتطاير من عينيه:
-لية بتوصليني لإني أذيكي!
كادت أن تنهض و لكنه ثبت جسدها بكلا ذراعيها عندما قبض علي كلا من كتفيها صارخًا بغضبٍ ناري يكاد يحرقها، بالإضافة إلي عروق نحره التي برزت من فرط العصبية:
-لما أتكلم يبقي لازم تسمعيني.
إهتز جسدها بين يديه من فرط الغضب لتصرخ بعدها بقهرٍ و عبراتها الحارة تغمر وجنتيها:
-إنتَ بوظت حياتي، أنا كنت مرتاحة قبل ما أشوفك، ياريتني ما كنت روحت شركتك ولا حتي سمعت عنك.
و بالرغم من قسوة كلماتها إلا إنه حاول الثبات أمامها ليصيح بتهكمٍ:
-دة علي أساس إن حياتك كانت حلوة أوي، إية الحلو في إنك كنتي عايشة لوحدك، دة حتي أبوكي مكانش بيعرف عنك حاجة و يوم لما زارك في المستشفي كان عشاني أنا، عشان يشتغل معايا أنا.
جحظت عيناها لتهمس بصدمة لم تستطع إخفائها بينما هو يحل وثاق أيديها:
-إنتَ بتقول إية!؟
إبتعد عنها ليتجه ناحية الشرفة متجاهلًا نزيف قدمه بينما هي تنهض من علي الفراش بإرهاقٍ بادي علي قسمات وجهها، و بالرغم من ذلك إلا إنها صرخت بحسرة:
-أيوة كانت حياتي أفضل، لوحدي بس أفضل، كفاية إني بعيدة عن قرف الناس.
ثم تابعت بغلٍ و هي تضغط علي كل كلمة تقولها، و لكنها لا تعلم إنها تضغط علي الوتر الحساس لديه ولا تشعر:
-أكيد أفضل من إني أكون مع تاجر مخدرات.
جز علي أسنانه بعصبية ليستدير لها قابضًا علي فكها، ليصرخ بإهتياجٍ و عيناه تجحظ بصورة مرعبة وضحت مدي غضبه:
-كان غصب عني، مكانش بإيدي.
نفضت يده من علي فكها لتصيح بعدها بجمودٍ و هي ترمقه بثقة:
-كداب، دول كلمتين بتقولهم عشان بس تبين إنك مظلوم.
هز رأسه عدة مرات ليهمس بعدها بتلك النبرة التي لم تسمعها منه من قبل، لذا إزدردت ريقها بتوترٍ بسبب تعابير وجهه التي تحمل الكثير من الأسرار:
-لو كان بإيدي إني أبقي أفضل كنت هبقي.
ردت عليه بتعجبٍ و هي تهز رأسها بإستفهامٍ:
-يعني إية!؟
رد عليها صارخًا بنبرة عالية و قد إحتقن وجهه بالدماء:
-يعني في حاجات في حياتنا مش بنختارها.
ثم تابع بسخرية مريرة و هو يمرر كفه علي خصلاته الكثيفة بعنفٍ:
-أنا عمر ما حد هيعرف يفهمني.
تحرك بؤبؤي عينيها بإرتباكٍ فهمست بعدها بترددٍ و هي تلعق شفتيها:
-يمكن مش فاهماك عشان معرفش عنك حاجة.
رأت تلك الإبتسامة المستهزئة ترتسم علي ثغره ليسألها بعدها بإستخفافٍ:
-و أنا لما أحكيلك هتفيديني بإية!؟
لم تستطع الرد عليه فرأته يقهقه بنبرة عالية ليهتف بعدها بهدوء و إبتسامته المريرة ترتسم علي ثغره:
-مش هتفيديني بحاجة.
تراجعت بخطواتها و هي ترمقه بثباتٍ مزيفٍ، ثم إستدارت لتفتح باب الغرفة فوجدت أمامها "روضة" التي ترمقها بإنتصارٍ ما إن رأت تلك الجروح التي بوجهها و خصلاتها التي أصبحت تشبه شعرها!
تنهدت "روضة" بتمهلٍ قبل أن تتسائل بنبرة مستفزة:
-بتعملي إية في أوضة جوزي!؟
لم ترد عليها بل تجاهلتها لتخرج من الغرفة و كلماته المبهمة لا تغيب عن بالها، ثم إتجت لغرفتها لترمق ذلك الباب المكسور بغير إكتراث ثم إتجهت ناحية الفراش لتتمدد عليه و هي تحاول فهم مغزي كلماته تلك!
____________________________________________
صباح يوم جديد.
فتحت جفنيها بإنزعاجٍ بعدما تسلل ضوء الشمس لغرفتها، إعتدلت في جلستها لترمق ذلك الفستان الوردي بتأففٍ، ثم أخذته لتنهض من علي الفراش و كادت أن تتجه ناحية المرحاض و لكنها وجدت باب غرفتها كما كان، لذا رمقته بذهولٍ لم يدم كثيرًا و إتجهت للمرحاض لتنعم بحمام دافئ، و بعد ما يقارب العشرون دقيقة خرجت من المرحاض مرتدية ذلك الفستان الطويل ذو الأكمام الطويلة، ثم إتجهت ناحية المرآة لتتأكد من إخفاء جرح كتفها أسفل ذلك الفستان، و بعدها بدأت في وضع مستحضرات التجميل التي أخفت جروح وجهها و كدماته و بالرغم من إهتمامها الشديد لما تفعله همست بغلٍ لم تستطع التخلص منه:
-مهما كان حصله إية بردو هنتقم منه، كفاية اللي حصلي بسببه.
____________________________________________
مرت الساعات ليحل المساء، كان ينتظرها غير منتبه لأي شخص يهنئه، هو فقط ينتظرها!
شرد قليلًا ليطرق رأسه بسخطٍ و ذكرياته البعيدة ترواده ولا تتركه للحظة واحدة.
(عودة للوقت السابق)
كان الصغير ذو العشر سنوات يرمق ذلك الرجل الذي يتوسل والده بفضولٍ طفولي، ثم وجه نظراته صوب "أكرم" ليسأله بتعجبٍ:
-هو ماله يا بابا!؟
لم ينتبه "أكرم" لنبرة إبنه الشبه خافتة بل ظل يصرخ بمن أمامه بنزقٍ شديدٍ لينتفض الصغير تلقائيًا برعبٍ:
-قولتلك اللي إنتَ عايزه مش هتاخده إلا لما تدفع.
نظر الصغير "زياد" تجاه ذلك الرجل هو يصيح بألمٍ بادي علي ملامح وجهه المرهقة و هو يشير ناحية تلك الطفلة التي تجلس علي ذلك المقعد الخشبي المتهالك بالمكان:
-خُد بنتي أهي، هي صحيح صغيرة بس بتعرف تعمل كل حاجة.
قهقه "أكرم" بنبرته العالية، ثم و فجأة زمجر بتهكمٍ:
-و دي بقي هتعمل إية؟
إزدرد الرجل ريقه بصعوبة ليهتف بنبرة مهتزة، لتكز ملامح وجهه بألمٍ ملحوظٍ:
-بتعرف تنضف كويس يا باشا.
اومأ "أكرم" بإقتناعٍ ثم أخرج من جيبه حقيبة بلاستيكية صغيرة شفافة بها مسحوق أبيض ليلقيها بوجهه، بينما الصغير "زياد" يتابع تلك الصغيرة التي ترمق والدها بحسرة و بقهرٍ!
(عودة للوقت الحالي)
وجه نظراته صوب "روضة" التي تجلس بتعابيرٍ شبه هادئة علي إحدي الكراسي الفخمة، ليرمقها بشفقة، نعم فلم تكن تلك الطفلة البريئة التي باعها والدها سوي "روضة"!... "روضة" التي حولتها الأيام الي إمرأة شنعاء لتسيطر عليها أفعالها المشينة!
إستمع لصوت خطواتها و هي تهبط الدرج فوجه نظراته ناحيتها ليرمق فستانها المحتشم برضا، وصلت إليه فمد هو يده ناحيتها لتضع كفها الرقيق بين قبضته الغليظة، طوق خصرها لتبدأ تلك الموسيقي فتراقصت هي معه بضيقٍ جلي علي تعابير وجهها، و فجأة إنتبهت لنظراته المختلفة التي تتابعها،نظراته التي تتفحص ملامحها التي أصبحت متألقة تسحر المرء، ربما يراوده شعور مختلف لأول مرة يشعر به و لكنه يرفضه....يرفضه ولا يريد حتي الإستمتاع به!
و بينما هي شاردة بتعابير وجهه المبهمة جحظت عيناها عندما رأت ذلك الرجل خلفه لذا همست بصدمة جلية علي وجهها:
-إلحق بسرعة!
............................................................................