روايه وقعت في قبضة الوحش الحلقه الرابعه والثلاثون والاخيرة


 الفصل الرابع و ثلاثون (الأخير) من رواية:وقعت في قبضة الوحش.

بقلم/رولا هاني.


إلتقط هاتفه من علي الكومود بعدما تعالي رنينه، بالإضافة إلي محافظته علي حركته البطيئة حتي لا تستيقظ، ضغط علي الهاتف و هو يتنهد بتمهلٍ ليضعه علي أذنه و قلبه ينبض بجنون:


-حصل إية؟


وجد رد "صخر" الذي جعله يزفر براحة شديدة توضح مدي فرحته بنجاح خطته:


-خبر موت "جاك" وصلي.


تعالت ضحكات "زياد" و لم يستطع الرد عليه، و قد كانت السعادة تسيطر عليه، بكي بسرورٍ و عبراته تهبط علي وجنة "نورسين" لتنهض مستيقظة بتعجبٍ هامسة بقلقٍ:


-في إية؟


لم ينتبه لها بل إستمع لرد "صخر" بثباتٍ:


-و اللي إتفقنا عليه!


رد عليه "زياد" بحبورٍ و هي ينهض من علي الفراش متجاهلًا صياح "نورسين" بعدم فهم:


-كلم "إيهاب" و هو هيظبط كل حاجة ليك.


ثم أغلق الخط ليغلق الهاتف قبل أن يخرج الشريحة منه ليحطمها قائلًا بنبرة مختلفة تعبر عن إختلاف نظرته للحياة بتلك اللحظة:


-مش هيبقي في حاجة إسمها "زياد"!....هيبقي في حد جديد بذكريات جديدة و ب ناس جديدة.


إقتربت منه و هي تضع كفها الرقيق علي كتفه هامسة بإستفسارٍ و هي تقبل عنقه بقبلات عديدة:


-حصل إية يا حبيبي!؟


إستدار لها ليطوق خصرها قائلًا بلا مقدمات قبل أن يقبل شفتيها بتلك القبلة الطويلة:


-تحبي نسافر فين!؟


ما الذي يقصده بسؤاله المبهم ذلك!؟..ما الذي يرمي إليه بسؤاله ذلك؟....أيقصد إنه إنتهي من أي شئ سوف ينغص حياتهما و يعكر صفوها!؟...للحظة إبتسمت و هي تحاول إستيعاب ما قاله، نعم ستكون معه، ستبقي معه، بين يديه، بين أحضانه الدافئة التي تبثها بالأمان، إتسعت إبتسامتها و هي تلتصق به صائحة بعدم فهم مصطنع لتتأكد من ظنونها بعدما كانت ضحية زوبعة أفكارها لعدة دقائق:


-تقصد إية!؟


إقترب هو أكثر ليقبل شفتيها مجددًا هاتفًا بهيامٍ ظهر بنبرته و بصوته الأجش:


-بحبك.


تسائلت هي مجددًا بشكٍ و هي تلف ذراعيها علي عنقه لتقترب منه لعله يجيبها و يجيب أسئلتها التي لا تنتهي:


-يعني كدة خلاص مش هيبقي في مشاكل تاني؟


لم يلبي رغبتها في الإجابة علي أسئلتها بل كرر ما قاله بهمسٍ و هو ينظر مباشرةً لفيروزتيها اللتان لا يعشق سواهما:


-بحبك.


أدركت هي رغبته في عدم الإجابة فتنهدت هي بقلة حيلة و هي تجذب رأسه ناحيتها ليدفن هو وجهه بخصلاتها هامسًا بنبرته الدافئة:


-بحبك يا "نورسين"، بحبك يا قطتي، عمري في حياتي ما كنت أتخيل إني أحب حد كدة، و مش بس كدة، إنتِ غيرتيني يا "نورسين"، غيرتي الوحش، عرفتي تطلعي الحلو اللي كان مدفون جوايا.


صمتت و هي تمرر كفها علي ظهره بحنو تحثه علي إكمال كلماته المعسولة و بالفعل تابع هو حديثه بنبرة ساحرة تعزف علي أوتار قلبها الذي ينبض بإسمه فقط:


-أمنيتي الوحيدة في الحياة هي إنتِ يا "نورسين"، أمنيتي الوحيدة إني أعيش معاكي عمري كله، أعيش معاكي و تفضلي جمبي، بحبك يا "نورسين".


زفرت بإرتياحٍ لتجيب سؤاله الذي سأله منذ قليل بنبرتها الرقيقة:


-مش عايزة أبعد عن مصر.


تنهد بحيرة ليبتعد عنها قليلًا متسائلًا بعدم فهم:


-يعني إية!؟


تنهدت بتمهلٍ قبل أن ترد عليه بنبرة شبه عادية:


-يعني إحنا ممكن نسافر محافظة تانية بعيدة، مش لازم نسيب مصر.


اومأ لها بلا تفكير، فهو كل ما يريده هو البقاء بجانبها، لتكن بين يديه بعيدًا عن أي مصائب، لذا بعد صمت دام لعدة دقائق في تأمله إياها هتف هو بروية:


-انا طلقت "روضة".


إبتسمت بسرورٍ صارخة بفرحة لم تستطع إخفاءها:


-بجد يا "زياد"!


اومأ لها قائلًا بنبرة عابثة و هو يطوق خصرها برقة توردت وجنتاها علي أثرها:


-بجد يا روح "زياد".


إقترب منها و هو يقبل مقدمة رأسها بحنان جعلها تبتسم براحة، نعم فهي إستطاعت تغيير الوحش، و مثلما وقعت هي في قبضته وقعت إيضًا في عشقه!

____________________________________________

رأته يقف أمامها مباشرةً و علي وجهه إبتسامة واسعة توضح مدي سعادته بوجوده بذلك المكان، و فجأة هتف هو بلا مقدمات:


-بحبك.


شهقت "سيدة" بحرجٍ ثم تراجعت بخطواتها للخلف هامسة بإستهجان:


-"مؤمن" ميصحش كدة.


تنهد بمكرٍ و هو يرمقها بخبثٍ فهي مازالت تخجل منذما تركها، لذا إستغل هو ذلك و هو يصيح مجددًا بصدقٍ:


-بحبك.


كادت أن تستسلم لمشاعرها لتصارحه بعشقها و لكن خرجت الصغيرة من غرفتها بتلك اللحظة صائحة بحماسٍ طفولي:


-ماما "سيدة" انا صحيت يا مام..


إبتلعت الصغيرة بقية كلماتها و هي ترمق ذلك الرجل الذي رأته من قبل بعدم فهم مصطنع هامسة ب:


-إية دة يا ماما "سيدة" هو إحنا عندنا ضيوف!؟


إزدردت "سيدة" ريقها بتوترٍ ما إن رأت الصغيرة، فقد كانت تخشي تصرفاتها التلقائية التي تجعلها بمواقف محرجة، و بتلك اللحظة صاح "مؤمن" بمرحٍ ليخفف من حدة الموقف بعدما شعر بإرتباك "سيدة" الواضح:


-قولتيلي إسمك "نرمين" مش كدة.


اومأت له "نرمين" بترقبٍ و هي تتابع كفه الذي أخرجه من جيبه بالحلوي التي أحبتها فقفزت هي بحبورٍ هاتفة برجاء:


-إديني واحدة يا عمو، عمو إديني واحدة.


أعطاها "مؤمن" كل الحلوي ثم أمرها بجدية مصطنعة و هو يشير لتلك الغرفة التي خرجت منها:


-خُديها كلها بس ممكن ترجعي أوضتك و تسيبيني مع ماما "سيدة".


اومأت الصغيرة بلا تفكير و هي تعود لغرفتها فصوبت "سيدة" نظراتها ناحيتها و هي تدلف للغرفة، و فجأة شهقت بصدمة عندما وجدته يقترب منها و هو يهمس بشوقٍ، لتبتسم هي برقة:


-وحشتيني يا "سيدة"، و أخيرًا إديتيني فرصة!

____________________________________________

-كنت جبتلي شيكولاتة أكُلها أحسن.


قالتها "هايدي" بتهكمٍ و هي ترمق تلك الزهور بعدم رضا مصطنع، فإختفت وقتها إبتسامة "نادر" ليهمس بأسفٍ:


-أنا أسف بس أنا قولت الورد هيفرحك أكتر.


كادت أن تضحك و هي تنفي غضبها و نفورها من تلك الزهور الرقيقة و لكنها رمقته ببلاهة لتفغر شفتيها بصدمة هامسة ب:


-بجد يا "نادر" مُهتم بالحاجات اللي بتفرحني.


هز كتفيه بتلقائية و هو يصيح بعفوية متأملًا خضروتيها اللتان تتابعاه بشغفٍ، و قد إلتمعت عيناه ببريقٍ جذابٍ:


-طبعًا. 


ثم تابع بوله و هو يتابعها بهيامٍ:


-أنا مبقتش أعرف حد في الدنيا دي غيرك، و مبقتش عايز حد في الدنيا دي غيرك.


إتسعت حدقتاها لترمقه بسرورٍ و قلبها يرقص من فرط سعادة العشق التي غمرتها، و بتلك اللحظة شعرت برغبة قوية بالإستسلام، نعم فهي تريد التوقف عن المقاومة، و بالفعل وافقت علي أفكارها تلك لترتمي بين أحضانه هامسة بنبرتها الخافتة:


-بحبك. 

____________________________________________

مرت الساعات و الأيام و السنوات، مرت سبعة سنوات علي تلك الأحداث التي إنتهت بصورة سعيدة تملئ قلب المرء بالبهجة و الأمل، و خلال تلك الأيام التي مرت تغير أشياء كثيرة، فقد ترك "زياد" القاهرة ليلبي رغبة قطته في ذهابهما ل (قنا) و قد كانت "روضة" صديقة مخلصة لهما، أما شركته فقد تركها ل"سيدة" التي عادت ل"مؤمن" مجددًا، أنجبت "نورسين" تلك ال"أريام" فقد كانت تشبه والدها في كل شئ خاصة بنيتيه الحادتين، أما "هايدي" فأنجبت "رنيم" بعدما تزوجت" نادر" و قد كانت الصغيرة تشبه والدتها بكل شئ، في خصلاتها المجعدة السوداء و عينيها الخضراء، إبتدي "زياد" في العمل كبائع أسماك بعد ستة أشهر من مغادرته للقاهرة و قد كانت زوجته "نورسين" تدعمه بكل شئ يفعله فقط لتكن بجانبه بسلامٍ و أمان.

____________________________________________

-إتأخروا أوي!


قالتها "نورسين" بعبوسٍ و هي تقف بداخل الشرفة لتتابع بفيروزتيها المارة، و بتلك اللحظة دلف "زياد" الشرفة و علي وجهه إبتسامة واسعة مشرقة، ليتأمل زوجته الواقفة بشرودٍ لينفجر بالضحك بعدما وقعت عيناه علي بطنها المنتفخة فوبخته هي بحدة بعدما خرجت من شرودها:


-هو إنتَ هتفضل طول الليل و النهار تضحك عليا!


رفع حاجبيه ليغيظها قائلًا بمزاحٍ، بينما هي ترمقه بتأففٍ:


-توت توت بطن مراتي فيها كتكوت.


لوت شفتيها بحنقٍ لتتمتم بخفوتٍ و هي تزفر بضيقٍ:


-أبو تُقل دم ***، مبحبوش الواد دة.


تسائل هو بفضوله التي إكتسبه منها خلال تلك السنوات الماضية:


-بتقولي إية!؟


رسمت علي ثغرها إبتسامة مزيفة و هي تصيح برقة:


-سُكر يا روحي، دمك سُكر. 


إقترب منها ليلتقط كفها بين يديه ليقبله بهدوء، بينما هي تسحبه سريعًا قائلة بخجلٍ و هي تدير رأسها يمينًا و يسارًا خشية من أن يراهما أحد:


-"زياد" إحنا في البلكونة! 


طوق خصرها ليباغتها بسحبها نحوه، فإصطدمت هي بصدره شاهقة بتوترٍ و هي تضع كفها علي صدره بتلقائية للتابع ما يقوله بإبتسامتها الحقيقية الواسعة:


-مافيش أي حاجة تقدر تمنعني عن إني أعبر عن حُبي ليكي يا قطتي. 


أطرقت رأسها بحرجٍ لتستند بها علي صدره بينما هو يضع كفه ظهرها ليربت عليه بحنانه الذي بات معهود، و كاد أن يقبل رأسها و لكنه إنتفص قبلها عندما إستمع لصوت "نادر" المزعج من الأسفل و هو يصيح قائلًا:


-طب معلش بس هقطع اللحظة الرومانسية دي عشان تيجوا تفتحولنا، أصل بقالنا ساعة بنخبط. 


عبست ملامح "زياد" و هو يبتعد عن "نورسين" فهدأته هي عندما ربتت علي صدره فذلك ال"نادر" يثير غضبه أكثر من أي شئ، و بتلك اللحظة تنهدت براحة عندما وجدته يقبل وجنتها بخفة قبل أن يخرج من الشرفة و ملامحه شبه هادئة، ثم خرجت هي الأخري معه و هي علي وجهها تظهر حمرة الحرج، نعم فهو مازال يغمرها بكلماته المعسولة و هي مازالت تخجل كالطفلة الصغيرة! 

____________________________________________

إتفتح الباب لتدلفا الصغيرتان و هما يصيحان بإسم "أريام" التي ركضت نحوهم بسعادة، و بتلك اللحظة دلف الجميع لتتوجه "سيدة" هي و زوجها "مؤمن" ناحية "زياد" قائلة ببشاشة:


-مش قولتلك تبقي تيجي القاهرة تزورني!


رد عليها بأسفٍ و هو يهز رأسه عدة مرات:


-ما إنتِ عارفة شغلي صعب إزاي يا "سيدة" و مش بينفع حتي أغيب يوم واحد.


اومأت له "سيدة" عدة مرات و لم تناقشه بأمر العمل فالإنزعاج يصيبه عندما تطلب منه أن يعود لشركته، و بالطبع هو يرفض فكرة الإبتعاد عن "نورسين" و لو لعدة دقائق.


تقدمت "هايدي" ناحية صديقتها و هي تبتسم بلطفٍ قائلة بإشتياقٍ:


-وحشتيني يا "نورسين".


إقتربت منها "نورسين" لتحتضنها برقة هامسة ب:


-و إنتِ كمان وحشتيني.


كاد "زياد" أن يتوجه معهم ناحية السفرة و لكن دلفت بتلك اللحظة "روضة" و هي تصيح بإنفعالٍ طفيفٍ:


-كدة بردو يا "زياد" عايزين تاكلوا من غيري!


تعالت ضحكات "نورسين" لتوبخها بإستنكارٍ و هي تعقد ساعديها أمام صدرها:


-هو إنتِ مش قولتي إنك هتيجي أول واحدة، و بعدين حاولنا نكلمك كتير و تليفونك كان مقفول.


ردت عليها "روضة" بحماسٍ و هي تتركهم لتتجه هي ناحية السفرة:


-تليفوني فاصل شحن، يلا أسيبكوا أنا بقي عشان جعانة.


إبتسم الجميع و إتجهوا خلفها ناحية السفرة ليجلسوا علي الكراسي الخشبية و هم يتأملوا الصغيرات و هن يلعبن بمرحٍ بجو يملؤه الحب و السعادة و العشق، و قد أصبح كل شئ يغمره الأمان!....ربما الحياة ليست ظالمة، بل تعطي المرء فرصة واحدة ليشتري حياة أخري، حياة مختلفة مليئة بالإطمئنان!....ربما أيضًا العشق هو طريق تلك الحياة!...العشق الذي يهب كالعاصفة علي الإنسان ليباغته بمشاعر جديدة، مشاعر تأتي بعذابٍ و غيرة و لوعة و وله و خوفٍ!....و بالرغم من ذلك إلا إن المرء لا يستطيع التخلي عن ذلك العشق مهما حدث، ربما الحياة ليست ظالمة بل نحن من لا نبحث عن السعادة.


تمت بحمد الله.

بقلم/رولا هاني.

تعليقات



×