Ads by Google X

رواية زيغه الشيطان الحلقه الثامنه




الفصل الثامن من #زيغه_الشيطان

#أضواء_مبعثرة

بقلم فاطمة محمد & فاطمة طه سلطان


_______


اذكروا الله


_______


الناس يحبون ليسعدوا.. لا ليجعلوا من حياتهم نادرة يتندر بها.

نجيب محفوظ.


_______


تسللت رقية خارج الدوار دون علم أحد...ضاربة بتحذيرات صفية والتي حستها بها على عدم الخروج دون علمهم عرض الحائط....محذرة العاملة لديهم على عدم ترك ابنها الصغير وحيدًا حتى تعود وعدم أخبار أحد بخروجها…


تاركة العنان لقدميها...تسير وسط الأراضي الزراعية..العائدة لهم....مغمضة جفونها... تستمتع بالهواء الذي يلفح وجهها....

وعلى الرغم من حرارته إلا أنها أحبت ذلك الشعور...فقد ملت من الجلوس بالمنزل....

فلا تخرج كثيرًا من المنزل.....تنفيذًا لأوامر صفية.. وأمجد...

فتحت جفونها والبسمة الواسعة تشق ثغرها....


بسمة لم تدم طويلًا...فقد رأته...يقترب منها....ممتطيا جواده الخاص به.....


لا تتوهم..او تتخيل رؤيته...بل كانت حقيقة....


ازدردت ريقها واولته ظهرها تريد الفرار...من أمامه.....


وبالفعل فعلتها...وعجلت من خطواتها...نادمة على خروجها ذلك الذي جعلها تتعرض لذلك الموقف..و رؤيه ذلك النچم.....


أعاق نجم طريقها....واقفًا بـ الجواد.. أمامها...ثم هبط من اعلاه....واقفًا قبالتها.....


رفعت عيناها تختطف نظره له...وليتها لم تفعل…


ابتسم نجم على فعلتها التلقائية....وصاح ببرود اعتادت عليه:

-لا مش مصدق عينيا...وانك خرچتي من الدوار... إيه مش خايفين عليكي ولا إيه....


استدعت رقية قوة لا تتواجد بها بالوقت الحالي..لكنها اجادت تزيفها:

-ابعد عن طريجي يا بن الحلال....أنت عايز مننا ايه...مش خلاص...!!!

ابعد عن أهلي احسنلك يا نچم...


تعمد نجم اظهار غلاظته...وتمتم ساخرًا بلهجة صعيدية...

-يم يم خاف يا نچم....بجولك إيه م





قاطعته بتوتر وعيناها تتهرب منه:

-متجولش...مفيش بينا كلام....


انتهت متحركة من مكانها....مما جعل غيظه يتكاظم...وظل يتابعها بعيناه حتى ابتعدت تمامًا.....


مستقلًا جواده مرة أخرى....وركض به بسرعة فائقة...عله غضبه يهدأ... ويزول....


بينما عادت هى للدوار...لتجد أمامها صفية تنتظرها كاشفة خروجها دون علمها…


التهمت صفية المسافة بينهم...صارخة بوجهها:

-كنتي فين يا بت...مش جولنالك مفيش خروج...كلامنا معادش يتسمع ولا إيه....


تلجلجت رقية واعتذرت قبل أن تفر من أمامها:

-معلش ياما ..اتخنقت وخرجت شميت هوا....


رحلت...متجهة لغرفة ابنها....فتحت الباب وسرعان ما أمرت العاملة بالخروج....


انصاعت لها العاملة...وما أن أغلقت الباب حتى دنت من صغيرها محتضنه إياه بقوة وذكرى لقائها مع نچم تتكرر أمام عيناها..مما يجعلها تزيد من احتضان ابنها...


_________


أهلًا فهمي بيه نورت المكتب. 


تلفظ أمجد بتلك الكلمات مرحبًا بـ فهمي ببسمة بسيطة مكلفة لم تصل لعيناه مشيرًا له تجاه المقعد القابع أمامه حتى يجلس، فهو لم يتناسى ما سمعه من داليا بل لا يذهب من عقله... 


جلس فهمي قبالته واضعًا قدم فوق الأخرى متحدثًا بعملية والبسمة لا تغادر ثغره: 

-المكتب منور بصحابه يا أمجد، بس الحقيقة أنا زعلان منك من اللي حصل في فرح شهاب وفي نفس الوقت عذرك، داليا قالتلي أنك سمعت كلامنا… 


سحب أمجد نفسًا عميقًا حبسة داخل صدره لثوانِ ثم زفره بهدوء، محاولًا التحدث بهدوء ينافي تمامًا مشاعره الثائرة..


وأخيرًا خرج صوته الرجولي متمتم بنظرات قاسية توحي بما يكنه: 

-هو أنا مش حابب نكلم في الموضوع ده أحسن ولا إيه .. وبعدين كله كان في الماضي.. وانا عارف أن حماتي مش حابة جوازنا…

 

هتف فهمي وهو يحاول انهاء هذا الخلاف: 

-وأنا مش قصدي اضايقك يا أمجد ..انا قولتلك في بداية الكلام اني مضايق وعذرك ..بس مهما حصل مكنش ينفع تمد أيدك على بتول سواء بقى قدامنا او من ورانا…

 أما بقى أني عذرك فده لأني حطيت نفسي مكانك .. بس اللي عايزك تعرفه أن شهاب ابني ملوش علاقة ببتول من زمان ... اتقدملها ورفضته وكان موضوع قديم دلوقتي هما شركاء مش أكتر..


صمت فهمي بضعه لحظات يتابع قسمات أمجد التي احتدت وكأنه على وشك القتال، فـ تابع فهمي حديثه مجددًا: 

-انا مش حابب ادخل في خصوصياتك انتَ وبتول .. بس بتول غالية عندي أوي يا أمجد مش بس عشان بنت صاحب عُمري، لا لأني كمان يعتبر ربيتها ومحمد لو كان عايش مكنش هيعجبه اللي حصل لبنته وانك ترفع ايدك عليها…


-واكيد انا مش مبسوط باللي انا عملته. 


نظر له فهمي بهدوء، ثم هتف بعملية 

- انا بس جيت عشان اوضح الصورة وداليا أنا ليا كلام معاها متقلقش… 


أنهى كلماته ناهضًا عن مقعده، فكز أمجد على أسنانه وهو ينهض هو الأخر متحدثًا بهدوء مفتعل معقبًا على حديثه: 

-حضرتك قمت ليه طيب دلوقتي، استنى اطلبك قهوة ت

 

كاد يكمل، فمنعه حديث فهمي موضحًا: 

-القهوة دي للناس الغرب انا مش غريب يا امجد، وزي ما قولتلك حاول تصلح امورك مع بتول عشان هى فعلا بتحبك… 


ابتسم له أمجد بخنوع، مودعًا إياه…. 

ثم جلس على مقعده مرة أخرى شاردًا بحديثه، فقطع شروده ذلك تلك الطرقات الخافتة على الباب، آذن للطارق بالدلوف والتي لم تكن سوى فرح مرددة: 

-ملف القضية اللي حضرتك كنت طلبه..

 

اماء لها مشيرًا لها بالأقتراب والملل يليح على قسماته…


__________


تجفف ريما خصلاتها أمام المرآة فقد انتهت لتوها من حمامها، لا شيء جديد في تلك الأيام فقط ترسل رسائل نصية إلى والدتها تخبرها أنها بخير، وتسجل لها تسجيلات صوتية محاولة بث المرح والسعادة بهم….


 ثم تجلس طوال اليوم بمفردها تمتنع حتى عن الطعام معهم، وتأتي لها سعاد بالطعام من حين لآخر..

 

جلست على الفراش بعدما انتهت منتشلة هاتفها كي تراسل والدتها…


دق الباب فهتفت ريما بهدوء:


- اتفضلي يا طنط..





انفرج الباب و ولج شهاب وهو يحمل الطعام غالقًا الباب بقدمه، راسمًا بسمة على شفتيه، قائلًا:

- ينفع أنا، اصل طنط لسه ماشية وراحت تجيب حاجات فقالتلي اقوم انا بالمهمة دي لان مفيش غيري في البيت...


تركت الهاتف...ونهضت بغضب شديد أثناء وضعه للطعام على الفراش جوارها…


مغمغمة بحنق فكلما تراه تتذكر قلبها العاشق له ومازال يعشقه وهذا هو ما يُغضبها...

- مش قولتلك مش عايزة اشوفك؟

 

- وانا قولتلك هنتكلم.. سواء النهاردة..بكرا..بعده…كدة كدة لازم هنكلم...


- وانا مش رايقه ولا حابه اتكلم معاك…


قالتها بسخرية شديدة وهى تعقد ساعديها بتحدي، فأردف شهاب وهو يقترب منها لتعود إلى الخلف تلقائيًا: 

- اديني ميعاد تكوني رايقة فيه يا استاذة ريما علشان اجي اكلمك فيه….


صمت قليلًا ثم عاد مُصرًا:

-هنتكلم وهتسمعيني…


- مش عايزة أسمع .. مش عايزه أسمع منك اي حاجة مفيش حاجة هتقولها هتهديني يا شهاب مفيش حاجة ممكن تقولها هتريحني..


كانت ريما تتحدث بوجع شديد تحاول أن تتماسك قدر الإمكان حتى لا تظهر له أنها مُتيمة به ولا تفقد كرامتها أكثر من ذلك، نعم فهمي يتحدث في بعض النقاط المنطقية التي يتقبلها عقلها كون أن بتول مراهقة في حياة شهاب ويوافقه عقلها على ذلك ولا تعترض.


ولكن ماذا عن قلبها؟!! 


لم يتحدث أحد فيما تشعر به لا أحد يشعر بالندوب المتواجدة في قلبها؛ كان أهون عليها تقبل حقيقة كونه إنسان لا يستطيع التعبير عن مشاعره ويستعمل عقله غالبية الوقت…


فلا تستطيع نسيان نظرته وتركه لها ولا تستطيع أيضًا محو نظراته لامجد من مخيلتها، طوال تلك الليالي حاولت ربط الأحداث ببعضها مدركة مدى غبائها…. لتصيبها نوبة هستيرية من البكاء…


عاد شهاب يتفوه من جديد بنبرة شبه متوسلة: 

- ريما تعالي نبدأ من أول وجديد، ارجوكي انا مش عارف ازاي ارضيكي مش متحمل زعلك وشكلك كده علشان خاطري ....

 

يؤلمها توسله فاللعنة على قلبها الذي يحاول الإشفاق عليه….


محاولة إقناع ذاتها بأن والده من يُحركه، او يريد اتمام زواجه بها، أو حتى يشعر بالشفقة وتأنيب الضمير تجاهها، وفي تلك الاحتمالات لا تجد الاحتمال التي تريده، لا تجد مقابل الحُب والعشق التي تكنه له…

 

- شهاب لو سمحت الموضوع خلص .. ارجوك سبني لوحدي…


قالت كلماتها وهى تتوجه ناحية ( التسريحة)، فأردف شهاب باستفزاز ونبرة اغضبتها لدرجة لم يتوقعها أبدًا:

- مفيش حاجة خلصت، كفايا دلع ولعب عيال انا مش هسيبك، انتِ مراتي قدام الناس، وهتبقي مراتي انتِ سمعاني..


- هو بالغصب ان شاء الله ولا ايه انتَ فاكرني هسكتلك ولا ايه؟؟؟ 


قالتها بغضب جحيمي وهى تلوح بيدها في الهواء بانفعال؛ فأجاب شهاب بنبرة هادئة ولكنها صارمة وعالية:

- اه بالغصب يا ريما مش هطلقك... ويا تسبيني أصلح غلطي ونبدأ من الأول... يا خليكي كده قاعدة مع نفسك في الأوضة لغاية ما تقتنعي، وبعدين مش تقولي أنك بتحبيني اصل ده عِند وإصرار واحدة ميتة فيا وكل دي غيرة عليا…


أنتشلت الزجاجة المتواجدة فوق التسريحة وصوبتها تجاهه دون تفكير أبدًا….


 ليتفادها وتأتي في الحائط ويصدع صوت انكسارها؛ فأردف شهاب  بنبرة مندهشة من فعلتها..فهى تحتاج إلى مستشفى أمراض عقلية فأين ذهبت ريما الهادئة التي يعرفها: 

- يا بنت المجنونة هتفتحي دماغي الله يخرب بيتك..

 

- ولسه هوريك الجنان يا شهاب، متحاولش تستفزني انا مبحبكش وزي ما انا جوازة صالونات بالنسبالك انت كمان مكنتش اكتر من عريس صالونات يعني ولا  بحبك ولا تفرق معايا ببصلة من اصله…

 

قالتها بغضب وقد نفرت عروق رقبتها وهى تحاول أن تخفي حقيقة تظهر في عيناها مهما قالت…

 فقد فاقم حنقها حينما ذكرها بعشقها له، فأردف بتحدي:

- لا بتحبيني وتصرفاتك دي من غيرتك...


صرخت بانفعال وغضب شديد من استنزافه لمشاعرها وضغطه على قلبها لتذهب ناحية الحقائب وتفتح الحقيبة وتخرج لوحة عليها صورته تحت استغرابه، فأردفت ريما بسخرية وهى تنظر في عيناه:

- كنت ناوية اقدمهالك لما اكون مراتك بجد في شهر العسل .. وقعدت كتير اوي أرسم فيها وكانت أغلى حاجة عندي .. بس خلاص مبقاش في حاجة غالية يا شهاب انتَ متفرقش معايا ..وهثبتلك انك ولا حاجة…


ذهبت ناحية الشرفة وهى تنوي أن تلقيها بغضب شديد فليحترق كما تحترق هى ستقوم بإلقاء اللوحة من الشرفة أما هذا الوقح..الغليظ ستخرجه من فؤادها

وما لبثت أن ترفع يدها لتهوي بها لتجده حملها من الخلف على كتفيه... لتصرخ بشده فلم يبالي لها... وادخلها الغرفة مرة اخرى والقى بها على الفراش لتسقط اللوحة على الأرض، لم يمهلها فرصة حتى للحركة كان فوقها على الفراش يحتجز نصفها الأسفل بقدمه ويحتجزها من الأعلى مكبلًا ذراعيها: 

- انتَ بتعمل إيه .. لا بقولك إيه .. اياك تفكر أنك


قالتها بخوف جلي على ملامحها، ليهتف شهاب مقاطعًا حديثها بحدة أجاد صُنعها: 

- لو انتِ مجنونة، أنا معايا شهادة معاملة أطفال صويتك وكل تصرفاتك المجنونة اللي انتِ بتعمليها دليل أنك بتحبيني وارمي صورتي ولا اقولك ابقي احرقيها حتى، اصلك لو عملتي كدة مش هيغير حقيقة أنك بتحبيني. 


كادت أن تتحدث وتخرج حنقها وتخفي خجلها من اقترابه ولكن لم يعطيها الفرصة مستكملًا حديثه: 

- انا اسف.. اسف... آسف مليون مرة أني وجعتك .. واني غلطت في حقك .. اسف على كل حاجة.. اديني فرصة انا استاهل حبك…

 

كان يتحدث وهو ينظر في عيناها وقريب منها لدرجة عجيبة فلا تستطع فعل شيء سوى النظر له وكأن الكلمات قد تبخرت وصوتها قد سافر بعيدًا، فأستكمل شهاب حديثه قائلا بمرح قاصد مشاكستها: 

- ها قولتي ايه .. ولا اقولك ده مش وقت كلام أصلا…





قالها بخبث وهو يمد يده ليمسك طرف سترتها 

فأمسكت معصمه قائلة بخجل وتوتر مانعه إياه 

- خلاص خلاص ... هديك فرصة أبعد يا شهاب دلوقتي..


- بتكدبي عليا ولما أبعد هترجعي تتجنني…

 

كان يتحدث بمرح بينما هى على وشك الأنهيار من فرط خجلها، ودقات قلبها، فكان يستغل قربه منها لاكثر درجة: 

- مش بكدب أبعد عني بس و هديك فرصة والله..

 

قالتها بتوتر وخجل شديد، فتخشى حتى أن يخونها قلبها التي لابد أنه استمع لخفقاته.. 


أبتعد عنها لتنهض فورًا فهو سيقتلها بسبب قُربه المُهلك منها، فأردف شهاب وهو يتجه ناحية الباب


- اياكي ارجع ملاقكيش واكله ... ومفيش أكل تاني لوحدك انتِ مش في حبس انفرادي، ابقي انزلي كلي مع المساجين اللي برا عادي…

 

خرج قبل أن يسمع منها شيء، تريد صفعه ذلك الوقح الذي تسبب في إصابة قلبها بتلك المشاعر، قام ببعثرتها دون مجهود منه أخذت اللوحة من فوق الأرض لتنظر في تفاصيلها فكم سهرت حتى تخرجها بهذا الشكل لا تظن أنها كانت ترسمها بيدها، لا فقد رسمتها بقلبها العاشق له ولكن قلبها العنيد الذي لا  يريد منه عقل أو جسد، يريده كله بعقله وقلبه وكل ما به ليكن لها ..


__________


كانت تجلس على فراشها لا تخرج من حجرتها إلا للضرورة القصوى، راغبة بالأختلاء بنفسها حتى تناجيها أحزانها والآمها… 


كارهة إياه… وربما تكون كارهه ذاتها لمكوثها معه واستمرارها بتلك الزيجة حتى الآن… 


لم تتقبل أن يهينها أحد يومًا… لكنه فعلها… وإذا صمتت سيكرر فعلته مرة آخرى ولن يكف عن إهانتها…


 بل لم يهينها فقط بل أيضًا..خذلها...إجرم في حقها عندما صفعها بقلب بارد…كتمت أنفاسها عندما شعرت بنصل حاد بفؤادها الذي يتمزق أربًا…فتلك الليلة تعاد أمامها طوال الوقت، تأبى تركها!! 


كذلك قرارها الذي تفكر به منذ أن غادر غرفتها أمس مطالبًا العفو عنه… 


ابتسمت بسخرية على ندمه الذي لن يفيد بشيء، فعقارب الساعة لا تعود كذلك هى لا تسامح… 


رفعت أناملها والتقطت هاتفها من على الكومود القابع جوارها، مقررة مهاتفته تلك المرة بعدما تجاهلت اتصالاته طيلة اليوم حتى تخبره بقرارها الذي لا رجعة فيه، فقد اتخذته وحسم الأمر.. 

عبثت بالهاتف حتى تأتي برقمه، لكنها توقفت عندما تناهى لأذنيها صوت سيارته فعلمت بمجيئه.. 


تركت الهاتف من يديها، وانتظرت صعوده، فهى على يقين بأنه سيلج حجرتها عاجلًا أم أجلًا.. 


صدق حدسها، عندما وجدته يطرق الباب بهدوء طالبًا الدخول تلك المرة.. 

-بتول ممكن ادخل.. 


ابتلعت ريقها وكادت تجيبه فوجدته يلج قبل أن ترد وتمنحه الآذن ..تسلل الحجرة مغلقًا الباب بيد، والآخرى كان يحمل بها الورود المحبة لقلبها دائمًا.. لم تحرك مقلتيها، فظلت ثابتة كالصنم.. منتظرة اقترابه.

 

تقدم جالسًا جوارها واضعًا الورود بين يداها وعلى قدميها، مقبلًا جبهتها بحب وندم لاح بنبرته العذبة: 

-وحشتيني يا بتول، عشان كدة سبت المكتب وكل حاجة ورايا وقولت اجي اشوفك، أنا مش عارف اشتغل، مش عارف اعمل أي حاجة، حاسس أني تايهه وأنتِ زعلانه مني، أنا مش متعود على كدة يا بتول، متقسيش عليا اكتر من كدة ارجوكي… 


خرج صوتها جامدًا كملامحها، متجنبة النظر له، مزيحة الورود الحمراء من على قدميها واضعة إياها جوارها بلا مبالاة: 

-أنتَ اللي قسيت يا أمجد مش أنا، أنتَ اللي مديت ايدك عليا، أنتَ اللي هنتني قدام الناس بسبب حاجة مليش ذنب فيها، عشان كدة متجيش تعاتبني على رد فعلي اللي هو رد على فعلك أنتَ يا أمجد. 


التقط يداها بين يديه بتملك متمتم بترجي ونبرة متوسلة: 

-فعلي كان مبرر لغيرتي يا بتول، انا بحبك، معترف اني غلطان، بس احنا بني آدمين واكيد بنغلط وهنغلط محدش معصوم من الغلط، ومش هنمسك لبعض على الغلطة يا بتول، كدة الحياة مش هتمشي. 


-تمشي بقى متمشيش مش موضوعي انا وصلت لقرار هيريحني ويريحك. 


قالتها وهى تنتشل يديها من بين قبضته، ناهضة عن الفراش موالية إياه ظهرها كمحاولة منها في مقاومته والتغاطي عن عشقها وولعها به ..انكمش وجهه ضيقًا، ناهضًا خلفها، خائفًا من قرارها فردود أفعالها توحي بأن القادم ليس مبشرًا: 

-قرار إيه يا بتول؟! 


أجابته بهدوء عاقدة ذراعيها أمام صدرها، رغم ما يواجهها من صعوبة لاستعدادها بنطق ما لا تحب: 

-قرار بفكر فيه من امبارح يا أمجد، أنا مش عايزة اكمل معاك، لازم ننفص 


كادت تكمل لولا ذراعيه التي جذبتها يجبرها على مطالعته والنظر داخل عيناه رافضًا ما يتلفظ به لسانها، مقاطعًا إياها بجنون وهستيريا: 

-متكمليهاش، عشان ده مستحيل يحصل، أنتِ مراتي وهتفضلي مراتي لأخر يوم في عُمري، اللي بتقوليه مرفوض، عايزاني اسيبك يوم يومين تلاته إن شاء الله سنه لحد ما تهدي انا موافق، بس شيلي أني اسيبك من دماغك لأنه مستحيل…. 


صمت يبتلع ريقه بصعوبة، ثم تابع وعيناه تجوب على وجهها، والدموع تترقرق بعيناه للمرة الأولى: 

-عارف أني جرحتك، بس متفكريش أنه سهل عليا، لو عايزة تقطعي ايدي اللي اتمدت عليكي وتسامحيني انا موافق اعملها… 


لم تجيبه فقط تطالعه بدهشة مريبة، توقعت رفضة وإصراره على عدم الانفصال…لكنها لم تتوقع أن يبكي أمامها مثل طفل صغير، يترجى والدته بعدم الابتعاد عنه أو مفارقته.. 


استطرد أمجد وهو يجثو على ركبتيه أمامها، رافعًا رأسه يطالعها بعيناه التي تنهمر منها العبرات ملتقطًا يدها ثانية مقربًا إياها من وجهه يحثها على صفعه: 

-لو عايزة ترديلي القلم اعمليها، اضربيني زي ما ضربتك، بس بلاش تسبيني يا بتول انا ممكن اموت من غيرك، سامحيني، سامحيني ومش هتكرر تاني... 





قال الأخيرة محضتنًا خصرها بقوة، متشبتًا بها يهاب ضياعها من بين يداه…انحنت قليلًا تساعده على النهوض والصدمة لاتزال تعتريها، مطوقة وجهه براحة يديها، ماسحة عبراته بنعومة قائلة بضيق من ذاتها لتوصيلها إياه لتلك الحالة: 

-كفاية يا أمجد متعيطش، انا قبل انهاردة كنت عارفة أنك بتحبني، بس انهارده اتاكدت أنك بتعشقني وأبقى عبيطة لو مسامحتكش.. 


انهت حديثها محتضنة إياه، فـ اسرع بمبادلتها عناقها بشوق ولهفة متمتم بصوت متحشرج: 

-أنا اللي عبيط عشان مديت أيدي عليكي يا بتول، انا آسف يا حبيبتي، آسف… 


أنهى حديثه مخرجًا إياها من أحضانه مقبلًا ثغرها بخوف بادلته إياها بعشق وهيام فلن تجد رجلًا يعشقها كما يعشقها هو.. 


_________


"بعد مرور أسبوع" 


وقفت غرام أمام المرآة بجسدها الممشوق، خصلاتها تنساب على ظهرها محاوطًا وجهها الجميل، رفعت يديها معيدة تلك الخصلة المتمردة خلف أذنيها، متفحصة هيئتها وفستانها المحتشم التي اختارته بعناية شديدة ليناسب ذلك اليوم الذي انتظرته كثيرًا، بأعجاب شديد.. 


-إيه رأيكم تفتكروا الفستان هيعجب نجم!؟ 


أجابتها ياسمين وهى تقترب منها وعيناها تجوب عليها بتفحص: 

-هيعجبوا بس، ده يهبل، مش بعيد يقول لـ چدي يقلبها كتب كتاب ودخلة مع بعض… 


رفعت راضية الشقيقة الكبرى لـ ياسمين عيناها رامقة إياها بضيق، متحدثة بحدة: 

-ياسمين احترمي نفسك، إيه الكلام الماسخ ده، لو حد سمعك مش هيحصل طيب، فـ يبقى لزمته إيه يا بنت الحلال خلينا كويسين.

 

امتعضت ملامح ياسمين، قائلة بتذمر عاقدة يديها أمام صدرها: 

-وأنا قولت إيه يعني يا راضية، متبقيش حماقية أكدة.. 


كادت تجيبها راضية وتنهرها، لولا صوت غرام الذي خرج مرحًا محاولًا تخفيف حدة الوضع بينهم: 

-خلاص خلاص أنتِ وهى هتتخانقوا يوم كتب كتابي على ابن اخوكم ولا إيه، وأنتِ يا راضية مجراش حاجة لما نهزر دي قاعدة بنات مفيهاش حاجة يعني.. 


أنهت حديثها ملتفتة تجاه المرآة مرة أخرى ولكن تلك المرة كانت تطالع انعكاسها ذلك بحالمية… 

وأخيرًا ستصبح زوجتة، ستسطيع تمضية الكثير من الوقت معه..بل سيخصص وقت خصيصًا لها.. 


أغمضت عيناها تتخيل حالها بين أحضانه يبثها حبًا وشوقًا، فمنذ أن نضجت وهى تتمناه زوجًا لها وها هى أحلامها بأن يكن زوجها باتت حقيقة بعدما أصدر چده قراره بتزويجهم.. 


واليوم كتب كتابهم وزواجهم سيحدث عقب انتهائها من دراستها الجامعية…. 


زفرت بحرارة لا تدرك كيف ستتحمل تلك المدة المتبقية لتبقى معه بذات الغرفة…. 


بعد مرور بعض الوقت… 


دوى صوت( الزغاريط) عاليًا بجميع أركان الدوار، فقد تم كتب كتاب نجم على ابنه عمه المتوفي، وباتت زوجته رسميًا… 


اتسعت عين غرام وخفقاتها تفاقمت سعادة، منتفضة من جلستها كمن لسعها عقرب متمتمة بعدم تصديق: 

-سامعين، اللي أنا سمعاه سامعين…

 

اتسعت ابتسامة ياسمين ونهضت هى الأخرى مقتربة منها مهنئة إياها: 

-مبروك يا حبيبتي، ألف مبروك عقبال الفرح الكبير بقى. 


ولج الجد رفقة والدة غرام، مقتربًا من حفيدته، مقبلًا أعلى جبهتها، قائلًا بلهجته الصعيدية: 

-مبروك يا بنت ابني، هاتي القسيمة يا نوال عشان غرام تمضيها…

 

وهكذا باتت زوجته، متلقية التهاني من والدتها وعماتها... 


خرج صوت رضوان متنهدًا بسعادة: 

ودلوجتي لو جاهزة يلا عشان تتعشي ويا عريسك وتتحدثوا شوي.. 


هزت رأسها بلهفة عدة مرات متتالية، وقلبها يكاد يغادر جسدها ملتقطة غطاء رأسها واضعة إياه على رأسها، متحدثة وهى تناظر جدها: 

-جاهزة يا جدي.. 


خرجت برفقة جدها لا تشعر بشيء من حولها ولا لـ باقي التهنئات الصادرة من الخدم، فكل ما يشغلها بأنهم سيبقيان سويًا بمفردهم للمرة الأولى، انتاب جسدها قشعريرة ورجفة طفيفة عند تخيلها لعيناه التي بأستطاعتها الآن التحديق بها دون خوف أو خجل…. 


ولجت الحجرة فوجدتها فارغة، ابتسم لها رضوان مغادرًا الحجرة مخبرًا إياها بأنه سيحضر الآن..

 

تحركت جالسة على الأريكة أمام مائدة الطعام الصغيرة التي أعدتها والدتها و توحيدة…. 


ثوانِ وكان يلج بهيئته و وسامته الرجولية الخاطفة لفؤادها صافعًا الباب من خلفه بهدوء. 


رفعت عيناها ما أن وصلها عطره الرجولي الذي تعلمه جيدًا… 


تخضبت بحمرة الخجل وهى تراه يطالعها وعيناه تقابل عيناها، بل شعرت بحرارة جسدها تدريجيًا مع اقترابه المميت هذا بل وجلوسه جوارها محافظًا على وجود بعض المسافة بينهم. 


ازدردت ريقها، فخرج صوته هو أولًا متمتم بطريقة تسمعها تخرج من فوه للمرة الأولى بطريقته الصعيدية المحبة لقلبها: 

-مبروك يا غرام، بقيتي مراتي رسمي… 


بللت شفتيها واجابته بنعومة ودلال محدقة بعيناه نافضة خجلها مستغلة تلك الفرصة: 

-الله يبارك فيك يا نجم، اظن دلوقتي أقدر أقول حروف اسمك من غير اي خوف منك…


ابتسم بخفة، مجيبًا إياها بصدق: 

-أنتِ تجولي اللي تحبيه، كنتِ دائما تجولي أنك غرام النجم وأنا مكنتش بصدق، كنت شايفك عيلة صغيرة، بس شوفي القدر … 

خلاكي مراتي يا غرام.. 


أغمضت جفونها لوهلة مستمعة لتلك الكلمات التي كانت كالسحر، ثم فتحت مقلتيها وقالت بحب: 

-مش بس مراتك يا نجم، أنا غرامك، أنا بعشق اسمي عشان أنت اخترته وسمتني بيه….وبحب عيونك اللي مشفتش زيها….


__________

 


في الصباح الباكر..


كانت ياسمين تبكي بحرقة في غرفتها لا تصدق ما فعلته حتى، منكمشة على فراشها الصغير والدموع تنهمر منها دون توقف…


باغتها أحدهما بفتح الباب، لتغطي وجهها بالغطاء فورًا كي لا يري أحد هيئتها...وعيناها المنتفخة الحمراء…


دخلت راضية وكالعادة وجدتها نائمة، فـ اشعلت الضوء قائلة: 

- ياست هانم، ياست هانم الكلية مش في محاضرات؟ كل يوم مخموده كده!


حاولت ياسمين أن تتصنع النعاس، فأردفت وهى لا تكشف وجهها محاولة اخراج صوتها:

- جرا ايه يا راضية، اتكلي على الله روحي المستشفى ملكيش دعوة بيا انا مش رايحة الجامعة النهاردة…

 

- يعني ايه مش رايحة الجامعة ما انتِ بقالك يومين عماله تغيبي علشان كتب كتاب غرام ونجم وتتحججي…

 

صاحت ياسمين بحنق شديد ونبرة أخرجتها طبيعية قدر الإمكان:

- راضية سبيني في حالي انا نعسانة ومش عايزة أروح بقولك، انا مش عيلة أمشي بقى عايزة انام..

 

هتفت راضية بحنق وغضب شديد مستنكرة فعلتها:

- الحق عليا اني عبرتك اصلا، غوري اتخمدي بإذن الله تعيدي السنة مفيش فايدة فيكي أصلا اسلوبك زبالة، لما ارجع هوريكي مش عايزة اتاخر..


قالت كلماتها الأخيرة بغضب وهي تذهب صافعة الباب خلفها بغضب، لتعلو شهقات ياسمين التي تكتمها وتنهض من الفراش بفستانها والفوضى المتواجدة بها…

 

نهضت لتغلق الباب بالمفتاح، وتنظر في المرآة وتتذكر ما حدث ليلة أمس عقب انتهاء كتب كتاب غرام ونجم...لتسقط أرضًا باكية وهى تضع يدها على فمها حتى لا يشعر أحد بها.. 


"عودة بالذاكرة"


- يخربيتك يا أيمن، هتودينا في داهية…


قالت كلماتها وهى تجلس على فراشها وتمسك هاتفها، فقد ذهب الجميع حتى يخلد إلى النوم عدا غرام التي تجلس مع نجم وعلى ما يبدو لن تتركه الليلة…

 

- انزلي بقى قبل ما اتقفش لازم اشوف الفستان عليكي ده انا لو حد عتر فيا هروح في حديد علشانك ..انزلي بقى وحياة أمك.

 

- أيمن هشوف كده لو الدنيا هادية هنزل لو مش هادية بقى شوفلك أي طريقة تخرج بيها قبل ما حد يشوفك..مش فاهمة إزاي دخلت اوضة نجم يخربيتك بجد .. هنروح في داهية…






قالت تلك الكلمات بخوف شديد فهتف أيمن مشجعًا إياها 

- انزلي يا بومة بقى، بطلي فقر هشوفك وهمشي وبعدين مش قولتي الاوضة بقت فاضية ونجم نقل لأوضته القديمة تاني يلا…


- طيب طيب أقفل..

 

لفت حجابها بطريقة عشوائية وتأكدت من هيئتها الانثوية في المرآة ووضعت عطرها النفاذ ثم خرجت من غرفتها بهدوء شديد لتهبط إلى الأسفل فلم تجد أحد فبعد انتهاء كتب الكتاب أمرهم والدها بألا يزعجوا غرام ونجم يتركوهم يجلسوا بحرية ويتناولوا العشاء بمفردهم…


فتحت باب المنزل بهدوء شديد، وسارت على أطراف أصابعها وعيناها تزوغ خوفًا حتى وصلت ناحية الغرفة 

المتواجدة في الحديقة فقد كان يقيم بها نجم الفترة الماضية لكون غرام غريبة عليه، ولكنه نقل اغراض لغرفته القديمة…


كان يراها من النافذة وما أن اقتربت من الباب وهى تنظر خلفها حتى قام بجذبها إلى الداخل غالقًا الباب بتهور شديد، فأردف أيمن بسخرية: 

- ساعة علشان تيجي..

 

- انتَ اللي مجنون يخربيتك بجد ازاي جالك قلب تفضل هنا من ساعة كتب الكتاب..


كانت تقف وخلفها الباب، ليحتجزها قائلا بخبث وهو بالقرب منها 

- علشانك، أرمي نفسي في النار وأخلي نجم يعلقني كنت هموت واشوفك بالفستان يخربيت جمالك..

 

قالها وهو يتفحص جسدها بطريقة مُريبة جعلتها تشعر بالخجل الشديد، فهتفت ياسمين بتوتر شديد وخجل 

- خلاص يا أيمن اديك شوفتني أهو، يلا امشي أبوس ايدك..

 

- يابت بقولك قمر ويخربيت جمالك هتجننيني وتقوليلي امشي والله عيب عليكي…

 

قالها وهو يمرر يده على ذراعيها ارتعشت أثر فعلته، فمد يده وازاح حجابها بسهولة فكانت تضعه دون تثبيت او شيء يعيقه، لتهتف وهى تحاول أن تمنعه مما يفعله:

- أيمن أنتَ بتعمل إيه أبعد ايدك…

 

- بحبك يا ياسمين، النهاردة كان نفسي يكون كتب كتابي انا وانتِ وتكون ليلة دخلتنا مش قادر استنى سنتين لغاية ما تخلصي جامعة أبوكي محكم رأيه وكمان عنده امل ان اختك تتجوز قبلك…

 

كانت خفقاتها تزداد بجنون، فأردفت ياسمين بخوف شديد: 

- خلاص هانت يا حبيبي أن شاء الله يعدي بسرعة الوقت ده هنعمل ايه بقى…

 

- نعمل كدة..

 

قال كلمته قبل أن يجذبها من خصرها ويهجم على شفتيها لاثمًا إياها بشغف عجيب كان يقيد معصميها وهى لم تحاول حتى أن تقاومه، لصدمتها وثانيا لقوة جسده عنها…

 

ابتعد عنها بعد وقت حينما شعر بحاجته لاخذ أنفاسه، فكانت تحاول أن تبتعد عنه، فقالت ياسمين بحنق رغم أنها ذابت معه… 

- انتَ اتجننت ... 


قاطعها واضعا يده على شفتيها فتحدث بنبرة هامسة: 

- وطي صوتك يخربيتك...بعشقك يا ياسمين مش قادر أمسك نفسي، بموت فيكي ونفسي تبقي ليا، مش قادر أستني، انتِ مش بتحبيني ولا عايزاني ؟؟؟ 


كان يحادثها وهو يفتح سحاب فستانها، شاعرًا بأنها على وشك الاستسلام له، فهتف أيمن مطاوعًا شيطانه..

- بحبك، وعايزك ليا عايز اصبر نفسي بحاجة بسيطة….


خارت قواها أمامه واستسلمت له بجميع حواسها، فلم تكن هذه هى المرة الأولى التي يحدثها بها بتلك الطريقة ليُدرك مدي تأثيره عليها، ليست المرة الأولى لتسمح له بالحديث بتلك الجرأة وقول ما يروق له.. 


- وانا بعشقك يا أيمن….


بعد مضي بعض الوقت 


ابتعد عنها غير مُصدقًا ما حدث وكيف فعلها، فلم يكفيه شيء ظل يطمح في المزيد والمزيد حتى أمتلكها بالكامل مطاوعين شيطانهم…


 كان يرتدي ملابسه بغضب شديد وهو يتمتم بكلمات غير مفهومة لا يصدق انها استسلمت له وأنه غاب عن وعيه بتلك الطريقة، أما هى لا تتوقف عن البكاء فهتف أيمن: 

- بطلي عياط بطلي…

 

كانت نبرته قاسية عليها لم تتوقع انه سيحدثها بتلك الطريقة لم يحاول حتى تهدئتها بل على العكس تمامًا يُبث بها الخوف، خرج من الغرفة ليرى البوابة خالية ولا يتواجد الغفير فليترك المنزل بأكمله.... 


"عودة"


ضربت وجهها صافعة ذاتها على حماقتها واستسلامها له…

- غبية يا ياسمين حتى مفكرش يطمني…


تنهدت بخوف ثم أردفت: 

- أيمن بيحبني هو أكيد لام نفسه بس ساعتها وهيكلمني اكيد..

 

قالت كلماتها الاخيرة وهي تحاول أن تطمئن ذاتها بأنه لن يتخلى عنها. 






__________


كانت ريما تقف في غرفة الملابس بعد أن ارتدت ذلك الفستان من اللون العسلي يصل طولة إلى بعد ركبتيها ذو أكمام طويلة وواسعة ويأخذ شكل جسدها، أرتدت تلك السلسلة الذهبية التي تتواجد بها ثلاثة قلوب صغيرة مجتمعة في حلقة واحدة لتعبر عن عائلتها الصغيرة، تذكرت قولها في يوم ما أنها ستجعل الصائغ يضع لها قلب اخر ليُعبر عن شهاب الذي أصبح من عائلتها…

والآن بقى شيء واحد وهو أغلاق ذلك السحاب الخاص بالفستان، أخرجت حذاء بكعب عالي لا تفضله كثيرًا ولكن تريد أن تظهر في مظهر عروس لا تريد أن تزعج والدتها ووالدها فهى تعرف قيمتها جيدًا لديهم، وأخبرتهم بعودتها من السفر 

أخذت تخرج بعض مستحضرات التجميل

لتخفي شحوب وجهها، خرجت من غرفة الملابس وفتحت الباب وصاحت ريما بنبرة مُرتفعة ليصل صوتها إلى مسامعهم:

- طنط سعاد، طنط سعاد

 

- أيه يا ريما هانم..

 

جاء صوت سعاد من الأسفل، فأردفت ريما مرة أخرى لرُبما يغلق لها احد سحاب الفستان فاللعنة على تلك الفساتين التي لا تناسبها.. 

- معلش ممكن تطلعي عايزاكي دقيقة..

 

- حاضر هدي القهوة لشهاب وهطلعلك…


ولجت ريما إلى الغرفة مرة أخرى لتستكمل وضع مستحضرات تجميلها، كانت تدندن 

وانا وانا وانا انا مش عايزاك زعلان 

وانا وانا وانا وانا بحكى ليالى زمان 

مالك؟ وشك ماله جايب تلات الوان 

وانا وانا وانا مش هحكي عليك ده لانك 

وانا انا وانا يا صغير انا اكبر منك 

ما انا اتعودت اضحي علشان الغلبان 

مانتش اد النار م الاول طيب متعديها 

واوعى تأمن ليها بتحرق اللي بيلعب بيها 

وانا عندي من النار ديه زيادة لوعايز تأمر سداده 

خد منها وعليها براحتك

 

- بقينا نغني ولابسين فساتين ده ايه التطور ده..

 

سقطت الفرشة التي كانت تداعب بها وجهها بمجرد سماعها صوته، لترمقه بدهشة وغيظ من تواجده، فمتى دخل ولم تشعر؟؟؟ 


فهي غافلة أنه يُراقبها منذ أن نادت على سعاد وتركت الباب مفتوحًا، فظن أن هناك شيء عاجل فهي لا تنادي ولا تخرج من غرفتها ولا تريد التحدث معه..

 

كان يُراقب هيئتها الانثوية العجيبة!! 


فهي أصبحت في الأونة الأخيرة تظهر له بشكل عجيب عليه فهي في السابق كانت ترتدي ملابس رياضية وتحمل لوح ويجدها مبعثرة أغلب الأوقات وقد ترسم بعض الاشكال على وجهها بأدوات الزينة فهي عاشقة للفانتازيا، كانت طفلة دائما ولكنها الآن امرأة كاملة وناضجة تستطيع أن يُنطق الحجر بمجرد رؤيتها، فهتفت ريما بغضب وخجل حينما وجدته يحملق بها:

- انتَ خلاص اتعودت تدخل من غير ما تخبط ده إيه ده..

 

- هو انتِ ايه يعني علشان اخبط؟؟ 


قالها بمشاكسة، فهتفت بعدم فهم 

- انا ايه .. يعني ايه..

 

أجابها شهاب وهو يقترب قليلا لتعود خطوات إلى الخلف: 

- مراتي ..معتقدش أني محتاج اخبط الباب كنتي عايزة ايه صحيح .. مش مصدق اني سمعت صوتك…


أردفت ريما بحدة محاولة التغلب على خجلها وتلعثمها وغضبها أيضًا 

- وانتَ مالك انا ناديت عليك يا بني آدم…


- انا وماما سعاد واحد عايزة ايه؟؟

 

قالها بنبرة مرحة وهو يتفحصها من أسفلها لأعلاها بطريقة جعلت الحمرة تتسلل إلى وجنتيها وتحدثت ريما أخيرًا:

- لا مش واحد يا شهاب اخرج لو سمحت .. انا مش عايزة أتكلم معاك 

كانت تتعمد أن تخفي سحاب فستانها مفتوح، ولكنها أخطأت حينما كانت تقف موريه ظهرها إلى المرآة فابتسم شهاب بخبث قائلا  

- خلاص يا قلبي انا عرفت لفي كده اساعدك..


رفع أصابعه على كتفيها، فوجهت سبابتها له قائلة بتحذير وهى تدفعه 

- شهاب متعصبنيش ومتقوليش يا قلبي..


- ليه يا قلبي !


هتفت بنبرة عالية وحاولت جعلها غاضبة ولكن كانت ملامح وجهها تفصح عن خجلها: 

- انتَ مستفز جدا وهجيب أخري.. امشي بقى..





قاطعها قائلا بنبرة هامسة، فهي باتت تشغل عقله ليلًا ونهارًا يسعى أن يراضيها: 

- لفي اساعدك وأمشي..


هتفت بنبرة خافته لا تدري لما تخونها عباراتها وكلماتها ودقات قلبها العالية التي تخفق بقوة تظن أنه يسمعها:

- مش هلف ابعد يا شهاب بقولك وبعدين انا قولت هديك فرصة بس مقولتش علشان تستفزني

 

- مهوا انا في أول طريقي لاستغلال الفرصة.. مهوا الحياة الزوجية ايه غير مشاركة ومساعدة .. يا قلبي 


قالها وهو يقترب منها تحت محاولتها لدفعه، فهو يتعمد أن يشعل قلبها وتخشى هى الأستسلام ... 


انقذها حينما دخلت سعاد وتنحنحت قائلة باحراج:

- كنتي عايزة ايه يا بنتي ..آسفة أني دخلت كده بس الباب كان مفتوح .. 


- مفيش حاجة يا ماما انتِ عارفة بقى ريما بتكبر المواضيع..

 

قال شهاب تلك الكلمات الذي ابتعد عنها قليلا، حينما رأي سعاد ولكن مد يده ليغلق سحابها مرة واحدة فنظرت له بغضب وخجل فأردف شهاب بابتسامة مستفزة:

- شفتي الموضوع أبسط من البساطة تخيلي يا طنط سعاد مطلعاكي وقرفاكي علشان سوسته…

 

- هقتلك...

قالتها بخفوت وهمس وخجل شديد ليسمعها ويبتسم بخبث، فعلقت سعاد وهى تبتسم لهم وتدعي أن تنتهي الخلافات بينهم…

 

- عايزة حاجة تانية يا ريما يا بنتي طيب قبل ما انزل..

 

- لا شكرا 

قالتها ريما بخجل شديد فمازال يقف بجانبها، تركتهم سعاد وأغلقت الباب، وبمجرد خروجها صرخت بانفعال مبالغ به تحاول اخفاء خجلها: 

- انزل يا شهاب بدل ما أقتلك

 

كان على وشك أن يمرح ويعبث معها قليلًا ولكن ركضت ريما إلى الغرفة تاركه القسم الخاص بالملابس، حينما سمعت صوت هاتفها وكان المتصل هو والدها. 

- الو يا بابا نزلتم ولا لسه ..


- ................ 


- يعني ايه مش هتيجوا في حاجة يا بابا ؟؟ 


- ............ 


- لا صوتك مش عاجبني في حاجة ماما فين ؟؟ 


- ............. 


-  ازاي تخبي عليا يعني أنا هاجي حالا 


أغلقت ريما المكالمة فهتف شهاب بقلق 

- في أيه يا ريما؟

 

هتفت ريما بقلق وهى تبتلع ريقها 

- ماما اغمى عليها بليل وسكرها علي ومش هيجوا انا لازم اروح 

- اكيد 


_________ 


هبط شهاب وريما متوجهين إلى بيت عائلتها، وكانت طوال الطريق تشعر بالقلق الشديد حتى وصلوا، وصعدت ريما وجدت والدتها تجلس على الأريكة أخذتها في أحضانها وحمدت ربها على سلامتها فتحدث هذه الحالة كل فترة..

 

فهتف ياسر بنبرة مرحة وسعيد برؤية ابنته: 

- أمك زي الفل .. سكرها علي شوية انتِ اللي اتخضيتي قولتلك متجيش وأحنا كنا هنيجي على بكرة

 

هتف شهاب بنبرة هادئة 

- ازاي يعني يا دكتور متقلقش، الحمدلله حضرتك كويسة يا طنط اهو..





هزت رشا رأسها بهدوء وهى تأخذ ريما في أحضانها وكأن روحها قد عادت لها بمجرد رؤيتها...فهتفت 

- أحسن يا شهاب يابني كفاية اني شوفت ريما هعوز اكتر من كده ايه..

 

فهتف ياسر بنبرة هادئة ومرحة 

- الحمدلله وحشتينا يا ريما، واضح ان رشا بتدلع علينا علشان تجيبك ومتسبيهاش..

 

- مش هسيبها انا هقعد معاكي ..


قالتها ريما بنبرة صارمة لا تفكر في شيء، فنظرت لها رشا باستغراب وكذلك ياسر، فأردف شهاب بهدوء وهو يضع يده على كتفها 

- أكيد اللي يريحك يا ريما، اقعدي معاها النهاردة لغاية ما تحسي انها كويسة..

 

قاطع ياسر حديث شهاب: 

- ريما مامتك كويسة مفيش داعي تسيبي بيتك الموضوع بسيط ودي مش اول مرة وانتِ اطمنتي عليها ..

 وانتم عرسان جداد يا بنتي..

 

نهضت ريما وكانت على وشك أن تتحدث فنهض شهاب محاوطًا إياها من ذراعيها بخبث شديد: 

- لا يا عمي، انا ميرضنيش ان ريما تفضل زعلانة علشان مش جنبها النهاردة، وفي نفس الوقت مش هقدر أنام من غير ما تكون جنبي، فاستحملوني بقى مدام هي عايزة تبات النهاردة انا هبات معاها…


نظرت له ريما بخجل مما يتفوه به هذا المعتوه والوقح أمام والديها ويحاوطها أيضًا، فأجاب ياسر وهو ينظر لرشا بانزعاج من تهور ابنته وعاطفيتها: 

- تنور يا ابني طبعا انتم عرسان بس هنقول ايه ريما طالعة لرشا الاتنين محدش بيعرف يسيطر على قلقهم الزايد …. 


_________


-يعني ايه يا رضوان...كدبت على نچم وجولتله انها وصية عمه !!!!!!!


تلفظت توحيدة بصدمة واضعة يديها على صدرها...بعدما أخبرها رضوان بشأن فعلته وكذبه على حفيده كي يجبره على الزواج من غرام الذي يدرك مدى حب نچم لوالدها.....


-ايوة يا توحيدة...مكنش جدامي حل غير اجدة...لو سبتله السايب في السايب مستحيل كان يبصلها...وكان هيفضل من غير ست في حياته...نچم محتاج واحدة تملي عليه...ومفيش غير غرام هى اللي هتقدر تعملها...


-بس نچم لو عرف م


قاطعها رضوان تلك المرة مردد بعيون شاردة مظلمة:

-مش هيعرف … تعرفي أنه من بتاع أسبوع قابل رقية...


اتسعت عين توحيدة وكادت تتحدث ليسترسل رضوان:

-بعد ما الغفير قالي أنه شافهم سوا...اتاكدت أكتر أن اللي عملته هو الصح وخلاص دلوجت غرام بجت مراته….


__يتبع__ 


                       الحلقه التاسعه من هنا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات خليها علي تليفونك وحمل تطبيقنا

تحميل تطبيق سكيرهوم
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-