روايه دمية مطرزة بالعشق الفصل الرابع


 الفصل الرابع 


- النهـارده عيد ميلاد أدهم، أهم شخص في حياتـي، أجيبلُـه هديـة إيـه؟
- الفرصـة اللي جاتلـي دي، جاية على طبق من دهب، يا ترى أعمل إي؟
..........................................
_ على الطريق الرئيسي _
يسير أدهم بشرود بدون وجهه مُحـددة، رأسه بها عدة أمور، زفر بتعب ثم حسم أمره بخصوص الأمر.
Half an hour ago...
- تعالى يا أدهم.
أدهم بتساؤل و هو ينظر لزملائه الجالسين على المقاعد: في حاجة يا مستر؟
- إستنى بس على ما عمر ييجي.
حرك رأسه بطاعة، دقائق و دلف عمر.
- كـدا العشرة الأوائل بتوع تانية ثانوي قدامي؟
- أيوة يا مستر.
- تمام، في منحـة جاية للمدرسة و لبعض المدارس هايخدوا فيها العشرة الأوائل هايسفروهم بـرا مصر، يخلصوا الثانوية بـرا و منها على الجامعات، و من خبرتي أنا ف بقول إن الفرصة دي حلوة و هاتقدروا تبنـوا مستقبلكوا منها، و خصوصًا زي ما إنتوا عارفين، نسبة البطالة في مصر كبيرة، و دا بيخلي الشباب تلجـأ لـحاجتين، إما يشتغلوا بشهادتهم موظفين و بتبقى شكليات و المرتب الشهري مش قد كـدا، و إما يشتغلوا بس مش بيبقى في مكان كويس، مش بيشتغلوا بشهادتهم أصلًا، بيركنوها على الرف، ف بقول إن السفر و إنك تشوف مستقبلك هاتبقى فرصة ليكوا.
- بس إحنا صغيرين شوية يا مستر على السفر، و إننا هانسيب أهلنا؟
- كل حاجة فيها الجانب الوحش، و الجانب الكويس بتاعها، فكرة إنك تبعد عن أهلك دي حاجة صعبة جدًا و كمان غربـة، و في شباب قدكـوا و أكبر منكوا إعتمادهم الكلي على الأهل، و دا غلط و كبير كمان، و بيكبروا و مش بيعرفوا يشتغلوا و لو إشتغلوا في مكان فترة و بيسبوه، علشان مش متعودين على كـدا من صغرهم.
- و دا إجباري؟ يعني في أكيد أهل مش هاترضى ولادهم يسافروا؟
- لاء مش إجباري، اللي مش هاييجي هايخدوا بداله.
- بس كـدا أكيد هايبقى فيه ظـلم في الموضوع؟
- إزاي؟
- في عيال ممتازين جدًا و مش بيطلعوا من الأوائل، دول مسيرهم إي؟ و في ناس كانوا من أوائل السنة اللي فاتت و ماطلعوش السنـادي على درجة أو نص مثلًا! دول راحت عليهم!
- هافهمك حاجة؛ أنتَ هاتشوف المحافظة فيها كام قرية و القرية فيها كام مدرسة، لإن في قرى كبيرة بتشبـه المدن في أعداد السكان و بالتالي السكـن و المباني هايكون كبير، و في قرى مافيهاش مدارس أصلًا، ف هايخدوا من كل مدرسة ١٠ أولاد و في نسبة كبيرة من الأهل هايعرضوا و مش هايوافقوا بالموضوع، ف مافيش ظلم و لا حاجة.
- و البنات يا مستر؟ هايسافروا؟
- أكيد لاء، البنات ماتسافرش مكان و همَّ في السن دا و لا يتغربوا كـدا، الراجل هو اللي بيبقى مسؤول عن أهله و بيته، و بكـرا يبقى مسؤول عن مراتـه و أولاده.
- و المنحـة يا مستر؟ مجانيـة؟
- المبلغ هايبقى رمزي جـدًا، و لما تسافروا إن شاء الله، هايبقوا مسؤولين عنكـوا في السنة ديـه و ليكوا دخل شهري، و كذلك في الجامعات.
- و لازمتهـا إيه السفرية دي؟ و لي ياخدوا الفئة دي بالذات؟ كان ممكن ياخدوا من الجامعات و هم أكبر و أعقل و عندهم معلومات أكبر عننـا؟
- الجامعات خلاص كله دخل جامعته و استـقر فيها مايقدروش يخرجوا كل واحد من مكانه اللي إختـاره و شايف نفسه فيه، إنما إنتوا لسه في الأول كل واحد ليه حلم و عايز يحققه و الفرصة دي بالنسبة له عظيمة جدًا، و دايـمًا الواحد لما يحتاج يطور و يعمل حاجة كبيرة بيـاخد النسبة الأقل في السن، بحيث إن دول هم اللي هايشيلوا البلـد بكـرا، هاتسافروا تفهموا الدنيا عقلكوا يطور و يتفتح زيادة، هاتيجوا هِنـا في بلدكوا و أرضكوا هاتطـوروها و مافيش حد هايخاف على بلده أكتر من اللي منهـا و متربي فيها.
- تمام يا مستر.





- ساكت ليـه يا أدهم؟ ماشوفتكش إتنقاشـت في حاجة؟
أدهم بشرود و ملامح غامضـة: لا يا مستر أنا تمام، بشوف الموضوع في دماغي بس.
- تمام، المهم فكروا كويس و قدامكـو لأخـر الأسبوع تفكروا كويس و تيجوا تبلغوني، و على أخر الشهر السفـر بإذن الله، ربنـا معاكـوا.
Back.
عـاد أدهم للمنزل، دلف و لم يجد يُسـر ف إنتابـهُ القلق و ازداد ضيـقُه ف قال بغضب: هي إزاي تخرج من غير ماتقولي! هو أنا ناقص وجع دماغ!
جلس على الأريكة و مـرَّ الوقت ببطئ و هو يفكر في حديث أستاذه، إستمع لصوت الباب ف وقف و وضع يده على وجهه بضيق و شرود.
أدهم بضيق: كنتِ فين؟
يُسـر بإبتسامـة و هي تتجه إليه: كل سنـة و أنتَ طيب.
إبتسـم أدهم بغموض و شعر بالفرحة و الحزن في ذات الوقت: و أنتِ طيبة، و معايا.
يُسـر بمرح: بقيت ١٨ سنـة، سنتين و هاحصلك، دعواتك بقى.
أدهم: ماشي يا ستي.
نظرت للصندوق المغلف و الملفوف بشرائط ملونة خاص بالهدايا، قال لها أدهم و هي تنظر للصندوق: بقولك؟
يُسـر و هي تضغط على الصندوق قبل أن تعطيه إياه: نعـم؟
- أنـا هاسـافر.
سقط الصندوق أرضًـا من الصدمة، هبط الاثنين في الوقت نفسه، ليجمعـوه.
يُسـر: أسفـة، أسفـة، ماكنش قصدي!
أدهم: عادي و لا يهمك.
حركت يُسـر رأسها عدة مرات تحاول إستيعاب ما قاله، ف إعتدلت بإبتسامة متوترة و هي تعطيه الهدية.
يُـسر: ماجيبتش هدايا رجالي قبل كـدا، ف خُـدها و أمرك لله.
أدهم بإبتسامة متوترة: شكرًا.
يُسـر و هي تفرك يـدها و تجول بعينيها المكان و بهمس: العفـو، العفو.
صمتوا قليلًا و ضربات قلبهم تعلوا بتوتر، ف قال أدهم: في منحة المدرسة عاملاها، هايروح فيهـا أوائل المدرسة و أنا منهـم، هانسافر بـرا مصر.
يُسـر بتوتر: أها مبروك.
أدهم: و أنتِ إيه رأيك؟
يُسر: في إيه؟
أدهم: في الموضوع!
يُسر: أنتَ رأيك إي؟ دي حياتك.
أدهم: و أنتِ جزء منها و فيها، ماقولتليش رأيك إيه؟
يُسـر و هي تنظر لـه: رأيي مش هايفرق لو أنتَ إختارت.
أدهم بتوتر: و لو برضو! قولي رأيك؟
يُسـر: قولي أنتَ يا أدهم؟ قررت إيه؟
أدهم بمراوغة: دا قرار ليه علاقة بيا و بيكِ.
علمت يُسـر أنه قرر السفر و تركها و إنتهى الأمر ف قالت: براحتك، شوف راحتك فين و روح مكان ما أنتَ عايز، ربنا معاك.
أدهم: مش هاتزعلي؟
يُسـر: و أزعل من إيه؟ إحنا من الأول و إحنا إتحطينا في طريق بعض غلط، و مش هاينفع نوقف حياتنا و مستقبلنا أكيد.
أدهم بحذر: يعني أسافر؟
يُسـر: سافـر، ربنا معاك، و يوفقك.
| آه لو تعلـم ماذا تفعل بقلبـي العاشق هذا بكلماتك؛ لـ تمنيت الصموت و ربمـا للأبـد |
..........................................
يقف أمامها بدموع و حزن على فراقها، لكن هذا لمصلحتهـم الاثنين.
- هاتوحشيـني يا يُسـر.
يُسـر و هي تقول بجمود و تحاول كبح دموعها: تيجي بالسلامـة.
جذبها إلى أحضانـه، و هو يدفن وجهه بعنقهـا بحزن، و يهمس بكلمات حزينة لها، و يده تشدد من إحتضانها بأكبر قدر ممكن.
- ماتنسينيش.
شهقت بعنف و هي تتخلى عن جمودها و ترفع يدها تبادله أحضانه ببكاء، ارتفـع صوت بكائها تدريجيًـا و هي تقول: مش هانسـاك، و الله ماهنساك.
- أنـا بحبك أوي، بحبك أوي.
- ماتسبنيـش، مش هاعرف أعيش لوحدي!
- مش هاينفع، و الله ماينفع، أنا لو عليا ماسبكيش أبـدًا؛ بس مش هانعرف نعيش، مش هانعرف.
إبتعد عنها و ودعها بنظراته، ذهب للباب و فتحه، كاد أن يخرج و لكن إستمع لصوتها تناديه.
- نعـم؟
ذهبت إليه و ارتمت بأحضانه ببكاء و هي تهمس له: هاتوحشـني أوي، خلي بالك من نفسك.
- و أنتِ كمان، لا إلـه إلا اللـه.
- مـحـمـد رسـول الـلـه.
..........................................
- وحشتينـي.
- و أنتَ كمان.
- كان نفسي أسمعهـا و أنا معاكِ و جمبك.
صمتت و لم تجيب، إكتفت بالصمت.
- عاملـة إي؟
- كويـسة؛ الحمد لله.
| لـمَ لا نتخطى عن المـألوف؛ ف تقول كيـف حالِـك؟ ف أجُيـب بتلقائيـة لسـتُ بخيـر من دونـك؟ |
..........................................






_ بـعـد مـرور ٧ سنـوات _
فاقت من ذكرياتهـا على صوت يامن و هو يقف بجوارها بمسـافة.
- لسـه زعلانـة منُـه؟
يُسـر ببرود: من ميـن؟
يامن بسخريـة: أنتِ تعرفي غيره؟
تجاهلتـه و نظرت للبحـر أمامها، وصوت تلاطم المياه بالصخور ينعشهـا و يُسـرع من نبضات قلبها.
أغمضت عينيها تستمتع بنسمـات الهواء الباردة التي تلفح وجهها.
- مش يـلا نروح؟
- خلينـا شويـة، مش خسرنين حاجة!
- و لا كسبانين!
- مش مهـم نكسب.
- بتحبيـه؟
- مين؟
- أدهـم يا يـسر! بتحبيـه؟
حركت رأسها بإعتراض و إبتسامـة إستهزاء: تـؤ، خلاص.
- و بالنسبـة لزمـان؟
أغمضـت عينيها براحـة: أديك قولت زمـان، زمان حاجة و دلوقتي حاجة تانيـة، زمان كنت عيلة مراهقة مش فاهمة حاجة الكل ماشي يوديها و يجيبهـا، إنما دلوقتي لاء، يُسـر العيلة بتاعة زمان مش زي يُسـر دلوقتي.
- الفراق صعب؟
- أول شويتين بـس، و بعد كـدا عادي، عامل بالظبـط زي لما تييجي تاخـد دوا مش حلو، في الأول هاتحس بطعمُـه المُـر، إنمـا بعدها هاتخـده هاتكون إتعودت عليه.
- عرفت ردك! صعب! و قوي كمان!
- لاء مش صعب.
- بشكـر ربي إني ماحبيت.
- الحب حاجة حلوة، و الأحلى إنك تختـار صح.
- جربتي و ماعجيكيـش!
- تؤ؛ أنا ماختارتـش، أنا انجبـرت، إتحطيت في الحتـة اللي همَّ عاوزينهـا.
- لسه فاكـرة.
- و هو الظلـم بيتنسي؟
- لاء.
- يلا نـروح؟
- يلا نـروح.
| أمَّ بالنسـبة لي؛ ف أقـول أن ثاني أصعب شئ في الحيـاة بعد ألم الظـلم و الجبـروت… … هـو الفـراق |
..........................................
_ في مكان ما بعيـد _
يجلـس أدهم على مقعد خشبي أمام الشاطئ، يضع يديه خلف رأسه، و ينظر للقمـر المُضيئ، النور الوحيـد في ظلام السماء في الليل.
نظر للقمر و هو يقول لـه: أنتَ عارف؟ هي زي القمـر دا بالظبط، جميـلة و اللي منـورة حياتي في اللي أنا فيه، هي اللي مصبرانـي على دا كلـه، أنا مستني أرجلعهـا، بعد غياب سنين، أنا مش عايز منهـا حاجة غير إنها تكون فـكراني و مانستنيـش، أنا بحبها أوي، بحبـك يا قـمـر.
جاءت إليه فتـاة و هي تقول لـه برقـة: أدهـم؟
- نعـم؟
- يلا نخـش! الجـو بـرد عليك!
- تـمـام، يـلا.
دلفـوا للفنـدق وجـدوا رجـل بإنتظارهـم، نظـر لهم بغمـوض و


تعليقات



×