رواية عروس من باريس الفصل السابع عشر

 رواية عروس من باريس الفصل السابع عشر

دلف ادهم الى قصر عائلته بعدما فتحت الخادمة له الباب .. وجد الجميع مجتمعا في صالة الجلوس .. والده ووالدته .. جدته .. اخته لبنى وزوجها محمود ..


تقدم نحوهم وهو ينظر الى وجوهم التي يسيطر عليها الضيق بشكل واضح بتهكم ..
كان والده اول المستقبلين والذي قال بنبرة متهكمة :
" اهلا .. اهلا بالكبير .. اللي اديته ثقتي فكل حاجة وطلع هو اللي بيخطط لأخوه كل حاجة .."
رمقه ادهم بنظرات هادئة وهو يجيب :
" انا لا خططت ولا حاجة .. انا وقفت جمبه فوقت انتوا كلكم تخليتوا عنه .. اكيد يعني مش هسيب اخويا لوحده بعد ما طردتوه من حياتكم .."
صاحت فريال وهي تنهض من مكانها :


" تقوم تعصيه علينا .. توقف معاه ضدنا .. تشجعه عالمصيبه اللي عملها .."
ابتسم ادهم ببرود وهو يرد :
" مفيش مصيبة يا ماما .. حسام اتجوز البنت اللي هو بيحبها .. البنت اللي لاقاها مناسبة ليه .. بنت محترمة واخلاقها عاليه .. ايه المشكلة مش فاهم ..؟!"
انتفضت لبنى من مكانها وقالت بغل من برودة ادهم الذي تراه لأول مرة يتحدث ببساطة عن موضوع كهذا :
" ايه المشكلة ..؟! اخوك اتجوز من وحدة عيلتها معدومة .. وحدة مفيهاش ميزة وحدة .. انت مش حاسس بالفضيحة اللي هتحصل لمًا الناس يعرفوا .. ؟! "
التفت ادهم اليها وقال ببساطة :
" فضيحة ايه يا لبني ..؟! هو كان عمل ايه ..؟! لا حاجة غلط ولا حرام .. ده اتجوز على سنة الله ورسوله ..""
اقترب مصطفى منهم ووقف بجوار ادهم الذي علم بمجيئه منذ لحظات بينما قال سليم :


" وتمثيلك عليا ..؟! عملت نفسك واقف ضده .. فضلت تمثل وتخدعني انا وامك .. وانت كنت فالحقيقة بتساعده .."
تنهد ادهم وهو يرد :
" انتوا اللي اجبرتوني اعمل كده .. انا كنت مضطر .."
قالت فريال بحزن :
" تقوم تخدعني .. تاخدني على قد عقلي .."
رد ادهم معتذرا :
" انا اسف يا ماما .. بس زي ما قلتلك كنت مضطر .."


قال سليم بسخرية :
" ومضطر بردوا تاخد اخواتك وتعملوا عصابة وتحضروا الفرح عادي كده .. ولا كأن ليكم اب رافض الفرح ده .."
اجاب ادهم بحيادية :
" مكانش ينفع اسيبه لوحده .. كان لازم يلاقيه حد حواليه .."
قالت لبنى بعصبية :
" هو اللي اختار يكون لوحده .. هو اللي عمل بنفسه كده .."
" لبنى .."
حذرها زوجها محمود من التمادي بينما رد ادهم بقوة :
" لا مش هو ... انتوا اللي اجبرتوه على ده .. لما سبتوه لوحده عشان قرر يتجوز واحدة حبها .."


قاطعته لبنى :
" لا انت مستحيل تكون ادهم اخويا .. حب ايه وزفت ايه ..؟! مالهم بنات عيلتنا والناس اللي حوالينا عشان يحب من دول ..؟! ثانيا وانت من امتى عاطفي كده ..؟! "
رد ادهم بهدوء :
" الكل بيتغير .. والزمن بيعلم .."
رد سليم بقوة :
" بس انت كبير العيلة يا بيه .. المتحكم فكل حاجة .. ده طبعا بعد ما احنا اخترناك لده .."
قال ادهم بثقة :
" انتوا اختارتوا وانا وافقت بس ده مش معناه اني امشي كل حاجة بطريقتكم .. الزمن بيتغير واحنه بنتغير معاه .. ولو انت شايف اني بأفكاري دي منفعش اكون كبير عيلتكوا يبقى خلاص هاتوا غيري يدير كل حاجة واهو ابقى ارتحت انا كمان من الحمل التقيل ده .."


اتسعت عينا فريال بعدم تصديق مما تسمعه على لسان ابنها الاكبر بينما هز سليم رأسه بأسى وقال :
" يا خساره يا ادهم .. بجد يا خسارة .."
........................................................................
دلفت جيجي الى غرفة ابنتها عليا بعدما علمت بمجيئها منذ ساعتين فإستغربت عدم ذهابها اليها ..
تقدمت منها لتجدها تجلس على الكنبة عاقدة ذراعيها امام صدرها تهز قدمها بعصبية ..
سألتها بقلق وهي تقف امامها :
" مالك يا عليا ..؟! قاعدة كده ليه ..؟! شكلك ميطمنش .."
نظرت لها عليا وقالت :
" مصيبة .. كل حاجة اتكشفت .. انا مش عارفة اعمل ايه ..؟!"


سألتها جيجي بعدم تصديق :
" تقصدي ايه ..؟! خطة امبارح اتكشفت ..؟!"
أومأت عليا رأسها بحزن لتسألها جيجي بسرعة :
" ازاي ..؟!"
اخذت عليا تقص على مسامعها كل شيء ..
انتهت عليا من حديثها لتهتف جيجي بإنفعال :
" يابن الايه .. ده طلع مصيبة .. احنا مش لازم نسكت .. كده هتبقى فضيحة .."
ردت عليا بضيق :
" هنعمل ايه يعني يا ماما ..؟! مضطرين نقبل وخلاص .. "
" نقبل ايه ..؟!"


سألتها جيجي بصدمة لترد عليا بهدوء :
" نقبل بشروطه وافسخ الخطوبة .."
قالت جيجي معترضة :
" انتِ اتجننتِ ..؟! دي تبقى مصيبة .. ثانيا ابوكِ مستحيل يوافق على حاجة زي كده .. ده ممكن يتبرى منك .. وكمان كده كل حاجة خططنا ليها انتهت .."
زفرت عليا انفاسها بضيق وهي تقول :
" امال اعمل ايه يا ماما ..؟! ها .. "
نظرت والدتها اليها بصمت استمر للحظات قبل ان تقول بجدية :
" لازم نفكر ونلاقي حل فأسرع وقت .."
.........................................................................


بعد مرور ثلاث ايام ..
جلست ليديا امام ريهام تقص عليها ما حدث في حفل الزفاف وردود افعال العائلة بعدها حينما علموا بزواج حسام من حبيبته ..
" انا مش مصدقة يا ريهام .. هو فيه حد كده ..؟! كلهم زعلانين ومدايقين .. حتى بابي .. "
ردت ريهام بجدية :
" عشان البنت فقيرة وتعتبر مش مناسبة ليهم .."
ردت ليديا بتهكم :
" تفكير غبي ومتخلف .. انا مش مستوعبة ازاي هما كده .."


ضحكت ريهام بخفة وقالت :
" والله معاكي حق .. بس والله التفكير ده مش عند الكل .. ده عند عيلتكوا بس .."
هزت ليديا رأسها بملل من عائلتها وطريقتهم المختلفة .. وكلما تفكر بكل هذا تتأكد اكثر من أن قرارها هو الصحيح وعليه ان تمهد لوالدها ذلك فهي حقا ان تستطيع ان تستمر في العيش مع هذه العائلة المتخلفة بالنسبة لها ..
سألتها ريهام :
" لسه بتفكري فموضوع رجوعك لفرنسا ..؟!"
اجابها ليديا بجدية :
" انا قررت اصلا .. هرجع قريب اوي .."
قالت ريهام بحزن :
" هزعل اوي .. انا اتعودت عليكِ .."


ابتسمت ليديا وهي تقول بصدق :
" وانا كمان .. بس انا مضطرة ده .. ممكن نتقابل بين فترة والتانيه .. وكمان فكري فموضوع دراستك بره .. تعالي ادرسي عندنا .."
لمعت عينا ريهام وهي تقول :
" والله فكرة .. انا فعلا بفكر اكمل الماستر بره .. "
قالت ليديا بحماس :
" برافو .. وطبعا مفيش احسن من فرنسا .."
ابتسمت ريهام بينما نظرت ليديا الى ساعتها وقالت :
" انا لازم اروح دلوقتي .. وانتي كمان صحبتك قربت تجي .. اشوفك قريب .."
ابتسمت ريهام وهي تودعها بحميمية ..


خرجت ليديا من المطعم واتجهت نحو الشارع العام لتأخذ تاكسي حينما سمعت احدهم يناديها فإلتفتت نحو الخلف لتجده ادهم ..
ابتسمت عفويا وهي تقترب منه وتحييه :
" هاي ادهم .. ازيك ..؟!"
تأملها مليا وهو يجيبها :
" بخير .. انتِ عاملة ايه ..؟!"
اجابته ببساطة :
" كويسة .."
سألها مرة اخرى :
" انتِ كنتِ بتتغدي هنا ..؟!"
أومأت ليديا برأسها وهي تجيبه :


" ايوه كنت مع ريهام .."
اومأ برأسه متفهما وهو يقول كاذبا :
" انا كان عندي meeting هنا بردوا وخلصت وطالع اهو .."
قالت ليديا وهي ما زالت محتفظة بإبتسامتها :
" كويس .."
قال ادهم بجدية :
" خليني اوصلك .."
قالت ليديا بجدية :
" مش عايزة اشغلك .."


ابتسم ادهم وقال بصدق :
" معنديش شغل اصلا .. هوصلك وارجع بيتنا .."
قالت ليديا :
" تمام .."
ثم اتجهت خلفه نحو سيارته في كراج السيارات لتركب بجانبه بينما يبدأ ادهم بقيادة سيارته متجها نحو منزل عمه ..
......................................................................
جلست نورهان بجانب حسام وهي تضع البيتزا الجاهزة امامه وبجانبها الكولا ..
ابتسم حسام وهو يجذبها نحوه لتهتف به :
" الغدا اهو .. مش قلت انك جعان ..؟!"
رد حسام وهو يفتح قنينة البيبسي :
" جدا .. بس جعان ليكي اكتر .."


ضربته على كتفه وهي تقول بمرح :
" مش هتبطل قلة ادب بقى ..؟!"
ضحك بقوة وهو يقول :
" حبيبتي قلة الادب دي حاجة بتبقى فالجينات .. طالما موجوده مش هينفع تروح .."
مطت نورهان شفتيها وهي تقول بدلال عفوي :
" مكانش باين عليك يعني .. كنت محترم اوي .. مكنتش اعرف هتطلع كده .."
ابتسم وهو يقول :
" يا قلبي ده كان زمان قبل ما تبقي مراتي .. "
ابتسمت بحب :


" بس دي حاجة حلوة .. انك تتصرف باحترام مع الكل حتى معايا بعد ما وافقت على خطوبتنا .."
رد حسام بجدية وهو يفتح علبة البيتزا ويأخذ قطعة منها :
" ده شيء لازم .. كل حاجة ليها حدود ... وطالما انتِ لسه مبقتيش مراتي يبقى لازم احافظ على الحدود اللي بينا .."
سألته نورهان بجدية :
"اتواصلت مع حد من عيلتك ..؟!"
اجابها حسام :
" اه ادهم كلمني مرتين ونور كلمتني امبارح .. "
سألته بجدية :
" وهما عاملين ايه ..؟!"
اجابها :


" نور كويسة الحمد لله .. بس ادهم صوته مش مريحني .. "
سألته نورهان بجدية :
" ليه ماله ..؟! ممكن بسببنا ..؟!"
هز حسام رأسه نفيا وقال :
" لا يا قلبي .. مشكلة ادهم خاصة بيه .. وتحديدا بخطيبته .."
سألته نورهان بتذكر :
" خطيبته اللي هي تبقى بنت عمكوا .. مش كده ..؟!"
اومأ حسام برأسه بينما سألته :


" مالهم ..؟! متخانقين ..؟!"
اجابها حسام :
" لا .. بس ادهم عايز يفسخ الخطوبة .."
اتسعت عينا نورهان وهي تقول بأسف :
" ليه بس ..؟! هما مش بيحبوا بعض ..؟!"
اجابها حسام بسخرية :
" لا يا نورهان .. هو ارتباط مصلحة مش اكتر .. ادهم شافها مناسبة ليه وهي كذلك فارتبطوا .."
هزت نورهان رأسها بأسف ثم قالت :
" طب وايه اللي تغير دلوقتي ..؟!"


تنهد حسام وهو يرد :
" اتغيرت حاجات كتير .. اولا انوا ادهم حب واحدة تانيه والاهم انوا شاف عليا على حقيقتها وعرف انها مادية ومتكبرة .. يعني حصلت حاجات كتير فوقته وخلته يقرر يفسخ الخطوبة .."
" طب ومستني ايه ..؟!"
اجابها حسام :
" الموضوع مش سهل .. لو فسخ الخطوبة الكل هيقلب عليه .."
نظر اليها حسام قليلا ثم اخذ يشرح لها مقصده ومدى تعقيد هذا الموضوع الذي سوف تنظر اليه نورهان ببساطة بينما نورهان تستمع اليه بعدم تصديق من هذه العائلة وأفكارها الغريبة ..
.....................................................................
كانت نور تعبث في هاتفها وهي تراقب طفليها اللذان يلعبان أمامها احدهما بدراجته الصغيرة والاخر بمجموعة من السيارات الالكترونية ..


رن هاتفها لتجد لبنى تتصل بها فزفرت انفاسها بضيق وهي تتذكر حديث ادهم لها بعلم عائلتها بكل شيء حتى بذهابهم الى عقد القران ..
ومنذ ذلك الوقت تنتظر اتصال افراد عائلتها بها لتوبيخها لكنها فوجئت بعدم اتصال احد بها حتى والدتها التي كانت تتواصل معها بشكل يومي وإن لم تتصل بها نور يوما ما تقوم هي بمهاتفتها للاطمئنان عليها ..
لبنى ايضا قاطعتها ولم تتواصل معها ولو برسالة واحدة حتى لكن يبدو انها لم تتحمل فقررت ان تتنازل وتتصل بها كي تقول ما تريد قوله .. هي تعرف اختها الكبرى جيدا والتي لن ترتاح حتى تقول ما في جبعتها ..
ضغطت نور على زر الاجابه بعدما قالت لنفسها انها لم تفعل شيئا خاطئا يجعلها لا ترد عليها ..
" اهلا لبنى .."


قالتها نور بهدوء ليأتينا صوت لبنى الساخر:
" والله كويس اني سمعت صوتك .. ده انا كنت مراهنة انك مش هتردي عليا .."
قالت نور بملل :
" وليه مش هرد يعني ..؟! هو حصلت حاجة تمنعني ارد ..؟!"
اجابتها لبنى بتهكم :
" حصلت حاجات يا نور مش حاجة وحدة .. كفاية عملتكوا السودة انتِ واخوانك .."
انتفضت نور بسرعة وهي تردد بعصبية :
" مش مسموحلك تتكلمي بالطريقة دي يا لبنى .. احنا معملناش حاجة غلط .. احنا وقفنا جمب اخونا .. اخونا اللي معملش حاجة غلط نحاسبه عليها او نتبرى منه بسببها .."


ضحكت لبنى بسخرية وهي تغمغم :
" ماشاءالله .. كلكم لبستوا ثوب البساطة والتواضع .. وبقى عندكوا عادي كل حاجة .. وطبعا هتقوليلي الحب هو المهم .."
ردت نور بهدوء :
" الاحترام والتفاهم والحب دول اهم حاجة .. ودول مش مقتصرين على الناس الاغنياء وكبار العائلات .."
قالت لبنى بنبرة ممتعضة :
" كفاية بقى مثالية فارغة وشعارات كذابة .. الكلام الاهبل ملوش معنى .. لا احنه هنبقى زي الناس العادية والطبقات المتوسطة او الفقيرة ولا هما هيبقوا زينا .."
صاحت نور بها بملل من افكارها المتعصبة وغرورها الذي لا ينتهي :
" كفاية بقى يا لبنى .. بجد انتِ بقيتي اوفر .. مش عشان ربنا كرمك والشخص اللي حبيتيه كان من نفس مستوانا يبقى خلاص انتِ الصح .. مانتِ كان ممكن تحبي واحد اقل منك مثلا .. كنتي هتعملي ايه ..؟! زمن الفراق الطبقية ده انتهى من زمان وانتِ لازم تستوعبي ده .."
صمتت نور بغضب من افعال اختها بتقول الاخيرة ببرود هازئ :


" حلو اوي .. خليكم بقى كده وابقي وريني اخرة الهبل ده هيبقى ايه .. وابقى افتكري كلامي لما اخوكِ يسيب مراته بعدما ما يعرف انوا عمره ما هيقدر يستمر معاها .."
ثم اغلقت الهاتف في وجه نور التي تطلعت الى ما فعلته اختها بصدمة ..
........................................................
كان ادهم يقود سيارته بصمت متجها الى منزل عمه بينما ليديا بجانبه تتأمل الطريق بملامح شاردة ..
سألها محاولا فتح باب للحوار معها :
" مش ناوية تشتري عربية بقى .؟! بدل مانتِ بتروحي وتجي بالتاكسي .."
ابتسمت ليديا بعدما التفتت نحوه واجابته بهدوء :
" لا مش هشتري .. ملهاش لزمة اصلا .. كده كده انا راجعة فرنسا قريب .."


كلماتها تلك كانت صادمة بالنسبة له فلم يستوعب نفسه الا وهو يوقف سيارته فجأة في منتصف الطريق تحت انظار ليديا المصدومة ..
يتبع
الفصل الثامن عشر
كان ادهم يجلس امام ليديا في احد الكافيهات المشهورة يتطلع اليها بصمت بينما هي تقلب في قائمة الطعام كي تختار شيئا تتناوله ..
ما زالت كلماتها عن عودتها الى فرنسا تتردد داخل عقله وهو يتذكر صدمته حينها وصدمتها هي ايضا بإيقافه سيارته فجأة في منتصف الطريق ليبرر لها بسرعة وهو يستوعب ما فعله حيث اخبرها بأن هذا حدث لا اراديا ثم طلب منها ان يتحدثا بشأن موضوع عودتها الى فرنسا مما جعلها تنظر اليه بإستغراب شديد قبل ان تهز رأسها موافقة على طلبه رغم الحيرة التي سيطرت عليها ..


وهاهو الان يجلس امامها منتظرا ان يبدئا الحديث سويا كي يفهم سبب رغبتها تلك في العودة ..
افاق ادهم من شروده حينما وجد النادل يتقدم نحويهما كي يأخذ طلباتهما فأخبرته ليديا عن طلبها وقام هو بذلك ايضا ..
ابتعد النادل عنهما بعدما سجل طلبيهما ليقول ادهم بهدوء :
" تمام يا ليديا .. اللي فهمته آنك حابة ترجعي فرنسا .. ممكن افهم السبب ..؟!"
اجابته ليديا بصدق شديد :
" انا حياتي كلها هناك .. بقالي خمسة و عشرين سنة عايشة ففرنسا .. مش هينفع دلوقتي اعيش فبلد تاني عمري ما زرته حتى طول السنين اللي فاتت .. بلد مختلف تماما عن بلدي الاصلي .. مش شبه بعض فأي حاجة .."
" انتِ مش مرتاحة هنا ..؟!"


سألها بدهشة لترد بهدوء :
" مصر جميلة .. بس مش لدرجة استقر فيها للابد .. صعب جدا بعد ما كنت عايشة ففرنسا استقر هنا .. غير انوا العادات والتقاليد هنا مختلفة تماما عن هناك .. لا انا هقدر اتقبلها ولا الناس هنا هيقدروا يتقبلوني .."
سألها ادهم بحيرة :
" ليه كل ده ..؟! كتير ناس كانوا عايشين بره وعاشوا هنا .. ومرتاحين اهو .. هي حصلت حاجة دايقتك ..؟! "
اجابته بجدية :
" معايا لا .. بس هي حياتكوا بصورة عامة مختلفة .."
" ممكن تشرحيلي اكتر ..؟!"
اجابته ليديا بهدوء :
" كل حاجة بشوفها هنا بتأكدلي اني عمري ما هعرف اكمل هنا ولا هعرف ابقى وحدة من عيلتكوا الغريبة .."
" عيلتنا الغريبة ..؟! تقصدي ايه ..؟!"
سألها ادهم مصدوما لتجيبه بصراحة لطالما تحلت بها :


" عيلتكوا غريبة وافكارهم انقرضت من عشر قرون .. مدايقين من حسام عشان ارتباطه بوحدة اقل منهم ماديا .. وشايفين انهم افضل من الكل ومفيش زيهم مع انوا الكل احسن منهم .."
تطلع ادهم اليها بعينين غاضبتين وهو يحاول بصعوبة ان يكتم غيظه من حديثها وتلك الصفات التي نعتت عائلتها بها قبل ان يقول :
" مش ملاحظة انك بتبالغي .. ؟! هنا مش سيئين للدرجة دي .. كل الحكاية انهم متمسكين بعادات وتقاليد اتربوا عليها .."
ضحكت بخفة وهي تقول :
" عادات متخلفة و سخيفة المفروض تكون انتهت من قبل ما انت تتولد اصلا .."
ضغط على اسنانه بقوة ثم قال بعد صمت :


" انا نفسي تفهم .. هو فيه حد دايقك ..؟! حد ازعجك ..؟!"
ردت عليه بجدية :
" حاليا لا بس اكيد هيحصل قريب .. انا مش غبية يا ادهم وعارفة انوا اغلبهم مش متقبليني .. لاسباب كتير.. حتى لو تجاهلوا موضوع والدتي مش هيقدروا يتجاهلوا موضوع تحررري وديانتي .. بس دلوقتي كل حاجة هادية عشان محصلش صدام حقيقي او عشان يادوب بقالي فترة صغيرة لكن لما الموضوع يطول لكام شهر وممكن سنه الصدامات هتحصل والفرق الكبير بيني وبينكم هيظهر بوضوح .."
زفر ادهم انفاسه وهو يقول بتأني :


" مينفعش تقولي حاجة قبل ما تحصل .. ممكن يكون كل ده توقع مش اكتر .. ثانيا حتى لو مش هيتقبلوكي .. هما يهموكِ فإيه .. المهم والدك واخوانك .. الباقي تحصيل حاصل .. مش هيدخلوا فيكي ولا يقدروا يعملوا كده اصلا .."
قالت ليديا بجدية :
" ومين قالك انوا كمال بيه او يوسف هيتقبلوني .. ؟؟ مش معنى انهم بيسايروني دلوقتي يبقى خلاص تقبلوني .. هما بس مستنيين الوقت المناسب عشان يبتدوا تغييراتهم المنتظرة .. بمعنى تاني مستنيني اتعود على العيشة هنا والناس اللي حواليا وبالتالي فاكرين انوا تغييري هيكون اسهل وانا هقدر اتقبله .."
ثم اكملت بتهكم :


" بس انا مش زعلانه يا ادهم .. انا اساسا جيت هنا وشفت كمال بيه بسبب ماما ورسالتها .. يعني سواء تقبلوني او لا عادي .. يمكن كنت هزعل شويه لو رفضوني بس الموضوع مكانش هيفرق معايا .. كده كده انا مش معتمدة عليهم ولا على الشخص اللي هو ابويه .. انا اعتمدت على نفسي من سنين طويلة وكونت صداقات وعلاقات جميلة خلتني محتجش لأي حد .."
كان يتأملها بهدوء .. عيناه تلتقطان عينيها التي يظهر صدق حديثها داخلهما بوضوح .. ابتسامة هادئة تزين وثغرها وتؤكد حقيقة انها غير مبالية لكل هذا .. والاهم
هم حديثها الذي ينم عن فتاة ذات شخصية قوية وواثقة من نفسها .. والاهم انها فتاة عجيبة لم تفكر في البقاء بجانب والدها الذي يمتلك اموالا لا تعد ولا تحصى بل فضلت حريتها وبساطة عيشها على هذا ..
منحها ابتسامة هادئة لا تظهر منه سوى في وجودها قائلا بإعجاب :


" انتِ حقيقي جميلة اوي .. كل يوم بتثبتي ليا انوا مفيش زيك ..."
ابتسمت ليديا وهي تشكره بهدوء :
"ميرسي يا ادهم .."
وجدته يمد يده مرتبا على يدها وهو يقول :
" انا بس بطلب منك تستني فترة .. مينفعش تنفذي قرارك دلوقتي .. عمي هيزعل وهيحس انك عايزة تبعدي عنه بأي طريقة .. بلاش تخليه يحس كده .. "
نظرت اليه ليديا بتردد غير منتبهة على يده التي تقبض على يدها وقالت :
" ماشي .. هعمل كده فعلا .."
ابتسم ادهم وهو يحرر يدها من يده اخيرا قبل ان يجد النادل يأتي بطلباتهما مستغربا من تأخره عليهما والذي لم ينتبه له بسبب اندماجه في حديثه معها ..


.....................................................................
تطلعت عليا الى الصور التي جاءت بها والدتها اليها بعدم تصديق .. الان فهمت كل شيء .. سبب ابتعاده عنها ونفوره منها .. رغبته في انهاء الخطوبة .. كل شيء كان واضحا وكان عليها ان تفهم من البداية ان هناك فتاة اخرى سببت كل هذا .. والفتاة تلك لم تكن سوى ابنة عمها التي لم ترتح لوجودها منذ اول يوم ..
" كلفت واحد يراقبه زي ما قلتلك .. اليومين اللي فاتوا مشافوش حاجة مهمة .. لكن النهاردة خرج الظهر من شركته وراح للمطعم ده .. فضل جوه عرببته لحوالي ساعتين .. كان مستني الهانم تخرج بعدما عرف انها في المطعم ده .. اكيد بيراقبها .. واول ما خرج جري عليها وحدها فعربيته وراحوا لكافيه تاني .. الصور كلها قدامك اظن مفيش اثبات اكتر من كده عاللي بيحصل .."


كادت عليا ان تمزق الصور لولا تذكرها لأهميتها فضغطت على اعصابها وهي ترميها على الارض لتتجه جيجي بسرعة وتقوم بلمها بينما نهضت عليا من مكانها وهي تسير داخل غرفتها بعصبية وهي تتذكر تلك الفتاة الاجنبية ومجيئها .. اخذت تلعن كل شخص تسبب بدخول تلك اللعينة الى حياتهم ..
اوقفها صوت والدتها وهي تردد :
" ممكن تهدي .. "
صرخت عليا :
" اهدى ازاي ..؟! ها .."
قالت جيجي بهدوء :


" متبقيش غبية .. احنه كده متساويين .. هو بالفويس اللي معاه واحنه بالصور دي .."
صاحت عليا :
" الصور .. الصور اللي بتقول انوا البيه بيحبها .. انوا عايز يسيبني انا عشانها .. "
قالت جيجي بنفاذ صبر :
" سيبك من ده كله .. لا بيحبها ولا نيلة .. ده مبهور فيها .. "
تمتمت عليا بغل :
" بقى انا حتة بنت زي دي تعمل فيا كده .. بنت متسواش حاجة .."
قالت جيجي بسرعة :
" انتِ بتقولي ايه ..؟! بنت مين اللي تلعب بيكِ ..؟! انتِ اتجنتتِ ..؟! انتِ نسيتي انتِ مين وتبقي بنت مين ..؟!"
نظرت عليا الى والدتها بحزن لتقول الاخيرة :


" اسمعيني وركزي معايا .. الصور دي جت لحد عندنا ... انتِ هتستني الاسبوع يخلص ولما يجي اخر يوم يبلغك انوا هيفضحك تعمليله مفاجئة وتبعتيله الصور دي وخليه يلف فدماغه ويشوف هيتصرف ازاي .."
نظر ت عليا الى والدتها بعدم اقتناع لكنها اثرت الصمت حاليا فلا رغبة لها بنقاش اي شيء بعدما رأته في تلك الصور اللعينة ..
....................................................................
بعد مرور يومين اخرين ..
خرجت ليديا من منزل عائلتها لمقابلة ريهام التي تتتظرها في سيارتها كالعادة ..
توجهت نحو ريهام التي خرجت من سيارتها كي تحييها .. ابتعدت ليديا عنها بعدما حييتها لتتفاجئ بعليا تتقدم نحوها بملامح قاتمة ..


" هاي عليا .."
قالتها ليديا بعفوية لترد عليا عليها ..
" بصي يا حلوة شوية الحركات دول متخيلش عليا .."
قالتها بلهجة غريبة لتسألها ليديا بإستغراب :
" انا مش فاهمة حاجة .. تقصدي ايه ..؟!"
جذبت خصلة من شعرها ولفتها حول إبهامها وقالت :
" لو فاكرة انك بالشعر الاشقر والعيون الزرق هتغريه تبقي غلطانه .. ولا عشرة زيك يقدروا ياخدوا مكاني فقلبه .."
تطلعت ليديا الى ريهام الواقفة بجانبها بحيرة لتقول الاخيرة :


" فيه ايه يا انسة ..؟! متتكلمي عدل .. احنا مش فاهمين قصدك ايه ..؟!"
نظرت لهما بسخرية وقالت :
" انتي مش فاهمة بس صحبتك فاهمة اووي .."
قالت ليديا بهدوء وصدق :
" انا بجد مش فاهمة قصدك .."
جذبتها من ذراعها وقالت بعنف :
" بت انتي .. حركات الخواجات دي متخيلش عليا .."
ثم اردفت وهي تهتف بجانب اذنها بنبرة عالية :
" احسنلك متدخليش فالحرب دي معايا لإنك هتخسري .. انا مستعدة عشان اهزمك اتحالف مع الشيطان ولا اقولك انا اتقلبلك الشيطان نفسه .."
ثم اكملت ببرود :


" ولا اقولك .. نصيحة ليكي خدي بعضك وارجعي فرنسا .. انتي ملكيش مكان هنا والعيشة هنا صعبة عليكي وانتي مش قدها .. انا بنصحك بس مش اكتر .."
صمتت قليلا وقالت بإبتسامة خبيثة :
" الرسالة وصلت ولا اترجمهالك .. ولا اقولك خلي صاحبتك الجميلة دي تترجمها ليكي .. باي يا روحي .."
تطلعت ليديا اليها بذهول وهي تحاول استيعاب كلماتها تلك التي لم تفهم شيئا منها بينما ابتعدت عليا عائدة نحو سيارتها ..
...........................................................،


كان الجميع يجلس في قاعة الاجتماعات فاليوم هو اليوم المعهود والذي سيتحدث فيه ادهم عن ارباح الشركة ويعطي كلا منهم نصيبه الشهري منها ..
جلس ادهم في مكانه المخصص تحت انظار جميع الموجودين حيث والده وعمه حسن وابنيه خالد وكريم اضافة الى عمه كمال وابنه يوسف ..
اخذ ادهم يتحدث بجدية عن الارباح والحق الشرعي لكل من اعمامه ممررا امامهم جميع الاثباتات ..
انهى حديثه ليقول بجدية :
" فيه موضوع مهم لازم اعرفكم بيه .."
تطلع الجميع اليه بهدوء بينما اكمل :


" انا اديت لحسام مبلغ معين موجود فالشيك ده .. ده يعتبر جزء صغير من حقه الشرعي فميراث جدي .."
تطلع اليه الجميع بصدمة بينما انتفض سليم من مكانه وقال :
" انت اتجننت ..؟! حق شرعي ايه وزفت ايه ..؟! مش كفاية كل اللي عملته ..؟! تقوم تديله مبلغ كبير زي ده .. انت بأي حق تعمل كده ..؟!"
تدخل عمه حسن في الحوار قائلا بغيظ :
" مش من حقك تعمل كده يا ادهم .. الفلوس دي مشتركة بينا واخوك هو اللي اختار انوا يخسر جميع حقوقه بعملته دي .."
قال ادهم بهدوء :


" فشرع مين ده يا عمي ..؟! فأي منطق الكلام اللي بتقوله ده يا بابا ..؟! حسام وريث شرعي لجدي وليه ففلوسه زي ما كلنا ليه .. واللي اخده ميجيش واحد فالميه من حقه الشرعي .."
قال كريم بسخرية :
" وانت بقى بقيت فجأة بتتكلم بالشرع والحق .. انت ناسي انك بتتحكم فكل حاجة بقرار جماعي مننا .. واننا زي ما قدرنا نخليك رئيس للشركة نقدر نرجعك واحد عادي زينا .."
رمقه ادهم بنظرات هادئة ثم قال بإبتسامة رزينة :


" لا طبعا مش ناسي .. وانا اهو قدامكم .. حابين تسحبوا الادارة مني عادي جدا ... حابين كمان تخرجوني بره الشركة كلها عادي .. احلى حاجة اصلا اني استريح بعد سنين التعب دي كلها .."
ثم نظر الى اعمامه ووالده قائلا بهدوء :
" لو عاوزين تخلوا كريم او خالد او اي حد تاني يمسك الادارة اهلا وسهلا .. بس ياريت متجوش بعد فتره وتطلبوا مني ارجع لما تشوفوا الفرق فالارباح .. لاني لو خرجت مش هرجع تاني حتى لو اطربقت الدنيا عليكم وبقيتوا عالحديده .."
صاح كريم بغيظ :


" انت بتهددنه ..؟! لا وكمان مستهين بينا .. فاكر انك الوحيد اللي هتقدر تدير الشركة بأرباح كبيره .. مش كفايه غرور بقى يا ادهم بيه .. طول عمرك فاكر مفيش حد زيك .. مع انوا كلنا احسن منك .."
قاطعه ادهم بملل :
" انت بتقول ده كله ليه يا كريم .. تمام طالما انت كده اطلب آنك تمسك الادارة كلها وانا هتنازل ليك عنها قدام الكل .. بس ياريت انت كمان تبطل تصرفاتك القذرة ومراقبتك ليا قال يعني عاوز تمسك حاجة عليا .. يؤسفني اقولك انوا المحاسب اللي جندته لصالحك بلغني فكل حاجة .. ابقى اعرف اختار رجالتك تاني وخلي فبالك اني عمري ما عملت حاجة اخاف منها والدليل جيت قدامكوا وحكيت عالمبلغ اللي اديته لحسام وبدون تردد .."
" ادهم .. كريم .. كفاية .."


قالها سليم بصرامة ليتفاجئ الجميع بخالد وهو ينهض من مكانه راميا مجموعة من الصور على ادهم وهو يقول بسخرية :
" والصور دي كمان مش هتخاف منها وهتلاقي ليها مبرر كالعادة .."
نظر ادهم الى الصور بصدمة ولم تقل صدمة من حوله عنه ..

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات خليها علي تليفونك وحمل تطبيقنا

تحميل تطبيق سكيرهوم
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-