Ads by Google X

روايات بعد الليل الفصل الثاني عشر 12 بقلم نهال عبد الواحد



رواية بعد الليل الفصل الثاني عشر 12 بقلم نهال عبد الواحد 





( بعد الليل) 

الفصل الثاني عشر

بقلم نهال عبد الواحد

وصلت قمر لباب البيت، هبطت من السيارة هي، جارتها وابنها، وقفت أمام البيت تنظر إليه في شوقٍ كبير، تكاد دقاتها تتراقص من سرعة نبضاتها فرحًا ومنشدة مع كل إنشٍ فيها أنشودة العودة بعد طول الغياب،
قد جئتك يا بيت أبي
بعد اغترابٍ و همٍّ مُركّبِ
كأني أرى الآن طفولتي
و أشتم رائحة خير الأحبابِ
هنا ركضتُ و هنا لعبتُ 
وهنا تدللتُ منك أبتي
ليتني ما خرجتُ ولا كبرتُ
و ظللتُ لا أهتم إلا بحلواتي و ضفيراتي
طرقت باب المندرة الخارجية بسعادة كبيرة و هي تتسمع صوت أقدامٍ ربما تقترب ركضًا لتفتح لها.
تستنشق الهواء بقوة و تشتم ربما هذه رائحة كعك العيد أو ربما البسكويت، لا لا هو مؤكد ذلك الفايش اللذيذ.
ظلت واقفة فترة من الزمن على غير العادة و بدأ القلق يتسرب بداخلها فعاودت الطرق من جديد، ثم طرقت ثالثًا...
وبعد فترة وقد تملّكها القلق و الوجع أخيرًا فُتح الباب و وجدت أخيها فتهللت أساريرها لدرجة لم تنظر لوجهه بل اندفعت نحوه متعلّقة في رقبته، لكنها شعرت بفتورٍ في سلامه.
فأبعدت نفسها عنه وأخذت تحملق فيه متسآلة بقلق: مالك ياابو خوي!
فتنهد قائلًا بجمود: توك ما افتكرتي!

فشحب وجهها و تسارعت ضربات قلبها تسارع يخالف السابق وصاحت: أمي جرالها حاجة!
فنظر إليها ثم نظر أرضًا و لم يعقب، فأمسكت بأسفل بطنها و ركضت إلى الداخل مسرعة حتى وصلت لغرفة أمها لتجدها طريحة الفراش بلا حراك، منهكة أشد الإنهاك وكأنها على فراش الموت، هكذا يحدّثها حدسها و تنهره.
اندفعت نحو أمها قاذفةً نفسها بين أحضانها غير آبهة لجرح بطنها الحديث وصرخت باكية: أمي، أمي، إيه اللي نابك! والله جلبي كان حاسس إن فيكِ حاجة عشان إكده ما جيتيش من زمن!
فتدخلت عبير: لو كان جلبك عليها يا ختي كُتي جيتي زورتيها و جعدتي تحت رجليها تراعيها، هو الإسم بتها الوحيدة!

فأجابت باكية: والله ربِّ يعلم بحالي كان كيف الفترة اللي عَدَّت.
فقالت عبير بحدة: وجاية مع مين إن شا الله! ما شيفاش جوزك يعني!
فنظرت إليها أمها مطولًا قائلة بصوتٍ متقطع: فين بطنك يا جمر؟
نظرت قمر ليديها التي تفركهما ببعضهما بتوتر و ظلّت ساكنة لا تنطق، فصاح فيها أخيها: ما تنطجي يا جمر! فين جوزك؟! و فين ولدك اللي كُتِ حبلى فيه؟!
فأجابت بهدوء: أنا اطلجت.
فضربت عبير على صدرها بقوة: يا مرّي! و كنّهم خدوا ولدك كماني!

فأومأت برأسها أن لا، فأجابت الجارة التي كانت لا تزال موجودة: حماتها صمَمَت تولد طبيعي و الدَكتور كان مشدد إنها تولد قيصري، فالعيل اتخنج ومات، وهم تو ما عرفوا راح رامي عليها اليمين حتى جبل ما تفوج م الولادة، ما هي جطعت النفس واضطروا يولدوها في المِشتِشفى، وجال إيه هي اللي فجر و بومة! ووالله يا خيتي فاتوها بالجلبية اللي عليها!
فضرب ضياء كفًا بكف و هو يقول بغضب: وديني لوريهم ولاد المركوب دول ! يعني ايه يطلجك إكده! ما لكيش اهل ولا ايه!
فتدخلت عبير قائلة: وطبعًا من خيبتك سيبتيلهم دهبك وفلوسك!

فأجابت بسخرية: بلا همّ لما يا ختى ما ختش هدوماتي! كيف خالة أم عصام جالتلك، فاتوني بالجلبية اللي عليّ.
فأكمل ضياء بغضب: هطمَّن على امي و جبل ما اسافر هروح أطربجها على روسهم.
فتابعت عبير: ايوة روح و خليهم ياجوا لحد عندينا يستسمحوا و يبوسوا على راسها كماني!
فإبتسمت قمر بسخرية قائلة: ريِحوا نفسيكم، دي الطلجة التالتة يعني منهاش رجعة.
فصاحت عبير: توك ارتاحتي يا حزينة! إطلجتي و خليتي سيرتنا على كل لسان! يا شماتة الأعادي فينا!
فتابعت قمر: يشمتوا ولا يندعجوا هو كان حد فيهم شارب المرّ غيري! دي الوَلية كانت تعد الخبزة كام رَغيف و لو نِجص ياختاي! يلا الحمد لله! و بلاها السيرة الشوم دي.
ثم قالت: أنا عجهد إهني جار أمي أخدمها و أمرِضها لآخر العمر، صُح يامّي!
ولم ترد أمها فالتفتت إليها فتجدها مغمضة العينين و شاحبة اللون فصاحت بقلقٍ و هلع: يامّي، يامّي ردي عليّ، باجولك أنا جيتك و عجعد جارك على طول، يامّي!
كانت تتحدث و هي تهزها بشدة لتستفيق معها وأيضًا كان معها أخيها، ولكن قد استرد الله وديعته و تُوفيت الأم.

ارتفعت أصوات الصراخ و العويل و لم يعد هناك أي عيد، فقط حزن، حداد و سواد، أما الجارة فقد رحلت لقريتها تاركة تلك المسكينة وسط أحزانٍ لا تنتهي.
ومرت فترة بعد الوفاة و قد اقترب موعد سفر الأخ، وكانت قمر منذ وفاة أمها لا تتحدث إلا قليلًا لازالت مرتدية الأسود لتزداد بؤسًا على بؤسها.

وكانت جالسة في مندرة البيت مع أخيها و صديق أبيها الشيخ مجاهد إمام المسجد.
فقال ضياء: على فكرة يا جمر دهبات أمك معايّ عديهالك جبل ما اسافَر، دي كانت وصيتها جبل ما تموت إنك تاخدي الدهب كله.
فتابعت قمر برفض: لا طبعًا دي ما يرضيش ربنا، انت وارث زييّ زييك يعني الدهب دي يتجسم بشرع الله، ولا إيه يا عمي الشيخ مجاهد!
فأجاب الشيخ بملامحه الطيبة و وجهه الباش: أيوة يا بنيتي الله يفتح عليكِ! كيف ما جالتلَك يا ضيا، الدهب ميراث زيه زي أي شيء سابته الحاجة والدتك الله يرحمها! ولا وصية لوارث.
فقال ضياء: لكن يا عمي هي اللي طلبت دي وما حدش طلبه منيها يبجى كيف أكسر كلمتها و اسيبها حزينة ف تربتها.
فأجاب الشيخ: حتى لو كيف ما جُولت، هي اتصرفت بجهل منيها لكن انتو تصلحوا عشان ما تتحاسـَبش على غلطة زي دي، م الصبح جبل أي شيء روح للصايغ و تمّن الدهب و لا خليه يجمسه بالجرامات بيناتكم التلت و التلتين؛ للذكر مثل حظ الأنثيين.
فنظر ضياء لأخته مطولًا وقال: أمال فين دهباتك يا بت؟!
وكان ذلك وقت دخول عبير بالشاي، فأسرعت قائلة: كنّك انسيت إن العجربة حماتها خدَتهم .
فأومأت قمر برأسها أن نعم، هي لم تفهم مقصد أخيها؛ فقد كان يقصد تلك الأموال التي يرسلها لزوجته لتقسمها بينها، بين أمه وأخته، أحياناً يطلب منها شراء قطعة ذهبية و إعطاءها لأخته و كانت تخبره بأنها فعلت كل مايريد ، في حين إنها كانت تأخذ المال لها وحدها ولم تعطي لأمه إلا القليل، أما الباقي فقد اشترت ما يكفيها و يزيد لها ولأبناءها من ملابس و حُليّ!
وبالفعل في اليوم التالي ذهب ضياء إلى إحدى محلات الصاغة و جعله يقسم بالجرامات القطع الذهبية بينه و بين أخته، ولم يكن نصيب قمر سوى خاتم، حلق طويل و عقد حمدت ربها عليهم وترحّمت على والديها، وبعدها ببضع أيام سافر بعد ما وصى كلًا منهما على الأخرى....
......................
......................................



الفصل الثالث عشر من هنا 




 

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات خليها علي تليفونك وحمل تطبيقنا

تحميل تطبيق سكيرهوم
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-