Ads by Google X

رواية بعد الليل الفصل السادس عشر 16 بقلم نهال عبد الواحد



رواية بعد الليل الفصل السادس عشر 16 بقلم نهال عبد الواحد 





( بعد الليل) 

الفصل السادس عشر

بقلم نهال عبد الواحد

دخلت قمر إلى الحمام، خلعت عباءتها السوداء و كان أسفلها جلباب بيت، وضعت على رأسها حجاب صغير ملون، بدأت قمر في ترتيب البيت و تنظيفه مثلما طلبت منها نرجس، الغريب أنها لم تكن تشعر بأي ضيق؛ بالطبع بسبب لطف نرجس معها و مكوثها معها و كثرة القصّ في أمور كثيرة فجعل الوقت يمضي سريعًا، و أيضًا تلك الألفة و الإنجذاب اللاإرادي.

كانت قمر تعمل خافضة البصر لا تتطلع لما حولها؛ ربما لم يكن البيت شديد الفخامة لكنه أفضل بكثير من بيت أبيها و حتى أفضل من البيت الذي تزوجت فيه.
وقد لاحظت نرجس ذلك منذ مجئ قمر، بل كانت تتابع هذه النقطة بعينها، إذن فهي عزيزة النفس مهما كانت ظروفها!
و بينما كانت قمر تنظّف إذ بَصُرَت عن جُنُبٍ دون أن تلحظها نرجس صورة شاب يبدو وسيمًا نوعًا ما، قمحي البشرة، شعره داكن يميل للون البني له لحية خفيفة و شارب، شعرت من داخلها كأنما رأت ذلك الوجه قبل ذلك و أن تلك الملامح ليست بغريبة عنها.
لكنها أكملت عملها فلا تود التأخير، لكنها لاحظت كومة من الجرائد على منضدة بالجوار، فالتفتت نحو نرجس متسآلة: أنا لجيت دول أرجعهم مكانهم ولا أعمل فيهم إيه!
فقهقهت نرجس قائلة: و الله يا بنيتي شَريف ولدي مرازيني بيهم؛ أصل ولدي بيشتِغِل مدرس لغة عربية و كماني بيكتب خواطر ولا مااعرف إسمها إيه في الجريدة اللي جدامك دي، و رايح جاي يجيب و يجولي إجري يامّي و سلّي نفسك، وأنا ماليش خُلج بصراحة أخرى أَجرَى ف كتاب الله، أجولك... خديهم و ريحِيني منيهم مش إسم الله بتحبي تِجرِي!
فأومأت برأسها أن نعم و هي تردد ممتنة ترتسم على وجهها ابتسامة بلهاء: ألف شكر ليكِ.
و أكملت عملها حتى طلبت منها نرجس أن تكتفي بما فعلت هذه المرة و تكمل عمل في المرة القادمة.
ارتدت قمر عباءتها، غسلت وجهها و ارتدت حجابها ثم جلست في المندرة بصحبة نرجس تنتظران قدوم منصور ليقوم بتوصيلها، وقد أعطتها مبلغًا من المال بعد إلحاح شديد من نرجس فأخذت منها قمر على استحياء.
جاء منصور فحمل عنها كيس الجرائد حتى تلثّم قمر وجهها قبل خروجها، سلّمت على نرجس و انصرفت.
جلست نرجس سعيدة و في نفس الوقت تشعر بافتقادها لها؛ فقد مكثت معها عدة ساعات ملأت يومها، و بعد قليل فتح الباب شاب طويل القامة باش الوجه.
دلف الشاب فانحنى مقبّلًا يد أمه قائلًا: السلام عليكم ورحمة الله يا ست الحبايب.

فربتت عليه بابتسامة عريضة: وعليكم السلام ورحمة الله يا جلب أمك، كيفك يا ضنايا؟!
فأجاب و هو يجلس جوارها: نحمد الله، هه يا غالية عملالنا إيه عل غدا؟!
فابتسمت قائلة: كل خير يا حبيبي، إطلع اتسبّح وغيّر هدوماتك و أنا عجوم أسخِن.

ونهضت واقفة تتجه للداخل فاقترب منها وأمسك بيدها لتتأبطه و سار جوارها يمازحها قائلًا بتدليل: 
أمي يا أجمل النساء
يا أجمل نرجس في حديقة عمري
أطال الله في عمرك
وأدام الله عليكِ الصحة والعافية 
و أدامك عليّ شمسٌ تضيء حياتي
فضحكت بملئ فمها وهي تقول: الله يحظّك يا ولدي! برضو ما عتبطلش النحوي اللي بترطه دي!
فيجيبها ضاحكًا: يامّي اللغة العربية مش رطّ دي....

و توقف عن الكلام و هو يتلفت حوله بعينه ثم ابتعد قليلًا عنها وقال: يامّي مش جولتلك جبل سابج ما تتعبيش نفسك ف البيت، يعني تنضفي و تطبخي ف يوم واحد!
فابتسمت تربت على خده: ربنا يباركلي فيك و يحنن جلبك عليّ كمان وكمان!
فتابع ببعض الغضب: يامّي شوف عجولك إيه وتجوليلي إيه!
فقهقهت قائلة: طمِّن حالك يا ولدي، أنا اللي طابخة و بس لكن مش انا اللي نضِفت البيت، دي جمر.
فزم حاجبيه بعدم فهم قائلًا: مين يعني؟!
فأجابت: دي بت عتجعد تبيع في السوج جار دكانة منصور، كُت عشتري منها الخضار وتجعد تنضفه فجولتلها و اتفجت معاها تاجي كل حد تنضف البيت، كيف ماانت واعي ماعجدرش على كل حاجة وحدي!
فتنهد شريف بضيق: يامّي وكيف عدّخلي واحدة غريبة البيت؟! نعرفها منين دي اللي عتبيع ف السوج إن كانت حرامية و عتجيب لنا مصيبة وياها؟! يامّي ما عتسمعيش عن الجرايم اللي بتحصل كل يوم و التاني اللهم احفظنا!
فأردفت: اللهم احفظنا يا ولدي! لا والله دي البنتة زينة و طيبة و منكسرة و تدخل الجلب.
فضرب كفًا بكف وتابع متعجبًا: يامّي دي مواصفات عروسة، عايزة حد ينضِّفلك أشيع أجيبلك م البداري بت تاجي تجعد معاكي تخدمك!

فأجابت: لا ما عايزاش حد م البداري ولا عدخّل البيت بنتة تجعد ويانا إلا مرتك إن شاء الله.
فزفر شريف و انسحب من أمامها قبل أن تفاتحه في موضوعها المعهود، بينما هي ذهبت تحضر الغداء.
أما قمر فانصرفت مع منصور وقام بتوصيلها حتى مكان السيارات الذاهبة لقريتها فشكرته و ركبت فأعطى للسائق أجرة قمر رغم إعتراضها، ثم شكرته ثانيًا و انطلقت السيارة بركّابها.
عادت قمر لقريتها و وصلت للبيت قبيل المغرب فاتجهت لغرفة أمها غير عابئة للواذع كلمات عبير، وضعت كيس الجرائد و دخلت تأخذ حمامًا دافئًا و غسلت ملابسها، أعدت طعامها و تناولته ثم صلت المغرب و بعدها جلست تتفقد تلك الجرائد.
بالطبع عندما فتحت الجريدة وجدت العديد من عناوين الأخبار المحلية و الدولية، أخبار النجوم، الرياضة و المجتمع وكلما جذبها عنوان قرأته، حتى وصلت لصفحة المنوعات، لتجد عمودًا كاملًا عليه صورة صغيرة لنفس الشاب الذي رأتها في بيت نرجس والتي تتأكد من داخلها أنها لمحت تلك الملامح من قبل.

وبدأت تقرأ :
(حُبُّكَ لَيْلَةٌ شِتْوِيَّةٌ)
حُبُّكَ لَيْلَةٌ شِتْوِيَّةٌ
يَعْبَقَ عِطْرُهَا مِنَ الصُّبْحِ إِلَى العَشِّيَّةِ
أَرَاكَ فِي مُرَاقَبَتِي لِزَخّاتِ المَطَرِ
و تَرْتَعِدَ أَوْصَالِي عِنْدَ حُلُولِ ذِكْرِك
حَتَى أَكْثَرُ مِنْ فَزْعَتِي مِنْ صَوْتِ الرَّعْدِ
تَلْتَمِعُ عَيْنَايَّ عِنْدَ رُؤْيَتِك
بِوَمِيضٍ أَشْدُّ مِنْ كُلِّ وَمِيضِ البَرْقِ
لَوْ وَقَفْتُ تَحْتَ المَطَرِ!
تُرَانِي، لَوْ وَقَفْتُ تَحْتَ المَطَرِ
هَلْ يَغْتَسِلُ قَلْبِي مِنْ حُبُّكَ؟!
تُرَانِي، لَوْ دَثَّرْتُ نَفْسِي بِأَلْفِ غِطاءٍ
هَلْ يُغْنِينِي عَنْ دِفْءِ حُضْنِك؟!
فَمَا الدِّفْءُ و الحَيَاةُ إِلَّا فِي حُبِّكَ و قُرْبِك
و مكتوبٌ تحتها إمضاء بإسمه (بقلم شريف فوّاز)
كانت تقرأ كلمات الخاطرة و تشعر بأنفاسها تزداد توهجًا و ذلك القلب ينبض بسرعة أسرع حتى من القطار الأسباني لحد قولها، لم تعلم كيف ولا لماذا مسّت تلك الكلمات قلبها هكذا، فأخذت تعيدها مرارًا وتكرارًا و في كل مرة تتذوق طعم الكلام و تشعر بحلاوته فينبسط وجهها و تتراقص ملامحها مع ابتسامة عريضة تخرج من القلب لم تتذوقها ولم تشعر بها منذ زمن، ولازالت لا تعرف سر هذا كله.
وسرعان ما عادت لرشدها مع طرقات الباب و نداء ابنة أخيها: يا عمتي يا عمتي.
فأجابت بصوتٍ مرتفع: إدخلي يا بت.
ففُتح الباب ودخلت طفلة في الخامسة من عمرها تجمع شعرها في ضفيرتين علويتين قمحية اللون و ضئيلة الحجم، فأكملت قمر قولها: عايزة إيه يا بت!
فأجابت الطفلة: عايزة اتفرِج عل كارتون واخواتي غيروه ومش عايزين يرجعوه من تاني.
فأشارت لها أن تجلس جوارها في الفراش وأدارت التلفاز الصغير بواسطة جهاز التحكم و أخذت تقلّب في القناوات حتى صاحت الطفلة: ايوه! سيبيه يا عمتي! هو دي.
فتركت قمر جهاز التحكم و عادت تعاود تكرار قراءة تلك الكلمات التي راقت لها كثيرًا، ومن حينٍ لآخر تلقي نظرة على شاشة التلفاز و كان فيلم (الأميرة النائمة) 
(Sleeping Beauty)
و بعد فترة راحت عين قمر في النوم، ثم بدأت تتململ في نومها بفعل دغدغات تشعر بها على شفتيها كأنما يقبلها أحدهم برقة شديدة، فازدادت تململًا وازدادت ملامحها انبساطًا، فعادت الكرة بعد الكرة، فتنهدت و هي تفتح عيناها، نهضت فوجدت نفسها مرتدية فستانًا ورديًّا طويلًا وذا أكمام طويلة، وضعت يدها على رأسها تتحسسه فوجدت رأسها بلا حجاب و شعرها منسدل بطوله على ظهرها و في جيدها عقد أمها الذهبي.
همّت لتنهض لتتفاجأ بأن لفستانها طبقات من الشيفون و الحرير بشكل رائع.
كانت تتلفت حولها؛ تستكشف المكان، لكن سرعان ما وجدت من يجذبها من يديها نظرت على أحد جانبيها فوجدت زوجها الأول و على الجانب الآخر وجدت أمه.
كانا يجذباها و يجراها و يتحركان بسرعة، فزعت و بدأت تصيح فبدأ كلٌ منهما يلكزها بقوة تؤلمها، كانت تركض معهما مجبرة، وكلما التفتت ناحية ذلك الزوج لفحها بفيح حرارة أنفاسه الكريهة، فتسرع لتلتفت بوجهها بعيدًا عنه.
ثم تركاها فجأة فسقطت وأخذت تتعثر و تتدحرج من فوق جرفٍ هارٍ و إذا بأحدٍ يركلها قبل أن تحاول النهوض لتجدها عبير امرأة أخيها، وظلت هكذا و يرتفع نحيبها و صراخها بين خوفٍ وألم.
حتى أمسك بيدها أحدهم فرفعت و جهها نحوه فكان إمام المسجد الشيخ مجاهد فربت على يدها قليلًا و أشار لها في اتجاه فسارت فيه بعض الوقت وهي تكفكف دمعها و تعدّل هيئتها المبعثرة من أثر السقطات.
ثم وجدت حجر فجلست عليه قليلًا تتلاقط أنفاسها فتفاجأت بيدٍ أنثوية و صوتٍ حان تمد يدها بكوبٍ فشعرت فجأة بالعطش و الجوع وكأنها لم تكن تشعر بشيءٍ من قبل!
فأخذت الكوب ورشفت مسرعة دون أن تنظر لما بداخله، فاستطعمت مذاق الحليب فاستكملته حتى شبعت وأعادت الكوب لصاحبة اليد لتجدها نرجس بوجهها الباش، فضمتها نحوها بشدة وربتت عليها بحنانٍ أموميٍّ رائعٍ ثم أشارت لها.
نظرت لحيث أشارت فوجدت حديقة رائعة فتهللت أساريرها و أخذتها قدماها نحوها.
سارت في تلك الحديقة الرائعة تعبث في أغصان الأشجار رائعة الجمال، و في أذنيها أصوات طيور مغردة بأعذب الألحان.
وفجأة شعرت بأحدهم يسحبها إليه وبدون مقدمات يقبّلها بعمقٍ قد أذاب مشاعرها فظلت مغمضة عينيها لم ترى حتى من يقبّلها، فقط تشعر بمشاعر رائعة لم تشعر بها من قبل...
.................
........................................

الفصل السابع عشر من هنا 





 

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات خليها علي تليفونك وحمل تطبيقنا

تحميل تطبيق سكيرهوم
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-