رواية وجوه الحب الفصل التاسع 9 والفصل العاشر 10بقلم نور بشير



رواية وجوه الحب الفصل التاسع 9 والفصل العاشر 10بقلم نور بشير 





 ٩&١٠
 ( ٩ ) - نيران مُشتعلة -

وفي المساء كانت تجلس بداخل تراس منزلهم تحتسي كوبًا من الحليب المطعم بنكهة القِرْفَة وهي شريده الذهن في كل ما حدث ومرت به خلال اليوم؛ إلى أن حضرت " سـلـمـىٰ " وهي تجلس على المقعد إلى جوارها وتحتسي كوب القهوة خاصتها مردده بمرح بعدما لوحت بيديها أمام وجه الأخيرة لتُقظها مما هي به وهي ترتدي لبيجامه من اللون الوردي ومقسمه خصلاتها إلى فيونكتان كالأطفال تمامًا.
- هاااااااي..
اللي واخد عقلك يا هانم..

" مـريـم " بخضه وهي تبثق ما بفمها بوجه الأخيرة.
- يخربيتك في حد يفجع حد كده..؟!

" سـلـمـىٰ " بإشمئزاز وهي تُسرع في تنفيض ملابسها قبل إمتصاصها للمشروب.
- اللّٰه يقرفك يا شيخة في حد يعمل كده في حد..؟!

" مـريـم " بمرح.
- مش أنتي اللي طلعتيلي من تحت الأرض وقطعتي عليا خيط أفكاري..

" سـلـمـىٰ " بدعابه.
- إسمها حبل أفكاري يا جاهلة كفاية تعليم مجاني..
مستواكي بقاااا في النازل خالص..

" مـريـم " بسماجه لا تخلوُ من مرحها.
- شوف مين بيتكلم..
يا بنتي أنتي أساسًا هربانه من كي چي وشكلك وحش أوي وأنتي قعدة بفينكاتك دي..
ثم أضافت بسماجه أكبر وهي تدعابها من وجنتيها كالأطفال تمامًا.
- إنجغااا إنجغااا يا زلومه..

" سـلـمـىٰ " وهي تضربها على يديها بخفه.
- سم..
واللّٰه أنا لو طفلة لتخاف منك..
إيه يا بنتي أنتي بترمي عليا تعويذة وعايزه تسخطيني ولا إيه..؟!
يا مااااامي..

" مـريـم " وهي تُعاود إحتساء كوب الحليب خاصتها من جديد.
- أنا وإيش عرفني أنا..
أنا كنت بسمعهم بيدلعونا كده وأحنا صغيرين..

" سـلـمـىٰ " وهي تقوم بضم ساقيها إليها معتدله في جلستها بحيث تجلس بشكل أكثر أريحيه.
- المهم سيبك من فيونكاتي وزلومتي وقوليلي سرحانة في إيه كده..؟! وإيه اللي مخليكي من ساعة ما رجعتي وأنتي قعدة لوحدك مش طالعلك صوت وكأنك عامله عامله..؟!

" مـريـم " ببراءة طفولية.
- وهو أنا باين عليا أوي كده يعني..؟!

" سـلـمـىٰ " بتأكيد وهي تحاول كتم ضحكاتها.
- جدًا يعني ههه..!
ثم أضافت بفضول وهي تكتم بيديها فمها بسعادة طفولية.
- هااااا بقاااا قوليلي هببتي إيه يا آخره صبري أنتي..؟!

فإعتدلت " مـريـم " في جلستها ومن ثم أخذت تسرد عليها كل ما حدث معها منذ أن دلفت إلى ذلك المطعم ومقابلتها بذلك الوغد كما لقبته حتى توقيعها للعقد ورحيلها من أمامه والآخرىٰ تسمع لها بإهتمام كبير إلى أن أنهت حديثها فهتفت لها " سـلـمـىٰ " بإستفهام.
- وأنتي زيّ الهبلة مضيتي العقد على طول من غير ما تقريّه..
يا بنتي ده أنتي لو عيل صغير لازم بيشوف الورقة ويبص فيها كويس قبل ما يكتب فيها كلمة..
تفرضي حب ينتقم منك ويردلك اللي أنتي عملتيه فيه يقوم حاطط شروط تعجيزيه في العقد عشان يمرمطك براحته ويرد كرامته اللي أنتي بعزقتيها..

" مـريـم " بخوف واضح على كل تقاسيمها.
- أنتي بتخوفيني ليه يا بنتي مستر زيـاد بعتلي الـ Contrato أمبارح وبصيت فيه كويس وبعته لأونكل مـدحـت يشوفه وقالي تمام كل حاجة تمام..
لازم تقلقيني أنتي دلوقتي وتخليني أفكر في الموضوع وأنتي عارفة أن دماغي بتسحلني في التفكير..

" سـلـمـىٰ " وهي تنهر الأخيرة بقلق.
- يا بنتي حتى لو قريتي العقد ميت مرة لازم تبصي عليه بصه أخيرة قبل التوقيع..
أنتي بجد غريبة يا مـريـم وبتعملي حاجات مفيش طفل صغير يعملها..

" مـريـم " بقلق أكبر.
- خلاص أنا هطلب بكرا من مستر زيـاد أني أراجع العقد وأبص عليه بصه عشان أطمن..

" سـلـمـىٰ " بقلق.
- يا بنتي وهيفيد بإيه مرجعتك للعقد ما أهو أكيد لو فيه حاجة مش هتعرفيها دلوقتي خالص..

" مـريـم " بقلق أكبر.
- برضو هطلب منه وأشوف رد فعله لو إرتبك ولا أتوتر هعرف أن في مشكلة لكن لو عطاني العقد أشوفه أكيد هتبقا كل حاجة تمام مش كده..؟!

" سـلـمـىٰ " وهي تحاول تطمينها.
- أكيد متقلقيش يا ميرو أن شاء اللّٰه خير متوتريش نفسك..
ثم أضافت بفضول.
- المهم بقا قوليلي سـلـيـم ده شكله إيه حلو ولا وحش..؟!
وهل باين عليه أنه إيطالي ولا عادي كده زينا..؟!
أبيض، خمري، طويل، قصير، طخين، رفيع قوليلي يلااااااا..

" مـريـم " متناسيه لقلقها مردده بضحك.
- إيه يا بنتي كل ده..!
مش عايزه مقاس الشوز بتاعته بالمرة هههههه..؟!

" سـلـمـىٰ " وهي تضحك لها بسماجه.
- يا سُكر..
ما تخلصي بقا يا مـريـم هو أنا هتحايل عليكي يعني عشان تتكلمي..

" مـريـم " بدعابه.
- خلاص خلاص صعبتي عليااا..
فتابعت وهي تسترجع بعض اللحظات التي رأته فيهم وإبتسامة بلهاء تكسوُ محياها وهي تتحدث بعفوية شديدة.
- طويل وعريض بس مش تخين يعني تقدري تقولي كده جسمه رياضي شوية أو شويتين تلاتة كده..
حاجة كده عاملة زي التشيز كيك حلوه وطرية من بره بس لزجه وطعمها يقرف من جوه..

" سـلـمـىٰ " وهي تقهقه من قوة التشبيه.
- بموووووت ههههههه في إيه يا بنتي ما أنتي كنتي ماشية كويس إيه اللي حصل ههههه..؟!

" مـريـم " بإمتعاض بعدما تذكرت ما فعله بها.
- أنتي مش مستوعبه البني آدم ده مستفزني قد إيه..؟!
شكله حلو وجذاب بس أسلوب عكس شكله تمامًا ومعندهوش ذوق وبيتعامل وكأنه Özcan Deniz في نفسه خير ما أنجبت تركياااا..

" سـلـمـى " بضحك.
- لأ مش ممكن أنتي تعبيراتك النهارده بتفصلني يا مـريـم بجد ههههه..
ثم أضافت بجدية بعدما حاولت تمالك نفسها.
- المهم هتصلحي اللي أنتي هببتيه النهارده ده إزاي..؟!
مش عيزاكي تنسي أنك هتقعدي ٣ شهور وشك في وشه دايمًا وهتتعاملوا مع بعض كتير بخصوص الشغل وهيكون صعب عليكي تقعدي الـ ٣ شهور دول على أعصابك عشان عرفاكي كل حاجة بتأثر على نفسيتك..

" مـريـم " بلامبالاه.
- واللّٰه هو مالوش عندي غير شغلي وطول ما الشغل تمام معتقدش أنه هيكون في مشكلة..!

" سـلـمـىٰ " بحكمة رغم صغر سنها.
- يا بنتي الموضوع مش شغل بس..
الموضوع أن الخلافات الشخصية بتأثر دايمًا على الحياة المهنية وأنا مش عايزه يبقا في صدام على طول بينكم خصوصًا أنك أنتي غلطانة بصراحة ورد فعلك كان أوڤر شويتين..

" مـريـم " وهي تضغط على شفاها السفلىٰ بخجل من حالها.
- بصي هو إستفزني أوي بصراحة بتأخيره واللي إستفزني أكتر وخلاني مش قادره أتحكم في عصبيتي دخلته وهو بيتعامل ببرود وكأنه مش لاطعني من ساعة وقعدة مستنياه..

" سـلـمـىٰ " بتعقل.
- عشان كده بقولك أنتي غلطانة لأنه من الواضح أن كان داخل داخله لطيفة وناوي يبرر سبب تأخيره بس أنتي زيّ القطر معطتهوش فرصة حتى يقولك صباح الخير زيّ مخاليق ربنا..
فتابعت بصدق.
- لو عايزه رائي فأنا شايفه أنك باللي أنتي عملتيه ده ضيعتي حقك..
وكويس أن كان معاكم حد تاني محترم قدر يحتوي الموقف ويصلح اللي حصل من غير إعتذرات..

" مـريـم " وهي تُدرك حقيقة ما فعلته للتو.
- تصدقي عندك حق..!
ثم أضافت بندم.
- أنتي عارفة أني عصبية ومتهورة ومش بعرف أسيطر على أعصابي..؟!

" سـلـمـىٰ " بحكمة.
- عشان كده بقولك أنتي غلطانة خصوصًا أنك تعتبري أهانتيه..

" مـريـم " بتفكير.
- طب أعمل إيه دلوقتي..؟!

" سـلـمـىٰ " بهدوء.
- أنا شايفه أنك متعمليش أي حاجة واتعاملي بحذر وفي نفس الوقت خليكي على طبيعتك وشوفي الدُنيا هتوديكم لفين وطلعي مـريـم البنت الحلوة اللذيذة اللي جواكي بلاش الوش الخشب اللي دايمًا بتصدريه للي حواليكي عشان الناس تعرف مـريـم إيه من جواها..!

" مـريـم " وهي تداعب أنفها بمرح.
- ربنا يخليكي ليا يا زلومتي أنتي..
ثم أضافت وهي تحتضنها بحب أخوي خالص.
- بحبك جدًا وبحب نصايحك ليا مع أني أنا اللي أكبر منك بس على طول بتنصحيني وبحس النصيحة طالعه من جواكي بجد وبكل حب مش مجرد كلام بتقوليه ليا وخلاص بغرض أنك تنظري عليا..

" سـلـمـىٰ " بحب وهي تُشدَّد من إحتضانها بحنان.
- أنتي أختي الكبيرة والمعروف أن الأخت الكبيرة بتبقا هبلة فمتستغربيش من نفسك أوي كده لما بتاخدي نصايحك مني عشان أنا أستاذة ورئيسة قسم في النصايح وأنتي عارفة خبراتي كويس..

" مـريـم " وهي تقرص على جلدها بمرح.
- بقا أنا هبلة يا فيلة أنتي..؟!

" سـلـمـىٰ " وهي تحتضنها بحب.
- هبلة بس مقدرش أعيش من غيرك ثانية ولا أتخيل البيت ده من غير وجودك فيه..

" مـريـم " وهي تربت على ظهرها بحنان وعاطفة حب قوية.
- ربنا يخلينا لبعض دايمًا..

وبعد مرور شهر..

 بداخل مكتب " مُـراد " بمقر ( مجموعة شركات نـجـم الـديـن ) لإستيراد وتصدير المواد الغذائية كان يجلس على مكتبه وأمامه يجلس " عـاصـم " يناقشون سويًا بعض مهامهم فهتف الأخير بجدية قائلًا.
- مش عايزك تقلق يا مُـراد مـمـدوح لسه مكلمني ومأكد ليا أن المُناقصة هترسي علينا..
إحنا الطرف الكسبان وكل المُنافسين أضعف منا بكتير يعني النتيجة محتومُه لصالحنا..

" مُـراد " بقلق.
- مش عارف يا عـاصـم قلبي مش مرتاح..
حاسس أني أول مرة أدخل مُناقصة ومتوتر وقلقان زيّ العيل الصغير..

" عـاصـم " محاولًا تهدئته.
- على فكرة طبيعي جدًا إحساسك ده..
أنت بقالك فترة بعيد عن الشغل بسبب تعب عمي وحالته الصحية اللي مش مستقره غير أن كمان أعصابك متوتره ومشدُده بسبب ضغط الشغل المتراكم عليك من يوم ما رجعت من أجازتك..
متنساش أن النهارده إعلان نتيجة المُناقصة والسفن اللي فيها شحنة القمح واللحوم هتوصل خلال كام ساعة يعني يومنا مليان بأحداث..

" مُـراد " بتساؤل.
- هو مـمـدوح قالك الإعلان هيظهر أمته..؟!

" عـاصـم " وهو ينظر في ساعته بإهتمام ومن ثم عاد يوجه حديثه إلى " مُـراد " من جديد.
- المفروض أن النتيجة هتظهر على ١٢ ونص يعني كلها ربع ساعة ونلاقي مـمـدوح بيكلمنا يبلغنا بالبشارة..

" مُـراد " بقلق.
- ربنا يستر..! وما أن أنهىٰ حديثه حتى أستمع إلى صوت الهاتف الخاص بمكتبه مُعلنًا عن وصول إتصال من أحدهم فأسرع في رفع السماعة مرددًا بنبرة جادة.
- الو..
حوليه فورًا..
ثم سكت لبرهه وعاد مكملًا حديثه بصرامة.
- الو..
إيه يا مـمـدوح طمني..؟!

" مـمـدوح " وهو يلهث بشدة.
- الو يا مُـراد بيه..
الإعلان ظهر والمُناقصة رست على شركة ( الـصـاوي ) وشركة ( بـدران ) وشركتنا خسرتها..

" مُـراد " بغضب أعمىٰ وهو يضرب بيديه سطح المكتب بعدما فز من مجلسه بهلع وصدمة.
- يعني إيه الكلام ده يا مـمـدوح..؟!
أنت عارف إحنا دفعين قد إيه فيها..؟!

" مـمـدوح " بحزن.
- عارف معاليك وعشان كده إتصدمت لما الإعلان ظهر وشوفت النتيجة..
أنا آسف معاليك بس الموضوع مش في إيدي..!

" مُـراد " وهو يُغلق الخط بوجهه ومن ثم هوىٰ على مقعده بصدمة.
- مش ممكن..؟!

" عـاصـم " بقلق واضح وهو يدير من وضعيته ومن ثم مقتربًا من " مُـراد " بلهفة.
- في إيه يا مُـراد طمني مـمـدوح قالك إيه عمل فيك كده..؟!

" مُـراد " وهو يفرك بيديه وجهه بعدم تصديق.
- المُناقصة رست على شركة ( الـصـاوي ) وشركة ( بـدران )..

" عـاصـم " بعدم تصديق.
- مش معقول..؟!
أكيد في حاجة غلط ده إحنا معرقين الراجل بنص مليون جنية..
أكيد في حاجة غلط أنا هكلم مـمـدوح أفهم منه..! وما أن هم برفع سماعة الهاتف والحديث حتى دلف ذلك الـ " رؤف " مرددًا بهلع حقيقي.
- مُـراد بااااشاااا إلحقنا في كارثة حصلت..

" مُـراد " بصدمة وهو يهب واقفًا في مكانه.
- في إيه يا رؤف..؟! إيه اللي حصل..؟!
أنطق..

" رؤف " وهو يلهث من شدة ركضه.
- السفينة اللي جاية من أسبانيا اللي فيها اللحوم حصل فيها عطل وكانت واقفة للصيانة وحصلت عاصفة قوية وكل اللي عالسفينة غرق ورااااااح في البحر..

" مُـراد " بعدم تصديق.
- أنت بتقول إيه يا رؤف وجبت الكلام ده منين..؟!

" رؤف " وهو يلتقط أنفاسه بصعوبة.
- لسه مكلمني من المينا وقالولي الخبر ده حالًا..

" عـاصـم " بصدمة وعدم قدرة على التفكير.
- ده خراب بيوووت مستعجل..
إيه المصايب اللي بتقع على دماغنا من الصبح دي بس..؟!
ثم هتف وهو يوجه حديثه إلى ذلك الـ " رؤف " بتساؤل.
- طب وسفينة القمح اللي جاية من فرنسا أوعي تقول حصلها حاجة هي كمان..؟!

" رؤف " بعدما أنتظمت أنفاسه بعض الشئ.
- هتوصل خلال ساعة وعلى بكرا أو بعده بالكتير هنستلمها وهتكون في مخازنا..

" مُـراد " وهو يسحب هاتفه ومفاتيح سيارته من أعلى سطح المكتب ومن ثم هتف وهو يركض إلى الخارج بعجالة.
- أنا لازم أروح المينا دلوقتي حالًا وأفهم إيه اللي بيحصل بالظبط..؟!

" عـاصم " وهو يلحق به بدوره.
- استناني يا مُـراد أنا جاي معاك..

وللحديث بقية..

#نور_بشير 
#رواية_وجوه_الحب
#faces_of_love
#Nour_Basher

( ١٠ ) - هُـدنـة -

شهرًا كاملًا، ثلاثون يومًا وثلاثون شمسًا وليلًا مروا منذ أول لقاء بينهم. شهرًا بأكمله لم يرىٰ أحدهم طيف الآخر ولم يتحادث أيًا منهم للثاني. كانت تذهب كل يوم في موعدها لإنهاء عملها بالمطعم لكنها لم تلمحه ولو لمرة واحدة مما شكل علامة إستفهام كُبرىٰ بداخلها. ثلاثون يومًا وهي تعمل على ساق وقدم ليُخرج عملها على أكمل وجه حتى لا تترك ورائها ثغرة يستطيع الإمساك بها عليها وإيقاعها بالفخ كما حدثتها " سـلـمـىٰ " من قبل. حتى أنها قد طلبت على الفور من ذلك الـ " زيـاد " رؤية صورة العقد الذي قامت بتوقيعه إلا أنه قد إبلغها بأنه بحوزه ذلك الوغد المُلقب بـِـ " سـلـيـم " وأخبرها أيضًا بأنه ذهب إلى رحلة للخارج وبمجرد عودته سيجعلها تطلع عليه على الفور. فقضت مُدتها وهي تعمل ليلًا ونهارًا حتى تمر تلك الأيام عليها بسلامًا وأمان. وها هي تقف وهي تحمل بين يديها عُصبه من الأوراق تُفر من آخرىٰ إلى آخرىٰ بتركيز شديد وكأن بعملها هذا تنعزل عن العالم بأكمله. ومن حولها عُلب الدهانات وألوان الحائط من كل إتجاه وذلك المشمع الجلدي الشفاف المكسو به الأرض بأكملها. ظلت تعمل وتعمل وسط كل هذا الكم من الفوضىٰ والأتربه. كانت منهمكه في عملها بشكلًا يصعب معه الشعور بما يحدث من حولها إلا أنها أنتفضت في فزع عندما إغتابها فجأة صوت تشعر وكأنها إستمعت إليه من قبل دون إستطاعه تحديد هوية صاحبة.
- لما كلموني عن نشاطك وحماسك للشغل مصدقتش بس في الواقع أنا مبهور جدًا بيكي..

" مـريـم " بعدما أنتفضت في جلستها بفزع وهي تضع يديها أعلى قفصها الصدري الذي يعلوُ ويهبط بسرعة كبيرة من فرط ذعرها.
- مستر سـلـيـم..
أنا آسفة أتخضيت جدًا لأني كنت لوحدي ومحستش بوجود حضرتك..

" سـلـيـم " بإبتسامة عريضة كشفت عن إسنانه مما جعل قلبها يهوىٰ سريعًا بين قدميها.
- أنا اللي بعتذر أني فجعتك من غير قصد..

" مـريـم " بشرود به وهي تحدث نفسها بصمت بغرابة.
- اللّٰه ما أهو بيعتذر وچان أهو أومال ليه كان قليل الذوق المرة اللي فاتت وأتعامل بوقاحة..
ثم أضافت وهي توبخ نفسها وتعنفها بحدة.
- بس بس أنتي هتعكي تاني ولا إيه أمسكي نفسك يا مـريـم يخربيتك..

" سـلـيـم " بغرابة من صمتها ونظراتها المبهمه له.
- بشمهندسة مـريـم أنتي كويسة..؟!

" مـريـم " وهي تنتبه لحديثه بإبتسامة مهزوزة.
- آاااه ايوووه آاااه آااه الحمدللّٰه..

" سـلـيـم " وهو يستشف صراعها الداخلي وأفكارها التي تراودها كما يشعر بها أمامه.
- من الواضح أنك مستغربة كلامي ومدحي ليكي لأن ده على عكس أول لقاء بينا اللي مكانش Perfect خالص..
ثم أضاف شارحًا بإبتسامة خطفت قلبها خطفًا وهو يضع يديه بداخل جوارب سرواله في وضعيه أضافت لكبريائه وشموخه الكثير والكثير وزادت من أناقته.
- بس أنا فيا ميزة بتعجبني جدًا وهي أني راجل Practical أوي وأكتر حاجة ممكن تغيّر وجهة نظري للشخص اللي قدامي هي شغله وحرصه عليه..
يعني الأفعال بالنسبة ليا كفيلة أنها تغيّر مقامات الأشخاص في نظري..
ويمكن أنتي زدتي في نظري أوي من كلام زيـاد عنك وعن شغلك اللي أنا شايفة قدامي دلوقتي ميقلش عن تحفة فنية..

" مـريـم " وهي تحدث نفسها بصمت وسعادة لا تعلم من أين تشعر بها أو ما هو المُسبب الحقيقي لها.
- لأ ده طلع Gentlemam بجد واااااااو..
وعليه ضحكة تهبل..
ثم تابعت وهي توبخ نفسها بعنف مرةً آخرىٰ.
- إتلمي بقا يا مـريـم هتبوظي الدُنيا بلاش هبلك ده دلوقتي اللي مش في محله نهائي..

" سـلـيـم " بغرابة من بسمتها ونظراتها المبهمه التي لاتزال تصوُبها تجاهه.
- بشمهندسة مـريـم أنتي سمعاني..؟!

" مـريـم " بحرج وهي تتنحنح وتنظر إلى الأرض بخجل.
- معااااك معااااك بس أنا مستغربة شوية وجهة نظر حضرتك..!

" سـلـيـم " وهو ينظر إليها بإبتسامة.
- مستغربة إيه بالظبط..
أني شخص عملي ولا تغيّر وجهة نظري فيكي بسرعة كده..؟!

" مـريـم " برقه وهدوء وهي تعاود النظر إليه من جديد.
- الأتنين بصراحة..!
مش عارفة إزاي ممكن شخص يغيّر وجهة نظره في شخص تاني لمجرد أنه أشتغل شغله المطوب منه بكل ضمير وأمانة..؟!
مش قادره أستوعبها نهائي..؟!

" سـلـيـم " بإبتسامة ذات مغزىٰ.
- في شخص عزيز عليا دايمًا يقولي كلمة مهمة جدًا وبعتبرها نهج بمشي عليه في حياتي..
تعرفي إيه هي..؟!

" مـريـم " وهي تنتبه لحديثه بشدة.
- إيه هي..؟!

" سـلـيـم " بثقة.
- الشخص ده كان دايمًا يقولي جرام أفعال ولا طن كلاااااام..
ثم أضاف وهو يتكأ على كل حرف يتفوه به عن قصد.
- يعني ممكن أسمع اللي قدامي كلام حلو بالساعات وأقعد أمجد فيه وأقوله أنت قد إيه شخص جميل ورقيق وإبن ناس طيبين وأعدله كام حسنة فيه والكلام ده كله مياخدش من عمري دقايق لكن الفعل صعب..
الفعل أقوىٰ من الكلام ومحتاج مجهود أكتر..
عشان كده كل اللي قالي أن شغلك جميل وأنبهر بيه مصدقتهوش..
مصدقتش غير لما شوفت كل حاجة قدامي على أرض الواقع وبقت شئ ملموس وأقدر أحسه بنفسي..
فتسرسل في حديثه بتساؤل هادئ وأنيق.
- شوفي الجُملة دي برغم أنها تبان دارجه أوي ومش مألوفه إلا أنك تقدري تقيسيها على كل حاجة في حياتك ولو طبقتيها هترتاحي كتير أوي..

" مـريـم " بإبتسامة ساحرة لأول مرة ترتسم على محياها منذ أن رآها وهي تشعر بالإنبهار بحديثه الذي لمسها وبشدة؛ فهي لأول مرة تشعر بوصول كلام أحدهما إليها بمثل هذه الطريقة فتابعت بنبرة هادئة تحمل من الرقه ما يكفي لجعلها فراشة تستطيع التحلق هنا وهناك.
- عندك حق وميرسي جدًا على نصحتك دي..

" سـلـيـم " وهو يبتسم لها إبتسامة هادئة لكنها كانت كِالفتيل الذي أشعل بقلها ضوءًا جديدًا ولأول مرة.
- تشربي شاي بالنعناع..؟!

" مـريـم " بنظرات باسمه إستطاع أن يرىٰ إبتسامة عيونها وضحكاتها من خلالها.
- أعتبر دي هُـدنـه وإعتذار عن اللي حصل المرة اللي فاتت ولا أعتبره إيه..؟!

" سـلـيـم " بإبتسامة يملؤها الثقة.
- هُـدنـه آااااه، إعتذار معتقدش..
مش كنت لسه بقولك جرام أفعال أحسن من طن كلام..
شكلك لسه مستوعبتيش الدرس ومحتاجة دروس تقوية..؟!

فإبتسمت " مـريـم " إبتسامة هادئة وهي تهز رأسها على أثر دعابته المرحه تلك دون أن تُجيبه ولو بكلمة. فتابع " سـلـيـم " بنبرة مرحه.
- هاااا نشرب شاااااي بالنعناع..؟!

" مـريـم " بإبتسامة صادقة وهي تهز رأسها بإيجاب.
- نشرب شاااااي بالنعناع..

وفي غصون دقائق كان كلاهم يجلس على الطاولة بجانب الشرفة يحتسون مشروبهم معًا بإستمتاع كبير مع مراقبتهم لهطول المطر المُتساقط على الأرض في جو ربيعي مُمتع ومُبهج للكثير. ظلت " مـريـم " شارده مع سقوط المطر متناسيه أمر ذلك الجالس قبالها يتابع كل تقاسيمها وحركاتها وكأنها مادة علمية عليه بإستذكارها جيدًا حتى لا يرسُب بها مفكره في كل حرف تفوه به معها منذ لحظات وكيف لامس حديثه قلبها حقًا..؟
أيعقل بأن هناك أحد على هذا الكوكب بعد يُثبت محبته بأفعاله..؟!
هي دومًا ما تُحب الأفعال وتشعر بصدقها بفعل المجهود المُبذل خلالها لكنها لم تتوقع يومًا بأن هناك إناسًا يحرسون على إثبات محبتهم وصدق مشاعرهم بالأفعال؛ فهذه أشياء قد يفتقد لها جيل كامل وليس أشخاصًا بالعنية..؟!
تشعر بالإنبهار إلا أن إنبهارها لم يكن لشخصه بل لحديثه ومدىٰ صدقه وملامسته لحاجتها بالفعل. فأخرجها من شرودها نبرته الهادئة الهامسه لها بدفء على عكس السقيع الذي يحتويها ويحتوي الأرض بأكملها.
-مكنتش أعرف أنك بتحبي الشاي بالنعناع أوي كده لدرجة أنك من ساعة ما قعدتي ومسكتي كوباية الشاي في إيديكي وأنتي في دُنيا تانية..؟!

" مـريـم " وهي تنظر للكوب بيديها.
- عندك حق أنا فعلًا بحب الشاي بالنعناع جدًا..
الشاي ده My Best Friend صديقي المُقرب تخيل كده لو قاعد مكتئب وزعلان وتلاقي الدُنيا بتمطر وفي إيدك فنجان شاي سوري سوري قصدي كوباية شاي هتكون عايز إيه تاني من الدُنيا ههههه..؟! قالتها بإبتسامة صافية وهي ترفع كوب الشاي بيديها مؤكده على حديثها بدعابة فتمتم " سـلـيـم " بمرح هو الآخر.
- الموضوع شكله كبير..
ثم أضاف بتوضيح وإبتسامته الهادئة تُزين ثغرة.
- بمناسبة فنجان الشاي والكوباية فأنا حابب أقولك أني بحب أشرب الشاي في كوباية مش فنجان بستمتع بيه أكتر كده..
لازم أشوف لون الشاي من إزاز الكوباية والنعناع وهو عايم على وشها وبتسقيه فيها زي البسكوتة فوق وتحت كده وأحس بدفا الكوباية اللي بيدفي قلبي قبل إيديا..! قالها وهو يمسك الكوب بين يديه بحرص شديد ضامًا له وكأنه يستمد منه الدفء الذي تحدث عنه للتو.

" مـريـم " بإستمتاع.
- ده أنت طلعت حكاية..؟!
اللي يشوفك وأنت بتتكلم ميقولش عليك إيطالي إبدًا..

" سـلـيـم " بتقل ورزانة.
- ومين قال أني إيطالي..
ثم تابع وهو يرتشف من كوبه بتلذذ.
- أنا صحيح معايا الجنسية الإيطالية بس أنا مصري وأصولي مصرية..

" مـريـم " بنبرة أكثر أريحيه.
- ولو أن مايبانش عليك خالص بس حقيقي فرحت جدًا أنك مصري..

" سـلـيـم " بضحك.
- للدرجة دي حوار أني طلعت مصري مفرحك ههههه..؟!

" مـريـم " بعفوية كبيرة.
- طبعًا فرحت جدًا مش إبن بلدي ولازم أشجع الصناعة المصرية..؟!

" سـلـيـم " مقهقهًا من صميم قلبه بصدق وهو يمسح دمعه فرت من جانب عيناه اليسرىٰ من شدة ضحكته وقوتها.
- هههههه مش قادر هههه..
للدرجة دي حبتيني..؟!

" مـريـم " وهي تعض على شفتيها السفلىٰ بخجل بعدما أدركت للتو ما تفوهت به من لحظات وتابعت بحرج شديد وهي تؤشر بسبابتها دليلًا على رفضها ما حدث.
- لأااااا لأاااا مش قصدي واللّٰه لأاااا..
أنا بس إندمجت في كلامي وفكرت نفسي بكلم حد من صحابي..

" سـلـيـم " بنبرة ذات مغزىٰ.
- أمممم..
عالعموم مفيش مشكلة أنا أتحب فعلًا هههه..

" مـريـم " لا رد ولكنها تنظر له نظرة قوية دليلًا على تعنتها ورفضها لحديثه؛ فقابلها " سـلـيـم " بنظرات باسمه ونبرة لا تخلوُ من دعابته ومرحه.
- بهزر معاكي على فكرة..
متقفشيش كده أنا شوفتك أتوتري فقولت أفكك ومتبقيش متنشنه كده على حاجة عادية بتحصل وآرد أوي الإنسان يقع بلسانه ويغلط إيه يعني إحنا إنسان آلي حافظ مش فاهم..
إحنا بشر لحم ودم والغلط شئ وآرد جدًا لأننا مش معصومين..

فنظرت له " مـريـم " بغرابة وتابعت بنبرة مستفهمه.
- أنت إزاي كده..؟!

" سـلـيـم " مضيقًا عيناه بتساؤل وإستغراب واضح وكأن هناك علامة إستفهام قد تشكلت بداخله وتركت آثارها على معالمه.
- إزاي كده إيه مش فاهم..!
ممكن توضحي..؟!

" مـريـم " وهي تنظر له بإبتسامة صادقة.
- عندك قدره رهيبة على إحتواء أي موقف وكأنك أنت المُتحكم في المواقف مش العكس..

" سـلـيـم " بنبرة ذات مغزىٰ.
- المواقف عاملة زي العربية بالظبط تحوُد يمين وشمال بس على كيف صاحبها عشان هو اللي سايقها مش العكس..

" مـريـم " بغرابة من حديثه.
- بس ممكن في لحظة السواق يفقد سيطرته على عربيته ويعمل حادثة تسبب له في آلم طول حياته..

" سـلـيـم " بنفس نبرته.
- وآرد بس وقتها هيكون في إحتمال من أتنين مالهمش تالت..
الأول أن غروره وعنجهيته يسيطره عليه ويعمه عنيه؛ والتاني يكون إنسان يآس من الدُنيا وحياته كلها وقرر يسيبها هي اللي تسوقه مش هو..
والحالتين مش بعاد عن بعض إطلاقًا بين الشخص اللي الغرور ماليه والشخص اللي اليآس كسره شعرة..
شعرة واحدة هي اللي هتحدد مسيره..

" مـريـم " وهي تنظر إلى " سـلـيـم " نظرات إعجاب واضحة بحديثه.
- كل مادا حيرتي فيك بتزيد وبتكبر لحد مبقيتش عارفة أحدد أنت مغرور بجد ولأ يآس..

" سـلـيـم " وهو ينظر إلى المطر السائل أعلى زجاج الشرفة من جواره بشرود.
- أنا عمري ما كنت إنسان يآس يمكن في شوية غرور بس أنا عمري ما يآست..
ثم أضاف وهو يعاود النظر إليها مضيقًا عيناه بمرح.
- ثم أفهم من كلامك ووصفك ليا بالغرور أنك خلاص رجعتي تاني لعادتك وهتمسكي في خناقي من تاني..

" مـريـم " بإبتسامة صافية وهي تُسرع في تصحيح فهمه قبل مخانقتها جديدًا هاتفه به بمرح.
- بعد الشاي بالنعناع مقدرش طبعًا..

" سـلـيـم " مقهقهًا بضحك وهو يغمز لها بعيناه اليسرىٰ غمزة لعوب إخجلتها كثيرًا وجعلت الحمرة تكسوُ وجنتيها كحبات الكريز الأحمر الصغيرة.
- أعتبر دي تثبيته مش كده..؟!

فإبتسمت " مـريـم " بخجل وهي تضع عيناها للأسفل بحرج شديد فهي قد تغيرت وجهة نظرها به تمامًا وإستطاع بحديثه معها الآن محوُ إنطباعها الأول عنه الذي كان أسوء من السئ بكثير. مما عاد إليها إمانها من جانبه الذي كان غيابه يُآرق نومها طيلة الأيام الماضية خشية أن يكون قد تلاعب بعقود العمل لكنها الآن تشعر بالإرتياح ولأول مرة أخيرًا منذ معرفته وتوقيع ذلك العقد معه؛ مما صرف نظرها عن سؤاله عنه ثانيًا؛ فإبتسم " سـلـيـم " بدوره ومن ثم تابع بدعابه.
- يعني خلاص الضحكة دي دليل على أنك غيرتي وجهة نظرك وإنطباعك الأول عني؛ وأقدر أقول دلوقتي أنك صافي يا لبن زي ما بتقولوا بالمصري..

" مـريـم " لا رد ولكنها تعبث بالكوب في توتر وهي تبتسم نفس إبتسامتها الخجله التي كادت أن تُسلبها أنفاسها من شدة كسوفها.

" سـلـيـم " وهو يرتشف من كوبه بتلذذ كبير مرددًا بمرح.
- يبقا حليب يا قشطة هههههه..! وبمجرد ما أن تلفظ بجملته تلك حتى قهقه كلاهما عاليًا ورنت ضحكاتهم أرجاء المكان بأكمله. وما أن إلتفت " سـلـيـم " برأسه حتى وجد " صـولا " أمامه تقف بكل عنفوان وقوة تنظر لهم نظرات عجز عن تفسيرها.

وللحديث بقية..

#نور_بشير 
#رواية_وجوه_الحب


الفصل الحادي عشر من هنا 



تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1