رواية في قبضة الاقدار الفصل الثالث 3 بقلم نورهان ال عشري



رواية في قبضة الاقدار الفصل الثالث 3 بقلم نورهان ال عشري





 🍓الفصل الثالث 🍓

تجاوز الحزن موهبه لم اتمتع بها يومًا ..
رأيت الكثير ممن استطاعوا تجاوز أحزانهم ببراعه. منهم من كان يسكُب حزنه فوق اوراقه علي هيئه حروف امتزج حبرها بالدموع، و منهم من كان يراوغ حزنه بين طيات الكُتب دافنًا إياه بين صفحاتها، و آخرون ألقوا بآلامهم بعمق الليل بين السجود و الركوع. بينما أنا كنت أعيش حزني كاملاً للحد الذي جعل شفائي منه اقرب الي المستحيل …

نورهان العشري ✍️

🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁

الشر حولنا دائماً و لكنه لن يستطيع أذيتنا او المساس بنا إلا أذا اعطيناه الفرصه لذلك . احتماليه هذا الإعتقاد كبيرة و لكن في كثير من الأحيان يكمُن الخير في جوف الشر أو ما كنا نعتقده شرًا ولم يكن سوي إبتلاء لا يتطلب منا سوي الصبر عليا و الرضا بالقضاء و القدر .

نورهان العشري ✍️

🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁

تململت جنة في نومتها و كأنها شعرت بشعاع حاد مُسلط عليها ينفّذ الي داخل أعماقها مصدره عينان تجوبان ملامحها بسخط و حقد كبير تتمني لو أن لها الخيار لكانت الآن مدهوسه تحت اقدام شاحنه ضخمه تمزقها لأشلاء حتي تتأكد من عدم نجاتها . هكذا كانت تنظر إلي جنه التي التفتت لرؤيه ذلك الشخص الماثل علي الجهه الآخري لمخدعها و لكنها تفاجئت حتي جحظت عيناها حين رأت ساندي أكثر الناس كرهًا لها و ذلك لعلاقتها السابقه بحازم و التي انتهت ما أن وقع بحب جنة هكذا أخبرها ذات يوم و هنا تفهمت جنة السبب وراء نظرات السخط و الكره الشديد التي كانت تناظرها به تلك الفتاة. في البدايه كانت تغضب و لكن بعد ذلك أصبحت تتجاهلها و لا تهتم بها و لكن السؤال لماذا هيا هنا الآن ؟

و كأن سؤالها ارتسم علي ملامحها لذا ارتسمت ابتسامه ساخرة علي شفاه ساندي و لكن لم تصل أبدًا لعينيها التي كان الحقد يغلفها و قد تجلي ذلك في نبرتها المسمومة حين قالت 
" أخيرًا السندريلا صحيت !"

كان التهكم يغلف حديثها و لكن نبرتها كانت مرعبه خاصةً لجنة التي كانت في وضع لا تُحسد عليه و لكنها حاولت التماسك قليلًا و هيا تقول مستفهمه 
" انتي هنا بتعملي ايه ؟"

زادت ابتسامه ساندي أكثر و ازدادات قتامه عيناها الخضراء و هيا تقول ساخرة 
" جايه اطمن عليكي و اتأكد انك لسه عايشه .. عشان بصراحه كنت هزعل اوي لو موتك مكنش علي ايدي .."

جفلت جنة من حديث تلك المجنونه التي لا تدري لما ألقت بها الأقدار في طريقها و لكنها حاولت الصمود و أن لا تظهر خوفها الكبير منها لذا قالت بقوة واهيه 
" انتي مجنونه ايه الي انتي بتقوليه دا . انتي فاكرة انك كدا بتخوفنيني ؟؟"

ساندي بلهفه ساخرة 
" لا بخوفك ايه لا سمح الله.. انا بس بعرفك أن نهايتك دي هتكون علي أيدي ."

قالت جملتها الأخيرة بقسوة شديدة و هيا تشير بيدها مغلقه قبضتها بقوة بدون أن تشعر ارتدت جنة للخلف بذعر لم تستطع اخفاءه فابتسمت ساندي بسخريه قبل أن تقول بنبرة خافته مهددة 
" متخافيش اوي كدا مش هموتك دلوقتي. لسه بينا حساب طويل لازم يتصفي. "

كانت ترتجف رغمّا عنها فما مرت به في الساعات الماضيه لم يكن سهلا حتي تأتي تلك المجنونه لتزيد من معاناتها أكثر و قد تجلي ضعفها في نبرتها المستنكرة حين قالت 
" حساب ايه انا مفيش بيني و بينك حاجه . و بعدين انا ارتبطت بحازم بعد ما سبتوا بعض . يعني لو فاكرة اني خدته منك تبقي غلطانه"

لا تعلم لما كانت تقول هذا الكلام تحديدًا في ذلك الوقت و لكنها كانت تريد الإفلات من بين براثن تلك المقيته التي طالعت خوفها بتسليه قبل أن تقول و هيا تشدد علي كل حرف تتفوه به 
" انا و حازم عمرنا ما سبنا بعض "

قطبت جنة جبينها و قد بدأ الرفض علي ملامحها لتناظرها ساندي بتشفي قبل أن تقول بنبرة كشفرات حادة مزقت قلبها 
" اقولك دليل صغير . بأمارة شقه المعادي و الي حصل فيها بينك و بين حازم ! ياتري فاكرة و لا نسيتي . عموما لو نسيتي انا هفكرك و هعرف كل الناس حقيقتك الزباله ."

ازداد ارتجاف جسدها حتي أصبح انتفاضًا تزامنًا مع هطول العبرات من مقلتيها و ظهر الرعب جليًا علي ملامحها التي شحبت فجأة و قد ارضي مظهرها هذا غريمتها كثيرًا فنصبت عودها و رسمت ابتسامه سعيدة شامته تتنافي تمامًا مع الحزن الدامي الذي يسكن قلبها و لكنها كانت تتجاهله بقوة ارتسمت بصوتها حين قالت 
" فضيحتك هتبقي علي كل لسان . هخلي الناس كلها تعرف قذارتك . هتتمني الموت و مش هتطوليه غير لما أقرر انا . "

عند انتهاء جملتها سمعت قفل الباب يدور و أطلت فرح عليهما لتصدمها حالة جنة التي كان الموت مرتسم فوق ملامحها فهرولة فرح إليها و قد تفرقت نظراتها بين شقيقتها و تلك الغريبه التي تتشح بالسواد في لباسها و علي ملامحها فلم ترتح أبدًا لها لذا قالت بصوت قوي و هيا تحتضن جنه بين ذراعيها 
" مالك يا جنة في ايه ؟ و مين دي ؟"

ألقت إستفهامها الأخير و عينان يرتسم بهم التحدي و هيا تنظر إلي تلك الغريبه و التي قالت ساخرة 
" انا صاحبة جنه الأنتيم . "

اجابتها فرح بفظاظه
" بس انا اعرف أصحاب جنة كلهم و انتي مش منهم "
ساندي بتهكم 
" واضح ! واضح انك تعرفي أصحابها كلهم . عموما انا هسيب جنة تقولك انا مين . ابقي عرفيها يا جنة و اوعي تخبي عنها حاجه أبدًا . دي بردو اختك الكبيرة !"

أطلقت جملتها الأخيرة في تحدي واضح لعينان جنة التي كانت ترتجف داخل أحضان شقيقتها تتابع انسحاب ساندي التي تلونت ملامحها بالغضب الشديد الممزوج بحزن دامي و هيا تتوجه الي باب الغرفه مغلقه إياه بقوة انتفض لها جسد جنة التي ادارتها فرح لتواجهها و هيا تقول بترقب 
" مين البنت دي يا جنه ؟"

شعرت فرح بأن تلك الفتاة تبتز شقيقتها بطريقه ما و قد صح ظنها حين سمعت صوت جنة الخالي تمامًا من الحياة و هيا تقول 
" دي اكتر واحدة بتكرهني في الدنيا "

***************

كانت تجلس خلف مقود سيارتها و هيا تنظر أمامها بضياع و عيناها يتساقط منها الدمع كالمطر و قلبها الملتاع يتمني لو يتوقف عن الخفقان حتي يريحها من ذلك الألم الدامي فقد شهدت اليوم علي فراق حبيبها الذي اختار قتلها بسكين الغدر و هو علي قيد الحياة بتفضيله آخري عليها و لكنها كانت تمني نفسها كذبًا بأنه حتمًا سيعود إليها بعد أن يمل من تلك الفتاة التي لم تكره أحد مثلها أبدًا . و لكن ما حدث لم يكن في الحسبان فمنذ أن علمت خبر موته و قد شعرت بأنها علي وشك الجنون فأخذت تصرخ بهستيريا حتي ارتعب من حولها و حاولوا تهدئتها بشتي الطرق و لكن هيهات لم يستطع أي شئ ايقاف جنونها سوي معرفتها بأن تلك الفتاة كانت معه . فهو فضلها عليها بحياته و حتي عندما اختار الموت اختار أن يموت بجانبها .حينها انتابها هدوء قاتل دام لساعات قبل أن تتوجه الي مشفي والدها و الذي كان يرقد به معذب فؤادها الراحل و غريمتها التي تنوي جعلها تدفع ثمن كل هذا العذاب الذي عاشته و سيظل يحيط بها طوال حياتها . تذكرت حديث الطبيب المسؤول عن حالة حازم الذي وصل إلي المشفي بحالة خطرة للغايه و قد أخبرها الطبيب بأن حازم كان مخمورًا و متعاطيًا لنسبه كبيرة من المخدرات و فورًا استغلت هذا لصالحها 

عودة لوقت سابق 

خرجت من المرحاض بعد أن قذفت كل ما في جوفها و قد كان هذا تعبير جسدها عن الحزن الذي اغتاله دون رحمه فتفاجئت بسالم و سليم أشقاء حازم يخرجون من غرفة الطبيب المسؤول عن حالة حازم و قد كانت إمارات الدهشه و الصدمه تغلف وجوههم فأخذ الأخوان ينظران الي بعضهم البعض بعدم تصديق و طال صمتهم الي أن قطعه سليم الذي قال بإستنكار  
" بقي معقول الي سمعناه دا . حازم اخويا كان مدمن !"

ظل سالم علي صمته لثوان قبل أن يعيد سليم الحديث قائلًا بنبرة اعلي و اكثر خشونه 
" ازاي ؟ انا مش قادر اصدق . اكيد الكلام دا في حاجه غلط !"

قطع سالم صمته و قال بلهجه جافه مريرة
" لا صح . و الدليل أننا رايحين ندفنه دلوقتي "
اهتزت نبرته حين اختتم حديثه لتخرج صرخه غاضبه من فم سليم الذي قال بغضب 
" ليه يا حازم كدا ؟ ليه تعمل في نفسك و فينا كدا ؟"

سالم بلهجه متألمه 
" دي آخرة الصحبه السيئه."
التمعت الوحشيه بعينان سليم الذي قال زمجر بغضب 
" لازم اعرف مين ابن الحرام الي وصل اخويا للحاله دي ."

حينها تدخلت هيا قائله بلهجه ثابته لا يشوبها اي تأنيب ضمير فهيا فرصتها الذهبيه للنيل من غريمتها و الأخذ بثأرها
" انا عارفه مين وصله لكدا "
التفتت الرؤوس تناظرها بنظرات متفحصه سرعان ما تحولت لمستفهمه. فتقدمت اليهم بأقدام تكاد تلتف حول بعضها من شدة الضغط و لكنها وصلت بسلام و هيا تناظرهم بعينان ثابته يغزوها خطوط حمراء تحكي عن مدي الأنهار التي ذرفتها و لكن سالم تجاهل هيئتها المبعثرة و ملامحها الشاحبه قائلًا بخشونه
" انتي مين ؟"

اجاب سليم بدلًا عنها 
" دي زميله حازم في الجامعه . انا مش فاكر اسمك بش شفتك معاه قبل كدا "

هزت ساندي رأسها بموافقه قبل أن تقول بصوت متحشرج 
" اسمي ساندي كنت صاحبه حازم و زميلته في الجامعه "
عند ذكرها لاسمه فرت دمعه هاربه من طرف عيناها تخبرهما بأن القصه لم تكن مجرد صداقه أو زماله 
تحدث سالم قائلًا بفظاظه
" هاتي الي عندك !"

جفلت من لهجته الفظه و لكنها حاولت الثبات قدر الإمكان و هيا تجيبه قائله بقوة
" جنة .. جنة هيا السبب في ادمان حازم ."

لم تهتز ملامح سالم بل ظل يناظرها بغموض بينما خرج استفهام غاضب من جانب سليم الذي قال 
" جنه دي الي كانت معاه في الحادثه ؟"
ساندي بتأكيد
" ايوا هيا "

سليم بحنق 
" قولي الي عندك كله مرة واحده ."
كان غضبه مخيف و قتامه عيناه تبعث الرهبه بداخلها و لكنها أبدًا لن تتراجع لذا قالت بثبات 
" حازم اتعرف علي جنة دي من حوالي اربع شهور وقتها رسمت عليه دور البنت البريئه الخجوله لحد ما قدرت تجذب انتباهه و وقعته في حبها و بعدها حازم اتغير من ناحيتنا و مبقناش نشوفه زي الأول . كان بيقضي وقته كله معاها و خلته يقطع علاقته بينا و بالصدفه اكتشفنا انها تعرف وليد الجلاد و دا اكتر واحد بيكره حازم . و لما قولتله مصدقنيش و فكر اني بكرهها و من مدة قريبه بدأ يبان أنه مش عاى طبيعته لحد ما اكتشفت انها جرته لسكه الأدمان ."

أنهت قصتها الوهميه و التي بها احداث يشوبها بعض الصدق و هيا تناظرهم بثبات اهتز قليلًا أمام نظرات سالم الغامضه و لكن أتت زمجرة سليم لتجعل الاطمئنان يغزو قلبها بأن خطتها سارت بشكل صحيح 

انتفضت كل خليه به غاضبه تلعن تلك الشيطانه التي تسببت في هلاك أخاه و هدر بقسوة 
" الحقيرة .. نهايتها هتكون علي أيدي "

انهي جملته و اندفع كالثور لا يري أمامه بينما ناظرها سالم مطولًا قبل أن يقول بنبرة جافه بها تهديد مبطن 
" متأكدة من كلامك دا !"

ابتلعت ريقها بصعوبه قبل أن تقول بنبرة حاولت جعلها ثابته قدر الإمكان 
" و أنا هكذب في حاجه زي كدا ليه ؟ "

احتدت عيناه قبل أن يقول بلهجه فظه متوعدة
" انتي أدري . "
اهتزت نظراتها و كذلك نبرتها حين قالت بإرتباك 
" تقصد ايه ؟"

سالم بلهجة قاسيه تشبه قساوة عيناه حين قال 
" ادعي ربنا يكون كلامك صح عشان لو طلعتي بتكذبي.. !!!"

لم يكمل جملته بل ترك المهمه لعيناه التي اجادة بث الذعر بقلبها الذي انتفض الآن عائدًا بها الي الوقت الحالي و هيا ترتعب من بطش ذلك الرجل الذي أعطت كل الحق لحازم في أن يخاف منه فهو يبعث الرهبه في النفوس و لكن لا يهمها فهيا ستنفذ خطتها و ستأخذ بثأرها مهما كلفها الأمر …

*****************

لم يُخلق الكمال أبدًا علي الأرض فهيا دار فناء خُلقنا بها لنشقي و نمر باختبارات عديدة حتي نستحق الفوز بالجنه و بالرغم من أن قلوبنا لم تشتهي العذاب أبدًا إلا أنه كُتب علي اولئك الذين اتخذوا من العشق مذهبًا فظنوا بأنه طريقهم الي الجنة و قد تناسوا بأن العذاب و العشق وجهان لعمله واحده فما العشق الا عذاب لذيذ يستقر في أعماق القلب الذي يضخه الي سائر أنحاء الجسد فتشعُر بالنشوة التي تمنحك شعور عارمًا بالسعادة كالأدمان تمامًا تعلم أنه هلاكك و لكنك ترفض التعافي منه ..

نورهان العشري ✍️

🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁

صباحًا كان الوضع هادئا خصوصًا من جانب جنة التي اتخذت الصمت منهجًا منذ البارحه و أن حاولت فرح الحديث معها تصطنع النوم حتي تهرب لا تعرف الي أين قد يوصلها ذلك الهروب و لكنه لم تكن تملك خيار آخر فما تواجهه اكبر بكثير من قدرتها علي التحمل.

امتثلت بهدوء الي أوامر الطبيب بضرورة تناولها الطعام و الأدوية بإنتظام حتي يشفي جسدها فودت لو تسأله فهل يوجد دواء للروح المعذبه حتي تشفي ام ستظل جريحه متألمه لبقيه حياتها ! 
كانت فرح تشعر بالإختناق من هذا الصمت المحيط بهما و الذي يتنافي مع كل ذلك الضجيج برأسها فبلحظه انقلبت حياتهما رأسًا علي عقب و لا تعلم ماذا عليها أن تفعل و شقيقتها بقدر ما تشفق عليها فهيا غاضبه منها و بشدة و لكن لا تستطع الحديث فحالتها لا تحتمل شيئًا آخر .

كان الهدوء من أهم الصفات التي تميزها و الآن هيا تمقته تريد الشجار الصياح تريد أن تجلس وسط ضوضاء كبيرة حتي تلتهي و لو قليلًا عن الضوضاء التي تكاد تنخر عقلها
زفرت بقوة قبل أن تلتفت الي شقيقتها قائله بنبرة هادئه نسبيًا 
" انا هروح اجيب حاجه سخنه اشربها من الكافيتريا . اجبلك معايا ؟"

هزت جنة رأسها بالرفض و هيا تقول بنبرة مبحوحه 
" لا شكرًا مش عايزة انا هحاول انام شويه ."

اماءت برأسها و توجهت الي الخارج و هيا تحاول أن تتنفس بشكل منتظم و تهدء من توترها قليلًا حتي تستطيع التفكير برويه .

****************

كان سليم يطالع الجياد بنظرات ضائعه و ملامح باهته كبهوت كل شئ حوله . فرائحه الموت تحيط به في كل مكان و الحزن ينخر أنحاء جسده و لا طاقه له برؤيه أحد و لا الحديث مع أحد و لكنه مجبر علي الوقوف بين الجموع ليأخذ واجب العزاء الذي كان ثقيلًا عليه كثقل شاحنه ضخمه تمر فوق قلبه فللآن عقله لا يستوعب ما حدث و فقدانه أخاه . و لكن مشهد الناس من حوله يذكره بفجيعته الكبري التي يحاول تناسيها بشتي الطرق حتي يستطيع التنفس بسهوله و لو لثوانً .

شعر بيد قويه تسقط فوق كتفه فعرف صاحبها علي الفور فقد كانوا ثلاث اضلع لمثلث العائله التي تعتمد عليهم كليًا و الآن فقد المثلث أحد اضلعه فاختل توازن الضالعين الآخرين و لم يتبقي لهم سوي الاستناد علي بعضهم البعض حتي لا يسقطا و يسقط معهم الجميع .

تحدث سالم بهدوء لا يشعر أبدًا به 
" الهروب عمره ما كان حل يا سليم "

فطن سليم الي ماذا يرمي أخاه فأخذ نفسًا طويلًا قبل أن يقول بنبرة متحشرجه
" مش هروب يا سالم انا بس بحاول افهم . انا واقف وسط الناس مستنيه يطلع من اي مكان ييجي يقف جمبنا زي ما اتعودنا نكون جمب بعض احنا التلاته "

اطبق سالم جفنيه يحارب دموعا تقاتله بضراوه حتي تظهر للعلن فقلبه لم يعد يتحمل ذلك الألم الرهيب الذي يعصف به و لكنه مجبرًا علي التماسك في حين انهيار الجميع من حوله لذا أخذ نفسًا عميقًا قبل أن يقول بتأثر 
" دا قضاء ربنا و قدره و احنا مؤمنين بالله "

سليم بقله حيله
" لا إله إلا الله . انا مش معترض والله بس مش قادر اصدق . عقلي مش مستوعب . "
سالم بفظاظه
" عشان كدا بتغلط يا سليم !"
ازداد عبوس ملامحه و هو يقول بإستفهام
" تقصد ايه ؟"

سالم بتقريع خفي 
" الي حصل في المستشفي غلط و مينفعش يتكرر تاني !"

زفر سليم بحدة قبل أن يقول بعنف مكتوم 
" غلط ! و الي حصل لحازم علي أيدها كان صح !"

سالم بخشونه و قد اسودت عيناه من الغضب 
" مفيش حاجه من الي حصلت كانت صح ! بس مينفعش نعالج غلط بغلط اكبر ."

سليم بحنق 
" يعني اخويا يموت بسببها و اسيب الهانم تعيش حياتها عادي "

سالم بنفاذ صبر 
" ايه عرفك أنها السبب في الي حصله ؟"
سليم باندفاع 
" البنت الي قالت…"

قاطعه سالم بعنف 
" تعرف منين أنها مبتكذبش . معاها دليل ؟ شفت بعينك الي يخليك تصدقها !"

زفر سليم بحدة و لم يجيب ليواصل سالم حديثه الصارم 
" احنا مش ظلمه يا سليم . لازم نتأكد قبل ما نخطي اي خطوة . ارواح البني ادمين مش لعبه في ايدنا"

 ازداد غضبه من حديث أخاه فصورتها المدمرة لازالت عالقه بذهنه منذ البارحه و الظنون تتقاذفه بكل الجهات فتارة يشعر بشفقه خائنه تتسلل الي قلبه تجاهها و تارة يشعر بأنه يود لو يذهب يحطم رأس تلك الحقيرة التي تسببت في فجيعتهم لذا قال بهياج
" و هنتأكد امتا و ازاي ؟ و علي ما نتأكد هنعمل معاها ايه ؟"

سالم بغموض 
" كل شئ بأوانه. و خليك متأكد اني مش هسيب تار حازم و لو بعد مليون سنه . "

أوشك سليم علي الحديث فاوقفه سالم بنظرة محذرة و هو يضيف بصرامه 
" هتبعد عن طريق البنت دي و مش هتتعرضلها ابدًا . و دا قرار غير قابل للنقاش ."

ابتلع سليم غصه صدئه بداخل حلقه و أجبر نفسه علي الإيماءة بالموافقه فلن يدخل في صراع مع شقيقه لأجلها و سينتظر ليتأكد من تورطها و حتي يقمع ذلك الرجاء الاحمق بداخله الذي يطالبه بعدم اذيتها ..

***************

في المشفي تحديدًا أمام الباب الرئيسي شاهدت فرح العديد من الصحافيين يقفون أمامه و كأنهم ينتظرون وصول أحدهم فارتعبت من أن يكون الأمر يخص شقيقتها و قد استرجعت حديث ذلك المتعجرف عن اهتمام الصحافه بشؤونهم فأخذت تدعي الله بداخلها بأن يكون حدثها خاطئًا و الا يكون اولئك الاوغاد يريدون مقابلة شقيقتها حقًا .

وصلت إلي غرفة شقيقتها بالأعلي فوجدت فتاة محجبه ترتدي ملابس فضفاضة تتنافي مع وجهها المزين بشكل متقن و كانت تترجي الحرس حتي يسمحوا لها بالدخول و هم يرفضون بشدة فاقتربت منهم قائله بإستفهام 
" في ايه ؟"

فتحدث اخد الحراس قائلًا بإحترام
" الأنسه مُصرة تقابل جنة هانم "

ارتفع إحدي حاجباها حين سمعت لقب هانم الذي اضافه بعد اسم شقيقتها و قد لمست اهتمام اثار اندهاشها من ذلك المغرور و لكنها تجاهلت شعورها و نظرت إلي الفتاة قائله بشك 
" انتي مين؟ و عايزة تقابلي جنة ليه ؟"

ارتبكت الفتاة لثوان قبل أن تقول بتأثر
" انا روان صاحبة جنة و عرفت بالحادثه الي حصلتلها و جيت جري عشان اطمن عليها و هما مش راضيين يدخلوني "

ناظرتها فرح بتقييم قبل أن تقول بجفاء
" بس جنة محكتليش عنك قبل كدا "
الفتاة بثبات 
" يمكن عشان لسه متعرفين علي بعض من قريب "

هزت فرح رأسها قبل أن تقول بإستفهام 
" وانتي عرفتي الي حصل لجنه ازاي ؟"
اجابتها بهدوء 
" اتصلت علي موبايلها فردت عليا الممرضه و قالتلي الي حصل"

بدا عذر معقول و لكنها لا تعلم لما لم ترتح لتلك الفتاة فقالت لها بتهذيب 
" شكرًا علي سؤالك وانك كلفني نفسك و جيتي لحد هنا بس جنة للأسف نايمه و مش هتقدر تقابلك دلوقتي "

الفتاة بحزن 
" يا خسارة .. كان نفسي اشوفها و اطمن عليها اوي . طب ممكن ابص عليها حتي و هيا نايمه و اخرج علي طول "

احتارت فرح في أمرها كثيرًا و لكنها وافقت علي مضض لتتخلص منها فقالت بملل
" تمام . اتفضلي "

فتحت باب الغرفه و دلفت للداخل تتبعها الفتاة التي ما أن رأت جنه حتي ارتسم حزنًا زائفًا علي ملامحها و هيا تقول بتأثر مصطنع 
" يا حبيبتي يا جنه. دي شكلها متبهدل اوي "

شاهدت دموع الفتاة التي تساقطت علي خديها و لم تجيبها بل ظلت تناظرها و كأنها تخترقها من خلف ستار نظاراتها . طال تأملها و طال صمت الفتاة و التي تنحنت قبل أن تقول بخفوت 
" ممكن لو سمحتي ادخل الحمام اغسل وشي ؟"

ابتسمت فرح ابتسامه بسيطه و قالت بود 
" طبعا . طبعا اتفضلي ."

توجهت الفتاة الي الحمام و الذي كان يقابل سرير جنة فما أن دخلت حتي أخرجت آله تصوير صغيرة نوعًا مخبئه بين ملابسها الفضفاضه و قامت بمواربه باب المرحاض بمساحه كافيه لعدسه آلتها حتي تلتقط صورة جنة النائمه بعمق مبعثرة الهيئه .

ما أن التقطت صورتان حتي فُتِح الباب فجأة علي مصرعيه و ظهرت فرح التي علمت بأن هذه الفتاة تخبئ شيئًا ما و قد ظنت بأنها يمكن أن تكون صحافيه متخفيه و قد صدق ظنها فقامت بجذب آلة التصوير بعنف من بين يدها و هيا تقول بغضب مكتوم 
" كنت انك شاكه انك وراكي حاجه .."

جفلت الفتاة من ما حدث و أخذت توزع نظراتها بين فرح و يدها الممسكه بآلة التصوير الخاصة بها و لكن قطع نظراتها يد فرح التي امتدت تجذبها من يدها بعنف تجرها الي الخارج و الفتاة تتوسل إليها حتي تتركها و تعطيها الكاميرا الخاصه بها و ما أن وصلوا الي الخارج حتي دفعتها فرح بقوة و هيا تصرخ بغضب 
" انتي بني آدمه معندكيش احساس و لا دم وصلت بيكي القذارة انك تلعبي علي مشاعر الناس عشان تكشفي سترهم . "

حاولت الفتاة التقرب من فرح و هيا تقول من بين بكاءها 
" انا والله مقصدتش ارجوكي اديني الكاميرا بتاعتي "

هنا تدخل أحد رجال الحراسه قائلًا لفرح بإحترام 
" عن إذنك يا فرح هانم اتفضلي انتي و احنا هنتعامل معاها ."

تفرقت نظرات فرح بين عينان الفتاة المتوسله و الدمع يتقاذف منها و بين الرجل الذي حتمًا سيخبر سيده و قد يؤذي هذه الحمقاء و هذا ما لا تريده لذا قالت فرح بصرامه 
" انا هحل الموضوع . "

وجهت انظارها الي الفتاة متابعه بتقريع 
" انا هعدي الي حصل دا عشان عواقبه هتكون وخيمه عليكي و في المقابل هاخد الكارت بتاع الكاميرا.. و اياكي اشوف وشك هنا تاني "

اوشكت الفتاة على الحديث فاوقفتها فرح قائله بحدة
" و لا كلمه و الا هديهم الكاميرا و مش هتشوفيها تاني .."

اطرقت الفتاة برأسها في حين أن فرح قامت بإخراج الكارت من آله التصوير و أعطتها إياها مرفقه بها نظرات محتقرة تقبلتها الفتاة بحنق مكتوم و توجهت الي الاسفل 

" فرح هانم !"

التفتت فرح علي نداء أحد الحراس و قد ضايقها هذا اللقب الذي كان يرفقه مع اسمها فقالت بصرامه 
" اسمي انسه فرح بلاش هانم دي لو سمحت ."

اماء الرجل برأسه و أعطاها الهاتف و هو يقول بإحترام 
" الباشا عايزك "

لا تعرف لما شعرت بالتوتر حين أخبرها بأنه يريدها و ازدادت دقات قلبها ربما لأنها كانت متأكدة من أنها ستخوض شجارًا معه كعادتهم أو لسبب آخر ربنا لا تعرفه . لذا حاولت سحب أكبر قدر من الأكسجين بداخلها حتي تستعيد بعضًا من هدوئها الذي تجلي في نبرتها حين أجابت 
" ألوو"

من البدايه و هو متحير في أمر تلك المرأة لديها كبرياء قوي لم يره مسبقًا في إمرأة تحمل همومًا أقوي بكثير من طاقتها. يكاد يُجزِم بأنها تشتهي الإنهيار و حينما تكون علي حافته تتراجع و تعيد هيكلة بنائها لتقف شامخه من جديد . و تلك القناعه التي لم يصدقها في البدايه و لكنه الآن في طريقه للإيمان بعصاميتها التي تدعيها.
أتاه صوتها الهادئ من الهاتف لينفض تلك الأفكار من رأسه و هو يقول بفظاظه
" متتصرفيش تاني من دماغك . أنا مش سايب الرجالي الي عندك دول صورة !"

جفلت من لهجته الفظه و لكنها حاولت استفزازه إذ قالت بتعالي 
" مبتصرفش غير بدماغي . و بالنسبه لرجالتك قولتلك مش محتاجينهم و اظن دلوقتي انت اتأكدت "

تضمت لهجته سخريه مبطنه و لكنها شعرت بها من مغزي كلماته حين قال 
" اتأكدت فعلًا ! لولا الرجاله الي مش عاجبينك دول مكنتش البنت الي صعبت عليكي دي هتمشي غير و هيا واخده الفيلم حتي لو علي جثتك ! "

تعلم بأنه قد يكون محقًا فهيا علي الرغم من عفوها عن تلك الفتاة و لكنها لمست الحنق و البغض في نظراتها و لكنها أبت التراجع إذ قالت بعنفوان
" قولتلك قبل كدا و هقولها تاني انا اقدر ادافع عن نفسي و عن اختي كويس "

سالم بتهكم تجلي في نبرته حين قال 
" و ماله هشوفك هتعملي ايه مع جيش الصحافيين الي واقف تحت !"

اقشعر بدنها للحظه و هيا تتخيل نفسها تقف في مواجهه كل هؤلاء الملاعين أمثال تلك الفتاة معدومه الضمير فحتمًا سيسحقوها تحت أقدامهم في سبيل الوصول إلي مبتغاهم 

تحدث سالم بتقريع خفي و تهكم جلي
" بالظبط زي ما اتخيلتي . عشان كدا اسمعي الكلام من سكات لحد ما نشوف هنتصرف ازاي !"

اغناظت من حديثه و غروره و تعجرفه و لكن لفت انتباهها كلمته الأخيرة في ماذا سيتصرفون ما المشترك بينهم حتي يقول تلك الكلمه و هيا تدرك بأن كلماته البسيطه و التي يمكن أن تعد علي اصابع اليد لا يمكن أن تخرج جزافًا لذا همت بسؤاله عن ما يعنيه و لكنها تفاجأت بذلك المتحذلق يغلق الهاتف في وجهها فاغمضت عيناها و قد تمكن الغضب منها للحد الذي جعلها تود لو تطحن عظام الهاتف بين يديها و لكن صوت ضوضاء قادمه من الاسفل أخرجها من بؤرة الغضب تلك لتتفاجئ بعد ثوان بجيش الصحافيين الذين كانوا ينتظرون بالأسفل و الآن يهرولون تجاهها فلم تشعر بنفسها سوي و هيا تدخل الي غرفة شقيقتها بلمح البصر و تقف مستندة بظهرها علي الباب الذي توقعت أن يتحطم فوق رأسها بأي وقت فاغمضت عيناها بشدة الي أن هدأت تلك الضوضاء في الخارج و قد أيقنت بأن الحراس قد صرفوهم و هنا دونًا عنها حمدت ربها كثيرًا لوجودهم في الخارج .
شعرت بالحرج للحظات و هيا تتخيل وجه ذلك المغرور يناظرها بتشفي قائلًا « اين شجاعتك الواهيه ؟ »

زفرت بحدة و أخذت تلعنه بداخلها هو و عائلته أجمع و لكنها توقفت ما أن رأت سرير شقيقتها فارغًا فتوجهت علي الفور الي المرحاض لتستمع الي صوت المياة الآتي من الداخل فارتاحت قليلًا و لكنها ظلت تقف أمام الباب لا تعلم لما و لكن كان قلبها يُنذِرها بأن شيئًا سيئًا علي وشك الحدوث .
مرت دقائق قليله و مازال صوت المياة بالداخل فحاولت النداء علي شقيقتها و لكنها لم تتلقي إجابه لذا لم تستطع منع نفسها من فتح باب المرحاض لتجحظ عيناها بصدمه و هيا تراها مُلقاه فوق أرضية المرحاض غارقه بدمائها ..

***************

بعد مرور ساعه كانت فرح تقف أمام غرفة العمليات تحتضن كتفيها بذراعيها مستنده علي الحائط وحدها و عبراتها تتقاذف من مقلتيها بصمت عاجزة عن الحراك فمنذ أن رأت مظهر شقيقتها غارقه بدمائها حتي ظلت تصرخ بقوة الي أن آتي الحراس و الأطباء الذي قاموا بنقل « جنه »علي الفور إلي غرفه العمليات لمحاولة إنقاذها . 
بينما هيا ظلت تقف أمام الغرفه تنتظر خروجها سالمه و عقلها يرفض اي روايه آخري قد تخلو منها .

كانت ترتجف لا تعلم بردًا أم خوفًا و لكن هذه اللحظه هيا الأكثر ضعفًا في حياتها . لطالما كانت قويه لا تهاب شئ فمنذ وفاة والدها أصبحت هيا عمود عائلتهم الصغيرة و المتصرفه بكل أمورهم و لكنها الآن تشعر بنفسها عاجزة ضعيفه هشه . ترتجف بصمت و قلبها يتضرع الي الله أن ينقذ شقيقتها فبدونها لن تستطيع العيش لحظه واحده …

كان يأكل الأرض بخطواته و هو يتوجه الي غرفه العمليات للإطمئنان علي تلك الغبيه التي لا تزيد الأمور إلا سوءًا فما أن أخبره رجاله بما حدث حتي هرول الي المشفي لمعرفة ماذا حدث و للحق كان هناك شعورًا بالقلق يتسلل بداخل قلبه علي تلك التي تدعي قوة لا تملكها و لكنه كان يتجاهل هذا الشعور نافيًا عن نفسه اي شبهه إهتمام بها . ليتفاجئ ما أن رأي ذلك الجسد الصغير الذي بدا لطفله في العاشرة من عمرها تقف وحيدة خائفه تحتضن جسدها بيدين مرتعشتين و أقدام للحظه شعرت بأنهم غير قادرة علي حملها فاسندت رأسها علي الحائط خلفها و انزلقت ببطئ حتي افترشت الأرض من تحتها و رأسها ملقي للخلف فقد كان مظهرها المنهار هذا جديدًا كليًا عليه فقد عهدها دائمًا قويه صلبه و برغم معرفته بأن صلابتها ما هيا سوي جدار تخفي به وهنها إلا أن مظهرها ذلك و لسبب غير معلوم قد آلمه .و بعث في نفسه شعور بعدم الراحه فتوقف بمنتصف الرواق و قد انتابه التردد الذي قلما يزوره و لكنه حقًا لم يكن يعلم هل يتقدم لمواساتها و هو دور لا يتقنه أبدًا ام يتراحع و يتركها و لكنه شعر بالرفض لتلك الفكرة بقوة لذا تقدم بخطوات سُلحفيه الي حيث تجلس و كلما كان يقترب أكثر كلما يتوضح مظهرها المزري و الذي لم يعهده أبدًا .

توقف أمامها و قام بإخراج أحدي المحارم الورقيه يمدها إليها و هو يقول بنبرة هادئه رزينه 
" أنسه فرح !"

جفلت عندما شاهدت المنديل الورقي الممدود إليها و علي الفور عرفت لهجته التي و لأول مرة كانت خاليه من اي تهكم و سخريه بل لمحت بها شئ من التعاطف و الذي لقي صداه بعينيها التي حين ارتفعت إليه ارتسم بها الضعف للحظه قبل أن تلقي به جانبًا و تهب من مكانها متجاهله يده الممدودة أمامها و قامت برفع رأسها تناظره بشموخ قائله بلهجه متحشرجه
" ايه الي جابك ؟"

عادت القطه لتهاجم مرة ثانيه و قد راق له ذلك فقد اغضبه و ربما آلمه مظهرها المنهار لذا رؤيتها تحاول التوازن هكذا الراحه قليلا فعادت لهجته لجفاءها السابق حين قال بإختصار
" مش شغلك . "

ارتفع إحدي حاجبيها الجميلين و اتسعت غابتها الخضراء من وقاحه ذلك الرجل فخرج الكلام منها غاضبًا تغلفه السخريه 
" يمكن عشان الي جوا في اوضه العمليات دي اختي !"

تجاهل سخريتها و غضبها المتقد في نظراتها و قال بفظاظه
" ايه الي حصل عشان تعمل في نفسها كدا ؟"

للحظه ظهر الألم الممزوج بالحيرة علي ملامحها و لكنها أتقنت اخفاءه حين أجابت ببساطه
" معرفش ! انا كنت بره و دخلت ملقتهاش و سمعت صوتها في الحمام و لما لتأخرت دخلت اشوفها لقيتها .."

توقفت الكلمات علي أعتاب شفتيها و ابتلعت ألمها الذي يشق قلبها لنصفين بمهارة ليفهم ما ترمي إليه فقال بإستفهام 
" حصل بينك و بينها حاجه ؟"

خرج الطبيب في تلك الأثناء و طمأنها علي حالة جنه التي تم إنقاذها بأعجوبه و أخبرها بأنه سيتم نقلها الي غرفتها بعد نصف ساعه فخرجت منها زفرة ارتياح قويه و حمدت ربها كثيرًا لتأتيها نبرته الصارمه حين قال 
" مجاوبتنيش . حصل حاجه بينك و بينها تخليها تفكر تتتحر ؟"

رفعت رأسها تناظره بغموض قبل أن تقول مستفهمه 
" حاجه زي ايه ؟"
سالم بترقب و عيناه لا تحيد عنها 
" شديتوا مثلا !"

فرح بإختصار 
" لا !"
سالم محاولًا الضغط عليها أكثر 
" امال هيا هتحاول تموت نفسها كدا من الباب للطاق ؟ "

اغضبتها لهجته و طريقته معها و كأنه يستجوبها لذا قالت بعنف مكتوم 
" بصراحه معرفش . "

استمر بإستفزازها قائلًا بهدوء 
" امال مين يعرف ؟ مش مفروض انتي اختها الكبيرة و تعرفي كل حاجه عنها !"

أرادت إيلامه كما آلمها لذا قالت بتهكم
" زي مانتا اخو حازم الكبير بردو و المفروض انك كنت عارف عنه كل حاجه !"

اسودت عيناه و ازداد عبوس ملامحه الخشنه تزامنًا مع أنفاسه الحادة التي كانت تتخلل الصمت الدائم الذي قطعه حديثها المتألم حين قالت 
" انا كنت عارفه كل حاجه عن اختي فعلًا. كانت بالنسبالي زي الكتاب المفتوح لحد ما اخوك دخل حياتنا و قلبها و خلاها لأول مرة تكذب و تخبي. ( تابعت حديثها بلهحه مريرة و نبرة أشبه بالإنهيار ) كل المصايب الي حصلتلنا كانت بسببكوا . لو كنت اتنازلت عن غرورك و سمعت مني مكناش زمانا وصلنا لالي وصلناله دلوقتي ! "

لو كانت النظرات تقتل لكانت خرت صريعه في الحال و لكن و بالرغم من مظهره المظلم كانت لهجته خافته و لكن مخيفه حين قال 
" و ايه الي وصلتيله؟ اختك برغم كل حاجه الا انها صاغ سليم و في حضنك مدفنتيهاش بإيدك تحت التراب مثلًا "

أغمضت عيناها بألم جلي لم تقدر علي إخفاؤه و ودت لو تخبره بأن يكون الإنسان علي قيد الحياة فهذا لا يعني أنه بخير و لكنها ابتلعت غصه مريرة قبل أن تقول بجفاء
" ربنا يرحم حازم و أيًا كان مين غلط فخلاص الي حصل حصل و الموضوع انتهي . و اتمني أن معرفتنا ببعض تنتهي هنا زي ما كل حاجه انتهت ."

ارتفع إحدي حاجبيه من كلماتها التي كانت ستارًا لشئ تخفيه فاخذت نظراته ترتكز علي ملامحها يحاول ثبر اغوارها و لم يفت عليه اهتزاز حدقتيها و التي لم تفلح نظارتها الطبيه في إخفاء تعابيرها بالكامل . و لكنه بنهايه المطاف اماء برأسه دون حديث لتتراجع دون وداع ملتفته للجهه الآخري مطلقه ساقيها للريح لتحملها بعيدًا عنه و لكنها توقفت بمنتصف طريقها علي صوته الحاد و لهجته الخشنه حين قال 
" دايمًا للقدر آراء بتخالف أمنياتنا و توقعاتنا! "

توقفت للحظه تستوعب جملته فشعرت بخطواته القادمه تجاهها و ما أن أصبح بقربها حتي سمعت صوت أنفاسه الحادة فالتفتت لتجد أنه أصبح علي مقربه كبيرة منها حتي شعرت بحراره كبيرة منبعثه من جسده الي جسدها الذي تجمد فجأة عندما سمع لهجته الفظه حين قال
" خليكي فاكرة كلامي دا كويس "

قوست حاجبيها في حركه مستفهمه بادلها هو بابتسامه ساخرة تجلت في نبرته حين قال 
" كملي هروب . خلينا نشوف هتوصلي لحد فين !"

**************

كان يسارع الريح للخروج من هذا المكان فكانت خطواته غاضبه لا تري أمامها تتمني فقط لو بإمكانها أنتشاله من تلك البقعة التي تضم أنفاسها . تلك اللعينه التي البارحه فقط اقسم علي أن يذيقها الويلات و يجعل من حياتها جحيما و لكنه الآن كان سببا في نجاتها و كأن ذنبه السابق لا يكفيه لتأتي مهمه إنقاذها و هيا من تلوثت يداها بدم أخيه . اي قدر هذا الذي جعله حاملا لنفس فصيله دمها الملوثه ! 
لم يستطع تجاوز صدمته حين هاتفه آخاه الأكبر ليأمره بلهحخ لا تقبل الجدال بأن يتوجه الي المشفي للتبرع بالدماء ! و حين سأله اجابه بمنتهي الهدوء بأنها قامت بمحاولة إنتحار و جاري الآن إنقاذها . اي إنقاذ هذا الذي يتحدث عنه فلتحترق في الجحيم تلك التي تسببت بفجيعتهم الكبري . اغضبه كونه لم يستطيع معارضة أخاه الذي كان موقفه محيرًا بالنسبة له و لكنه كالعادة غامضًا و لم يقل سوي جمله واحده زادت من حيرته أكثر 
" هتعرف كل حاجه في وقتها !"
" اللعنه علي هذا الوقت الذي سيظل يتعذب حتي يحين قدومه ."
هكذا أخذ يلعن و هو يدير محرك سيارته التي اندفعت بسرعه جنونيه كجنون صاحبها ..

***************

بعد مرور ثلاث اشهر ..

ترجلت الفتاتان من السيارة لتقف فرح تطلع الي المبنى الشاهق أمامها و هيا تقول بعدم فهم 
" احنا رايحين فين يا جنة ؟'

ناظرتها جنة بعينان جامدة لا حياة بها و ملامح مرهقه لا روح فيها ثم التفت تنظر أمامها و هيا تقول بخفوت 
" هتعرفي جوا "

لم تجادل « فرح » كثيرا بل توجهت خلف شقيقتها التي فاجأتها كثيرا حين دخلت الي أحدي عيادات طب النساء و التي لصدمتها كانت خاليه تماما الا من ممرضه بدأ و كأنها تنتظرهم فما أن وصلوا حتي ادخلتهم الي الطبيبه التي كانت تناظرهم بإرتباك خفي احلي في رجفه يدها حين رفعتها لتسلم علي فرح التي جلست بهدوء تنقل نظرها ما بين الطبيبه و شقيقتها التي أخيرا تحدثت قائله بثبات ظاهري
" انا حامل يا فرح !"

برقت عيناها و قد أوشكت علي الخروج من محجريها حين سمعت جملة شقيقتها و التي تابعت الحديث من بين دموع صامته تجري علي وجنتيها 
" و جايه النهاردة عشان أنزله !"

مر بعض الوقت قبل أن تستطيع « فرح » الحديث و الذي بدأ ثقيلا علي شفتيها فقد كانت تطالع شقيقتها بعدم تصديق فهل تلك الفتاة الجالسه أمامها هيا تلك الطفله البريئه التي ربتها طوال عمرها ؟ هل ما يحدث معهم حقيقه بالفعل ام كابوس مرعب ستستيقظ منه في اي لحظه .

نظرت الي الطبيبه التي فهمت ما تريد فتعللت بإجراءها مكالمه مهمه و خرجت ليأتي صوت « جنة » التي قالت برجاء خفي في صوتها المبحوح
" متسكتيش ارجوكي يا فرح . "

خرج الكلام منها باردا مصاب بخيبه أمل كبيرة ارتسمت علي ملامحها الحزينه 
" عيزاني اقول ايه ؟ انا مش مصدقه أن انتي الي قاعدة قدامي بتقولي الكلام دا ؟ "

« جنة » بإنفعال 
" و لا انا يا فرح قادرة اصدق . بس دا أمر واقع و لازم نتصرف قبل فوات الاوان !"

اتقدت مقلتيها غضبا فهبت من مكانها تقول بقسوة 
" نتصرف ! تعرفي انك حامل و تخبي عني و تحبيني لحد هنا علي ملا وشي و تحطيني قدام أمر واقع و تقوليلي نتصرف ! "
ارتجفت من مظهر شقيقتها الغاضب فقالت بضياع 
" انا عملت كدا عشان عارفه انك عمرك ما هتوافقي . قولت احطك قدام الأمر الواقع و أشيل انا الذنب "

فرح بصراخ 
" اي ذنب بالظبط يا جنه ؟ انتي بقيتي غرقانه في الذنوب من ساسك لراسك . "
جنه من بين انهيارها 
" طب ايه الحل . انا تعبت اوي يا ريتني مت و ارتاحت "
فرح متجاهله تلك النزعة بصدرها قائله بلهجه حادة
" اي حل في الدنيا هيبقي احسن من انك تقتلي روحي ربنا كتبلها الحياة جواكي يا جنة "

جنة بألم 
" يموت دلوقتي احسن ما يموت الف مرة لما ييجي الدنيا دي و يلاقي نفسه من غير أب . عارفه الناس هتبصله ازاي ؟"
كان حديثها مؤلما علي تلك التي كانت ترتجف داخليا و لكنها أبت أن تظهر ذلك فقالت بصوت قاتم 
" انا هسأل محامي و هعرف ايه الإجراءات الي مفروض تتاخد و اكيد الورقه الي معاكي دي هتثبت أن الولد ابن حازم "

ارتجف جسدها حين تذكرت توعد ذلك الرجل سليم الوزان بأن تلاقي الجحيم علي يديه و حسنها هبت من مقعدها تقول بلهفه 
" انتي نسيتي اخواته يا جنه دول ممكن يفكرونا طمعانين فيهم و يبهدلونا دا غير الفضايح.. انا مش قادرة انسي شكل سليم دا و هو بيهددني انا مبنمش من وقتها . مش عايزة اي حاجه تربطني بالناس دي . ارجوكي يا فرح سييني اتخلص من الحمل . دا الحل الوحيد "

عند انهاءها جملتها وجدت الطبيبة تدخل من باب الغرفه و سألتها ان كانت مستعدة فلم تستطع فرح الإجابه ووكان حواسها كلها توقفت عن العمل لتجيب جنة بلهفه 
  " اه مستعدة "
امرتها الطبيبه بلطف أن تذهب للغرفه الآخري حتي تتجهز فاقتربت هيا من شقيقتها تمسك بيدها قائله بتوسل
" ارجوكي سامحيني يا فرح . مقداميش حل غير دا .."
لم تجيب فرح بل تقاذف الدمع من مقلتيها مصتدما بنظارتها الطبيه يحجب عنها الرؤيه فشددت جنه من قبضتها فوق كفوفها و قالت برجاء 
" هستناكي جوا . عيزاكي تكوني جمبي "

خرجت جنه تاركه فرح في موجه من الإنهيار و التي قطعها فجأة هاتف قال بإصرار في أذنها أن من قتل نفسا بغير حق فكانما قتل الناس جميعًا . عند هذا الحد توقفت فجأة تمسح عيناها و هيا تقول بتصميم 
" لازم امنع الجريمه دي فورًا "
و تقدمت نحو الباب بلهفه تفتحه لتتجمد الدماء بعروقها حين وجدت ذلك الجسد الضخم يسد عنها الطريق و تلك العينان التي كانت سوداء قاتمه توحي بان صاحبها علي وشك ارتكاب جريمه قتل فخرجت الحروف من فمها مهتزة 
" سالم !"

كانت نظراته محتقرة و لهجته ساخرة تعج بالقسوة و العنف 
" مش قولتلك أن القدر دايمًا له رأي تاني عكس ما بنتمني " 

يتبع …….
#نورهان_ال_عشرى


الفصل الرابع من هنا 




بدل ماتدور وتبحث علي الروايات خليها علي تليفونك وحمل تطبيقنا

تحميل تطبيق سكيرهوم
تعليقات



close
حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-