رواية حسن العطار وبثينه الفصل العاشر 10 بقلم كاتب مجهول

 

رواية حسن العطار وبثينه الفصل العاشر بقلم كاتب مجهول

رواية #حسن_العطار_وبثينة الجزء العاشر 

أسلحة السّلطان العجيبة ....

الحلقة ١٠

بعد يومين إشترى الشّيخ دكّانا جديدا ،وجهّزه بما يلزم لصناعة العقاقير والأدوية .إبتهج حسن للمعمل الذي يشبه الذي رآه في البيمارستان ، لقد تعلّم من الطبيب كثيرا من المعارفّ وأصبح بإمكانه صنع كلّ ما يحتاج إليه النّاس بمفرده ، قال في نفسه سأقوم بتجاربي ، بإمكاني تحسين الوصفات التي تعلمتها، ووضع أخرى جديدة ،سأل حسن الشّيخ نصر الدين هل يمكنني أن أبدأ الآن ،أجابه العطار توكّل على الله ،سأتركك الآن لتدبّر أمر تجارتك ،تعال إذا إحتجت شيئا فدكّاني فقط على بعد بضعة أمتار منك .أما الآن سأذهب لرؤية ماذا فعل معصوم بما سلمته من عطور ،وهل يمكن الثقة به فهذا الرجل شديد الجشع .
عندما وصل إلى القصر ،رأى مجموعة من الرّجال متجمّعين أمام الباب، أتاه المملوك وهو يحمل صرّة كبيرة من الدراهم، وقال له هذه ثلاثة آلاف درهم ثمن بضاعتك ،لقد بعت القارورة بمائة وخمسين درهما، أعطيتك مائة درهم لكلّ قارورة ،و أخذت خمسين، هل ترضيك هذه القسمة ؟ كان هذا الثّمن فوق ما يحلم به العطّار ،و أجابه : هذه قسمة عادلة، وهي تناسبني جدّا ، وهاك أربعة صناديق أخرى في كل واحدة عشرة قوارير من العطر. لكن أخبرني مذا يفعل هؤلاء الرجال أمام القصر إن لم اكن مخطئا فهم من الصناع : نجّارون وحدّادون !! 
أجاب معصوم :هذا صحيح لقد جمع السّلطان صنّاع الأسلحة في العراق و الشام ،ونحن ننتظر حضور إبراهيم الحداد ،لكننا لا نجده ،فلقد إختفى ولم نعثر عليه لا في داره ولا في دكّانه ، لا بدّ أنه قد رحل من هنا .سأدخلهم الآن ليمثلوا في حضرة السلطان ، ويقدّموا له أفكارهم في صنع أسلحة قوية تضاهي ما عند ملكة الجن ،وقد وعد من يقدم له شيئا يعجبه بالعطاء و النّوال ،و بتعيينه رئيس الصّناع في القصر، عليهم أن يجدوا شيئا لتقوى عزيمة الجند ، لقد جمع السطان مائة ألف من المحاربين وو مازالت قبائل البدو تتدفق علينا بعد عشرة أيام يجب أن يكون كل شيئ جاهز لملاقاة ملكة الجان إنّها تتبع في تقدمها نهر دجلة وبلغت مدينة العمارة ،وسننصب لها كمينا قرب مستنقعات الكوت ونقضي عليها .





ذهب العطار إلى دكّانه الجديد ،وقال لحسن: لقد كنت في القصر، ووجدت صنّاع الأسلحة في العراق والشّام ينتظرون على باب السّلطان، ولكن أباك لم يكن بينهم ، ولقد إختفى . أجاب الغلام : لا شكّ أنّ إمرأته رقيّة هي وراء ذلك ، لقد كنت أنا وأختي واثقين أنها تدبّر أمرا ما ، ولهذا كانت تضربنا وتحبسنا في قبو مظلم .لكن ما سبب دعوة السلطان لكلّ هؤلاء الصّناع ؟أجاب الشّيخ نصر الدين: لا شكّ أنّك سمعت حكاية تلك الجارية ملكة الجنّ ،وهو يريد أسلحة لإيقافها ، فقد كثرت الإشاعات حولها ،وإنتشر الخوف بين الجنود لقوّة جيشها ، ولقد وعد بكثير من المال، ومنصب في القصر لمن يصنع شيئا يروق له .قال حسن :ساصنع الأسلحة التي رايتها في كتاب الرّوم ، ردّ الشّيخ نصر الدين: ذلك يحتاج لوقت طويل ،و معارف متنوعة في النّجارة ،والحدادة، و الكيمياء . 
قال حسن : سأرسم ما رأيته، وأضع عليها المقاييس و الأحجام، وأصنع منها شكلا مصغّرا ليرى السّلطان كيف تعمل . لكن لا بدّ من القيام بتجربة النّار اليونانية في المعمل اليوم، لن أرجع معك للدّار، سأسهر لأبدأ العمل. قال الشيخ لا يمكنني أن أتركك وحدك ،سأساعدك ،لكن عليّ أوّلا أن أعود إلى دارى ،وأحظر طعاما ،وأخبر إمرأتي لكي لا تقلق علينا ،إبدأ بالرّسوم ،وسأصنع أنا الباقي ،فأنا ليست عطارا فقط بل أيضا فنان، وسأحمل معي أدواتي وخشبا ،الليل سيكون طويلا اليوم .
إشتغل الشّيخ نصر الدّين، وحسن طوال الليل، و في الصباح كانت الرّسوم جاهزة ،وهناك ثلاثة أشكال مصغّرة : واحدة لعربة تجرها الخيول، وفي جانبيها شفرات فولاذية مقوّسة تقطع أي شيئ تمرّ به ،و نرى فيها كلّ التّفاصيل حتّى النّقوش التي عليها، و العجلات التي أصبحت أكثر قوّة . أمّا الثّاني فهو لقاذف إسمه العقرب، يرمي حرابا قصيرة لمسافات بعيدة ويمكن إشعالها ،والثّالث أنبوبة إسطوانية على عجلتين مرتبطة بخزّان ترمي نارا تشتعل حتى على الماء ،يسمّيها القدماء النّار اليونانية ،وهي شديدة الفتك
قال حسن: سنصنع الآن مكوّنات هذه النّار ،وضع وزنة من الكبريت ،والملح الصخري ،والرماد ،و الصوان وحجر النار في وعاء،و سحقهم ،ثم أضاف عليهم القار و الجير ثمّ خلطهم ،وتحصل على مزيج غامق اللون نفّاذ الرائحة ،أخذ قطرة منها وأشعلها، فابعثت منها حرارة شديدة ،صبّ عليها الماء لكن لم تنطفي ،صاح العطار مدهش !!! لقد نجحنا يا حسن ،سنصبح من الأعيان ،هيا بسرعة إلى القصر ،وبعد ذلك سنذهب للنوم والراحة ،لن نفتح الدكاكين اليوم ،فلقد سدّدت كل ديوني ،و بقي ما يكفي وزيادة من المال بفضل ذلك العبد معصوم .
لمّا وصلا وقفا ينتظران دورهما للدخول ،وسمعا الصّناع يقولون أنّ السّلطان لم يعجبه شيئ، وهو ثائر لأنّ التأخير ليس في مصلحته ،وفي النهاية سيتحرّك جيشه دون سلاح قويّ يعتمد عليه في معركته الحاسمة بعد قليل أطلّ عليهما الحاجب وطلب منهما المثول أمام سيّدهم ،تكلم حسن وأراه الأشكال الصّغيرة التي صنعها ، إعتدل السلطان في جلسته وظهر عليه السّرور ،وكان قائد الجند حاضرا ،وقال : هذه من أسلحة الرّوم،و بها حقّقوا أمجادهم، وقد ضاعت أسرارها ، قل لي أين وجدتها ؟ 
أجاب حسن: ليس مهمّا ، إذا أراد مولاي أن ينتصر عليه أن يأمر بصناعنتها الآن ،ودون تأخير ،أجاب السلطان والله لقد أحسن الغلام الكلام ،إلتفت للقائد وقال له: لك فقط سبعة أيام لتصنع كل ذلك ،ردّ القائد هذا مستحيل ،كيف نصنع شيئا لم نعرفه من قبل في هذا الوقت القصير ؟ قال حسن إذا شاء مولاي أصنعها له في الوقت الذي أراده ،سأله السّلطان ،قل لي عن إسمك أجاب: أنا حسن إبن المعلم إبراهيم الدّمشقي ،دهش السّلطان ،وقال: أعرف أباك ،لكن إختفى منذ أيام وكنت أعوّل عليه، لكن القدر ساقك اليوم لتنقذ المملكة ،سأجعلك رئيس الصّناع في القصر ،وسأعطيك مائة ألف دينار ذهبى ،وضيعة على مشارف المدينة إن أنت حقّقت وعدك !!! قال حسن : سأفعل ذلك إن شاء الله حتّى ولو ضللت دون نوم ولا طعام ،لا همّ لي إلا مرضاة مولاي ...
...

إبراهيم الحدّاد يصل لمعسكر بثينة ....

كان إبراهيم الحدّاد يجلس في زاوية ،وأحسّ بالألم في يديه وساقيه، فلقد أوثقوه بشكل محكم كي لا يتحرك، طلب أن يشرب لكن أحد الرجلين قال: تتبقى دون ماء وطعام حتى تتكلم .لكن رقيّة ردّت: نحتاجه حيا ، فلن ينفع أحدا موته . قامت وقرّبت القلة من شفتيه، فشرب ،و شكرها . ثم قالت : لا بدّ أن تصل هذه الأوراق بسرعة إلى الوالي محمد الأهوازي !!! أجابها أحد الرّجلين : سأسرج جوادي، وأنطلق حالا حتّى سامراء ،ورجالنا سيواصلون الطريق حتى الأهواز، إذا أسرعنا سنصل في ثمانية أيام ،قالت رقية :هيّا ليس لنا وقت نضيّعه !!!
ونحن سننتظر حتى نعرف أخبار جيش السّلطان، فلنا جارية في القصر تنقل لنا كل ما يجري فيه ، أمّا إبراهيم فسنسجنه في غرفة ،وعندما نرحل سنأخذه معنا ، سألها الرجل: وماذا سيفيدنا ؟ لقد أرسلنا الأوراق، قالت رقيّة : له كثير من المعارف في العلوم القديمة ، ثمّ لا تنس أنّه ينقصا بعض التفاصيل ، إذا لم نوفّق في صناعة أسلحتنا على الوجه الأكمل، سيكون هناك لمساعدتنا .لم يكن الرّجل مقتنعا ،وقال في نفسه :إنّها تحبّه ،ونظراتها إليه تفضحها ،عندما نخرج إلى الأهواز سأقتلها ثم أقتل الحداد ، إنّي لا اثق فيهما .
مرّت الأيام ،ولم تسمع رقيّة أخبارا مهمّة ،ذات يوم وصلها نبأ استيلاء ملكة الجن على حصن الظلام ،وزحفها على جنوب العراق . إستغربت كثيرا لأمر هذه الجارية ،فهي لا تعرفها ،وكثيرا ما تساءلت إن كانت حيلة من الأهوازي لجمع كلمة قومه حولها ،و نسب لها الخوارق والقوى الغيبية ليقوّى عزمهم ،و يثير همّتهم .
وبعد طول إنتظار أرسلت جاريتها في القصر رسالة مع أحد العبيد تعلمها أنّ السلطان يستعد للخروج في جمع عظيم خلال بضعة أيام ، وهدفه مستنقعات الكوت ،ولقد أمر بصنع آلات حرب وجدوها في كتاب قديم .أحرقت رقيّة الرسالة ،وقالت للرّجل :علينا أن نرحل الآن ،ونبلغ الكوت قبل جيش السلطان ،مهما كلف الأمر .ذلك اللئيم ينوي نصب كمين لقومنا ،وأعرف تك المنطقة وهي مليئة بالقصب الكثيف ،يمكنك الإختباء هناك ،والشيطان نفسه لا يجدك .بعد ساعة كانت ثلاثة خيول تسير في طريق الأهواز ، كان الرّجل يسير في المقدمة ،ويمسك بحبل حصان عليه إبراهيم أما رقية فكانت تسير في مؤخّرة الرّكب .
في هذه الأثناء كانت بثينة قد وصلت مدينة العمارة على نهر دجلة ، وفتح أهلها أبواب المدينة ، بعد أن علموا أنها لا تريد سوءا بالناس ، وأن مشكلتها مع السلطان ، كان أهل جنوب العراق من الشّيعة وكانوا يحقدون عليه لسجنه لعدد من أئمتهم ،وأبدوا استعدادهم لمساعدة أهل الاهواز الذين كان معظمهم من الشّيعة ،وعظم أمر بثينة ،وأحبّها الناس ،كانت تمشي في الأسواق وتطعم الفقراء ،وتكسي الأيتام ،وتظهر التسامح مع كل الناس و الملل .





كانت الأخبار السّيئة تتوالى على السلطان ،فبعد انضمام قسم من شيعة الجنوب إلى الغزاة ،بلغه أنّ أهل أصفهان ثاروا عليه، وأطردوا عامله عليهم ،وأنّ التمرد إمتدّ إلى شيراز وخراسان ومناطق أخرى ،لكنّه لم ينزعج ،فبفضل أسلحة حسن سيبيد بضربة واحدة أهل الأهواز ومن معهم من الشيعة ،وإذا سمع المتمرّدون ذلك سيسرعون إلى الطاعة، وطلب العفو منه . وقال في نفسه : والله لن أرحم أحدا ممّن ثار على سلطتي، وسيجري الدم في بلدانهم أنهارا .
وصل ركب رقية ومن معها إلى الكوت ، لكن لم يجد أحدا ،وواصل طريقه جنوبا متّبعا نهر دجلة، ولمّا أصبحوا على مسافة يومين من مدينة العمارة ،قال الرّجل سأقتل رقيّة ثم زوجها ،وأخلص منهما ،فهذا الرّجل مقرّب من سلطان بغداد، ولا آمن من أن يدبّر أمرا مع تلك اللئيمة . 
سلّ سيفه ،وحاول ضرب رقيّة ،لكنها تجنّبت الضّربة، وأخذت من جوادها سيفا، وتجالدت مع رفيقها . وكان إبراهيم ينظر إليها ويتعجّب من بأسها ،لكن الرّجل تمكّن منها و طرحها أرضا ،وعندما همّ بطعنها صاح إبراهيم صيحة عظيمة ، فقال له الرجل : لا تستعجل، سيأتي دورك أيها الوغد ،وسأترككما طعاما للعقبان . في هذه اللحظة ظهر مجموعة من الفرسان، وقالوا للرجل : توقّف ،وقد ظنوا أنه قاطع طريق ،لكنه رفع سيفه ،وهنا صوّبوا أقواسهم، وأطلقوا عليه سهامهم، فأصابه إثنين منها ،فاتقطت رقيّة سيفها ،وأطاحت برأسه .
وأسرعت إلى إبرهيم وفكّت وثاقه ،وحضنته تردّد الحداد قليلا ثمّ حضنها أيضا ،نظرت رقيّة إلى الفرسان وعرفت من هيئتهم أنّهم من طليعة جيش الأهواز تستكشف الطريق ،قالت لهم: أنا من أعوان محمد الأهوازي ،خذوني إلى سيدكم ،فالأمر لا يحتمل التأخير...
...


تعليقات