رواية في قبضة الاقدار الجزء الثاني 2 الفصل العشرون 20بقلم نورهان ال عشري


رواية في قبضة الاقدار الجزء الثاني 2 الفصل العشرون 20 بقلم نورهان ال عشري 






 بسم الله الرحمن الرحيم 

🍓العشرون بين غياهب الأقدار ❤️‍🩹 🍓

يد واحدة لا تصلُح للتصفيق . كذلك العلاقات مدى نجاحها يتوقف على مدى إصرار كِلا الطرفين على فلاحها. فإن لم يكن كِلاهُما في مُنافسة قوية لإنجاح هذه العلاقة فالفشل هو مصيرها الحتمي. ومما لا شك فيه أن لا شئ في هذه الحياة يحدُث عبثًا. فتلك العقبات والعراقيل ما هي إلا اختبارات لقياس مدى قوة العلاقات وهشاشتها. فإما أن تجد نفسك في المكان المناسب مع الشخص المناسب الذي حتى في أحلك الأوقات باستطاعته تجاهل كل الحزن والكمد لأجلك. 
و حين تأتيه هاربًا من أذى الدنيا يكُن هو ملجأك الآمن و ركنك الدافئ الذي يعرف كيف يحتوي جزع قلبك و يسكُب الطمأنينة بين أوردته. أو تجد نفسك غريبًا وحيدًا في مواجهة ازماتك وخذلانك حين أيقنت بأن ذلك الشخص الذي اخترته يكن سندًا في أيامك العجاف كان هشًا متخاذلًا للحد الذي لا يليق بقلبك و لا يكفى لتكوين علاقة سليمة..
ولإن مرارة ذلك الشعور قاسية و تخطيها ليس بالأمر الهين فأحسنوا اختيار من يسكن القلب…

نورهان العشري ✍️

🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁

انت فعلًا طلبت من فرح تمشي و تسيب البيت ؟"

هذا كان استفهام «أمينة» الغاضب حين اقتحمت الغرفة دون أن استئذان ولكنه لم ينتبه سوي لحديثها الذي جعل جميع خلاياه تتحفز و قال بنبرة مستنكرة 
" تمشي و تسيب البيت ؟ مين قالك كدا ؟"

" محدش قالي. دخلت الاوضه لقيتها منهارة و بتلم هدومها و ماشيه. أما سألتها قالت انك قولتلها كدا.."

وثب قائمًا من مكانه و قد غلف الغضب عينيه و لون تقاسيمه و صدح صوته في أرجاء الغرفة وهو يقول بحدة
" ايه التهريج دا ؟؟"

ما أن خطى خطوتين باتجاه باب الغرفة حتى تسمر بمكانه إثر سماعه صوت صراخها الذي اخترق اعماق قلبه الذي كان يسبق خطواته المتلهفة التي حملته إليها بسرعة البرق فقام بدفع باب الغرفة ليتفاجئ بها تقف أمامه بجسد مرتجف و عينين تمطران ألمًا فهرول إليها يحتضن كتفيها بيديه و بصوت يحمل اللهفة والقلق معًا خاطبها 
" انتِ كويسه ؟ حصل ايه؟ "

تشابهت رجفة جسدها مع شفتيها حين قالت 
" عمو وفيق مات !"
تحدث بنبرة يشوبها التعاطف 
" لا حول ولا قوه الا بالله العلي العظيم. البقاء لله يا فرح .."

تسابقت عبراتها في الانهمار على وجنتيها و قامت 
ب إخفاض رأسها ف شعر بقلبه ينشق إلى نصفين حين رأي الوجع يهزمها بهذا الشكل فتجاهل كل شئ و نحى خلافهم جانبًا جاذبًا إياها لتستقر بين أحضانه ملجأها الذي ما أن لامست دفئه حتى انخرطت في نوبة بكاء عنيفة استقبلها صدره بكل رحابه حتي أنه صار يهدهدها كطفل صغير الي أن هدأت عواصف الألم بقلبها وافرغت سحبها كل ما تحمله من أوجاع فقام برفع رأسها وهو ينظر إلي عينيها التي لونت خضرتها بدماء الحزن الذي كان اضعافه بقلبه فقام باحتواء وجهها بين يديه وهو يقول بنبرة رقيقة 
" وحدي الله يا فرح.. محدش فينا له في نفسه حاجه.."

لم تكن كلمات عاشقه بقدر ما كانت حانيه لامست أوتار قلبها الذي استعاد ذكرياته المريرة من آلام الفقد و اللوعه التي تجلت ب نبرتها حين قالت 
" ونعم بالله.."

احتوت يديه خصرها وهو يقول بحزم 
" تعالي.."
تركت له نفسها فهو خير من يؤتمن عليها فدلف بها الى الحمام و قام بفتح الصنبور و مد يديه و أخذ يبلل وجهها بأنامل حانيه كانت تخشى عليها من نسمه الهواء.

فقد كان يصب الحنان علي قلبها صبًا بالرغم من أنه لم يتحدث ولكن أفعاله كان لها وقع البلسم علي وجعها الذي لا يسكنه سوى وجوده 
" غيري هدومك . و جهزي شنطتك عشان نلحق نحضر الدفنة . "

برقت عينيها حين سمعت كلماته التي لا تقبل الجدال فخرج سؤالها مندفعًا من بين شفتيها 
" انت هتروح تعزي؟"

انكمشت ملامحه تعبيرًا عن استنكار لم يتخطي حدود شفتيه بل إنه تخطاه حين قال بخشونة
" يلا اجهزي مقدمناش وقت كتير. و أنا هخلي الجماعة يجهزوا على ما احجز تذاكر الطيران.." 

كان هذا آخر ما تفوه به قبل أن ينخرط في دوامة انشغالاته لكي ينهي الأعمال المتراكمة عليه قبل أن يذهبوا إلى هناك .. فلم تره سوى بعد مرور ساعتين حين كانت تستقل الطائرة برفقة «أمينة »و «مروان» و «سليم» و «جنة» التي كانت حزينة من أجل ذلك الرجل الذي لا زالت تتذكر ملامحه منذ أن رأته وهي تغادر مع أسرتها و التي لا تشبه تلك الصورة المؤلمه التي رأته بها آخر مرة حين ذهبت إلى مزرعته للعيش بها … 
شعرت بيد قوية تطوق كفها برفق فألتفتت لتجد 《سليم》 الذي خاطبها بلهجة خافته 
" بتراهني عالحصان الخسران علي فكرة .."

كانت تعلم المغزى خلف كلماته ولكنها آثرت المراوغة 
ف قالت مدعية عدم الفهم 
" تقصد ايه؟"

كان يرى داخلها بوضوح و لكنه قرر مجاراتها حين قال بخشونة
" الحصان اللي كنتِ عايزة تخرجي بيه الصبح ضعيف . مش قد كدا .. لو كنتِ قولتيلي كنت جبتلك حصان احسن . علي الأقل ابقي ضامن أنه ميوقعكيش.."

كان لحديثه معان مبطنه تختلف كليًا مع ظاهره ولكن لعبته اعجبتها و قررت أن تذهب معه حتي النهايه إذ قالت بخفوت 
" اصل انت مكنتش فاضي . و محبتش اشغلك بحاجات تافهه.."
" اشغليني بعد كدا.."

قالها آمرًا فحاولت قمع إبتسامة أضاءت عينيها في تلك اللحظة فالتفتت تناظره بخجل تجلي في نبرتها حين قالت 
" افرض كان عندك شغل أو…"
" هفضي نفسك حتى لو ورايا ايه. مش هيكون اهم منك.."

كان تصريحًا تاقت إلى سماعه بالرغم من يقينها من أنه لن يتأخر و لو ثانيه لتلبية ندائها ولكنها كانت تشتاق لسماع ذلك دون أن تخبره ذلك صراحةً. 
فلونت حمرة جميلة خديها الذي أشتهي تقبيلهم في تلك اللحظة ولكن ليس أمام الجميع هكذا ولهذا أراد مشاكستها قليلًا حين قال بنبرة خافته بجانب اذنيها
" و على فكرة بقبل الهدايا و بموت في الرشاوي.."

التفتت تناظره بصدمه تجلت علي محياها بوضوح مما جعله يتراجع إلي الخلف يستند برأسه وهو يحاول قمع ضحكته بصعوبه حين اتاه صوتها المصدوم وهي تقول 
" يعني ايه دا ؟ "

ضيق عينيه وهو يقول بنبرة متهكمة بينما عينيه ترسلان نظرات عابثه 
" يعني مثلًا انا بحب كيك البرتقال اوى. وياسلام لو كان من ايديكِ الحلوة دي. يبقي كيك بالبرتقال والعسل . و تستغليني بقي . يعني معلومه كده . معلومة كدا. هقر علي طول.." 

أدارت وجهها إلى الجهة الأخرى غير قادرة على النظر إلى وجهه فهي تعلم ماذا يقصد و علي الرغم من ذلك فقد كانت لكلماته مفعول السحر على قلبها الذي أخذ يدق بعنف جعل الدماء تتدفق بقوة في سائر جسدها الذي شعر هو برجفته فقام بالتشديد من قبضته الممسكة بكفها وهو يقول بجانب أذنيها 
" عدي الجمايل بقى.."

انكمشت ملامحها بحيرة تجلت في نبرتها حين قالت
" تقصد ايه ؟"

كانت عينيه تحمل العبث بينما أجابها بنبرة هادئة 
" احنا طايرين بقالنا ربع ساعه.. "

شهقة كادت أن تفلت من بين شفتيها حين وصل إلي عقلها المغزى وراء حديثه فهذا الماكر أخذ يتلاعب بالكلمات حتى يشغلها عن إقلاع الطائرة الذي تخشاه . فتعاظم الحنق بداخلها من مكره فهي تعلم بأنه كان مستمتعًا ب ارباكها لذا قالت بجفاء
" ياريت تنام احسن.. "

أطلق تنهيدة قوية من أعماقه وهو يقول بتحسر 
" هو طول مانتِ ورايا هشوف النوم …"

***************

بأقدام مرتعشة دلفت إلى الغرفة التي كانت مُعبأة برائحة الموت حتى أن جُدرانها كانت باهتة تشبه بهوت معالمها التي لونها الذعر فهي بحياتها لم تر شخص فارق الحياة أبدًا و كم كانت تخشى رؤية الجثث حتى في العروض السينمائية كانت تُدير رأسها و لكن كما يقولون الحب يفعل المستحيل . فهي لم تستطيع البقاء في الغرفة و تركه في هذه اللحظات العصيبة. و بأمر من قلبها الذي كان له سلطه قويه علي سائر جسدها خطت الي الداخل وحين رأته يجلس منكث الرأس منحني الجزع تبدد كل شعور لديها و حل محله الألم علي رؤيته هكذا و انتحب قلبها تزامنًا مع صوت بكائه المكتوم الذي شعرت به فامتدت يدها تلامس كتفه برقة تجلت في نبرتها حين قالت 
" ياسين .. شد حيلك .. "

خيط من السكينة بدأ بالتسرب إلى قلبه رويدًا رويدًا حين سمع صوتها فقام بإرجاع رأسه للخلف فإذا به يتفاجئ بها سندًا لوجعه الذي احتضنته ذراعيها و طوقته بكل ما أوتيت من حب تجلي في نبرتها حين قالت
" انا عارفه انك ب تتعذب . الفراق صعب .. صعب اوي. بس افتكر انه دلوقتي مرتاح . مفيش ألم ولا وجع. "

كلماتها هونت من وجعه قليلًا فهي محقه فقد كان يتألم بحق و لا يوجد سبيل للراحة و كانت رؤيته هكذا تؤلم جميع من حوله الآن هو هادئ و ملامحه ساكنه لأول مرة منذ زمن طويل يرى هذا السلام باد على محياه و هذا ما جعل وجعه يسكن قليلًا ولكن ألم الفراق قاتل ينخر العظام و يذيبها و خاصةً حين يأتيك بغتة دون أن تكن مستعدًا له 
خرج صوته متحشرجًا حين قال

" كان نفسي أودعه… آخر مرة شفته كان امبارح الصبح .. قعد يبصلي كتير . كأنه كان بيودعني بس انا مفهمتش.. لو اعرف مكنتش سبته"

انخرط قلبها وجعًا على حديثه الذي ذكرها بمصابهم حتي و إن كان شقيقها سيئًا ولكنها كانت تحبه و افتقدت وجوده كثيرًا . ولكنها لم تفصح عما يدور بداخلها بل قامت بتمرير يدها علي ذراعيه بحركات دائريه صعودًا على كتفيه في محاولة لتهدئه عضلاته المتشنجة وهي تقول بصوتًا عذب 
" محدش يعرف الغيب غير ربنا .. وانت كنت دايمًا جنبه مسبتوش أبدًا. و دا عمره . ادعيله بالرحمة.."

خرجت الكلمات مُعذبة من فمه حين قال 
" ربنا يرحمك يا بابا…"

تزاحمت الذكريات بقلبها فخرجت علي هيئة أنهار جرت علي خديها فقامت بالانحناء و احتضان رأسه بذراعيها وهي تقول بهمس بجانب أذنه 
" عندي فكرة حلوة. ايه رأيك اجيب المصحف و نقعد نقرأ قرآن جنبه لحد ما ييجي معاد الغُسل.." 

كانت قريبه منه لا بجسدها فقط بل بقلبها .. حتي أنه شعر بروحه تعانق روحها في تلك اللحظة فقامت يديه باحتضان يديها و التشديد عليها تعبيرًا عن امتنانه ثم قال بنبرة معذبة 
" هاتي المصحف بتاعه . هتلاقيه في الرف التاني من الدولاب .."

علي مضض تركته يديها فشعر بالجليد يحيط به و كأنه انسحابها عنه سلب دفء جسده فصارت عينيه معلقه بها الي أن جلبت المصحف و جاءت بشال والدته المُلقى علي أحد المقاعد و قامت بلفه على خصلات شعرها المسترسله علي ظهرها و التفتت لتجلس بجواره و ما هي إلا لحظات حتى خرج صوتها العذب وهي تقرأ آيات الذكر الحكيم الذي كان له مفعول السحر علي قلبه الذي استكان و هدأ لدقائق حين أتمت سورة البقرة من بعدها ناولته الكتاب العزيز ليقول بتلاوة ما تيسر من آيات الذكر الحكيم ….

*************"

" يا بابا بقولك اتكلمت معاها وهي رافضه خالص حتي النقاش.."
هكذا صدح صوت 《شيرين》 في الهاتف فأجابها 《ناجي》 بسخرية 
" دا المتوقع منها عشان متعرفش حاجه . لكن أنا هثبتلها ان كلامي صح .."

زفرت بقوة قبل أن تقول بتحذير
" بابا لآخر مرة هسألك . كلامك عن طنط أمينة حقيقي ؟ يعني انا بصراحه مش مصدقه . حاسه ان في حاجه غلط . و لو فعلا احساسي صح ف أتأكد اني مش هساعدك في المخطط الحقير دا ..'

صرخ 《ناجي》 بغضب 
" حتى أنتِ يا شيرين مش مصدقاني ! مش مصدقه ابوكي؟"

تراجعت 《شيرين》 وقالت بخفوت 
" يا بابا كلامك مش معقول بصراحه . ازاي طنط أمينة كانت بتحبك. و هي من وهي صغيرة كانت مخطوبة لخالي زي ما قالولنا .."

《ناجي》 بغضب 
" أمينة كانت بتحبني أنا ولما لقت أن منصور نصيبه اكتر مني عشان ابوه معندوش غير ولدين و بنت و كدا نصيبه هيكون كبير من التركة. سابتني و راحت اتجوزته. و بعدها انا حبيت امك و اتجوزتها وأمينة كانت هتموت لما شافتنا سعدا و مبسوطين مع بعض . وهي اللي خططت ودبرت لكل إللي حصل عشان تطلعني خاين و تبعدني عن امك. امك اللي طول عمرها ماشيه وراها مغمضه ."

تعاظم الغضب بداخلها بعد أن نجح الشيطان في إشعال نيران الفتنة بقلبها فقالت بانفعال 
" ببقي ماما لازم تعرف كل دا . و لو معاك الأدلة زي ما بتقول يبقي توريهالها."

«ناجي» بحنق 
" اوريلها ايه وهي رافضه تسمع حتي اسمي !'
《شيرين》 بتفكير 
" سيب الموضوع دا عليا أنا لازم استغل فرصه أن محدش هنا و اخليك تشوفها.."

" حلو اهو أنتِ كدا بنت ابوكي بصحيح…"
" النهاردة بالليل انا هاخدها و نخرج كأننا رايحين نشتري اي حاجه و هكلمك قبلها اعرفك هنتقابل فين بالظبط.."
التمعت عينيه بشر قبل أن يقول 
" هستناكِ. "

أنهت مكالمتها و توجهت للشرفة تستنشق الهواء النقي فإذا بها ترى «ريتال» التي كانت تلهو في الحديقه و لكن فجأة تسمر جسدها وكأن هناك صاعقة برق ضربتها حين شاهدت أفعى سوداء تقترب من الطفلة ببطء فلم تشعر بنفسها سوى وهي تصرخ بملئ صوتها 
" ريتاال حاسبي…'

التفتت 《ريتال》 تناظر «شيرين» التي كان الذعر يجتاحها بقوة دفعتها لأن تهرول الي الأسفل وهي تصيح 
" دادا نعمه . عم عبدو . انتوا فين ؟'

كان صراخها يرن في أنحاء القصر وهي تهرول الى الحديقة وفجأة سمعت صوت صرخه قويه كانت ل«ريتال» فهوى قلبها رعبًا بين قدميها و صاحت بذعر 
" ريتاال…"

شهقة قويه خرجت من جوفها لدي رؤيتها ذلك الظل الضخم لرجل كان يحتضن 《ريتال》 بقوة وبيده سلاح ناري فتوجهت عينيها تلقائيًا إلى الأفعى الغارقه بدمائها 
ف فطنت إلى أن ذلك الغريب قام بقتلها بسلاحه ولكن كيف فهي لم تسمع صوت لطلق ناري ؟ تقدمت عدة خطوات مقتربة منهم. في البداية لم تتعرف إليه ولكن ما أن أصبحت على بعد خطوتين حتى تفاجئت حين علمت هوية ذلك الضخم فخرج صوتها مصدومًا 
" طارق ! "

*************

أخيرًا وصلوا إلى ذلك المنزل الكبير الذي اتشح بالسواد فقد كان الحزن يحيط به من كل جانب ينعي فقيده الراحل و الذي رحل و ترك خلفه قلوب تتعذب كان علي رأسهم 《عبد الحميد》 الذي لون الحزن ملامحه التي بدت أكبر بكثير من سنوات عمره الخمس و السبعون فتبدل من ذلك الرجل القوي الصارم الذي يهابه الجميع الي اخر احني الوجع قامته و هدم جبال صلابته فحين وقعت عيني 《سالم》 علي مظهره تأثر كثيرًا و شعر بالتعاطف معه 
" شد حيلك يا حاج عبد الحميد.. البقاء لله "

هكذا تحدث 《سالم》 فأجابه «عبد الحميد» بنبرة حاول أن تكون ثابته 
" الدوام لله .. تعبت نفسك يا سالم بيه.."

«سالم» بخشونة
" ولا تعب ولا حاجه احنا أهل .. البنات جوا مع الحريم و معاهم الحاجة .."

«عبد الحميد» بتأثر 
" فيها الخير .. منچيلكوش في حاچه عفشة"
التفت 《سالم》 يناظر «عمار» الذي كان وجهه مكفهرًا و الغضب باد علي محياه و ينبعث من نظراته و كانت هذه طريقته في التعبير عن غضبه فقام «سالم» بمد يده يصافحه وهو يقول بفظاظة
" البقاء لله.."

كانا رجلين صالحين ولكن فواجع أقدارهم هي من جعلتهم يومًا خصمين والآن لم يكن يتوقع 《عمار》 أن يأتي أحد لحضور مراسم العزاء فإذا به يتفاجئ بالجميع و من بينهم ذلك الذي ظنه خصمه ذات يوم فمد يده يصافحه بخشونة تجلت في نبرته حين قال 
" الدوام لله … چيت يعني ؟ "

«سالم» بفظاظة 
" و إيه اللي مش هيخليني آجي ؟ احنا أهل و بينا نسب لو ناسي !"

لم ينسى ولكنه كان دائمًا مندفعًا يصيب الآخرين بسهام ظنونه السيئه و لكنه مؤخرًا بدأ بالتعرف الي طباعه الخاطئه وان لم يكن قد أخذ القرار بتصحيحها بعد ..
" لا منسيتش.. اتفضلوا.."

في الداخل التفت الفتيات حول 《تهاني》 التي كانت تبكي بحرقه وهي تتجهز لفراق زوجها الغالي و رفيق دربها الذي و بالرغم من مرضه الشديد ألا أنها كانت ترفض و بشدة فكرة خسارته و حين استيقظت صباحًا شعرت بشئ سئ جعل قلبها ينقبض فالتفتت متلهفه إلى مخدعه تريد الاطمئنان عليه فإذا به تجد وجهه ساكنًا يلون السلام معالمه فشعر قلبها بأن تلك الراحة البادية علي ملامحه هي علامة الموت.. 

لم تصرخ ولم تصيح فقط اكتفت بعبرات حارقه خرجت من اعماق قلبها وهي تخبر ولدها بالخبر المشؤوم و داخلها يحترق حزنًا علي وجعه الذي لم يستطيع اخفاؤه عن عينيها فأخذت تبكي الحي و الميت وهي تتضرع الي الله عز و جل أن يلهمهما الصبر والسلوان علي مصابهم..

" شدي حيلك يا طنط .."
هكذا تحدثت 《فرح》 وهي تربت علي كتف «تهاني» بمواساه فاجابتها الأخيرة بخفوت 
" الشدة علي الله يا بتي.."

بينما لم تستطع 《جنة》 الحديث فقد كانت تشعر بالاختناق من اصوات البكاء و مظاهر الحزن حولها ف شعرت بالدوار يلفها فاقتربت منها «فرح» قائلة بقلق
" جنة أنتِ كويسه ؟"

اومأت برأسها دون حديث ولكن كان وضعها يزداد سوء فقامت 《فرح》 بجلب هاتفها و الاتصال ب«سليم» الذي ما أن رأي اسمها علي الشاشة حتي أجاب بلهفه 
" في حاجه يا فرح؟"
" جنة تعبانه…"

لم تكد تنهي 《فرح》 جملتها حتي هب واقفًا متوجهًا بأقدام مرتعبه الى الخارج وهو يقول بلهفة 
" انتوا فين ؟"
" احنا في البيت جوا مع الحريم انا هسندها و نطلعها لحد فوق.."

أجابها بحزم 
" انا مستنيكِ بره قدام الباب .. "

أنهت جملتها و استأذنت من 《تهاني》 التي لم تعارض وقامت بإسناد «جنة» الي خارج الغرفة ف لمحها ذلك الذي كانت كل خلية به ترتعب خوفًا عليها وخاصةً حين رآها مستندة علي كتف 《فرح 》ف ساقته خطواته الفهديه إليها و ما أن وصل قربها حتي امتدت يديه تحاوطها بلهفه تجلت في نبرته حين قال 
" جنة ."

كان يتحدث و يد تحيط بخصرها و الأخرى تربت بخفه علي ملامحها فرفرفت برموشها وهي تهمس باسمه 
" سليم…"

لم يحتمل قلبه همسها المتعب و قام بثني ركبتها و وضع يده الأخرى خلف ظهرها و حملها بخفه وهو يوجه حديثه ل«فرح» 
" اطلعي قدامي وريني الأوضه بتاعتها…"

اطاعته 《فرح》 بصمت وما أن وصل إلى الغرفة حتي وضعها برفق فوق المخدع وهو يقول بنبرة ترتجف ذعرًا
"خليكِ جمبها و انا هكلم الدكتور ييجي يشوفها. شكلها ميطمنش ."

ما أن أوشك علي الانسلاخ عنها حتي تفاجئ بها تمسك بكفه تأبي تركه لها وهي تقول بصوت متعب
" متسبنيش .. انا خايفه.."

فعلتها تلك أضرمت النيران ب أوردته . تمسكها به لجوئها إليه و تصريحها بذلك كانت أشياء لم يكن يتخيل حدوثها و خاصةً في هذا الوقت و بأمر من قلبه قام باحتضانها بقوة و كأنه يثبت بالبرهان بأنه بجانبها و لن يتركها ابدًا فرق قلب 《فرح》 و تسلل السرور اليها حين رأت ما حدث و قالت بخفوت 
" خليك جمبها انت.. هي تلاقيها تعبت من الجو العام جنة طول عمرها بتهرب من المواقف دي و مبتتحملش .. هخلي حد من البنات يعملها حاجه تهديها و أن شاء الله هتبقي كويسه .."

لم يكن يملك قدرة علي الحديث ف طاقته بالكامل كرسها في بث الأمان والطمأنينة في قلب تلك التي سكنت باحضانه و كأنه بيتها التي لا ملجأ لها إلا هو…

************

تمت مراسم الدفن و انقضى اليوم الطويل و دلف 《عبد الحميد》الي الداخل و خلفه حفيديه و رجال عائلة الوزان علي رأسهم 《سالم》 الذي ما أن خطي الى الداخل و التقمتها عينيه حتي تعاظم الشعور بداخله و اختلط عشقه بالحزن علي ملامحها الزابله و خاصةً حين رآها و هي تعانق جدها الذي لأول مرة يراه منكسرًا بهذا الشكل . 
" البقاء لله يا جدو.."
" الدوام لله يا بتي… "

تشابكت نظراتهم و كأنها تخبره لقد خابرت هذا الشعور من قبل بينما هو يعتذر عن كونه كان غائبًا و تركها تتحمل كل هذا بمفردها حين توفي والداها. 
تحمحم 《عبد الحميد》 بخشونه و خرج صوته متحشرجًا حين قال
" انتوا تعبتوا النهاردة. خدى چوزك و اطلعوا عشان ترتاحوا. "

رجفة قوية ضربت سائر جسدها حين سمعت كلمات جدها و تلقائيا تشابكت نظراتها مع خاصته ولكنها سرعان ما نظرت إلي الجهة الأخرى إلى 《أمينة》 التي صافحت «عبد الحميد» و قامت بتعزيته قبل أن تقول بنبرة شبة آمرة 
" جدك عنده حق . خدي جوزك و اطلعي ارتاحوا فوق يا فرح .."

لا تعرف ماذا تفعل فالجميع يطالعها وهي عاجزة عن الحديث أو الحركة فجاء صوته لينقذها من حيرتها إذ قال بخشونة
" يالا يا فرح .. أنتِ تعبتي من السفر . بكرة الصبح ابقي اقعدي مع جدك براحتك.."

بدأ عذرًا مقبولًا ل حيرتها و تخبطها الذي ظهر بقوة علي ملامحها بينما هي اطاعته بصمت و داخلها سؤال مُلح لا تعرف إجابته 
" كيف ستنام معه بغرفة واحدة؟؟"

دلف إلى الداخل و هي امامه و قام بإغلاق باب الغرفة وهو لا يتطلع إليها فقد كان يعلم ما يدور بخلدها لذا توجه مباشرة إلى الحقائب التي جاءت إلى هنا مسبقًا و قام بإخراج ملابس النوم وهو يقول بخشونة 
" هدخل اغير في الحمام . خدي راحتك.."

نظرت إلي باب الحمام الذي اغلقه خلفه وقامت بسحب نفسًا قويًا إلي داخل رئتيها بينما ضجيج قلبها لم يهدأ و اختلط بذكريات سيئة تجاهد حتي تتغلب عليها فقامت ب جر قدميها حتي تصل إلي حقيبتها و قامت بإخراج ثوب قطني باللون الكحلي يصل إلي أسفل ركبتيها و كالانسان الآلي أنهت تغيير ملابسها و ذهبت رأسًا الي السرير فلا تملك أدنى طاقة للحديث أو حتي النظر إليه دون أن تركض الي أحضانه بكل ما تحمل من آلام و اوجاع تكالبت عليها. 
حاولت التظاهر بالنوم حين سمعت صوت الباب يغلق و فجأة برقت عينيها حين شعرت بثقله علي السرير فأخذت دقات قلبها تقرع كالطبول و تنبهت جميع حواسها و حمدت ربها أنها كانت تعطيه ظهرها ل ألا يرى وجهها الآن . 

سكنت لثوان غير قادرة حتي علي التنفس فهو قريبًا منها لدرجة لم تختبرها من قبل . بينما كان بعيد كل البعد عنها و محرم عليها حتي الاقتراب منه. تكالبت جميع أوجاعها علي قلبها الذي كان في أضعف حالاته ف تقاذف الدمع من عينيها بغزارة بينما كانت تحاول جاهدة ألا تخرج صوتًا يدل علي مدي ضعفها و احتياجها إليه ولكن القلب للقلب يحن و الروح بالروح تشعر خرج صوته الذي كان محشو بالحنان حين شعر بألمها و بكائها الذي تحاول كتمانه فهمس باسمها 
" فرح .."

أخذت نفسًا قويًا تحاول منع نوبه انهيارها ولكنه لم يعطها خيار فشعرت بلمسته الحارقة علي ذراعها فلم تستطع الصمود أكثر فقامت بالالتفات إليه وهي تقول من بين شهقات لم تفلح في كتمانها 
" سالم . ينفع تاخدني في حضنك !"

لم تكد تنهي جملتها حتي وجدت ذراعيه تحيطها بكل ما أوتي من عشق تجاهل لأجله كل شئ حتي أن كبرياءه لم يصمد أمام ضعفها هذا فصار يهدهدها برقة لم يتخيل أنه يملكها . بينما تعالي بكائها حتى صار نحيبًا أخذ يتردد بين جنبات صدره الذي كان يخفق بعنف تأثرًا بانهيارها الذي كان أكثر من مؤلم له ولقلبه…

************

دلف الي الغرفة وهي خلفه فقام برمي ثقله علي المقعد الذي اهتز قليلا بينما ارجع رأسه للخلف وهو يغمض عينيه بتعب نابع من قلب يتألم بشدة و قد كانت تنتظره بعينين اختلط بهم العشق مع الأسي علي حاله فقامت بالاقتراب منه و مدت أناملها الرقيقة ل تلامس جوانب رأسه وهي تحركها بحركات دائريه اضفت بعض الراحه الي ضجيج عقله و هدأ ذلك الصداع المميت الذي كاد أن يفتك به فارتخت معالمه قليلًا فجاء صوتها الحاني حين قالت 
" اجهزلك الحمام ؟'
" لا .. "

" طب مش ه تاكل اي حاجه بردو ؟"
استفهمت بنبرة يائسة تجاهلها و قال بصوت محشو بالوجع
" حلا . عايز انام في حضنك .."

انهى جملته تزامنًا مع هطول دمعه يتيمه من طرف عينيه تحكي مقدار وجعه الذي فتت قلبها فقامت بمد يديها و جذبته من يده و توجهت الي السرير و جلست نصف جلسه بينما فتحت ذراعيها مرحبة باحتضان وجعه فارتمي بكامل ثقله بين أحضانها وهو يرتجف من شدة البكاء الذي شاطرته إياه فاختلطت عبراتهم كما تعانقت أرواحهم في تلك اللحظة التي لن تنسى أبدًا 

فالقلب لا ينسى أبدًا تلك اليد التي انتشلته من بحور الألم و ربتت على أوجاعه و لملمت شتاتها و كانت ملجأه في في أكثر لحظاته جزعًا…

***************

جاء الصباح و انتصرت أشعة الشمس على دجى الظلام الذي خيم على القلوب التي أضعفها الألم و شوه معالمها الحزن لولا وجود تلك اليد الحانيه التي رممت أوجاع الماضي و حاكت بأناملها شقوق الروح لما كنا تجاوزنا..

هكذا كانت تشعر وهي تنظر إلي نفسها في المرأة فهي لولا انهيارها بين ذراعيه ليلة البارحة لما كانت الآن على قيد الحياة فالألم حتمًا كان سيجهز عليها. و بالرغم من ذلك فهي لا تعلم كيف ستنظر إلي عينيه ؟ يغمرها خجل كبير أن تقف امامه بعد أن طلبت منه أن يحتويها بين ذراعيه .. نعم هو زوجها ولكن ! 

" اوف بقي . وبعدين يا فرح . ماشي لسه متجوزتوش . بس هو جوزك بردو . اتعاملي عادي و متجبيش سيرة امبارح خالص…" 

هكذا أخذت قرارها و بناءً عليه استجمعت قوتها و خرجت من الحمام لتتفاجئ به يقف أمامها يناظرها يعينين تغزوها اللهفة التي خالطت نبرته حين اقترب منها قائلًا
" عامله ايه دلوقت ؟"

تحمحت بخفوت قبل أن تجيبه بارتباك 
" الح .. الحمد لله . احسن.." 

كانت نظراته تحثها علي الحديث الذي خرج منها رغمًا عنها ضاربه بعرض الحائط جميع قراراتها 
" سالم .. يعني .. بخصوص . امبارح .. انا .."

لاح شبح ابتسامه علي شفتيه حين سمع حديثها ولكنه قاطعها بحزم قائلًا
" امبارح عدا … خلينا في النهاردة .. متأكدة انك بقيتي كويسة ؟"

رفع من عليها الحرج فهدأت نبرتها كثيرًا و خرج صوتها ثابتًا حين قالت 
" مش احسن حاجه . بس اكيد مش زي امبارح.."

جاء سؤاله مباغتا فهي لم تتوقع أن يشعر بها بتلك الطريقة 
" كنتِ لوحدك لما والدك توفي ؟"

لامست نبرته وترًا حساسًا داخلها و أعاد استفهامه ألمًا تجاهد بقوة حتي تنساه فأومأت برأسها بالإيجاب بينما تجمعت طبقة كريستالية من الدموع في حدقتيها حين قالت بخفوت 
".مشهد امبارح دا اتكرر كتير اوي علي فكرة . بس مكنتش بلاقي حد يحضني كدا.. انا كنت لوحدي في كل حاجه"

" بس أنتِ دلوقتي مش لوحدك يا فرح .."
قال جملته بينما امتدت يديه تمسكانها من اكتافها و عينيه تناظرها بنظرات اجتمع بها ألف شعور بينهم الحب و اللهفة و الألم و اخيرًا الأمان الذي غلفها للحظات لسوء حظهم قطعها صوت الهاتف الذي بدد الأجواء حولهم ف تحمحم《 سالم》 بخفوت قبل أن يلتقط الهاتف مجيبًا 
" ايوا يا متر . طمني عملت اللي قولتلك عليه ؟"

المحامي بصدمه
" سالم بيه . في حاجه مهمه حصلت و لازم تعرفها .."
«سالم» بتوجس
" حصل ايه ؟"
" البنت اللي اسمها لبنى قدمت شكوى في عدى صاحب حازم بيه الله يرحمه أن هو اللي اغتصبها و أجبرها تقول علي ان حازم هو اللي عمل كدا.."

«سالم» بصدمة 
" ايه !!!"
تجاوز عن صدمته لدى رؤية الفضول الذي لون معالمها فأشار لها بيده بأنه سينزل إلى الأسفل و ما أن خرج من باب الغرفة حتى قال بغضب 
" انت متأكد من الكلام دا ؟"
" طبعًا متأكد.. انا حتي روحتلهم زي ما حضرتك قولتلي لقيتهم عزلوا من المنطقة اول امبارح بالليل …"

لم يستطع تصديق ما تسمعه اذناه فما يحدث مريب للغاية . ولكن لابد له من أن يصل إلى نهاية تلك الدوامة في أسرع وقت لذا قال بصرامة
" هما اكيد هيقبضوا علي عدى.."

" هما فعلا قبضوا عليه.."
《سالم》 بحنق 
" عايزك تحضر التحقيق ضروري . بصفتك المحامي بتاعه. وانا بكرة بالكتير هكون عندك.."

انهي مكالمته و توجه إلي الداخل فوجدها جالسة علي مخدعها و امارات الغضب بادية علي محياها فقال بفظاظة 
" فرح معلش انا لازم اكون في القاهرة بكرة ضروري فمش هقدر احضر أيام العزي كلها.."

زحف الألم الى قلبها فقد كانت تعلم بأن هناك شئ يحدث معه ولكنها لا تجرؤ علي السؤال تعلم بأنه حتمًا لن يجيبها و على ذكره للرجوع تذكرت انها باللحظة التي عرفت هذا الخبر المشؤوم كانت على شفير مغادرة المنزل فماذا تفعل الآن وهو لم يذكر شئ و خاصةً حين سمعته وهو يحادث 《سليم》 ل يتجهز حتي يغادروا بعد ساعة من الآن ..

اقتربت منه وهي تقول بنبرة مرتجفة و قلب مرتعب 
" انا . يعني . قبل ما اعرف الخبر كنت. أقصد. كنت ناويه امشي . يعني . انت . قلت.."

كان يلملم أشياءه بيد و بالأخرى يعبث بالهاتف و فجأة التفت يناظرها و هو يقول بفظاظة
" فرح معلش مش مركز معاكِ ورايا حاجات مهمه لازم اخلصها قبل ما نتحرك.. أجهزى دلوقتي و نبقي نكمل كلامنا في الطيارة و احنا راجعين…"

انهى كلماته و توجه إلي الخارج حتي لا يلتفت و يقوم بتوجيه لكمة قوية لرأسها الغبي و لم يتسنى له رؤيه ابتسامتها التي أضاءت وجهها فقد كانت تعلم بأنه تجاهل حديثها عن المغادرة عمدًا فحين قال جملته الأخيرة لمعت عينيه و كأنه يخبرها بأنه حتمًا لن يغادر من دونها و قد كان هذا أكثر ما تتوق إليه…

**************

كان يقف بالخارج يستند علي سيارته بملل فقد خاطبه 《سالم》 يخبره بأنهم سيعاودوا ادراجهم اليوم و قد خرج ليستنشق بعض الهواء النقي فإذا به يرى تلك الفتاة المجنونة التي اتهمته ذلك اليوم بأنه سفاح حين رأته يحاول إسعاف ذلك الرجل 《عمار》 
" أنتِ يا نيزك .. عامله ايه؟ "

هكذا تحدث «مروان» مازحًا ف ناظرته «نجمة» بنظرة شمولية من أعلى رأسه حتى أخمص قدميه فأردف ساخرًا 
" ايه ياختي .. شكلي مش عاجبك ولا حاجه ؟ بتبصيلي من فوق لتحت كدا ليه ؟"

«نجمة» بامتعاض 
" افتكرتك. مش انت الچدع اللي كنت بتحاول تجتل الكبير؟"

تعاظم الحنق بداخله وقال مستنكرًا 
" هو أنتِ يا بنتي أنتِ الغباء عندك مُركز ؟ بقولك كنت بنقذه.. "
إجابته بامتعاض 
" و مالك فخور أكده ليه ؟ كنك عملت حاچه زينه . دانت بليت الدنيا بيه.."

قهقه «مروان» علي حديثها و قال بمزاح
" اه صح انا نسيت انك مش بتطيقيه.. الصراحه هو مينطقش.." 

نهرته قائله 
" مالك فشتك عايمه أكده ليه احترم الموت اللي احنا فيه ؟"
فصاح منزعجًا 
" أنتِ مش طيقاني كدا ليه يا بت أنتِ ما تيجي تاخديلك قلمين احسن؟"

" لاه و أنا هبلة. احسن الاجي معاك سنچه ولا حاچه تخلص عليا.. اني مش مستغنيه عن عمري "

《مروان》 باستنكار
" سنجه ! أنتِ مديه نفسك حجم كبير اوي دانتِ اخرك قصافه و نخلص الدنيا من لسانك الطويل دا.."

《نجمه》بانفعال 
" شفت .. اهو اني مغلطتش لما جولت انك سفاح .. و بعدين ايه جصافه دي ليه سوحلية ولا سوحلية يعني؟"

«مروان» باستنكار 
" سوحلية ! إلا هي ايه السوحلية دي يا أبلة نجمة ؟ اختراع جديد وصلتيله بذكائك؟ "
" بتتريج .. هجول ايه مانت چاهل!"

هكذا أجابته بسخريه فتابع بنفس لهجتها 
" طبعًا جاهل. أي حد جمبك هيكون جاهل . و دا عشان أنتِ منبع المفهومية كلها.. "
" ايوا دي حجيجه…"

" التواضع عايز منك ايه ؟ بالك أنتِ لو مش حلوة شوية كنت ناولتك كف خماسي طيرت صواميل مخك.. و كنت ريحت البشرية من غباوتك.."

شهقة قويه خرجت من جوفها جذبت أنظار ذلك الذي كان يقف مع الرجال و لكن انتفخت اوداجه غضبًا حين وجدها تقف مع ذلك الشاب هناك فترك الرجال وتقدم يتشاجر مع خطواته فاخترقت كلماتها مسامعه فجن جنونه أكثر 
" كنك بتعاكسني اياك !!"

لم يكد 《مروان》 يجيبها حتي صدح صوت محشو بالغضب خلفهم 

" واجفه عندك بتعملي ايه يا بت انتِ؟"
انتفضت في وقفتها حين رأته و خرج صوتها مرتعبًا حين تمتمت
" اني مبعملش حاچة؟ كت معديه جام وجفني "

تكلم «مروان» بخفوت 
" جالك الموت يا تارك الصلاة.."

" بتوجفها ليه يا چدع انت ؟"
هكذا سأل 《عمار》 بغضب مما جعل «مروان» يستاء من صراخه هكذا فقال بنبرة حانقه 
" عادي كنت بسلم عليها.."

جن جنونه من حديث 《مروان》 و اقترب يقول بجفاء
" وأنت تسلم عليها بتاع ايه ؟؟ تعرفها منين ؟"

" بص انت شكلك عايز تتخانق وأنا مش هتخانق انا ما صدقت وشي اتعدل و استعادت وسامتي من جديد.."

هكذا تمتم 《مروان》 بحنق فصاح «عمار» بغضب 
" انطوج انت وهي .. تعرفوا بعض منين ؟"

جفلت 《نجمة》 مما يحدث و قالت بارتباك
" أبدًا شفته يوم ما كنت واخد العلجة إياها.. و كان بيسأل عني .."

اكفهرت ملامحه لدي ذكرها لتلك الحادثة ف تراجعت للخلف خطوتين وهي تقول بخفوت 
" ماله ده هو أني اللي كت ضربته و لا اي؟"

صاح 《مروان》 يعنفها
" الله يخربيتك .. أنتِ بتفكريه ! "
" بصلي اني يا بغل انت؟ اني سامعها و هي عتجولك بتعاكسني ؟" 

هكذا صاح 《عمار》 فقال «مروان» بغضب
" محصلش يا عم انت . هو انت واقف رامي ودانك معانا ولا اي ؟"

و تدخلت 《نجمة》 لتهدئة الأوضاع 
" ايوا محصلش حاچة دا اهبل حد ياخدله علي حديت.."

لم يزده حديثها إلا جنونًا فقد ظن أنها تدافع عنه فقام بجلبه من تلاليبه وهو يقول بغضب بلغ حد الجنون 
" اني بجي هعجله .."

صاح 《مروان》 يمنعه من اي فعل طائش 
"بقولك ايه .. انا لحد آخر لحظة مش عايز أمد ايدي عليك .. و انت ايدك طارشه و ممكن تأذيني ما صدقت عيني تخف الله يخربيتك .. مش هعرف اشقط البت اللي مستنياني هناك دي .."

《عمار》بوعيد 
" تشجط البت .. مش لما تدور علي حد يشجطك من يدي اللول.."

انهي كلماته و قام بتوجيه لكمة قوية كانت من نصيب عين 《مروان》 اليمني فأخذت 《نجمة》 تصيح هنا و هناك فهرول الجميع علي صوتها و كان أول من تواجد هو 《سالم》 الذي انتزع «مروان» من يد «عمار» و قام بتكبيله وهو يقول بغضب جحيمي 
" شيل ايدك عنه بدل ما اكسرهالك.."

و ما أن أوشك علي توجيه لكمة قويه إلي 《عمار》 تدخل الغفر و «سليم» حتي يمنعوا اشتباكهم فصاح «عمار» بغضب 
" جبل ما تاچي تتعارك ربى البغل ده اللي عم يعاكس حريمنا"

توقف 《سالم》 مصدومًا مما حدث فالتفتت يناظر «مروان» الذي اسودت عينيه اليمني بفعل تلك اللكمة و قال بنبرة متوعدة 
" الكلام دا حقيقي ؟" 

«مروان» بلهفه 
" تعرف عني الكلام دا بردو ؟"
التفت 《سالم》 يناظر «عمار» الذي صرخ في نجمه 
" عاكسك ولا لاه؟"

«نجمة» بمراوغة
" معاكسنيش چوي يعني.."
" انطجي الحجيجة يا بت.."
كانت عينيه ترسل سهام التحذير فصرخت قائلة بذعر
" عاكسني .. و جالي يا جمر.." 

برقت عيني 《مروان》 و قال بتحسر 
" الهي يجيكِ و يحط عليكِ يا بعيدة .. هتروحي من ربنا فين؟ أقوله كنتِ بتقولي عليه ايه ؟"

" اوقف المهزله دي فورًا…"
هكذا صدح صوت 《سالم》 الصارم و الذي نظر إلي 《عمار 》قائلًا بفظاظة
" عندي دي يا عمار. و عمومًا انت اديته اللي فيه النصيب .واحنا اصلًا ماشيين.." 

" همرجها المرادي لكن لو اتكررت.."
قاطعه «سالم» بصرامة
" مش هتتكرر تاني. الموضوع انتهي . خلاص .. يالا عالعربيات…"

كانت جملته الأخيرة موجهة لكلا من «سليم» و «جنة» و «فرح» و والدته و «مروان» الذي قست النظرة الموجهة إليه فأخذ يتمتم بتحسر 
" انا في حد تاففلي في حياتي والله. تاني مرة اتشلفط قبل ما اروح اعلق البت . شكلك فقر يا سما الكلب أنتِ"

**************

رحلة العودة كانت هادئه فبعد أن قاموا بتوديع 《حلا》 و الجميع انطلقوا عائدين و قد كان «سالم» ملامحه لا تبشر بالخير و للمرة التي لا تعرف عددها توشك أن تسأله ما به ولكنها تتراجع في اللحظة الأخيرة و قد قررت أن تحادثه حين يعودوا الي المنزل لتحل تلك الأمور العالقة بينهم فلم تعد تحتمل هجرًا آخر يكفيها هذا القدر من العذاب…

توقفت السيارات أمام المنزل و ما أن ترجل الجميع منها حتي تفاجئوا بذلك الصوت الذي زلزل أرجاء المكان حولهم 
" سالم يا وزاااان . موتك علي ايدي….." 

جاءت الكلمات تزامنا مع طلقات الرصاص التي انطلقت فوق رؤوسهم وووووو….

يتبع….


#نورهان_آل_عشرى 
#قيثارة_الكلمات 
#في_قبضة_الأقدار

االفصل الواحد والعشرون من هنا 





بدل ماتدور وتبحث علي الروايات خليها علي تليفونك وحمل تطبيقنا

تحميل تطبيق سكيرهوم
تعليقات



close
حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-