رواية في قبضة الاقدار الجزء الثالث 3 (بعنوان أنشودة الأقدار) الفصل الاول 1 بقلم نورهان ال عشري





رواية في قبضة الاقدار الجزء الثالث 3 (بعنوان أنشودة الأقدار) الفصل الاول 1 بقلم نورهان ال عشري 




 بسم الله الرحمن الرحيم 

الأنشودة الأولي 💗

ما حيلة قلبً اضناه شوقه 
أن كُتِب علي جبينه الفراق ؟
لم يختر بإرادته نيران الجوى !
انما باغته و نال منه سهمه الأفاق ..
فثار و عصي و علي نهجه لم يأبي الإنسياق ،
فخاب و خسِر و لم يعُد أنين قلبه بأمرًا يُطاق 
ولكن المحبوب بات يتألم .
واكتوي فؤاده بنار الجَوْر و ضاق..
فهل كل الذنوب يُمكِن تكفيرها ؟ 
و هل كل القلوب تُحسِن الإرفاق؟ 
فالعشق داء لا يفلح معه دوا 
ولا يُداوي شجوجه سوي التلاق..
و لكن الغفران بات شيئًا مُستحيلًا 
و أصبح دربه وعِرًا تملئه الأشواك
و صار تآلُفنا حكاية كُتِب علي نهايتها الفُراق 
 

نورهان العشري ✍️

🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁

" أحب أكون الملاك اللي هيلم شمل العيلة من جديد وأقدم لكم حازم بيه الوزان ! حلوة المفاجأة دي ؟"

برقت الأعين و توقفت الأنفاس بمنتصف الصدور و تجمد الجميع بذهول فعم صمت مُريع المكان لم يقطعه سوى ذلك الصوت المُرتجِف الآتي من خلفهم 
" حاااازم !!! "

كانت مفاجأة من العيار الثقيل حتى كاد كلًا منهما يظن أنه يتوهم إلي أن أتاهم صوت أمينة المرتجف والتي لم تصدق ذلك الرجل حين أرسل سيارة دفع رباعي لتأتي بها كي تري بعينيها حقيقة كونه علي قيد الحياة ..
" ماما .. أنتِ جيتي هنا ازاي ؟"

كان هذا صوت سالم الذي كان أول من استفاق من صدمته إثر رؤيته لوالدته التي لم تكن عينيها تري سوي ذلك الذي شيعته ذات يوم بدماء عينيها لتجده أمامها مُلقي أرضًا تكبل يديه اصفاد الذل منحني الظهر فأخذت تجر خطوات سُلحفية تجاهه و داخلها نزاعات مريرة و صراعات قوية هل تفرح برؤيته و بأن المعجزات التي لم تجرؤ علي تمنيها يومًا قد حدثت بالفعل ؟ ام تحزن علي فيضانات الدمع و الوجع التي ذرفتها حزنًا عليه ؟ أم لتلك الكوارث التي تسببها لهم بها و كلفتهم الكثير لتنظيف آثارها ؟ 

" هو انا مقولتلكش ؟ مش انا كل الكلاب دول مكنش عندي ثقة في ولا واحد فيهم."
هكذا تحدث ناجي و هو يشير للجميع ثم أردف بلهجة ساخرة مطعمة بالشماتة

" فقلت في عقل بالي يا واد يا ناجي خلي الكارت الرابح بتاعك للآخر و اهو منها تعمل عمل إنساني و تلك شمل العيلة المتبعترة دي …"

اخترقت كلمات ناجي الساخرة عقل سالم الذي كانت عينيه تتفرق بين والدته و شقيقه المُنكث الرأس بخزي يوحي بأن ثوبه ليس نظيفًا وأن له يد فيما يحدث معهم ..
" و طبعًا الجمعه الحلوة دي متنفعش من غير ماما أمينة .. ست الستات .. الغالية مرات الغالي .. قولت لازم اكون اول واحد يقولك الخبر السعيد .."

" مس… مستحيل .."
همس خافت انبثق من بين شفتيها مع أنفاس مُتهدِجة ، ملامح مُرتجِفة بأعين تهتز من ثقل العبرات بين جفونها ، نظرات مصعوقة غير مصدقة ما تراه و صدر يعلو ويهبط لا تعلم إن كان ألمًا أم ذعرًا 
كانت تلك هي الحالة المسيطرة علي جنة التي كانت تضم صغيرها الى صدرها الذي تعدت دقاته المليون دقه في الثانية الواحدة مما جعل عقلها يغيب عن العمل فلم تشعر بيد سليم القوية وهي تحتضنها بينما انغرزت أنامله في كتفها بعنف غير مقصود فتلك كانت أول إشارة أرسلها عقله هو حمايتها حتي من نظرات قد تلمحها لرجل لا يعلم في تلك اللحظة هل يحبه أو يكرهه ؟ 

" حا .. حازم .. أنت هنا صح ؟ أنا مش بيتهيقلي ؟ انت .. عا. عايش ؟؟" 

صفوت ، هِمت ، مروان ، طارق ، عمار ، أحمد ، سهام ، نجمة تشارك الجميع الشعور في تلك اللحظة ما بين الدهشة الذهول الخوف و الترقب و انحبست الأنفاس بصدورهم و شعاع نظراتهم مُسلط علي ذلك الذي كانت عبرات الخزي تتساقط من عينيه حتي بللت الأرض أسفله وقد أصاب حديث والدته منتصف قلبه الغارق في وحل ذنوبه فعلا صوت شهقاته حتي اخترق آذان الجميع من بينهم أمينة التي تقدمت الي أن أصبحت علي مقربة من حازم ثم همست بصوت محشو بالوجع 
" رد عليا و قول انك عايش و الكلب دا كان خاطفك و أنه مكنش بمزاجك ؟ رد عليا يا حازم .. كلامي صح . مش كده ؟"

" الله يخربيتك انت لساك عايش ؟"
هكذا تحدث عمار بغضب فتعالي صوت بكائه الذي كان نشاذًا علي أسماعهم التي اخترقها زئير قوي لسالم الذي قال آمرًا
" قوم اقف علي حيلك .. و بطل عياط و قولنا في ايه وازاي انت هنا مع الكلب دا ؟"

كان الجميع بوادي وهي بوادي آخر فحين انهي سالم جملته فطنت إلى مكيدة والدها الذي ما أن التفتت إليه حتي وجدته ينوي تنفيذ مبتغاه فصرخت بذعر وهي تهرول لتتصدي لسلاحه الموجه تجاههم 
" لا يا بابا…."

اتبع صرختها صوت رصاص اخترق أذانهم جميعًا فالتفتوا ليتفاجئوا من شيرين التي تهاوي جسدها بفعل الطلقة التي اخترقته فكان أول من هرول إليها كان طارق الذي التقطها قبل أن ترتطم بالأرضية الصلبة وهو يصيح كالأسد الجريح 
" شيرييين …"

" بنتي .."
هكذا صرخت هِمت بذعر وهي تهرول الي شيرين الملقاة أرضًا بينما تقدم كلًا من صفوت وسالم و عمار و هم يتبادلون و طلقات الرصاص فصدح صوت سالم الصارخ
" خرج ماما و البنات من هنا يا سليم .."

لم يكد ينهي جملته حتي انطلق سليم و واضعًا جنة خلفه ظهره ومتوجهًا الي امينه فيما اندفع مروان و عمار الذي تراجع ليجذب نجمة المرتجفة بين احضان سهام التي لا تقل عنها ذعرًا و أخذ الرجال يتبادلون الرصاص مع ناجي الذي اختبئ في أحد الغرف وماهي إلا دقائق حتي اقتحمت قوات الشرطة المكان فتوقف إطلاق الرصاص و هرولوا الي الأعلي خلف ناجي فيما التف الجميع حول شيرين التي افترشت الأرض تنزف بين أحضان طارق الذي تعانقت عبراته بدمائها و ارتجفت حروفه خوفًا من فقدانها 
" شيرين . ردي عليا . أنتِ كويسه صح ؟"

بصعوبة استطاعت أزاحت جفونها الملتصقة ببعضها البعض و همست بنبرة معذبة 
" سا.. سامحوني .."

قبلت همت كفها وهي تقول من بين عبرات غزيرة 
" لا يابنتي اوعي تسبيني دانا ماليش غيرك أنتِ و أختك .."

تحدث سالم بخشونة وهو يتجاهل الألم الذي غزا صدره حين رآها غارقة في دمائها 
" شيرين . فتحي عنيكِ انتِ كويسه .. و الإسعاف في الطريق …"

بصعوبة استطاعت إخراج الحديث من بين شفتيها وهي تناظره بأعين اختلط بهم الندم مع الخزي 
" كدا .. احسن. . يا سالم .. كفاية. . اللي حصلكوا … بسببي…"

نهرها بلهجة خشنة 
" بطلي الكلام الأهبل دا . وحاولي تتنفسي . أن شاء الله هتبقي كويسة .."

لم يطاوعها قلبها ان تغادر دون نظرة وداع أخيرة الي عينيه التي رست بهم علي شاطئ الأمان قبل أن تجذبها دوامات غدره فألقت نظرة خاطفة على ملامحه التي أرادت أن تكن هي آخر ما تراه قبل مغادرة هذا العالم فلاح شبح ابتسامه علي شفتيها و كأنها تخبره 
" نجحت في مسعاك و تسللت إلي قلبي حتي سكنته و أتقنت غمس خنجر خيانتك بصدري الذى لفظ أنفاسه الأخيرة ذلك اليوم. "

ضغط علي جرحها يحاول أن يوقف تدفق الدماء اكثر وما كادت ان تغمض عينيها حتي صرخ بها وهو يهزها بعنف
" شيرين . فتحي عنيكِ . مش هتموتي سمعتيني مش هتموتي . "

أغمضت عينيها بهدوء فلم تستمع الي جملته الأخيرة حين همس بألم 
" مش بعد ما حبيتك تسبيني…"

تعالت شهقات همت فزادت من ألمه الذي تشتت حين شعر بضربة قوية تلقاها كتفه فارتفع رأسه يناظر سالم الذي قال بمؤازرة
" أجمد يا طارق .. هتبقي كويسه أن شاء الله… " 

***********

كان سليم يحتضنها بيد ويحتضن والدته باليد الأخري و التي كانت تمسك بيد سهام الممسكه بيد نجمة يحاوطهم كلًا من عمار و مروان شاهرين أسلحتهم في كل الاتجاهات خوفًا من أن تطالهم يد الغدر إلى أن وصلوا الي السيارة فأمر سليم مروان
" مروان خد ماما و الحريم انت و عمار و وصلوهم عالبيت .."

صرخت أمينة بذعر 
" و اخوك . حازم هتسيبه يا سليم ؟ "

لم يجبها انما التقمت عينيه تلك التي سالت مياه عينيها فتشعب الألم بصدره والتفت إلي الجهة الأخرى فشددت أمينة علي ذراعيه وهي تقول بتوسل 
" ورحمة ابوك اوعي تسيبه يا سليم .."

تجاهل ثقل ما يشعر به من ألم و غضب و حرقة و اومئ بصمت وهو يصرخ علي مروان قائلًا بصياح
" خدهم ع البيت يا مروان و خد معاك عربية حراسة تحسبًا لأي طوارئ …" 

تدخل عمار بحدة
" اني چاي معاك يا سليم .."
سليم بحنق 
" روح مع مروان يا عمار"

قاطعه عمار بصرامة
" جولتلك لاه يا سليم .. اني چاي معاك .. و الرچاله بره مش هيسيبوا مروان واصل . "

تدخل مروان بنفاذ صبر 
" مروان مش رايح في حته .. و مش هيسيبكوا .. انتوا ناسيين اني عارف المداخل و المخارج هنا . "

فهم سليم ما يرمي إليه فنظر الي عمار قائلًا بخشونة 
" انت سمعت يا عمار . مروان مينفعش يمشي وانا مش هثق في حد غيرك و أأمنه عليهم .. "
زفر بقوة منصاعًا لأوامر قلبه اولًا والذي يحثه علي البقاء إلي جانبها فأطلق زفرة قوية من جوفه قبل أن يقول بفظاظة
" هوديهم و آچي .. "

لم يجادل وإنما التفت متوجهاً الي الداخل و لكنه توقف بمنتصف الطريق يناظرها بأعين تبلور بهم الدمع وكأنه يعتذر لها عن قسوة العالم معها ..

قادته قدماه رأسًا الي حيث تركه فوجده يستند الي الحائط ورأسه مُلقي إلي الخلف بعد أن جر نفسه الي ركن منزوي الغرفة ليبقي بعيدًا عن أنظار قوات الشرطة التي كان يقف رجالها مع سالم الذي ناظره بنظرة ذات مغزي فتسلل الي داخل الغرفة وقام بجذب يديه المُكبلتين و وضعهما أمامه وهو يصوب سلاحه الكاتم للصوت إلي القيود و قام بإطلاق رصاصة حطمتها ثم جذبه بقوة وهو يتوجه الي النافذة قائلًا بهمس خشن و ملامحه قاسية 
" هتخرج من الشباك هتلاقي مروان مستنيك في العربية .. "

التفت يناظره وبداخله لا يعرف كيف يصيغ كلماته فهمس سليم بغضب أرعن 
" ولا حرف . و اختفي من قدامي دلوقتي . مش لازم حد يشوفك .. "

طاوعه حازم فهو بالأساس لم يكن يملك ما يقوله و قام بالقفز من النافذة فتوجه سليم إلي الخارج فوجد سالم يقف مع الشرطة بعد أن أتت عربة الاسعاف و اخذت شيرين و معها طارق و همت و بجانب سالم كان يقف كلًا من احمد الصامت و صفوت المتجهم فاقترب سليم مستفهمًا 
" مسكتوه؟"
سالم بقسوة 
" للأسف هرب . "

سليم بصدمة
" ازاي يعني ؟ لوحده عرف يهرب ؟" 
صاح صفوت بحنق
" كان مرتب كل حاجه . وكان في طيارة مستنياه فحب يلهينا بالرصاص الي ضربه عشان يلحق يهرب …" 

أطلق سليم سبة نابية قبل أن يقول بغضب جحيمي 
" أنا همشي يا سالم .. ابقي حصلني .."

التفت صفوت الي سالم قائلًا 
" روح معاه .. انا هخلص الدنيا هنا و اجي وراكوا .."
" احمد هنتقابل تاني عشان في حاجات لازم نتكلم فيها .."

هكذا تحدث سالم الي احمد ثم أستأذن من رجال الشرطة وتوجه خلف شقيقه ليستقلوا السيارة ثم انطلق سليم باقصى سرعه يملكها و ما أن وصلوا ابتعدوا عم المكان بمسافة كافية تحدث سالم بصرامة 
" اقف علي جنب يا سليم .."

و كأنه كان ينتظر كلمات أخيه فتوقف بغتة وهو يترجل من السيارة صارخًا بملئ فمه 
" لييييييه ؟ .. ليييييييه ياربي كدا ليه؟"

كان يركل مقدمة السيارة بقدمه و يوجه لكماته الي جسدها الحديدي فهرول سالم إليه و قام باحتضان كتفيه من الخلف يجذبه بعيدًا و يديه تحكمان تقييد ذلك الوحش الثائر قائلًا بصرامة 
" اهدي يا سليم . غضبك دا مش هيحل حاجه .. " 

تقاذف الدمع من مقلتيه كما تآزر الوجع بصدره حتي فاض به فأخذ يصرخ دون وعي 
" هموووت يا سالم هموووت . ليه بيحصل كدا معايا و معاها ليييه ؟" 

سالم محاولًا تهدئته 
" ربنا له حكمة يا سليم و انت مؤمن. مينفعش تعترض علي قضاء ربنا …"

خارت قواه ولم يعد في مقدوره مقاومة قدره فتلاشت أقدامه و سقط بين يدي أخيه الذي لم يتركه يتهاوي ارضًا بل ظل يسنده حتي اتكئ بثقله علي كتفه وهو يقول بقهر 
" أنا مش عارف اعمل ايه ؟ افرح عشان اخويا طلع عايش و لا احزن علي …؟"

لم يستطيع اكمال جملته فقد جن عقله حين داهمه ذلك الهاجس المميت بأنها قد تعود له فصرخ بجنون 
" جنة مراتي يا سالم . مراتي انا حتي لو هتطير فيها رقاب .."

كان يصيح وهو يحاول تخليص نفسه من بين ذراعي سالم الذي أحكم تقييده وهو يقول بعنف 
" اهدي يا سليم و بطل جنان.. خلينا نعرف نتكلم و نشوف هنعمل ايه في اللي جاي .. "

أخذ صدره يعلو و يهبط من فرط الإنفعال و بدد صوت أنفاسه الهادرة الهدوء حولهم فلجئ للصمت لدقائق كانت أكثر من مؤلمه فكل عضلة في جسده تئن بوجع غير مسبوق ولكنه تجاهله وقال بحنق من بين عبرات غادرة غافلته 
" سالم . انت الكبير و أنا عمري ما هتخطاك بس خليك فاكر اني مش هسمح.."

قاطعه سالم بجفاء
" خلي بالك أن في امك في الموضوع.. دا بغض النظر عن أنه اخوك . "

جن جنونه وحين أوشك علي الصراخ ارعد سالم متابعًا
" خلصنا يا سليم . محدش هيجبر جنة علي حاجه و لو هي عيزاك يبقي خلصت .."

أخذ يردد كالمهووس
" ايوا عيزاني . هي بتحبني و عيزاني . انا واثق .. انا واثق يا سالم .."
فاض الكيل و هاج صدره من فرط الألم فاقترب سالم يحتوي شقيقه بين ذراعيه وهو يقول بطمأنه 
" حاسس بيك بس مفيش في أيدينا حاجه نعملها . ولازم منقعش دلوقتي بالذات ."

ابتلع غصة صدئة تشكلت في حلقه وهو يتابع بنبرة خشنة 
العيلة في خطر .. خليك فاكر أنها ليها حق عليك… "

انهار بين احضان أخيه حتي صار بكاءه نحيبًا تقطع لأجله نياط قلب سالم الذي شدد من عناقه وهو يقول بمؤازرة
" انت جدع و قدها يا سليم . أجمد كدا وصدقني كل حاجه هتتحل ان شاء.. "

اخذ يردد بقلب يتوسل الرحمة وعينين تحولت إلي بركان من الحمم المشتعلة بنيران قلبه 
" ان شاء الله .. أن شاء الله كل حاجه هتتحل.."

***********

ضاق القلب بشوق هائل أوشك علي فضح أمر ذلك العشق الذي لا يعلم كيف تسال الي فؤاده لتلك الفتاة التي تكمن قوتها في ذلك الضعف الذي انبعث من عينيها فلم يقاومه قلبه وخر صريعًا أمامها و ها هو يخوض الصعاب و ينخرط بدوامات لا تمت له بصلة فقط لأجلها ..
لأول مرة يشعر بالخوف علي أحدهم بتلك الطريقة يريد أن يغرسها بداخل قلبه فذلك المكان الوحيد الذي يأمن وجودها به ..
" حاجه أمينة انتِ كويسه ؟"

هكذا استفهت سهام فتنبه عمار لأمينة التي كانت جالسة علي المقعد بجانبه ولكنه لم ينتبه لذلك الدوار الذي اجتاحها فترنحت بجلستها حتي كادت أن يصطدم رأسها بالزجاج أمامها فصرخت جنة وهي تمد يدها من الخلف لتسندها و كذلك مد عمار يديه علي رأسها فلامس قطرات العرق التي لمعت علي جبهتها فهتف يحاول طمأنتهم
" متجلجوش. أني هاخدها علي المستشفي العربية اللي واخدة شيرين جدامنا اهيه هنمشي وراها.."

و بالفعل ماهي إلا دقائق حتي وصلوا جميعهم الي المشفي و قام عمار بإستدعاء قسم الطوارئ فأتي المسعفين علي الفور و حملوا أمينة الي الداخل فهمست نجمة التي لأول مرة تتحدث منذ أن وقعت تلك المفاجأة علي مسامعها كونها ابنه صفوت و سهام 
" روحي وراها متسيبيهاش لوحدها .."
كانت صوتها متحشرجًا و عينيها زائغة وهي تناظر سهام التي أوشكت علي الإعتراض فتدخل عمار بخشونة
" روحي يا ست سهام معاها. ومتجلجيش علي نچمة اني مش هسبها واصل .."

كان إعلانًا صريحًا منه رحب به قلبها و استنكره عقلها بشدة ولكنها لم تعلق و التفتت تنظر إلي جنة التي كانت تقف وحيدة تحتضن طفلها بيدها يقطر الدمع من عينيها التي كانت نظراتها ضائعة فرق قلب نجمة عليها ف خابرت شعورالضياع هذا طوال عمرها مما جعل العبرات تتزاحم بمقلتيها تهدد بانفجار عنيف قد ينفجر باي لحظة ولكن لفت انتباهها حين وجدته يتوجه الي جنة حتي وقف أمامها وهو يقول بخشونة

" متبكيش يا جنة و اوعي تخافي واصل . اني چنبك و معاكِ و الكلب دا هياخد جزائه .. "

الوصف الدقيق لما تشعر به هو الاحتراق .. كل خليه بجسدها مرورًا بقلبها تعاني من ألام الاحتراق التي تفترسها دون رحمة للحد الذي جعلها تتمني نعمة الموت ولكن ضن القدر عليها بتلك النعمة و تركها تتلظي بألم قاتل لا تقدر علي الإفصاح عنه
" أنا خايفة …"

همست بصوت خافت لا يستجيب لرغبتها في الصراخ فقد انقلب عالمها رأسًا علي عقب بعد أن ظنت بأنه أصبح جنة وردية تحوي قلوبهم و الآن ظهر شيطانها المريد الذي هدم كل شئ و ارسلهم الي الجحيم . 
" اوعاكِ تخافي حولتلك . محدش يجدر يتعرضلك ولا يمس شعره منك.. لاهو أنتِ جليلة ولا اي؟ أنتِ وراكِ أهل و عزوة و عيلة تاكل الزلط لجل بناتها .. و اللي يرشهم بالمية ترشه بالدم "

هكذا هظر عمار بغضب وهو يحاول أن يجردها من هذا الخوف الذي يكلل نظراتها و لم ينتظر منها رد بل التفت إلي الممرضة التي خرجت لتوها من غرفة امينة و قال آمرًا 
" بجولك يا أنسة . عايزني اوضة نجعدها فيها عشان تعبانه و لازمن الدكتور يشوفها .."

كان يتحدث وهو يشير إلى جنة فاطاعته الممرضة قائلة 
" حاضر يا فندم . تقدري تتفضلي معايا يا مدام .."

" روحي معاها يا چنة و أني هطمن علي الحاچة أمينة و آجي وراكِ "
هكذا أمرها عمار فانصاعت لأوامره دون جدال فالتفت إلي تلك التي كانت تراقب ما يحدث بصمت تام وحين وجدته يلتفت إليها ادارت رأسها للجهة الأخري تنوي المغادرة لا تعرف الي اين فاوقفته قبضته علي ذراعيها وهو يقول بنبرة خشنة يشوبها التوسل
" نچمة.."
تجاهلت ضجيج قلبها و أجابت دون أن تلتف إليه 
" إيوا…"

اقترب حتي صار خلفها مباشرة وقال بصوت متحشرج
" راحة فين ؟"

" ودا يخصك في أي ؟"

هكذا تحدثت بجمود فقام بإدارتها لتنظر إليه فهاله ألمها الذي يتبلور بوضوح في عينيها و قال بخفوت 
" كل اللي يخصك يخصني .."
انكمشت ملامحها بألم و تشدقت ساخرة
" من ميتا الحديت دا ؟"

لم يفلح في إخفاء عشقه لذا فالاعتراف به أصبح واجب 
" من اول ما سكنتي جلبي و خلتيه مش شايف غيرك . سرجتي النوم من عيني .. بجيت ضايع في غيابك كإنك أمي .. " 

لم تستطيع مجابهته ولا مجابهة قلبها في حضرته فنزعت يدها من بين يديه و التفتت تقول ساخرة
"و الحاچات دي معرفتهاش غير دلوق ؟ ولا عشان مبجتش جليلة و بجي ورايا عيلة كبيرة بتخاف علي بناتها و اللي يرشهم بالميه ترشه بالدم ولما كنت نچمة الغلبانه بت الچنايني دوس علي و ذليتني و شكيت في شرفي ؟"

كررت كلماته بحرقه فتصدعت ملامحه من فرط الصدمة لظنها أنه لم يعترف بمكنوناته الا عندما عرف حقيقة نسبها فاقترب يقول بلهفة
" اوعي تفكري ان عيلتك تهمني أو تفرج معاي .. لازمن تفهمي.. "

قاطعته بقهر منبعه قلبها المكلوم
"معيزاش افهم حاچة . خلاص كل حاچه خلصت و وفر حديتك لنفسك .. معدش له لزوم دلوق …"

لم يكن من طبعه التوسل لأحد حتي ولو كان قلبه الضحية بالنهاية لذا قطع المسافة التي تفصل بينهم و حاوطت يديه كتفاها وهو يقول بصرامه و تصميم نابع من عينيه 
" اني بحبك جوي و شايف في عنيك كتير .. عارف اني ظلمتك و غلطت في حجك. بس أنتِ حجي من الدنيا دي و هاخده. "

قاطع حديثهم خروج الطبيب الذي طمأنهم علي أمينة فاستغلت نجمة خروجه لتهرول الي الداخل تاركه إياه يخترق بشعورين كلاهما اقوي من بعض العشق و القهر ..

**********

بشفاه مرتعشة و لهجة حذره تحدث وهو يناظر ذلك الذي كانت ملامحه جامدة والتماثيل الحجرية 
" مروان .. "

ابتلع غضبًا حارقًا كان يتشعب بصدره و تجلي بعروق رقبته النافرة ويده التي كانت تقبض علي المقود بشدة 
يعتصره كما يعتصر قلبه ألمًا علي ما فعله عودة هذا الضال مرة أخري . فقد تحقق المستحيل لأجله و عاد !
لا يعلم كيف ولكنه يعلم جيدًا ان القادم لن يكون سهلًا 
" مروان انا بكلمك .."

هكذا صاح حازم بنفاذ صبر فجاءه صوت مروان الصارم حين قال
" كلامك وفره لاخواتك .."
التفت يناظره شذرًا قبل أن يتابع بسخرية
" اتمني يكون عندك اللي تقولهولهم…"

ازدرد ريقه بصعوبة فهاقد اقتربت المواجهة التي يخشاها كثيرًا و يحمل همها منذ أن التقي بذلك الحقير الذي استخدمه ككبش فداء لخططه القذرة .. 
" مروان .. انا محتاج مساعدتك… "

مروان ساخرًا 
" بأي حق بتطلب مني اساعدك أن شاء الله؟ "

حازم بتوتر
" بحق أننا ولاد عم وأصحاب .."
صاح مروان باحتقار 
" كنا .. كنا أصحاب ؟ أما انك ابن عمي دي للأسف مش هقدر اغيرها" 

حازم بحنق حاول مداراته قدر الإمكان
" تقصد ايه ؟ انت … انت مش فرحان أن انا لسه عايش .."

قال جملته الأخيرة بتوتر و لكنه تفاجئ حين اوقف مروان السيارة علي حين غرة ثم التفت إليه قائلًا بقسوة 
" فرحان . طبعًا فرحان . بعد ما قعدنا سنة و نص نلم في وساختك . و اتحملنا قرفك و عمايلك . سيادتك تطلع عايش لا و بتسأل كمان فرحان انك عايش ولا لا ؟" 

اسودت عينيه و برقت ملامحه حين أردف بوعيد
" اقولك انا احنا فرحانين ولا لا.."
لم يكد حازم يستوعب ما يقوله مروان حتي انقض عليه الاخير بلكمة قوية أطاحت برأسه الي الجهة الأخري 
فارتطم بزجاج السيارة وسط صيحات مروان الغاضبة 
" انت ابجح انسان شفته في حياتي .. كنت فين كل دا و سايبنا في القرف بتاعك ؟ ملقتش غير عدونا الوحيد و ترتمي في حضنه ؟ قد كدا انت زباله ؟"

تجاوز حازم عن صدمته و قد استوعب ما حدث فتناسي كل شئ و جن جنونه فانقض علي مروان محاولًا لكمه ولكن الأخير امسك يديه وباليد الأخري قام بتوجيه ضربه قويه الي أنفه الذي انهمرت منه الدماء التي أغرقت مقدمة صدر حازم فأطلق السباب من فمه و امتدت يديه جاذبًا رأس مروان يدفعه بقوة ليرتطم بالمقود ثم امتدت كفوفه تحكمان الخناق علي عنقه فأخذ يقاوم و يلكمه بكل ما يمتلك من قوة ثم فجأة وجد أحدهم يقوم بسحبه إلي الخلف يخرجه من السيارة وإذا به يري ملامح سالم المرعبة و نظراته التي تفرقت بينهم بغضب مسعور قد يكونا هما الأثنين أحد ضحاياه 
" روح اركب مع سليم …"

هكذا أمره سالم بقسوة فلم يطيل مروان انما توجه وعينيه ترسلان سهامًا مشتعلة الي حازم الذي ضرب الذعر جسده فصار يرتجف وهو يناظر سالم الذي توجه الي كرسي السائق لينطلق بالسيارة باقصي سرعة يمتلكها …

**********

يقف أمام غرفة العمليات و بداخله ألف شعور و شعور أولهم الندم و آخرهم الألم .. لطالما كان يسخر من مشاعر الحب و ما شابهها حتي تجربة زواجه الأولي لم تكن قائمة علي المشاعر بل كان انجذابًا حسيًا و قد كان هذا مرضي بالنسبة إليه أما الآن فهو يعاني يتألم يشعر بأن 
هناك جزءًا من روحه قد انشق عنه . خاصةً وهي ترقد داخل تلك الغرفة تخضع لعملية خطيرة قد لاتنجو منها كما لن ينجو هو أبدًا من تأنيب ضميره و وصَب قلبه ..
" اه يا بنتي . اه يا حبيبتي. سامحيني يا شيرين . معرفتش اختار ليكِ أنتِ. أختك اب تفتخروا بيه . اخترت شيطان .. حسبي الله ونعم الوكيل.. "

هكذا أخذت همت تنتحب فلم يستطيع التحمل فصاح بنفاذ صبر 
" ادعي لها. ادعليها يا عمتي و بلاش كلامك دا .."

همت بألم
" بدعيلها يا طارق . بس قلبي واجعني اوي .. بناتي اتحملوا نتيجة سوء اختياري .. شيرين أتعذبت كتير بسببي و بسبب الكلب دا .. حتي لما اتجوزت ربنا بلاها بمصيبة اكبر . معاشتش حياة طبيعية زي البنات.. كان عندها امل لآخر وقت أنه يبقي كويس فعلًا و احنا اللي وحشين . "
ذرفت اوجاعها مع عبراتها و هي تتابع بقهر
" يوم ما اطرد من البيت بعد ما عرفنا عمايله السودا .. شيرين جالها حمي من كتر الزعل قعدت شهر راقدة في السرير . من وقتها وهي اتبدلت.. بنتي مكنش في اطيب ولا احن منها. هو السبب في كل اللي حصلها. الله ينتقم منه .."

دهست كلماتها علي قلبه الملوث هو الآخر بدمائها فقد كان مشاركًا هو الآخر في معاناتها فقد رأي بعينيها نظرة مميزة تخصه وحده . لقد رآها من الداخل و لمس مدي ذلك العذاب الذي تعيشه و التخبط الذي تشعر به .. وبدلًا من أن يحتوي ألمها و يعبر بها الي بر الأمان اغرقها أكثر وغرق معها قلبه الذي لم يكن تخيل بأن ينبض لإمراة بعد كل هذا العمر 
خرج الممرضة بعد وقت لا بأس به فهرول الإثنان إليها للإطمئنان و صاح طارق بقلق 
" طمنيني هي عامله ايه ؟" 
الممرضة بلهفه
" محتاجين نقل دم ضروري و فصيلة دمها o سالب و دي مش موجوده للأسف عندنا في المستشفى.."
طارق بلهفة
" دي فصيلة دمي .. انا ممكن اتبر…."

بتر كلمته وهو يتذكر ذلك السم الذي يتجرعه والذي يقف بينه و بين إنقاذ حبيبته فدق قلبه بعنف و رفع رأسه للسماء وهو يتوسل بصمت الي الله الذي لطالما كان يعصيه و الآن هو يقف بين يديه مذلولًا بقلب ينفطر و ضمير لا ينفك يعذبه و يذكره بمعاصيه 
" في ايه يا طارق ؟ مش انت نفس فصيلتها ؟ "
" ايوا نفس فصيلتها . بس مش هقدر انقلها دم ."
مفارقات القدر عجيبة او لنقل انها عقاب إلهي يستحقه فقد كان يعلم جيدًا بأن الخمر من المحرمات ولكنه لم يكن يهتم و لطالما ذكره والده بالأية الكريمة (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير) وبالرغم من ذلك لايزال مستمرًا في المعصية و تناول ذلك السم الذي يقف بينه وبين إنقاذه لحبيبته فود في تلك اللحظة أن يصرخ بملئ فمه طالبًا الصفح علي ما اقترفه من آثام ..

" أني هنجلها دم …"
هكذا جاءهم صوت عمار الذي جاء الي المشفي للإطمئنان علي أمينة التي ارتفع ضغطها كثيرًا و هاهي تخضع للفحوصات الطبية و معها سهام و نجمة التي لم تلتفت ناظرة الي وجهه للآن فخرج غاضبًا ثم توجه إلي غرفة شيرين للإطمئنان عليها
التفت كلًا من طارق و همت إليه فهرولت الأخيرة تجاهه وهي تصيح من بين عبراتها 
" الله يباركلك يا ابني . ابوس ايدك انقذ بنتي .."

عمار في محاولة لتهدئتها 
" استغفر الله يا حاچه متجوليش أكده . أن شاء الله هتجوم و هتبجي زي الفل .."

انهي كلماته ثم اقترب من طارق قائلّا بمواساة
" ادعي و جول يارب .. أن شاء الله هتبجي كويسة .."
اومئ طارق بألم بينما انطلق عمار مع الممرضة للتبرع بالدماء فهمس طارق بألم 
" ماليش عين ادعيله .. "
انهي جملته و استند بظهره علي الحائط ثم تهاوي علي الأرض بجسد مثقل بالذنوب و الآثام… 

ضجيج هاتفه أنقذه من بئر آلامه فقام بالتقاطه مجيبًا فصدح صوت فرح المرتعب
" طارق طمني عليكوا .. "
طارق بجمود 
" كويسين يا فرح . "

لم تروي إجابته ظمأ فضولها فصاحت غاضبة 
" في ايه يا طارق . عرفني .. سالم موبايله مقفول و مروان و سليم مبيردوش و الحاجة أمينة معرفش راحت فين ؟"

قاطع إسترسالها في الحديث قائلًا بجفاء 
" حازم لسه عايش …"

صاعقة قويه ضربتها بعنف فسقطت علي المقعد خلفها وهي تقول بصدمة 
" بتقول ايه ؟"
طارق بنفاذ صبر 
" بقولك حازم كله عايش و كان مع ناجي و معرفش اكتر من كدا . أنا في المستشفى مع شيرين عشان اضربت بالنار ."

شهقت بعنف و خرج صوتها مرتعشًا 
" ايه ؟ طب هي جرالها ايه ؟ و … و حد تاني اتصاب ؟ " 
" لا هي بس .. و لسه مطلعتش من العمليات .. طالبين دم و عمار راح يتبرعلها" 
كانت نبرته تقطر وجعً ذرفته عينيها أنهارًا وهي تقول بألم 
" طب جنة .. جنة يا طارق فين و عرفت؟"

طارق بتعب 
" فين معرفش .. بس هي كانت موجودة و شافت كل حاجه.. "
" يعني ايه متعرفش .."
أوشك علي إجابتها فالتقمت عينيه عمار القادم تجاهه بعد أن تبرع بدمائه لشيرين فهتف طارق بلهفه
" طمني عملت ايه ؟" 
عمار بطمأنه
" متجلجش اتبرعت بالدم و عرفتهم لو عايزين اكتر اني موچود .."

ارتاح صدره قليلًا وثم عاد إلي فرح التي صاحت علي الهاتف 
" لو دا عمار اديهولي .."
مد طارق الهاتف الي عمار الذي أجاب فهفت فرح بلهفه 
" عمار طمني عليك جنة.."

عمار بخشونة 
" اطمني چنة في الاوضة و بعتلها الدكتور يطمن عليها و أنا دلوق رايح لها .."

لم يكد ينهي جملته حتي وجد الممرضة التي أمرها بمرافقة جنة تهرول إليه وهي تصيح 
" يا حضرة الست اللي قولتلي احجزلها اوضه معرفش راحت فين مش لاقيينها .."

انقبض قلب عمار و هتف بصراخ 
" أنتِ بتجولي ايه ؟"
" بقولك مش لاقيينها دخلتها الاوضة زي ما قولت و روحت انادي للدكتور رجعت ملقتهاش طلعت ادور عليها الأمم قالي أنها ركبت تاكسي و مشيت .."

************

اوقف سالم السيارة أمام أحد المخازن بمنطقة نائية فأخذ حازم يتلفت حوله بخوف وترقب قطعه صوت سالم الصارم حين قال وهو يترجل من سيارته
" انزل …"

لم يجادله انما ترجل من السيارة و كل خليه بجسده ترتجف ذعرًا تجلي في خطواته وهو يتوجه إلي حيث يقف سالم الي كانت عينيه لوحة لبراكين مشتعلة بنيران حارقة بثت الرعب الي أوصاله و قد تيقن من أن نهايته تلك المرة لن تكون مزيفة كسابقتها
" عايز اعرف كل حاجه حصلت من يوم الحادثة لحد النهاردة.. و ايه علاقتك بالكلب ناجي"

هكذا تحدث سالم بقسوة جعلت الكلمات ترتجف علي فمه حين قال 
" سا. سالم . أنا . أنا . مظلوم .. الكلب.. اللي اسمه ناجي . دا . هو .. هو السبب .. في .. كل حاجه .."

كان يرتجف رعبًا و عينيه تذرفان الدمع ببزخ فكان مظهره مذريًا للحد الذي آلم قلبه و أثار استنكار في آن واحد فهو لم يكن يتخيل أن يقف إحدي شقيقاه في هذا الموقف و بتلك الطريقة لذا همس بهسيس قاتل محاولًا التحلي بفضيلة الصبر قدر الإمكان
" مش هكرر كلامي تاني .. "

يعلم أنه هالك لا محالة ولكنه اراد تخفيف وطأة كوارثه قليلاً فقال يدافع عن نفسه
" ناجي اللي خطط لكل حاجه عشان ينتقم منكوا فيا .هو اللي بعتلي ناصر عشان يشربني مخدرات . و هو اللي خلاني افكر في الهروب و هو اللي خطط لحكاية الموت دي و ساعدني فيها و هو اللي كلم الدكتور عشان يديني الحقنة اللي خلت النبض ضعيف جدا عشان لما تشوفوني تتأكدوا أن أنا ميت . و هو بردو فتح القبر بالليل و خرجوني بعد ما جهزلي ورق السفر المزور هو اللي ورا كل حاجه صدقني يا سالم اقسم بالله ما بكذب.."

انهالت الكلمات فوق مسامعه كالحجارة التي تلقاها صدره وهو يناظر شقيقه الأصغر بأعين جاحظة و انفاس محتقنه و قلب منفطر يجيش به شعور قوي من الخزي الذي تبلور في كلماته وهو يقول بقسوة
" مصدقك . وعارف انك مبتكذبش . مع اني بتمني من كل قلبي انك تكون بتكذب . و ان الكلام دا محصلش .."

اخفض رأسه بخزي من كلمات سالم التي تعري مدي ألمه و صدمته 
" مش مكسوف من اللي انت بتقوله ؟ ناجي عمل كل دا و انت كنت فين ؟ عروسة بخيوط بيحركها بإيده؟ "
هكذا تحدث سالم بلهجة مفعمة بالغضب الذي اؤتعب له حازم فحاول تغيير دفة الأمور لصالحه فصاح مبررًا 
" نصبلي فخ والله .. و هو اللي رمي البت دي في طريقي … "

تحفزت خلاياه و برقت عينيه عندما تفوه حازم بجملته الأخيرة و قال بقسوة
" تقصد بالبنت دي لبني .. مش كدا ؟"

وقع في فخ غباءه فلم يستطيع الحديث فقط إيماءه بسيطة بالموافقة فجاءه استفهام سالم الذي كان يخشاه كثيرًا 
" انت فعلاً اغتصبتها ؟" 

كان جرمًا لا يمكن إنكاره ولا يعرف كيف ينجو من آثاره فحاول ارتداء ثوب الطريدة إذ صاح مبررًا 
" مكنتش في وعيي والله . معرفش حصل ازاي أما فوقت لقيتها جنبي غرقانه في دمها . والله مكنتش حاسس بحاجه……"

لم يكد ينهي جملته حتي تفاجئ بيد قوية تمسكه من ذراعه تديره ليصطدم بقبضة فولاذية نالت من أنفه و ذلك الصوت المرعب يصرخ موبخًا 
" يا كلب . يا حقير . ازاي جالك قلب تعمل كدا في بنات الناس .. انا هقتلك و اشرب من دمك
.."
انتفض سالم يحاول انقاذ حازم من بين مخالب سليم الذي كان يكيل له اللكمات بوحشية وهو يصيح هادرًا
" الله يلعنك . يا كلب .. انا لازم اخلص عليك .."

تدخل مروان هو الآخر يساعد سالم في التفريق بينهم فيما صرخ الأخير 
" اهدي يا سليم. سيبه هيموت في ايدك .."

سليم و هو ينازع حتي يطال عنق حازم الذي أبعده مروان عن مرمي يديه 
" سيبني عليه يا سالم . الكلب الواطي اللي حط راسنا في الوحل. جاي يقول غصب عني . دانا هشرب من دمه…"

لم يستطيع تحمل توبيخ سليم له و انقضاضه عليه بتلك الطريقة فصاح وهو يجاهد حتي يفلت من بين يدي مروان 
" وانت مالك اهلك .. كنت وصي عليا ولا وصي عليا طب جرب تقرب مني تاني .."

سليم بغضب جحيمي 
" و كمان ليك عين تبجح يا كلب .. موتك النهاردة علي ايدي …"

ما حدث تخطي حدود احتماله و انهار ثباته و جموده أمام غضبه الضاري و خرج الوحش من مكمنه فقام بجب سليم بعنف حتي ألقاه أرضًا ثم التفت بنفس اللحظة و وجه لكمة قويه الي وجه حازم الذي كان يستعد للهجوم علي سليم فأردته الضربة ارضًا فيما صاح سالم بزئير ارعد الجميع 
" بس انت وهو .. خلاص هتضربوا بعض قدامي . معدش ليكوا كبير . ورحمة ابويا لهكسر عضمك منك له …"

انتفض حازم زعرًا بينما حاول سليم ابتلاع غضبه فهب من مكانه وهو يقول بلهجة حادة 
" انت مش سامع كلامه . دا مغتصب و حقير لا و بيبجح كمان…" 

سالم بعنف 
" اسكت يا سليم .."

تعاظم الحنق بداخله و لم يستطيع الصمت لذا صاح بعنف 
" انت مش كبيري و كلامي مع سالم . و ملكش ضرب عليا."

سليم بتهكم مرير 
" صح عندك حق انا مش كبيرك ولا ليا ضرب عليك . لكن مجبر ألملم بلاويك و اصحح عمايلك السودا صح ؟"

حازم بسخرية 
" انت ململمتش ورايا . انت اتجوزتها عشان حبيتها. طمعت فيها لنفسك .. فسيبك بقي من دور سوبر مان اللي عايز تلبسه علي قفايا و عمومًا انا رجعت و هصصح غلطي… "

صمت لثوان يتابع وقع حديثه علي ملامح سليم التي اسودت من فرط الصدمة فتابع حازم بتشفي 
" و هشيل شيلتي كاملة .. متقلقش .." 

الفصل الثاني من هنا


بدل ماتدور وتبحث علي الروايات خليها علي تليفونك وحمل تطبيقنا

تحميل تطبيق سكيرهوم
تعليقات



close
حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-