روايه يونس الفصل الرابع عشر بقلم اسراء علي
-في ناس يا باشا عاوزين يقابلوا حضرتك
-إعتدل عدي في جلسته وتساءل:مين!
-أهل خطيبة سيادة الوزير
-تأفف عدي بـ نفاذ صبر ثم قال بـ فتور:دخلهم خليني أشوف أخرتها
أدى له العسكري التحية الرسمية ثم خرج وبعد ثوات عاد ومعه إسماعيل وإسلام..أمر عدي العسكري بـ عدم الإزعاج..فـ إمتثل الأخير إلى أوامره وأغلق الباب خلفه..أشار عدي للآخران وقال بـ صلابة
-إتفضلوا إقعدوا
جلسا بـ صمت الذي ساد دقائق..فـ قطعه إسماعيل بـ نبرة مُنهكة
-إيه الأخبار عن بنتي يا حضرة الظابط!
-رد عليه عدي بـ برود وهو يتلاعب بـ القلم بين يديه:والله أدينا بندور عليها ومستنين
-كور إسلام قبضة يده وهتف من بين أسنانه:مستنين إزاي يعني يا باشا!..مش المفروض دي خطيبة الوزير!!..يعني ع الأقل قوموا بـ شغلكم
توقف عدي عن التلاعب بـ القلم ورمقه بـ نظرة نارية جمدته..ومن ثم تشدق عدي بـ تحذير وهو يُشير إليه بـ سبابته
-مش أنت اللي هتعلمنا إزاي نقوم بـ شغلنا..وإذا كان ع سيادة الوزير فهو قايم بالواجب وزيادة..
مال عدي بـ جسده إلى الأمام وهمس بـ خبث
-هو أنتوا مش ناسيب برضو والمفروض يقوم بالواجب!..ولا شكله كدا موراكوش وشه من بعد اللي حصل!!
ثم تراجع إلى الخلف وعلى وجهه إبتسامة شامتة.. بينما إسماعيل كان على وشك البُكاء من أجل طفلته الضائعة..وإسلام ينظر إليه بـ غضب أسود..وقبل أن يتحدث سبقه والده بـ نبرة راجية
-يا بني كل اللي عاوزه بنتي وبس..دا رجاء أب مش أكتر..ربنا ما يكتب عليك يا بني تفقد أبنك
أغمض عدي عيناه..هو يعلم تمام العلم كيف تشعر عند فقدان أحدهم..إنتابه هذا الشعور لمدة ستنان أثناء غياب أخيه..إختبر أن تعلم أنه على قيد الحياه ولكن لا تستطيع الوصول إليه..مسح عدي على وجهه وقد لمس إسماعيل فيه وترًا حساسًا ثم قال بـ هدوء
-يا حاج إحنا بنعمل اللي علينا وإن شاء الله هترجع بخير
-رد عليه إسماعيل بـ تلهف وقال:وأنا مش عاوز غير إنها ترجع
-إبتسم عدي وقال:هترجع يا حاج..بس أنت قول يارب..
-رفع يده إلي أعلى وهتف بـ تضرع:يارب
ثم نهض وكذلك إسلام...فـ تشدق عدي بـ إطمئنان
-متقلقش هنكون ع تواصل وأي جديد هبلغك
-متشكر يا حضرة الظابط..نستأذن إحنا
تحركا إلى الخارج. ليضع عدي يداه في جيبي بنطاله وزفر بـ ضيب ثم تشدق بـ عبوس
-قولتلك يا يونس مينفعش تاخدها معاك...
**************************************
توجه إلى حديقة القصر دون أن يلتفت إلى النداءات خلفه..دفع الباب بـ كِلتا ذراعيه وركض إلى الخارج..إستند على رُكبتيه وأغمض عيناه بـ قوة مُعتصرًا لجفناه..دقائق وظل على وضعه ثم عاد ليتعدل..نظر إلى أعلى وقال بـ تضرع
-يااارب
ثم تمدد على الأرض العُشبية فاردًا لقدماه ويداه على حد سواء..ظل يُحدق في السماء الصافية وهو بـ عالم أخر..شرد في ذكرياتهما معًا..لسانها السليط الذي يُفقده عقله..تصرفاتها العفوية والمُحببة إلى قلبه..إبتسامتها الرائعة والتي تتغلغل إلى قلبه لتجعله يهيم بها أكثر..ركضها إلى أحضانه وعتابها له على تركها..كلمتها التي أخذت ترن في أُذناه
"أنا أخترت أثق فيك يا يونس"
لا يعلم تكرار هذه العبارة ألتؤلمه! أم لتجعله يتمسك بـ بذور الأمل التي تنبتُ في خبايا هذه العبارة!!..يكاد رأسه ينفجر من كثرة التفكير..حزن كثيرًا وتألم أكثر عندما باحت له أن قلبها لا يزال ينبض لذلك الخائن..يُريد أن يذهب وقتلع فؤاده من بين ضلوعه..يريد أن يُجبر قلبها على حبه..أن يضخ في عروقها نبضه هو..يُريد أن يتردد اسمه من بين شفتيها..اسمه وحده..ولكنها تظل أحلام..أو كابوس واقعه الأسود...
إستيقظ على شيئًا ما يُداعب أنفه بـ رقة..فتح جفنيه لتظهر بنيته الناعسة..لينتفض جالسًا وهو يراها تجلس أمامه وعلى وجهها أروع إبتسامة قد يراها يومًا..هتف بـ عدم تصديق
-أنتي..آآ
-وضعت إصبعها على فاها ثم قالت بـ صوتٍ ناعم:هششش..ممكن تسكت شوية وخليني أتكلم
إبتلع ريقع بـ صعوبة وهو يؤمئ بـ رأسه عدة مرات ولا تزال الصدمة تضرب مراكز عقله فـ تمنعه من الإستيعاب..إبتسمت وهى تهتف بـ نبرة حانية
-أنا عملت كدا عشان أشوف رد فعلك..قولت كدا عشان أتأكد من حبك ليا..
-حدق بـ زيتون عيناها وقال:مش فاهم..يعني أنتي عملتي كدا عشان خاطر تتأكدي من حبي ليكي!!
عضت على شفتيها وأماءت بـ رأسها ثم هتفت بـ حرج
-أسفة
-أسفة إيه بس!!
وقالها وهو يجذبها إلى أحضانه بـ صورة جعلت قلبه يرتج داخل قفصه الصدري..أحاطت خصره بـ دورها وهمست في أُذنها بـ عذوبة
-بحبك...
وإنتفض من نومته على صدى تلك الكلمة "بحبك"..دار بـ رأسه باحثًا عنها كـ المجنون ولكنه لم يجدها..تيقن أنه لم يكن سوى منام وردي يُريده عقله وقلبه..مسح على وجهه بـ عنف بالغ أدى إلى إحمرار وجهه ثم هتف بـ يأس
-الظاهر عدي كان عنده حق..محدش هيتوجع غيري...
-ما بك أيُها الوسيم!!
تشدقت بها أنچلي التي تتهادى في ثوبها الأسود والذي يصل إلى كاحلها..ذو فتحة ظهر واسعة أظهرت ظهرها كاملاً..و كذلك فتحة صدر أبرزت جمال نحرها البض وذراعيها المكشوفان بـ بذخ فـ ظهر وشمها الذي يُزين أعلى منكبها الأيسر..تركت خُصلاتها حُرة تُداعبه نسمات الهواء...
نهض يونس عن الأرض العُشبية ومن ثم رسم إبتسامة خالية من الروح وقال
-لا شئ..ديانا تستعد وأردت أن أترُكها تأخذ مساحتها..تعلمين النساء
-إقتربت منه وهى تضحك ثم قالت:أعلم جيدًا..لذلك أمل ألا تعتقد أنني كنت أتلصص عليكما ولكني سمعت صوت عراك ولم أفهم شئ..كُنتما تتحدثان العربية كما أعتقد
-رد عليها يونس بـ هدوء:نعم..ديانا تنحدر من أصل عربي..جدها الأكبر ذو أصل شامي..وهى تتحدث العريبة وقد تعلمتها من أجلها
-وضعت يدها على الفاها المُلطخ بـ لون بني وهتفت بـ إعجاب:أوووه حقًا..ياله من حب!!..تتعلم العربية من أجل خليلتك..إنه لشيئًا رائع
إبتسم بـ سخرية وهو يؤمئ بـ رأسه..تقدمت منه مرة أخرى وسارت بـ يدها على صدره بـ نعومة وهتفت
-هيا لتستعد..سيدي على وشك الحضور
-أمسك يونس يدها وقال:حسنًا سأذهب
تحرك خطوتان ليسمع صوت أنچلي يصدح بـ دلال
-إن أردت مواساتي فـ سأكون أكثر من سعيدة لذلك
-رد عليها دون أن يستدير:أشكرك عزيزتي..أعلم جيدًا..سأذهب كي لا أتأخر
-وضعت يدها في خصرها وقالت:ستجد من يدُلك على غُرفتك
أماء بـ رأسه ثم رحل..تنهدت أنچلي بـ حرارة..ثم عضت على شفتيها قائلة
-متى ستعلم أني أعشقك إلى النخاع..جون!!
**************************************
كانت جالسة على طرف الفراش تضع رأسها بين يديها..لا تدري لما تشعر بـ تلك الغصة التي تنهش في صدرها..تشعر بـ قلبها ينقبض بـ قوة آلمتها..حديثها تتيقن من صحته وأنه الأصح لهما..فـ بعدما ما علمته عن عز الدين وقلبها حُطام..لا تُريد التورط في الحب والشعور بـ الخذلان مرة أخرى..ولكنها من قررت الوثوق به..ولكنها أيضًا لم تعده بـ الحب...
زفرت بـ ضيق عدة مرات..ثم نهضت تبحث عن خاتم خطبتها..وجدته في أحد الأركان..توجهت إليه ثم إلتقطته وعادت ترتديه..حدقت به مليًا وتشدقت بـ شرود
-مش لابساك ذكرى أو عشان أحنلك..لأ دا عشان أفكر نفسي ديما بـ وساختك...
سمعت طرقات رتيبة على باب الغُرفة ثم دلفت بعدها أنچلي بـ خطواتها المتهادية..رمقتها بتول بـ غيظ ولم تتحدث...
تبع دخول أنچلي عدد من الفتيات وشاب..نظرت لهم بتول بـ تعجب وتشدقت
-لما هم هنا!
-أشارت أنچلي إليهم وقالت:من أجلك عزيزتي
-أشارت بتول إلى نفسها وهتفت:لي أنا!!
-أماءت بـ رأسها وقالت بـ لطافة:نعم عزيزتي..هيا لا وقت لدينا..الحفل على وشك البدء
ثم أشارت إلى الشاب أن يقوم بـ عمله..تحرك الشاب في إتجاه بتول وهى تتأهب لما سيفعله..لتجده تمتد يداه لينزع عنها قميص يونس..أبعدت يده عنها بـ حدة وقامت بـ صفعه شهق الجميع على إثرها..ثم تشدقت بـ غضب
-ماذا يفعل هذا الوغد؟
-تفاجئت أنچلي من رد فعلها وقالت:سيقوم بـ مساعدتك في إرتداء ثوبك
-رفعت أحد حاجبيها بـ إستنكار وقالت بـ لغتها الأم:الستات عندنا مبتكشوفش ع رجالة..ولو أني أشك أنه رجالة أصلاً
تعذر على أنچلي فهم ما تقول لتهتف بـ عدم فهم
-عذرًا ديانا..لم أفهم ما تقولين
-إبتسمت بتول بـ إصفرار وقالت:لا أحتاج إلى مساعدته..سأرتدي ثيابي بـ نفسي..أين هو!
تقدمت منها الفتاه ثم أعطتها ثوبها..أخذته بتول منها وقبل أن تدلف إلى المرحاض وقالت
-لا داعي لهم هنا..سأتدبر أمري جيدًا
-رفعت أنچلي منكبيها بـ خفة وقالت بـ إبتسامة:لكِ ما تُريدين..هيا بنا
قالتها وهى تُشير إلى الفتيات والشاب الذي رمق بتول بـ غضب وهو يتحسس وجنته إثر الصفعة..لتُخرج بتول لسانها له وهى تقول بـ تشفي
-أحسن..أحسن
دلفت إلى المرحاض وشرعت في إرتداء ثوبها الذي يصل إلى كاحلها من اللون الأزرق الداكن اللامع..ذو أكمام تصل إلى ما بعد مرفقيها بـ إنشات قليلة..وفتحة صدر مُثلثية صغيرة ولكنه فتحة الظهر على النقيض تمامًا حيث أظهرت نصف ظهرها ولكن يُغطيه بضع طبقات من الأقمشة الشفافة..يلتف على جسدها بـ نعومة مُظهرًا رشاقة قدها..
خرجت من المرحاض ووقفت أمام مرآة طويلة لتتأمل مظهرها..والذي حاز على إعجابها..أمسكت فرشاةً ما وصففت خُصلاها المُتداخلة ما بين الأسود والبني بـ طريقة كلاسيكية..وتركت بعض الخُصلات تُحيط بـ وجهها وكأنه لوحة فنية..أنهت تزينها بـ وضع لمسات خفيفة من مستحضرات التجميل..حيث وضعت أحمر شفاة بـ اللون الأحمر القاني ليتماشى مع ثوبها..وحددت عيناها بـ كحل أسود ليُبرز لونهما الزيتوني...
كانت بـ حق لوحة فنيةغاية في الفتنة والأنوثة..دلف يونس على حين غُرة..ليتسمر قليلاً أمام جمالها الإلهي الفتاك..إرتعفت ضربات قلبه تدريجيًا حتى ظن أنها وصلت مسامعها..هز رأسه لكي يفيق من تلك الخيالات وأبدع حقًا في رسم الجمود واللا مبالاه على وجهه..تقدم منها بـ خطى هادئة..إلتفتت هى على إثرها..فغرت فاها وهى تتأمل وسامته التي أظهرتها حلته الرمادية اللامعة والذي ترك أول أزراره مفتوحة لتُظهر صلابة عضلات صدره وذراعيه القويان اللذان يعقدهمت أمام صدره..وخصلاته القصيرة المُصففة بـ عناية وكذلك شُعيرات لحيته التي زادته جاذبية...
إبتعلت ريقها وهى تتقدم ناحيته في محاولة منها أن تتخطى ماحدث مُنذ قليل..ثم هتفت بـ إبتسامة بلهاء
-حلوة البدلة
-نظر لها من طرف عيناه وقال بـ جفاء:شكرًا
إبتعلت غصة جفاء صوته التي لم تعتاد عليه..لتقترب أكثر منه وأمسك يده بـ رقة جعلت جسده يقشعر بـ قوة وكأن كهرباء سرت فيه ولكنه أثر إخفاء تأثيرها عليه فـ يكفيه ما يشعر به من ألم وكرامته التي أُهدرت في إعترافه لها بما يكنه لها..تشدقت بـ نبرة حزينة
-أسفة يا يونس لو كنت جرحتك..مكنش قصدي
نظر لها بـ سخرية ولم يرد..لتُكمل حديثها وهى تُحاول الإبتسام
-أسفة بجد..أنا مش عاوزاك تحس إنك إتسرعت فـ اللي أنت قولته
-إنتشل يده من يدها بـ قسوة ورد عليها بـ جمود:وهو أنا قولت إيه!!..أنا نسيت أصلاً..وأنتي كمان أنسي ومتشغليش بالك بيه كتير..دا كان لعب عيال...
وتقدم خطوتين في إتجاه المرحاض وأغلق بابه بـ قوة جعلتها تنتفض..تعلم أنها جرحته في كرامته كـ رجل..وأكثر ما يكرهه يونس أن تُدعس كرامته..فـ هو عزيز النفس كثيرًا..وإن شعر أن كرامته ستُهدر..يُخرج قلبه من بين ضلوعه ويدهسه بـ قدميه ثم يرحل وكأن شيئًا لم يكن
وقفت بـ الخارج تُحارب دموعها من الهطول..فـ يونس لا تستطيع وصف ما تشعر به تجاهه..ولكن ما باتت تتيقنه أنها تتألم بـ قوة لألمه وكأنها هى من أُصيبت بـ تلك الوغزة في قلبها...
طرقات على الباب تبعها دلوف خادمة والتي تشدقت وتُخفض رأسها إلى أسفل
-بدأ الحفل والسيدة أنچلي تطلب وجودكما
-ردت عليها بتول بـ لامبالاه:حسنًا..خمس دقائق فقط
هزت الخادمة رأسها ثم رحلت وأغلقت الباب خلفها..أخذت بتول عدة أنفاس عميقة وتوجهت إلى المرحاض..كادت أن تطرق الباب ولكنها وجدته يفتح الباب بـ وجهه الجامد..عادت خطوتان إلى الخلف وهتفت بـ تلعثم
-آآ..أنچلي..آآ
-قاطعها بـ يده وقال بـ صلابة:سمعت..يلا..
-ردت عليه بـ خفوت:يلا..
تحركت عدة خطوات أمامه..ليجذبها بـ يده إليه..توترت بتول وقبل أن تتحدث تشدق هو
-مينفعش تسبقيني كدا..هنطلع زي ما دخلنا
ولم يتسنى لها الفهم..حيث قام بـ لف يده حول خصرها بـ نعومة تُخالف صلابته..تضرجت وجنتي بتول بـ خجل ولكنها لم تُبدي أي رد فعل..فـ هى باتت تعشق قربه لها تستمد منه الأمان والقوة..وأصبح يونس لغز جديد بات يُثير حيرتها....
الفصل الرابع عشر
اغضب كما تشاءُ...
واجرحْ أحاسيسي كما تشاءُ
حطّم أواني الزّهرِ والمرايا
هدّدْ بحبِّ امرأةٍ سوايا...
فكلُّ ما تفعلهُ سواءُ...
كلُّ ما تقولهُ سواءُ...
فأنتَ كالأطفالِ يا حبيبي ...
نحبّهمْ.. مهما لنا أساؤوا...
كانت الأجواء رائعة والجميع يستمتع..إقتربت أنچلي من أحدهم وأمسكت ذراعه..إلتفت إليها ذاك الرجل الأربعيني وقال
-أين هم ضيوف الحفل!
-ألقت أنچلي بـ نظرها تجاه الدرج وهي تقول بـ إبتسامة:ها هم
وإلتفت مرة أخرى بـ كامل جسده يتطلع إلى تلك الفتاه التي تتهادى في ثوبها ذو اللون الأزرق الداكن..لم يستطع إزاحة عيناه السوداوتين عنها..كانت جميلة بـ طريقة أبهرته..هى بالفعل نوعه المُفضل...
ولم تكن أنچلي بـ أقل منه وهى تتفرس يونس بـ نظراتها وكأنها ستأكله بـ عينيها..جاذبيته الرائعة..هدوءه الرزين..إبتسامته وااااه من إبتسامته التي تُذيب قلوب المُراهقات...
كانت بتول تُمسك كف يده وما أن لاحظت نظرات ذاك الأربعيني والذي يتفرسها بـ سوداوتيه القاتمة..بشرته السوداء..هيئته الكلاسيكية بـ حلته الرمادية..وتلك القُبعة العجيبة التي تُخبئ خُصلاته..زادت في تمسكها بـ قبضته..جعلته يقطب بـ قلق ومال عليها سائلاً
-مالك يا بتول!!
-أشارت بـ رأسها إلى الرجل ومن ثم تشدقت بـ خوف:الراجل اللي شبه بتوع العصابات دا بيبصلي بـ طريقة مش مريحة
نظر إلى مقصدها من طرف عيناه والتي ما لبثت وأن إحتقنت حتى تجمعت شُعيرات حمراء حول حدقتيه..ومن دون وعي منه قبض بـ قوة أكبر على يدها جعلتها تتأوة مُتألمة..لم يلتفت إليها وقال من بين أسنانه
-إياكي ثم إياكي ثم إياكي يا بتول تسيبي إيدي..فاهمة؟!
-إبتعلت ريقها وقالت بـ نظرات زائغة:حـ..حاضر
-أخذ نفسًا عميق وقال بـ غموض:أسف مضطر أعمل كدا
عقدت ما بين حاجبيها..لتجده يلتف بـ يده حول خصرها مرة أخرى كما دلفا خارج الغُرفة..وقربها منه بـ طريقة تُوحي بـ تملكه لها وكأنها موّشمة بـ اسمه..ثم مال يُقبل أسفل صدغها مُطولاً حتى يُثبت لكليهما أنهما مُكبلان بـ عشق وهمي بـ بعضهما..إرتجف بدنها بـ قوة وإزدادت ضربات قلبها أيضًا..ولكنها أثرت الصمت فـ قُرب يونس أهون من نظرات ذلك القذر التي تشي بما يكنه لها...
إبتعد يونس عنها بـ مضض..ولكن في تلك الثوان شعر بـ بعثرة مشاعره وروحه ذهب جموده أدراج الرياح وإحتل مكانه شغف..إختل توازن هدوءه ورزانته فهى بعيدة كل البُعد عن الهدوء والرزانة...هبط بها الدرج ومع كل خطوة يخطوها تجاههم كانت قبضته تحكم عليها أكثر خشية أن يسرقها منه..وقفا أمام أنچلي والتي كانت تثور بـ داخلها براكين..وقبل أن يتحدث أحدهم قال الرجل
-مرحبًا بكم في منزلي المتواضع...
**************************************
هبطت من السيارة ولم تلتفت إليه أو ترد على ندائاته المُتكررة..ليهبط سيف هو الأخر بـ غضب ثم أسرع يُمسكها من مرفقها مُجبرًا إياها على الإلتفات إليه..ومن ثم هتف من بين أسنانه وعيناه تحولت إلى القتامة
-روضة!..بلاش الأسلوب دا معايا عشان متزعليش مني
تجاهلت رعبها منه وتحاملت على نفسها قبضته التي كادت تُهشم مرفقها وتشدقت بـ حدة
-إحنا فـ الشارع يا سيف..سيب إيدي وأقف حلو أحسنلك
-إقترب خطوة منها وقال بـ صوتٍ يشبه فحيح الأفاعي:بتهدديني يا روح أمك!!..إتقي شري أنتي أحسنلك
تصاعد خوفها حتى وصل إلى عينيها فـ إستطاع سيف قرائته..ليترك يدها ثم إبتعد خطوة عنها وتشدق بـ صوتٍ هادئ ولكنه حاد
-روضة متجبرنيش أوريكي وش أنا ذات نفسي بكرهه
أشاحت بـ وجهها بعيدًا عنه تحبس قدر الإمكان عبراتها التي تُهددها بـ النزول..ليعود ويقترب تلك الخطوة والتي سبق أن إبتعدها..ثم هتف بـ حنان
-متعيطيش يا روضة..مش قصدي أزعلك..أنتي عارفة أني بتعصب بسرعة..ومبحبش الأسلوب دا
ولكنها لم ترد عليه..زفر هو بـ ضيق ثم أمسك وجهها وأداره إليه ثم أزال عبراتها بـ إبهاميه وقال بـ إبتسامة
-خلاص بقى ميبقاش قلبك أسود أوي كدا..خليه ملون
إبتسمت رُغمًا عنها لتتسع إبتسامته معها وهتف بـ مرح
-أيوة كدا خلي الشمس تنور
-جارته المُزاح:أكتر من كدا هتتحرق
-إقترب وهمس في أٌذنها:لو هتحرق منها أنا مستعد ليها
توترت من قربه وخجلت من كلماته..لتبتعد عنه سريعًا ثم هتفت بـ تلعثم
-آآآ..أنا..هطـ..هطلع عشان..كدا آآآ..غلط
ثم ركضت من أمامه..بينما هو وضع يديه في جيبي بنطاله وظل يُتابعها حتى إختفت عن ناظريه..تنهد بـ حرارة وقال
-إمتى أسمعها منك يا روضة..تعبتيني...
ثم إتجه إلى سيارته وأدار المُحرك ومن ثم إنطلق..وعلى الجانب الأخر كان عدي يُشاهد ما يحدث بينهما من غزل و مزاح..و ذلك التقارب الذي جعله يقبض على المقوّد حتى إبيضت مفاصله..أدار وهو الأخر مُحرك سيارته وإنطلق بها بـ سرعة جنونية حتى أصدرت إطارات السيارة صوت إحتكاك عنيف على الأرض الأسفلتية...
**************************************
ظل يونس يرمقه بـ قوة فتاكة دون أن يرد..والأخر مشغول بـ مُطالعة بتول والتي كادت يُغشى عليها من فرط الخوف..رفع يونس يده الحرة وأدار وجهه إليه ومن ثم تشدق بـ إبتسامة صفراء
-لما لا تنظر لي وأنت تُحدثني!
-إبتسم بـ مكر وقال:لك الحق أن تغار..فـ جمالها فتنة لـ الناظر إليها..ألن تُقدمها إليّ؟!
زاد من ضمه لها وأدار رأسه إليها ثم تشدق وهو يُحدق بها
-ديانا..زوجتي المُستقبيلة
إرتفع كِلا حاجبي الرجل بـ دهشة..بينما أنچلي تدلى فكها إلى أسفل وتشدقت بـ عصبية
-ألم تقل أنها خليلتك!
-إبتسم يونس بـ خبث ثم قال وهو يرمقها بـ نظرات خبيثة كـ إبتسامته:عرضتُ عليها الزواج عندما دلفتي إلى الغُرفة
ثم غمزها بـ عينه اليُسرى..ليحتقن وجهها غيظًا ولكنها لم ترد ثم أشاحت بـ وجهها بعيدًا عنه..مدّ الرجل يده إلى بتول والتي ترددت قبل أن ترفع يدها..ولكن بـ النهاية رفعتها..إلتقط كفها ثم رفعه ألى ثغره وقال بـ إبتسامة
-مُبارك لكما..أُدعى سام أنستي
-إبتسمت بـ إصفرار وقالت:تشرفتُ بـ معرفتك سيدي
-إتسعت إبتسامته وهو يتشدق بـ خبث:دعكِ من الألقاب..نادني سام فقط إتفقنا!!
أماءت بـ رأسها ولم ترد..أشار سام إلى أنچلي أن تتبعه..ليقول قبل أن ينصرف
-أعتذر منكما..يجب أن أهتم بـ الضيوف الأخرون
-تفضل..
قالها يونس من بين أسنانه قبل أن يبتعدا عنهما..تنفست بتول الصعداء..وهى تقول بـ خفوت
-أنا كان قلبي هيقف
-لأ إجمدي للنهاية يا بتول..لما نغيب عن نظرهم هنختفي
-طيب..
قالتها بـ يأس..ويونس أخذ يُراقب الوضع بـ عينان حادة كـ الصقر...
وعلى الجانب الأخر وقفت أنچلي أمام سام والذي تشدق
-أُريد منكِ أن تُبعدي جون قدر الإمكان عنها..أُريدها وحدها قليلاً..يجب أن أستمتع بـ جمالها..
-إبتسمت أنچلي بـ مكر وقالت:كما تأمر سيدي...
صدح صوت هاتف سام فـ أخرجه وما أن حدق بـ هوية المتصل حتى أشار إلى أنچلي أن تبدأ فيما أمرها به..إنصرفت ليضغط هو على زر الإيجاب وقال
-مرحبًا...
*************************************
وضع الهاتف على أُذنه مُنتظر الرد على الجانب الأخر..لحظات وإستمع إلى رد الجانب الأخر..ليقول عز الدين بـ صوتٍ هادئ
-مرحبًا..كيف حالك؟
-بخير سيد عز..ولكن ما سبب هذا الإتصال؟..لا أعتقد أنه عمل
-حك عز طرف أنفه وقال:ليس كذلك..إنه مطلب شخصي...
صمت قليلاً والأخر أيضًا..ليُكمل عز الدين حديثه
-هل تستطيع تنفيذه!!
-رد الأخر بـ هدوء:إن كان بـ وسعي..فـ لمَ لا؟!
-تنفس عز الدين بـ عمق ثم قال:حسنًا..سأبعث لك بـ صورتين أحدما لخطيبتي والأخرى لـ مُخطتفها...
-وماذا بعد!!
-أُريدك أن تُرسل رجالك في جميع بقاع العالم..وتعثر عليهما..أتستطيع!!
-مط الأخر شفيته وقال:لا بأس..ولكن من هو؟..وعلى ماذا إختلفتما ليخطتف خطيبتك؟!
-كور عز الدين قبضتيه وقال بـ غضب:أحدهم كان يجب أن أتأكد أني قتلته ولكن لا بأس..أعثر أنت عليه وأنا سأتكفل بما يبتقى
-حسنًا..أبعث لي بـ صورتيهما وأنا سأقوم بما يجب
-أغمض عز عيناه بـ راحة وقال بـ جدية:أشكرك..سأبعثهما فورًا...
أغلق عز الدين الهاتف وقام بـ بعث صورتي يونس و بتول..وما أن وضع الهاتف في جيب بنطاله حتى رأى إسلام شقيق خطيبته يندفع كـ الصاروخ وهو يهدر بـ عنف
-هى فين يا عز!!..كل دا بسببك..مش لاقيين أختي بـ سببك
إندفع الحرس خلفه وقبل أن يتدخل أحدهم..أشار عز لهم بـ يده..ثم أمرهم بـ صلابة
-محدش يتدخل..خليكوا برة ومحدش يدخل
إمتثل الجميع إلى أوامره ودلفوا إلى الخارج..بينما إتجه هو إلى إسلام المُحتقن..ثم قال بـ جدية
-إهدى يا إسلام عشان نتفاهم
-جأر بـ صوته:نتفاهم دا إيه!..إحنا مش لاقيين أختي ولا أنت ع بالك..قاعد فـ بيتك ومستريح فـ وزارتك
رفع عز الدين سبابته في وجهه بـ تحذير ثم تشدق بـ غضب
-حاسب فـ كلامك..بتول أغلى عندي من الوزارة والكلام الفارغ دا..وأنا مش ساكت يا إسلام..أنا بعمل كل حاجة ممكن تيجي فـ بالك عشان أرجعها...
صمت قليلاً ثم أكمل بـ غضب أكبر
-بتول هترجع يا إسلام..أختك هترجع وأنا بـ إيدي هخلص عليه قدامكوا..هشرب من دمه لو فكر يأذي منها شعرة
لم ترتخي ملامح إسلام ولو إنش ولكنه قال قبل أن يدلف إلى الخارج
-أحسنلك بتول ترجع يا سيادة الوزير وإلا أقسم بالله ما هتشوفها تاني..
ثم أضاف بـ سخرية و وعيد في ذات الوقت
-أصلاً أنت مش هتشوفها تاني..لأن خطوبتكم من دلوقتي إتفسخت
ورحل تاركٌا عز الدين غارقًا في صدمته...
**************************************
وضع الهاتف في جيب بنطاله ثم رفع أنظاره إلى بتول وقد إرتسمت إبتسامة شيطانية على وجهه وهو يقول
-إنها ليلة حظي..أنستي...
كان يونس يقف بـ جانبها ولم يتحرك خطوة واحدة بعيدًا عنها..لم يندمجا في الحفل..بل كانت بتول في حالة يُرثى لها ويونس في حالة تأهب وأستعداد...
تقدمت أنچلي منهما بعدما أخبرت مُنسق الأغاني أن يختار أحد الأغنيات الهادئة لتتراقص معه عليها..وضعت يده على منكبه ثم قالت بـ دلال
-ما رأيك بـ أن نرقص قليلاً!
-نظر لهل يونس شزرًا وقال:لا أريد..وإن كنتُ سأرقص فـ سيكون مع ديانا
-إقتربت أكثر وهمست بـ خبث:المُشتري حضر ويجب أن نتحدث قبل أن نتفق
-رفع حاجبيه بـ برود:يُمكنك التحدث هنا إن شئتي
إمتعضت ملامحها ولكنها أخفتها جيدًا..ومن ثم قالت بـ إبتسامة زائفة
-صدقني..لن يزعجها أحد وسام ليس هنا..هيا يجب أن نتحدث قبل أن يرحل
ولم تدع له فرصة لكي يعترض بل جذبته بـ قوة فـ إضطر أسفًا أن يتركها وطمأنته هى بـ نظراتها...
أمسكت يده وإتجهت به ناحية ساحة الرقص..وتراقصا بـ هدوء..كان يونس جامد الملامح نظراته كلها منصبة التركيز على مُعذبة فؤاده..تأففت أنچلي بـ ضيق فـ هى تُريد أن تحظى بـ إقترابه..أدارت وجهه إليها وهمست بـ إغراء
-تطلع إليّ قليلاً..لا تقلق عليها إلى هذا الحد
-تحدث يونس بـ جفاء:ألم تقولي أننا سنتحدث بشأن العمل!..هيا تحدثي
أغمضت عيناها لكي تتفادى نوبة غضب قادمة..ثم رفعت يدها على صدره وأخذت تتسحب يدها أسفل سترته..ولكنه أمسك يدها وأبعدها عنه بـ قسوة..ثم إقترب من أُذنها وهمس بـ خبث
-لن تجدي ما تبحثي عنه..فـ أنا لستُ بـ أحمق لكي لا أعرف بما تُفكرين
إبتعد لينظر إلى معالمها المشدوهه..فـ إبتسم بـ إنتصار ثم أكمل وقد توقف عن الرقص
-ولن تجديه في غُرفتي..لذلك أخبري رجالك بـ أن يتوقفوا عن البحث...
ثم أبعدها عنه ورحل..أخذ يبحث عنها في أوجه الموجودين ولكنه لم يجدها..هوى قلبه وإرتعدت فرائصه مما قد يحدث لها..ظل يبحث عنها كـ المجنون..ولكن أيضًا لا وجود وكأن الأرض قد إنشقت وإبتلعتها..دلف إلى الحديقة والتي يُخيم عليها الظلام..لا وجود لها صمت ثم الصمت..والظُلمة المُوحشة..رفع رأسه إلى أعلى وصرخ بـ صوتٍ قد بدى عليه الألم