روايه عروستى ميكانيكي الفصل السابع عشر بقلم سماء نور الدين
ما إن سمع بما قالته حتى تسمر إبراهيم مكانه ووقعت منه الحقائب أرضاً ، توقفت إيمان عندما سمعت صوت ارتطام الحقائب بالأرض فالتفتت ناحيته تنتقل بعينيها بين الحقائب وهذا الشاحب الواقف مكانه ينظر لها بأعين متسعة وفاه مفتوح .
تقدمت ناحيته وهي تنظر له بتعجب فتسائلت وهي تلوح بيدها أمام عينيه :
- بسم الله الرحمن الرحيم ، باشا جرى إيه مالك ؟!
وعندما لم يجبها وظل على حاله ، صرخت بوجه مرة ثانية :
- باااشا !!
رمش بعينيه عدة مرات ثم نظر لها بغضب وغيظ ، وقال بصوت عال حاد وهو يشير بيده ناحية الطريق :
- إديتي عربيتي لواحد حرامي سيارات ، وبتسأليني مااالك !!
رفعت حاجبيها عالياً وفتحت فمها على اتساعه وهي تقول بأريحية :
- آاااه هو دا اللي خلاك مش شايف قدامك ومزرزر كدة اطمن يا باشا ، الواد طيارة ابن حتتي ولا يمكن أبداً يعلم عليا ولا يعض حد من أهل حارته ، دا حرامي شريف وكمان هو والحمد لله ، ربنا تاب عليه وبقى ماشي في السليم ، دا أنت تسلمه عربيتك وأنت مطمن وتروح بيتك وتتعشى وتنام وتشخر كمان .
كز إبراهيم على أسنانه من الغيظ والغضب حتى وصل صوت إصطاك أسنانه لأذني إيمان فقالت وهي تضرب جانب رقبتها بيدها وهي تقول :
- متقلقش يا باشا عربيتك في الأمان ، أنا أضمنهالك برقبتي يالا بينا بقى .
نظر لها نظرات غيظ قاتلة ثم مال بجذعه ليحمل تلك الحقائب مرة أخرى ، أسرعت إيمان بقولها :
- بص يا باشا لو حد سألني أو سألك أنت تبقالي إيه ، هنقول إنك ابن عمي وبس ، آمين .
ردد إبراهيم بغضب :
- هو إيه اللي آمين ، أنتي بنت عمي ومراتي وأنا أبقى جوزك .
زفرت بضيق وقالت وهي تشير له بيدها :
- يا عمنا إفهمني مالوش لازمة نقول عشان حدوتة جوازنا فترة وهتخلص ، يبقى ليه نفتح علينا فاتوحة جواز وطلاق وليه وعشان إيه ، خلينا كدة خفيف خفيف ماشي .
لم يجبها بأي كلمة او حتى بإشارة من رأسه ، ظل صامتاً لتقول وهي تنظر له بتوجس :
- يالا بينا .
مشى بجانبها وما إن دلفت الحارة وشاهدها الصبية والبنات الصغيرة التي تلعب بالحارة حتى صرخوا باسمها وهجموا عليها فرحين مهللين ، رجع إبراهيم للوراء ليفسح المجال للأطفال الملتفين حول زوجته فرحين بعودتها .
صاحت بهم إيمان الإبتسامة تفترش صفحة وجهها :
- إزيكوا يا عياال وحشتوني يا ولاد اللذينة ، استنوا استنوا اقفوا كدة تمام وافتحوا إيديكوا .
وبلحظة واحدة انصاع الأطفال لأمرها ووقفوا بانتباه وفتحوا كفوفهم الصغيرة باتجاهها ، التفتت حولها لتجد إبراهيم ينظر لها بترقب إنتظاراً لما سيحدث ، أشارت له بيدها ليجلب لها الحقيبة الممتلئة بالحلوى ، أعطاها إياها ليجدها توزع الحلوى على كل الأطفال الملتفين حولها وما إن انتهت حتى هرعوا الأطفال لمواصلة اللعب وتبادل الحلوى بينهم والسعادة الغامرة مرسومة بوجوههم الصغيرة .
كانت تسير بجانبه بالحارة الضيقة تلوح بيدها توزع التحيات والسلامات لكل من يمروا بجانبها من نساء ورجال لتقف فجأة عندما وجدت صبي صغير يحتضن ساقيها وهو يقول :
- إزيك يا أسطى حمدالله ع السلامة .
أخفضا كل من إيمان وإبراهيم رأسيهما ليجدا صبي صغير يحتضن ساقيها بحميمية واضحة لتصيح إيمان :
- بلاطة إزيك ياض وحشتني يالا .
ويتفاجأ إبراهيم بمن يلتف حولها من رجال ونساء يلقون التحية وقول الحمد لله على رجوعها بالسلامة ، وكانت الكلمة المتداولة فيما بينهم هي "حمدالله ع السلامة يا أسطى إيمان الحارة كانت مضلمة من غيرك والله "
ردت إيمان التحيات لتبدأ بتلقي الأسئلة المعتادة عن حالها وعن عائلتها الثرية ، لينتبها الإثنان لسؤال من شاب يقف بوجه جامد ونظرات كارهة وهو يقول :
- مش تعرفينا يا أسطى إيمان على الباشا .
وقبل أن تجيب مد إبراهيم يده ناحية هذا الشاب المتحفز وهو يقول متحدياً إياه :
- إبراهيم سالم ابن عم إيمان وجوزها .
ظهرت الصدمة بوضوح على وجوه الجميع حتى إيمان التي التفتت إلى إبراهيم بغضب ، ثم تعالت أصوات الزغاريط وانهالت عليها المباركات ، تراجع الشاب المتسائل للوراء دون كلمة واحدة ولم يصدر عنه سوى نظرات خيبة وملامح الهزيمة تكسو وجهه ، عاتبتها بعض النساء لعدم إبلاغ أهل حارتها أو دعوتهم للزفاف ، تلكئت إيمان بقولها وهي تحاول أن تخرج من ذاك المأزق فقالت :
- يا جماعة متزعلوش دا كتب كتاب بس ، لكن إن شاء الله كلكم معزومين على الفرح .
وبصعوبة بالغة تخلصت ممن حولها لتجد من يتشبث بيدها وما كان إلا الصبي بلاطة الذي اصطحبهما هما الإثنان للبيت الذي إمتلأ بالصياح والتهليل بقدوم إيمان .
وبعد برهة من الوقت وجد إبراهيم نفسه جالساً فوق أريكة قديمة قابعة داخل صالة ضيقة صغيرة ولكنها كانت تتسع بقلوب ساكنيها ، لقى ترحيبا حاراً من الخالة تهاني وابنتها التي اتسعت عينيها وفاهها فور لقائه ومعرفتها بأنه زوج إيمان وبعد توزيع الهدايا جلست إيمان بجانبه وهمست له :
- أنا هغيب عنك نصاية وراجعة تاني .
نظر لها وهو يقول من بين أسنانه :
- نصاية إيه وتروحي فين ؟! سلمي عليهم ويالا نمشي .
رفعت حاجبيها وقالت وهي تشد ذراعه :
- نمشي إيه !! أنت مش شامم الريحة .
تعجب إبراهيم وهو يقول :
- ريحة إيه ؟!!
أجابته مسرعة وبحماس :
- ريحة المحشي المسقي بشوربة الفراخ البلدي ، عليا النعمة ماهمشي غير لما ناكل دا محشي خالتي تهاني يعني صعب نلاقيه ، وبص متقلقش هي ربعاية هروح للشيخ سعيد أسلم عليه وأديه الهدية وأجي جري ، آمين سلام .
هربت من جانبه قبل أن يجيبها أو يمسك بها ، ليجد نفسه وحيداً أمام هذا الصبي وأخته اللذان يتمعنان بملامحه وهيئته وكانه تمثال بالمتحف ، خرجت الخالة من المطبخ وهي تقول الإبتسامة تعلو وجهها :
منور يابني ..عشر دقايق والاكل يكون جاهز .."..
..وبإبتسامة هادئة وصوت قوي قال ابراهيم..
.."..البيت منور بأهله ..وياريت متتعبيش نفسك ..احنا شوية وماشيين.."..
..شهقت الخالة وهي تضرب صدرها وتقول
.."..والله لا يمكن ..معقول تمشوا قبل ماتتعشوا ..دا حضرتك من طرف اغلى الناس .."..
..رق صوتها وقالت وكأنها تتوسله بعد ناجلست بجانبه..
.."..بالله عليك يابني تخلي بالك من ايمان وتحطها في عينيك..دي بنت طيبة وجدعة و مافيش في حنيتها..هي اللي وقفت جمبنا بعد ما جوزي اتوفى ومخلتناش نتحوج لحد ..ربنا يعلم انك دخلت قلبي من ساعة ماشوفتك وحمدت ربنا ان ايمان وقعت في واحد زيك ..اصلك يابني متعرفش ايمان دي غالية عندي اد ايه ..في غلاوة ولادي وربنا الشاهد .."..
..هز ابراهيم رأسه بالايجاب بعدما شعر بنبضات قلبه تتسارع وقال ..
.."..اطمني ياست تهاني ..ايمان في عينيا زي مقولتي .."..
..صاح صوت الصبي وهو يقول بغضب ..
.."..لو زعلتها انا اللي هقفلك ..ايمان وراها رجالة عشان تبقى عارف.."..
..ضربته اخته ضربة خفيفة خلف رأسه وقالت بتلعثم وهي تبتسم ببلاهة..
.."..لموأخذة ياباشا ..متاخدش على كلامه دا عيل اهبل.."..
..ضحك ابراهيم وقال وهو ينظر للصبي الذي يحاول ان يتملص من بين ذراعي اخته ..
.."..لا مافيش حاجة .."..
..استطرد قوله وهو ينظر للصبي الغيور الغاضب ..
.."..متقلقش حضرتك مش هزعلها .."..
****************
..حاول ابراهيم اقناع ايمان بالرحيل ليجد نفسه بالنهاية جالسا ارضا وامامه اطباق المحشو الساخن والدجاج المشوي ..ووسط جو عائلي بسيط مرت الساعتان بسرعة ..وهرع بلاطة للشاب الذي يدعى طيارة لكي يبلغه بأن يأتي بالسيارة عند المكان المحدد...وبعد الاستئذان بالرحيل ووعد بزيارة قادمة قريبا ..كانت ايمان تمسك بمرفق صديقتها عزة وتسحبها لغرفتها وهي تقول بعد ان اخرجت من جيب بنطالها ظرف ابيض ..
.."..عاملة ايه في العيادة اللي بتشتغلي فيها بت يالوزة..استني خدي امسكي الظرف دا فيه فلوس الشهر ..تديه لخالتي ..عا بال مااشوف حد يمسك الورشة لغاية ماارجع .."..
..حاولت عزة ان تدفع بيد ايمان الممسكة بالظرف وقالت بخجل..
.."..مافيش داعي ياايمان خلاص والنبي.. "..
..امسكت ايمان بكف عزة ودست بداخله الظرف وهي تقول بصوت جاد ..
.."..انتي تسكتي خالص فاهمة ..اول حاجة تجيبيها علاج الشهر لخالتي والباقي لمصروف البيت ولو الواد بلاطة احتاج حاجة تجيبهالوا ..وانتي ربنا يسهل واجبلك شغلانة حلوة ..امين ياهبلة.."..
..ابتسمت عزة لها وهزت رأسها بالايجاب ثم تجهمت مرة اخرى وهي تقول متعجبة ..
.."..انتي قلتي ترجعي تاني... ترجعي فين ..انتي مش خلاص اتجوزتي..والباشا المز دا عمره ماهيخليكي ترجعي تشتغلي بالورشة تاني ..معروفة يعني.."..
..نكزتها ايمان بصدرها وهي تقول بضيق..
.."..اسكتي يابت ياهبلة انتي ..انتي مش عارفة حاجة ..ابقى افهمك بعدين .."..
..قالت عزة بنزق..
.."..والله انتي اللي هبلة ..حد يبقى معاه راجل حلو كدة ويرجع تاني ..بدل ماتمسكي فيه بايديكي وسنانك ..يابت الرجالة الحلوة دي محدش بيشوفها غير في التليفزيون بس ..تقومي تقولي ارجع..رجعت المية من زورك ياشيخة.."..
..وقبل ان تجيبها ايمان بقبضة تضرب صدرها صدح صوت ابراهيم عاليا بإسمها ..
فجرت مسرعة خارج الغرفة وبعد المصافحة خرحا الاثنان من البيت ..ليمسك ابراهيم بكف أيمان وكأنه يعلن للجميع وخاصة لذاك الشاب الذي يقف خارج محله وينظر له شزرا..حاولت ان تخلص كفها الصغير من بين راحة يده ..وهي تقول بصوت خافت..
.."..ماتسيب ايدي ونمشي عادي ..انت كدة بتكسفني قدام الخلق.."..
..لم ينصاع لكلامها وظل على حاله ناظرا امامه غير عابئ بنظرات اهل الحارة والتي منها سعيدا ومنها الحاقد..
..وقفا الاثنان عند مدخل الشارع الرئيسي ليجدا سيارة ابراهيم اتية من بعيد وبداخلها الشاب طيارة والصبي الصغير بلاطة ..وقف طيارة بالسيارة على جانب الطريق وخرج منها وهو رافعا كلتا ذراعيه وهو يقول بصوت عال..
.."..العروسة اهي ياسطى مش ناقصة فتفوتة .."..
..لوحت ايمان بذراعيها وهي تقول ..
.."..اهو انت كدة كفاءة .."..
..اخذت منه المفاتيح واعطتها لابراهيم وقالت له بصوت خافت ..
.."..اركب انت ياباشا خمسة وراجعة .."..
..قطب ابراهيم جبينه وهو يراها تتحدث مع طيارة جانبا ..تنهد وركب سيارته ليجد الصبي بلاطة جالسا بجانبه وينظر له نظرات كارهة ..
..مط ابراهيم شفتيه والتفت له وهو يقول ..
.."..ممكن افهم انت بتكرهني ليه.."..
..تخصر الصبي وصاح به ..
.."..عشان اخدتها مننا ومابقيتش تعيش معانا.."..
..ضرب ابراهيم كفيه وهو يضحك ثم قال..
.."..ماهو طبيعي اني اخدها ..مش مراتي ولازم تعيش معايا انا ..بس متزعلش ..هي هتيجي تزورك كل فترة .."..
..خرج الصبي غاضبا من السيارة بعد غلق بابها بقوة..نظر ابراهيم بمرآة السيارة ليرى الشاب طيارة يقفز عاليا ويصيح بقوله ..
.."..ربنا يخليكي يااسطى .."..
..مالت ايمان بجذعها وهي تحتضن بلاطة وتقول ..
.."..خلي بالك من امك واختك يا محمد ..انا عارفة اني سايبة راجل في البيت ..امين .."..
..التمعت عيني الصبي بغلالة شفافة من الدموع وهو يهز رأسه بنعم ..
..تركته على مضض وهي تلتفت ورائها للشاب طيارة وهي تقول ..
.."..زي ماوصيتك ياطيارة .."..
..ليشير طيارة لرقبته وهو يقول..
.."..رقبتي يااسطى..سلام ياست الكل ..سلام.."..
..ركبت إيمان السيارة ..وهي تنظر للفراغ وبعض الحزن يفترش صفحة وجهها ..نظر لها ابراهيم وهو يقول متسائلا ..
.."..مالك زعلانة ليه ..واللي اسمه طيارة ماله كان هيطير قدامك من الفرحة .."..
..تنهدت ايمان والتفتت ناحيته وقالت ..
.."..سلمته مفاتيح الورشة يمسكها بدالي لغاية ما ارجع..واتفقت معاه انه ياخد نص الايراد والنص التاني يسلمه يدا بيد لخالتي تهاني .."..
..اتسعت عيناه وهتف بها ..
.."..سلمتي ورشتك لحرامي سيارات.."..
..زفرت بضيق وشبكت ذراعيها أمام صدرها وهي تقول ..
.."..قلنا الواد تاب ..والحج اسماعيل صاحب الجراج اخده وشغله معاه سايس .."...
..قال ابراهيم بنبرة ساخرة..
.."..وهو السايس هيفهم في شغل الميكانيكا..ياعبقرية زمانك.."..
..نظرت اليه وقالت بنزق ..
.."..اللي حضرتك متعرفهوش ان الواد طيارة ومن هو صغير شغال ميكانيكي في ورشة الحاج سلامة اللي في الشارع اللي ورانا ..لغاية ما ولاد الحرام اتلموا عليه وكانوا هيضيعوه ..بس الواد طيب وفيه عرق اصيل ورجع عن اللي هو فيه قبل ما يضيع نهائي ..نقوم بدل مانشجعه ونشغله شغلانة شريفة نحاسبه ونطرده .."..
..كان الذهول يرتسم بملامح وجه ابراهيم وهو ينظر اليها وهي تتحدث حتى قال ..
.."..انتي ايه بالظبط انا مش فاهم..انا اول مرة في حياتي تعدي عليا شخصية كدة .."..
..التوت شفتي ايمان جانبا ثم قالت بثقة ..
.."..احنا شخصية اوي ونسد في اي مكان ..امين .."..
..ضحك ابراهيم بصوت عال وهو يردد ..
.."..امين.."..
..فتحت ايمان النافذة الزجاجية لتستقبل نسمة الليل المنعشة بوجهها ..استندت برأسها التي ثقلت على ظهر كرسيها واغمضت عينيها وراحت بسبات تام ..
..صدح صوت شخيرها عاليا ..لتتسع اعين ابراهيم وهو ينظر اليها وبعدها تلازمت صوت ضحكاته مع صوت انغامها المزعجة ..
..تحدث مع نفسه قائلا ..
.."..طلعتيلي منين بس يابنت عمي..وياترى ايه اخرة حكايتنا دي انا مش عارف.."..
..وصل بسيارته داخل جراج الفيلا و بعد ان نزل منها حمل ايمان بين ذراعيه ودلف للفيلا ليجد عمته تهرول ناحيتهما وهي تقول بصوت خافت..
.."..ايه ياابراهيم ..ايمان مالها.."..
..تململت ايمان وتعلقت برقبة ابراهيم بكلتا ذراعيها لتهمس بعدها قائلة ..
.."..الله ..ريحتك حلوة اوووي ياهيما..ماتجيب ب........