رواية السلطان وغصن الرمان الفصل الثامن بقلم كاتب مجهول
حكاية #السلطان_وغصن_الرمان
الجزء الثامن
كمين على طريق المعبد (الحلقة 8 )
كانت السّلطانة صفيّة جالسة داخل هودج ،وبجانبها السّاحرة على بغلتها ،وهما تسيران وسط الجيش ،وحولهما العبيد يحملون خيمة كبيرة ،وصنوف الأطعمة والأشربة ،وفجأة جاء فارس يجري ،وقد بدا على وجهه الخوف ،وطلب رؤية السّلطانة، فسألته العجوز عن ما حدث ،و سبب إرتعاده ،أجابها : لقد حلّ بنا بلاء عظيم ،ولم يبق من طليعة الجيش إلا بضعة أنفار، أمّا الباقون فقد أصبحوا جلودا جافّة لا حياة فيها !!! لمّا سمعت صفيّة ذلك أوقفت الناقة ،وأطلّت برأسها من الهودج ،وسألته: ويحك، ماذا تقول؟ فطليعتنا فيها ثلاثمائة فارس من أشجع رجالنا ،فكيف يموتون كلهم دون حرب ولا قتال ؟ أجاب الفارس :دعيني أشرب ،وسأحكي لك كل شيئ ،أعطاه أحد العبيد قربة ،فبلّل الرّجل شفتيه بقليل من الماء ثم قال :لقدكنّا نسير في طريقنا ،وفجأة لمحنا أشياء تلمع على
الأرض،فتسابقنا لالتقاطها،وقد إعتقدنا أنّها من الذّهب ،لكن ما يكاد أحدنا يلمسها حتى يمتقع لونه ،ولشدّة طمع رجالنا فلم يهتمّوا بما يحصل لرفاقهم ،وواصلوا التّنافس فيما بينهم على الذّهب الذي خطف بريقه أبصارهم، ولم يعد اي منهم يطيع قادته .
وحين أيقنوا في النّهاية أنّ تلك الأشياء ليست ذهبا، بدأوا في الإبتعاد عنها، ولم يلبث أن تملّكهم الذّعر ، لمّا إكتشفوا أنّ العلة التي أصابت أصحابهم معدية، وصاروا يخشون لمس بعضهم ،فرموا أسلحتهم ،وهربوا في كلّ ناحية، وكأنّ ذلك لم يكفينا، فظهر لنا قوم غامضون من وراء الأشجار والصّخور ،ورمونا بقصبة فيها سهام صغيرة لا تخطأ أبدا هدفها ،وهم يتحرّكون بخفّة ، ولا نعرف هل هم بشر أم حيوانات على هيئة بشر !!! لمّا سمعته السّاحرة، أمرته أن لا يتحرّك ،ثمّ إقتربت ،وفحصته بعينيها ،ثم قالت: حسنا ،ليس بك شيئ، إسترح قليلا ،وأرني أين وجدتم هذه الأشياء الذّهبية ،،فلقد صح ما قيل عن قوى خفيّة تحرس المعبد ،وكنت أعتقد أنّ هذا الكلام هراء !!! أجاب الفارس : نعم ،لقد شاهدت بعينيّ ماذا حصل ،وهو مخيف،ولله لا أعرف شيئا أخبث من تلك الدّويبات ،وقد يكون كلّ هذا البرّ ملعونا تسكنه المردة والشياطين ،ثم إلتفت إلى صفيّة ،وصاح :علينا الإبتعاد من هنا يا مولاتي ، وإلا هلكنا كلّنا .
أمرت نسيمة العبيد بأن يقيّدوه ،ويكمّموا فمه لكي لا يتكلّم ،وينشر الخوف في باقي الجيش ،لكنّ السّلطانة كانت تستمع باتباه،و شعرت بغصة في حلقها من هذا الخبر ،فقالت للسّاحرة :إسمعي، لا أعرف ماذا ينتظرنا في هذا المكان الموحش، ولا شيئ يستحقّ منّا المخاطرة بأرواحنا !!! رمقتها السّاحرة بنظرة حادّة ،وأجابتها : تذكّري يا صفيّة المعروف الذي أسديته إليك ،و لولاي لما صرت سيّدة هذه المملكة ،إياك نسيان ذلك ،هل فهمت ؟ أحسّت صفيّة أنّها في ورطة ،فهي من قتلت زوجها السّلطان بالسّم ،وكذبت على الرّعية بأنّها رزقت مولودا ذكرا ،وهي أيضا من حاولت قتله بتفّاحة مسحورة ،فجرائمها كثيرة ،والعجوز تحتفظ بابنتها في مغارة ،لتهدّدها بها،ولو تكلّمت تلك اللئيمة، لانفضح أمرها، وانقلب عليها الأمراء ،وضربوا عنقها، ،ولم تجد بدّا من مسايرتها حتى تجد فرصة للتخلّص منها بطعنة في ظهرها .
كانت العجوز أيضا تفكّر مثلها ،فبعد حصولها على كتاب السّحر ،ستصنع مرهما من زهرة آدم ليرجع لها شبابها ،ثمّ تقتل صفيّة ،وتأخذ مكانها ،ومن سيعارضها والجنّ والشياطين تأتمر بأمرها ؟ عندئذ يتحقّق حلمها ،وينفتح باب العالم الآخر ،لترى أمّها واخوتها ،فطول حياتها عاشت وحيدة في الغابة ،ومنبوذة ،لكن الآن سينتهي كل شيئ ،وهي تنوي جعل السّحر شيئا متاحا دون قيود ،وبذلك تصير المملكة ملاذا آمنا لكلّ السّحرة .إستيقظت العجوز من أحلامها على همهمة الفارس الذي سدّت فمه ،وهو يشير بعينيه إلى الأشجار التي أمامه ،فنزلت عن بغلتها ،وهي تحاذر أين تضع قدميها ،ومشت قليلا ،فرأت شيئا يلمع من بعيد كالذّهب،فإلتقطت عود حطب، ولمسته ،فنهضت حشرة صفراء من سباتها ،وهربت بعيدا ،فهتفت السّاحرة :هذا حقّا مدهش ، ثم واصلت التّقدم في الغابة ،ورأت الفرسان على الأرض ،وقد تآكل لحمهم ،وجفّت جلودهم ،قالت في نفسها : لا أعرف من أحضر هذه الدّويبة إلى هنا ،لكنّه بارع جدّا ،ولا يزال هناك الكثير لأتعلّمه عن السّحر الأسود ...
...
يتبع الحلقة 9 غدا إن شاء الله