رواية يونس الفصل الثامن بقلم اسراء على
-حك سيف طرف ذقنه بـ طرف إبهامه وقال:محلولة..بس لازم تديني خيط أبدأ منه..متحطنيش وسط صحرا وتسبني
إعتدل عز الدين في جلسته ثم مط شفتاه بـ جهل قائلاً
-معنديش فكرة..أنتو كنتوا فـ فرقة واحدة وأكيد عارف خطواته
-إبتسم من جانب فاه وقال:أكيد!!..جايب الثقة دي منين يا باشا؟..يونس محدش يعرف عنه أي حاجة..لا بيقول ولا بيعمل..عامل زي الشبح..يظهر فجأة و يختفي فجأة..
-تنهد عز الدين بـ نفاذ صبر:مليش دعوة..إتصرف
نظر له سيف شزرًا ولم يرد..بينما نهض عز الدين وأغلق زر حلته وتشدق بـ هدوء...
-ممكن تبدأ من فيلتي..من غير أما حد يعرف
-ماشي
-أكد عليه عز الدين قائلاً:الموضوع دا ينتهي بسرعة..ومن غير شوشرة
أشار له سيف بـ يده وكأنه يوافقه على حديثه..بينما رحل عز الدين....
*************************************
كانت بتول تُشاهد ما يحدث في الداخل فارغة الفاه..لا تُصدق أن تلك الأماكن المشبوهه والبدائية لا تزال موجودة..نظرت إلى تلك الراقصات والفتيات التي يتدللن على الرجال من أجل المال أو الرغبة..والرجال تسيل لُعابها بـ طريقة تقشعر لها الأبدان..كان يجلس بـ جانبها عدي يُراقب دهشتها..مال على أُذنها وهمس بـ سخرية
-هو البيه المحروس مدخلكيش أماكن زي دي ولا إيه!!
-إلتفتت إليه فجأه وتشدقت بـ عدم فهم:قصدك إيه!
-رد عليها بلا مُبالاه:ولا حاجة
إلا أنها لم تتحمل ذلك الحديث الغامض والذي يتلوى بـ معانٍ جعلت عروقها تنفر..فـ هتفت بـ عصبية
-هو إيه الشغل دا!!..أنت وأخوك عمالين تتهموا عز الدين بـ حاجات غريبة بدون وجه حق..ولا حتى عندكوا دليل..عز الدين أشرف راجل عرفته ولا هتتهز ثقتي فيه بـ اللي بتقولوه
أمسكها من رسغها وأجلسها عنوة وهتف من بين أسنانه
-صوتك والناس
-أشاحت بـ يدها في وجهه وقالت:أنا مالي ومال الناس..أنا مش عارفة أنتو ليه كارهين عز الدين!..واحد مفيش زيه وبني أدم محترم..
-تلوى شدقه بـ تهكم ثم قال:محترم؟..لأ وسعت منك دي..
وقبل ان ترد أكمل عدي حديثه بـ حدة
-بصي أنا مش هقولك هو عمل إيه..عشان مخك الصغير دا مش هيستوعبه..
قال العبارة الأخيرة وهو يُشير إلى رأسها ثم هتف مرة أخرى
-ثم أنك هترجعي لحبيب القلب بعد أما يونس يقدر يسافر برة مصر وخلاص فُضت الحكاية..بس أنا هكون أكتر من مبسوط وأنا بشوف رد فعلك وهو بيتقبض عليه..وساعتها هتعرفي هو محترم أد إيه
وأشاح وجهه عنها..وهى نظرت أمامها دون رد..تركته وتحركت من جانبه إلى أحد الزوايا علها تُصفي ذهنها...
ومن بعيد كان أحد الرجال الثملين يُراقب تلك المشاحنة بين رجلاً ما وفتاه جميلة..صور له عقله أنه يُريد تلك الفتاه ولكن بـ سعرٍ بخس وهى تُريد أكثر..إلتوى فمه بـ شهوة وهو يتأمل جسدها بـ رغبة فتاكة..ترك الكأس من يده وتوجه إليها بـ خطوات مُترنحة...
كانت تضع كِلتا يديها على وجهها وتبكي بـ صمت..ذاك الشخصان يضربان خطيبها في سمعته ونزاهته..وقلبها لا يُصدق ويُعميها عن حقائق جمة..وفي خضم أفكارها وحزنها..شعرت بـ يده تسير على طول ظهرها..لتنتفض بـ فزع وهى تلتفت إلى ذلك الثمل الذي ينظر لها نظرات دبت الرعب في أنحاء جسدها..هتفت بـ حدة مهزوزة
-عاوز إيه يا راجل أنت!!
-إبتسم بـ خبث ثم قال بـ ثمالة:عاوز اللي هو كان عاوزه
-نظرت له بـ عدم فهم وقالت بـ توتر:مش..مش..فـ..فاهمة
-إتسعت إبتسامه لتظهر أسنانه الصفراء وهو يقول:وماله..نفهمك...
من هيأته يبدو أنه ليس من البدو..وهذا ما جعلها تتشنج خوفًا أكثر..ضمت يديها إلى صدرها بـ رعب وعيناها تتحرك هنا وهناك علها تجد من ينقذها من براثن ذلك القذر..ولكن لم تجد..سلطت نظراتها عليه لتجد يده تمتد إليها أغلقت عيناها بـ..هلع وهى تدعو الله أن ينجدها أحد..
إمتدت يده إليها وعلى وجهه إبتسامة خبيثة..وكاد أن يتلمس وجنتها إلا أن يد صلبة كـ الحديد أعاقت وصوله إليها..ومن ثم باغته بـ لكمة أطاحت بـ الرجل أرضًا مُتأوهًا من شدة اللكمة..فتحت عيناها على صوت تأوه ذاك الرجل و صوته الغاضب يسبه بـ أقذع الشتائم
-متفكرش للحظة يا *** إنك تمد إيدك النجسة دي عليها...
رفعت نظراتها لتجده يقف أمامها كـ السد المنيع بـ جسده العريض..إختبأت خلفه بـ خوف..بينما أكمل يونس وهو يضرب الرجل في معدته بـ قدمه
-لو شفت خلقة أمك دي بتتعرضلها تاني ****...
إرتعب الرجل من نظرات يونس القاتمة وحروفه التي تخرج من جوفه تقتله وتبث فيه الرعب..لينهض سريعًا راكضًا من أمامه..إلتفت يونس إليها ليجدها تنكمش على نفسها بـ خوف..ليضع يده على منكبيها..فـ إنتفضت فزعة..ليقول بـ حنو مهدئًا إياها
-هششش متخافيش محدش هيقرب منك
-رفعت أنظارها لعيناه وهى تتنفس بسرعة ثم قالت بـ خوف:هو..هو مشي؟
-تنفس بـ عمق وقال بـهدوء:مشي..وبعدين فين عدي سبتيه ليه!
لم ترد عليه ولكن إكتفت بـ تنكيس رأسها إلى أسفل..أبعد يده عن منكبيها وقال بـ هدوء ظاهري
-يلا نخرج من المكان دا
أماءت بـ رأسها وإتجها إلى الخارج..ليجدا عدي يتحدث في هاتفه..
أغلق عدي هاتفه ما أن لاحظ دلوفهما إلى الخارج..سلط أنظاره على بتول لينعقد ما بين حاجبيه وهو يقول
-مالها يا يونس..وشها أصفر ليه!
-مسح يونس على وجهه وقال مُعنفًا إياه:أنت إزاي تسيبها فـ مكان زي دا وتخرج!..إفرض كان جرالها حاجة وأنا ملحقتهاش؟
-تشدق عدي بـ برود:وأديها صاخ سليم ولا حصلها حاجة
كاد يونس أن يتحدث ولكن بتول منعته بـ قولها المرهق
-عاوزة أروح
-إلتفت لها يونس وقال:حاضر هروحك أهو..
إلتفت إلى أخيه الذي ينظر لهما بـ ضجر وقال بـ صرامة
-هروح أوصلها وأجيلك هنا..متتحركش
-طيب
أمسك يدها الباردة وقال بـ إبتسامة و هدوء لأول مرة يُخاطبها به
-يلا
-وجفْ (وقف) يا صجر
إلتفت يونس على صوت عواد..ليتساءل يونس
-في حاجة يا عواد؟
-إبتسم وهو يقول:لاه..روح أنت ويا خوك (أخوك)..وأنا باخذها معي
-نظر لها وتساءل:إيه رأيك!
نظرت إلى عواد ثم إلى يونس وقالت بـ خفوت
-طيب
-هز رأسه ثم قال:معلش يا عواد
-عيب تجول هيك يا صجر..والله بزعل يابن العم
إبتسم يونس بـ إمتنان..تحركت بتول بـ صمت غير مُعتادة عليه..وخلفها عواد..وما أن مر بجانب يونس سأله الأخير بـ صوت خفيض
-الحاجة وديتها!
-أماء عواد بـ رأسه وقال:أيوة يا صجر..لا تقلق
-مش قلقان..ويلا روحوا..
وتحرك كِلاهما بـ صمت...
*************************************
-يا حبيبتي يا بنتي رحتي فين يا ضنايا!
هتفت بها بدرية وهى تنتحب على إبنتها الضائعة..في نفس الوقت دلف إبنها و زوجها لتهرع إليهم تسألهم في تلهف
-وصلتوا لحاجة!
نكسا رأسهما ولم يجب أحدهم..لتعود وصلة النواح من جديد..ليحاوط إسلام والدته هاتفًا بـ ترجي
-أبوس أيدك يا ماما خلاص متعمليش كدا..لازم تبقي قوية عشان نقدر نواصل
ثم سحبها معه ليجلسوا جميعًا على الأريكة في الصالة..جلس إسماعيل بجانب زوجته التي سألته بـ توجس باكي
-طب عملتوا إيه فـ القسم!
-تنهد إسماعيل وهو يقول بـ إنهاك:تابعنا مع كذا ظابط..وكلهم بيدورا عليها
-ردت عليه بـ نشيج:طب وبعدين؟..بنتي هتفضل تحت رحمة قاتل؟
-تأفف إسماعيل وهو ينهرها:يا ستي صلي ع النبي وإدعيلها ربنا يسترها معاها
-وهو أنا مبدعليهاش..أنا والله ليل نهار بدعي ربنا يرجعهالي بـ السلامة
-يارب..
صمت الجميع ليقول إسلام بعدها
-طب متكلم حد من معارفك يا بابا؟
-عملت وكلهم نفس المجهود ومحدش قصر..
نهض إسلام بـ عصبية وتشدق
-كله من تحت راسه
-نهره والده:إسلاااام!!..ملوش لزوم الكلام دا
-هز رأسه بـ نفي وقال:لأ..لو جرالها حاجة مش هرحمه
-صرخت بدرية بـ قوة..وهتفت بـ غضب:فال الله ولا فالك..أختك هترجع صاخ سليم إن شاء الله..
-ليردد بـ قوة:إن شاء الله..بس لما ترجع هنفسخ الخطوبة دي ومش هترجعله..ودا أخر ما عندي...
ثم تركهم في حالة ذهول ورحل...
**************************************
-خلاص يا عدي..حاول تتصرفلي كمان يومين فـ حاجة تودينا السويد
-وإشمعنا السويد!
-رد عليه يونس بـ جدية:الظابط اللي هنديله المعلومات هناك..وهنتصرف هناك ع أنه مشتري..يعني أنا ببيع البلد عشان مستكشفش
-أكمل عدي حديثه وهو يحك طرف ذقنه:وبكدا هتعرفوا باقي الجواسيس اللي جوه مصر وباقي الدول العربية!
-أماء يونس بـ رأسه وقال:أيوة..عشان كدا لازم نتحرك بسرعة وهدوء عشان أي غلطة هتودينا السودان
ضحك عدي ونهض ثم قال وهو ينظر في ساعته
-حيث كدا أنا لازم أرجع وأكلم العقيد سعد يظبط الأمور فـ الدِرا..
-ربت على كتفه وقال:طب كويس..روح وخلي بالك من نفسك
إحضتنه عدي ثم إبتعد عنه وقال بـ جدية
-متقلقش ع أخوك..خلي بالك أنت من نفسك وحرص من البت دي
-ربت مجددًا على كتفه ثم قال:متقلقش أنت..خلي بالك من أمك وأبوك..وفرح قلبها وقولها إبنك عايش وهيرجعلك..
إبتسم عدي ثم رحل..إنتظره يونس حتى رحيله وأكمل هو طريقه إلى منزل أبو عواد...
وعلى الجانب الأخر كانت بتول تنظر إلى تلك الأشياء الموضوعة الخاصة بـ يونس والتي جلبها عواد ونسى نقلها إلى غُرفته قبل دلوف بتول..كان فضولها يدفعها إلى معرفة ذلك الغموض الذي يُحيط به..نهضت وقالت بـ عزيمة
-أنا لازم أفهم كل حاجة مش هقعد زي الأطرش فـ الزفة
توجهت إلى تلك الحقيبة وتلك القلادة التي يحتفظ بها كـ عيناه..أخذت تتلاعب بها لتنفتح من بين يديها وتظهر على هيئة
-فلاشة؟
هتفت بها بـ تعجب وهى تُحدق بها..ثم توجهت إلى الحقيبة وفتحتها لتجد صندوق مُغلق..بحثت عن مفتاحه ولكنها لم تجده..تأفف بـ ضيق ولكنها أيضًا لم تتوقف..أخرجت ذلك الحاسوب المحمول..وقررت أن تعرف ما تحتويه هذه الـ "فلاشة"
جلست على الأرضة وفتحت الحاسوب ومن ثم أوصلتها به..كانت تُعطي ظهرها إلى الباب..وبدأت في تشغيل ما تحتويه من مشاهد..جعلتها تتصلب في جلستها وكأنها على وشك فُقدان روحها...
في تلك الأثناء صعد يونس بـ هدوء فـ كان الجميع نيام..فتح باب غُرفته بـ بطئ وهدوء ظنًا منه أنها نائمة..ولكنه ما أن فتح الباب وجدها جالسة ولكنه لاحظ تصلب جسدها وتشنجه..إقترب منها فـ وجدها تحمل الحاسوب وتُشاهد تلك المقاطع..هتف بـ جزع
-بتووول
ثم هرع إليها يضع يده على عيناها ليمنعها من مُشاهدة المزيد..شعر بـ برودة جسدها وإرتجافته..أزاح الحاسوب أرضًا ثم أوقفها وأدارها إليه..ليجد وجهها قد شحب كـ شحوب الموتى وعيناها مُثبتتان على الفراغ..هتف بـ اسمها بـ توجس
-بتول!!
-رفعت أنظارها الضائعة إليه وهى تقول بـ شرود:هو اللي شوفته دا حقيقة!!
ولم تنتظر جوابه إذ سقطت بين يديه فاقدة الوعي مُعلنة إستسلامها لتلك الهوة العميقة حالكة الظلام.... الفصل الثامن
لا أتذكر قلبي إلّا إذا شقه الحب نصفين أو جف من عطش الحب.
حملها سريعًا بعدما فقدت وعيها بين يديه..ووضعها على الفراش وقد تقصلت ملامحه رعبًا عليها..ماذا لو فقدها!..ماذا لو ذهبت؟..ماذا إن أصابها مكروه!..لا يجد إجابه..كل ما بات يعلمه بل بات يتيقنه أنها إذ أصابها مكروه فـ إنه سيفقد علقه لا محالة..
بـ يد مرتعشة أخذ يربت على وجنتها بـ رفق حتى تفيق وبـ همس أخذ يُردد اسمها من بين شفتيه
-بتووول..بتول فوقي عشان خاطري...
ولكن لا رد..أغمض عيناه بـ غضب وسبه من بين شفتيه..أمسك يدها بـ كفيه وهتف بـ توسل
-عشان خاطري فوقي..هو كلب ميستاهلش..قومي!!..
إبتلع ريقه بـ صعوبة وهو يجد الرد عليه سكون..نهض بعدها سريعًا مت مكانه وفتح الباب وخرج هاتفًا بـ صوت قد صدى صداه في جميع أرجاء المنزل
-عم أبو عواد!!..عوااااد؟!!
وعلى إثر صوته خرج الجميع من الغرف وقد هرع إليه عواد ويسأله بـ توجس
-خير إيش صار يا صجر؟
-أمسكه من كتفاه وقال بـ مُسرعًا:دكتور..عاوز دكتور فورًا
-هّلا بيكون الطبيب هون..لا تجلج (تقلق) يا صجر
كان هذا صوت أبو عواد الذي تحدث بـ رزانة..نظر له يونس بـ إمتنان ولم يتحدث..بل ترك الجميع ودلف إلى الداخل ليكون بـ جانبها..أمسك يدها وأخذ يمسح عليها بـ حنو وهو ينظر لها بـ تضرع علها تنهض..بعد مرور قليل من الوقت حضر الطبيب بـ رفقة أم عواد التي قالت وهى تربت على منكبه بـ حنو
-جوم يا ولدي الطبيب هّلا بيفحصها
-طيب
قالها بـ تعب..ثم رمى بتول بـ نظرة مُتألمة من أجلها وإنحنى على جبينها يُلثمه بـ رقة ثم دلف إلى الخارج..ونزل على الدرج فـ وجد عواد و والده جالسان بـ الأسفل وما أن رآه الأول حتى نهض مُسرعًا وسأله بـ إهتمام
-كيفها!
-وضع يونس يده على جبينه وقال:الدكتور فوق بيكشف عليها..
ثم جلس و نظر إلى أبو عواد وقال بـ أسف
-أنا أسف ع اللي حصل يا عم أبو عواد
-ربت على ساقه ثم قال بـ إبتسامة:لا تجول هيك..هي مثل بنتي..الله يشفيها
-يارب
قالها وإلتفت إلى عواد وقال بـ صوتٍ خفيض
-تعالى بره عاوزك
-أييه طيب
ثم دلفا إلى الخارج..وقف يونس أمام عواد وسأله بـ هدوء
-ليه مأخدتش الحاجة اللي إديتهالك أوضتك أنت!
-ليش!!.إيش صار؟
-أمسكه يونس من تلابيبه وهتف من بين أسنانه:إيش صار؟..أقولك إيه اللي حصل!!..عرفت كل حاجة..شافت بعنيها إيه اللي حصل
إرتسمت ملامح الذهول على وجه عواد ثم ما لبث أن قال بـ إعتذار
-أعذرني يا صجر..نسيت أنجلها (أنقلها) عندي..وبعدين ليش زعلان هيك؟..مو كنت تريد أنها تعرف؟
-تركه يونس وهو يهتف بـ تقرير:أيوة كنت عاوزة تعرف..بس مش بالطريقة دي..أنا حتى متمناش لعدوي أنه يشوف مشاهد زي دي..
وجلس فوق الأرض الرملية وبجانبه عواد..الذي وضع يده على رُكبته يواسيه ثم قال بـ هدوء
-كمل..إيش صار يا ضجر جلب حالك هيك!!..ما كنت هيك جبّل
-وضع يونس يده على وجهه وقال بـ جمود:مقدرش أحكي يا عواد..أنا لسه منستش اللي حصل..لسه حاسس بـ دم الناس على إيدي..لسه حاسس باللي حصل وكأني محبوس جواه..اليوم دا ميتنسيش ومينفعش يتنسي..عز الدين لازم يتحاسب ع اللي عمله فيا و فـ فرقتي و فـ الناس
-هتف عواد بـ مؤازرة:خلص لا تحكي..أنا مو رايد أحزّنك..الله يكون بعونك..بعرف إنك رچال وهتعرف إيش تساوي...
أماء يونس بـ رأسه ثم صمت..لتأتي فتاهً ما تُخبرهم أن الطبيب قد إنتهى من فحصها..ليهرع يونس إليه وفؤاده يسبق قدماه...
**************************************
أخذت تتفحصه وهو يتجرع كوب الشاي الساخن الخاص به بـ تلذذ وكأنه يحتفل بـ إنتصارٍ ما..لتسأله وهى تعقد حاجبيها
-خير يا سيف مالك مبسوط ليه!
-مد يده لها وقال بـ إبتسامة:تعالي هنا وأنا أقولك
ترددت في إمساك يده ولكنها فعلت..ليجذبها تجلس جانبه ثم حاوط كتفيها ومال على أُذنها هامسًا وكأنه سر يرفض البوح به
-أصل النهاردة بس عرفت أحط السكينة على رقبة عز
-وضعت يدها على ساقه وتساءلت:إزاي يعني؟
أخذ رشفة من الكوب ثم مال بـ جذعه إلى الأمام ليضع الكوب على الطاولة الزجاجية ثم عاد إليها وعاد يحاوطها ثم أكمل بـ إبتسامة ماكرة
-النهاردة فكرت أن خطيبته بس هى نقطة ضعفه..بس...
وترك عبارته مُعلقة..لتلتفت إليه بـ جسدها ومن ثم تشدقت
-بس إيه!..كمل
-إرتفع حاجبيه بـ دهشة مُصطنعة وتساءل:الله!..ليه الأسئلة دي؟
توترت لثانية ولكنها إستجمعت ثقتها ثم هتفت بـ قوة
-ومن أمتى وانا مبسألش!!..أنا من سنتين رهنت حياتي..آآآ..
-قاطعها وهو يضع يده على فاها وقال بـ ضحك:بس..بس..مالك قلبتيها دراما ليه!..أنتي عارفة يا روضة إني مبخبيش عنك حاجة..أنا بس حبيت أهزر معاكي
-إبتسمت بـ بهوت وقالت:ماشي يا سيدي..ها قولي بقى
-أعاد خُصلة وراء أُذنها وقال:حاضر يا ستي..فاكرة قائد الفرقة اللي قولتلك عليه..اللي كنت بدرب تحت إيده!
-قطبت حاجبيها وأجابت بـ نفي:لأ مش فاكرة
-ضحك وقال:مش مهم..المهم الكل فكر أنه مات
-مالت بـ رأسها إلى اليسار وقالت:وهو ماممتش؟
-هز رأسه بـ نفي وقال:طبعًا لأ..ودا اللي أكتشفته النهاردة..
إتسعت عيناها بـ دهشة وهى تقول في نفسها.."إذا يونس شقيق الرائد عدي لا يزال على قيد الحياه"..ولم تُفصح عما يدور بـ خلدها..لتستفيق على صوته الذي أكمل وكأنه يستدعي الأحداث في عقله
-أهو القائد دا معاه حاجات توديه فـ ستين ألف داهية..عشان كدا بما فكرت..قولت إني هلاقي القائد دا وأقتله وأخد الحاجات اللي معاه..وبدل ما يكون تهديد واحد يكون أتنين..تلاتة..أربعة..خمسة..أهو ع حسب...
-نظرت له بـ مكر قد إكتسبته منه وقالت:حلوة دماغك يا سيف
-غازلها بـ قوله:مفيش أحلى منك يا روضتي
ومال يُقبل وجنتها ولكنها نهضت بـ توتر وقالت وهى تفرك كفيها بـ إرتباك ملحوظ
-سـ..سيف..آآ..أنت..عـ..ارف..آآآ..
نهض عن مجلسه ثم إتجه ناحيتها وأمسكها من يديها وإبتسم بـ حنو وقال
-خلاص إهدي يا روضة..مش هقربلك إلا لما نتجوز..أنا مكنتش هقرب أصلاً..كنت عاوز بس أحس بيكي جمبي
-إبتسمت بـ توتر وقالت بـ صوت خفيض:مـ..معلش يا سيف..أستحملني
ضمها له ووضع ذقنه على رأسها وهتف بـ حب
-وإن مكنتش أستحملك هستحمل مين!
أبعدها عنه ثم أحاط وجهها بـ راحتيه وهتف بـ وعد
-هتجوزك بس لما أخلص موضوع عز دا..وبعدين أنا وأنتي حياتنا هتبدأ..
إكتفت بـ إبتسامة لم تصل لعيناها..فـ سيف يعشقها بل يهيم بها..ولكنها تنفر منه وبـ شدة..أُجبرت على ذاك الوضع حتى تُقوم بـ تصحيح ما أفسدن شقيقها..إبتعدت عنه بعدما أخرجت نفسها من هذا التفكير ثم قالت وهى تتحرك بعيدًا عنه
-هروح أجيب شنطتي وأمشي عشان مينفعش أتأخر؟
-طيب يلا وأنا هجهز العربية..
ودلفت إلى إحدى الغرف وأغلقت الباب..ثم أخرجت هاتفها وقامت بـ حفظ ما سجلته..وضعت الهاتف في حقيبتها وأخذتها..سمعت صوت سيف يصدح بـ الخارج
-يلا يا حبيبتي إتأخرنا
-ردت عليه بـ صوت يشوبه الإرتباك:آآ..أيوة..جاية
ثم عدلت ثيابها ودلفت إلى الخارج..أجبرت نفسها على الإبتسام وقالت بـ إعتذار
-أسفة يا سيف كنت بظبط هدومي
-أمسك يدها وقال بـ حب:ولا يهمك يا روحي..يلا عشان متتأخريش...
***************************************
وقف الطبيب أمام يونس وقال بـ عملية ونبرة عادية
-زوجتك چاتها صدمة..وبعتجد (بعتقد) إنها جوية..و لهيك لازم يكون هنيك رعاية..أنا كتبت علاج..وإن شالله تجوم بخير...
-شكره عواد وقال:تسلم يا طبيب تعبناك
-وضع يده على صدره وقال بـ مجاملة:لا تعب ولا شي..أنا هون بساعدكم..الله يشفيها
ثم رحل..ربتت أم عواد على ظهره وقالت بـ إبتسامة بشوشة
-روح طُل على مرتك وطمن جلبك اللي كيف المطرقة
نظر لها يونس بـ عدم فهم..ليجدها لا تزال تبتسم..لم يعي ماذا تقول إلا عندما وضع يده على صدره..ليجده حقًا يخفق كـ المطارق بـ داخل ضلوعه هاتفًا بـ لوعة لكي يطمأن عليها..وبدون أن ينطق تركهم ورحل..وصوت ضربات قلبه تعلو..ربما خوفًا..أو لهفة لرؤيتها..أو حتى عشقًا لها!..وعند تلك النقطة توقف أمام باب الغرفة وسأل نفسه متى عشقها!..ليُجيب قلبه سريعًا أنه ما أن أبصرها مُنذ سنتان وقد خر قلبه صريعًا لهواها..أخذ يونس نفسًا عميق ليطرد تلك الأفكار عن رأسه ودلف إلى الداخل..
وجدها نائمة كـ الملاك..تقدم ناحيتها بـ خطى بطيئة وهو يزدرد ريقه بـ صعوبة..جلس بـ جانبها ثم أمسك يدها وحدثها بـ خفوت
-مكنتش عاوزك تعرفي بـ الطريقة دي..خصوصًا...
إبتلع تلك الغصة في حلقه وأكمل
-خصوصًا أنك بتحبيه..عارف إنها هتكون صدمة..بس أنت هتتخطيها..وأنا مش هسيبك وهكون جمبك خطوة بخطوة
ثم لثم جبينها بـ حب و وضع رأسه على كفها وهتف بعد مدة ما بين الصحوة والنعاس
-معرفش دخلتي قلبي أمتى بس أنا خلاص بقيت أسيرك يا بنت السلطان..يونس بقى أسيرك...
*************************************
في صباح اليوم التالي إستيقظ يونس على صوت شهقات..فتح عيناه سريعًا ليجد نفسه قد غفى في مكانه..رفع أنظاره لها فـ وجدها تضم ساقيها إلى صدرها و تحاوطهم وعيناها لا تكفان عن زرف العبرات..وعند تلك اللألئ لم يستطع أن يتحمل..فـ تقدم منها وجلس أمامها وتشدق بـ هدوء
-بصي يا بتول..أنا مش هقولك متعيطيش ولا أي حاجة..لأ بالعكس لازم تطلعي كل اللي جواكي..هو خذلك وأنتي إتخدعتي فيه..لازم يكون فيه رد فعل..وفـ حالتك أنتي مقداكيش إلا كدا..فـ خرجي اللي جواكي
نظرت له بـ عنيان دامعتان ولم ترد..أخفضت رأسها مرة أخرى و وضعتها عل رُكبتيها تُخفيها وأكملت نحيبها..فرك يونس وجهه بـ عنف ألا تعلم أن تلك العبرات تنخر في عظامه!..ألا تعلم مقدار الألم الذي تسببه تلك اللألئ المتساقطة من عيناها!!..إقترب منها أكثر ثم مسد بـ يده على خُصلاتها وتحدث بـ حنو
-أنا جمبك وهفضل جمبك..اللي شوفتيه دا إمسحيه من دماغك..عارف إنه صعب بس حاولي..آآ
-قاطعته بـ شراسة وهى ترفع رأسها فجأة:أنسى!!..هو أنا شوفته بيسرق جزم من قدام الجامع..دا إغتصب!..عارف يعني إيه إغتصب!..
أحاطت جسدها ثم قالت بـ تقزز
-إزاي يجيله قلب يعمل كدا!!..أنا متخيلتش أنه يكون بالحقارة دي؟..هو فيه ناس تقدر تخدع كدا بسهولة!..طب هو ضحك عليا ليه؟..أنا بحبه وهو عارف كدا!!..بيستغله مثلاً!
كان يونس يستمع إليها بـ أسى وهو لا يقدر على فعل شئ..الخذلان قد ذاقه أيضًا..أن يكون أحدهم قدوتك وتكتشف يومًا ما أنه لم يكن سوى حقير..قاتل..مُغتصب!..هو أيضًا إختبر ذلك الشعور ويعلم مدى ألمه..وجدها تمسك ذراعيه وتهتف بـ عصبية
-رد عليا ساكت ليه؟..معندكش رد طبعًا..وهيكون عندك منين..أنا خلاص مبقتش عارفة أصدق مين ولا أعمل إيه..أكتر واحد حبيته طلع **** راجل عرفته..
-وضع يده على وجنتها وحاول تهدئتها:هشششش..خلاص أنا معاكي...
نفضت يده عنها وأبتعدت عنه وصرخت بـ حدة
-أنت كمان تبعد عني..إذا كان هو وطلع كدا وكنت مفكرة إني أعرفه..أومال أنت هتطلع إيه؟..كفاية كدب بقى..أنت أكيد متفرقش عنه حاجة...
نهض يونس مُسرعًا إليها..هو يعلم أن مصابها كبير ولكن عليه إحتوائها..وقف أمامها وأشار بـ يده أن تهدأ وحاول طمأنتها بـ قوله
-إهدي يا بتول..أنتي عندك حق..أنتي متعرفنيش بس كل اللي هقدر أقوله إني مقدرش أأذيكي...
نظرت له بـ تعجب ولكن لم تهدأ إنتفاضة جسدها..ليقترب يونس خطوة صغيرة وأكمل بـ نبرة صادقة أجبرتها على الهدوء
-أيوة..بخاف عليكي حتى من نفسي يا بتول..لو كنت وحش أو حد مش كويس كنت أذيتك..لكن لأ مقدرش يا بتول..أنا من ساعة أما شوفتك حسيت إنك مسئولة مني..حسيت إنه لازم احميكي وأكون ضلك..أكون أمانك..عشان كدا مقدرش أخذلك أبدًا
صمت يُتابع سكون جسدها و لكن عبراتها لا تزال تسقط بـ صمت..تقدم منها حتى وصل أمامها ومد إبهامه يُزيل عبراتها بـ حنو ثم تشدق بـ هدوء وحذر
-أنتي بتثقي فيا حتى لو مش مبينة..بس باين أوي فـ عنيكي..عارفة اول ما أخدتك..فكرت أنك هتثوري وهتصرخي وتعملي ازعرينة..اللي أنتي أصلاً مش مبطلاها..لكن إتفاجأت بـ سكونك وهدوئك..ولما قولتلك إني مش هأذيكي أنتي صدقتيني من غير أما تقولي..شوفت إنك بتثقي فيا وأنا مقدرش أخون ثقتك
-سمع صوتها المُتحشرج يقول:يعني أنتي مش هتأذيني؟!
-إبتسم بـ حنو وقال:عمري ما أقدر أصلاً
مسحت عبراتها وعادت تسأله بـ خفوت
-ولا حتى زيه!
-وضع يده في خصره وقال:ولا حتى زيه
نظرت له بـ إمتنان..نظراتها أرسلت ذبذبات جعلت خافقه يقرع بـ عنف من جديد..ليهتف هو بـ إبتسامة تخفي الكثير
-يلا خشي إغسلي وشك عشان تفطري وتاخدي دواكي
-ردت عليه بـ إستسلام:طيب
ثم دلفت فـ كانت مُنهكة القوى ولم تستطع المجادلة..ظل ينظر في إثرها بـ حزن..رغم قدرته على تهدئة روعها..إلا أن شعوره بـ أنها لا تزال تعشقه يجعله يشعر بـ غصة مريرة عالقة في حلقة..و تلك الوخزة في مُنتصف ضلوعه..ليهتف بـ إستسلام وتقرير
-بعترف يا بنت السلطان أنك دوبتيني فـ حبك..وقعت فـ غرامك وعارف أني مش هطلع منه سليم...