رواية التاجر والزوجات الثلاثه الفصل الثالث والاخير بقلم زهرة الاهراس
في الصّباح جاء الجزار وطلب من عبد الله أن يرجع له ماله، ويعطيه داره ،فهو لا يحتاج إليها ،لكن إبن التاجر عرض عليه أن يرجع له فقط نصف ثمنها،فكرّ الجزار ،وقال في نفسه : نصف المال خير من لا شيئ ،وأنا الظالم، فما الذي دفعني إلى التّآمر عليه، وهو جاري ؟ وكنت أعرف أباه!!! ثم أخذ المال ،ولم يمرّ وقت طويل حتى أفلس دكّانه فقد كفّ أهل الحي عن المجيئ إليه للشّراء بعدما فعله مع امرأة جاره ،أمّا صفيّة ،فصارت تغطّي رأسها لمّا تخرج للزقاق، لكي لا يشمت فيها الناس ،وهي تتجنّب المرور من قدّام دكاّن عبد الله لكي لا يراها ، وبلغها أنّ ذلك الفتى أعاد ملأ دكانه بالبضاعة دون أن ينفق درهما من كنز أبيه ،وكلّ ذلك بفضل مال الجزّار . ولم تمرّ ثلاثة أشهر حتى إشترى دكاّنا آخر في وسط السّوق ،فلامت نفسها على حمقها .
بمرور الأيّام توطّدت العلاقة مع صديق أبيه، وصارا يشتريان المنازل القديمة ويبنيان مكانها أخرى فخمة ،فجرى الذّهب في أيديهما ،ورغم ذلك فإنّ عبد الله كان يرفض الزوّاج فلم ينس ما فعلته به صفيّة ،والمرأتان اللتان قبلها ،وترحّم على والده ،فلقد أعطاه نصيحة تساوي مال الدنيا ،لكنّه كان أحمقا ولم يستمع لأبيه ،وفي أحد الأيّام جاء إلى دار الحاج عليّ ، فلم يجده،وأراد الإنصراف ،لكن نوال إبنة الرّجل دعته للدّخول ،والإنتظار في غرفة الضّيوف، ثمّ أحضرت له القهوة ،ومن شدّة إرتباكها أسقطت الفنجان على الأرض فانكسر،واحمرّ وجهها ،فقال عبد الله: لا بأس إعتبريني أنّي قد شربتها !!! ،فابتسمت له ،وأحسّ بأنّها جميلة ،ثمّ رجع للجلوس،وفكّر أن يكلّم أباها لكنّه خاف أن يسيئ به الظّن.بعد قليل جاء الحاج عليّ،وسأله عن حاله ،ونصحه بأنّ يتزوّج ،ليمتلك نصف دينه ،وبأنّه ليس أحسن من امرأة تنتظره عند عودته للدار فتذهب عنه التّعب ،وتشاركه طعامه ،ويسكن إليها.
كان الولد ،كعادته يستمع ،لكن كان يفكّر في نوال ،كانت قريبة منه لدرجة أنّه شعر بأنفاسها السّاخنة على وجهه ،وهي تبدو لطيفة جدّا ،لكنّه تذكّر أنّه قال عن صفيّة نفس الشّيئ في البداية ،ثمّ دبّر شيئا وأعجبه تلك الفكرة ،فانبسطت نفسه ،وكان يعرف أن البنت تخرج كل يوم إلى السّوق ،وتسير في نفس الزّقاق ،ولمّا رآها قادمة أسقط من جيبه عقدا ثمينا من الذّهب المرصّع بالأحجار الكريمة ،ولمّا شاهدت العقد، إنحنت عليه والتقطته ،ولم تر قربه أحدا ،أما عبد الله فإختفى وراء أحد البيوت، وأطل عليها لينظر ما تفعل ،فمشت حتى المسجد ،وسلمته للإمام ،وقالت :إن جاء صاحبه، فردّه له، وإن لم يأت، إجعله صدقة على الفقراء ،فأجابها :بارك الله في تربيتك ،ولمّا همت بالذهاب، رأت عبد الله واقفا قدامها ،وقال لها :العقد ملكي وصفته كذا وكذا ،وهو مهرك وسأزيدك عليه حتى يرضى أبوك ثم ذهبا إلى السّوق معا ،ولمّا عادا وجدا الشيخ يتوضّئ ،ويتهيأ للصّلاة، وحين رآهما معا إبتسم ،وقال لعبد الله :إسمع لو كنت تنوي خطبتها ،فأنا موافق ،أجاب الفتى :ذلك ما أنوي فعله ، ردّ عليّ لكن مهر إبنتي غالي، وأنا أشترط كل ما تركه أبوك من ذهب !!!
قال عبد الله دون أن يفكّر : والله لا يغلى شيئ على نوال، ضحك عليّ ،وأجاب: لقد أردت فقط رؤية همّتك ،فأنا أيضا أخشى على إبنتي الوحيدة من الدّهر، وذلك العقد الذي في يدك يكفيها مهرا ،وزيادة . ليلة العرس سأل عبد الله عروسه: هل أنت معي ضدّ الدّهر ،أم أنّكما معا ضدّي ،أجابته: لو حلّ بك الفقر ،حتى نمت على حصيرة ،وأكلت رغيفا يابسا ،لنمت معك ،وأكلت رغيفك،فأنت من أحبّه قلبي ،ولولا الحياء لأخبرتك بما فيه ،قال: في بعض الأحيان يبحث الإنسان عن الحبّ في كلّ مكان، لكنّه يأتيك وحده ،يطرق بابك وأنت لا تنتظر أحدا ،سبحان الذي قدّر أن أتزّوج من ثلاثة لأجدك أنت تطرقين باب قلبي البائس ،وتملكين أحاسيسي.
وفي ذلك اليوم كانت صفيّة قدّام باب داره ،وهي تقول: لم تخلص مني بعد يا عبد الله ،فأنت لا تعرف كيد النّساء ، لكنها ما كادت تتحرّك حتى جاء حصان يجري فرفسها بأقدامه ،وذلك المساء ،تحدثّت كل المدينة عن تلك المرأة التي ماتت ،وقربها قارورة من السّم كانت تريد أن تقتل بها زوجة عبد الله الجديدة ليلة عرسها ،لكن الله عجّل بعقابها ،والمكر السّيئ لا يحيق إلا بأهله!!! وعاش الزّوجان في سعادة ،وهناء ،ورزقا بالبنين والبنات ،وصار عبد الله شهبندر التّجار ،فالحمد لله الذي أعطاه بغير حساب ،ورزقه من نعمته ،فتزوّجوا بنات الأصول، فالدّهر يتقلّب ،والأيّام تطول ..
تمت بحمد الله
