Ads by Google X

رواية أرض زيكولا الفصل الواحد و العشرين 21 والأخير بقلم سندي

 




 رواية أرض زيكولا الفصل الواحد و العشرين 21 والأخير بقلم سندي


اتسعت حدقتا عيني خالد بعدما سمع هذه الكلمات :

- الطبيبة ؟! .. أسيل ..

ثم أسرع عَدْواً إلى البحيرة .. يدق قلبه بقوة .. 

لا تنطق شفتاه سوى بكلمة واحدة .. أسيل .. 

و ينطلق بين من يحتفلون , و يرتطم بهم 

ثم ينحنى لهم ليقدم اعتذاره .. 

ثم ينطلق مجدداً , و قد ارتسمت البسمة على وجهه .. 

حتى وصل إلى شاطئ البحيرة , 

و ظل يبحث عنها بكل مكان به , و صاح بصوته .. أسيل .. أسيل .. و لكنه لم يجدها , و ظل يصيح بصوته يناديها , 

و لكن دون جدوى حتى اقترب من شجرته 

التى طالما جلس بجوارها , و بدا على وجهه الحزن , 

فلمح ورقة قد عُلقت بتلك الشجرة , و تتحرك مع الرياح , فالتقطها على الفور فوجدها تبدو كرسالة تركتها أسيل .. 

و قد كتبت بها :

( لا أعلم كيف أبدأ حديثى .. 

و لكننى أتمنى أن تقرأ كلماتى تلك يا خالد .. 

ربما لا أكون ماهرة فى الكتابة مثلك .. 

و لكننى أريد فقط أن أُعبّر عما يدور بذهنى .. 

أريدك أن تعلم كم كنت أحبك .. 

لقد أحببتك منذ رأيتك تنقذ الفتى من الغرق .. 

و أنت من جعلنى أشعر بالأنانية 

بعدما لم أردك أن تغادر و تترك زيكولا .. 

كنت أظهر لك مساعدتى , 

و لكننى لم أتمن لحظة واحدة أن تغادر ..

خالد لم استطع أن أراك ذبيح زيكولا , 

و أظل أنا احتفل بذلك اليوم .. 

أريدك بعد أن نجوت أن تخبر غيرك بأنك تمتلك أغلى كتاب بتاريخ زيكولا .. كما أنك تمتلك أيضاً أغلى قُبلة بتاريخها ..

أتتذكر حين أخبرتنى أنك لا تمتلك شيئاً تنال مقابله 

وحدات ذكاء ؟ .. أنك لا ترى ما تمتلكه يا خالد .. 

لقد رأيت ذلك .. 

و كانت تكفينى تلك القُبلة كى أدفع لك أغلى ثمناً مقابلاً لها .. كى تنجو من ذلك اليوم , و تعود إلى حبيبتك ذكى كما كنت .. أريدك فقط أن تعود إليها و تعيشا سعيدين .. 

أنا أعلم أنها لن تجد مثلك , و أعلم أيضاً أنك لن تستطيع العيش هنا , و أعلم جيداً أننى لن استطيع العيش بعالمك .. عُد إليها , و اتمنى أن تتذكرنى بين الحين و الآخر ..

ربما تجد ذلك النجم بالسماء .. 

فإن وجدته فأعلم أننى أراه أيضاً 

و أتمنى لك السعادة وقتها .. 

أعتقد أننى لن أترك السماء ليلة 

دون أن أتأمّلها بحثاً عنه ..

لقد أخبرتك أننى إن تركت زيكولا سأتركها 

لسبب قوى للغاية .. 

و لا أعتقد أننى سأجد سبباً أقوى من إبقائك على قيد الحياة , و أريدك أن تخبر يامن أننى أعلم جيداً أن من يحب سيفعل 

كل شئ من أجل من يحبه ..

سأذهب إلى بلدى بيجانا , و سأعمل هناك طبيبة أيضاً .. 

أعلم أنهم فى حاجة إلىّ , و سأخبرهم دوماً عن ذلك الشاب الذى أتى إلى زيكولا , و عمل الكثير من الخير 

دون أن يتقاضى له مقابلاً ..

فى النهاية اسمح لى يا خالد .. 

لقد احتفظت بأوراقك التى طالما جعلتنى أشعر بسعادة 

لم أذقها من قبل .. 

و أتمنى أن تكون قد شعرت بكلماتى , و أعلم أننى لست ماهرة بالكتابة .. 

و لكن علىّ أن أرحل الآن قبل أن تشرق الشمس , 

و يُغلق باب زيكولا )

فهمس خالد إلى نفسه :

- باب زيكولا ..

ثم أسرع يعدو تجاه باب زيكولا .. 

يجرى و لا يشعر بشئ من حوله .. 

يجرى و لا تدور برأسه سوى كلمات أسيل .. 

يجرى مسرعاً كأنه لم يجرِ من قبل .. 

يتمنى أن تنقله الرياح إلى ذلك الباب .. 

من يراه يندهش , و يرتطم بهذا و ذاك .. 

و يواصل عَدْوَه , و يسقط و ينهض ليعدو مرة أخرى .. 

يستمع إلى أنفاسه المتسارعة , و يكمل عدوه و سقطت منه الورقة فتركها .. و أكمل طريقه .. 

حتى وصل إلى باب زيكولا فوجده مغلقاً , 

و أمامه حارس ضخم الجثة فصاح به :

- أريد أن أخرج ..

فابتسم الحارس :

- ألا ترى ؟!! .. لقد أُغلق الباب مع شروق شمس اليوم ..

فصاح خالد مجدداً :

- لابد أن أخرج ..

فظهر الغضب على وجه الحارس حتى صاح خالد مرة أخرى , 

و حاول أن يزيح الحارس بذراعه فدفعه الحارس بدرعه 

فعاد خطوات إلى الخلف , و سقط ثم نهض مجدداً , 

و عاد إلى الحارس :

- أريد أن أخرج ..

فضربه الحارس ضربة قوية بدرعه أسقطته على ظهره , و جعلت الدماء تنزف من وجهه فاقترب منه يامن , 

و أمسك بكتفيه :

- هيا يا خالد .. لابد أن نرحل عن هنا ..

فنهض خالد , و نظر إلى الباب الضخم .. 

و انتفخت عروق رقبته , و صاح بصوته 

كأنه يود أن يهز جدران تلك المنطقة :

- أسيييييل .. أسيييييل ..

فجذبه يامن :

- هيا يا خالد .. هيا .. لابد أن نرحل عن هنا ..

ثم أعطاه ورقة أسيل التى سقطت منه , وقال :

- لا تستطيع أسيل العودة إلى هنا مجدداً ..

- كانت تعلم أنها ستصبح فى نظر تلك المدينة خائنة .. ففضّلت أن تتركها بكافة ما تمتلكه ..

فصاح به خالد :

- إنها ليست خائنة ..

فابتسم يامن :

- أعلم ذلك يا صديقى .. لقد قرأت تلك الورقة ثم نظر إليه :

- لقد ضحّت بكل شئ من أجل حياتك يا خالد ..

- أنت تعلم ما كتبته إليك .. 

ما تمنته لك أن تعود إلى حبيبتك فى عالمك .. 

و أن تعيش حياتك سعيداً .. هذا سيكفل لها السعادة ..

- خالد , عليك أن تفعل ما يجعلها سعيدة الآن ..

فنطق خالد حزيناً :

- كان لابد أن تعرف أن حبيبتى تلك قد تزوجت ..

فصمت يامن ثم قال :

- لن تستطيع أسيل العودة إلى هنا .. 

و لن تستطيع أنت اللحاق بها .. عليك أن تعود إلى بلدك .. 

لقد فعلنا الكثير كى تتحقق أمنيتك بعودتك إلى بلدك ..

فجلس خالد , و أمسك برأسه .. 

و حدّث نفسه بصوت مسموع :

- لم أكن لأرضى أن تفعل ذلك ..

فصاح به يامن :

- و لكنها فعلته , و لم يعد هناك وقت لما تفعله الآن .. هيا انهض ..

ثم جذبه :

- أعلم أنك صديقى , و لكن أيها الصديق 

لا أريدك أن تظل هنا ببلدى .. عليك أن تعود إلى بلدك ..

فضحك خالد ساخراً :

- بلدى ؟! كيف ؟ .. 

لابد و أن صاحب البيت بالمنطقة الغربية قد عاد إليه , 

و انتهى كل شئ ..

فصمت يامن ثم أكمل مبتسماً :

- أو ربما لم يعد بعد ..

ثم أكمل :

- سيعود إلى بيته بعد غد ..

فنظر إليه خالد متعجباً :

- كيف و قد أخبرنا الفتى بأنه سيعود إلى بيته 

مع يوم زيكولا ؟!

فابتسم يامن :

- أعتقد أن مائتى وحدة ذكاء كافية 

لتجعله يترك بيته ليلتين ..

فسأله خالد فى دهشة :

- مائتا وحدة ؟!

فابتسم يامن :- نعم ..

فسأله خالد مجدداً :- أعطيته مائتى وحدة ؟!

فأجابه يامن :- نعم ..

فنظر إليه خالد :- كيف تدفع تلك الوحدات ؟

فأجابه يامن , و لا زالت الابتسامة على وجهه :

- ليست أسيل فقط من تقدم المساعدة .. 

حين جعلتنا نتخلص من آخذى وحدات الحماية كى نأكل دجاجاً , و نوفر وحدتين كل يوم .. لم أكن آكل الدجاج ..  










ثم زادت ابتسامته :

- لم أخبرك من قبل أننى لا أحب الدجاج .. 

و سامحنى لأننى لم أحضر منافسة الزيكولا بالأمس .. 

كان لابد , و أن أمكث هنا أمام ذلك الباب , 

و انتظر النهار بأكمله مع الخادم كى أجد صاحب البيت , 

و أقدّم له عرضى قبل أن نفقده و يضيع كل شئ ..

فسأله خالد :

- و ما مقابل تلك الوحدات يا يامن ؟

فنظر إليه يامن :

- لا تكفى تلك الوحدات مقابلاً لتلك الشهور 

التى كنت بها صديقاً وفياً لى ..

فابتسم خالد ثم احتضنه , فهمس يامن إلى أذنه :

- هيا عليك أن ترحل الآن .. 

الطريق إلى المنطقة الغربية طويل .. هناك ينتظرك إياد .. ستعطيه ذلك الحصان حين تصل إليه .. 

ثم أشار إلى حصان أسود قد عقله بالقرب منهما 

و تبدو عليه القوة ..

فسأله خالد , و كأنه لا يصدق مفاجآته :

- و من أين لك بهذا الحصان أيضاً ؟ ..

فابتسم يامن :

- لا تقلق , لقد استأجرته كى آتى به إلى هنا .. 

كان لابد أن أسرع .. و لكننى تذكرت أن الحصان لابد 

و أن يعود إلى صاحبه بالمنطقة الغربية , 

و أنا إن ذهبت إلى هناك كى أعيده .. 

فكيف أعود هنا مجدداً ؟! ..

ثم أكمل ضاحكاً :

- أنا جئت به .. و أنت ستعود به ..

فابتسم خالد :

- أكيد مش هلاقى صاحب زيك يا يامن ..

فابتسم يامن :

- ها أنت قد عدت إلى لهجتك الجميلة يا صديقى ..

- هيا لا تضيع وقتك , و تذكّرنى دائماً , 

و أنا سأظل هنا لأحكى للصغار أن صديقى صاحب أغلى كتاب و أغلى قُبلة بتاريخ زيكولا .. 

القُبلة التى أنقذت حياته يوم زيكولا ..

ثم أتى بالحصان إلى خالد , فامتطاه خالد و نظر إليه :

- يامن .. 

تعلم أن هناك شاباً قد يكون أخى بالمنطقة الشمالية .. 

إن قابلته يوم , و كان فى حاجة إلى مساعدة فلا تتأخر عنه ..

فابتسم يامن :

- حسناً ..

ثم ضرب مؤخرة الحصان بيده , و صاح :

- هيا إلى طريقك .. سيعطيك إياد كتابك حين يجدك .. 

أما أنا سأذهب لأحتفل مع أهل زيكولا .. 

أشعر أننى فى حاجة كى أرقص مع إحدى الفتيات .. 

كفانى تلك الجرعة من الحزن الأوقات السابقة ..


بدأ خالد يتحرك بحصانه , و ينظر إلى يامن الذى يقف مبتسماً و يلوح له بيده , و الحصان يتحرك ببطء , و خالد ينظر إلى بيوت المنطقة الشرقية و قصورها التى عاش بينها لشهور .. حتى اختفى يامن عن أنظاره , و تحرك نحو البحيرة 

فابتسم ثم اقترب منها , و ترجّل و نزل ليشرب من مائها .. 

ثم امتطى حصانه مجدداً , و أمره أن ينطلق فى طريقه 

إلى المنطقة الغربية , و الشمس تسطع فوق رأسه الحليق .. يتطاير قميصه مع الهواء , و يسرع حصانه كأنه سهم يشق الطريق نحو الغرب .. 

بينما تنطلق أسيل بحصانها خارج زيكولا تجاه بيجانا 

نحو الشرق .. يسير كلاهما فى طريقه , 

و يبتعد كل منهما عن الآخر .. 

خالد لا يفكّر سوى بكلمات أسيل , 

و أسيل لا يدور برأسها سوى خالد .. 

يبتسم حين يتذكر حديثه إليها عن التلفزيون , 

و تبتسم هى بعدما تذكّرت إحمرار وجهه حين قبّلته .. 

ينطلق الحصانان كلٌ نحو قدره الذى اختاره صاحبه , 

و تتحرك فوقهما الشمس من الشرق إلى الغرب 

كأنها تراقبهما على ظهر تلك الأرض 

و هما مجتمعان للمرة الاخيرة , و خالد يسرع 

و يقلّب عينيه بين صحراء زيكولا و كأنه يودعها , 

و ينظر إلى مناطقها التى يمر عليها و يشير إليها بيده , 

و كأنه يخبرها بأنه سيرحل .. 

و أسيل تغمض عينيها كأنها تتمنّى لخالد أن يحقق ما يريد .. حتى بدأت الشمس فى الغروب إيذاناً برحيل هذا النهار ..


حل الليل , ووصل خالد إلى أطراف المنطقة الغربية , 

و اتجه نحو البيت الذى يقصده على الفور , 

و ما إن وصله حتى دلف إليه بحصانه , 

و هناك وجد إياد فى انتظاره , و الذى صاح :

- لقد سمعت بما حدث اليوم .. هنيئاً لك يا صديق ..

فابتسم خالد :

- شكراً يا صديقى ..

ثم ترجّل , و أشار إلى حصانه :

- هذا هو الحصان الذى استأجره يامن .. 

إنه أسرع حصان رأيته بزيكولا .. 

لقد أحسن يامن الاختيار تلك المرة ..

فابتسم إياد ثم أخرج كتابه :

- و هذا هو كتابك ..

فابتسم خالد :

- مازلت أدين لك بأجر متابعة حفر النفق ..

فضحك إياد :

- لقد أعطانى يامن ذلك الأجر .. لم أطلب الكثير ..

فابتسم خالد :

- يامن ..

فسأله إياد :- هل سترحل الآن ؟

فأجابه : - نعم

فأكمل إياد :

- لقد قرأت بعض الصفحات من كتابك ..

- لقد أسعدك الحظ يا خالد .. إن الليلة بدر أيضاً .. 

سيكون سردابك مضاءً .. , ثم نظر إليه و أعطاه مصباحاً نارياً :

- و هذا المصباح سيلزمك حتى تمر من نفقنا ..

فابتسم خالد :

- حسناً , و لكن عليكم أن تغلقوا طرف ذلك النفق 

بعد ذهابى ..

فقال إياد :

- بالطبع يا صديقى .. 

إن اكتشف أحد ما فعلناه فسنصبح خائنين لزيكولا ..

فوضع خالد يده على كتفه ثم صافحه و احتضنه , 

و وضع كتابه بين بطنه و بنطاله أسفل قميصه , 

و اتجه إلى فتحة النفق , و نزل السلم الخشبى بها , 

و بيده المصباح .. و أشار إلى إياد مودّعاً له ..


بعدها نظر خالد إلى النفق الأفقى فوجده مظلماً .. 

فسمى الله , و بدأ يزحف على ركبتيه و بيده المصباح , 

يتحرّك مسرعاً و يحدّث نفسه ؛ ليست إلا أمتار 

و أكون خارج زيكولا .. 

يشعر أن نشاطه قد عاد إليه بعدما افتقده الأيام السابقة .. 

و يكمل حديثه إلى نفسه ؛

- أرحل من أجل أسيل .. من أجل جدك .. 

من أجل يامن , و يواصل زحفه , 

و يتجنّب الدعامات الخشبية 

التى تركها من صنعوا هذا النفق .. 

يتوقف للحظات ليلتقط أنفاسه ثم يبتسم , 

و يحدث نفسه مجدداً ؛ ما زلنا فى البداية يا خالد .. هيا .. 

ثم يكمل تحركه حتى لمح الفتحة الأخرى للنفق , 

و النور يتسرب خلالها فأسرع من تحركه .. 

يجذبه الأمل نحوها .. هيا يا خالد .. هيا .. إنها لحظات.. 

هيا , و يزحف بقوة , حتى وصل إلى تلك الفتحة , 

و قفز إلى خارجها , و مازال مصباحه بيده حتى وجد نفسه بأرض رملية يظهرها نور البدر الذى يسطع بالسماء , 

و التفت ليدق قلبه بقوة حين وجد سور زيكولا بشموخه 

خلفه .. فصاح فرحاً :

- أنا خارج زيكولا .. أنا خارج زيكولا ..

و ظل يعود بقدمه خطوات للخلف , و ينظر إلى سور زيكولا 

و إلى ارتفاعه الشاهق الذى طالما كان عائقاً له .. 

حتى انزلقت قدماه فى الرمال فجأة , و سقط على ظهره , 

و سقط المصباح بعيداً عنه , و مالبث أن مد يده كى يلتقطه حتى وجد جسده يسقط بحفرة وسط الرمال , و ظل جسده يهوى لأسفل , و يرتطم بجدران تلك الحفرة , و يهوى أكثر فأكثر دون أن يتوقف , و أمسك برأسه التى ارتطمت كثيراً , 

و بدأت الدماء تنزف منها .. 

حتى بدأت حركته تقل شيئاً فشيئاً ثم توقف جسده 

عن الارتطام لينظر أمامه ليجد نفقاً ممهداً يتجه بانحناء لأسفل و لأحد الاتجاهات فأسرع به يجرى .. 

الطريق يأخذه لأسفل , و لا يفكر بشئ سوى أن يسرع به .. يريد أن يصل إلى ما يريده .. 

يعلم أن انحناء الطريق لأسفل ربما لسبب لا يعلمه .. 

إنه صُمم كذلك .. 

ربما كان سبباً كى يحتوى فرعي زيكولا بالكامل .. 

أو ربما كانت هناك فروع أخرى .. 

يتحدث إلى نفسه , و تدور بعقله تفسيرات لا يأبه بها كثيراً .. حتى سقط و تدحرج بجسده مجدداً فابتسم و نهض , و أكمل عَدْوَه , و كلّما سقط تدحرج جسده قليلاً ثم ينهض مجدداً , 

و يكمل عدوه , و ظل يواصل طريقه , و الوقت يمرّ .. 

و إن أصابه التعب وقف للحظات كى يلتقط أنفاسه 

ثم يسرع من جديد , و يحدّث نفسه ليحفزها :

- هيا يا خالد .. لم يعد سوى القليل ..

حتى زاد تعبه للغاية فجلس , و أسند ظهره إلى جدار , 

و مسح بذراعه حبات العرق التى أغرقت جبينه .. 

ثم نهض و سار بضع خطوات حتى وجد صورة تشبه 

الصورة التى وجدها حين نزل السرداب لأول مرة , 

و الصورة التى نُقشت على سور زيكولا بالمنطقة الغربية فوقف أمامها , و ابتسم :

- فوريك ..

و ما إن مر أمامها حتى شعر بذات الهزة العنيفة 

التى حدثت من قبل حين عبر السرداب للمرة الأولى , 

و نظر خلفه ليجد جدران السرداب قد بدأت فى الانهيار .. فابتسم و بدأ يعدو .. يسرع .. و الجدران تنهار من خلفه .. تخطو قدماه مسرعة .. 

يعلم أن الانهيار من خلفه يدفعه لطريق مقصود .. 

يسرع و يخشى أن يطوله الانهيار فتتحطم معه آماله .. 

هيا يا خالد .. يحفز نفسه .. هيا .. 

حتى بدأ الصوت يقل من خلفه , و هدأت الحركة العنيفة , 

و لم تعد هناك انهيارات للجدران , و ما إن نظر أمامه 

حتى وجد نفسه فى طريق للسرداب أكثر اتساعاً , 

و جدرانه منقوشة بنقوشٍ كثيرة .. فصاح :

- سرداب فوريك .. سرداب فوريك الأساسى ..

و أسرع به , ترتطم قدماه بالهياكل العظمية المنتشرة بأرضيّته , و أكمل جريه حتى وصل إلى سلمه الطويل 

فأسرع إليه و صعد درجاته .. 

يخطو العديد منها بخطوة واحدة منه .. 

يحدّث نفسه .. لم يعد سوى القليل يا خالد .. 

يصعد و لا ينظر خلفه .. 

ينظر إلى درجات السلم المتبقية , و يخطوها مسرعاً .. 

حتى وصل إلى أعلاه فتوقف و انحنى ليمسك ركبيته 

ليلتقط أنفاسه , و كأنه يفكر , و يتذكر يوم نزوله السرداب للمرة الأولى , و حدّث نفسه بصوت يسمعه :

- ها أنا قد مررت من السرداب ..

- الآن النفق ..

- عليك أن تسرع يا خالد .. لا يوجد هواء بالداخل ..

ثم صمت و أكمل :

- و لا توجد إضاءة .. 

عليك أن تتذكر جيداً كيف كان مسارك بهذا النفق ..

ثم أغمض عينيه , و كأنه يتذكر ثم فتحهما , 

و نظر إلى الفتحة ذات ألواح الخشب المتكسّرة , 

و التى تصل سرداب فوريك بالنفق المظلم .. 

و سمى الله ثم ملأ صدره بالهواء , 

و أسرع إليها فوجد الظلام يسود بداخله , 

و أسرع يزيح شباك العنكبوت التى تملؤه , و يسرع , 

و يتذكر فى لحظات طريقه حين نزله .. 

يسرع فى الظلام , و كلما وجد طريقه خالياً يتقدم أكثر .. 

و يتحرك كأنه يغطس بأعماق محيط .. 

تحركه كمية الهواء التى التقطها منذ دخوله 

بعدما لم تكف فتحة هذا النفق لتدخل المزيد من الهواء 

مع كثافة شباك عناكبه , كأنه صُمم ليكون قبراً للاختناق 

حتى لو لم يكن مغلقاً بالكامل , و بدأ يشعر بالاختناق , 

و لكنه أكمل طريقه , و تسارعت أنفاسه , و دق قلبه مسرعاً , و برزت عيناه حتى ارتطمت قدماه بشئ صلب , 

و حين تحسسه أدرك أنه سلّم النفق فصعد درجاته على الفور حتى اصطدمت رأسه ببابه الفولاذى الذى قد أُغلق حين انكسر اللوح الخشبى , فبدأ يدفعه بقوة .. يعلم أنه يستطيع ذلك .. يدفعه و يحاول أن يرفعه .. 

يحفز نفسه , و أخرج ما لديه من هواء :

- هيا يا خالد .. هيا ..

و يضغظ على أسنانه , و يدفع بكتفيه .. 

حتى بدأ الباب يرتفع قليلاً , و اندفع الهواء إلى صدره:

- هيا يا خالد ..

حتى ارتفع الباب بأكمله , و قفر خالد إلى خارجه , 

و سقط بجواره وصدره يعلو و ينخفض مسرعاً .. و صاح :

- أنا رجعت ..

و أمسك برأسه و كأنه لا يصدق نفسه .. 

يجلس بجوار الباب الفولاذى , و ينظر إليه 

و يتحسس وجهه كأنه يتيقن أنه ليس نائماً .. 

ثم ينظر إلى ملابسه الزيكولية , و يتحسس رأسه 

ليجده حليقاً فأدرك أنها حقيقة .. 

ثم أغلق باب النفق من جديد , و أسرع إلى الخارج 

فوجد الظلام يسود السماء ثم عبر السور العالى 

الذى يحيط بالبيت المهجور , و ما إن عبره حتى سمع آذان الفجر يهزّ كافة أرجاء بلدته .. البهو فريك .. 

فابتسم , و بدأ يكرر الآذان كلّما سمع كلماته , و أسرع بين شوارعها الخالية , و كلما رأى أحد الأشخاص يمر .. 

حاول أن يختبئ حتى لا يراه بهذا الزىّ .. 

حتى اقترب من بيته , و ما إن وصل إليه , و دقّ الباب بقوة حتى وجده مفتوح قليلاً فأدرك أن جده قد فتحه كعادته 

مع حلول الفجر ثم دلف إليه فوجد جده يصلى الفجر جالساً , 

و يعلو صوته بآيات من القرآن فجلس خلفه فى انتظاره , 

و تساقطت دموعه حين سمع دعاءه بأن يعود إليه سالماً 

حتى انتهى و التفت فوجد خالد خلفه فتسارعت أنفاسه 

و كأنه لا يصدق نفسه , و احتضنه بقوة و دمعت عيناه , 

أما خالد فبكى كثيراً حين احتضنه , و كأنه لا يصدق نفسه 

هو الآخر , و ظل يحتضنه و يمسح رأسه بكتفه , و يبتسم 

بينما يرتشف دموعه :

- كنت بقولك هرجع لك يا عبده ..

- قلت لك إنى هرجع ..

ثم سقط , و كأنه قد فقد وعيه ..


ظل خالد نائماً , و بدا عليه أنه لم ينم لأيام طويلة , 

و بجواره جده .. يجلس لينظر إليه , و قد بدّل له ملابسه , 

و لم يرد أن يفتح كتابه الذى أحضره معه 

إلا بعدما يخبره بما حدث له أولاً , و مرّ يومٌ كامل 

دون أن يستيقظ , حتى نهض فوجد جده بجواره , 

و معه صديقه العجوز - مجنون السرداب - الذى كان أول 

من يخبره عن حقيقة سرداب فوريك , و ما أن رآه قد فتح عينيه حتى صاح :

- خالد صحى ..

فابتسم خالد وقال :

- لابد أنكم قد أصابكم القلق ..

فاندهش الرجل مما سمعه فضحك خالد :

- عارف إن لهجتى أوقات بتتغير .. 

بس قريب أوى هستعيد لهجة البهو فريك ..

فقاطعه جده :

- يلا يا خالد .. احكى لنا اللى حصل لك ..

ثم تدخل الرجل :

- أنت نزلت السرداب فعلا ً؟

فابتسم خالد وسألهما :

- من أين تريدان أن أبدأ قصّتى ؟

ثم بدأ يحكى عما حدث له منذ نزوله ذلك النفق 

أسفل البيت المهجور بالقرية , و ما حدث له به , 

و نزوله إلى سرداب فوريك الحقيقى , و تلك الصورة به , 

و ما به من هياكل عظمية ثم خروجه إلى أرض زيكولا , 

و ظل يحكى لهما , و هما يستمعان إلى كل كلمة يقولها .. يحدثهما عن قوة تلك المدينة , و عن أهلها 

و عن طقسها الذى يبدو ثابتاً مع تغير فصول العام .. 

و عن عمله هناك , و عن يوم زيكولا , و عن يامن و أسيل , 

و عن رحلته خلف هذا الكتاب الذى يوجد بين أيديهم , 

و لكنه آثر ألا يخبر جده بأن أباه قد قُتل كى يرثه ابنه .. 

بل أنه لم يذكر سيرة أبيه أو أخيه على الاطلاق , 

و آثر أن يحتفظ بهذا السر خشية أن يسبب مزيداً من الحزن لجده , و ظلّ يحكى و يحكى , و تمر الدقائق و تتبعها الساعات , و لم يتركاه دون أن يسألاه عن تفاصيل كل جملة يقولها .. حتى انتهى فنظر إلى جده و صاحبه وقال:

- أريد أن يظل حديثنا هذا سراً بيننا ..

فاندهش صديق جده :

- و ليه منقولش للناس كلّها .. أنت بطل ..

فأجابه خالد :

- لن يصدقك أحد .. لن يقولوا بطل .. سيقولون مجنون ..

فقاطعه الرجل :

- الكتاب أحسن دليل ..

فابتسم خالد :

- سيقولون أنك أحضرت الكتاب من مكان آخر .. 

أريد فقط أن يظل هذا السر بيننا .. أريدكما أن تعدانى بذلك ..

فابتسم جده :

- حاضر ..

و ابتسم الرجل :

- و أنا كمان بوعدك ..

ثم ضحك جده :

- أكيد منى هتفرح لما تعرف إنك رجعت .. 

دى على طول كانت بتسأل عليك , 

و عمرها ما سابتنى لوحدى ..

فسأله خالد :

- هىّ متجوزتش ؟!

فابتسم جده :- لا

ثم أكمل : 












- منى بتدى لأبيها دروس من جديد .. 

زى اللى بترد له كل اللى عمله فيك .. 

كل ما يتقدم لها عريس ترفض .. 

و تبوّظ الجوازة لأى سبب .. 

و حلفت قدام الناس إنها مش هتتجوز ..

فابتسم خالد :

- أكيد طالعة مجنونة لأبوها ..

فابتسم جده :

- هىّ مش هتتجوز إلا أنت يا خالد ..

فابتسم خالد :

- لكنى لا أريد الزواج الآن ..

حتى فوجئوا بمنى تدخل إليهم فجأة , و نظرت إلى خالد 

فى سعادة :

- خالد .. أنا عرفت إنك رجعت ..

فابتسم خالد :

- نعم ..

فأكملت :

- أنا مبسوطة أوى إنك رجعت ..

فابتسم :

- شكراً منى .. أشكرك إنك كنت بجوار جدى تلك الفترة ..

فضحكت منى :

- أنت بتتكلم كدة ليه ؟ .. 

هو السفر أثّر على كلامك و لا أيه ؟

فضحك خالد :

- نعم ..

ثم نهض جده , و صاحبه , و تركاهما فابتسمت منى :

- أنا حلفت لأبويا إنى مش هتجوز الا أنت .. 

و إن متجوزتكش مش هتجوز طول عمرى 

و اللى يعمله يعمله ..

فصمت خالد دون أن يرد فتابعت :

- خالد .. أنا مش شايفاك فرحان بكلامى ليه .. 

أنت حبيت حد تانى و أنت مسافر ؟

فابتسم خالد :

- منى .. أنا رجعت من السفر زى ما أنا .. 

اعتبرينى هبدأ من جديد ..

فابتسمت :

- خلاص .. و أنا موافقة نبدأ سوا ..

فنظر إليها خالد فى هدوء :

- أرجوكى يا منى .. 

محتاج شوية وقت عشان أرتب أمورى ..

فظهر الحزن على وجهها و همت للمغادرة :

- حاضر يا خالد .. ثم غادرت ..


كان خالد يعلم أن منى تحبه , و لكنه أراد ألا يتسرّع 

فى حديثه معها , و أراد أن يتحقّق من مشاعره تجاهها , 

و خاصة أنه لم يفق بعد مما حدث له بزيكولا 

و بُعده عن أسيل , و عزم على أن يجد عملا ًيحقق له ذاته , 

و ظل يبحث عن عمل ملائم لدراسته , 

و ذهب إلى أماكنَ كثيرة .. 

يبحث عن عمله دون أن يصيبه تعب أو ملل , 

و يبتسم حين تضيق الدنيا أمامه , 

و يحدّث نفسه دائماً ؛ لابد و أن هناك أملاً .. 

ماذا بعد نجاتى من الموت قبل لحظات .. 

يبحث نهاراً و يعود إلى شرفة بيته ليلاً ليتأمل سماء بلدته 

بحثاً عن ذلك النجم .. أسيل .. 

حتى يغلبه النعاس فيظل نائماً لتشرق شمس 

اليوم الذى يليه .. و استمر فى بحثه عن عمل لمدة أيام 

و أيام , و امتدت لأسابيع .. 

حتى وجد عملاً بإحدى فروع شركة كبرى بمدينة المنصورة , 

و مرت شهور , و هو يعمل و يشعر بذاته فى ذلك العمل , 

و كلّما واجهته مشكلة قابلها بابتسامة يحسده عليها زملاؤه .. و تزداد بسمته حين يعود إلى بيته فيجد جده يقرأ بكتاب سرداب فوريك الذى لم يتركه إلا لحظات قليلة منذ عودته , 

و يطلب منه أن يخبره بالمزيد مما حدث له بزيكولا .. 

فيحكى له الكثير و الكثير .. 

و يسأله بعد انتهائه ألا يخبر أحداً بذلك .. 

حتى جاء فى يوم , و عاد إلى جده مبتسماً :

- يلا يا عبده .. أنت مش عايز حفيدك يتجوّز ؟

فنظر إليه جده فتابع خالد :

- إحنا هنروح للمرة الأخيرة نخطب منى .. 

و الله أبوها وافق هتجوزها .. و لو موافقش .. 

هتجوزها برضه ..

فابتسم جده , و اتجه معه إلى بيت والد منى , 

و اندهش خالد حين وجده قد تغير تمام التغيّر , 

و قابلهما بكل حفاوة و تقدير , و ما إن تحدّث جد خالد 

بأنه يريد أن يطلب يد منى لخالد حتى نطق والدها بترحيب :

- يلا نقرأ الفاتحة ..

فابتسم خالد , و ابتسمت منى التى كانت تقف 

أمام باب الحجرة , و علت الزغاريد ببيتها , 

و نهض خالد ليحتضن والدها ثم احتضن جده , 

و حددوا موعداً قريباً لإقامة عُرسهما ..


مرت أيام كثيرة , و مرت أسابيع و تبعتها بضع شهور , 

و خالد يعمل بقوة كى يستعد ليوم عُرسه .. 

حتى جاء ذلك اليوم , الرابع عشر من سبتمبر , 

و عُلّقت الأنوار أمام بيته , و اجتمع الكثير من الأهالى ليهنئوه و يهنئوا جده بهذا العُرس , 

و حلّ الليل , و بدأ حفل الزفاف , و كان حفلاً رائعاً تراقص 

به من يعرفون خالد و منى و من لا يعرفانهما , 

و خالد ينظر إلى 

لمتابعة باقي الرواية زوروا قناتنا على التليجرام من هنا 


بدل ماتدور وتبحث علي الروايات خليها علي تليفونك وحمل تطبيقنا

تحميل تطبيق سكيرهوم
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-