رواية صمت الفتيات الفصل الثانى عشر12 بقلم خديجة السيد


 

   رواية صمت الفتيات الفصل الثانى عشر بقلم خديجة السيد




بعد سماعي حكم القاضي بالاعدام هذا شحب وجهي بشدة وقد تجمدت الدماء بعروقي رغم اني من البداية قد علمت اني سوف اجازي اكبر عقاب بالقانون لأجل جريمتي فانا قد قتلت شخص بذاته ليس قليل ما فعلته حتي لا أستحق ذلك الجزاء، لكن لم أنكر أني قد كأن لدي بصيص امل بالنجاه من ذلك العقوبه فانا في النهايه قتلت روح حتي أنقذ براءه طفله صغيره من ذئب مفترس، لكن من الصعب ان يحسبها احد هكذا وينظر لي على اني ضحيه وليس مذنبة! 

ظليت صامتة اتطلع الي الفراغ باعين متسعة ممتلئة بالفزع حيث كان يمر امام عيناي صور لي وأنا مرتديا البدله الحمراء وأسير بضعف شديد وخوف الى حبل المشنقه ليتم تنفيذ حكم الاعدام! و سرحت أيضا في مستقبل عائلتي البائس بعد ذلك، فـ بالتاكيد الوضع لم يكن سهل على احد أبدا، تصلب جسدي من الصدمة واخذت امرر نظراتي المندهشة بين أمي و أبي الذين كانوا في حالة صعبه للغايه لا يصدق أحد إني قد تم الحكم عليه اخيرا بهذا الاتهام الشنيع بالاعدام.. و جذب انتباهي توتر جسد حمزة برغم انه كان يحاول الا يظهر ذلك من خلال طريقة وقوفه المتصلبة.

لكني خرجت من شرودي هذا منتفضة في مكاني بفزع عندما سمعت صرخات أمي بقهر مريرة تنوح عليه وتضرب نفسها بطريقه هستيرية وبعدها سقطت أرضا مغمي عليها ولم تنطق وأبي نهض بصعوبة شديدة و ثقل حتي يذهب يساعدها رغم تعبه هو الأخري.. كان منظر صعب جدا عليه وانا ارى عائلتي تنهار حتماً بسببي.

مما جعلني اخفض عيناي سريعاً وقد تسارعت نبضات قلبي خوفاً فور سقوط أمي وركض بعض الناس إليها ليساعدوها وانا خلف القضبان أقف بقله حيله عاجزة اخذت ضربات قلبي تقصف داخل اذني من شدة الخوف علي أمي التي سقطت أرضا ولم تفوق حتي الآن!! ولم اشعر بنفسي غير وأنا اضرب القضبان الحديديه بيدي الضعيفة بقسوة شديدة وعنف وصرخات الاهات خرجت مني بوجع قلب وقهر اللذان يعصفان بداخلي.. وكاني اريد كسر الحديد لاخرج اطمئن على امي. 

حتي بدأت يدي تحمر بشده من الألم وأنا مازلت اضرب بالحديد بيأس حتي سقطت علي ركبتي وانا ابكي بشهقات ممزقة بينما كامل جسدي يرتجف بقوة لي أعلم أنها النهايه.

***
قـبـل سـاعـه.

اسرع حمزه راكضاً ليجد مجموعة من الناس مجتمعة اتجه نحوهم على الفور يعبر بين الناس تجاه نشوي الملقيه على الارض ساكنة بجمود بوجهها الشاحب الذي كان يشبه شحوب الاموات واسماعيل يقف جانبها وجسده ينتفض بذعر شاعراً بالدماء تكاد تغادر جسده و عقله يصور له ابشع اللحظات ليجعله يقف بقله حيله مشلول ولا يستطيع التصرف؟  

بينما اتجه حمزه و انحني عليها جاذباً زجاجة عطر من احدي الفتيات و وضع كميه منها اسفل انفها محاولاً افاقتها لكنها ظلت ساكنة لا تصدر اي حركة تدل علي استجابتها مما جعل الفزع يدب بداخل اسماعيل و قد بدأ عقله يصور له سيناريوهات بشعة حول موتها لكنه آفاق عندما

صرخ حمزه على الجميع بالابتعاد عنها وهو ينهض يساعد جسد نشوي علي النهوض ليقوم باخذها بسيارته حتي يأخذها المستشفي...

في الـوقت الحالـي.

كان اسماعيل واقفاً امام الغرفة التى ادخلت اليها زوجته و هو منحني الرأس ينظر امامه بصمت شاعر بقلبه يسقط بداخل صدره فور ان أستمع بنطق القاضي بالاعدام على ابنته وبعدها سقوط زوجته فاقده النطق و الحركه!! ظل واقفاً مكانه عدة لحظات  يقاوم المشاعر التي تتصارع بداخله لكنه لم يستطع الوقوف جامداً حيث تغلب علي جسده و استسلم اخيراً وكاد أن يسقط لولا اسرع يمسك به كلا من حمزه وصديقه رشوان. 

ليجلسون أعلي المقعد بروح خاويه و باعين محتقنة شاردة فمنذ ان وصلوا الي المستشفي و هو علي حالته تلك؟ فقد كان ضائعاً.. عاجزاً بطريقة لم يعهدها من قبل... يشعر بانه سوف يخسر احدهم الليله لكن هل ستكون ابنته ام زوجته؟! فالاختيارين صعابين للغاية عليه!  

تنهد بصعوبة شديدة وهو ينتظر خروج اي احد من الغرفة التى دخلت اليها زوجته حتي يطمئن فهي لم تستعيد الوعي حتي الان و ان الطبيب يفعل ما بوسعه بالداخل ،فقد كان رشوان وحمزة يحاولون ان يطمئنه لكنهم فشلوا فقد كان الخوف يسيطر عليه خاصة كلما تذكر كيف كانت تبدو نشوي عندما اتى بها الي هنا....

راقب حمزه اسماعيل الذي يجلس يتنفس الصعداء بصعوبة وعينيه تفتح ببطئ قبل ان يغمغم حمزه بقلق شديد عليه

= ان شاء الله هتكون بخير شد حيلك انت بس 

ظل اسماعيل صامت لحظات ثم هتف بصعوبة

= متشكر يا ابني على مساعدتك لولا إللي انت خليتني نركب معاك العربيه عشان نوصل بسرعه المستشفى ما كنتش عارف ايه اللي هيحصل ليها ولا هاتصرف ازاي انا كنت واقف زي المشلول و مش عارف اتصرف ولا اعمل ايه، و لا دماغي تفكر

هز رأسه حمزه باعتراض وهو يقول بهدوء

= ما تقولش كده انا عملت الواجب.. حضرتك زي والدي وهي زي والدتي و ان شاء الله الدكتور هيطمئنك عليها

تنهد رشوان بعطف و اشفاق عليه ثم قال محاوله تشدد تفكيره 

= ده حمزه العطار الصحفي اللي كان بيحقق مع بنتك في الاول يا اسماعيل 

نظر إليه اسماعيل بدهشة ثم قال بوهن

= هو انت؟ رشوان قاللي عليك في الاول وبعد كده نشوى قالتلي ان في صحفي بيكتب على بنتك اخبار حقيقيه وبطريقه محترمه غير الثانيين مجرد عاوزين يعملوا شو من اخبارك مفبركه ويدخلوا في أعراض الناس وقالتلي على اسمك برده.. انا مش بتابع قوي نت ولا عندي فيسبوك بس نشوى كانت بتابع عشان اللي كانوا بيكتبوا الفتره الاخيره على ريحانه.. وانا كان نفسي اقابلك واشكرك بنفسي بس اديك شايف الظروف 

قطب حمزه حاجبيه قائلاً بجدية

= انا مش محتاج شكر من حضرتك عشان انا مش شايف نفسي بعمل انجاز انا مجرد بنقل الاخبار للناس بدون ما اجرح في حد ولا اشمت.. والمفروض كلنا نعمل كده  

هز رأسه اسماعيل بامتنان له ثم حمحم حمزه قائلا بتوتر

= المهم بخصوص قضيه انسه ريحانه انا عاوز حضرتك انت كمان ما تقلقش وتتماسك واني لسه في نقد و ممكن ترفع قضيه و..

قاطعه اسماعيل قائلا بصوت مرتجف فور سماعه يذكره بابنته و هو يغمغم بصرامة

= مش هيفيد بحاجه النقد طالما ما فيش دليل واحد على كلام ريحانه و انها فعلا ضربت حمدي عشان تنقذ طفله كان بيحاول يعتدي عليها، انا كنت ضابط و فاهم في القضيه دي كويس وكنت عارف اصلا الحكم في الاخر هيكون ايه بس كان عندي امل ومستني اي معجزه تحصل عشان بنتي ما تتظلم اكثر من كده.. بس اديك شفت اللي حصل النهارده والد الطفله هديه نفي و رفض يعترف بحاجه زي كده حصلت

نظر حمزه الى رشوان بياس وقله حيله، وكاد أن يتحدث حمزه مره ثانيه لكنه صمت فور ان سمع باب الغرفة يفتح، انتفض اسماعيل متجهاً نحو الطبيب برغم الارتجاف الذي بقدميه و قصف قلبه الذي يدوي بداخله من شدة الخوف الا انه اتجه سريعاً نحو الطبيب قائلاً بلهفة

= طمئني يا دكتور مراتي نشوى عامله ايه 

اجابه الطبيب بصوت يملئه الهدوء

= الحمد لله احنا عملنا اللازم بس الفتره الجايه لازم تكون راحه تامه عشان صحتها، عشان المره الجايه ممكن يكون في خطوره عليها والادويه لازم تاخذها بانتظام

شحب وجه اسماعيل ولم يشعر بالطمانينه ثم همس بصوت مختنق مرتجف

= هي فيها ايه بالضبط يا دكتور ما تخبيش عليا لو سمحت، عشان حالتها كانت صعبه قوي وانت اتاخرت جوه معاها

تنهد الطبيب ثواني قبل ان يتحدث قائلاً بأسف

= للأسف... جلطة في الوريد 

***
في اليوم التالي.

بداخل جريده الحقيقه دلف حمزه و علي وجهه تعبير مقتطب بحزن وهو يتذكر احداث الامس عندما هتف القاضي بالحكم بالاعدام على ريحانه وسقوط والدتها بجلطه في الوريد من الصدمه.. جلس حمزه أعلي المقعد بصمت على غير العاده بينما نظر إليه زميله في العمل الذي يجلس على المكتب أمامه ليعقد حاجيبه بدهشة متسائلا باستغراب

= صباح الخير يا حمزه اتاخرت النهارده ليه مش عوايدك يعني، انت كويس؟

هز رأسه بصمت و عينيه شاردة ثم تنهد حمزه مغمغماّ بتثاقل

= انا ما كنتش هاجي اصلا وماليش مزاج لاي حاجه اعملها بعد حكم امبارح في قضيه ريحانه ده غير انها ختمت في الاخر بي والدتها اللي تعبت وراحت المستشفى و جاءتلها جلطه من الصدمه، ربنا يشفيها ويصبرهم الله يكون في عونهم

تنهد زميله قبل ان يستدير إليه مغمغماّ بضيق و نفاذ صبر

= ما خلاص يا حمزه مش ملاحظ انك مهتم بالموضوع زياده عن اللزوم، حادثه زي غيرها وبعدين هو انت ناسي أنها قتلت في النهايه ولا ايه

احمر وجه حمزه بشده فور سماعه كلماته تلك و قد ارتجفت شفتيه في قهر دفين هاتفاً بلهجة غاضب

= هو انتم ليه كلكم بتبصوا على الصوره مش كامله هي فعلا قتلت بس قتلت ليه وقتلت مين؟ ريحانه قتلت واحد دمر طفولتها وطفوله اطفال غيرها كثير ويوم الحادثه اضطرت تدافع عن غيرها و تقتله عشان كان عاوز يضيع براءه طفله صغيره مكملتش سبع سنين و مش عارفين كانت هتبقى رقم كام من ضحايا المتحرش حمدي، ريحانه ضحيه مش مجرمه، وانا مهتم بالقضية زياد عشان هي مش مجرد قضيه قتل لا المفروض كلنا نبص ليها على انها قضيه ارواح بتتقتل يوميا ومش بنسمع عنها حاجه من خوفهم وخوف اهاليهم من الفضيحه و العار

ليكمل بحده يزفر بحنق وتعب و هو يغمغم بصوت مرتجف

= عرفت ليه بقى انا مهتم بالقضيه دي بالذات عشان نفسي بجد كلنا نتعلم من قضيه ريحانه وكل اب وام والبنات يعرفوا أن السكوت ممكن يوصلهم في يوم أنهم يكونوا مكان ريحانه.. طالما في ناس لحد دلوقت لسه شايفه وبتبرر لي المتحرشين وأن الغلط بيكون على البنت مش عليهم 

هز الآخر رأسه مرادفا بقله حيله

= طب يا سيدي بالراحه عليا انا بتكلم معاك عادي.. اديك بقيت تتكلم زي بتوع السوشيال  ميديا    

أجاب حمزه و هو يرمق أياه بسخرية

= والله دول اللي جابونا وراء لان كل واحد عاوز يعلن عن الخبر بطريقه غلط عشان يجمع شويه مشاهدات 

هز رأسه برفض قائلا بسرعه

= انا مش بتكلم على دول انا بتكلم على اللي قلبين صفحات الفيسبوك والاعلام و الاخبار عن قضيه ريحانه هو انت ما شفتهمش ولا ايه؟ ده انت بالذات الصفحه بتاعتك مليانه تعليقات على التقارير و المنشورات اللي انت كنت بتنزلها عن القضيه 

تأففت بحنق مطلق لعنة منخفضة فور ما قاله زميله  ليهتف بنبرة حادة

= انا ما شفتش حاجه بس تعليقات ايه و إللي ناشرينه علي الصفحات يخص قضيه ريحانه تاني، هم لسه بيقطعوا في سيرتها كفايه إللي أهلها فيه، ما تلاقيهم جاءتلهم على الطبطاب دلوقت

ابتسم الآخر وهو يقول بنفي

= لا دي حاجه ثانيه هتفرحك افتح وشوف بنفسك وانت هتعرف انا اقصد ايه!!.  

لم يفهم حمزه جيد معنى حديثه ، فسرعان ما أخرج هاتفه للتحقق من صفحات الفيسبوك ، وسرعان ما اندهش بعدم تصديق وهو يرى نتيجة معاكسة في مواقع التواصل الاجتماعي. وليس كان هجوم علي ريحانه مثل المرات السابقه بل على العكس تماماً، بدات تظهر بعض التعليقات والمنشورات تؤيد بأن ريحانه ضحيه و مظلومه وهذا عقاب شديد للغاية عليها، وبعض الهاشتاجات باسم ريحانه تطالب بالبراءه، وبعض الصور لحمدي مخططه عليها علامات الغضب وأنه كأن ذئب بشري يضر المجتمع ويستحق الموت. 

لم يعلم حمزه متي حصل كل ذلك في غصن ساعات بعد الإعلان عن المرافعه بالحكم على ريحانه بالاعدام.

***
فـي مـنـزل بـدر.

تقدم بدر ليقف امام الضابط لكن هذه المره كان يقف دون خوف ولا توتر لأن يعرف جيداً أن الحكم قد صدر علي ريحانه وكلها سوي عده ايام وسوف تغلق القضيه، غمغم بدر متسائلا بصرامة

= خير يا حضره الضابط ممكن اعرف سيادتك جاي هنا البيت ليه؟ مش خلاص القضيه خلصت واتحكم فيها

تنهد الضابط بشده وهو يقول بصوت هادئ

= استاذ بدر انا كان ممكن اجيبك ثاني القسم وبنت حضرتك كمان بس انا مراعي انها طفله في سن صغير وما ينفعش تدخل القسم وتشوف مناظر زي دي.. عشان كده انا جايلك النهارده بصفتي اب مش ضابط

زفر بعنف و هو يفرك شعره بغضب مكتوم قائلاً ببرود.

=برده مش فاهم حضرتك عاوز ايه؟ انا قلت كل اللي اعرفه هناك في القسم وما عنديش حاجه ثاني اقولها 

تجاهل نظراته البارده واردف بصوت جاد

= ممكن تديني فرصه اتكلم مع بنت حضرتك 

اتسعت عينا بدهشة وقلق ثم بعد فتره خرجت دهب إليهم بخطوات مرتعشه وخوف وقد لاحظ الضابط حالتها تلك وهز رأسه بضيق شديد ويأس ليعرف ان قد تم ارهابها حتي لا تتحدث، ثم تنفس الصعداء بقوة و هبط لمستواها هاتفاً بحنان

= ازيك يا دهب مش اسمك كده برده تعرفي ان اسم جميل وجديد عليا، مش عاوزك تخافي مني وعاوزك تقولي الحقيقه .. ريحانه جارتك اكيد عارفاها يوم فرحها في حد حاول يعمل لك حاجه وحشه وهي نقذتك منه

ابتلعت ريقها بصعوبة وتوتر شديد ونظرت الى والدها على الفور الذي كان يقف يتطلع إليهم بصمت لكن عيناه كانت تحمل تحذير حاد، ليفهم الضابط نظراتها الي والدها وهو يهتف بجدية

= دهب ما تبصيش لاحد وبصيلي انا وما تخافيش وقولي اللي حصل؟ وخلي بالك ان كلامك ده احتمال كبير ينقذ حياة ريحانه مش هي برده كانت صديقتك وبتحبيها، ومش المفروض لما تلاقيها محتاجه مساعده ما تتاخريش عليها زي ما هي عملت معاكي

قد انسابت الدموع بصمت على وجنتيها و هى تدرك ان ريحانه صديقتها سوف تتاذى بسببها لكنها غير قادره على التحدث من شدة الخوف و الرعب من أهلها، لتبكي بشده ولم تنطق بحرف واحد بينما اقترب منها بدر ليجذبها بقوة وغضب وهو يدفعها الى تجاه غرفتها هاتفاً بحدة و غضب 

=ادخلي على جوه يـلا 

ضغط الضابط علي يده بعنف شديد منه وهو ينهض هتف به بحدة بينما الدماء تغلى بعروقه بسبب معاملته السيئة الي أبنته

= هو انت مفكر كده بتحلها لو الاسلوب ده كنت بتتعامل بي مع بنتك يوم ما فكرت تسالها وتعرف الحقيقه فين! يبقي كده انت بتغلط اكبر غلطه في حياتك 

هتف به بدر بقسوة و غضب و هو يلوح بيده الى الاعلى 

= حضرتك مش هتعلمني أربي بنتي ازاي؟ وبعدين إللي أيده في الميه مش زي ايده في النار و انت لو مكاني هتعمل نفس اللي انا بعمله واكثر من كده، وانت اكيد ظابط وبتشوف الناس اللي حواليك وهما بيقطعوا في لحم بعض ولما بيصدقوا يلاقوا اي فضيحه عشان يفضلوا يتكلموا عليها.. 

وصرخ بدر به وكامل جسده يهتز بالغضب

=وانت عاوزني اعري بنتي عشان الناس تنهش فيها وسيرتها تبقى على كل لسان.. وبناتي ذات نفسهم لما يكبروا هيفهموا ان انا نقذتهم من كلام الناس اللي مش بيرحم وعملت الصح، وانت ذات نفسك والحكومه مش هتقدروا تمنعوا الناس من الكلام

أردف الضابط بقسوة و غضب و قد اصبحت نظراته عاصفة

= انا قلتلك انا جايلك هنا بصفتي اب زيك مش ضابط ولو انا مكانك فعلا عمري ما هعمل اللي انت بتعمله ده ومن غير تفكير هاخذ بنتي من أيدها وهاروح بيها القسم عشان اجيبلها حقها وافهمها ان ما ينفعش تسكت عشان الغلط مش فيها.. ايه مش مصدقني هو انت مفكر كل الناس تفكيرها زيك كانت الدنيا كلها بتنهش في لحم بعض لو كل واحد فكر زيك في نفسه وبس.. 

ابتسم بدر بسخرية واستهزاء ولم يصدقه، بينما تنفس بعمق محاولاً السيطرة على اعصابه ليكمل من بين اسنانه بغضب وهو يتطلع إليه بنظرات ممتلئة بالاحتقار و الازدراء

= واهديك مثال صغير انا فعلا ما عنديش بنات وربنا رزقني باولاد بس، بس مش معنى كده هاربي اولادي انهم يعملوا اللي هم عاوزينه وما يشيلوش هم بقى انهم اللي هيعملوا في الدنيا هيترد في اختهم وكما تدين تدان، انا مره عرفت ان ابني عاكس بنت معاه في الدرس من باب الهزار وسمعته و هو فرحان ومبسوط ان عمل كده وهو بيتكلم مع واحد صاحبه في التليفون.. ممكن مش هتصدق رد فعلي بس هو ده اللي حصل اخذته من يديه وبيته في الحجز لمده خمس ساعات في حبس انفرادي لوحده وقلت له ده هيكون عقابك كل ما تفكر انك تتطاول على حاجه مش من حقك والمره الجايه مش هيكون خمس ساعات و لوحدك! لا هيكون وسط مجرمين ما عندهمش رحمه وهتسجن سنوات مش مجرد ساعات 
بس! 

استكمل الضابط حديثه بحدة و بصرامة 

= جمدت قلبي رغم الرعب اللي شفته فيه وهو بيصرخ وبيقول لي خلاص يا بابا مش هعمل كده ثاني لانه وقتها كان عنده مجرد 13 سنه بس كنت عارف و متاكد ان انا لو ما عقبتوش في الوقت ده هيكررها ثاني ويطول على بنات الناس اكثر وهو بيتباهى وسط زمايله باللي عملوا، بس انا عقابي جاب نتيجه الحمد لله ودلوقت بس لما بيشوف واحد بيفكر يعمل زيه بينصحه ويدافع عن البنت و كانها اخته بالضبط لانه فهم الدرس وعرف انه غلط غلطه كبيره وما ينفعش يكررها ثاني

تنفس بعمق قبل ان يغمغم بصوت صارم خالى من اى تعبير او انفعال

= ومش بس الاولاد هم اللي عليهم واجب لا احنا كمان علينا واجب نعرفهم ونفهمهم الصح من الغلط.. واللي يخلف ولد ياريت فرحته ما تنسوش اني يربيه

***
رغمَ حظّي السيء وكل شيء..
رغم الصفعات القوية التي نالت منّي ، رغمَ التعب الذي تجَلّي في ساحتي ، رغمَ فُقداني لكل ما أحببت ، لازلتُ أحتفِظ بهدوئي وأرتدي ثوبَ الصبر ، وأراقب الحياة من نافذة روحي متسائلة:"ماذا ينتظرني بعد؟؟"

بداخل السجن بالتحديد داخل مكتب المامور، جلس امامي أبي وهو يتطلع إليه مبتسم بهدوء قدر الإمكان

= طمنيني عليكي يا حبيبتي عامله ايه

هززت رأسي بسرعه وأنا أتساءل بلهفه شديد

= انا تمام طمني على ماما عامله ايه هي كويسه؟ 

إبتلع ريقه بصعوبة و هو ينظر إليه بابتسامه صغير علي ثغره

= اه يا حبيبتي بخير ما تقلقيش عليها هي بس مستحملتش الصدمه انها تسمع خبر موتك واحنا واقفين مش بايدينا حاجه نعملهالك بس هي بقت كويسه ما تخافيش عليها

ابتسمت أنا أيضا ابتسامة صغيرة ثم استطرد بنبرة ليست هنا بل شاردة تصف تلك الضجة التي تسيطر عليه بداخلي 

= حاسه انها مش بخير وانت بتقولي كده عشان ما تقلقنيش ،هي بجد كويسه

تنهد اسماعيل بقوه يتمالك نفسه وهو يقول بصوت مخنوق

= لازم كلنا ما نبقاش كويسين اللي احنا بنمر فيه مش سهل علينا اننا نشوف بنتنا الوحيده اللي تعبنا في تربيتها و زعلنا على زعلها واتوجعنا على تعبها ، بس اننا نشوف اللي حصل ليها قدام عينينا واحنا مش قادرين نعمل ليها حاجه، ده اكبر اذيه لينا عشان احنا بنحبك بجد وما لناش غيرك 

نظرت إليه مرة اخرى وهمست متابعة ببلاهه طفلة لا تدري ماذا تُحيك الحروف بفاهها 

= ليه كل الكلام ده هو انا عمري شككت في حبكم لي 

شعر اسماعيل بقلبه يهتز بعنف، يهتز رعبًا من القادم..ثم تهدج صوته اكثر قائلا 

= جايز تكوني بينك وبين نفسك حسيتي كده في اي لحظه، بس لما تحسي كده ارفضي الاحساس ده على طول يا بنتي عشان احنا عمرنا ما هنكون قاصدين اي حاجه من اللي حصلت وعارف ان اي كلام عمره ما هيصلح اللي فات.. بس احنا حقيقي بنحبك وما لناش غيرك، و ربنا وحده اللي عالم احنا حالتنا عامله ازاي من ساعه اللي حصل وعرفناه.. بس لو ربنا اراد وبقيتي ام هتعرفي ان انتي ساعات من كثر حبك في اولادك ممكن تاذيهم وانتي مش واخذه بالك 

اسرع يهز رأسه بنفي وانا ارى الدموع على حافه جفنه بقهر مريرة

= بس ده طبعا غلط لازم نديكم حريتكم ونثق فيكم.. والاهم نهتم بيكم ونواعيكم من الدنيا، سامحيني يا حبيبتي سامحيني يا ريحانه عشان ما كناش قد مسئوليتك يا بنتي

هززت رأسي نافية بابتسامة خالية من المشاعر

= انا مش زعلانه من حد منكم لاني زي ما شفت ايام وحشه شفت برده معاكم ايام حلوه من حب واهتمام ومش هقدر انكر كده.. ممكن بس كان ناقصني شويه تركيز وعي زياده وحاجات ثانيه كنت طمعانه الاقيها فيكم 

وسرعان ما هتف أبي وهو يقول بنبرة حنونه يطمني

= ما تخافيش احنا مش هنسيبك ابدا ولا هنتخلى عنك، هنرفع قضيه و هنطعن في الحكم بس لازم الاول والد هديه يرضي يخلي بنته تعترف بالحقيقه 

ثم تعمق النظر لعيني المتحجرة بالدموع وأكمل بصوته الذي يحمل لونًا واضحًا من الألم والسخط خلفه 

= غبي بيغلط نفس غلطتي زمان.. مش عارف ان اللي هو مستمر فيه ده هيبكي عليه بدل الدموع دم قدام و دي اكبر اذيه لبنته بيضع حقها، و يخرس صوت الحق ويوريها قدام عينها هو قد ايه جبان و السكوت هو الحل

حركت رأسي ببطء ليخرج صوتي مبحوحًا لينًا كخشبة رقيقة لا تستطع ان تغرق وسط المياه ولا حتى ان تنفذ من موجاتها 

= ما عادتش تفرق يعني ايه اللي هيحصل لما الحقيقه تظهر في حاجه هترجع زي الاول 

همس اسماعيل بتلقائية مغموسة بالألم 

= بس هترجعي لي حضننا ثاني انا وامك، وترفعي راسك وسط الناس، عشان العار والفضيحه الحقيقيين ان احنا نسكتكم، والاهم انك مش هتتعدمي وتبعدي عننا 

سرحت قليلاً في تلك الليلة المأساوية التي حولت حياتي للعبة طاولة يتحكمون بها الذئاب، ثم عضت على شفتي بأسى.. لو سالوني ماذا يفعل الظلم في ذلك العالم لردت صراحة انه تجمع كله ليصبح سوطًا يجلدني بلا رحمة !

= ما فيش حد بـ.ـيموت مرتين يا بابا، وانا مت من زمان وانا حيه.. أنا مت من بدايه اللي حصلي وانا صغيره واتعرضت لحاجات كثير وحشه كانت اكبر من سني وأني استوعبها وافهمها

اسوأ ما يصيب الانسان ، أن يموت حياً .!

فزمجر في أبي مسرعًا وكأنه يحذرني من مصير أسود قد حدث بالفعل وانتهى

= ليه ما حاولتيش يا ريحانه ان شاء الله غصبا عننا تفهمينا ..كان لازم تحاربي اكثر من كده وتعملي اي حاجه عشان توصلي لينا اللي بيحصل

ابتسمت متهكمة بقوة وصاحت بغضب

= هو انتم ثاني هتجيبوا الحق عليا عشان سكت، انتم ما فيش حاجه بترضيكم أبدا.. اتكلم تسكتوني اسكت تلوموني.. انا ما بقتش عارفه بجد ايه اللي بيرضي المجتمع ده

هز رأسه بضيق بسرعه وكأنه يبحث داخله علي أي مبرر لارجاع الزمن الي الخلف لكن بكل بساطة لم يحدث والماضي لم يعود.

= مش قصدي والله يا بنتي بس كل ما افكر في اللي حصل باتضايق من نفسي قوي اني ما كنتش جنبك كفايه عشان كده كان نفسي تعملي اي حاجه عشان تعرفيني ..كان لازم تخلينا نسمعك بالعافيه كنتي حاولي بدل المره اثنين و100 طالما في الاخر في مره من المرات هنسمعك لما نزهق 

اجبت بقلب متمني متوجع بقدر تمنيه

= يمكن عشان ما لقيتش الامان في بيتي وسطيكو كفايه.. عشان احاول كثير كده

رفع أبي كفي يضغط عليه بحنان بسرعة محاوله التخفيف عني وهو يقول بصوت مؤلم يملاوا الكسره 

= هو احنا كنا وحشين قوي كده ونخوف للدرجه دي؟ بس ليكي حق انا بتكلم في ايه اصلا انتي كان عندك خمس سنين انتي اللي كنتي محتاجه مساعده وان احنا نقرب منك ونفهمك من غير ما تطلبي كمان

رفعت عيناي المليئه بالدموع بغزاره وكاني احدهم يزحني في قبر مظلم بعتمه سوداء!!.. وإن لم يكن قبر بالمعنى الحرفي ولكني حياتي تشبه القبر وبكثرة 

= انا ما قصدتش وحشين بس في حاجات كثير ما كنتش فاهماها ولا مستوعبها.. وبصراحه كمان كنت خايفه من رد فعلكم ..ايوه كان من حقي الخوف ده وما تبصليش كده.. كنت بقول لنفسي لما ده رد فعلهم وهم بيسمعوا مجرد البدايه كده! امال لما اقول الحقيقه كلها رد فعلهم هيكون ايه؟ هل هينصره هو عليا ولا هينصروني انا 

شعرت أني اركض.. و اركض وكأني في سبـاق.. سباق النجاح فيه سيكون نصر العمـر والهزيمـة مرارة لاذعة سترافق ذلك العمر !! لكن رغمًا عني سقطت اكثر من مرة متعثرة ارضًا وكل شيء يُعاكسني حتى اقدامي... ولكن شعر أبي بي وشد على يدي بقوة محذرًا بحدة

=هو انتي متخيله يا بنتي ان ممكن كنت اعرف اللي كان بيعمله فيكي وهاسكت اكيد طبعا لا! ولا انا ولا امك كنا هنرضي بالظلم والمعاناه اللي انتي شـ.ـفتيها ونسكوت.. ليه تفكري كده؟  

حاولت التمسك كالطفلة خائفه... لكن مهلاً ولمَ كما ؟! فانا بالفعل مازالت طفلة في بداية عامي الثالثة و العشرين لكن قسوه الزمان كانت مرت علية لتعطيني سن فوق سني الأصلي اضعاف، وخرج صوتي مبحوحًا 

= فكرت كده عشان حضرتك وماما لما كنتم بتشوفوا في الشارع حاجه شبه كده كنتم بتمشوا وتعملوا نفسكم مش شايفين ولا بتقفوا وتساعده حتي، لا وكمان لما كنت بسالك هو ليه الراجل ده بيعمل كده كنت بتجيب الحق على البنت وتقول لي هي اللي غلطانه، مع ان حضرتك ضابط وماما مدرسه يعني المفروض يكون عندكم وعي كفايه.. بس للاسف ربتوني زي ما انتم اتربيته على العادات والتقاليد اللي كلها غلط .. سبتوني لي الدنيا افهم لوحدي بس كنت بفهم بعد ايه فوات الاوان 

احمر وجه أبي من الاحراج بينما لاشعر بأنفاسي المضطربة سقطت في حفرة عميقة... قاسية وموجعة لتلك الروح التي تناجي الرحمة في قلوب مغشية ! ثم رفعت رأسي فجأة اتحدث بقوه من وسط دموعي 

= العيب مش في لبس البنت يا بابا ولا انها تحط مكياج زياده ولا أنها تمشي من غير حجاب! ولا الحل عشان ما حدش يبص لي ويتحرش بيا ألبس واسع.. كلها طبعاً حاجات مذكوره في دينا ولازم نعملها ما فيش اختلاف عليها، بس العيب ما كانش في كل ده أصلا العيب مش في البنت نفسها العيب في الراجل اللي بيعمل كده والناس! 

اكملت و ازدادت بكائي و شعرت وكأني اصحبت في معركة دامية، معركة لن تنتهي الا بانتهاء احد وهي روحي فيها ! لكن روحي ليست كافيه أيضا

= الـ.ـتحرش والاغـ.ـتصاب زي ما كان بينول البنات اللي مش محجبه واللي بتلبس قصير.. كان برده بيحصل للبنات المحجبات والمنقبات والاطفال وكبار السن حتي.. ومش لازم ابدا عشان حد مد ايده على واحده ولـ.ـمسها تبقى هي إللي اديت الاشاره عشان يتمادى براحته.. كان نفسي تعلموني أن مفيش شئ يبرر الـ.ـتحرش وأنه عليا أني ادافع عن نفسي وما اهتمش ولا احط في دماغي بردة فعل الناس، عشان انا مش بعمل حاجه غلط انا باخذ حقي

ضغطت على يدي بخوف وبدأ قلبي يرتعد بين ضلوعي و يتردد بأذني كلمات مُخيف كأنها تصلب جسدي وتقول بصوت قاسي :- اريد كل شيء.. كل شيء حلو في حياتك.. قلبك لأدميه وروحك لأقتلها بالحياة.. وجـ.ـسدك ليحمل علاماتي فتكون علامات مميزة تذكرك بـ.ـعار ونـ.ـجاسة عائلتك ! هتفت بنبرة مقهوره بيأس

= عشان الاعـ.ـتداء الجـ.ـنسي مش اذاي نفسي بس.. لا نفسي و جـ.ـسدي؟.. بس عشان احنا عايشين في مجتمع دائما بيلوموا علي البنت ولو اتكلمت يبقي قليله الادب ومش خايفه علي سمعتها لكن الولد له حريه التصرف..  

حينها أغمضت عيناي باستكانة غريبة... وكأني اسبح وسط احزاني وقلت بنبرة متحشرجة 

= انتم بكلامكم ده خليتوني مبقاش عندى ثقة فى نفسى، انا بقيت ابص لنفسى فى المراية كتير اوي واقول هو انا فيا حاجة غلط؟ يعنى انا مش كويسه ولا محترمه عشان بخلي حد يتحرش بيا ولا يبصلي بصه مش كويس ،ولا اللي كان بيعمله عمي معايا انا السبب في؟ 

لا يدري أبي ما يقول لي التخفيف عني ولكنه شعر انه سيء....سيء جدًا، فتح فمه للتحدث لكن فرت هاربة الكلمات مثل أدراج الرياح، ولكنه حاول فك عقدة لسانه وهو يقول بنبرة يلوح منها التوتر 

= لا طبعاً اللي عمله معاكي عمك بالذات ما لكيش دخل فيه

اصبحت فجاه اضحك بهيسترية وأنا أنظر لابي الذي كاد يبكي تأثرًا بحال أبنته الميؤس منها وقلت له

= شوفت بقى كلامكم كان مؤذى قد ايه، أنتم اذيتوني كتير اوى بسبب الافكار اللي دخلتوها في دماغي دي وان طول الوقت ابقي حاسه العيب فيا انا مش فيهم  

ابتلعت غصة مؤلم كانت كالأشواك تـ.ـمزق حلقي وأنا ابتلعها متحدثه بمرارة

=انت حميتني ايوه بس ممكن تكون عملت اكبر غلطه انك حميتني من اللي بره و نسيتني نحميني وتحذرني من اللي جوه؟ خلتني اقتنع زيك أن الاذيه عمرها ما هتجيلي منهم، مع ان اهل بيتي هما اكثر ناس اذوني 

كان اسماعيل صامت... يحدق بها بشفقة حقيقية والحزن يستوطنه بتلقائية على تلك المسكينة ابنته ومعاناتها التي لم تنتهي.. زفر بعنف مع كل حرف تتحدثه وهو يتخيل معاناتها والمها، و الدموع متحجرة في عيناه ولكنها ترفض الخضوع لسطوة الانهيـار..

كل شىء يمر، تلك حقيقة مؤكدة، لكن قبل أن يمر.. يأخذ معه طاقة كبيرة، وبعض من الروح ، والعمر المتبقي فيه، كنت الهث بصوت مسموع و اتحدث بسرعة لدرجة أن جسدي بدأ يرتعش بعنف مُثير للشفقة وانا اتمسك بيد أبي بقوه كحماية.... 

= وكنت محتاجاكم في حياتي اكثر من كده، مش وقت ما اقول انا محتاجه بس! وكان نفسي لما ابقى مختلفه معاكم في امر تتناقشوا معايا وتفهموا انا عاوزه اوصل ليكم ايه من غير ما اقعد المح بكلام عشان ادخل في حوارات ثانيه.. كان نفسي تبطلوا تفهموني غلط! كان نفسي اصلا تفهموني انا عاوزه ايه؟ كان نفسي احس بالامان.. الامان اني مبقاش خايفه طول الوقت وانا بقول اللي جوايا..

عقد اسماعيل ما بين حاجباه هامسا ببحة متأثرة 

= ياااه يا ريحانه هو انتي كبرتي للدرجه دي

عضت شفتي بتهكم وكانت الحسره بعيني واضحه وأنا أردفت بصوت مكتوم  

= مش قلت لحضرتك كنت محتاجه منكم تفهموني الدنيا اكثر من كده اديني فهمتها لوحدي وفهمت حاجات كثير قوي ثانيه

دائماً يوجد في القلب أشياء أكبر من أن تُقال ، ففي قلب كل منا غرفة مغلقة نخاف طرق بابها حتى لانـبـكي .ليس كل هاديء خالي البال و كل صامت لا يبالي ، ففي الهدوء والصمت ألف حكاية وحكاية أكبر و أعمق من أن تصفها كل الكلمات و اللغات ، فلنا حياة داخلنا تختلف تماماً عن الحياة التي يرانا فيها الآخرون. فخلف كل صمت حكاية لا نريد أن نبوح بها والصمت ليس أن تقبض على لسانك ، الصمت أن تقبض على قلبك.

ظليت أبكي كالطفلة تبكي استوطنها العجز كما حياتها كلها وهي تمسك بقدم والدها ترفض رحيله، بينما اسماعيل عيناه جامدة تخفي الانهيار خلفها... يحبس دموعه بصعوبة ويشعـر.... يشعر....آآ أنه لم يستطع التمسك أكثر من ذلك ليكشف الستار عن ضعفه ودموعه التي بدات تتساقط بحزن شديد عليا.. 

لينهض يقترب مني بخطوات ثقيله وأنا مازلت أخفض وجهي و ابكي بحرقه، حينها رفع عيناه بملامحه المتألمة ليفتح يده الإثنين كأنه يخبرني بان ارمي هموم العالم كلها داخله فهو سندي.

لم انتظر ولا لحظه لاترمي بأحضانه فجأة و اشهق ببكاء عنيف.. بكاء كنت اسداد بصعوبة... بجدار واهي من التماسك... ولكن ذاك الجدار لم يعد قادر على استيعاب قدرًا اكثر من البكاء الحاد......! ليربت أبي فوق حجابي برقة وحنان والدموع تغلبه ليبكي بشده اكثر وأنا أيضاً. 

وبعدها بدقائق معدودة في نفس اللحظه دلف العسكري لياخذني الى الحبس مره ثانيه، وخرجت معه بالفعل، ليخرج اسماعيل ليقابل رشوان بوجهه الذي نظر إلي دموعه بدهشة وعطف ثم قال بتوتر محاوله تخفيف خجله منه

= اسماعيل تعالي اغسل وشك في حمام مكتبي.. بلاش تمشي في الشارع كده وانت بتعيط! 

رفع اسماعيل عيناه الدامعة له وهي يسرح في صندوق العادات والتقاليد قائلا :- الصبيان لا تبكي و الدموع لا تعرف مكان في حياتهم، الضعف والبكاء فقط للفتيات..!! 

اقسم اسماعيل داخله لو كان يحمل بيديه فآس لي كان ضرب بالحائط كل هذه العادات والتقاليد التي ذبحت اجيال كثير بسبب هذا التفكير الخاطئ ومنهم أبنته!   

وبالفعل ألتفت بجسده ليخرج من المكتب وسط الجميع و دموعه مازالت مستمرة بالسقوط وبدأ بعض الناس ينظرون إليه بدهشة بينما هو لم يبالي و كانه قد تجرد من تلك العادات والتقاليد التي تحت مسمى العار، فما هو العار في ذلك؟ شعر بالحزن الشديد على أبنته ولم يتمالك نفسه باحساس الذنب وبدأ بالبكاء، فلما يخفي هذه المشاعر ويكتمها داخله وكأنها فضيحه الي صاحبها..

بعد فتره طويله وصل إلى مدفن حمدي! وهنا سمح لكل شيء يثور داخله... يهيج ويضرب جدار روحه بعنف أن ينفجر قائلا

= مش عارف رجلي جابتني هنا ازاي؟ ولا اشمعنى انت بالذات اللي جيتلك دون عن الناس كلها وانا في الحاله دي 

تنفس اسماعيل بصوت مسموع وهو يقول ساخرًا

= بس اكيد مش حبا فيك انت بقيت دلوقتي اكبر عدو لي، واكثر واحد بكرهه في حياتي، شفت الدنيا بعد ما كنت بالنسبه لي ابني مش اخويا دلوقتي بقيت عدو! 

أخفض بصره الي المدفن بينما هو يشعر بجرح داخله ينزف وهو يضغط عليه مغمضًا عيناه لا يصدر آآه حتى... ليقول بنبرة غل

= نفسي تكوني قدامي دلوقت ونفسي تجاوبني على اسئلتي وتقول لي عملت في بنتي كده ليه؟ ليه تكسرني وتحسرني عليها، عملتلك ايه عشان تعمل فيا كده رد علـيـا .. انت مش عارف وصلتنا كلنا لايه سبب عاملتك دي! لا وكمان ما اكتفتش بي بنت اخوك وبنات كثير تانيه ضيعتهم ،و نشوي مرميه في المستشفى بسبب صدمتها في بنتها اللي اتحكم عليها بالاعدام عشان كـلـب زيـك

حينها زمجر به في المقابل وكانت تلك الروح داخله تغيب عن وعيها وهو يصيح بصوت عالي

= ما كانش لازم تـ.ـموت دلوقت ما كانش لازم تبقى انت إللي تحت التراب وهي في السجن بتشيل ذنوب كنت انت السبب فيها، وبتدفع ثمن اخطاء ما كانتش هي اللي ارتكبتها، المفروض كنت أنا إللي قتلك بيدي مش هي.. انت فعلا تستاهل الموت بس هي ما تستاهلهوش.. ما ينفعش اللي بيحصل ده.. 

اقترب إسماعيل فجاه و وقف أمام القبر ثم بدأ ينبش قبر أخيه وهي يصيح بشكل هيستيري مرددا

= أيوه ما كانش ينفع هي اللي تقتلك كان لازم انا اللي اقتلك.. هي ما لهاش ذنب انا السبب انا اللي دخلتك بيتي وامنتك عليها وانت دمرتها.. لازم انا اللي اقتلك، هي ما لهاش ذنب عشان تتحاسب عشان واحد زيك حيوان وما عندوش ضمير.. اطلعلي لازم تعيش وأنا اقتلك.. فاهم!! انا اللي مفروض اقتلك مش هي. 

ظل يصرخ دون وعي بأعلى صوته بهذا الشكل وهو يحاول يزيح الرمال عن قبر شقيقه حمدي، كان معتقد بهذا الطريقه سوف يجده حي! وبعدها ينتقم منه اشد انتقامه.. لكن هذا لم يحدث بالتاكيد فالميت لا يحي.!! 
تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1