رواية صمت الفتيات الفصل الرابع عشر 14بقلم خديجة السيد

رواية صمت الفتيات الفصل الرابع عشر بقلم خديجة السيد


فـي الـقـسـم.

كانت شهقاتها تزداد بينما الجميع يتابعها بصمت... وهي مازالت تجلس بالأرض و روحها تحترق لأحتراق طفلتها بندم قاتل مع كل صرخة تخرج منها تنغرز كالأشواك بروحها.. وفي نفس اللحظة دلف اسماعيل يركض بخطوات سريعة بقلق وهو يبحث عن زوجته، وعندما راه رشوان تقدم اليه ويردد بصوت ملهوف

= اسماعيل كويس انك جيت تعالى شوفها مش راضيه تروح مع حد وشكلها تعبانه قوي انا من رأيي تطلع بيها من هنا على المستشفى عدل ،انت اصلا غلطت لما خرجتها من الاول وهي في الحاله دي

سمعت نشوي كلماته وهي مازالت ارضًا وراحت تصرخ بهياج هيستيري 

= وهو الدكتور هيعمل لي ايه انا وجعي ما لهوش دواء طلعوا لي بنتي ودخلوني انا مكانها هو ده علاجي،  ريحوني وما توجعوش قلبي عليها ما حدش حاسس بناري والوجع اللي جوايا عليها..

ثم رفعت عيناها الدامعة الي زوجها وهي تستطرد بنبرة متحشرجة 

= انا مش هفضل واقفه متكتفه وانا شايفاها بتضيع مني وانا السبب في اللي هي فيه ..حرام عليكم خرجوا لي بنتي

هز رأسه رشوان بيأس وقال بصوته الخافت المُحمل بعاطفة جياشه مرددا

= شايف بنفسك حالتها، هو ده اللي عماله تقوله من ساعه ما جيت.. عاوزانا نخرج ريحانه وندخلها هي مكانها ونحبسها .. خذها يا اسماعيل وامشي انت عارف ان قعدتها هنا مش هتحل حاجه

تنهد اسماعيل تنهيده عالية إنطلقت من بين شفتـاه  بتلقائية متألم بيأس و مُحطم بشعور الخساره خاصةً ومرارة الخسارة تستقر ببواطن روحه... عاد للخلف خطوتين.. يحدق بعيناه اللامعة الي داخل عين زوجته التي كانت تنظر إليه بوميض راجي! نادم...تتوسل إليه بأن يفعل شيء ولا يترك ابنتها هكذا تموت ضحيه اهمالهم! بينما عيناه هو جامدة.. متخبط ما بين الألم و.... قله الحيله !! ثم اقترب بعدها دون حديث ليجذبها معه باصرار للرحيل. 

***
بداخل مكتب المامور جلس الضابط أعلي المقعد وهو ينظر إلي الشابه التي امامه في عمر العشرين قائلا بجدية 

= خير قالوا لي أن حضرتك عاوزاني في موضوع مهم اتفضلي؟ 

صمتت الشابة لحظات مترددة فنطقت اخيرًا بصوت مبحوح 

= ايوه فعلا انا طلبت حضرتك بالاسم.. انا مش عارفه ابدا منين بس انا سالت وعرفت ان حضرتك اللي بتحقق في قضيه ريحانه اسماعيل اللي عمها تحرش بيها، انا متابعه القضيه على مواقع التواصل الاجتماعي، من ساعه ما بدات تقريبا وصعبان عليا قوي اللي حصل لي ريحانه وهي ما تستاهلش كده بجد

عقد حاجبيه باستغراب قائلا متسائلا باستفسار

=ايوه فعلا انا اللي كنت بيحقق في القضيه بس انتي عاوزاني ليه؟ 

ابتلعت ريقها بصعوبة بالغة وهي تغمغم بصوت حاولت سرقة بذور التوتر منه قائله بخفوت

= عشان انا واحده من ضحايا المتحرش حمدي! 

عقد الضابط ما بين حاجبيه بعدم استيعاب ثم اردف بتلقائية مستنكرًا 

=ايــه! 

بدأت ضربات قلبها ترتجف من الألم وروحها تتلوى داخلها... ثم تعمقت النظر بعيناها المتحجرة بالدموع و قالت بصوتها الذي يحمل لونًا واضحًا من الألم خلفه 

= انا حصل لي نفس اللي حصل لي ريحانه تقريبا كان عندي برده خمس سنين وكان حمدي المفروض أنه صديق والدي وكان بيستدرجني بنفس الطريقه عشان يستغلني ويمارس شهواته عليا..!! اللي حصل لي وأنا صغيرة متخططتهاش غير وانا كبيرة و محدش يعرف عنه حاجة ، يمكن دلوقت بس بدات افوق واعرف أهلي مؤخراً و دلوقت قررت اتكلم عنه هنا .. 

سقطت دموعها بحزن وتابعت بازدراء 

= وأنا صغيرة اتعرضت للتحرش الجنسي من حد مكنش متوقع خالص كنت بقول عليه عمي حمدي وكان صديق مقرب لوالدي، بس هي كانت حاجة صادمة بالنسبالي لأنه وقتها كان قد ابويا وانا كنت صغيره جدا.. و كان بالنسبة لأهلي حد موثوق فيه ! 

مسح الضابط وجهه بغضب شديد وهو يستمع الى مأساتها لم تكن الاولى بالفعل ولا الاخيره لكن هذه الدائره الذي يسيرون بداخلها يشعر أنها بلا نهايه.

تنهدت الشابه بعمق تنهيدة تصدر عن أعماق أعماق تلك الضجة التي تهتاج اكثر داخلها شيءً فشيء وهي تتحدث.. ثم رفعت رأسها وهي تخبره بنبرة صادقة مُذبذبة

=أنا مقدرتش اتخطى الموضوع ده غير لما تابعت قضيه ريحانه و الاخبار والمواقع ابتدات تتكلم عنه وتكتب اسمه وتنشر صوره لي كمان، ما اخذتش دقيقتين وعرفته على طول وافتكرت المرتين اللي حاول فيهم يتحرش بيا، او هو اتحرش بالفعل، أنا بقي معنديش اي ثقة في أي... و بتكلم فيها دلوقت لسبب ، 
عشان فكرة انك حقيقي تثق في حد مع عيالك دي المفروض المفروض تتلغي، وان احنا لازم نواعي اولادنا من حاجه زي كده لو حصلت

عضت على شفتاها بأسى وهي تخبره بين دموعها بتوجس

= أنا لما عرفت إن الشخص ده توفـى خلاص أنا فرحت اوي.. و كنت أول و آخر مرة في حياتي أحس يعني ايه شمـاته ،المرة الوحيدة اللي حسيت فيها إنه ياااه أخيراً الشخص اللي كان مسبب لي عقده في حياتي وخوف مات.. انا عارفه ممكن اكون غلط اني  بشمت في ميت 

زفر بعنف شديد وهو يستمع إلى كلماتها وداخله شيء يردد مغموسًا باليقين يجب ان يضع حال الى هذه المهزله لم يكن حمدي المتحرش رقم واحد فيوجد العديد منه والتحرش منتشر بصور كثيره في جميع انحاء البلاد ورغم ذلك قليلا من يتشجع من الفتيات الى رفع القواضي ضد الجاني! خوفا من الفضيحه والعار!! لكن الى متى سيظل هذا الخوف داخل الفتيات والاهالي؟؟. 

بدأت شهقاتها تزداد بينما هو يتابعها بصمت يحدق بها بشفقة حقيقية والحزن يستوطنه بيأس وضيق علي تلك الفتيات، مسحت دموعها وهي تقول بصوت تحول إلى اشتمزاز

= بس هو كان شخص غليظ ومقرف أذاني اوي وأنا كنت جـبانة أكتر من إني أحكي الموضوع لي أهلي أو لي أي حد... وما كنتش لاقيه حل ومش عارفة أقول اللي حصل ..بس كنت طول الوقت مضايقه و زعلانة اني عرفت احساس الخوف والرعب طول الوقت وانا في سن صغير مش عارفه اتصرف ولا امارس حياتي عادي بعد اللي حصل .. أنا لما كنت بشوفوا كنت بستخبى تحت السفرة من كتر جبني وخوفي منه.. انا بكرهه بجد بكرهه ومش مسامحاه على اللي عمله معايا هو اذني بشكل وحش قوي مش قادره انساه 

بللت شفتاها والتوتر يزحف لكافة جوارحها ببطء ثم خرج صوتها مبحوحًا يتحجزه القلق 

= مالك حضرتك بتبصلي كده ليه؟ 

رسم الحدة والخشونة على ملامحه الرجولية وهو يجيب عليها بتعجب ودهشة

= مستغرب بصراحه ان في واحده اخيرا جاء واتكلمت رغم أنها متأخرة اوي صحيح بس اخيرا اديتنا امل ان في بنات لسه بتدافع عن حقها ومش بتسكت على الاشكال دي 

عضت علي شفتها السفلية وتشدق بعبث متحسره علي نفسها

= احنا بنسكت من الخوف وهو للاسف هددني وانا كان عقلي صغير ومستوعبه اللي بيحصل عشان كده سكت وما رضيتش اقول لاهلي وبعدين اللي حصل لي كان مرتين بس منه... مش ثلاث سنين زي ريحانه الله يكون في عونها بجد انا المرتين دول و مش قادره انساهم من ذاكرتي لحد دلوقتي، ولا قادره اعيش حياتي عادي وارتبط 

ليسألها الضابط بصوت هادئ خشن 

= طب ايه اللي خلاكي تيجي وتتكلمي دلوقت اشمعنى في الوقت ده؟  

تنهدت هي بصوت مسموع مُعذب هاتفه

= يمكن قصه ريحانه و اللي شفته حصل ليها هي اللي شجعتني وخلتني اقول لاهلي كمان اللي حصل.. وكمان انا مستعده ارفع قضيه وانا مش خايفه من كلام الناس عشان انا ما عملتش حاجه غلط 

عقد ما بين حاجباه وهو يحدق بها متسائلا باهتمام

=متاكده من موضوع القضيه دي وانك مستعده تشهدي في المحكمه ان حمدي اتحرش بيكي مرتين عشان الموضوع ده مش هيجبلك حقك لان الجاني خلاص مات! ومش هينوبك حاجه غير الناس كلها هتعرف وممكن تتراجعي زي غيرك وتخافي.. وبعدين اهلك عملوا ايه لما عرفوا؟ حد منهم منعك تيجي 

اومأت الشابه وهي تهز رأسها بقلة حيلة مرددة بصوت شارد في حياتها البائسة التي راحت هدر بسبب شخص يدعى أشباه الرجال بلا قلب وبلا رحمـة

= بالعكس هم زعلوا مني عشان ما تكلمتش من الاول.. طبعا هم اتصدموا في الاول و لاموني ان انا ما قلتش حاجه زي كده من البدايه وما ينفعش كنت اسكت عشان الشخص ده ما يفضلش مستمر جنبي ويعمل اللي بيعمله ، ولما وريتهم قصه ريحانه واللي هي بتقوله في المحكمه صعبت عليهم جدا و اقترحت عليهم ان انا عاوزه اروح المحكمه و اقف قدام القاضي و قدام الناس كلها واقول أن أنا حصل لي نفس اللي حصل ليها يمكن شهادتي تخفف الحكم عليها ..ولا حتى لو مخففتش غيري يتشجع ويروح يقول الحقيقه لأننا ما ينفعش نسكت وما ناخذش حقنا.. ما ينفعش انا افضل متعذبه وبحس بكل الاحاسيس اللي وحشه دي بسبب شخص ما عندوش ضمير ولا رحمه، وهو بيمارس حياته عادي ولا اكنه اذاني واذي غيري ... 

ثم أخذت نفس عميق و أردفت بصوت منخفض

= وبالمناسبه انا بابا بره مستنيني ،بس قالي ادخلي انتي الاول عشان تاخذي راحتك وتحكي كل حاجه لضابط.. وبلاش ادخل معاكي عشان ما تتكسفيش مني ولا تخافي 

ارجع الضابط ظهره الي الخلف وهو يشرد في بدر وما يفعله وكيف منع ابنته بقول الحقيقه واخذ حقها..! بينما الان امام نموذج اخر الاباء هي من تشجع ابنائها لاخذ حقها.. فصحيح هناك من يفسد ارض وهناك من يصلحها..!  

***
بعد مرور شهرين..

بداخل السجن كنت أسير حتى وصلت امام أبي وأمي... ابتسم لهم بهدوء بينما مرت دقيقة تقريبًا وامي متجمدة مكانها تطلع في وانا ارتدي تلك البدله الحمراء! وكأنه جبل من جليد يعيق سير دقاتها الممسوسة باهتزاز روحها من الأساس!! بدأت قدماها تعود للخلف بتلقائية... الدموع متحجرة في عيناها ولكنها ترفض الخضوع لسطوة الانهيـار.. لكنها بدأت بالفعل تثور وتبكي بحرقه و عنف حتي كادت أن تسقط لولا أنا ركضت ولحقتها وقلت لها بقلق شديد

= ماما حاسبي يا حبيبتي ،مالك انتي كويسه

سحبتني أمي الي احضانها بقوة ثم واخيرًا استطاعت دافعي بعيد برفق لتمسك هي وجهي بين يداها وعيناها بدأت تتساقط الدموع منها بحزن وصوتها الخشن يخرج مهتز مختنق 

= لا مش كويسه وعمري ما هبقى كويسه طول ما انتي بعيده عن حضني يا ريحانه.. صعبان عليا وانا شايفاكي لابسه البدله الحمراء مش قادره اتخيل ان خلاص ممكن بعد كام يوم تروحي مني وما اشوفكيش ثاني، ليه كده بس

شددت على يداها و اخبرتها أنا قائله احاول رسم ابتسامة هادئه علي ثغري

= انا كويسه ما تقلقيش الحمد لله على كل حاجه نصيبي كده 

ثم بعدها ليجلسون بهدوء وهم يتمتعون النظر اليه باهتمام وحزن.. دون حديث! عقدت حاجبي بدهشة وعدم فهم وقلت باستغراب 

= هو انتم ساكتين ليه؟ 

نظر أبي متعنًا في وجهي وهو يسألني

= هنقول ايه يعني.. احنا جايين النهارده عشان نطمن عليكي ومش عاوزين نتكلم عاوزين بس نفضل نبصلك كده لحد ما نشبع منك

استغربت صمتهم الرهيب ولكن رغم ذلك سألتهم بشك

= هو الطعن اترفض مش كده؟ 

وضعت امي يدها فوق فمها بضعف وهي تبكي بشده وأبي أخفض وجهه بقله حيله ويأس.. وبعدها فهمت انا الاجابه بمفردي.. ابتسمت ببرود واقتربت جلست وقلت بصوت منخفض

= طب تمام زعلانين ليه؟ مش اخر الدنيا ايه يعني اللي هيحصل هموت أنا سبق وقلت لك يا بابا انا مت قبل كده واللي قدامكم دي واحده بتعافر في الدنيا عشان تحاول تعيش الايام اللي فاضله.. فالموت بالنسبه لي راحه ما تزعلوش، خلاص اهدوا كده و تقبلوا الموضوع بصدر رحب 

رفعت أمي مقلتيها ونظرت إليه بألم حاد وقالت بزهو 

= ايه اللي انتي بتقوليه ده بس حرام عليكي، هو سهل علينا تروحي مننا مش كفايه اللي عملناه فيكي وانتي صغيره وظلمناكي وكنا مقصرين معاكي اوي.. لسه ما شبعناش منك يا ريحانه مش هقدر يا بنتي اعيش من غيرك في الدنيا 

زفرت بصوت مسموع ثم هتفت بصوت خالي من التعابير حيث كنت جامدة..و نظراتي خالية من شتى المشاعر... خاوية احدق بهم فقط 

= ولا انا هقدر على بعضكم بس ما فيش حاجه هتتغير خلاص.. انا شايفه الاحسن ان احنا نحاول نمهد الموضوع واحده واحده عشان نحاول نعدي اللي جاي  

هز رأسه أبي بسرعة وهو يخبرني شاهق بحروف متفرقة كالشرق والغرب 

= ما فيش حاجه هتخلينا نقدر ننسى اللي حصل ولا نقدر على بعدك، واحنا لحد اخر نفس عمالين اهو ندعي وندور على اي امل جديد   

حينها رفعت عيناي لملامحهم المتألمه وأنا اخبرهم هامسة بصوت جامد خلفه اخفي الألف من الالام

= بس ممكن ما اشوفكوش ثاني بجد ويبقى ما فيش اي حل غير الواقع وهو اني هتعدم، جايز يكون احسن عشان ارتاح انا اللي جوايا قاتلني، وطول الوقت حاسه ان انا جوايا وجع وكلاكيع وحاجات كثيره مش هعرف اعيش في الدنيا وهي جوايا عشان ما لهاش علاج.. ‏ومفيش حد يقدر يساعدني ولا حد هيعرف يطلعني من اللي أنا فيه

حينها رفعت رأسي وعقلي ومَن كان يجيب قلبي المكتوي ألمًا 

= على الاقل اديني حققت اللي انا كنت عاوزه واخيرا اتكلمت.. والناس مش هتدعي عليا لما أموت وافضل في نظرهم واحده قتلت عمها وهم مش عارفين اسباب

هتف أبي متسائلا بتأثر بصوت متحشرج

= ليه كل ده؟

هززت رأسي نافية بكل هدوء بحركة رشيقة وأنا اردد بصوت لا حياة فيه

= ‏علشان أنا في زمن مش بتاعي، بفهم الناس لكن مفيش حد بيفهمني. 

إنحسرت الكلمات بين شفتي واضطربت أنفاسي بتوتر شديد بينما ارتعشت شفتي وانا أقول بصوت شاحب 

= انا عمري ما آذيت حد ولا اتمنيت الشر لحد ورغم ذلك مش مرتاحة.. ‏كل حاجه حواليا وجعاني، القلوب اللي مليانه غل وحقد واللي جواهم غير براهم. الناس اللي بقت تستسهل الكلام اللي يوجع وتقول أصل خايفه عليكي وبنصحك.. فكره اني ارجع أثق في حد بقيت احتماليه صفر عندي، حتى لما فكرت اتكلم ما ارتحتش و لسه زي ما انا موجوعه من جوه..

ثم همست و داخلي حروف تتمنى لو تخرج للنور

= مش عارفه من ايه بالضبط الشعور ده، بس من اسباب كثير حواليا، وجايز يكون شيء عادي بحسه مين اللي شفته.. بس الشعور ده مخليني يئست ومستسلمه ومحبطه وشايفه ان الموت هو الحل.. ‏عرفتوا بقى إن اللي أنا فيه مالوش حل غير الموت

اقتربت مني والدتي وهي مازالت دموعها تتساقط ثم تابـعت بخفوت تتوسل 

= لا ما تقوليش كده بعد الشر عليكي يا حبيبتي كل ده اكيد لي حل واحنا خلاص عرفنا غلطتنا وهنفضل جنبك ومش هنسيبك وهنساعدك وكل حاجه عملناها زمان معاكي هنعمل عكسها دلوقت عشان تقوي من جديد 

ما أقساه هذا شعور ! شعور كالسكين البارد الذي ينغرز بمنتصف قلبي ،هتفت مرددة بصوت صلب قاسي 

= كل ده مش هيفيد بحاجه! ندم بعد فوات الأوان 

تنهد أبي اكثر من مرة بصوت مسموع... ربما احيانًا نُجبر على السير في خطا كالأشواك بالنسبة لنا ولكنها تظل أفضل من خطا نحو الجحيم، حينها وفي تلك اللحظة إنفجرت كل مشاعر أبي وأمي والندم غرق نبرته الأجشة والتوسل كان باطنًا سميكًا له وهو يقول

= احنا السبب في كل ده صح يا ريتنا كنا قربنا منك وسمعناكي ولا ربناكي على العادات والتقاليد اللي كانت غلط من الاول.. يا ريت نقدر نرجع الزمن يا بنتي كنا غيرنا حاجات كثير قوي في حياتك و ما كناش وصلنا للي احنا فيه دلوقت 

صمت أنا وطال صمتي اعلم أن اجابتي بالتأكيد ربما تصبح كالسكين ينغرز بقلب والدتي المسكينة وأبي حين يجدون أن طفلتهما الوحيده تفتخر بقتل اعدائها... فأجابت بصوت اجش 

= بس انا مش ندمانه! ايوه مش ندمانه ان انا قتلت إللي كان السبب في موتي وانا حيه وقتل بنات كثير غيري، وحرمنا من طفولتنا وقتل براءتنا جوانا.. عارفين ليه مش ندمانه لاني متاكده ان انا حتى لو كنت اتكلمت زمان ما حدش كان هيجيبلي حقي ولا يسمعني فبلاش نظره تانيب الضمير اللي في عينيكم دي.. لان حتي لو رجع بيا الزمن هعمل نفسي اللي انا عملته وهقتل عمي حمدي برضه 

نظر إليه أبي اسفًا قد تلقى ردًا لم يكن يتمنـاه ابدًا... فماذا فعل في ابنته حتى يوصلها لتلك الحال ولا تندم على قتل شخص حتى لو كان يستحق كذلك، رغم أنه يعلم الاجابه تلك ولكنه كان يحاول حجبها عن طريقه... ولكن بنطق هذه الكلمات أصبحت كالجدار في ذلك الطريق. 

نهضت واحتضنت كف أمي معًا بين كفي وانا اقبلهما بحنان فطري صادق و كادت أن ارحل ولكن أبي كان الأسرع فجذبني له فجأة بعنف يحتضني و كانت عيناه تدمع حرفيا وهو يتنهد بألم و بصوت مذبذب متوجع.. وفي تلك اللحظات رفعت وجهي له و همست بهمس الخافت المُحمل بعاطفة خاصة لا أريد اظهرها دومًا 

= هتوحشوني قوي.. عشان خاطري لو بتحبوني بجد بلاش تتعبوا نفسكم قوي بالتفكير في اللي فات، و ما فيش حاجه بترجع بعد ما راحت 

وبالرغم من قساوة الكلمات التي جعلتني كالبحر يبتلع في جوفه الكثير ولكنه سيود الانفجار حتمًا من كثرة ما ابتلع.. الا أنهم لم ينطقوا بشيء سوي الدموع ملات أعينهم ! ربما كان الوداع هنا. 

بدأ يربت أبي على خصلات شعري بحنان وكأنني مازالت طفلته الصغيره التي لم تكبر بعد.. وبعدها سحبتني أمي و احتضنتي بحنان بحت... لا اشعر أن قلبها هو من كان يحتويني وليس جسدها وكأن بكاء أمي شيء يجعل كياني يرتجف بعنف !!.....

رحلت للخارج بينما عقدت أمي حاجبيها بألم متأوهه بألم عنيف يحطم قلبها بدون رحمة، هاتفه بصوت يحمل بذبذبات مذبوحة

= تفتكر يا اسماعيل لو كنا عرفنا اللي حصل قبل كده كنا فعلا هنقف جنب بنتنا ونجيبلها حقها ولا كنا هنعمل نفسنا زي غيرنا مش واخدين بالنا ونجيب الغلط عليها كمان؟ كنا هنبقى معاها ولا ضدها!. 

نظر اسماعيل نحوها بدهشة وصمت وتمسك نفسه بصعوبة، فكأن سؤالها صعب للغاية وقد مس دواخل داخله بعمق.. رغم أن الاجابه الصحيح معرفه لكنها في ذلك المجتمع تتلون الحقائق احيانا. 

***
بعد أن خرجت وتركت أبي وأمي يبكون بحسره على شبابي وخسارتي، كنت أسير بطريقي نحوي العنبر ذبلت كليًا واصبح جسـدي يزجـه القدر بلا روح ولا هدف !! كنت موجوعه و كامل جسدي يرتجف و انفاسي تسارعت و احتدت بشدة شاعرة كأنني ستار اسود قد اعمي عيناي..

ولكن قبل أن أكمل خطواتي سقطت على الارض بعنف وضعت يدي على وجهي بقهر ينبثق منه اليأس و الالم يسيطران عليا... وصرخت بصوت متقطع من شدة الألم الذى كان يعصف بداخلي كالاعصار الذى يوشك بتدمير كل ما حولي عاصف لو اطلقت العنان له لأحرقت الأخضر.. 

انفجرت باكية بشهقات بكائي الممزقة وقد سحقني الالم الذى كان يمزق قلبي بسبب فراقي.. رغم أني كنت ارغب بالموت بلحظات كثيره لكن حزن ابي وامي عليه قهرني و إني بعد هذه المعاناه سوف اموت بدون انتصاري علي كل من ظلمني..!! 

إتسعت عينا السجينة التي كانت تسير معي لتنظر إليه بفزع وخوف وهي تقف تشاهدني انهار ولا تعرف ماذا تفعل..؟؟ 

وصرخاتي مازالت تتعالى في الارجاء ولكن بالنسبة لقلوب لا يطل عليها نور الحياة فأنا صماء عن ذلك الصراخ المقهور بالظلم ......

***
في منزل بدر خرجـت رحاب بأعين ذابله لعدم قدرتها على النوم لساعات طويلة لتجـد بدر زوجها قد غير ملابس العمل وكان يجلس أمام التلفاز، ثم نظـر لها بتفحـص، عندما اقتربت منه وهو يقول متسائلا بحنق

=نقول مساء الخير يا هانم ولا لسه هتخشي تكملي نوم تاني.. كل ده نوم يا رحاب اول ما جيت من الشغل الاقيكٍ مجهز الاكل في المطبخ ومخليه بناتك هم اللي يحطهلي، لما سالتهم تعبانه ولا ايه قالوا لي إنك ما نمتيش و لسه داخله تنامي من شويه! ايه اللي مسهرك كل ده 

جلست علي الكرسي أمامه وسرعان ما تبدلت نظراتهـا للخوف ومن ثم قالت بقلق  

= انا ما نمتش طول الليل خالص ولا الايام اللي فاتت يا بدر بقيت اعرف ادوق فيهم طعم الراحه، طول الوقت تفكيري في اللي حصل لي بنتك وازاي ظلمنا ريحانه وهتموت بسببنا، حتى لما بنام شويه بصحى علي كوابيس وحشه قوي في بناتك

نظر إليها بدر بحده وقد مازال محتفظ بهدوءه وصبره قائلا بجدية

= قلت لك اسكتي والموضوع ده ما يتفتحش ثاني في البيت 

عضـت رحاب علي شفتهـا السفلية بحـزن، ثم نظـرت بعينيها السوداء التي كسـتها الدموع حتي اعطتها لمعة ملتهبة زادت من سوادها المظلـم كحلكة الليل، ثم استطردت بلـوم قائله

= مش بمزاجي ومش هانسى ولا انت كمان هتنسى وبعدين احنا هنكذب الكدبه ونصدقها ما هي دي الحقيقه احنا ظالمين و وحشين واللي بنعملوا في حق ريحانه ده اكبر ظلم هنتجازا عليه في اخرتنا.. احنا ازاي هنعرف نقابل ربنا ونقف قصاده واحنا نصرنا الباطل على الحق 

تنهـد بدر بضيق شديد ثم رمقـها بجدية يشوبها الحدة بهدف تغيير موقف زوجته ليقول بصرامة 

= ثاني هو انتي مش ناويه تسكتي بقى هقعد افهمك كل مره ان احنا بنعملوا ده في مصلحه البنات، انتي دلوقتي بتتكلمي عشان السكينه سارقاكي لكن لو طوعتك وعملت اللي انتي عاوزاه هتجيلي بعد يومين بالضبط وهتقولي يا ريتني كنت سمعت كلامك وهتندمي فالاحسن نسكت..

ثم أستـدرك نفسه وعاد ينظر لها بحدة وقال بتوتر

= وبعدين اكيد ربنا هيسامحنا مش احنا اللي بنظلم، الناس هي اللي بتظلم وبعدين هو احنا السبب في اللي حصل لي ريحانه ما اهلها هم كمان وعمها السبب فاللي حصل ليها واحنا مالنا 

زمـت شفتيهـا بعدم رضـا، تعترض وبشدة علي هذا الحديث الذي يقلق نومتها كل ليلة، تنهـدت بعمق قبل ان تردف 

= انت بتبرر ايه حرام عليك البنت نقذت بنتنا من ايد واحد ما عندوش ضمير ولا رحمه تخيل لو ما كانتش ريحانه راحت ونقذت دهب او عملت زينا اكنها ما اخذتش بالها منها وطنشت... اللي كان هيحصل لبنتك دلوقت وتخيل كانت دهب هتروح تقول لينا واحنا اللي بنسكتها بيدينا دلوقتي 

أدمعت عينها بيأس وحزن شديد وهي تقول بصوت مرتجف

= يا بدر ده انت لما وقفت قدام بناتك وسالتهم ليه ما حدش منكم كذب الصحفي إللي كان جي مع اسماعيل لما قال عليكم ممكن يكون بيحصل لكم حاجه وانتم مش راضيين تقولوا لينا البنات سكتوا وماقدروش يحطوا عينيهم في عينك.. ايه الاجابه ما وصلتش ليك ولا فهمت اني اكيد في حاجات بتحصل ليهم واحنا مش دريانين بيها... ورغم كده عاوزنا نسكت ..انا مش هقدر اسكت ضميري اكتر من كده

نهض بدر بعصبية شديدة ونظر إلى رحاب بقوة قبل ان يجيبـه بأبتسامة صفراء امل ان تخفـي الغضب 

= لا هتسكتي و غصبا عنك افتكري كلام الناس اللي مش هتقدري عليهم لما يفضلوا يجيبوا في سيره بناتك ليل ونهار ساعتها هتسكتي... وبعدين انا اللي هشيل الذنب خلاص ارتحتي كده نامي وارتاحي بقى

جـزت رحاب علي شفتيهـا بغبطة في حين وقفت امام زوجها وهي لا تتحمل وتصبر اكثر من ذلك، ولكن الي متـي ؟! واكمـلت قائله وقد كانت نبراتها تحمل الندم الشديد المكبوتـة بداخلها باحساس الذنب المرير 

= زوجه سيدنا لوط عليه السلام ما كانتش بتشارك اهلها في القرف اللي بيعملوه مع بعض.. ورغم كده ربنا عاقبها عشان كانت عارفه وساكته، فلا يا بدر مش بس اللي بيتحسب اللي بيغلط اللي بيشوف الحق ويسكت كمان... وانا جزء من الحق و اقدر أخذ بنتي بايدي  واوديها القسم تعترف بالحق واطلع الغلبانه اللي هتروح وهي مالها ذنب 

صمت بدر لحظه ولكن يختتم تفكيره بالنهايـة بأنـه ما فعل ذلك لا حل غيـره، وبصرامـة حاول جعلها تتوغـل لهجتـه بتهديد قائلا

= طب جربي تروحي كده ولو خرجتي من باب البيت من غير اذني و رحتي القسم وقلتي حاجه هتبقي طالق يا رحاب ..ومش بس كده تنسي انك ليكي بنات كمان عشان مش هتفرج عليكي وانتي بتاذي بناتي وانا افضل ساكت ولا اخر مره بقول لك قفلي على الموضوع ده خالص، عشان بعد كده انتي اللي هتندمي.

شهقت رحاب بعدم تصديق واتسعت عيناها بصدمه وذهول وهي تسمع تهديد زوجها بأنه سوف يطلقها إذا تكلمت بالحرف واحد!. بينما انزلت راسها عاجزه بصمت والدموع تلمع داخل عينيها.  

"صدق الأديب الكبير نجيب محفوظ حين قال في ذلك المجتمع يخاف الناس من العادات والتقاليد أكثر من خوفه من الله!."

***
مرت أسابيع قليلة بينما كنت اقضى الوقت بين الدعاء او تلاوة أيات من الذكر الحكيم او الصلاه أو النوم حتى يرتاح جسدى ،والطعام كان يقدم لي ثلاث مرات لكني كنت اتناول منه فقط سوي عباره عن رغيف من الخبز ،وقطعه جبن صغيره تكفي معدتي للبقاء علي قيد الحياة..  

وفى نهاية مده الحبس الخاص بي قد تعودت على العزله وتلك الحياه وتمنيت انتهاء مدة العقوبه هنا حتي يتم تنفيذ الحكم بالاعدام عليا حتي بعدها ارتاح عندما اذهب الي العادل المولي هو "الله".

كان الجميع بحاله ذهول من حالتي تلك يعتقدون إنني أمتلك شجاعه لا مثيل لها حتي اكون بذلك الثبات.

بينما كان في الوقت الجميع معجبة بمدي اصراري وقوتي، ويضربون الامثال بالشجاعتي كنت أنا حزينة علي نفسي .. لم يشعر أحد ما بداخلي من نيران مشتعلة طوال الوقت، لم يدرك ٱحد بأن صمودي ليس باختياري.. ٱنني مجبرة علىٰ هذا الثبات وهذه القوة ..أنا بداخلي محطمة تماماً ولكني للأسف لا ٱملك رفاهية الإنهيار ..فلا تصدقوا ما ترون امامكم في هذه الحياة، إن ما نخفيه في صدورنا أثقل مما يتصوره احد وخلف أقنعة الضحك و الابتسام يختبئ الكثير والكثير من الالام..!!!   

في اليوم التالي.

وقف حمزه علي الفور عندما وجدني قادمه إليه لـ يتطلع اليه عدة لحظات بتردد وانا اقف خلف القضبان الحديدية الفاصل بيننا و عينيه كانت تلتمع بالقلق عليه قبل ان يهز برأسه لي قائلا بتردد

= ازيك يا ريحانه عامله ايه انتي كويسه؟ 

تقدمت أقف خلف القضبان الحديدية انا الأخري، وتنفست بعمق قبل ان اهمس بصوت جعلته مقضطب خالى من اى تعبير او انفعال

= هتعدم كمان يومين المفروض هكون عامله ازاي؟ عادي مش حاسه بحاجه او مش عاوزه احس مش فارقه وده اللي انا كنت عاوزه من الاول، وانا قلت لك قبل كده ما فيش ميت بيموت مرتين وانا مت من زمان واتوجعت أوي واكيد الموته الثانيه مش هتكون قد الوجع اللي حسيته في الاول بيتهيالي هتكون راحه بعد كده.. ايوه راحه انا مش هكون وسط العالم ده ثاني بس انتم هتفضلوا زي ما انتم و مفيش حاجه هتتغير

قبض يده علي الحديد ونظر لي يبتلع بصعوبة الغصة التى تشكلت بحلقه عندما رأي نظرتي المليئه بالاحباط واليأس التى ارتسمت بعيني قائلا بصوت مرتجف

= ريحانه انا اسف

هززت رأسي بالنفى قائلة بصوت مختنق

=اسف على ايه؟ و انت ذنبك ايه عشان تتاسف انا اللي اتوجعت وانا اللي بتعاقب دلوقت عشان قتلت 

قد فقد السيطرة علي اعصابه تماماً و قد احمر وجهه و احتقن من شدة الانفعال و الضغط الذي يمارسه على نفسه من تانيب الضمير والتفكير به 

= بس اديتك امل ووعدتك ان هيجي يوم و براءتك هتظهر وهتخرجي من هنا، بس للاسف ده ما حصلش وانا ما طلعتش قد وعدي

همست بكلمات متقطعة وأنا ضاغطة بيدي علي قلبي للتخفيف من الالم الذي لا يعصف بي 

= انت ملكش ذنب يا حمزه على الاقل انت حاولت وساعدتني فعلا ووصلت حكايتي للناس بره وانا متاكده إذا ١٠٠ واحد طنش اكيد فيه غيره حتى لو واحد في المئه بس هيهتم ويقرا ويستفاد و ان شاء الله كله ياخذ حذروا وما يسكتش زيي

لكن كلماتي جعلت الدماء تفر من عروقه و قد هدد الضغط الذي قبض علي صدره بسحق قلبه.. و قد انسابت الدموع بصمت على وجنتي من جديد لي اكمل هامسه بتعب وضعف 

= تخيل انسان عمري بينتهي وهو منتظر عشان يلاقي قلوب تحن عليه وتديله ترخيص انه اخيرا بقى لي حق ان يرفض حد ينتهك جسده رغم عنه ويقول لا

تجمدت الدماء بعروق حمزه فور سماعه كلماتي تلك لتتسارع انفاسه و احتدت بشدة شاعراً كأن ستار اسود من الغصب اعمى عينيه.. نظر إليه يشاهدني في حالتي تلك باعين غائمة بالدموع بينما قلبه يؤلمه بحزن نحوي.

= بس انتي ما تستهليش كده انتي مكانك مش هنا انتي الضحيه انتي المظلومه يا ريحانه، ما ينفعش تكون دي النهايه خالص مش قادر اصدق انك بعد الظلم إللي ظلمتيه انتي في النهايه برده اللي بتتعاقبي طب ازاي وليه؟؟ هو معقول احنا ظالمين قوي للدرجه دي و وحشين عشان ما حدش فينا قادر يعترض ويساعدك ده ظلم

حاولت رسم ابتسامه صغيره، ومسحت وجهي بيدي المرتجفة و أنا اهز رأسي هاتفه

= مين قال لك انك مش هتقدر تساعدني انت وغيرك حتى بعد ما اموت انت لسه قدامك حاجات كثير تعملها ،افضل مستمر تهاجم اللي بيدافع عن المتحرشين والمغتصبين وافضل كمان اتكلم مع البنات انهم ما يسكتوش وافضل كرر حكايتي للعالم كله والناس عشان الكل يخاف ان يوصل لي أنا وصلتله، والاهلي لازم تفهم احنا لينا حق والمفروض ناخذه مش هم اللي يديروا علينا كاننا وصمه عار خايفين مننا .. ومين عارف جايز يكون موتي هيصحي ضمير ناس كثير ويكون علامه امل لناس تتكلم 

مرر نظراته بلهفة وقلق عليه من وراء الاسلاك الحديديه الفاصله بيننا قائلاً بصوت اجش يملئه القلق عليا و الغضب في نفس الوقت من مما قالته و أننا سوف أفارق الحياه لأجل كسر قواعده الصمت 

= أنا فعلا عمري ما هانساكي وهفضل فاكر كل كلمه قلتهالي.. بس هيكون الثمن غالي اوي يا ريحانه، هو احنا لازم تحصل مصيبه ولا كارثه ولا ناس تضحي بحياتها عشان نتحرك 

تراجعت للخلف هامسه بصوت مختنق وأنا اشعر باني على وشك الانهيار ولا ارغب ان يراني بحالتي تلك

= هو ده حال الدنيا للاسف.. اشوف وشك بخير مع السلامه، شكلها هتكون آخر مرة اشوفك فيها.. الوداع

***
علي صوت زقزقة العصافير، وطلوع الشمس لتسطـع بنورها الذى ينير علي البيوت كان بداخل منزل إسماعيل يسود الصمت التام بالمنزل فاليوم هو موعد تنفيذ حكم الاعدام على ريحانه! 

في الداخل عند نشوي كانت تجلس علي الفراش وهي شارده في الماضي في نفس المكان التي تجلس عليه الآن لكن قبل سنوات طويلة.

تنهدت بسعاده بينما تحمل بين ذراعيها صغيرتها ريحانه التي كانت تبلغ من العمر عشرة اشهر بينما تراقبها باعين مليئه بالشغف وهي تتنمي داخلها ان تكبر بسرعه حتي تراها اجمل عروسه ،حيث كانت نشوي تقوم بإطعام صغيرتها في ذات الوقت من صحن الطعام الخاص بها ..لتكمل بينما تضع ملعقه من الطعام بفم طفلتها مره اخرى التي اخذت تصفق بيديها بفرح بينما تمرغ فمها بوجه والدتها التي أخذت تغني بسعاده ومرح معها وهي كل حين تقبلها بحنان.

انفجرت نشوي باكية وهي الآن تتمنى أن ظلت طفلتها صغيره ولا تكبر مطلقاً وتتذوق الوان العذاب التي مرت بها ...

بعد لحظات نهضت نشوي من أعلي الفراش بثقل تشعر بألم بجسـدها لتسير نحوي المرحاض.. أغلقت نشوي الباب خلفهـا، تتنهـد بقـوة، تمنـع دموعها من الهطول بصعوبـة ثم اغتسلت ثم توضـأت بسرعة وخرجـت تؤدي فردها وتبكي بحرقه بالسجود اصـدرت انينًا خافتًا متألمًا تعبر عن مدى الحزن الذى يجيش بصدرها حتى كاد يقتلها مع الوقت، اطبقـت علي شفتيها بقوة تعتصرهم لتمنع دموعها من الهطول لكنها لم تستطع منع نفسها من البكاء والحزن! 

ابتسمـت بسخرية مريرة، فهذا كل ما تملكـه، هذا يعـد كل ممتلكاتـها في هذه الحياه التي سلبت منها كل شيئ حتي ابنتها الوحيدة، ولكن يظل دائما الدموع والحزن، ثم بدأت تؤدى فريضتها بخشـوع، وبالطبع لا تخلو من دعاءها لي ابنتها مثل كل يوم لكن عند هذه النقطه تذكرت انها بعد يوم سوف تدعي اليها بالرحمـه..!!!

يا له من احساس مؤلم كانت قبل شهور تجهز ابنتها لحفل زفافها بسعاده لكن اليوم ستجهز ابنتها الى حكم الـمـوت.

***

في الـخـارج.

هوي " اسماعيل " علي الكرسي الخشبي بثقل جسده حتي اصدر صوتًا، نظراته مثبتة علي برواز صور ابنته الذي يحمله بيده وهي تضحك ببراءة عندما كان يحملها هو ويرفعها في الهواء بيده ويلتقطها مره ثانيه بامان، كانت نظراته تقول الف كلمة واولهم الي متي سيظهـر القوة وبداخله يتآكل كالصدئ في الحديد، الي متي سيتحمل نظرات الجميع الموجهة نحوه بأتهـام شنيـع بسبب ما عرفوه الجميع عن ابنته، وكأنه يحمل وصمة عـار ابديـة، تشنـج وجهه و الدمـوع متحجرة في عينيه و لا ولن يسمح لها بالحرية ابدًا

ليس عار عليه إنما يكفي من الالام يظهرها وهو مصدر القوه الان الى اسرته لكن اين أسرته تلك لم يتبقي منهم اليوم الا زوجته فقط وابنته خلال لحظات سوف ترحل الى وجه كريم احن عليها من الجميع حتى هو نفسه، آآه من ذلك الفراق الذي كان كالسهام السامة تنغرز في قلبه وقلب زوجته كلاهما بلا رحمة، تتشنـج جميـع اجزاء جسده بمجرد سماعه صوت بكاء زوجته يأتي من الغرفه كعادتها، حاول ان يعتاد علي هذا الوضع لكن لم يفلح ،فـ دائمًا كان حبه لابنته يصبح كالمطهـر وسرعان ما يمحى كل الحزن و القسوه لتطبـع وشمًا ابديًا .. وهو الفرح والسعاده عندما يلقي بنظره واحده الى وجه ابنته ريحانه.

لكن اليوم سوف تفارق الحياه ولم يعد هناك من يمحي ذلك الحزن من حياته أبدا و لطالما كان فخور بها ويتمنى ان يفعل كل ما بواسعه ليسعدها وكان يعتقد بالفعل ان يوفر لها كل ما تحتاجه ولكن كانت مجرد اوهام داخله لا اكثر.. ألقي نظرة اخيـرة على منزله الصغير الهادئ، وكأنه يبحث عن طيف سعادة كانت بـه يومًا، ولكن الان صار كالسجـن يخنق كل من يدخلـه .. 

يشعـر بالإنكـسار يحتاجه كلما تذكـر ماساة ابنته التي حدثت جزء منها هنا دون علمه، لا شك انه اخطا خطا فادح ليس عـاديا.. ولكن كم الضغوطات من حوله تفوق قدرة اى بشـر، تنهد بيأس لينظر مره ثانيه الى البرواز إلي صوره ابنته ويشرد في تلك الذكرى.. 

تعالت أصوات ضحكات ريحانه وهي تركض تقهقه بسعاده ووالدها خلفها يركض مبتسماً علي فرحتها ليحملها فجاه بين ذراعيه في الهواء ليرفعها بقوه الى اعلى ويتركها تسقط لكن يلتقطها بسرعه لتصرخ ريحانه بخوف وقلق عندما فعلها مره ثانيه بمسافه اعلى 

= بابا نزلني هقع بااابا ..انا خايفه لااا كده هقع منك

لكن اسماعيل لم يرد عليها وفعلها مره ثانيه وثالثه قبل ان يلتقطها بحضنه بحنان وهي أقتـربت منه تحتضنـه وتلف ذراعيهـا تطوقه بقـوة، لتختبئ في حصـن منيـع لحمايتها وهي تنظر اليه بعبث طفولي، ابتسم اسماعيل بشده عليها وهو يضحك علي زهرته المتفتحة قائلا بعتاب

= وانتي تفتكري ابوكي هيسيبك تقعي وتتالمي وهو واقف يتفرج عليكي؟

نظرت إليه ريحانه مبتسمة عندما هـز رأسه نـافـي وأردف والدها بحب وهو يقبل وجنتيها بلطف ليتـابع والدها قائلا بحنان

= لا يا حبيبتي انا عمري ما هاسيبكٍ تتوجعي ابدا .. اوعدك يا ريحانه عمر الخوف ما هيكون لي مكان في حياتك طول ما انا موجود جنبك يا حبيبتي

الان..

أخفض اسماعيل وجهه ليظهر الحزن الذى كـاد يفترش علي قسمـات وجهه، ثم قال بصوت مغلف بالوهن الذى اكتسحه:- "لم اوفي بوعدي يا ابنتي الحبيبه".

لينهض فجاه واستطـاع بمهـارة انتشـال الألم من خلجات وجهه، كـان يتطلع أمامه بذهـول أحقا سوف يترك ابنته بتاتًا ضحيه للبشر لتكن جزء منفصل عنه،  ليظهر بعينيه السوداء توحـي بأنذار الخطـر الذى سيهب حتمًا، أستـدرك نفسه بسرعه فيجب عليه أستخدم فرصه ثانيه حتى لو ستكون بعدها الفرصه الاخيره.

وسـار متجه للخارج من العمـارة الي عمـاره أخري والتي يقطنون بها في الدور الارضي عائله بدر! ليطرق باب المنزل عده مرات بعنف ،فتحت رحاب الباب بسرعة دون ان تنظر من العين السحرية بقلق ، و اقتربت منه متساءلة بفزع بعدما رأت شحوب وجه اسماعيل الأسمر وحالته المتجمد تلك، إبتلعت ريقها بتوتر قائله

= خير يا أستاذ اسماعيل عاوز حاجه! 

خـرج بدر من الخلف فجاه رفـع حاجبـه الأيسـر، ينظر له بنصف عين، ليقول بجدية 

= اسماعيل انت بتعمل ايه هنا تاني؟ مش سبق  وجيت وانا قلتلك طلبك مش عندي 

حـدق اسماعيل في الذي يقف أمامـه بهيئتـه الجامد و دامـت لثوانى فقط، وسرعان ما اقترب بقوة يصطدم بجسده ليرتطـم بـدر بالأرضيـة بقوة و صرخ من الألم، وفى لمح البصر كان يهبط بجسده أمامه ويلكمه بقوة، قبل أن يضرب انفه لينزف بينما صرخت زوجته من الصدمه بعدم تصديق وقلق من المفاجاه.

ظل بضربه اللكمات بينما الاخر علي الأرضية متأوه من الألم.

اقترب اسماعيل لمستواه وامسك برقبـة يرمقـه بنظرات دبت الرعب في اوصاله ليرتعد من هيئتـه الغاضبـة وعينيه الحمراوتيـن مثل وجهه من كثرة الإنفعـال، ثم صاح بأنفاس لاهثـة بتهديد

= اسمع انت غصبا عنك برضاك هتيجي معايا القسم يعني هتيجي معايا، انا بنتي مش هتتعدم مش هقف اتفرج عليها وهي بتروح مني بسببي أنا وبسببك 

كاد يختنـق بدر وحاول إبعـاد يده عنه وهو يجيبـه بتعب حقيقي 

= أبعد عني آآه هـمـوت

حدقـه اسماعيل بقوة وبرقت عينـاه وراح يتخيله هو نفسه مكانه وهو يهـزه قائلا بلوم وعتاب

= هي كانت عملت ايه غير انها نقذت بنتك ولولا اللي عملته كان زمانك دلوقت قاعد زي الفئران مستخبي في بيتك وخايف تطلع للناس من الفضيحه والعار، هو ده رد الجميل يعني بنتي تضحي بنفسها عشان خاطر  بنتك وانت تخاف تنطق بحرف واحد عشان جبان، ايوه جبان

تركه اسماعيل ليجلس جانبه بضعف و إبتلع ريقه بإزدراء و الدموع ملات عيناه بحسره ثم قال متألم

= بطل جبن وقوم و واجه نفسك بالحقيقه انت السبب في اللي هي فيه، حرام عليك انت ما عندكش قلب ولا رحمه ازاي عاوز تـحـرمـنـي مـنـهـا .. انت ما فيش في قلبك ذره رحمه ولا حاسس باللي انا فيه وربنا ما يجيب اللي انا فيه لاحد عشان ماتحسش فعلا بالكسره 

ظلـت رحاب تعود للخلف شيئ فشيئ، تشربـت ملامحها الخوف والجزع وهي تبكي بشده عليه وتشاهده في تلك الحاله.. و في نفس اللحظه خرجت بناتها الاربعه وهم ينظرون اليها بحزن شديد وعتاب.

سحب بدر نفسه يعتدل بثقل وهو يتنفس الصعداء بصعوبة بالغة من ألم جسده.. 

نظرت رحاب الي بناتها بتفحـص بتردد قليلا، ثم اقتربت رحاب من اسماعيل الجالس بالأرض دموعه تتساقط بعجز وقله حيله، ثم هـزت رأسهـا ونظرت له بحـزن قبل ان تهمس بألم تجسـد في نبرتها

= اهدا يا استاذ اسماعيل حقك علينا، اهدا وما تخافش بنتك ان شاء الله هتطلعلك وهترجع لحضنك ثاني وانا بنفسي هاخذ بنتي تشهد بالحقيقه، انا مش قادره على تانيب الضمير وعمري ما هسامح نفسي اني بنتك هتموت بسبب انها نقذت بنتي وانا بدل ما اشكرها باسيبها للموت ،عشان كده هظهر الحق واللي يحصل يحصل

انتفض اسماعيل فزاع من مكانه فور سماعه كلمات رحاب ليتقدم منها بعدم تصديق ولهفه شديده هاتفاً بصوت مبحوح 

= بتتكلمي بجد هتعملي كده ولا بتاخذيني على عقلي.. ابوس ايدك اعملي اي حاجه انا بنتي خلاص فاضل ليها لحظات وحبل المشنقه يتلف حوالين رقبتها

هزت راسها رحاب بالايجابي وهى تردد بانتحاب

= ايوه بتكلم بجد يا استاذ اسماعيل ده اللي كان لازم يحصل بنتك ما ينفعش تتعدم لمجرد انها حاولت تدافع عن بنتي وانا يكون ردي للجميل اسيبها تموت، غير ان ده لو سبته يحصل مش هقدر اعيش بعد كده من تانيب الضمير ولا احط عيني في عين وأحده من  بناتي،و ولا واحده منهم هتقدر بعد كده هتشتكي وتفتح بقها لو حصل ليها حاجه بعد اللي عملناه في بنتك ،وهم شايفينا خائفين اد ايه من كلام الناس

تنفس بدر الملقي بالأرض الصعداء بصعوبة بالغة من الام جسده وعندما سمع كلمات زوجته وانها سوف تذهب الى القسم وتكشف الحقيقه، مما جعل الدماء تفر من عروقه وحاول أن ينهض يعنفها لكنه لم يستطع ليقول بصوت ضعيف 

= رحاب آآه انتي بتقولي ايه انا مش هاسمحلك تعملي كده آآ مش هتروحي في حته

تشدد جسد اسماعيل بخوف مرة اخرى أن تتراجع زوجه بدر عن حديثها لكنها لم تهتم إليه، ثم تراجعت رحاب للخلف عدة خطوات قائله بحزم

= استناني هنا يا استاذ اسماعيل لحظه هالبس بسرعه والبس البنت واجيبها معايا وهنروح القسم

هز رأسه اسماعيل عده مرات بامتنان لها و عينيه تلتمع بسعادة غامرة وهو يخرج هاتفه من جيبه قائلا بفرحه

= تمام متشكر جدا مستنيكي و هتصل بسرعه بي رشوان وهقول له ان احنا جايين عشان يحاول يوقف الحكم

تحركت رحاب من امامه واخذت بناتها الى الداخل، بينما اتصل اسماعيل بصديقه وانتظر حتى اجاب عليه ليقول بسرعه ولهفه وهو يتنفس بصعوبة بالغة

= رشوان مش هتصدق ولدت دهب وافقت انها تيجي معايا القسم وتخلي بنتها تعترف بالحقيقه.. خلاص الحقيقه هتظهر يا رشوان.. وبنتي هتطلع براءه وهترجع لحضني ثاني انا وامها، رشوان! انت مش بترد ليه؟؟ اعمل اي حاجه حاول توقف الحكم لحد ما نيجي

إبتلع اسماعيل ريقه بتوتر شديد عندما لم تاتي اجابه منه لكن بعض لحظات اجابه رشوان بصوت حزين قائلا 

=يا ريتك كنت اتصلت بدري شويه يا اسماعيل حكم الاعدام خلاص اتنفذ من حوالي ربع ساعه!! وريحانه تعيش انت...!! 

تحول شحوب وجه اسماعيل الى لون رمادى فور ان انتبه الي كلماته الصادمه وان ابنته قد فارقت الحياه وانتهى الامر ولم يعد هناك اي فرصه للعوده!! أبعد الهاتف عن أذنه ليسقط من يده بالأرض بقوة ليتحطم، وشحب وجه إسماعيل بعدم استيعاب شاعراً بألم يكاد يحطم روحه الي شظايا و هو يشعر بوحدة لم يشعر بها من قبل.. 

بدأت عيناه تدمع حرفيًا بغزارة.... فرفع رأسه للسماء وكأنه يناجي ربه باحتراق روحه مع روح أبنته الراحله! وهو يصرخ بصوت مذبذب متوجع بحسرة 
=يــا رب........


تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1