رواية المطارد الفصل الثانى2 بقلم امل نصر


 رواية المطارد الفصل الثانى بقلم امل نصر


انتَ مين؟
سؤال بسيط خرج منها بعفوية  ودون أن تفكر، وكأنها نسيت الظرف المقيت، وعادت لأحلامها وهاتان العينان العميقة والغريبة بنظرتها الحادة، والتي تحولت لمخيفة بعد سماع السؤال فصرخ فيها بصوت خفيض من تحت اسنانه:
- انتِ مالك أنتي انا مين وصفتي إيه؟ انتي تجاوبي وبس، هو انا جاي اتعرف بيكي؟.
عادت للواقع المخيف وهي تومئ برأسها إذعاناً خوفًا منه:
- أنتي بقى البت الممرضة؟
سأل هو بخشونة ، اهتزت هي حدقتيها بريبة وتوجس قبل أن تجيبه بإرتباك: 
أنا لسه بدرس يعني ، بس في نهائى تمريض.
لوح بيده امامها وهو يقول بتهديد: 
- طب اسمعى الكلام دا كويس, أنتي هاتطلعي معايا دلوك على طول من غير نفس ولا صوت، انا مش هائذيكي ، انا بس هاخدك تعالجيني وأرجعك بعدها سليمة من غير ما امسك بأي سوء.
شحب وجهها كالأموات وهي تستوعب فحوى كلماته فهتفت  باعتراض: 
- اجي معاك فين؟ هو أنت اتجنن...
لم يمهلها لتكمل فيسمع صوتها من اهل المنزل، أطبق بكفهِ مرة ثانيةً على فمها، ودفعها للخلف يهدر عليها جازًا على أسنانه:
- انا مش منبه ماسمعش حسك، ولا انك تعملي معايا اي حركة قرعة تنبهي بيها اهلك، ولا يكونش عايزاني ااذيكي .
أومأت برأسها ودماعاتها هطلت على كفه المطبقة بقوة على فمها، تنفس بخشونة قبل ان يعيد طلبه منها:
- هاتيجي معايا وتعالجيني زي اي فرد من البلد تاخدي اجرتك وترجعي قبل أي حد من اهلك ما يصحى ويحس بيكي ؟
حركت رأسها رافضة، فازدات حدة أنفاسه وهو يرمقها بغضب حارق، ثم مالبث ان يدفعها نحوه كي يسيطر على حركتها مرة وهو يسحبها من ذراعها و صوته يخرج بتوعد : 
- أنا كنت عارف من الأول إن هاتتعبيني، بس انا قولت اعمل الي عليا!

حاولت بكل قوتها ان تقاومه بشراسة لتنزع نفسها من هذا المجنون، او حتى يسمع أحد من أهلها صوتها فينجدها، ولكنها لم تفلح أبدًا امام القوة البدنية الهائلة له، وهي صغيرة وجسدها ضعيف، سمعت منه صوت تأوهً بألمٍ يكتمه وهو يخرج بها من باب المطبخ الخشبي ، ولكنه استمر بسحبها للخروج من المنزل وكأنها تُساق لمنصة الإعدام، حتى يأست واصبحت دموعها تتدفق بغرازة من هذا المصير المجهول، ولكن؛ مع سماع هذا الصوت الدافئ  القوي، الذي أتى فجأة دون مقدمات، سكنت حركتها مع توقف خطواتهِ هو الاخر!
- سيبها بدل ما أخلص عليكَ .
قالها سالم أبيها وهو مصوب بندقيته على رأس الملثم، توقعت منه تركها في الحال ولكنه ظل ممسكاً بها وهو ساكن دون حركة.
كرر أبيها بصوت أشد وأقوى :
- بقولك سيبها ياعديم الشرف يابن ال.... بدل ما أفرغ رصاص بندقيتي كلها فيك.
أفلتها فجأه وتركها،  ليلتفت نحو أبيها، ينظر إليه بتحدى ووعيد وهو يومئ له بسبابتهِ ناحية صدره :
- بقى أنا ابن ال...... وعديم الشرف، انت قد كلامك ده؟
سالم وقد تراجع خطوات قليلة ومازال مصوب البندقية  بوجه الغريب قال بازدراء:
- لا أنت عايزني اسقفلك وأنا شايفك بتسحب بنتي  وتخطفها!
ظل ساكناً، دون أن ينطق بكلمة ولكنه كان ينظر لسالم بكل تحدي.
- انت مين ياض؟ اكشف وشك خليني  اشوفك.
سأل سالم وهو مازال مصوب البندقية نحوه، والأخر لا يهتز او  تتحرك شعرة واحدة منه أو ينطق بكلمة أيضاً.
صرخ عليه سالم بصوت قوي أيقظ جميع من في المنزل قائلاً: 
- أكشف وشك ياض ولا اكشفهولك؟
هنا فقط تكلم وهو يلوح بيده, بصوت خفيض ومريب قال: 
- حاول بس انك تتجرأ، وتمد أيدك ناحيتي عشان اقطعهالك!
تبسم سالم لهذا الغريب قائلًا بسخرية ؛
- دا انت كمان بجح ولسانك طويل! دا غير انك مستعفي ومستقوي قلبك قدامنا، قولي ياض هو انت شارب ولا مبلبع حاجة قبل ماتيجي عندينا وتورينا طلعتك البهية دي؟

اهتزاز راس الغريب أظهرت ابتسامة ساخرة باتساع بلا مبالاة رغم تلثم نصف وجهه، ليزداد الحنق بقلب سالم الذي كان يزئر بغيظ ونفاذ صبر منه، كل هذا أمام يمنى المستند بظهرها على الحائط ترتجف من الخوف، ودموعها تهطل بصمت وهي تراقب الاثنان وكأنها ترى مشهد سينمائي أمامها وهي بعالم آخر، التفت فجأة على صوت والدتها الذي صدر من الخلف :
-ايه الدم ده؟
قالت نجيه بجزع وهي تنظر إلى الحائط الخارجي للمطبخ بعد أن استيقظت وخرجت من غرفتها.
انتقلت نظرات الثلاثة ناحيتها وبقعة الدم الكبيرة في الحائط, عادت يمنى للواقع، وهي ترفع كفيها دون تفكير لتجد آثار الدماء بهما فأنتقلت بأنظارها إلى هذا الغريب الواقف أمامهم بكل ثبات وجلبابه مغرق بالدماء ناحية ذراعهِ الايسر والكتف، ومع ذلك لم يهتز بحركة واحدة حتى!
صاح عليه سالم بعدها بجنون.
- أنت أيه حكايتك ياجدع انت؟ رد عليا! بدل ما أنت واقف كده زي الحيطة وساكت.

رد أخيرا الرجل الغريب فقال بهدوء .
- حكايتي ملكش دعوة بيها، أما بقى حكاية إني أخطف بنتك فأديك عرفت السبب؛ عشان تطلعلي الطلقة اللى في كتفي وتطهرلي الجرح, يعني أنت دلوقتي تسيبها تطلع معايا ولو أنت عايز تيجي معاها يبقى اخلص عشان تنزلوا قبل الفجر.
هز سالم راسه واصدر ضحكة ساخرة وهو يقول:
- أنت مجنون ولا حاصل في عقلك حاجة؟ بقى عايزني أطلع أنا وبنتي معاك الجبل؟
- قولتلك هرجعكم قبل الفجر.
قالها الآخر بقوة فرد سالم بصوتٍ أعلى وأشد وهو يلوح ببندقيته 
- أخلص أنت وغور من وشي, أنا صبري نفد وكلمة تانية وهفرغ بندقيتي كلها فيك وأنت اساساً ملكش دية.

وبدون سابق إنذار شد هذا الغريب البندقية من سالم وباغته بضربة في رأسه جعلته يترنح وقبل ان يسقط أرضا كانت البندقية  في يد الغريب الملثم, ترافقه صرخات يمنى ووالدتها نجية، كل هذا حدث في ثوانٍ بسيطة. 
وضع سالم يده على رأسه يأن الماً والآخر ينظر إليه من علو بظفر وانتصار قبل أن يقول بتشفي:
- ها ايه رأيك بقى؟ تحب افرغها انا دلوك فيك؟
رمقه سالم بكره وغضب، وزوجته تندب على خديها وبجوراها التصقت يمنى تعاود البكاء، فزفر الرجل الغريب بضيق وهو يردف بتعب:
- اسمعني كويس، أنا مش هأذى بنتك ولا أضرها، أنا هاخدها بس تعالجني، وبقولهالك تاني اها، لو عايز تيجي معاها تعالى وأنا هرجعكم قبل الفجر.
رد سالم وهو يحاول رفع نفسه عن الارض: 
- دا على جثتي أن اخليها تطلع الجبل، اموتها احسن ولا تطلع معاك!
هدر عليه الآخر بصوت جمهوري بعد أن فقد إتزانه 
- وانا بقولك هاخدها يعني هاخدها، انا ياقاتل يا مقتول النهاردة.

تدخلت نجية ببنهم هاتفة بحلٍ وسط: 
- طب خلاص يابني، أقعد أنت هنا وأحنا هنعالجك ونطلعلك الرصاصة.
- آه, وتجيبولي البوليس ياخدني وانا على سريري دا أنا مأمنش أديكم ضهري!
قال الأخيرة بصراخٍ فى نجية ليستغل سالم هفوته ويمسك بالبندقية ويحاول تخليصها من يدِه أو إسقاطه أرضاً, ولكنه تماسك قبل أن يسقط، 
فغلت بداخله النيران ليصوب نحو سالم، بالبندقية نحو صدره، قبل أن يردف بغضبٍ مكبوت: 
-متخلنيش أئذيك، أنت راجل كبير وأنا مش عايز أيتملك عيالك، يظهر ان الزوق منفعش  معاكم  بس انت اللى جبته لنفسك، اخلصي يابت انجري جدامي
هدر الأخيرة في  يمنى التي أخذت تبكي بعويل.
فصاح نحوها أبيها بتهديد ووعيد:
- أياكِ  تتحركي يا بت من مكانك، لاحسن اقطع خبرك.

فصرخ الرجل الملثم بصوتٍ وحشي:
- يعنى انت بتتحداني؟ طب أنا هاخدها من غير.... 
قطع جملته هذه المرة، حيث وقع صريعاً على الارض مضرجاً في دمائه بعد أن تلقى ضربة قوية على رأسه من الخلف بدون سابق إنذار.

قال سالم وقد تهللت أساريره.
- تسلم ايدك يا يونس، جيت في الوقت المناسب، قبل ما واد المحروق ده ما ينفذ تهدديه ويسحب البت مني، وقال ايه قال عايزها تعالجه، قبر يلمه.
بصق يونس من فمهِ أرضاً قبل أن يردف:
-معلش ياخويا ان كنت أتأخرت عليك، بس أنا استنيت وأنا مداري بعد مانزلت اطمن عليك لما غبت عني، قولت آخده على خوانه احسن واد الرفضي ده.
-يا مري لاحسن يكون مات ولا حصلتله حاجة عفشة يابوي؟.
خرجت من يمنى بصراخ وهي تنزل أرضاً لتفحصه.
رد يونس بقرف وهو لا يبالي: 
- مايموت ولا يغور في داهية حتى، هو احنا هنزعل عليه كمان! 
صاحت يمنى بأمل:
- دا لسه فيه الروح يابوي! يعني احنا ممكن نلحقه لو سرعنا بس في علاجه.
قال يونس وهو ينظر بإزدراء ناحية يمنى وهذا الغريب الملقى في الأرض جثة هامدة.
- نلحق مين يابت؟ أحنا كمان هنعالج مجرمين؟ ياللا يا سالم ياواض ابوي، شيل معايا خلينا نرميه بره البيت واد الحرام ده، وأن شاء الله حتى الكلاب ياكلوه، هو احنا ناقصين بلاوي .

كانت نجية وهى تهز برأسها حزناً وهي تنظر نحو الغريب الملقى على أرضية منزلها دون حراك ولا صوت، ينزف الدم من رأسه بالإضافة الى الدماء التي تنزف من اصابة ذراعه واغرفت جلبابه فقالت بأسى : 
- ياحسرة أمك عليك! كان أيه بس اللي رماك في السكة الوحشة دي بس يابني؟ حرام عليك يا أبو محمد دا مهما كان برضو روح.
قالت الأخيرة لزوجها الذى ظهر على وجههِ التأثر فتشجعت يمنى لتبدى رأيها قائلة: 
- يا بويا هو من الأول كان غرضه العلاج واحنا شوفنا بنفسنا صدق كلامه من الأصابة الكبيرة اللي في دراعه،  خلينا نعالجه ونكسب في ثواب وبعدها ربنا يعدلها، دا مهما كان برضوا روح زي ما قالت امي، حتى لو كان مجرم!
صمت سالم وهو يدقق النظر في الرجل فقال بتراجع :
- ايوة بس يابتي، دا غريب عننيا واحنا منعرفش ايه المصايب اللي جررها وراه، قبل ما ياجي هنا عندينا ، وكمان كان عايز يخطفك قدامي بقلب ميت، من غير ما يجدر اني راجل وعندي شرف .
تكلمت نجية برجاء :
- بس دا شكله ابن ناس ياسالم وباينه عامل زي الغريق اللي بيتعلق بقشاية لما جه عشان ياخد بتك من قلب بيتنا عشان تعالجه.
هتف يونس وكانه فقد تعقله:
- هو انتوا بتتكلموا كيف كده بسهولة وبساطة وكأن اللي مرمي على الأرض ده شهيد ولا حد قريبكم، في ايه؟ اصحوا، دا واحد مجرم ويستاهل القتل والشنق كمان، هو اللي يهجم على بيوت الناس كمان في قلب الليل، يتقال عليه روح يا مرة اخوي انت وبتك؟
هتفت نجية ترد عليه:
- واه يا يونس، احنا بنعمل كدة بس عشان ربنا، مش عشان المخلوق، حتى لو كان مايستاهلش. 
- ساكت ليه؟ أوعى تكون هتمشي مع كلام الحريم اللى مافيهاش عقل دى يا "سالم "!
قالها يونس بصياحٍ فى أخيه الذى وقف حائراً بينهم لايدرى ماذا يفعل!
تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1