رواية في قبضة الاقدار الجزء الثالث 3 (بعنوان أنشودة الأقدار) الفصل الخامس 5 بقلم نورهان ال عشري



رواية في قبضة الاقدار الجزء الثالث 3 (بعنوان أنشودة الأقدار) الفصل الخامس 5 بقلم نورهان ال عشري






بسم الله الرحمن الرحيم 

الأنشودة الخامسة 💗🎼

شريدٌ أنا في مَغيبِكَ
كتائهٍ بين أروقةٍ الحياة ضَلّ
يتلهفُ لعناقٍ صفيّ
ضَن عليهِ بالتلاقِ وبالوصلِ اكتدّ و بخَل
يهيمُ مُشجبًا في دروبِ الهوى 
ينعي عشقًا بأغلالِ الفراقِ و أصفادهِ كُبِّل
يشتهي الوصالَ وإن أضنته شهيتَه
يُناجي الإلهَ غوثه من عُمقِ جُرحٍ مُستعِر
شابَ الفؤادُ وباتَ كهلاً دونكَ 
كعمرٍ بغيابِك غابَتْ عينَهُ و صار مُرٌّ
وروحاً مزّقتها عواصفُ الجوى
وقلباً من فرطِ لَوعته قد ثمَر

نورهان العشري ✍️

🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁

" تارنا عمرنا ما نتخلي عنه عشان اي حد يا عمار …"

و كأن أحدهم غمس قلبها في خندق مليء بالجمرات الحارقة التي لم يحتملها جسدها فاستندت على مقدمة الدرج بوهن تحبس أنفاسها ولكن جاءت كلماته التالية لتنتشلها من بين براثن الأنين
" بس دا مش تارنا ! جنة موضوعها انتهى بالنسبالنا من اللحظة اللي بقت فيها مرات سليم الوزان . بقت تخصه هو الوحيد اللي له يقف و يتكلم في الموضوع دا . "

استنكر كلمات ياسين بشدة فصاح غاضبًا
" كلام ايه اللي عم بتجوله دا يا ياسين؟ سليم ايه و زفت ايه دي بتنا و الكلب دا ضحك عليها ."
قاطعه ياسين بقوة
" و أخوه صلح غلطته . و بقت مراته خلاص يبقي تقفل عاللي فات و متفتحش فيه . "
شيعه عمار بنظرات الخسة قبل أن يقول بسخرية 
" فاچأتني يا ياسين . بتتنكر من تارك علشان متخسرش السنيورة بتاعتك . يا خسارة .."

هدر بعنف
" خلي بالك من كلامك يا عمار . و مش عيب على فكرة إني أحافظ علي بيتي و بعدين تعالي هنا ما احنا في مركب واحدة . هتقبل تضحي بنجمة ؟ ماهي طلعت بنت الوزان بردو ؟ "

شهقة قوية خرجت من جوفها إثر سماعها تلك الكلمات فأخذتها قدماها لتهرول إلى الأسفل وهي تقول بصدمة
" أنت بتقول ايه يا ياسين ؟"

و جاء استفهام تهاني من خلفها 
" كلام ايه دا يا ابني ؟ مين دي اللي بنت الوزان ؟"
ياسين بجفاء
" نجمة . طلعت بنت اللوا صفوت اللي كانت مخطوفة من وهي طفلة .."

تدخل عبد الحميد مُستغلًا الموقف و محاولًا التغلب على صدمته 
" چاوب علي ابن عمك يا عمار . هتجدر تضحي بيها ؟ أنا عن نفسي رافض الموضوع من أساسه . لكن لو أن لك شوج فيه مش همنعك .."

تراجع خطوتين للخلف غاضبًا يحاول الهرب من بين براثن الحيرة التي تجلت في نبرته حين قال
"خرجوا موضوعي ده من حديتكوا. اني محدش يجدر يوجف جدامي لو فكرت اتچوزها ."

تدخلت حلا بانفعال
" لا يقدروا. و يقدروا اوي كمان . و هتلاقي بدل الراجل ألف يقفلك .."

غلت الدماء في عروقه من تدخلها في الأمر أمام جده و عمار و خاصةً انفعالها بتلك الطريقة فالتفت يناظرها بعينين مستعرتين و لهجة تشبههما 
" اطلعي على اوضتك . "
أوشكت على أن تعارضه فنهرها صارخاً
" يالاا…"

كسى الحرج معالمها و تعاظم الغضب بداخلها فتراجعت للخلف و هرولت إلى الأعلى باكية فحسم عبد الحميد الموقف قائلاً بجفاء
" مش هكرَر كلامي تاني. الموضوع ده خولوص و انتهي . مالناش طار مع ولاد الوزان . بينا نسب و اتفاج مش هنجضده الحديت ده تحطوه علجه في ودنك منك ليه .."

أنهى حديثه و توجه إلى غرفة مكتبه تاركًا بركاناً مشتعل يوشك على الانفجار في أي لحظة فتدخلت تهاني قائلة برفق وهي تربت بحنو علي كتف عمار
" فكر بعجلك يا عمار يا ولدي بتنا و عايشة و متهنية مع چوزها نروحوا احنا نخرب عليها ليه ؟ الموضوع دا بين چوزها و اخوه احنا ملناش صالح بين .."

هدأت كلماتها من روعه قليلاً ولكنه لازال غاضباً فتحدث ياسين باتزان
" أنا حاسس بيك و جوايا نار من الكلب اللي اسمه حازم دا . بس عشان جنة هسكت متنساش أنها بتتعالج و اي ضغط هيجيب نتيجة عكسية معاها بلاش نبقي احنا كمان عبئ عليها كفاية اللي هي فيه .."

لم يجيب فقط إيماءة بسيطة من رأسه قبل أن يتوجه إلى غرفته و ما أن غاب عن الأعين حتى تحدثت تهاني بتقريع 
" مكنش له لزوم تهب في مرتك أكده يا ياسين . جدر موجفها يا ابني . البنيه دموعها مبتنشفش من وجت الي حصل ده و أعصابها تعبانه . خليك حنين و هادي عشان نعدوا الأزمة دي .."

من دون أي شئ كانت عقارب الذنب تقرضه من الداخل ولكنه تجاهل ما يشعر به و قال بجفاء
" مينفعش يا أمي لازم تتعلم متدخلش في كلام الرجالة. و مينفعش تصغر جوزها كدا ."
" بالهداوة و واحده واحده .مش في الوجت ده . يالا اطلع راضيها "

لم يتراجع عن ما ينتويه لذا قال بفظاظة
" مش وقته لما ارجع . أنا خارج. عن إذنك .."

***************

"عشان مش أنا لوحدي اللي اغتصبتها. الكلب سعيد اغتصبها معايا .."

لم تتأثر ملامح سالم عدا عينيه التي قست وهو يحضر لدحر ما تبقي من كبرياءه حين قال بتهكم 
" اها سعيد . لا متقلقش ماهو خد جزاءه وعلى فكرة هو مستنيك بره . أصله هيبقي شاهد على جوازك من لبنى ."

تبلور الجنون بعينيه وهو يصيح كالممسوس
" لا . أنت مش هتعمل فيا كدا يا سالم . عاقبني بأي حاجه إلا كدا . أنا مش بقرون عشان اقبل اتجوز واحدة زي دي ؟"

تقدم سالم يفك وثاقه وهو يقول ببرود ثلجي 
" مالها دي ؟ مش أنت اللي ضيعت مستقبلها ؟ و على ذكر موضوع القرون دا بيتهيألي انك سبت جنة اللي هي مفروض مراتك تتجوز سليم عادي و محاولتش حتي تمنع دا !"

صرخ بملئ صوته 
" مين قالك اني محاولتش؟ كل حاجه جت فجأة . و الكلب دا كان مهددني . "
هدأ صوته و قال من بين نحيبه
" أبوس رجلك يا سالم متعملش فيا كدا . أبوس رجلك ارحمني عاقبني بأي حاجه غير كدا .."

تمزق نياط قلبه حين رآه يتذلل بتلك الطريقة المُهينة فقد كان وجعه لا يُطاق لذا قال بجفاء
" موافق يا حازم . مش هجوزك لبنى . "

لم يصدق أذنيه حين سمع حديث أخاه و هب من مكانه يقول بلهفه 
" بجد يا سالم مش هتعمل فيا كدا ؟" 
سالم بهدوء
" بجد . بس للأسف مش هقدر أقف جنبك لما يتقبض عليك بتهمة التعدي على بنت قاصر و هتك عرضها و شروع في قتلها.."

حازم بذعر
" بت. بتقول ايه ؟ لا . ما . ماهو عدي …"

قاطعه سالم بجفاء
" ماهو عدي خرج عشان معملش حاجه ."
أخذ نفسًا قويًا قبل أن يتابع 
"أنا اتفقت مع أبوها تتجوزها بدل ما يبلغ عنك.. و الموضوع في إيدك دلوقتي يا الجواز يا السجن أو الإعدام و للأسف مش هقدر اعملك حاجه .."

أخذ يهز برأسه يميناً و يساراً وهو يصيح بانفعال
" لا . لا. لااااا"
لم يتأثر سالم خارجياً بانهياره بل أخذ يناظره بجمود يخفي الكثير من الخزي و الأسف وفجاة تبدلت نظراته إلى أخرى حانقة وهو يراه يهرول إلى السكين الموضوع بجانب طبق الفاكهة وهو يقول بصراخ
" لا يا سالم مش هقبل باللي أنت عايز تعمله فيا أنا كنت ضحية عداواتكوا مع الكلب ناجي مش هكون ضحيه تاني .."

بدا جامداً لا يتأثر على عكس ما يدور بداخله من وحوش ضارية فقد كان يريد أن يحطم رأسه حتى يريه ما يستحقه ولكنه تحدث بجمود 
" دا خيار تالت مكنتش أحب أطرحه عليك. بس أنت وفرت عليا و بالنسبة لينا أنت كدا كدا ميت . مش هنحزن عليك أكتر ما حزنا . هسيبك نص ساعه تقرر .."

التفت إلى الخارج تاركًا حازم الذي كان مصعوقًا من جفاءه و عدم تأثره بهذا التهديد الأرعن..

****************

اختزلت العالم فيك فأرجوك ألا تخذلني ..

استكانت في براح صدره واضعة رأسها فوق قلبه الذي كان يهمس باسمها بين الدقة و الأخرى فكانت أشبه بسجين أُطلِق سراحه بعد أعوام قضاها حبيساً بين جدران مخاوفه وهواجسه ليعانق حريته أخيراً و يتلمس براح إنعتاقه بين جنبات صدره الدافئ الذي احتوى أنينها يريد التنعم بحضورها بعد عناء الغياب الذي كان لعدة أيام قضاها في الجحيم ..
" مشيتي ليه يا جنة؟"

خرجت كلماته حزينة مُحمّلة بعتاب كبير لاقى صداه في قلبها الذي كان يئن وهي تجيب بلوعة
"كنت خايفة اوي أشوف في عنيك أي نظرة لوم . كنت مرعوبة أنك ترجع سليم القاسي بتاع زمان. "

لامس خوفها من انتفاضة جسدها بين ذراعيه فتحدث بنبرة محرورة
" حكمتي عليا من غير ما تديني فرصة" 

قاطعه صوتها الشجي وهي تنتحب قائلة
" مكنتش هقدر اتحمل .. كان عندي الموت أهون . أنا كنت بتعذب في كل مرة كنت بتبصلي فيها باحتقار .."

امتزجت عبراتها مع حزنه فاقترب واضعاً قبلة اعتذار على جبينها فأخلت سبيل مخاوفها التي جاءت بين نهنهاتها المتقطعة
" كلامك كان بيقتلني . كنت بتمني الموت في الدقيقة ميت مرة . انا منستش يا سليم. لسه الوجع جوايا كنت بحاول أنساه بيك كنت بترمي في حضنك عشان دا المكان الوحيد اللي كنت بهرب فيه من كل خوفي و ألمي . مكنتش هقدر اتحمل نظرة واحدة منك ترجعني للعذاب دا تاني "

خَطت بأُجاج كلماتها على جراحه الغائرة فاحتدمت و تأجحت ليزداد ألمه أضعافاً مما جعله يشدد من احتضانها وهو يقول بأسى
" في حاجات أنتِ متعرفيهاش يا جنة.. أنا كنت بتعذب أضعاف ما بتتعذبي . أنا كنت ببعدك عني بالكلام دا . كنت بقولهولك عشان اسمعه لنفسي و أحاول أهرب من مشاعري ناحيتك . "

صمت لثوان يسترد أنفاسه الهاربه من براثن ألمه العظيم ثم أردف بنبرة موقدة
" أنتِ اقتحمتي قلبي وحياتي غصب عني . حاولت بكل الطرق ارفضك مكنتش عارف . "

رفعت رأسها تناظره بأعين التمعت بهم نجوم الحب فتابع بعشق انبثق من عينيه و أنساب من بين شفتيه 
" كنتِ نقطة ضعفي وأنا عمري ما عرفت يعني ايه ضعف في حياتي .."

لامست كلماته قلبها الذي تأجج بداخلها يشكو له جرحاً لازال نازفاً:
" بس أنا كنت بتوجع يا سليم . كنت بتوجع اوي "

امتدت يديه تحتوي وجهها وهو يقترب منها هامساً أمام عينيها بندم :
" أنا عارف إني غلطت في حقك كتير . بس كان غصب عني . "

سقطت عبراتها على كفوفه المحتضنة وجهها و أجابته بخفوت:
" عارفة .. و خفت المرادي بردو يكون غصب عنك . "

لم يعد يحتمل ندوب الماضي ولا آلام الحاضر فنفض عنه آثار الذنب وهو يقول بخشونة:
" انسي . انسي كل اللي حصل و اوعي تفكري فيه أنا عمري ما هظلمك ولا هوجعك أبداً"

سحب أنفاسها إلى داخله لتطيب بها ألامه قبل أن يتابع بلهجة محترقة :
" أنتِ روحي لا ينفع أعيش من غيرك ولاينفع أعيش بعيد عنك .."

لونت ثغرها التوتي بسمة هادئة سرعان ما انمحت واسدل القلق ستائره على صفحة وجهها و تجلى في نبرته حين قالت :
"طب هنعمل ايه دلوقتي بعد رجوع."

قاطعها بقسوة :
" اللي حصل دا مش هيغير حاجه في حياتنا. رجوعه من عدمه واحد. أنا دفنت أخويا مرة و انتهت ."
تفاجئت من قسوته فهمست بخفوت :
" طب ومحمود ؟"

" ميستاهلوش . محمود ابني أنا و أنتِ . "
كانت لهجته قاطعه ولكنها لم تستطيع إلا أن ان تطمئن فاستفهمت على استحياء :
" طب و ممتك ؟"

سليم بنفاذ صبر:
"هي حرة في موقفها منه . لكن عمرها ما هتقدر تأثر عليا. ولا حتى هتحاول . و اقفلي عالموضوع دا .."

عاندت بتوسل :
" سليم .."
قاطعها بصرامة :
" جنة خلاص . "
اذعنت لرغبته رغمًا عنها فقالت بتذمر :
" طيب "

غيَّر دفة الحديث قبل أن يتشعب أكثر و قال بخشونة :
"أنا كلمت الدكتور بتاعك و قالي لو حابين نكمل جلسات هنا في القاهرة هو هيتابع معانا لأن أصلاً شغله الأساسي هنا ولو حابة نكمل هناك مفيش مشكلة "

تَعلَم طريقته في مراضاتها و أيضاً راق لها أنه من بين كل ما يحدث لم يغفل عن أي شيء يخصها فهمست بخفوت :
" أنت عايز ايه ؟"

"أنا عايزك تكوني مرتاحة اللي هيريحك هعمله."
كم هو رائع هذا الرجل ؟ دلاله و عشقه و حنانه كل شيء به كان له مذاقه الخاص فقد كان نموذجاً مثالياً للجبر بعد طول الصبر 
" طب و راحتك أنت؟"
استفهمت بدلال فأجابها بلهجته الخشنة التي تترك بصماتها علي قلبها العاشق :
" راحتي أنك تكوني جنبي و في حضنني على طول.."

استرد أنفاسه من أنفاسها قبل أن يأسرها بين ذراعيه و كأنه يتأكد من أن وجودها لم يكن حلماً بل واقع يعيشه و يتمتع به ثم أردف بلوعة :
" متتصوريش غيابك اليومين اللي فاتوا عمل فيا ايه يا جنة؟ "

مسدت خصلات شعره بأناملها الرقيقة وهي تجيبه بحنو :
" حقك عليا ؟"

أطلق العنان لضعفه في الظهور على السطح فهمس بنبرة مختنقة :
" أول مرة في حياتي أحس إنيّ انكسرت . "

جملته كانت كالسهم المشتعل بنيران الذنب التي اخترقت قلبها فهاج متألماً فتراجعت عنه بلهفة تنظر إلى داخل عينيه بأسى تضمن كلماتها المتلهفة :
" بعد الشر عنك . حقك عليا يا سليم .. أنا آسفة والله "

بكت بقوة فتناثرت عبراتها على قلبه كالجمرات فأخذ يمحي دموعها بأنامله الحانية قبل أن يقول بوعيد :
"مش قلنا بلاش دموع ولا فاكرة أنك كدا بتثبتيني ؟"

راقت لها نظراته العابثة و سرعان ما حل الشغف محل الأسى فقالت بدلال:
" بحاول .."
اقترب يداعب أرنبة أنفها بأنفه وهو يقول بعبث :
" لا معلش أنا ليا حق عندك وسليم الوزان مابيسبش حقه أبداً .."

" يعني ايه أن شاء الله؟"
دلالها أوقد نيران الشغف بجوفه و عزّزها شوقه الضاري لها فامتدت يديه تعانق خصرها و الأخرى أخذت تنحي خصلاتها الثائرة خلف أذنها وهو يقول هامسًا :
" اومال أنتِ فاكرة أنك هتضحكي عليا بالكلمتين دول ؟ "

ضمت ذراعيها عنقه وهي تقول بغنج :
"طب اضحك عليك بكام كلمة ؟ "
دكنت نظراته المسلطة على حسنها و ازدادت نبضاته بجنون رغبته بها فهمس ضد شفتيها 
" قربي وأنا هقولك .."
تراجعت لإنشات قليلة قائلة بخجل :
" سليم بطَّل بقى .."

خجلها ضاعف من حسنها مرة و من رغبته عشرة فقال بنبرة شغوفة :
" أحبك وأنت مكسوف كدا .."
غادرت يديها عنقه و خبئت بها وجهها المشتعل خجلًا فقهقه على مظهرها الطفولي قبل أن تحملها يديه لتجلسها بين أحضانه ليقربها منه هامسًا بجانب أذنها :
" طب عيني في عينك كدا. حضن سليم مش وحشك ؟ "

وهل يمكن أن تنفي لوعة قلبها في غيابه و غبطة و ابتهاج روحها بحضوره ؟ 
" وحشني جداً لدرجة إني عمري ما هقدر أبعد عنه تاني .."

ضيق عينيه بغضب زائف و شدد من كلماته المتوعدة حين قال :
" جربي كدا عشان اقطع رقبتك المرة الجاية . فكراني طيّب ولا ايه ؟ لا دانا شراني "
أرجعت رأسها إلى الخلف بضحكة خلابة أسرت قلبه كما أسرتها كلماتها العاشقة حين قالت:
"أحلى شرير في الدنيا كلها.."

لم يعد هناك مجال للحديث أمام عشقًا جارف اجتاح كليهما و تنحت كل الحواجز أمام شغفه القوي تجاهها فقام بحملها و التوجه الى الغرفة الداخلية بالجناح وهو يؤكد على عشقه مراراً و تكراراً حتى انطبع على ساحة جسدها و تفنن في سكبه بين أوردتها و فوق ضفتي شفاهها والتي من فرط الجنون تناثرت آهاتها في الغرفة تعزف سيمفونية عاشقان تنحت أمام عشقهم كل الصعاب و فشلت جميع حواجز الحياة في تفريقهم . و هكذا جرفتهم لجة العشق و الولع في تيار اهوج انتهى بعد ساعات غير معلومة وهي مستكينة بين ذراعيه تنعم بالسلام بين أحضان رجل ظنت بأنه الجحيم بعينه ليتضح لها بعد ذلك بأن جحيمه هو النعيم لا تبغي الإجلاء عنه أبدًا

****************

اجتمعت الأنظار على ذلك الذي كان يتقدم وهو محني الرأس بثقل كُل آثامه الذي ظن يوماً أنه يمكنه طمسها و دفنها في ذلك القبر الذي مكث به أكثر من سبع ساعات وهو مرتعب ينتظر خلاصه الذي اتضح بعد ذلك أنه باب من أبواب الجحيم الذي انفتح على مصراعيه و ها هو يوقع على وثيقة احتجازه به و إلى الأبد 
" هدخل اخلي لبنى توقع ."

هكذا تحدث محمد والد لبنى وهو ينظر إلى حازم بغل لم يتجاوز حدود شفتيه احتراماً لذلك الرجل الذي يفعل المستحيل من أجل تصحيح أخطاء هذا الشيطان 
اومأ سالم بصمت و حاول ألا ينظر إلى حازم فقد كانت رؤيته تسبب له أزمة نفسية كبيرة و خيبة أمل عظيمة
صراخ قوي جعل الجميع يهب من مكانه و كان أولهم سالم الذي توجه على وجه السرعة إلى أحد الغرف فتفاجئ من تلك التي كانت تقف في أحد الزوايا ممسكة بسكين و كل خلية من جسدها تنتفض و حولها أبويها يحاولان ثنيها عما تنتويه 
" اهدي يا بنتي أبوس ايدك .. متحرقيش قلوبنا عليكِ أكتر من كدا .."
كان هذا صوت رضا والدتها التي كانت تنتحب قهراً على طفلتها التي نالت منها يد الغدر دون أن تأخذها أي شفقة أو رحمة .
" اسمعي كلام أمك يا بنتي. متخافيش محدش هيقرب منك تاني . "

صرخت لبنى بقهر :
" اسكتوا . أنتوا كل اللي يهمكوا الناس وبس. لو حد فيكوا بيفكر فيا مكنتوش هتجوزوني لمجرم زي دا .." 

" سيبوني أنا ولبنى لوحدنا شوية .."
هكذا تحدث سالم بصرامة فأطاعه الوالدان بإذعان و قلة حيلة مع هذا الوضع الأليم الذي فُرض عليهم عنوة..
" ممكن تسيبي اللي في ايدك دي عشان نعرف نتكلم .."

كانت لهجته هادئة بعثت في نفسها الطمأنينة ولكنها أبت الإذعان هي الأخرة و صاحت بانفعال:
" ابعد عني أنا مفيش بيني و بينك كلام . "
سالم محاولاً التحلي بفضيلة الصبر معها 
" لا في كلام كتير بينا و كنت مستني الوقت المناسب عشان أقوله ."

لبنى بقهر :
" الوقت المناسب لما تطمن عالمجرم أخوك صح ؟"
سالم بجفاء :
" لا مش صح . أنا كنت مستني اطمن عليكِ. و دلوقتي ارمي اللي في ايدك دا عشان نعرف نتكلم . "

علا صوته في الجملة الأخيرة فاهتزت يدها الممسكة بالسكين و أخذت شهقاتها تعلو وعينيها ترسلان سهاماً نافذة إلى أعماقه فأضاف بلهجة مطمئنة :
" أنا عمري ما هأذيكي يا لبنى . و كل حاجة اتعملت و هتتعمل عشان مصلحتك. ادي لنفسك فرصة تسمعي مش هتخسري حاجة.."

إن تجاوزنا عن لهجته المطمئنة و نبرته التي شابهتها فقد كان الإمتثال لأوامره هو الخيار الوحيد أمامها لذا ألقت بالسكين جانباً٠ قبل أن تفترش الأرض بقهر انبعث من عينيها على هيئة أنهار لم تفلح أي كلمات في ردعها ولكنه اقترب منها خطوتان وهو يقول بنبرة متزنة على عكس ما يجول بخاطره من لوعة و شفقة على حالها :

" أنا عارف إن أي كلام هيتقال مش هيعزيكي ولا هيواسيكي عن اللي حصلك . "
صمت لثوانٍ يتجرع حنظل ما يحمله بجوفه قبل أن يقول بنبرة متحشرجة :
" و على الرغم من أني عمري ما اعتذرت لحد طول حياتي بس أنا مدين ليكِ باعتذار ."
سحب نفساً قوياً بداخله قبل أن يقول بخشونة:
" أنا آسف يا لبنى. على كل حاجة وحشة حصلتلك بسبب حازم .. "

تعلقت نظراتها بملامحه التي بدا عليها الألم و الكدر و كأنه ينازع ليخرج هذه الكلمات من بين شفتاه
" بس أنت مغلطتش عشان تعتذر .."
سالم بلهجة تتضور وجعاً :
" غلطي أنتِ أصغر من إنك تفهميه . و حازم دا يعتبر ابني و مسئول مني .."

احنى رأسه قائلاً بمرارة :
" وعشان كدا و مهما عمل أنت بتدور على مصلحته و خلتني أتنازل و جوزتني ليه عشان تضمن أنه ميتأذيش .."

فاجأتها كثيراً نبرته التي كانت حادة كنصل السكين :
" لا .. كلامك مش صحيح. جوزتك ليه عشان أضمن حقك و أضمن مستقبلك. "
رسمت معالمها عدم الفهم فأردف بجمود :
" الناس بره مبترحمش . ومهما كنتِ ضحية مش هيتعاطفوا معاكِ . بس اسم الوزان يخليهم يفكروا ألف مرة قبل ما حد يتعرضلك بأذى.."

تعلم مدى صدقه ولكنها لم تكن تستطيع تقبل وجود ذلك الوغد بحياتها أبداً لذا صرخت بقهر :
" بس أنا مش قادرة حتى أشوفه قدام عيني دا واحد سرق مني حياتي و شرفي وعمري كله.ازاي عايزيني ابقي مراته و أعيش معاه ازاي؟"
جاء إنقاذه علي هيئة قنبلة نووية تفجرت الوسط فتبدل كل شيء
" مين قالك أنك هتشوفيه ولا حتى هتعيشي معاه ؟"
انكمشت ملامحها بحيرة تجلت في نبرتها حين قالت :
" تقصد ايه ؟"

زفر بقوة محاولاً ابتلاع أشواك حديثه بجوفه قبل أن يجيبها بجفاء :
" يعني دا جواز على ورق يضمن حقك و يضمن أنك متتعرضيش لأي موقف سيء لو فكرتي تتجوزي تاني . لأن هيبقى معاكِ ورقة طلاق .."

فطنت إلى معنى حديثه و الذي من فرط ما يحمله من طمأنة لروحها المعذبة لم تصدقه لذا هبت بتوسل :
" أنت مبتكذبش عليا صح ؟ مش هتسيبه يدمر الباقي من حياتي صح ؟"

امتزج الألم مع الغضب بداخله فشكلا لوحة مريعة لرجل يحاول الثبات أمام ثِقَل تلك الجبال الماثلة فوق صدره و بشق الأنفس استطاع أن يخرج صوته جامدًا حين قال :
" قد ما آذاكي هيتأذي و قد ما خد منك هيدفع .."
" تقصد ايه ؟"
استفهمت بترقب فالتفت ينظر إلى النافذة يحاول كبح جماح غضبه هو يجيبها بمرارة و كأن صباراً نبتَ في جوفه :
" هتعيشي في بيته وهو لأ..هتعيشي وسط أهلك وهو لأ .. هتكملي تعليمك و هو لأ ..هتتمتعي بفلوسه وهو لأ .. كلنا هنبقي حواليكِ وهو لأ.."

أخذ نفسًا قويًا قبل أن يتابع بخشونة :
"قوليلي ايه تاني يرضيكي وأنا هعمله ؟"

لم تصدق ما تسمعه بأذنيها . فلم تكن تبغى العيش بسلام بعيداً عنه فقط بل كانت تشتهي بكل جوارحها انتقام يشفي نيرانها من ذلك الشيطان وقد كان هذا أكثر ما تمنت لذا قالت بخفوت :
" مش عايزة أكتر من إنك تنفذ كلامك دا .."

في الخارج كان يغلي من الغضب وحين سمع صراخها تعاظم غضبه و حقده أكثر لذا همس بنبرة موقدة :
" مش كفايه إنه لبسهالي كمان جايبها لحد هنا يارب تكون ماتت و خلصت منها .."

انهي كلماته ينوي الهرب قاصداً غرفته فقد كان يتحاشى تلك النظرات الثاقبة و التي شعر و كأنها تحرق ظهره من الخلف و لكنه توقف إثر جملة ساخرة أصابت كبرياءه في مقتل :

" مبروك يا عريس .."
كان هذا الصوت الساخر الآتي من الخلف هو لعُديّ الذي كان أقلهم تأثراً بعودة هذا الضّالّ فقد كان يتوقع منه كل شيء فهو أكثر من يعلم بدناءته مما جعل حازم يلتفت وهو يرسل نظراته الإجرامية إلى عُديّ الذي كان يرسم ابتسامة متشفية أراد حازم محوها لذا تشدق ساخراً :
" متفرحش أوي مانت خدت اللي أوسخ منها .."
لم يتمالك عُديّ نفسه و قام بتوجيه لكمة قوية أطاحت بأنف حازم الذي تراجع عدة خطوات إلى الخلف ولم يتثنى له استيعاب ما حدث حتى انقض عليه عُديّ بلكمات متفرقة في معدته و صدره الذي ضاق و لم يعد يستطيع استرداد أنفاسه فعلى الرغم من تعادل قواهما إلا أن ضربات عُديّ كان يغذيها انتقام أهوج أعمى عينيه عن ذلك الذي كان سيهلك بين يديه لولا تدخل سالم الذي هرول ما إن سمع صوت شجارهم و ها هو يمنع جريمة محققة كانت على وشك أن تحدث ..
" أبعد ايدك عنه يا حيوان .."

هكذا صاح سالم قبل أن يلكم عُديّ بقوة مما جعله يتراجع إلى الخلف ثم التفت إلى حازم الذي كان يسعل بشدة و نظراته تحمل اهتماماً ً لم يتجاوز حدود شفتيه و سرعان ما تبدلت نظراته إلى جمود حين رآه يسترد أنفاسه وهو ينظر إلى عُديّ بحنق و حين أوشك على الانقضاض عليه كانت يد سالم أسرع حين منعه وهو يزمجر بوحشية :
" مكانك . "
التفت إلى عُديّ قائلًا بقسوة:
" وجودك هنا مالوش لازمة و ياريت مشوفكش تاني.."
ثم التفت إلى سعيد الذي كان يقبع في زاوية الغرفة يرتعب مما يحدث حوله و مما هو قادم فصاح به معنِّفًا :
" أنت لسه هنا بتعمل ايه ؟ يالا عشان تنفذ المطلوب منك .."
اومئ بلهفة ثم اندفع إلى الخارج وكذلك فعل عُديّ الذي ما إن خطا إلى البوابة الرئيسية فتفاجئ بمؤمن يهاتفه و ما إن أجابه حتى باغته مؤمن صارخاً :
" أنتَ فين يا بني آدم أنتَ؟ أمك و أبوك هنا و مبهدلين ساندي و عيلتها "
هوى قلبه ذعراً بين قدميه وهو يستمع إلى كلمات مؤمن فأطلق لساقيه الريح إلى حيث ترك قلبه بين يديها..

نجمة.."
كان هذا الهمس الحاني لسهام التي قضت أكثر من ساعة تتطلع إلى ابنتها الغالية تتأمل كل تفاصيلها التي اشتاقتها حتى كاد الشوق أن يفقدها عقلها ولكن الآن تغير كل شيء فها هي تعود لتنير تلك الظلمات التي حاوطت حياتها طوال السنين المنصرمة 
" أيوا.."
هكذا أجابتها نجمة التي كانت تشعر بالضياع لكل ما يحدث معها حتى و إن استكانت لتلك المرأة و شعرت بحقيقة انتمائها لها إلا أنها لازالت تشعر بالرهبة و الحزن 
" سرحانة في ايه ؟"

تحدثت نجمة باقتضاب
" ولا حاچة. "
ابتسمت سهام بحنان تساقط من بين حروف كلماتها حين قالت :
" أنا عارفة إنك متلخبطة و لسه مش قادرة تتأقلمي بينا بس دا كله هيروح أول ما تدي لنفسك الفرصة تقربي مننا . احنا تعبنا اوي يا بنتي عشان نوصلك . "
قالت جملتها الأخيرة بنبرة مشجبة لامست قلب نجمة التي قالت بحزن :
" هو أنتوا ازاي جدرتوا تسبوني كل الوجت ده ؟ اجصد يعني دورتوا عليا ؟"
لم تعرف كيف تصيغ كلماتها ولكن كان العتاب غالب على نظراتها فارتجف قلب سهام ألماً انبثق من بين جفونها وهي تقول بأسى :
" اه لو تعرفي العذاب اللي شفناه في بعدك . أنا كنت بموت . اعتزلت الناس و الدنيا كلها . كنت بتمني الموت كل لحظة وأنا بتخيل أنتِ فين و ولا جرالك ايه ؟"

زفرت بحرقة وهي تتابع من بين نهنهاتها المتقطعة :
" مفيش مكان مدورناش فيه . مسبناش حاجة غير وعملناها و النتيجة واحدة . بنتكوا أكيد ماتت .. الكلمة دي كانت بتحرق قلبي اللي متأكد إنك لسه عايشة. و رافض كل اللي بيسمعه لدرجة إني قربت اتجنن بقيت كارهه نفسي و كارهه الناس و كارهه كل حاجة حتى أبوكي.."

صمتت لثوانٍ فقد غزا قلبها ألماً من نوعٍ آخر ليس له شبيه و لا يمكن الإفصاح عنه 
" أبوكي تعب معايا اوي . كان متحمل كل حاجة لوحده اتعذب ألف مرة عشانك و مليون عشاني . كنت بطلع غضبي عليه و احمله مسؤولية اختفائك وهو كان متحمل لحد ما وصل بيا الأمر إني حرّمت نفسي عليه . "

حاولت التحكم بشهقات الألم الذي يحرق جوفها وهي تتابع و كأنها تجلد نفسها بسوط ذنبها العظيم تجاهه
" سنين وأنا محرّمة عليه حتى ينام معايا في أوضة واحدة . سنين بموت و أموته معايا . وهو مكنش يستحق مني كدا . "
احنت رأسها مثقله بذنوب اغرقتها كليًا هامسة بألم :
" متعمليش زي مانا عملت . متظلميهوش هو كمان زي مانا ظلمته .. هو ميستاهلش كدا أبداً .."

كانت عبراتها تؤازر عبرات سهام بل و تفوقها أضعاف فقد كانت كليهما تتشاطران القهر و الألم مع اختلاف المواقف والأماكن لذا امتدت يديها تمسكان بيد سهام وهي تقول بحزن :
" متعمليش في نفسك اكده . كلنا اتعذبنا و اتوچعنا وهو راچل و راچل طيب جوي و عشان أكده اتحمل .."
اومأت برأسها وهي تشدد على كلماتها و كأنها تشكو لها جرحاً نازفاً بأعماقِ قلبها :
" وأنا بغبائي خسرته . خسرت الراجل الطيب دا و مبقاش ليا مكان جواه و مبقاش عنده طاقة يتحملني أو يسامحني .. زي ما يكون مكتوب عليا الوجع . مينفعش أعيش و حبايبي حواليا. لازم عشان اكسب واحد اخسر التاني .. أنا تعبت تعبت اوي يا نجمة . تعبت.."

تبدلت الأوضاع و أصبحت نجمة من تواسيها و كأن ما يربط بينهم تأثر و انتفض لعبرات سهام فقامت بلف ذراعيها حول والدتها في مواساة صامتة كانت تحت مرآى و مسمع منه و قد كان هو الآخر يتشاطر معهما الألم ولكن كعادته صامتاً هادئاً على الرغم من أنه كان أكثر من يحتاج عناق دائم يلثم جراح قلبه ..

دوى رنين هاتفه مما جعل الثلاثة ينتبهون لهذا الوضع و قد كان المتصل كما توقع لذا زفر بغضب و تراجع عنهم دون أي حديث و هو يجيب بحنق
" نعم يا عمار…"

كان هذا العاشق الغاضب بوادٍ و الجميع بآخر . يشتهي قرب المحبوب حتى و إن اضطر لأن يضحي بكل ماهو غالٍ و نفيس لذا تجاهل نبرة صفوت الحانقة و قال بخشونة:
" كيفك يا صفوت باشا . جولت اطمن عليك .."

صفوت بحنق
" بخير يا عمار . ولو أن دي المرة التالتة اللي تطمن عليا فيها النهاردة و العاشرة تقريباً من وقت ما رجعت المنيا. لو في حاجة عايز تقولها اتفضل ."

وصل إلى نقطة اللاتراجع لذا قال بصراحة
" عايز أخد منك معاد عشان آچي اطلب يد نچمة.."

كان يعلم شعوره نحوها ولكن أن يأتي ذلك الرجل ليأخذها من بين يديه وهو الذي لم يتمتع بقربها مقدار ذرة تطفئ ظمأ قلبه من عزيزته لذا قال بجفاء:
" و أنا مش موافق يا عمار…"

**************

" نورتي بيتك يا ختي. كنا مرتاحين والله . "
هكذا تحدث مروان ساخرًا حين وطأت أقدامهم أرض القصر بعد أن صرح الطبيب لشيرين بأن تُكمل علاجها بالمنزل و علي الرغم من أنها كانت لا تُطيق البقاء في المشفي إلا أنها كانت تشعر بالخزي و الذنب من مواجهة الجميع و خاصةً سالم و فرح التي كانت تناظرها بجمود شابه نبرتها حين قالت 
" حمد لله عالسلامه .."

الوضع برمته لم يكن مريحًا فقد كان الجميع يتطلع الي بعضهم البعض بهدوء مريب قطعته كلمات شيرين الخافتة
" الله يسلمك.."

غاضبًا من الماضي رافضًا الواقع متوعدًا للمستقبل هذا كان شعور طارق الذي علي الرغم من حنقه من ماضيها و رفضه لواقع تجنب الجميع لها إلا أنه اقسم أن المستقبل لن يكُن هكذا أبدًا 
" يالا ندخل جوا عشان ترتاحي شويه .."

اومات بصمت و تركت يديه تقودها الي الداخل برفقتها همت الصامتة و سما التي أرسلت بسمة هادئة الي فرح التي كانت تغلي من شدة التوتر فضيق مروان عينيه قائلًا بمكر
" الحلو بياكل في نفسه ليه ؟"

ناظرته فرح بحنق تجلي في نبرتها حين قالت 
" و كأني لو قلتلك هتفيدني يعني !"
مروان بسخرية
"علي حسب هتغريني ازاي ؟"
" اغريك! لا الطرق دي بتاعت جنة . ماليش انا فيها. "

مروان بتهكم 
" اه والله البت جنة دي كانت مطرياها علينا . بيضاله في القفص ابن المحظوظة. زمانه هايص .. "
قال جملته الأخيرة بحنق فاقتربت منه فرح قائلة بترقب
" ايه دا هو سليم عند جنة ؟"

دار مروان حول نفسه في حركة تفي بأنه لا يعلم هل حديثها موجه إليه ام لأحدهم بالخلف فصاحت محذرة
" مروان متستعبطش عليا.. و جاوب.."

مروان باستهلال
" ايه دا أنتِ بتكلميني ؟ "
" ايوا بكلمك .."
واصل المراوغة فتهكم قائلًا
" طب و دا كلام . انا بردو اعرف الأشكال الغلط دي ؟ سلومة الاقرع و جنة الأوزعة ؟ دي أشكال تتعرف ؟"

ظلت نظراتها علي جمودها و كذلك ملامحها بينها احتدت لهجتها حين قالت موبخة 
" اظن عيب اوي لما تحاول تستعبط مرات اخوك الكبير . صح ولا ايه ؟"

مروان باستنكار 
" ايه جو استغلال النفوذ دا ؟ فكراني لما تقوليلي مرات اخوك الكبير هخاف و اعترف مثلًا ؟"
فرح بوعيد 
" انت ايه رأيك ؟"
" طبعًا هعترف دا أيده مرزبة هو انا لاقي نفسي . عايزة تعرفي ايه يا اخرة صبري .."

فرح بصرامة
" مكان سليم وجنة.."
حاول الإفلات من بين براثنها قائلًا بمماطلة
" يا بنتي الراجل بقاله كتير مشفش الوليه بالإضافة لإنه لسه ملسوع قلم علي قفاه محترم برجوع الحيوان دا . لولا الغالي ابو قلب حنين اللي مدلعنا و مشخلعنا و رافع راسنا . سالم هو اللي اداله الإفراج النهاردة.."

قال جملته الأخيرة بصياح قابلته بالغضب المطعم بالتهكم حين قالت 
" علي ذكر البية الحنين اللي مدلعكوا و رافع راسكوا هو فين من الصبح وليه مبيردش علي تليفونه..؟"

كان يتحدث قاصدًا صرف انتباهها ولكنه في النهاية أوقع نفسه بمصيدة استفهاماتها التي تزداد خطورة اكثر
" اوبا. انا طلعت من نقرة وقعت في دوحديرة . طب بصي بقي . جوزك هيخزق عيني لو قولتلك علي مكان جنة و سليم . و هيقطع رقبتي لو قولتلك علي مكانه . "

شهقت مستنكرة 
" للدرجادي ؟ ماشي يا سالم . بقي بتخبي عليا و سايبني هتجنن هنا ولا سائل فيا.."
مروان مستغلًا الموقف 
" ما هو أنتِ لو مسيطرة مكنش عمل كدا .انما قعدتي تتساهلي تتساهلي لحد ما عياره فلت . و مبقاش عاملك اي حساب"

فرح بحنق 
"عندك حق .."
تابع هجومه عله يصرف انتباهها عما يحدث في الخارج 
" بقولك ايه الموضوع دا مينفعش يتسكت عليه. هو فاكرك ايه معدومة الشخصية . لا لازم ترجعي فرح بتاعت زمان اللي طلعت عين أهله وجابته علي جدور رقبته .."

كانت تعلم بأن ذلك الماكر يلهيها بحديثه ولن يفيدها في شئ ولكنها رغمًا عنها تأثرت و شعرت بالغضب يتعاظم بداخلها أكثر لذا قالت بانفعال
" ماشي يا مروان. مفكر انك هتضحك عليا انت وهو . طب انا بقي هعرف بطريقتي و خليك فاكر اني سألتك و انت مجاوبتنيش .."

" مزعل مراتي ليه يا حيوان ؟"
صدح صوتًا قوي خلفهم جعل دقاتها تتقاذف بداخلها ولكنها أتقنت رسم الجمود علي ملامحها لكي لا تتأثر بنظراته التي كانت تشملها كليًا 
" وربنا ما جيت جنبها دي هي اللي كانت عماله تستجوبني ولا المفتش كرومبو . واقولها يا بنتي جوزك طالع عينه اهدي عليه شويه و دي راسها و ألف سيف أبدًا سالم بيخونني.."

ارتفع إحدي حاجبيه إثر حديث مروان الذي جعلها تخرج عن طور الجمود الذي تحاول ارتداؤه أمام عينيه فصاحت بانفعال
" انا قلتلك كدا يا نصاب انت ؟"
مروان بحزن زائف 
" شايف يا كبير . بتشتمني ازاي ؟ يرضيك ؟"

كان يتطلع إليها بشغف قاتل و كأنها نعيمه الذي يسكن إليه بعد أن نجي من براثن الجحيم ..
" يا كبير . نحن هنا .. شكلي هيبقي وحش جدًا لو مشيت قفايا يقمر عيش كدا .."

لم يقطع ذلك التواصل البصري بينهم انما قال بجفاء موجهًا حديثه لمروان 
" امشي .."
تحمحم مروان بخفوت وهو يضيف بسخرية قبل أن يغادر 
" ماشي ياعم هطلع جدع واضحي ببرستيچي الغالي في سبيل الحب . أما اشوف البومة بتاعتي في انهي داهية .."

ربعت ذراعيها حول صدرها وهي تقول بجفاء
" سمعاك .."

اقترب قاصدًا العبث بإعداداتها و قلب هذا الجمود الذي لا يروقه أبدًا 
" بقي كلام الواد دا يهزك كدا ؟ "
عاتبته بجفاء قائلة
"و ليه لا؟ إذا كان كل كلامه صح !"
اقترب منها قاصدًا جذبها بين ذراعيه فقد كان في أمس الحاجه للحظة سكينة يقضيها بجانبها فاوشكت علي التراجع خطوة لتجد يديه تمتد لتجذبها إلي أحضانة لتحملها ذراعيه من خصرها قاصدًا غرفة المكتب حتي يتثني له مراضاتها و مراضاة قلبه بها وما أن أغلق الباب خلفهم حتي قال بصوتًا أجش
" و ايه هو كلامه الصح ؟ "

التفتت تعطيه ظهرها وهي تقول بغضب 
" انك لا بقيت تسال فيا ولا عاملي اي اعتبار.."
لا تفهم مصابه ولا تعي حجم احتياجه لها و الأدهي من ذلك عدم قدرته علي شرح ما يجول بخاطره والذي لخصه بكلمه واحده وهو يدفن رأسه بجانب نحرها المرمري 
" وحشتيني.."
اهتز ثباتها و اختلت أنفاسها تأثرًا بقربه فهمست بعناد
" سالم .."

أجابها وهو مايزال يدفن رأسه متنعمًا بطراوة عنقها البض 
" هرمونات الحمل دي آخرها امتا عشان بتيجي في أوقات غلط ؟"

إجابته أججت نيران الغضب بداخلها فاحتدت نبرتها حين قالت 
" شايف .. اهو بتستهتر بكلامي و بتتجاهلني . سالم انا عمري ما كنت شخص فضولي. ولا بيتدخل في اللي ميخصوش انا بس عايزة اعرف مكان جنة عشان اطمن عليها و اللي يخصك انت حر فيه .."

لم يعد ينفع كوننا انا و أنتِ أما نحن و أما نحن لا خيار ثالث لذا أجابها بخشونة 
" اللي يخصني يخصك يا فرح .."
عاندته غاضبة
" مش صحيح .."

كان يود أن يخبرها بأنها فلكه و مداره وأن كونه بأكمله يدور حولها ولكنه اكتفي قائلًا بصوتًا أجش 
" أنتِ الوحيدة اللي كل حاجه تخصني تخصها."

لم تجيبه غاضبة فاشتدت ذراعيه حولها فتثني لها الشعور بدقاته الهائجة و أنفاسه الموقدة و شابهتها نبرته حين قال 
" الكلام صعب و تقيل يا فرح مش راضي يخرج . مش استهتار بيكِ ولا حاجه. "

تعلم مدي لوعته ولكنه يحرمها من حقها في ترميم جراحه لذا التفتت قائلة بلوعه
"مش يمكن انا اقدر اريحك ؟"

أكد علي عشقه و حديثها بكلماته الدافئة
" هو دا فعلًا اللي بيحصل . انا مبرتحش غير جنبك . عشان كدا مببقاش عايز افتكر اي حاجه غيرك . "

تبادلا الصمت للحظات قطعه رغبة متأججة بداخل صدورهم جذبتهم بقوة في عناق شغوف موقد بنيران عشقًا جارفًا يكمن في قلوبهم  
" زهقتي ؟"

جاء استفهامه خافتًا فأجابته بصراحة
" شويه .."

" مني ..؟"
استنكرت و قلبها استفهامه البسيط و قالت مُصححة
"من تحكماتك .. "
لدغت انامله خصرها الرقيق بعتب حوته نبرته حين قال و هو يتراجع ناظرًا الي عينيها 
"اللي هي ؟"

تدللت ويديها مازالت تحيط عنقه 
" اول حاجه غيرتك اللي فاجئتني بيها بصراحة.."
قاطعها وهو يضيق عينيه متوعدًا 
"ولسه ..؟"

"دا تهديد ؟"

صحح استفهامها قائلًا بخشونة 
" تنبيه . انا ممكن ابقي عاقل في كل حاجه الا غيرتي عليكِ . دي لا بيخضع ليها عقل ولا منطق ."

اتسع قلبها حتي بات صدرها لا يتسع له حين سمعت كلماته ولكنها حاولت الثبات حين قالت تعانده
" علي فكرة بقي مش صح .."

"مش فارق . "

ارتفع إحدى حاجبيها وهي تقول بتخابث
" تقريبًا اتغيرت ولا انا بيتهيقلي ؟"
اقترب من أذنها هامسًا بعذوبة 
"بيتهيقلك.."

لم يكن لها مفر من تأثيره القوي علي حواسها ولكنها أرادت أن تضاعف شغفه اكثر حين قالت بدلال
"بقي سالم الوزان مبقاش يفرقله الغلط من الصح .؟"

أعطاها إجابة تفوق في روعتها أعمق كلمات العشق
" سالم الوزان كيانه كله اتشقلب بسببك .. "

أوشكت علي الذوبان كقطعة من الثلج امام نيران عشقه الضارية ولكنها انتشلت نفسها بصعوبة من بين ألسنه اللهب لتستدير عنه وهي تقول بتذمر 
" علي فكرة بقي متحاولش مش ناوية اتصالح"

كانت سلامه وسط تلك الحروب الضارية لذا لم يستسلم أمام زوبعة غضبها الواهية و اعتقل خصرها بيديه لتصطدم قضبان صدره القوي بعظام ظهرها الرقيقة وهو يقول بوقاحة
"أنتِ اللي متحاوليش.. مش هحلك النهاردة…."

لم تجيبه انما أعطته أكثر من الكلمات حين ضغطت بقوة علي يديه المحيطة بخصرها فزمجر بخشونة 
" اياكِ تبعدي .. وجودك بيفرق في كل حاجة حتي النفس اللي بتنفسه وأنا جنبك بيكون مختلف .."

همست بعذوبة لتلثم جراح روحه
" حتي لو فكرت ابعد قلبي مش هيطاوعني ولا هيقدر يمشي خطوة واحدة بعيد عنك .."

خبت الكلمات و تسيد العشق دفة الموقف فقام برفع يده و جذب سحاب ثوبها لينزل قليلًا حتي يتثني له نثر ورود عشقه فوق ساحه ظهرها الأملد و يديه تمارسان فنون العشق فوق كل ما تطاله من جسدها الذي اشتعل من فرط التأثر بأفعاله فهمست بضياع
" سالم احنا في المكتب.."

اطلق زفرة قويه حارة من جوفه و تجاهل حديثها قائلًا بولع
" وحشتك ؟"
" فوق ما تتخيل ."
" فين ؟"
لازالت تخجل من التعبير أو الإفصاح عن شوقها إليه ولكنها الآن شعرت بأن ما يقصده كان أبعد من الشوق لذا التفتت تناظره بعينين غلفهما الشغف فوقعت أسيرة لنظراته التي تناشدها فتغلبت علي خجلها بمشقة و اقتربت منه تريد أن تروي ظمأ احتياجه إلي حنانها فتصلب جسده الذي يعانقها وهو يفطن لما تنتويه وحين أوشكت علي نيل مبتغاها و مبتغاه تصاعد رنين الهاتف ليجعلها تفزع بين أحضانه و تتراجع خطوتين فسمعته وهو يلعن من تحت أنفاسه فقالت محاولة أن تهدئ من حدة الموقف 
" رد ممكن يكون حاجه مهمة…."

قاطعها حين جذبها إليه بقوة وهو يبتلع باقي حروفها بجوفه مطلقاً العنان لجيوش غضبه لتلتحم مع نيران شوقه و كأنه يعلن التحدي أمام كل العراقيل و الصعوبات التي تحول بينه و بين لحظات راحة ينشدها بين ذراعيها و كانت هي ضحية تلك الحرب الهوجاء وبرغم الألم احتملت لأجله الي أن هدأت وتيرة لمساته لتصبح حانيه و كأنها تعتذر عن ما بدر منه منذ لحظات فلم تبدي اي رد فعل ليفصل اقترابهم تزامنًا مع رنين هاتفه مرة اخري فقام بوضع قبلة اعتذار قويه علي جبهتها قبل أن يتوجه ليجيب علي الهاتف قائلًا بحدة 
" انت فين يا زفت مابتردش علي تليفونك ليه ؟" 

تفاجئ سليم من حديث أخاه وقال بذهول
" ايه يا سالم في ايه؟"
سالم بجفاء
" رنيت عليك كذا مرة ومردتش .. كنت فين ؟"
سليم بغضب
" كنت مع مراتي اللي بالمناسبة غايبة عني بقالها فترة و أظن انت عارف انا فين .."

كلمات سليم أعادت اليه بعضًا من رشده فتجاهل مقصده وقال بفظاظة
" نص ساعه و تكون عندي انت وهي . رايحين عالصعيد .."
سليم باندهاش
" رايحين نعمل ايه في الصعيد ."

سالم بحدة
" رايحين نشوف اختك ولا نسيتها ؟ "

تحمحم سليم قائلًا بحرج
" لا طبعًا منستهاش .."
سالم بصرامة
" مش هسمح للي حصل دا يأثر عليها . ولازم الناس تعرف اننا جنبها عشان محدش يفكر يتعرضلها…"

سليم بتفهم 
" ولازم جنة تكون معانا ؟"
" لازم.."
سليم بإذعان 
" تمام اللي تشوفه .."

اغلق الخط ثم التفت يناظرها فتفاجئ من ستائر الحزن التي تغطي ملامحها و لكنها فاجئته أكثر حين قالت بشجن
" بغض النظر عن أي حاجه بس احساس أن البنت ليها اخ ولد بيمارس حقوقه في أنه يحميها و يدافع عنها دا احساس حلو اوي.."

لم يتأثر خارجيًا ولكنه من الداخل شعر بالأسي علي حزنها و كعادته تجاهل كلل شئ و قال بتملك
" كويس أنك معندكيش عشان مكنتش هسمحله يمارس حقوقه دي عليكِ و أنا موجود.."

اغتاظت من تملكه الذي ليس له حدود فصاحت بتذمر
" سالم بقي .."
باغتتها جملته التي استقرت في منتصف قلبها كرصاصة قناص ماهر يتقن إصابة ضحاياه في مقتل
" بحبك يا فرح و دا قدرك اللي مفيش مفر منه.."

ما أن أوشكت علي الحديث حتي تفاجئوا من تلك الجلبة في الخارج فاحتدت ملامحه وهو يتوجه الي باب الغرفة و ما أن فتحه حتي تفاجئ بطارق الذي يقف أمام حازم و معالم الشراسه باديه علي وجهه بينما الآخر تحولت نظراته الي ساخرة حين قال سالم بجفاء
"ايه اللي رجعك تاني مش كنا اتفقنا ؟"

اخرج ورقة مطويه من جيبه و قام بمدها إليه وهو يقول بتخابث
" وانا سمعت كلامك و جيت عشان أشيل شيلتي كاملة .."

هدر طارق بغضب
" شيلة ايه و زفت ايه ؟ ما تجيب من الآخر و تخلصنا.."
برقت عيني سالم حين وقعت علي تلك الكلمات المحفورة في الورقة أمامه فاتسعت ابتسامة حازم الشامتة وهو يقول بتشفي
" عايز اخد مراتي و ابني و امشي من هنا…" 

الفصل السادس من هنا


بدل ماتدور وتبحث علي الروايات خليها علي تليفونك وحمل تطبيقنا

تحميل تطبيق سكيرهوم
تعليقات



close
حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-