رواية صمت الفتيات الفصل التاسع بقلم خديجة السيد
كنت لا أريد شيئاً سوى أن أنتهي من هذا الضياع الذي يسكُنني ، أريد استِعادة طُمأنينتي والمضي قدماً في الحياة ، أريد أن أرتاح ويزول الثقل عن قلبي ، أريد أن تعود رغبتي بالحياة وأستعيد شغفي الذي تلاشى مع الأيام ، أحتاج أن يختفي الخوف بداخلي الذي يزداد يوماً بعد يوم ، أريده أن يبتعد عني قدر الإمكان أن يهدأ قلبي قليلاً عن الخفقان ، لقد مرّت عليّ أيام طويلة لم يُفارقني القلق فيها ، غادرني الجميع في البدايه ، عشتُ ما يكفي من الإضطرابات ، أحلامي سُرِقت أمام عيني ، غدرني أعز الناس ، تخلّى عني الأهل والأحباب ، إلا الحزن وحده أقسمَ على البقاء ، لم أعد أريد أن أحلم ، أريد أن أحيا بلا ألم ، أريد أن يتوقف الوجع يسار صدري ، أريد ذاكرة مفلتَرة ، لا أتذكر شيء مضَى ، أحتاج بشدة أن يتوقف عقلي عن التفكير ، أن أنام دونَ أرق ، أن محطمه من داخلي وخارجي حطامي يطفيني كلما حاولت من جديد ، أحتاج الهروب من ذلك العالم ..لم أعُد قادرة على تحمّل الحياة بما أنا عليه..ما أريده بحق أن أغسِل روحي من جروحي..لكنّ الماء لا يصل إلى عمق الروح وهذا ما يوجعني.. لذلك ادعي نفسي للبكاء على ما مضى وعلى ما أواجهه الآن..
كان في كل مره يقترب مني يدي المرتخيه ترتفع بصعوبة لتمسك بقميصه تتوسل رجولته املٌ أخير في ان تنتفض النخوة فيه ليرحمني ! أبعد يديّ عنه بينما عجز جسدي عن ابداء أي حركة ولو صغيرة ، وسحابة سوداء تأخذني لأعماقها فأغمضت عيني لأسمع كلماته تحذرني بآخر قطرة وعي تبقت في عقلي
عقلي ، آه من عقلي ! لا افهم لمَ بدأ يتراخى ! يرسل ايعازاته لكل خلايا جسدي بالمقاومة والقتال ولا يتم تنفيذها لقد اعلن جسدي تمرده على عقلي حتي انهكني التفكير
بينما صورة عمي تحولت الى توأم متطابقة أمامي وانامله قد وصلت لشفتي يسكتني بالضغط فوقه فمي بعد ان حاولت الصراخ لكن خرجت صراختي تلك كالزمجرة المكتومة بفعل يده التي كانت تغلق فمها بقوة.. كنت دائما احاول النجاه والخرج من هذا المستنقع المثير للاشتمزاز.
❈-❈-❈
شعرت بيدي التى كانت ترتجف بشدة فوق مكتب المامور وعقلي يشرد في تلك السيناريوهات البشعة رمشت بعيني بصعوبة كما لو كنت اقاوم الغمامة التى تحيطتني و تطلعت الي الفراغ بتشوش كما لو كنت لا اراه لكني حاولت التماسك..
شعر بي الضابط و توجه مسرعاً يمد يده بقليل من الطاقة ليجد كوب ماء بجانب فنجان القهوه الخاص به ثم اخذ الكوب الملئ بالماء مني واخذته وانا على نفس حالتي المجهده، رفعت الماء الي شفتي احثها برفق على الارتشاف و عندما انتهيت وضعت الكوب أعلي الطاوله ببطء ليردف الضابط باستفسار
= بقيتي احسن دلوقتي؟
ظليت انتفس بصعوبة حتي شعرت بتنفسي اللاهث ينتظم و يعود الي طبيعته.. و هززت رأسي بصمت إليه اني علي ما يرام.
عقد حاجبيه الضابط بانتباه وقال بصوت مقتضب
=انتي امتى ابتداتي تفهمي وتستوعبي كويس اللي بيحصل بينكم ده اسمه ايه؟
لقد استيقظتُ مبكراً في الساعة 6:30 صباحاً وكانت السماء تمطر بشدة في الخارج، اليوم قد اكملت سنه الثالث عشر من عمري! العمر الذي قد اكتشفت فيه جميع الحقائق حولي وكيف كنت تدور أحداثها وانا كنت كالمغيبه أسير في ذلك الطريق دون فهم الأمر، لكن للاسف قد اتضح امامي كل شئ وكانت هي الحقيقه المره.. لكن أنا أعلم شيئاً واحداً ،انني لا استطيع الهرب من ذلك العالم المزيف بالحنان والأمان.. الامانه الذي افتقدته منذ طفولتي! عندما كنت في عمر الخامسه وبعدها بالتدريج بدات انضج ويتطور عقلي وبدأت أفهم جيدا ما معنا ما كان يحدث وأن جهل عقلي حينها كان اكبر خطا حدث لي.
فتحت عيني ببطئ والدموع تملاها بغزارة والاحداث كانت تمر امامي كشريط سينمائي وضعت يدي على قلبي الذي اصبح ينبض بجنون وبدأت اهمس له بصوت مخنوق منخفض: ألم تشبع مني يا وجع؟ أكلت جسدي؛ ومزقت أوردتي،رفقاً ببقايا إنسانة قد ماتت و هي على قيد الحياة؛ ثم إنه،أرهقني الزمان،و خذلني البشر،و أبكاني من رحل،و قتلني الوجع فرحماك يا اللّه...
حاولت ان اهدئ انفاسي وانا اتذكر حكمه قراتها قبل سابق كانت تقول: هروبك مما يؤلمك سيؤلمك أكثر، لا تهرب تألم حتى تشفى، لكني في الواقع انا اتالم ولا اشفى مطلقا من هذا الالام.. فسيء جداً أن تمارس دور السعادة، وأنت مرهق من الداخل.. فـ كتمان الالام؟ هو ذبحة القلب ووجع الروح و غصة العمر هو تلك الدفعة التي تخرج الدمعة التي انحصرت و جفت ..وهي الصرخة التي تفرغ الألم الذي حبسته الأيام.
هناك مشاعر ومواقف مهما مرت أيام لم تنساها، مثل اللحظة الأولى التي أسقطت فيها دموعي بلا انقطاع وعندما شعرت بالشفقة على نفسي، وعندما كذبوني من قبل أقرب الناس إليه ولم يصدقني أي منهم، عندما بدأت اروي الأحداث داخل عقلي قد اكتشفت أني تعرضت للأذى كثير جدا، حتى لو تجاوزت الموقف وتسامحت مع الشخص فإن سيظل الوجع في ذلك الوقت بداخلي، وسيجعلني اقاتل حتى لا أسقط في نفس الفخ مره أخري.. لكن هل سانجح في ذلك؟
فيوجد مقوله اخرى اصعب تقول: المجروح من عائلته لا يشفى ابداً
بعد مرور الوقت سَمِحت لى والدتى بعدم الذهاب إلى المدرسة فى ذلك اليوم، و ذهبت إلى نومى العميق مرة أخرى بكل يأس و استيقظت بعدها في الساعة 8:00 صباحًا. لا يزال الجو ممطراً والطقس باردًا وأنا أشاهد المطر من نافذتى، أشعر أنى في حالة غريبه! نعم فجميع الاطفال في هذا السن يعيشون في جو سعاده ومرح
مثل ان أذهب إلى مقعدى وأقوم بتشغيل جهاز الكمبيوتر الخاص بى وتصنع والدتى بعض مقرمشات لي وأنا ألعب بكل حماس وبراءه بينما احتسب كوب من الكاكاو الساخن ويكون ليس لدى أي اكتئاب ،فأنا من المعتقد اني اعيش في مرحله طفولتي، وكان همى الوحيد هو أن أكبر فقط فى أسرع وقت ممكن
وتكون الحياة جيدة جداً.. لكن كل احلامي هذه تظل وهم مجرد سراب! وقد اكتشفت مع مرور الزمن أن أصعب ألم حقيقي هو إجبار ملامح وجهك على إتخاذ معالم أخرى تعاكس إحساسك تماماً
فيصديقي لو تعلم ماذا يدور في عقلي الآن وانا في سني هذا؟ وما احمل من هموم ستصاب بالصدمة والذهول وتعطيني سنوات أخري اكبر من عمري.
فانا لم اعيش مرحله طفوليه طبيعيه بل اعيش حياه محطمة.. انا بالفعل لا اعيش يومي انا انجو منه فقط! وكل فتاه تعيش وتتعرض لما انا اتعرض اليه أنها تنجوي مثلي..
زفرت أنفاسي بعنف و النيران التى بصدري تشتعل اكثر و قد تاكلني من الداخل وقلت بصوت منخفض
= دايما بيجيبوا الغلط علي البنات حتي لو معلمناش حاجه لو محجبه يقولوا ايه المنظر ده هو ده حجاب لو لابسه خمار يفضلوا يقولوا مالك مكبره نفسك ليه و يفضلوا يتريقوا والشيخه جات الشيخه راحت، و لو خارجه مع أصحابها يفضلوا يقولوا.. هو في بنات بتخرج لازم نمشي في الشارع متكتفين ولا نضحك ولا نهزر ولا نعمل حاجه حتي التعليم طلعوهم بحجه جديده ويقولوا البنت ملهاش غير بيت جوزها وهتقعدي خدامه والشهاده ملهاش لازمه ،احنا بنعاني من الكلام ونظرات الناس لينا اللي هو طب هو انا لابسه اي وحش طب انا فيا حاجه غلط؟ بيشككونا في نفسنا وحرفيا حقنا ضايع
أكملت هاتفة بانفعال بينما صدري يعلو وينخفض بشدة
= ولا الناس الي بتبرر أو بتقول حصل خير سواء رجالة أو ستات ميعرفوش أد ايه البنت أصلا بتحاول علي أد ما تقدر ميحصلش حاجة زي دي، مش مستنياهم يدوني نصائح ويقولوا خذي احتياطاتك عشان ما تتحطيش في موقف زي ده...سواء من توسيع و تطويل هدوم، سواء من قاعده ورا عشان محدش يبقي قاعد ورايا ولا جنبي.. سواء من النزول بسرعة جبارة عشان و انا نازله محدش يلمسني و في الأخر بردو أنا الي باتلام.
ابتلعت ريقي بصعوبة الغصة التى تشكلت بحلقي و انا أدرك تلك الحقيقه البشعه.. ومرت امام عيني مشاهد لما فعله بي و تفاصيل انتهاك جسدي وانا بعمر لا يتجاوز الخمس سنوات و صوت صراختي المتألمة تتردد بأذني تعذبني بل تقتلني... وقلت بحدة لاذعة
= انا من اللي بقيت بشوفه حوليا بقيت متاكده أن مفيش بنت متحطتش في الموقف دا؟ سواء تحرش او اكثر!! و للاسف اول مرة بتكون صدمة لاي بنت لانها مش فاهمة في اية بيحصل، بس هي بتعرف انها حاجة مش طبيعة و غلط حتي لو كان سنها اية؟ بس هتفضل فاكره انه احساس وحش قوي و هتفضل في الاول تلوم نفسها جدا انها ممكن تكون السبب في كده وهي مش عارفه حاجه!
مش عارفه ان اللي بيعمل كده هو اللي مريض
ومش طبيعي وما يستاهلش يتقال عليه راجل
وما عندوش اخلاق ويستاهل الموت!
التحرش الجنسي:-
إذا كان بسبب الجهل فلماذا يتحرش المعلم والأستاذ الجامعي والطبيب؟
وإذا كان بسبب الفقر فلماذا يتحرش رجل الأعمال؟
وإذا كان بسبب تأخر الزواج فلماذا يتحرش الرجل المتزوج و والد بالصبيان والبنات؟
وإذا كان بسبب القمع الجنسي ،فلماذا يتحرش بشابة تبلغ من العمر 14 عامًا؟
وإذا كان بسبب لباس المرأة فلماذا يتم التحرش بالمنتقبة والمحجبة؟
التحرش الجنسي إذا كان سببه جسد المرأة وشكلها المثير، فلماذا يتم التحرش بالأطفال؟
الموضوع ، مسألة مبادئ ، فشل في التربية ، التزام بالدين ، ضبط النفس ، مسألة أخلاقية لا شيء أكثر!
كنت اجلس على الارجوحة فى حديقة المدرسه شاردة فى مستقبل حياتي المجهول،اشعر بأن الجميع حولي يريد أن يفرض سيطرته عليا ولا يعطيني حريتي! حرية رأيي فى التحدث عن ما يؤلمني، ابسط اشيائي كنت أريدها للتعبير عما بداخلي "هذا حلمي، لكن في الحقيقة الاحلام مش لألنا، لأنها أكبر منا"
صحيح أن قد اكملت سنه الثالث عشر من عمري! العمر الذي بصق الحقيقة المجردة في وجهي بكل قسوة، الحقيقة المُغيبة عن العالم وتتوسع في الخفاء، والعالم من حولي يكتفي فقط بتجاهل وجودي !. صحيح اني قبل هذا العمر عندما كنت صغيره كنت اعلم اشياء صغيره عن العالم المخيفه الذي ادخلني في عمي رغم عني، لكن قبل عده ايام في حصه المدرسة شرحت المعلمه لنا عن هذه الاشياء بوضوح اكثر! وكانت كل كلمه تقولها تجعل جسدي يرتعش من الافكار و تشعرني بالاشمئزاز و الخجل من نفسي.. و الاسي!
لا اعلم لماذا فكرت في هذه الفكره مره ثانيه وهي ان اجرب اتحدث مره مع احد مره اخرى؟ وهذه المره فكرت في معلمتي يمكن ان تساعدني، صحيح ان عمي حمدي منذ سنوات توقف عن الاقتراب مني! لكن ما زالت بداخلي اوجاع لا تتوقف.
تشجعت قليلا وفتحت عيني ببطئ شديد لانهض و أبحث عن المعلمه حتى وجدتها بداخل الفصل بمفردها مما شجعني أكثر، تحركت بخطوات متوتره حتى استعد ربطة جاشي؟وظليت احدق بالمعلمه بصمت مترددة حتى انتبهت لي وقالت دون النظر إليه متسائلة
= عاوزه حاجه يا ريحانه؟
شعرت بارتباك فاخشى ان ينفذ الذى يدور فى بالي ولم اجد المساعده! وانا اشعر بالارهاق من ذلك الأمر الذي لا اعلم الى متى ساضل اخفيه عن الجميع، همست بصوت منخفض جدا وقلت
= كنت عايزه اقول لحضرتك حاجه
نظرت لي باستغراب وهزت رأسها لي حتي أتكلم وهي تنظر نحوي باستفهام! وعندما سمحت لي بالحديث شعرت اني أريد أن ابكي بشده لكن...لا وقت للبكاء..وأهم ما اسيطر عليه الآن التكلم و كسر صمتي! أخبرتها وأنا اشعر بتمزق روحي
= انا في حد من قرايبي حاول يتحرش بيا لما كنت صغيره عن كده شويه.. و آآ لحد دلوقتي اهلي ما يعرفوش حاجة وبخاف اقول لي حد
وبعدها لم اشعر بنفسي غير والدموع تنهمر أمام عيني وأنا ابكي بمرارة.. لانت ملامح المعلمة قليلا وهي تشهق بصدمه حين استمعت الى كلماتي بعدم استيعاب و ذهول لتنهض بسرعه واقتربت مني باسطة كفيها على كتفي بحنان هاتفة
= بس يا حبيبتي كفايه عياط.. بس يا ريحانه خلاص مش كده اهدي
مسحت دموعي وحاولت التوقف عن البكاء وهي تسألني باهتمام
= حبيبتي انتي مش بتقولي أن خلاص الشخص ده بطل يعمل اللي كان بيعمله معاكي مش كده
هززت رأسي بصمت بنعم وانا داخلي فرحه بانها سوف تساعدني أخيرا، صمتت هي لحظه ثم ابتسامه هادئه تلوح بين شفتيها وهي تتحدث قائله
= خلاص يا حبيبتي محلوله ان شاء الله ابعدي عنه وما تحاوليش تقربيله ولا تقعدي معاه في مكان لوحدكم، عشان ما يعملش اللي كان بيعمله معاكي ثاني.. الحمد لله انه بعد عنك وبطل يلمسك! ممكن ربنا هداه وعرف انه غلط وما ينفعش يعمل كده معاكي ،بس يا حبيبتي مش كل حاجه تحصل لازم نحكيها لاهلنا.. في حاجات لازم نعديها كانها ما حصلتش وما نحكيهاش
توقعت ان تسالني عن تفاصيل اكثر! فلم يتوقف الأمر على التحرش فقط بلا تمادي، توقعت ان تسالني عن هويه ذلك الشخص ماذا يقرب لي! و توقعت ايضا ان تساعدني كيف اخذ حقي، في الحقيقه توقعت الكثير منها؟ لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، وتفاجئت باغرب تعليق سمعته منها؟
هل كان هذا الحل من وجهه نظرها؟ اصمت ولم اتحدث ولا احاول الشكوى لمجرد أنه ابتعد عني وتوقف عما يفعله؟
اعترف إني تصرفت بحماقة عندما اعتقد ان سوف يساعدني شخص في ذلك الأمر؟ فالجميع يهرب من مواجهتي بالحديث.. فلم اشعر سوى بالقسوة والعنف كلما تحدثت مع أحدهم.. وغلطه أخري ستكلفني الكثير فيما بعد.. وكأنهم يعاقبوني انا بتلك الطريقة المهينة..!
وفي النهايه رجعت الى صمتي مره أخري الذي سيظل لازمني طول حياتي! لا أعرف الي متي؟ فلا أعلم إلي أين الهروب نحوه الأمان لاترتمي بأحضانه واشكوا وجعي الدامي له !!
تطلع الضابط نحوي متنهد بقوة وهو يقول بجدية
= انا فاهم كويس انتي بتتكلمي في ايه ،وده موقف صعب جداً بس انا متأكد ان دايماً في حل ..وربنا اكيد ما يرضاش بالظلم، وانا شايف ان انتي كنتي بتلجاي لناس هم نفسهم عاوزين مساعده ومش شايفين أن اللي بيتحرش بواحده شيء مش طبيعي و غلط..
نظرت إليه ثواني قبل أن أجيب بصوت مخنوق باقتضاب
= صح انا عرفت واتعلمت متاخر مش أي حد ينفع الجأ لي ..مش أي حد ينفع اقول له انا محتاجه مساعده .. مش أي حد اسمح لنفسي اني ابان ضعيفه قدامه.. لان في ناس لما بيحسوا إني ضعيفه كسروني اكتر وداسوا عليا أكتر .. في ناس كنت فاكره ممكن لما الجاه ليهم استقوى بيهم بس اكتشفت انهم هما اللي دمروني
قال بهدوء و عينيه مسلطة عليا بتركيز و اهتمام يراقب ردة فعلي
= على العموم خلينا ندخل في المهم قتلتي حمدي ليه يا ريحانه؟ مش حاسس ان الاسباب اللي بتحكيها كلها وكل اللي عمله فيكي هو ده السبب الرئيسي!! فيا ريت ما تحاوليش تلفي وتدوري في الموضوع ده عشان مش هصدقك بصراحه لو قلتلي هو ده السبب، ما هو بالعقل كده لو عاوزه فعلا تنتقمي منه ايه اللي يخليكي تصبري السنين دي كلها؟ وما تحاوليش غير يوم فرحك وانتي عارفه ان بعد جوازك هتسافري ومش هتشوفي ثاني.. اكيد في سبب تاني وانا عاوز اعرفه؟
انتفض جسدي مرتجفاً بينما قلبي يكاد يغادر صدري من شدة خوفي و ارتعابي من القادم.. فـ تلك الاحداث بالذات كنت لا اريد التحدث فيها، حتى لا اتسبب بالمشاكل والازمات إلي غيري! همست بصوت مختنق متألم
= انا فعلا عمري ما فكرت ان انتقم منه ولا حتى اتخلص منه و اقاتله ولا أن حتى اوجه واساله عملت كده ليه؟ بس الموقف اللي اتحطيت فيه ما لقيتش حل قدامي غير كده؟
عقد الضابط حاجبيه متسائلا باهتمام بالغ
= ايوه، اللي هو ايه بقى؟
أسندت رأسي بتعب للخلف علي المقعد و أنا شبه غائبة عن الوعى و قد كان صدري يعلو و ينخفض بقوة اكافح لالتقاط انفاسي بينما اخذت احداث ذلك اليوم تمر امامي بذاكره فولاذيه وانا امرر يدي علي رأسي بألم حاد وعيني مظللة بالألم و القلق و وجهي الذى كان خالى من اى لون يدل على الحياة و شفتي الشاحبة المرتجفة بينما كانت عيني غائرة بشدة تحيطها الهالات السوداء التى تدل على مدى تعبي.. انفجرت باكية بشهقات ممزقة
= انا ما كنتش عاوزه اقتله والله العظيم ما كانت نيتي اتخلص منه في يوم رغم كل اللي عمله معايا وان يستاهل فعلا القتل، بس مش انا اللي كنت اعمل كده؟ انا ازاي اصلا قلبي طاوعني اقتل بني ادم مهما كنت باكرهه.. انا فاكره فضلت أردد الكلام ده كله جوه عقلي وحسيت جسمي اتشل وفين هو فين لما استوعبت كل اللي حواليا وطلعت بره ومشيت وسط الناس غرقانه في دمه وقلت لهم انا قتلت عمي.
هززت رأسي بألم بينما عيني اصبحت حمراء بشده من كثره البكاء على كل ما مريت بي و ما فقدته.. بينما عيناي كانت ضبابيتين وأنا احاول مكافحة الدموع مما جعلني ادفن وجهي بين يدي بينما حلقي ينقبض وانا احاول كتم شهقات بكائي لكنها فلتت مني منكسرة
= انا جاهز اكون غلطانه لاني ما ضيعتش نفسي وبس؟ لا كسرت فرحه ناس ثانيه كانوا بيحبوني وعشمانين اكثر فيا! بس انا ضيعت كل ده لما قتلت؟ ولما اعترفت بالحقيقه اللي كنت مخبيها جوايا سنين طويله.. بس عمر القتل ولا الانتقام في حد ذاته ما كان حل
أحسست أنني اريد أن أصرخ بكل ما حدث في عمري دُفعة واحدة و قلت بنبرة وجع بين دموعي التي اغرقت وجهي بشدة
=بس في نفس الوقت مش ندمانه ان انا أنقذت طفله بريئه كانت ممكن تروح ضحيه زيي وهتدخل في صراع طويل قوي ما لوش آخر.. اذا كان مع المجتمع أو مع الاهل!!.
قلت لنفسي لم اتركها ضحيه له هي ايضا؟ لما اتركها تشعر بما شعرت به لسنوات طويله لأني صمت! ولم استطيع ان اتخطى حتى الان؟ اقتربت منهم وتعثرت فى خطواتي ليشعر هو بي وابتعد عنها قليلا بصدمه وقلق..!! وتحدثت بصوت مختلط بالدموع، وأنا اهز رأسي بنفي بغضب شديد وصرخت بقوة بأن يتركها ويبتعد عنها الآن..!!
توقف حمدي عما يفعله بصدمه وتحول شحوب وجهه الى لون رمادى كما لو كان قد فقد الحياة فور سماعه كلماتي تلك التي همست بين بشفيتن مرتجفة
= سيبها وابعد عنها مش هاسمحلك تعمل فيها نفس اللي عملته معايا فاهم.. سيبها بقول لك احسن والله العظيم اصوت والم عليك الناس و هفضحك والمره دي مش هسكت
حاولت الطفله دهب أن تركض إليه لكنه امسك بيديها بقوة و انفجرت دهب باكية بينما تهز رأسها بخوف و الارتعاب واضح على وجهها تدعيني بأن لا اتركها واذهب؟ صرخت بي مره ثانيه بغضب شديد
= باقول لك سيب البنت، ما تحلمش اللي انا هاسيبها لك وهامشي واسيبك تلوث براءتها زي ما عملت معايا.. والله العظيم لافضحك باقول لك سيبها
بينما ظل حمدي يقبض على يد دهب بقوه وأنا ازجره بنظرات سامة قاتلة و صدري يعلو و ينخفض بسبب شدة انفعالي و توتري ثم تطلع حمدي نحوي بصمت وقال مبتسم ابتسامه لعينه
=مالك بس يا حبيبتي متعصبه ليه انا لقيتها تائهه هنا ومش عارفه تخرج حاولت اساعدها.. روحي انتي للفرح وما تخافيش انا هاوصلها بنفسي لاهلها.. روحي انتي يا ريحانه زمان اهلك بيدوروا عليكي بره
هزت رأسها دهب بذعر شديد وهي تتلوي من قبضته يده بصعوبة دون فائده وتصرخ باكية بخوف شديد
= لا ما تسبنيش معاه يا ريحانه انا ما كنتش تايهه هو اللي جابني هنا عشان نلعب.. بس بيعمل حاجات وحشه وانا خايفه منه أوي
استمريت بالاقتراب من حمدي حتى اصبحت اقف امامه رغم ضربات قلبي السريعة تحذرني بالخطر وعدم الاقتراب.. بينما هو ظل واقف بهدوء وثبات ولم يتوتر كان لديه ثقه بانه مظلوم! لا اعلم هل هذه الثقه حقيقيه ام كان يظهرها حتى اصدقه.. لمحت في الارض مفك حديد كبير من الواضح انه سقط من احد هنا في الكراج، اخفضت جسدي لاقبض علي المفك وارفعه حتى اتحامى فيه وقلت بتهديد
= هو انت فاكراني هصدقك بلاش انا؟ انا اكثر واحده شافت اذيتك وعارفه اللي فيها وعارفه انك انسان واطي وجبان ودائما راسم ليهم قناع البراءه وهم ما يعرفوش حقيقتك.. سيب البنت مش هطلع من غيرها
لا إلا هقول لهم بره كنت عاوز تعمل معاها ايه؟ وخليهم يعرفوا بقي حقيقتك القذره
هنا قد ظهر التوتر و الارتباك عليه وقد علمت اني انا الآن الأقوى هنا؟ ولوح بيده امام وجهي قائلا بصوت منخفض مظلم
= ما تهدي يا ريحانه في ايه قلت لكم شفتها بالصدفه هنا تايهه وكنت هاوصلها لسه لاهلها، روحي انتي كملي الفرح وانا هاوصلها بنفسي لاهلها.. انا مش فاهم اصلا مالك قلقانه عليها مني كده ليه، هي زي بنتي و اكيد مش هضرها
لاول مره كنت في مواجهه معه وتحدثت وعاتبته اعلم ان العتاب لا يفيد لكن من يعلم من الاحتمال كنت بحاجه إلى تلك المواجهه، وكنت اعلم لماذا هو مصر على ان اتركها واذهب حتى يهددها لا تقول لاحد ما كان يفعله معها، مثلما كان يفعله معي.. قلت بغل وانا أتطلع في بنظرات سامة ممتلئة بالحقد و الكراهية
=انت اذيت بنت اخوك مش هتاذي الغريب.. كل اللي يهمك بس رغبتك القذره وعمرك ما فكرت بنحس بايه وانت بتعمل كده، عشان انت مريض مش بني ادم.. سيبي البنت بقول لك ولاخر مره بقول لك سيبها بدل ما هصوت وهالم عليك الناس
ابتسم بسخرية واستهزاء مني وكان يرسل بعيناه سخرية مني ولم يصدق تهديدي كاني ضعيفه وليس امتلك تلك الشجاعه لادافع عنها؟ فبالاحر لو كنت امتلك الشجاعه والقوه لا كنت انقذت نفسي اولا منه؟!.
لكن فجأة شعرت به يقترب مني بخطوات سريعة و يديه تجذبني بشراسة وقسوة كان في نيته اني يرعبني مثل ما كان يفعله في الماضي، لكن لا يعرف ان الطفله الصغيره التي قتلها بيده سابقاً نضجت مبكراً بسببه، استمر في ارعبي وأنا اقاوم حتي تعثرت وسقطت مرتمية على الارض بقسوة و دهب تصرخ عليه برعب و خوف
وعندما وجدتني دهب اتالم علي الأرض ازداد صراخها هذا بشكل هستيري ليلتفت اليها حمدي بغضب شديد واقترب منها حتى يسكتها خوفا من ان يسمعها احد وياتي الى هنا فهو لا يريد مصائب أخري.. و عندما وجدته دهب قادم إليها بوجه غاضب شعرت بالرعب والفزع مما جعلها تطلق صرخة مدوية وهى تتراجع بتعثر للخلف بعيداً عنه... واستمر هو في الاقتراب إليها
نهضت ببطئ متالمه وكنت ما زلت احمل المفك الحديد بيدي و أنا اطلق انات منخفضة بسب الالم الذى يعصف بانحاء جسدي و ركضت نحوه لابعده عن دهب لكنه لم يبتعد.. اخذت دهب جسدها ينتفض على الارض بحركات عصبية شبة هستيرية محاولة أبعاد حمدي الذي يقترب بخطواته تجاهها وهي لا تعرف ماذا سيفعل بها
تقدمت منه مره ثانيه بغل كبير داخلي ولم اشعر بنفسي غير وأنا اغرز الفك براسه من الخلف بعنف شديد لتنطلق الدماء بوجهي وقد ظهر احشاء عقله..!
اتسعت عيناي بالفزع و قد جفت الدماء بعروقي فور ان رأيته يسقط بالأرض الصلبه بقوه فاقد الوعي دون حركه أو نفس!
تركت المفك من يده الملوث بالدماء ليسقط تحت اقدامي... اخذت اتطلع اليه عدة لحظات بأعين فارغة متسعة كما لو كاني احلم او ما يحدث سراباً امامي وعقلي يتساءل هل قتلت حقا؟ وعندما وجدت الدماء تنزف من حوله بغزاره تاكدت من الكارثه التي فعلتها.
بينما انتبهت الى دهب التي بدأت تخاف مني أنا الأخري وهي تتراجع الى الخلف بخوف و تطلق صرخة مرتعبة نظرت إليها بحده وصرخت باعلى صوتي مغمغمة بعصبية حادة
= اهربي يا دهب اهربي واجري من هنا بسرعه وما تجيش هنا ثاني ولا تحكي لحد اللي حصل.. يلا بسرعه باقول لك اخرجي من هنا
قد جن جنوني فور ان رأيت دهب ترتعد بخوف و هى تحاول النهوض و التراجع الي الخلف بعيداً عن جثه حمدي و الخوف ظاهر علي وجهي الشاحب... حتي تمكنت لتنهض وتهرب لبعيدا اخيرا
اهتز جسدي بقوه شاعرة بالبرودة تتسلل الي عروقي و قد اتسعت عيني بعدم استيعاب فعلتي.. لي اسقط بفستان الزفاف بالأرض جانب جسده الملوث بالدماء الحمراء.. و شعرت بقبضة تعتصر قلبي و بألم يكاد يحطم روحي الي شظايا و تجمعت دموع كثيفة في عيناي لم استطع اقاومها اطلاقا..
ظليت علي هذا الحال لاستوعب "لقد قتلت روح وانقذت براءه طفله " ثم رفعت عيني الي جثه حمدي والدماء حوله بغزاره وأنا اشعر بعجز و خوف بينما الدموع تغرق وجهي الشاحب.. لانهض وأنا أحمل فستاني الابيض الذي تلوث بالدماء وتحركت بروح خاويه للخارج..
وضعت يدي فوق راسي والحجاب بدا يتزحزح قليلا من فوق راسي وانا اضغط علي رأسي بعنف شديد حتى يتوقفى الالام وصرخت عندما راجع عقلي ما حدث ذلك اليوم مما جعل الخوف و الذعر يسيطران عليا
= اللحظه دي حياتي كلها سكتت ما سمعتش اي حاجه من اللي حواليا غير حاجه واحده بس؟ فضلت تدور في عقلي كاني بشوف فيلم سينمائي، وبشوف حياتي حد بيجسدها بالضبط و بيمر بنفس اللي انا بمر بي؟ شفت نفسي في ذهب! ايوه فجاه شفت ملامحها وهي بتعيط وبترفض اللي بيحصل كانت نفس ملامحي ونفسي وجعي ونفسي حسرتي ونفس خوفي.. شفتها بعد كده وهي تائهه في الدوامه اللي انا عشتها وانا واقفه عجزه ومش عارفه اعمل ايه؟؟ باحاول اشتكي ما حدش بيسمعني؟ بحاول ابعد عنه ما بعرفش هو اقوى مني؟ وانا الضعيفه المكسوره
هززت رأسي و أنا أرفض ان اتذكر هذا وهمست بارتجاف و خوف
= وكل ما بحاول اهرب برجع ثاني لنفس القرف ده ويجبرني يعمل معايا حاجات عقلي لسه فاكرها لحد دلوقتي ومش بتروح ولا هتروح! عامله زي جرح عميق معلم في جسمي وما بيروحش وكل ما بابص في اي مرايا بشوفه بكل تفاصيله.. بس فجاه عقلي نبهني أن ما ينفعش في اللحظه دي اهرب واسيبها تعيش اللي انا عشته ما ينفعش هي كمان تطلع زيي ولا هي ولا غيرها.. كان لازم اتصرف اعمل اي حاجه بس انقذها وما تقعش في نفس اللي انا وقعت فيه
قد بدأت افقد السيطرة على نفسي و وجعي فكل ما يحدث يضغط على اعصابي و قوة تحملي
=عشان انا عارفه اللي هيحصل بعد كده هيفضل وراها ومش هيسيبها غير لما يحولها لمسخ.. وصمه عار.. و الفضيحه والخوف هيفضلوا ملازمنها طول حياتها.. و الكوابيس المخيفه هتصحي كل يوم مفزوعه عليها من الرعب.. ولما هتحكي ما حدش هيصدقها ولو صدقوها مش هياخذوا موقف ويعاقبوا الجاني..! وعشان تعيش وسط مجتمع مقرف بيحبوا يرسموا لنفسهم صوره البراءه ورافضين الاعتراف بالغلط.. لازم الصمت يفضل هو القاعده الرئيسيه لحياتها.. انا ما فكرتش في نفسي ولا في اي حاجه غيرها هي.. كان لازم اتصرف ان شاء الله حتى اقتل!