رواية مالك المصري الفصل الثالث بقلم نسمة مالك
سيطر "فارس" على غضبه سريعًا حين لمح الخوف على ملامح بناته، خاصة التوأم "إلهام، وخديجة" ذوات الخمسة
نعم.. .."لا تقتل مالك بليز يا بابي نحبه"..
"لا تقتل مالك بليز بابي إحنا بنحبه"..
نطقا بها و هما يركضان نحو "مالك" الذي جثي على ركبتيه، و
فتح ذراعيه لهما، وضمهما بحب مرددًا. " أهلاً بحبايب مالك"...
أخفي "فارس" السلاح خلف ظهره و رسم إبتسامة زائفة على
قسمات وجهه المتشنجة مغمغما ...
"تعال هنا لا تخافي صغيرتي"..
"تعالي إلى هنا لا تخافي حبيبتي"...
ظل "مالك" محتضنهما، بل حملهما وانتصب واقفًا بهما مردفا
بمكر و هو يرمق "إسراء" بنظرة يملؤها الشوق.. سيبهم معايا شوية يا فارس.. أصلهم واحشوني أوي"...
" والله أنت اللي وحشتنا يا واد يا مالك"...
كان هذا صوت "إلهام" والدة "إسراء " ، ليبتعد أخيرًا بعينيه عن
"إسراء " وقام بإنزال الصغيرتان و سار تجاه "إلهام" و مال
عليها قبلها، وعانقها بود و هو يقول...
"حبيبتي يا لوما أنتي اللي وحشاني "...
أبتعد عنها وذهب ل "خديجة " عمة " فارس " و قام بتقبيلها
هي الأخرى... "أحلى تاني ديجا في الدنيا "...
"أنت ولد بكاش".. قالتها" خديجة" و هي تقرصه بخفة من وجنته بأصابعها ...
تحرك تجاه زهراء ورواء و مد ذراعيه على حاوطهما من اكتافهم وعانقهما لصدره مقبلا جبهة كل واحدة على حدا...
و من ثم سار تجاه "إسراء" زوجة "فارس" التي كانت تقف بجوار زوجها ممسكه بذراعه بكلتا يديها حتى لا يهجم على "مالك" الذي أقترب منها و هم بتقبيلها هي الأخرى ، ليخطفها
زوجها من خصرها بلمح البصر أخفاها وراء ظهره و وقف أمامها ) كالسد المنيع يتطلع له بأعين يتطاير منها الشرر... "أوعى يا فارس خليني أسلم على ملوكة"... قالتها زوجته و هي تزيحه من أمامها لكنه كان ثابت كالصخر لم
30
يتزحزح و لو أنش واحد..
حانت منه التفاته صغيرة نظر لزوجته من فوق كتفه بابتسامة
مصطنعة تظهر جميع أسنانه محمدمًا بهمس بالكاد يسمع ...
" اممم .. يقى البغل ده كله ملوكة !!!!" ...
نظر ل "مالك" نظرة نارية و تابع من بين أسنانه... " و أنت داخل عمال تسلم و تبوس و لا كأنه بيت اللي ..."!! خلفوك
" و هبوسك أنت كمان يا جدع " .. قالها "مالك" و هو يقترب يعانقه ويقبله رغم إعتراضه و ضيقه...
أبتعد عنه و صوب نظره تجاه جميلته " إسراء " الواقفة تعبث بهاتفها دون إكتراث لأمره... " إسراء".. غرد بها بصوته المدمر و هو يرنو إليها بخطي متلهفة أمام أعين الجميع الذين ينظرون لهم بابتسامة بلهاء حالمة، إلا" فارس" يرمقه بنظرات لو كانت أسهم الأصابته بمقتل...
"هاي مالك".. قالتها و هي تمد وجهها له ليقبلها بوجنتيها ليستغل هو الفرصة و أغمض عينيه، و مال عليها كثيرا بسبب فرق الطول بينهما و طبع قبله على لحية جعلته يفتح عينيه على أخرها بصدمة، ليجد وجهه "فارس" بوجهه مباشرة... انفجروا الجميع بالضحك على نظرتهما لبعضهما، خاصةً حين قال "فارس" بلهجة حادة لا تقبل الجدال... شطبنا يا حضرة الظابط .. الكلام ده كان و أنت ملوكة صغير لكن دلوقتي أنت ماشاء الله شحط كبير خلاص بح"...
" هو مالك غريب يا بابي ؟ " .. قالتها "إسراء " بصوتها الناعم نهللت أسارير "مالك" و نظر ل "فارس " بإنتصار، لتتابع "إسراء" بجملة جعلت فكه يسقط أرضًا حين قالت ببرود ثلجي .." أنا بعتبره زي أخويا بالظبط"...
م " مالك" بالصياح في وجهها بكلمة بذيئة ليسرع " فارس "
كلاهما "
بوضع كف يده على فمه أغلقه تماما ...
ساد الصمت المكان للحظات قطعه صوت إحدي الحرس
يتحدث عبر جهاز اللاسلكي الموضوع بجيب" فارس"...
"فارس" باشا إحنا مسكنا زين و فهد و فارس ولاد غفران باشا...
كانت عروق "فارس" بارزة من شدة غضبه و غيظه من أفعال
أبناء صديق عمره التي تثير جنونه ، و برغم قمة غضبه منهم إلا أنه تحدث بهدوء يحسد عليه قائلاً... خلينا ننزل مع بعض نروح الاسطبل يا مالك أوريك المهرة الجديدة ونتكلم بالعقل و راجل لراجل "...
" بتقولي زي أخوها يا فارس !!!!".. قالها "مالك" بذهول من
برود تلك العنيدة..
صاحت "إسراء" زوجة "فارس" بغضب قائلة ... و عايزة تسافر تكمل تعليمها برة كمان يا واد يا مالك...
اطمني متقدرتش تسافر من غير موافقة جوزها اللي هو أنا طبعًا يا حماتي ... نطق بها " مالك " بجدية جعل" إسراء "تنظر
له و تضحك بسخرية
بينما مال "فارس" على أذنه و همس بوعيد قائلاً... "أنت لو منزلتش معايا دلوقتي حالاً مش هخليك زي أخوها و بس.. لا ده أنا هخليك زي أختها"...
نظر له "مالك" بحاجبين مرفوعين، ليبتسم له " فارس
إبتسامة مخيفة جعلته يتنحنح بخوف مصطنع و يسير معه
للخارج و هو يقول باستفزاز مقصود ...
"أخواتي لسه عضمهم طري و بيتمسكوا من الحرس بسرعة ...
محتاجين يتمرنوا زيادة شوية"...
نظر" فارس " ل" إسراء " ابنته وتحدث وهو يغادر الغرفة
برفقة " مالك"...
" اجهزي يالا حبيبتي عشان نروح مشوارنا و منتأخرش أكثر
من كده ...
قبض" فارس " على ياقة قميص " مالك " فور وصولهم لحديقة
الاسطبل، ودفعه على التبن المتناثر أرضًا بجوار أشقائه
المتقيدين، وأمسك سوط من الجلد و لفه على كف يده و هو يقول..
حصلت تدخل على بناتي الأوضة من الشباك يا مالك يا إبن
تنقل بعينيه بينهم و تابع بعصبية مفرطة... ) " و أنتو بقي مش ناوين تحلوا عني أنا و بناتي يا *** منك ليه" ..
تعمد" مالك" السقوط فوق أشقائه، و بمنتهي الخفة قام بفك قيودهم فنهضوا من مكانهم وركضوا بسرعة الخيل بعيدا عن
"فارس" قبل أن يطولهم غضبه...
"أهدي يا فارس يا دمنهوري و فهمني أيه حكاية سفر مراتي
بدون علمي دي إن شاء الله ....
قالها "مالك" و و هو يتفادي ضربة مبرحة من السوط قبل أن
تهبط على جسده و صوت "فارس" يقول بتهكم...
مراتك منين ياض.. أنت و الصيع أخواتك نجوم السما أقرب
لكم من ضافر بنت من بنات الدمنهوري يا * * * ...
لم تبرح غرفة تبديل الثياب، جلست تبكي داخلها حتى تورمت عينيها من شدة بكائها، أحبت رجل لم يكن لها أي مشاعر، منذ الوهلة الأولى التي رأت بها هذا ال " حسن" و هي بحالة يرثي لها، فما أصعب الحب من طرف واحد، كالطعن بالسكين بارد في
منتصف القلب...
لا تستطيع أن تلوم عليه فهو كان دوما يقابل كل اهتمامها به و لهفتها عليه بلا إكتراث، لكنها أوهمت نفسها بأنه ربما محرج من
وضعهما لعمله برفقة والدها...
نهضت من مكانها بعد وصلة بكاء طويلة، محدثة نفسها بأسف... "محدش يستاهل دمعة واحدة من عيني".. نظرت لنفسها
بالمرآة، وتوقفت عن البكاء، ورفعت يدها جففت وجهها بعنف
و رسمت الجمود واللامبالاة على ملامحها الرقيقة، و أخفت
عينيها بنظارة شمسية، وسارت للخارج بخطي واثقة...
كان "حسن" يقف مستند على السيارة منتظرها، لمحها تأتي
عليه في غير موعدها ، فاسرع بفتح باب السيارة لها، كان القلق و التوتر ظاهران عليه بسببها، لكنها تجاهلته و صعدت بالسيارة دون النطق بكلمة ...
ليقطع هو الصمت و تحدث بتسأل قائلاً... هنروح فين دلوقتي سيادتك ؟" ..
لم تنظر له "مكة" اكتفت بالنظر من النافذة على الطريق حتى لا يلاحظ هيئتها الباكية، لكنها همست بصوت مختنق بالبكاء قائلة .. " وديني المقابر.. عند ماما شهد"...