رواية مملكة سفيد الفصل الحادي عشر 11 بقلم رحمة نبيل






رواية مملكة سفيد الفصل الحادي عشر 11 بقلم رحمة نبيل


ميرة_مشكى_حية؟

متنساش قبل القراءة تعمل لايك للفصل كتشجيع ليس إلا.

قراءة ممتعة .

“‏إنَّ الصَّلَاةَ علىٰ النَّبيِّ تِجَارَةٌ

فَاظفَر بِها تنجو من الدَّرَكاتِ

صَلِّ عليهِ بِكُلِّ يومٍ وَ استَزِد

حَتَّىٰ تَفوزَ بِمثلِهَا عَشَرَاتِ ﷺ”

_________________________

حسنًا كان محرجًا أن تسقط أمامه بهذا الشكل المخزي، وليس أمامه فقط، بل أمام دزرينة من الحراس، إلا أن الثقة تلغي الأخطاء السابقة، هذا ما تعلمته وستنفذه .

مررت تبارك يدها على ثوبها تتحرك ببطء صوب الملك وهي تبتسم بسمة صغيرة تحاول بها أن تهدأ من روعها هي .

وبمجرد أن وصلت له منحها إيفان بسمة هادئة مسالمة يقول بصوت حريص :

” أنتِ بخير ؟؟”

” نعم، نعم لا تقلق، في أحسن حال، فقط اعتقد أن هناك بعض المشاكل في الأرضية الخاصة بالقصر ”

حجة جيدة خرجت بها لتحفظ ما تبقى من ماء وجهها، وايفان نظر صوب تلك البقعة التي سقطت بها يقول بحاجب مرفوع :

” آه، نعم ربما نصلحها لاحقًا، والآن مولاتي اسمحي لي بالاعتذار لازعاجك منذ الصباح لكن هناك ما نحتاج للتحدث بشأنه ”

رمقته تبارك باهتمام شديد ليعتبر هو صمتها موافقة، وبدأ في الحديث بصوت هادئ متعقل :

” بالطبع أنتِ لا تعلمين الكثير عن عالمنا ومملكتنا، ولا أعتقد أن سالار كان من الصبر ليخبرك أكثر من مجرد كلمات معدودة ”

انقبضت ملامح تبارك بمجرد سماعها لاسم ذلك الرجل والذي لا تدري سبب كرهه لها وعداوته معها :

” بل هو لم يكن من الصبر ليسمح لي بأخذ انفاسي، كلما توقفت للراحة يصرخ في وجه أن تكمل طريقنا ”

أطلق إيفان ضحكات صاخبة :

” حسنًا ربما هذا خطاي أن أرسلته هو تحديدًا، فهو لا يحب الحديث في مهامه أو يحب التأخر، لكن كان ذلك في صالحي إذ أن سالار هو أفضل من ينجز مهامي الخاصة وفي اسرع وقت ”

هزت تبارك رأسها توافقه الأمر، فهي وخلال تلك الرحلة رأت بعيونها ما يتحدث عنه، ذلك الرجل جاد بشكل خانق، لكنه رغم ذلك محترف فيما يفعل، وهي تقدر وتحترم ذلك .

” نعم لاحظت ذلك ”

” جيد إذن، اتمنى ألا تحملي له ضيقًا، فهو في النهاية أحد رجالي المخلصين والمقربين ”

ابتسمت له تبارك بسمة صغيرة تحاول بها تمرير الأمر، بينما إيفان تنحنح يتحدث فيما جاء بها لأجله :

” حسنًا، هنا في سفيد أو في الممالك المجاورة، لن تجدي امرأة تحمل سيفًا أو تركب فرسًا، باستنثاء الاميرات، فهن ومنذ الطفولة يتم إعدادهن ليصبحن ملكات، والملكة عليها أن تعلم بعض الاشياء الأساسية عن الحروب وغيرها، ولا ..اقصد أنني لا اعتقد أنكِ تعلمين هذه الأمور، أم تفعلين ؟؟”

نفت تبارك برأسها تتذكر تذمر سالار من جهلها لتلك الأمور، يا وانقلبت ملامحه بغيظ وكأنها عُرض عليها الأمر وهي من رفضت .

” لا أنا لا افهم ايًا من ذلك ”

ابتسم إيفان يحاول ألا يشعرها بالنقص أو بشعور سييء حيال الأمر، لكن تبارك كانت ابعد ما يكون عن تجربة ذلك الشعور، بل هي كانت لا تهتم لتلك النقطة :

” ورغم ذلك نجوتي في عالم ملئ بالمفسدين، هذا شيء يُحسب لكِ احسنتِ حقًا ”

كانت تبارك تهز رأسها بانصات شديد قبل أن تُصدم وترفع رأسها له وقد تشجنت ملامحها بقوة تحاول فهم ما يرنو له، عمن يتحدث بالتحديد ؟!

” مفسدين ؟؟ مين دول اللي مفسدين لا مؤاخذة ؟!”

” ماذا ؟؟”

” ماذا أنت، هل وصفت للتو عالمي بعالم المفسدين ؟! ليس لأن به أم أنور وابنها وحسنية والعم متولي ونساء حارتي وعبير وسميرة ومدير المشفى التي اعمل بها، وسائق التوكتوك سيد، وبائع الخضروات، وصاحب عربة الفول أمام المشفى، تطلق عليه عالم مفسدين ”

حركت اصبعها السبابة في الهواء ترفض تلك التسمية بكامل دواخلها :

” لا لا يا سيد، ليس لأنك الملك هنا سأسمح لك بالإساءة لعالمي، ثم تسخر من عالمي أنه ملئ بالمفسدين وأنت تأوي أسفل قصرك أكبر الفاسدين ؟؟”

اتسعت أعين إيفان بصدمة من حديثها وكل تلك الأسماء التي تلقيها على مسامعه، هو لا يدرك ما تقصد بكل ذلك، وتبارك انتفضت عن مقعدها تقول بحنق شديد :

” هل تريد القول أن عالمك العزيز يخلو من الفاسدين ؟! جميعكم ملائكة هنا ؟؟ لا اعتقد، فالنفس الامارة بالسوء تسكن جميع الأجساد مولاي ”

رفع إيفان حاجبه من كل تلك الخطبة التي تلقي بها في وجهه، يشير لها بالجلوس كي يكمل حديثه وملامحه هادئة لا توحي بأي شيء داخله :

” حسنًا اجلسي رجاءً فمحظور على النساء رفع اصواتهن هنا حيث ينتشر الرجال، وبالطبع محظور عليهن رفعها في وجه الملك ”

حسنًا يبدو أنها تمادت حتى حولت الراقي والهادئ لنسخة أخرى من ذلك المتوحش سالار، فملامح الملك في تلك اللحظة جعلتها تتراجع خوفًا أن ينفجر في وجهها، لولا الهدوء الذي يخفي خلفه كامل انفعالاته .

” اولًا نحن لسنا في المدينة الفاضلة، لكن بلادي تخلو من كل المفاسد، ليست لأن جميع النفوس طيبة، بل لأنه يتم القضاء على أي فساد بمجرد أن يظهر، ليس كعالم يعيش به السارق والقاتل في سلام لأنه يمتلك اموالًا أكثر، والظالم يتنعم برغد العيش لأن له اليد العليا، والقوي يدهس الضعيف استغالالًا لحياته، هنا تُدفن المفاسد وتُردم أسفل تلال الصلاح، نحن لا نقمعهم بالقوة، بل بالنصح والإرشاد ”

صمتت تبارك وشعرت أنها تمادت في الحديث معه، بينما إيفان اكمل :

” هنا لا فرق بين فقير وغني ولا قوي وضعيف، الجميع أمام القانون سواء، حتى الملك تتم معاقبته إن اخطأ، وهذا كل شيء ”

صمتت تتنهد وهي ترتشف بعض قطرات المياه تقول :

” حسنًا ربما بالغت، لكن العالم الخاص بي ليس مرعبًا بهذا الشكل، أنت فقط تحتاج لقلب قوي ولسان لاذع ويد سريعة لتستطيع النجاة به، وهذا لا يمنع أن عالمي ملئ بالصالحين كذلك”

ابتسم إيفان يقول بهدوء :

” ولهذا استطعتي النجاة منه رغم جهلك لأي فنون قتالية؟!”

” لا بل نجوت بدعاء الوالدين، وقيام الليل ”

نظر لها بعدم فهم لتبتسم وتجيب :

” كنت أدعو عليهم كل يوم واتجنب أي احتكاك مع أي شخص قد يصيبني بأذى.”

ابتسم إيفان بسمة واسعة يقول :

” جيد إذن أنا سأدبر لكِ معلمين لهذه الأمور، المبارزة ورمي السهام والفروسية، ولسوء الحظ لا يوجد العديد من النساء هنا يبرعن في تلك الأمور فلا شقيقات لي، لكن يمكن لأمي أن تساعدنا ”

ومجددًا كان الرد من تبارك هو هزة رأس بسيطة منها، وكأنها لا تعي ما يحدث، فقط مستمرة في هز رأسها دون تردد، وهو يراقبها ليبتسم لها بهدوء :

” هذا كل شيء، أنا سأتحدث مع الملكة الأم لتساعدك في هذه الأمور، كما يجب عليكِ الإلتزام بغطاء الوجه خارج حجرتك مولاتي و….”

قاطعته تبارك دون تفكير، وهي حقًا مجبرة على قول ذلك في هذه اللحظة لكن جسدها هامد ضعيف تحتاج طعامًا لأجل حالتها الصحية، لذا تغلبت على خجلها القوي منه وقالت :

” أنا جائعة متى سأتناول الفطور ؟!”

بُهت وجه إيفان قليلًا يحاول أن يستوعب ما قالت، وهي لم تتغير ملامحها، بل أصرت تقول :

” لم يسألني أحدهم عما احتاج للفطور، أنتم لا تتناولونه هنا ؟؟ ”

رمش إيفان ثواني يحاول أن يجد ردًا في رأسه يناسب ما تقول، وما كاد يجيبها حتى سمع صوت الحارس يردد بصوت خافت :

” مولاي هناك امرأة لجأت لعدالتك وهي تنتظر في القاعة الآن”

نظر له إيفان ثواني قبل أن يصرفه بيده، ثم عاد بنظره لتبارك التي كانت تنتظر أن يخبرها متى تتناول طعامها، لكن هو لم يفعل، بل فقط ابتسم يشير لها أن تسبقه في السير :

” إذن تريدين مشاركتي في جلسات الحكم ؟! ربما يكون ذلك جيدًا كبداية لك لمعرفة ما نقوم به في المملكة ”

تنهدت تبارك بصوت مرتفع، ثم اشارت له كي يسبقها في السير وهي تمتم داخل نفسها بصوت منخفض حانق :

” أنا مالي باللي بتعملوه في المملكة، أنا جعانة عايزة أكل هو الناس دي عايشة على الطاقة الشمسية ولا ايه، ألا ما شوفت واحد بياكل ولا بينأنأ في حاجة من وقت ما جيت”

نظر لها إيفان بتسائل لتبتسم له وهي تهز رأسها، ثم زادت من سرعة سيرها وهو يلحق بها لا يدري ما تتحدث به مع نفسها، لكنه يدرك أنه ليس بشيء يود معرفته حقًا.

_____________________

ارتفع حاجب سالار قليلًا يحاول معرفة ما تريد تلك المرأة منه، ورغم أنه لا يحبذ الاختلاط بالنساء أو محادثتهن، إلا أنه أومأ موافقًا يشير لها صوب أحد مقاعد المكتبة وهي سارت أمامه تفرك يديها تفكر فيما ستفعل .

وبمجرد أن وصلت لأحد الأركان بادرت سريعًا دون أن تفقد شجاعتها بالقول :

” احتاج لمساعدتك، أخبرني اخي أن الجأ لك حين أصل للملكة هنا ومن سوء حظي في اليوم الذي تلى وصولي كان هو نفسه يوم رحيلك لاحضارك الملكة ”

تعجب سالار حديثها، ضيق ما بين حاجبيه متسائلًا :

” هل اعرفك ؟؟ وما الذي تريدين مني فعله تحديدًا ومن هذا شقيقك ؟!”

هزت كهرمان رأسها وهي تقول بصوت منخفض ومازال حجابها يخفي كامل ملامحها تردد بهدوء شديد :

” لا اعتقد أنك تعرفني شخصيًا، لكنك تعرفني لأخي ..”

فرك سالار رأسه وهو حقًا لا صبر له لمثل تلك الأحاديث التي يشوبها الغموض، هو يحب أن يلقي محدثه كل ما يريده في وجهه دون مقدمات كثيرة.

” نعم، إذن هل ستخبريني من أنتِ وكيف اعرفك، وماذا تريدين مني ؟؟ فأنا حقًا لست متفرغًا للحديث الطويل ”

بلعت كهرمان ريقها وهي تحاول أن تتماسك وتتحدث بصوت ثابت :

” قبل أن أخبرك من أنا أريد كلمتك سيدي ”

” كلمتي ؟!”

” نعم، رجاءً عدني ألا يعلم الملك شيئًا عني ”

ارتاب سالار أكثر من ذلك الطلب وشعور بوجود خطب خلف تلك الكلمات، شيئًا لن يسره .

” لم أعتد أن أعطي كلمة على ما لا علم لي به، لذا سيدتي إما أن تتحدثي بما جئتي لأجله، أو توفري وقتي ووقتك وترحلي ”

قاسي ؟؟ نعم ومتى لم يكن، أو ربما يمكننا تخفيف وقع تلك الكلمة والقول أنه جاد ولا يعترف بالحديث الكثير، هو رجل حرب لا يعترف سوى بالحديث المباشر، اما نعم او لا، لا يوجد في قاموسه كلمة ربما .

شعرت كهرمان أنها لن تفوز عليه، كما قال شقيقها، سالار لا يحب المزاح ولا يعجبه أن يملي عليه أحد شيئًا أو يجبره عليه، مثله كالملك، لكن ربما الملك متفهم ويستمع ومن ثم يتحدث ويحكم .

وفورًا رفعت حجابها تنظر له بجدية وهي تقول بصوت فاقد الحياة والأمل ونبرة ميتة :

” أنا الأميرة كهرمان، أميرة مشكى و….الوحيدة المتبقية من سلالة ملوك مشكى، شقيقة الملك أرسلان ”

اتسعت عيون سالار بقوة وهو يبصر أمامه شقيقه أرسلان، نعم يعرفها خين لمحها مرات قليلة داخل قصر ارسلان في بعض الزيارات الخاصة به، لمحات قليلة لم يهتم حقًا ليطيلها أكثر من ثواني، لكنها لمحات تكفي ليعلم أنها تقول الصدق .

سقطت دموع كهرمان وهي تقول بصوت قوي وحقد قاتل :

” اريد منك مساعدة في إعادة ارضي وارض أجدادي قائد سالار، اريد منك مساعدتي للقصاص، اريد أخذ قصاص شقيقي وامي، لكن دون معرفة من الملك أو حتى مساعدة منه، لا أريده أن يعلم بأمري ”

شرد سالار بعض الشيء في الفراغ في الوقت التي اطالت هي التحديق بملامحه، ملامح لم تر مثلها كثيرًا، رجل جسور قوي، وكذلك كان الملك يشبه سالار في الطباع مع اختلاف بعض الصفات والتصرفات بينهما و….مهلًا ما شأنها والملك الان ؟! هي فقط تريد مساعدة سالار وفقط، لن تطلب مساعدة بمن سعى لعداوة شقيقها .

” حسنًا ”

كانت كلمة واحدة، واحدة فقط نطق بها سالار قبل أن يتركها ويتحرك من أمامها يشير لدانيار وتميم باللحاق به وخرج من المكان بأكمله .

و تلك المسكينة ما تزال تقف مكانها تحاول أن تستوعب ما يقصد ذلك الرجل بكلمة ( حسنًا).. ماهذا حسنًا ؟؟ هكذا فقط ؟؟ أين الدراما والبكاء والتوعد والصراخ أنه سيجلب لها حق شقيقها ؟؟ أين كل ذلك ؟؟ ما هذا الجبل الذي عبر أمامها وكأنها لم تتحدث بشيء ؟! هل أخطأت حين لجئت له؟!

يا الله تشعر باحتراق داخلها، هي حقًا لا تصدق ردة فعل تلك، كلمة واحدة وتحرك بعيدًا عنها .

ونيران صدرها من يطفئها ؟؟ كرهها من يخففه، من سيتوعد بإعادة حق شقيقها ووالدتها ؟؟

ومن بين صدمتها تلك سمعت صوتًا جوارها بنبرة خبيثة :

” اول مرة تتعاملين مع ذلك المتجبر صحيح ؟!”

استدارت كهرمان بسرعة صوب العريف الذي كان يجلس على مقعده يحمل كتابًا وهو ينظر لها من خلفه ببسمة خبيثة، وفوق كتفه تقبع بومة تنظر لها بـ….بسمة ؟؟

هل تبتسم لها تلك البومة بخبث ؟؟

أعادت كهرمان الحجاب الخاص بها على وجهها بسرعة تخفي وجهها ليسارع العراف يقول بهدوء شديد ونبرة غامضة وهو تحسس ريش بومته :

” لا لا سموك لا تقلقي ما يخرج هنا في مكتبتي لا يعبر جدرانها ”

تنفست كهرمان بصوت مرتفع بعدما أدركت أن ذلك الرجل علم عنها ماتخفيه بالفعل :

” لا اريد لأحد أن يعلم ذلك رجاءً ”

ابتسم العريف يردد بنبرة هادئة:

” لن يعلم أحد مني شيء صدقيني، لكن الاسرار لن تبقى اسرار للابد يا فتاة، وخاصة إن كان ذلك السر هو مفتاح العديد من العقد كخاصتك ”

نظرت له بعدم فهم ليبتسم متحركًا عن مقعده يردد انشودة بصوت مرتفع بعض الشيء، ثم قال لها يحرك يديه في الهواء والبومة تتطاير حوله وكأنها تشاركه تلك الانشودة :

” لا اسرار تختبئ عن الحب، الحب يكره الغموض يا صغيرة، فلا تجديهما يجتمعان سويًا في قصة واحدة، وبالطبع قصتك ليست باستثناء، فإما أن يكشف الحب غموضك، أو أن يقتل غموضك الحب ”

اشتعلت الحيرة بملامح كهرمان التي لم تفهم من ذلك الرجل شيئًا، نظرت أمامها صوب مرجان الذي كان يحدق في العريف بتفكير يحاول أن يحل الغازه، وحينما أبصر نظرات كهرمان له هز كتفيه بعدم معرفة يقول :

” لا أعلم ما يقصد صدقيني، هو هكذا يحب لعب دور الغامض مع الجميع، وانا أجهل ما يريد، ربما تعلم البومة ما يقصد، لكن لسوء الحظ هي لا تتحدث كما تعلمين ”

ابتسمت كهرمان بعدم تصديق لما يحدث حولها :

” ما الذي يحدث أسفل سقف ذلك القصر ؟؟”

___________________

تقف في منتصف الساحة وهي تتمايل بكل دلال تمتلكه، له وحده تفعل ذلك علها تنال رضاه، أو نظرة واحدة منه .

لكن ذلك الذي الذي تكاد تقبل قدمه ليمنحها نظرة رضى واحدة، كان شاردًا لا يشعر بشيء حوله سوى تلك النيران التي تشتعل داخل صدره، حتى لمساتها له لم تؤثر به، ليس لأنه _ معاذ الله _ تقي أو ورع، بل لأن الصفعة التي نالها على وجهه من سالار ما يزال صداها يرن في أنحاء مشكى بأكملها .

تنفس بصوت مرتفع ينظر جوراه لتلك الفتاة ذات الملامح الملائكية التي تتنافى بالكامل مع أفعالها الشيطانية ..

” أنا لست في مزاج يسمح لي بالاندماج معك، لذلك اذهبي من أمامي كي لا انفجر بكِ، وستكونين الضحية الوحيدة هنا ” 











انتفضت الفتاة متراجعة عنه، تتنفس بخوف من نظراته السوداوية، ليس وكأنها عاشقة له أو ماشابه، فمن سيحب رجل بوجه نصف مشوه وقلب اسود كبافل ؟! هي فقط شأنها كشأن جميع نسائه، تريد السلطة والثراء المرتبط باسمه .

تحركت الفتاة للخارج تزامنًا مع دخول رجل المكان يقول بصوت مرتفع :

” ارسلت لي سيد بافل ؟؟”

ابتسم بافل ينظر في وجه ذلك الرجل، واحد من شياطين الانس الذين اتحدوا معه لأجل إسقاط مشكى، قائد جيوشها الاول والذي باع مملكته لقاء سلطة اكبر من سلطته المقيدة ..

” نعم، لقد حان الوقت ”

نظر له الرجل بعدم فهم :

” وقت ماذا سيدي لا افهم ؟!”

” وقت إسقاط سفيد يا رجل ”

اتسعت عيون الرجل بصدمة كبيرة لا يصدق ما يسمع، سفيد ؟؟ الآن وقبل أن تتجهز جيوشهم ويستعيدوا حيويتهم بعد هجوم الامس ؟!

” لكن سيدي نحن لسنا مستعدين في هذه اللحظة لسفيد البتة، الأمر صعب، لا سفيد ولا آبى ولا سبز، نحن الآن في أضعف حالاتنا بعد قتل العديد من رجالنا و…”

قاطع كلماته رؤيته لخنجر يمر جوار وجهه وصوت بافل يصرخ بجنون :

” أنا لا آخذ رأيك يا هذا، ستنفذ ما أخبرك به، وإلا لحقت بملكك وجنودك ”

ابتلع الرجل الإهانة التي ألقاها بافل في وجهه وقال بصوت خانع :

” كما تريد سيدي، أخبرني ما يجب عليّ فعله وسأفعل ”

استند بافل إلى سيفه يشرد في المكان أمامه محاولًا التفكير في القادم، هو حقًا يحتاج لكل ذرة تفكير داخل عقله :

” نحن لن نعلنها حربًا صريحة، أريد اولًا أن أرد على هجومه، وسنفعل … ”

___________________

يجلس الثلاثة داخل معمل تميم الذي كان يعمل بجد على سلاحه العزيز والذي أوشك على الانتهاء منه :

” إذن أنت ستساعدها ؟؟”

هز سالار رأسه بهدوء :

” سأفعل، إن لم يكن لأجلها فلأجل أرسلان ”

تنفس دانيار بقوة وهو يفكر في شيء لم يفصح عنه، إن كانت تلك الفتاة والتي ادعت الخائنة _ كذبًا _ أنها شقيقتها وقد هربتا من قرية في غرب سفيد بعد هجوم المنبوذين، والآن اكتشف أن التي تدعي أنها شقيقتها، هي نفسها الشقيقة الوحيدة لملك مشكى السابق، إذن من تلك الفتاة ؟؟

انتفض جسد دانيار، أمام سالار الذي ضيق عيونه بعدم فهم لشروده العجيب ذلك :

” ما بك دانيار ؟؟ بم أنت شارد ؟!”

” لا أنا فقط …كنت أفكر إن كنا سنخبر الملك بشأن الأميرة أم لا، في النهاية هي تجلس أسفل سقف قصره ”

شرد سالار قليلًا قبل أن يقول بتقرير :

” لن نفعل، ليس الآن على الأقل، حينما أتأكد من شيء في رأسي أنا بنفسي ساخبره بأمرها ”

هز دانيار رأسه ولم يتناقش معه في شيء لمعرفته أنه يعلم ما يقرر جيدًا .

وبعد دقائق من الحديث تحرك دانيار بحجة رؤية شقيقه لأمر هام، وخرج من المعمل بسرعة تحت نظرات متعجبة من تميم و غامضة من سالار الذي أدرك أن دانيار يخفي شيئًا ما ..

بينما دانيار تحرك خارج المعمل يعيد خصلاته للخلف وهو يتمسك بحاملة سهامه جيدًا، يحيي جميع من يقابله برأسه، يسير في الممرات وهو يعلم أين سيجد تلك الخائنة .

خرج من القصر بأكمله وسار للجزء الخلفي من القلعة حيث الباب الخلفي المؤدي للخارج وهو يبتسم بخبث، خرج يضع قلنسوة أعلى رأسه صاعدًا أعلى فرسه، ثم اندفع به للسوق الشعبي حيث تلهو تلك المخادعة في مثل هذا الوقت من كل أسبوع .

نعم يراقبها داخل القصر ويعلم كل ما تفعله، وها هي مراقبته تؤتي ثمارها .

وفي السوق كانت هي تسير بحرية بلثام الوجه، و حجاب بسيط أعلى فستان اسود بحزام جلدي به بعض الخناجر تسير متفاخرة بهم، وكأنها تتحدى أن يقترب منها أحدهم .

وأصوات الباعة ترن حولها بشكل متداخل لم تهتم لهم، إلا أن جذب مسامعها صوت رجل يصيح بصوت هادئ رزين بعض الشيء :

” الحرير سيدتي ؟! اشتروا مني أفخر انواع الحرير في جميع الممالك”

حرير ؟؟ هذا مثير للاهتمام، منذ متى لم تشتر لنفسها شيئًا كهذا من باب الدلال ؟؟ تحركت زمرد صوب ذلك الرجل وهي تنظر صوب انواع والوان الحرير أمامه مبتسمة بسمة صغيرة .

بدأت تتلمس بأطراف أصابعها الحرير تقول بصوت خافت :

” مرحبًا يا عم بكم القطة لديك ؟!”

ابتسم لها الرجل بوقار واحترام شديد :

” بخمس قطع ذهبية آنستي، وصدقيني لن تجدي بهذا السوق ولا أي سوق بالمملكة اجمع من ينافس جودة وسعر حريري ”

ابتسمت زمرد وقد نال ذلك الحرير إعجابها ووقعت عيونها على قطعة من اللون البرونزي اللامع، لتلتمع عيونها تباعًا للأمر، تتحسسه بوله شديد :

” يبدو هذا مناسبًا لي، إذن سآخذ قطعتين، هذه و…”

وقبل أن تكمل كلمتها شعرت بيد تجذب الحجاب الذي تلفه حوله رقبتها، ويقوم بلفه حول وجهها بسرعة مخيفة، ثم سحبها من ذلك الحجاب، وزمرد ودون تفكير للحظة واحدة تحركت يدها صوب الخناجر الخاصة بها، لكن تلك اليد التي سحبتها بعنف أجبرها صاحبها على دخول زقاق ضيق لا أحد به، يدفعها صوب أحد الأركان هامسًا بصوت مخيف :

” مرحبًا بالخائنة الكاذبة والمخادعة ”

اتسعت عيون زمرد حينما رأت عيون تعرفها تمام المعرفة، رفعت حاجبها تتنفس بصوت مرتفع :

” كل هذا ؟؟ يا ويلي يبدو أنني اسوء مما توقعت ”

ابتسم لها دانيار بشكل مرعب ينزع القلنسوة عنه، ثم في ثواني كانت أنامله تنتزع جميع خناجرها ملقية إياها ارضًا، وبعدها ابتعد عنها يقول بصوت مهدد :

” والآن ايتها المخادعة تحدثي وأخبريني من أنتِ ومن ارسلك للقصر وبأي حجة ؟؟”

نظرت له زمرد بغضب شديد وعيونها تتحرك صوب الخناجر خاثتها بغضب شديد، تحركت بسرعة بغية امساكهم، لكنه نزع سهمًا من حافظة سهامه يضعه داخل القوس وموجهًا إياه عليها :

” أنتِ لا تريدين أن تصبحي هدفًا حيًا لسهامي صحيح ؟؟”

رمقت زمرد عيونه بغضب شديد لتميل بكل عناد صوب الخناجر الخاصة به وكأنها تخبره أن يفعل ما يريد، لكن كل ما فعل دانيار أنه امسك سهم آخر ووجهه لها، وهي رفعت حاجبها بسخرية وكأنها تخبره ( حقًا ؟؟)

وهو ابتسم بسمة أوسع ينتزع سهمين آخرين لتكون الحصيلة أربعة سهام في قوسه وجميعهم موجهين لرأسها :

” يمكنني الاستمرار حتى الصباح، وصدقيني سأزيد من سهامي حتى يمتلئ جسدك بأكمله.”

استقامت زمرد في وقفتها تقول ببسمة ساخرة :

” يبدو أنني أرهق تفكيرك لدرجة أن تأتي خصيصًا خلفي وتقف الأن امامي تبذر سهامك على جسدي ”

نظرت له بخبث شديد، ثم اقتربت منه خطوات صغيرة تقول بصوت هامس:

” هل حلمت بي لتقفز أمام وجههي منذ الصباح ؟؟”

ابتسم لها دانيار بسمة واسعة قبل أن تتحول تلك البسمة لضحكات مرتفعة، يميل قليلًا كي يصل لطولها :

” تتمنين، لكن عقلي لديه أمور أكثر أهمية منك ليفكر بها في نومي على هيئة احلام ”

رفعت زمرد حاجبها بسخرية :

” بل انت من تتمنى، لم يتبقى غير رامي السهام لارهق نفسي في أحلامه ”

فجأة شعرت بسهم يخترق الحاملة الخشبية خلفها لتشهق بصوت مرتفع وهي تتحرك بعيدًا عن كل ذلك، استدارت صوب دانيار الذي ابتسم لها ببساطة :

” سيدهشك ما يستطيع رامي السهام فعله، هيا لا تضيعي وقتي وأخبريني من أنتِ ومن أي مملكة جئتِ ”

صمت ثم سارع يلغي خطتها التي تلوح في عيونها :

” ولا تقولي أنكِ هربتي مع شقيقتك من الحدود الغربية حتى هنا، فكلانا يعلم أن شقيقتك هي نفسها أميرة مشكى،”

شهقت زمرد بصدمة مما قال، كيف علم الأمر ؟!

وقبل أن تبادر بطرح سؤالهم قاطعها شعورها بحد السهم يكاد يخترق رقبتها وصوت دانيار يهمس بتحذير :

” من أنتِ وما قصتك ؟؟”

ابتلعت زمرد ريقها تقول وهي ترفع يديها في الهواء تدعي استسلامًا :

” أنا…أنا الخادمة الخاصة بالاميرة، هربت معها ليلة اقتحام المنبوذين لقصر مشكى وقتلك الملك، وجئنا هنا للاحتماء بسفيد، ولم أتحدث بكلمة بناءً على أوامر الأميرة ”

مقنعة وجدًا، ومنطقية كذلك، كان يدرك أن هذا سيكون ردها، لكنه أراد التأكد، أو أنه فقط أراد حجة كي يتحدث معها ؟؟

” وكل تلك المهارات التي تستطيعين فعلها ؟؟”

” الأميرة علمتني كل ذلك، كنت اراقبها طوال فترة تدريبها وتعلمت معها ”

نظر لها دانيار بشك وهي فقط ابتسمت تبعد عنها حد السهم تقول :

” هذا كل ما اعرف سيدي صدقني ”

نظر لها دانيار قبل أن ينزع السهم يقول :

” أنا لا أستطيع تصديقك حقًا ”

” أوه اعلم هذه المشكلة فملامح وجهي لا تساعد في الأمر، لكن يمكنك المحاولة وستنجح يومًا ما ”

راقب دانيار عيونها السوداء التي كانت في تلك اللحظة ملتمعة، وابتسم بسمة جانبية يقول :

” نعم، ربما يومًا ما أستطيع تصديقك ”

أخفى سهامه مجددًا في حافظتها، ثم نظر لها من أعلى لأسفل يقول :

” يجب أن تتوقفي عن الهروب من العمل وإلا عوقبتي ”

عدلت زمرد من وضعية لثامها تقول بجدية :

” لقد منحني الملك إجازة لأجل ما فعلت بذلك المنبوذ الـ ”

صمتت تحت نظراته المتعجبة وكأنه يسألها عما تقصده، وهي قلبت عيونها بملل تراه يخرج سهامه مجددًا يضعها في القوس يوجهها لها .

” أي منبوذ وما الذي فعلته يا امرأة ؟؟”

نفخت زمرد بحنق شديد ترفع يدها تدعي استسلامًا :

” أوه ليس مجددًا ”

_________________________

كان هذا أشبه بالمحكمة في عالمها، لكن الأمر والمتعة كانت تتمثل أنها تجلس كما القاضي تستمع وتحكم، حسنًا الملك هو من كان يحكم بين الجميع، وهي كانت تشاهد بصمت، ربما يمكن القول أنها كانت تتخذ دور المستشار ؟؟ نعم يعجبها هذا اللقب .

وأثناء طريقها خارج القاعة بعدما تركت الملك يهتم بشؤونه، اصطدمت في امرأة جعلتها تتراجع للخلف بسرعة :

” اعتذر لكِ سيدتي لم …”

وقبل أن تكمل كلماتها وجدت تلك المرأة تنبذها وترحل بعدما ألقتها بنظرات غير مهتمة، فتحت تبارك عيونها بعدم فهم مما حدث .

أبصرت في تلك اللحظة سالار الذي كان يتحرك صوب القاعة وتوقف ليرى الام بينها وبين الملكة الأم، ويبدو أن الملكة لم تتعرف على هوية تبارك .

أشارت تبارك على المرأة التي رحلت وهي تقول :

” هي الست دي مالها زعلانة كده ؟!”

رفع سالار حاجبه ينظر لها من أعلى لأسفل متعجبًا ما ترتديه، إذ لم تعتد عينه بعد على رؤيتها بثياب نساء مملكته، وفجأة توقف على وجهها يقول :

” أين غطاء وجهك ؟!”

حملقت به تبارك بعدم فهم تتحسس وجهها :

” يعني ايه ؟! هو ده جزء من اللبس بتاعكم ؟! ”

” ماذا ؟؟ ما هذا الذي تقولينه ؟؟ هناك غطاء للوجه عليكِ وضعه قبل خروجك من جناحك …مولاتي ”

قال كلمته الأخيرة ضاغطًا على أسنانه بغضب، وهي نظرت له تقول بهدوء مستفز :

” محدش قالي حاجة، بعدين أنت مالك ؟؟”

ضغط سالار على أسنانه بغضب وهو يحدجها بتحذير أن تلتزم حدودها معه، وتبارك التي كانت منذ الصباح غاضبة في الأساس لم تخضع لنظراته تقول بجدية :

” وإن ظننت أن نظراتك هذه ستخيفني، ف 

          الفصل الثاني عشر من هنا 

تعليقات



×