رواية مملكة سفيد الفصل الثاني عشر 12 بقلم رحمة نبيل

 




رواية مملكة سفيد الفصل الثاني عشر 12 بقلم رحمة نبيل



الملثمة_الحقيقية

قبل القراءة متنساش تعمل لايك للفصل كتشجيع للكاتب ..

صلوا على نبي الرحمة.

_______________

مستقر أعلى عرشه بكل كبرياء يرفض حتى أن يخفض نظراته صوب الجميع وبسمة جانبية ترتسم على فمه بعد كلمات الملك آزار الذي يقف مع جنوده في منتصف قاعة عرشه، وجواره يقف الملك بارق ( ملك سبز) وهو يطيل النظر به ينتظر منه إجابة على اتهام آزار له .

” إذن ملك إيفان، لا رد لك على ما قيل في حقك منذ دقائق؟!”

نظر إيفان بهدوء شديد صوب بارق يجيب بمنتهى البساطة وبملامح عادية :

” وما الذي قيل في حقي منذ دقائق ملك بارق ؟!”

” تلك الرسالة التي وصلت لمملكة الملك آزار من بافل تفيد أنك الشخص الذي عاونه لدخول مشكى منذ البداية ”

هبط إيفان عن عرشه يتجرد من تاجه، ومن ثم نزع ثوب الملك الذي يتطاير خلفه ليظل فقط بثيابه العادية ويقف أمامهم بهدوء يقول :

” أوه نعم، بخصوص هذا ..لا أنا لا أملك رد على مثل هذه التُرّاهات ”

ضحك آزار بشراسة صارخًا في وجه إيفان وقد اشتعلت اوداجه بالغضب مما يقال :

” وما الذي سيقوله ملك بارق ؟! سيخبرك أنه تعاون مع هؤلاء الشياطين لإسقاط مملكة مشكى ؟؟ هل سيعترف على نفسه ؟؟ سيحبرك أن حقده وكرهه للملك ارسلان تحكما به لدرجة أن يتناسى صداقتهما التي استمرت عقود ويبيعه للشيطان بافل ؟!”

تحركت أعين إيفان ببطء شديد صوب آزار يجيب ببرود لم يتخلى عنه منذ بداية الحوار فإن فعل لن يضمن أن تظل جدران القاعة مكانها :

” جيد أنك تعلم أن الخائن لن يأتي ويعترف على نفسه، ومن افضل منك ليعلم ملك آزار ؟؟”

بُهت وجه آزار وشعر بالصدمة من تلميحات إيفان له، في الوقت الذي دخل به سالار بقوة يتحرك صوب الجميع وقبضته تحسست سيفه يتجهز لأي هجوم، لكن نظرة من إيفان أوقفت كامل تحفزه .

هدأ جسد سالار قليلًا، لكنه لم يُسقط كامل دفاعاته في انتظار إشارة صغيرة منه، و عيونه تدور على آزار الذي همس بدفاع عن نفسه :

” ما الذي ترنو إليه ملك إيفان، تلك الرسالة التي وصلت لقصري تخبرني بوضوح أنك أنت من ….”

قاطع إيفان كلماته وهو ينظر له نظرات قوية مخيفة :

” يبدو أن هناك علاقة طيبة بينك وبين بافل لتتبادلا الرسائل ملك آزار، علاقة طيبة لدرجة أن يصل مرسولة حتى قصرك، حسنًا أخبرني لِم ارسل لك أنت بالتحديد رسالة يدينني بها ؟؟”

صمت ثم أضاف بسخرية لاذعة وهو يميل له برأسه : هل أنت الوصي عليّ؟؟ أم هل يظنك ستوقفني عند حدي إن كنتُ بالفعل خائنًا، والسؤال الأهم هو، هل بافل من الغباء الذي يدفعه لكشف حليفة بهذه البساطة ؟؟ لا تخبرني أنه اكتفى بمشكى وقرر أن يكشف مساعده لكم لتتخلصوا منه ”

صمت ثم دار بعيونه بين الجميع يقول بهدوء شديد يضم يديه خلف ظهره وصدره العريض بارز أسفل ثيابه البيضاء :

” حينما تأتي بإجابة لهذه الأسئلة ملك آزار يمكنك وقتها أن تأتي وتحقق معي في مملكتي وقتها ربما أسمح لك بفعل ذلك، ربما … ”

ابتلع آزار ريقه ولا يفهم حقًا ما يحدث حوله، بينما بارق والذي يثق في إيفان ثقة عمياء ولم يصدق ما قيل له، تقدم يقول بهدوء :

” اعتقد أن بافل بدأ يحاول اللعب على تفرقة الممالك الثلاثة المتبقية ليسهل له كسرنا إيفان، يتلاعب بنا ويحاول إسقاطنا واحد تلو الآخر، وربما أراد البدء بمملكتك لذلك ارسل تلك الرسالة لمملكة آبى ”

رفع سالار حاجبه وهو ينظر للجميع بهدوء وعقله يدرس كل ما يدور حوله من أمور، المشاكل تتفاقم والخيوط تتشابك والقطع تسقط واحدة تلو الأخرى .

هنا وقرر سالار التدخل بهدوء كبير وبكلمات مقتضبة كعادته :

” شخص كبافل لن يكتفي بمشكى ولن يتوقف عند حدود سفيد، وشيئًا فشيء ستتفاقم طموحاته وتصل لآبى وسبز، وصدقني أنت لا تود أن ترى ما فعل بمشكى ”

نظر له بارق باهتمام شديد يثق بعقلية سالار الحربية والذي كان يدرك جيدًا ما يقول، فلا تخرج منه كلمة دون تفكير طويل :

” ما الذي تراه إذن سالار ؟؟”

وكلمة واحدة أصدرها سالار بعدما نظر لايفان يستأذن منه الحديث وايفان منحه بسمة خبيثة وكأنه يعلم جيدًا ما سيقول سالار، وقد كانت كلمة واحدة هي التي أخرجها وهي أكثر الكلمات التي يألف لسانه حروفها :

” الحرب ”

ابتسم إيفان يضم ذراعيه لصدره يوافق سالار بقوة :

” نعم يبدو هذا خيارًا ملائمًا لي ولمملكتي ”

اعترض آزار بقوة على تلك الفكرة في هذا الوقت تحديدًا :

” لكن ملك إيفان الأمر ليس بهذه البساطة التي تتحدث بها أنت وقائد جيوشك، نحن نتحدث عن حرب مع المنبوذين والذين أصبحت أعدادهم منذ آخر مواجهة معهم مرعبة، نتحدث عن مجموعة تغلبت على الملك ارسلان وجيشه وهزمته شر هزيمة ”

ولأول مرة لا يطلب إذن إيفان للحديث، بل دفعه الغضب للدفاع عن صديقه واسمه بعد وفاته، صديقه الذي كان جندي جسور شريف إذ قال بقوة لم يكتبها إيفان الذي ترك له حرية الدفاع عن رفيقهم :

” ملك آزار، الملك أرسلان لم يُهزم شر هزيمة، بل غُدر به، لقد هجموا عليهم وقت صلاة الفجر، قتلوا الجنود وهم ساجدون لربهم، واستغلوا عنصر المفاجأة وقتلوهم، وارسلان أنا متأكد حتى وإن لم أكن معه، أنه مات محاربًا شامخًا ولم ينحني لهم ولو قطعوه اربًا، أنت تتحدث عن ملك مشكى الذي استلم بلاده خرابًا بعد وفاة والده ونهض بها لتصبح من أقوى الممالك ”

ابتسم إيفان يؤيد كل كلمة نطق بها سالار في حق أرسلان والذي رغم عداوته الأخيرة معه، إلا أنه لا ينسى رفيقه ومدى قوته وتجبره وتكبره :

“الجميع هنا يعلم مدى تعنت وعناد وتكبر أرسلان، وأنه يومًا لم يكن ليقبل بأقل من ميتة تليق ببطل مثله، وأنه ما رفّ له جفن واحد لحظة قتله، أرسلان لم يُهزم بل أُجلت حربه ليوم تجتمع به الخصوم”

شعر آزار بالغضب الشديد يشعل صدره وهو يسمع تلك الكلمات من سالار ليسارع ويدافع عن مكانة مملكته :

” ها اقوى الممالك ؟؟ يبدو أن الأمر كان في عقلك فقط يا قائد، فعندما أراد بافل أخذ مملكة لم يجد اضغف منها ليفعل، فالجميع يبدأ بالاسهل ”

أجابه سالار دون أن يرف له جفن وبكلمات قاطعة :

” بل بالاقوى، إن أردت إنهاء لعبة ما فأنت لن تبدأ بالجنود، بل ستستهدف الملك…مولاي ”

كانت كلمات سالار هادئة سلسلة بسيطة وكأنه يخبرهم بحالة الطقس، فقد كانت ملامحه عادية ساكنة لا يظهر أي شيء جديد .

وللحق الملك بارق لم يبتأس أو يعترض فهو يومًا لم يُصنف مملكته مملكة قتالية أو قوية، بل مملكته كانت مملكة مسالمة من الدرجة الأولى تبتعد عن كافة المشاكل، ورغم ذلك لديه جيش لا يُستهان به، لكنه لم يسبق وأن خاض معارك سوى تلك التي خاضتها جميع الممالك سابقًا على والد بافل .

لكن آزار لم يكن بمثل تفهم وتعقل بارق، فاشتعل صدرة غضبًا وامتلئ كرهًا، وضمر في نفسه ضغينة لن ينساها، متوعدًا بأن يثبت للجميع وليس سالار فقط من تكون مملكته وما هو موقعها بين الممالك الأربعة .

” حسنًا إذن، إن كنتم تريدون الحرب، فاستعدوا أنتم لها، وجميع تباعيات الحرب أنتم من سيتحملها ملك إيفان .”

ابتسم له إيفان بسمة جانبية وهو يرى النيران تكاد تخرج على الجميع من أعين آزار، ولولا ثقته في قوى آزار الحربية التي تنافس خاصة سالار لكان أنهى الحوار معه منذ سنوات واعلنها قطيعة بينهما، لكن هو ليس بذلك الغر الذي يتخذ قرارات في لحظات غضب عاطفية كأرسلان الذي أضاع حياته بسبب تجبره وتكبره وغضبه الجحيمي الذي يقوده، هو فقط ابتسم وهز رأسه هزة بسيطة يقول بكامل الهدوء والدبلوماسية:

” لك ذلك ملك آزار ..”

_________________

يسير بين طرقات المملكة وهو يلقي التحية على هذا وذاك وهناك بسمة واسعة لطيفة ترتسم على فمه، والجميع يرحب به ترحاب كبير، فمن لا يعرفه وهو الزائر الدائم لهم جميعًا..

تحرك داخل بعض الأزقة ينحرف يمينًا ويسارًا حتى توقف في النهاية أمام محل يبدو عليه القدم فهو من أوائل الأماكن التي وضعت بالمملكة .

دفع الباب الخاص بالمكان بخفة شديدة يميل بعض الشيء متفاديًا تلك النباتات التي تزين مدخل المحل، وفي الحقيقة لم تكن تلك النباتات هي الوحيدة في المكان فها هو يقف في أكثر محلات النباتات شعبية داخل أرجاء مملكته، ابتسم يحرك عيونه في الإرجاء، حتى وقعت عليها تقف هناك خلف الحاجز الخشبي الذي يفصل بين الزبائن والبائع تخط بعض الكلمات في ورق أمامها .

” أسعد الله صباحك آنستي ”

رفعت الفتاة عيونها ببسمة مشرقة ترحب بالزائر :

” صباح الخير سيدي كيف اسـ…. سيد مهيار ؟!”

ابتسم مهيار لها بسمة واسعة أبرزت غمازتيه يرحب بها برأسه ترحيبًا بسيطًا :

” مرحبًا بكِ آنسة ليلا، كيف هو حالك ؟!”

تنفست ليلا بصعوبة وهي تنظر له، لقد جاء لم يخب رجاؤها أن تراه اليوم في فترة توليها لمحل والدها، شعرت بالتوتر لتدور بعيونها في المكان تتفقد النباتات وكأنها ستطير من المكان :

” أنا… أنا بخير سيدي اشكرك، إذن كيف اساعدك ”

اقترب مهيار قليلًا من الحاجز يقول بهدوء وبسمة راقية لطيفة جعلت ضربات قلب ليلا تزداد حتى كادت تركض خارج المحل هاربة من عيونه التي تحدق بها في نظرات بريئة لا تمت لمشاعرها بصلة :

” نعم رجاءً، احتاج لمساعدتك في إيجاد بعض النباتات الطبية، لقد اوصيت بها والدك منذ اسبوع وهو أخبرني أن آتي اليوم لأجلها ”

نعم فعل، ولهذا هي هنا الآن..

” أه نعم صحيح، لقد أخبرني أنك ستأتي لأجل نبات المخدر لحظة واحدة أحضره لك من المخزن في الداخل ”

هز مهيار رأسه بلطف :

” خذي وقتك ”

ابتسمت له بسمة صغيرة، ثم تحركت بسرعة بعيدًا عنه تحاول أن تتنفس بشكل طبيعي، يالله متى يُكتب لحبها أن يرى النور، إلى متى ستكتمه في صدرها، مهيار العزيز والذي كان دعوتها في كل صلاة .

بينما في الخارج كان مهيار ينظر صوب الباب الذي دخلت منه يبتسم بسمة صغيرة، ثم دار بعيونه في المكان بأكمله ينتظر عودتها .

وما هي إلا دقائق حتى عادت له ليلا تحمل العديد من العبوات الزجاجية والتي تحوي نباتات عديدة، تسير صوبه بهدوء وعلى استحياء، وما كادت تعبر صوب مكانها حتى اهتزت عبوة وكادت تسقط ليركض لها مهيار يمسكها بسرعة، يرفع عيونه لها يقول بلهفة :

” انتبهي لخطواتك آنستي ”

ابتلعت ريقها تهز رأسها بهدوء شديد، ثم وضعت العبوات أعلى طاولة تقول بصوت مكتوم لشدة مشاعرها :

” اشكرك سيد مهيار، هذه هي جميع العبوات التي تركها ابي لأجلك سيدي ”

ابتسم لها مهيار، ثم اقترب ليتفحصها لتنتفض هي بعيدًا وكأنها للتو أمسكت بقطعة جمر، وهو حدق بها في تعجب شديد لتطيل النظر داخل عيونه البنية تتنفس بصوت مرتفع تحاول أن تجد مبرر لحركتها الملحوظة الغبية، فهو حتى لم يقترب منها بشكل ملحوظ .

ابتلعت ريقها تقول بصوت منخفض :

” لقد …شعرت بـ …هو ”

قاطع حديثهم صوت صراخ خارج المحل لامرأة تستغيث بالجميع، وصوت بكاء يصاحب صراخ المرأة تلك .

ترك مهيار العبوات يتحرك خارج المحل وهي لحقت به بسرعة لتجد أن هناك سيدة كبيرة في العمر ملقية ارضًا وهناك فتاة تجلس جوارها تبكي بخوف، نظرت لها ليلا بشفقة تقترب للمساعدة، لكن كان مهيار قد سبقها يجلس القرفصاء جوار السيدة يتفحص نبضها وابنتها ما تزال تبكي بخوف .

اقتربت منها ليلا بغية تهدأتها، لكن الفتاة في تلك اللحظة لم تكن واعية سوى بالنظر صوب مهيار بحب وقد شردت فيه بشكل جعل جسد ليلا يتصنم بملامح شاحبة .

وفي الحقيقة الفتاة حتى لم تنظر بنظرة سيئة واحدة لمهيار، بل فقط كانت تنظر له برجاء أن يطمئنها على والدتها، لكن ليلا العاشقة التي ذابت في حب مهيار الصامت طوال سنوات طويلة، كانت من اليأس الذي يجعلها تتحسس لأي نظرة انثى بريئة ولا تراها سوى نظرات اعجاب .

شعرت ليلا بالوجع والغيرة تشتغل بها، تنتظر أن ينتهي مهيار من فحص تلك المرأة، وبعد دقائق استطاع مهيار إنقاذ السيدة، ثم ساعدها مع ابنتها لتنهض .

ربتت السيدة أعلى كتفه تقول بشكر وامتنان :

” بارك الله بك يا ولدي، لا أراك الله مكروهًا في حبيب يا عزيزي ”

قبل مهيار يدها بحب، ثم شكرها يودعها، وبالطبع لم تتوقف الفتاة الشابة عن شكره تحت أعين ليلا التي كانت تراقب بصمت ما يحدث.

فجأة استدار لها مهيار لتتوتر بسرعة وتنظر بعيدًا عنه تخفي نظرات التحسر والوجع عنه، وهو ابتسم لها يقول :

” دعينا نعود لأخذ اشيائي ”

وبالفعل دخلت ليلا المحل تتحرك صوب مكانها حيث كان تقف تدون ما اخذ مهيار، وهو بدأ يتأكد من اشيائه، ثم نظر لها يقول بجدية :

” ليلا ..”

توقفت دقات ليلا لثواني قليلة فقط شعرت أنها لا تستطيع التنفس، رفعت عيونها له بتردد ليقول ببسمة بعدما وضع كل العبوات في حقيبته الجلدية :

” بلغي والدك تحياتي واخبريه أنني سآتي بعد يومين لأخذ الباقي، أراكِ لاحقًا يا صغيرة ”

ختم حديثه يخرج من المحل بهدوء شديد آخذًا معه ما نجى من ضربات قلبها بعد نطقه اسمها مجردًا، وهي كانت تقف مكانها تحاول أن تتنفس بشكل طبيعي :

” أراك لاحقًا … مهيار ”

_________________________

استغلت كهرمان استراحة الطعام تتحرك صوب برلنت التي كانت تعمل كعادتها بحرية وانطلاق، لكن وللمرة الأولى تبصر نظرة حزن دفينة داخل عيونها .

اقتربت منها تجذبها معها دون كلمة خارج المكان بأكمله صوب الحديقة الخلفية، وبرلنت تنظر لها بعدم فهم، بينما زمرد لحقت بهم دون كلمة فهي لا تضمن أن تتصرف واحدة منهن بشكل قد يتسبب في كارثة .

” والآن أخبريني جيدًا ما يحدث معكِ برلنت ؟! ما هذه النظرات التي تعلو عيونك طوال الوقت و…”

توقف كهرمان عن الحديث حينما وجدت أعين برلنت تجحظ بقوة تبصر فتاة تقترب منها بسرعة تنتوي لها شرًا، ولم تستوعب ما يحدث إلا وهي ساقطة ارضًا بفعل ضربة تلك الفتاة التي لم تكتفي بصفعة واحدة بل هبطت فوق وجه برلنت بالضربات تحت أعين كهرمان المصدومة.

وفي ثواني كان أول ما استوعب ما يحدث هي زمرد التي ركضت تسحب الفتاة من حجابها بقوة مرعبة للخلف، بينما برلنت ظلت ملقية ارضًا تحاول التنفس تنظر لعيون الفتاة التي كانت تهجم عليها والتي كانت نفسها تلك التي حاولت التقرب من تميم .

تحركت الفتاة بين يدي زمرد بحدة تصرخ بجنون :

” سأُريك الجحيم أيتها الحقيرة، أنتِ من وشيتي بي لدى المشرفة، أعلم أنكِ فعلتي هذا عمدًا لأجل ما حدث ”

كانت تحاول التحرك بين يديّ زمرد والتي شددت قبضتها تنظر لها بعدم فهم ولا تعلم ما تقصد لكنها هزتها بغضب :

” توقفي عن الحركة قبل أن افصل عظام رقبتك عن جسدك يا ابنتي ”

نظرت لها الفتاة بسخرية شديدة ولم تهتم بكل ذلك تقول بتعمد مستفزة كل ذرات هدوء برلنت التي كانت كهرمان تساعدها في النهوض :

” اعلم أنكِ فعلتي هذا لأجل تقربي من صانع الأسلحة، ماذا هل أنتِ مغرمة به لهذه الدرجة ؟؟ هو لن ينظر لكِ حتى ولو نظرة عابرة، وفي النهاية سيكون لـ ”

وقبل أن تكمل كلماتها اندفعت برلنت بشكل مرعب لدرجة أن كهرمان والتي كانت تساعدها سقطت ارضًا على ظهرها، تراقب برلنت قد اندفعت تجذب الفتاة من يد زمرد تخنق رقبتها بشكل مرعب وهي تهمس لها بصوت مخيف :

” إن فكرتي فقط مجرد تفكير أن تقتربي منه، سأتخلص منك ولن اهتم، لن اهتم لا بكِ ولا بأحد، سمعتي ؟! ابتعدي عنه ”

حدقت الفتاة في أعين برلنت برعب مما تقول تحاول الحديث :

” أنتِ مجنونة ”

” نعم ونصيحة مجانية مني، تجنبي تلك المجنونة ”

ختمت حديثها تترك الفتاة والتي أخذت تسعل بقوة، ثم ابتعدت عنها وهي بهيئة مدمرة سواء كان بسبب امساك زمرد لها، أو بسبب ما فعلته برلنت، تراجعت للخلف ترمق الثلاثة برعب، ثم هرولت بعيدًا عنهم تصرخ برعب :

” أنتن مختلات ”

ابتسم كهرمان التي كانت ما تزال مسطحة ارضًا :

” مرحى اصبحنا مسجلات خطر ”

رفعت زمرد حاجبها مبتسمة باستمتاع لما يحدث :

” هل ستخبرينا سبب ما حدث منذ ثواني أم لا ؟”

نظرت لهن برلنت قبل أن تنهار ارضًا تدفن رأسها بين يديها تهمس بصوت مختنق :

” لقد تعبت من كل هذا، تعبت واوشكت على الاستسلام”

اقتربت منها كهرمان بتعجب تحاول رفع رأسها لتعرف ما يحدث، لكن برلنت لم تسمح لها بذلك وجسدها ينتفض بشكل بسيط، اتسعت عيون زمرد بتعجب تدرك أنها تبكي .

جلست ارضًا جوار الاثنتين على الأرض العشبية :

” هييه برلنت ما بكِ يا فتاة، كل هذا لأجل صانع الأسلحة أم ماذا ؟! أوليس هذا من كنتِ تسبينه مرتين قبل النوم ومترين بعد الاستيقاظ وتخصصين له دعوات في صلاتك، هل اسقطك في عشقه بهذه السهولة؟!”

انفجرت برلنت في البكاء أكثر تهتف من بين شهقاتها :

” بل تخطيت هذه المرحلة زمرد، تخطيت العشق منذ سنوات، أنا أهيم بتميم ”

اتسعت أعين كهرمان بقوة لما سمعت تستنكر أن تنمو كل تلك المشاعر داخل صدرها في اسابيع فقط، الحب لا يُبنى في أيام، ولا يتأسس في ساعات، بل يحتاج سنوات كي يتأسس ويُبنى ويشيد بشكل صحيح فيصبح صعب الهدم .

اقتربت منها زمرد تقول بجدية :

” ما الذي تهزين به برلنت، لقد كنتِ تسبين الرجل منذ أيام قليلة، متى أحببته لهذه الدرجة ؟؟”

نظرت لهما برلنت تقول من بين دموعها :

” منذ سنوات طويلة، أنا… أنا أعرف تميم منذ سنوات طويلة ”

نظر الإثنان لها بجهل لتقول برلنت بصوت منخفض وكأنها عادت سنوات طويلة للخلف :

” تميم اعرفه منذ كان طفلًا، كان …كان جاري وصديق طفولتي وكل ما املك في هذه الحياة، اعرفه قبل أن يصبح صانع أسلحة أو يأتي لقصر الملك، كنت اعرفه منذ كان مجرد صانع فخار مع والده ”

اتسعت عيون كهرمان بصدمة مما سمعت ويبدو أن برلنت كانت تخفي الكثير خلف تلال مرحها المعهودة :

” كيف ذلك ؟؟ هل يعلم أنكِ هي نفسها تلك صديقته ويتعامل معكِ بهذا الشكل ؟؟”

اختض جسد برلنت برعب شديد تقول :

” لا لا، لا يعلم ولا أريده أن يفعل رجاءً، لا اريد أن يعلم أنني أنا نفسها برلنت تلك، هو …هو تركني منذ كنت في الثالثة عشر ولم يتعرف عليّ الان، ولا أريده أن يفعل ”

” لماذا ؟؟”

كانت كلمة واحدة من زمرد أعادت سيل الذكريات الذي بنت برلنت امامه اسوارًا منذ سنوات طويلة، ذكريات سوداء عادت لرأسها وصرخات وبكاء، لكن من بين كل هذا تسرب صوت خافت لتميم وهو يهمس بكلمات خافتة حنونة ..

” لا تنبذيني يومًا وأنت المَسكن بيرلي”

قالت برلنت بصوت موجوع وهي تنظر أمامها بشرود :

” لقد ..لقد حطمته لاشلاء دون أن أدرك حتى، اذيته في أكثر شيء احبه في حياته، دمرته دون أن أعي، وهو كان من الكرم ليرحمني ويتركني حية، أو هكذا اعتقد هو، أياليته احرقني يومها واحرق معي عذابي هذا …..”

______________________

كانت القاعة ما تزال مشتعلة بالنظرات رغم أن الكلمات توقفت، هدأ الجميع وجلسوا على مقاعدهم، لكن الملك آزار ما يزال يوجه اتهامات صامتة صوب إيفان والذي كان يقابلها ببسمة مستفزة باردة لا يهتم بكل ذلك .

بسمة كانت قادرة على إشعال غضب آزار مجددًا، لينتفض عن مقعده يصرخ بجنون لم يخمد بعد :

” ملك إيفان…”

نظر له إيفان بهدوء ونظرات احترام :

” نعم ملك آزار ؟!”

تنفس آزار بقوة يهتف بهسيس مخيف :

” إن كنت تود أن تنتهي هذه الحرب بين طرفين فقط فتحكم بنظراتك، فحتى إن لم تنطقها أو تتحدث بكلمة فنظراتك تقول الكثير ”

ابتسم له إيفان يقول باحترام أكبر يعلم جيدًا أن آزار لا يمرر أي همسة تسيء له أو تقلل منه ومن مملكته، فهو لطالما كان مريضًا بداء العظمة، لا يرى من هو أفضل منه، يتجاهل الجميع حوله بدعوى أنهم حتى لا يستحقون اهتمامه .

” اعتذاري لك مولاي، يبدو أن نظراتي تسبب لك ازعاجًا شديدًا، اعذرني مولاي ”

ابتسم بارق يحدق في الاثنين وهو يدرك جيدًا أن هذه الجلسة لن تنتهي بسلام كعادتهم حين يجتمعون، فإما أن تنتهي بانسحاب آزار غاضبًا، أو بانتفاضة إيفان وخروجه عن هدوء .

ومن بين كل تلك النظرات الغاضبة والحرب الباردة، اقتحمت هي المكان بكل هدوء وبسمة واسعة ترتسم على فمها، تتحرك صوب الملك دون أن تنتبه لما يحدث حولها .

والحميع يحدق فيها باستنكار شديد، فقد كانت أشبه بفراشة ملونه ربيعية تتطاير داخل أرض بور محترقة عقب حربٍ طاحنة، كانت لا تلائم المشهد بأي شكلٍ من الأشكال .

على التشنج ملامح سالار يراقب تبارك تخطو للقاعة بكل بساطة وبالطبع لم يوقفها الحرس لمعرفتهم بهويتها، ابتسم بعدم تصديق يراها تنظر صوبه مبتسمة وكأنها ترسل تحيتها لرفيقها في الروضة ..

وضع سالار قبضته على فمه يكتم ضحكته على ملامح إيفان المسكين والذي تلقى لتوه طعنة أخرى في منتصف صدره حين رأى ما تفعل ملكته، ورغم غضبه الشديد لاقتحامها الاجتماع الخاص بهم، إلا أنه لا ينكر تشفيه في إيفان الذي تنحنح يتململ في مقعده وقد أفسدت تبارك كامل الثبات الذي لم يستطع آزار بكل بطشه أن يهزه بمقدار شعرة .

” ملكة تبارك ”

نظرت له تبارك مبتسمة بهدوء بعدما كانت تنظر لبارق بابتسامة وكأنها ترحب به :

” نعم ؟؟”

أشار لها إيفان على المقعد جواره كي تتحرك لتجلس معه، رافضًا التقليل من شأنها أمام الجميع ومطالبتها بالرحيل، لكن سالار لم يكن بمثل ذلك الرقي ليفعل فقال بهدوء وجدية كبيرة هامسًا في أذن إيفان:

” مولاي هي لا يمكنها حضور هذا الاجتماع ”

نظر له إيفان بحنق، وكأنه لا يعرف، لكن هو فقط لا يريد أن يخجلها ويجبرها على الرحيل وهو في الأساس من أرسل لها لتأتي لكنها تأخرت كثيرًا لتصل :

” أعلم، لكن لا يمكنني طردها من القاعة والتقليل منها سالار، وأمام الجميع ”

قال سالار ببساطة شديدة يرفع عن ملكه هذا الحرج أمام الملكة، هو من الأساس لا تجمعه علاقة طيبة بها، فما الضير من تشويه صورته أكثر بعض الشيء :

” يمكنني فعل ذلك إن أردت”

اتسعت أعين إيفان بصدمة من بساطة حديثه، لكن سالار لم يهتم سوى بتبارك التي جلست على المقعد بتوتر شديد هي فقط جاءت له بناءً على طلبه، فقد أرسل لها منذ ساعتين تقريبًا يخبرها بحاجته للتحدث معها، وبعد أن تاهت وتناولت طعامها جاءته، لكن يبدو أنها اختارت وقتًا غير مناسب .

همست بخفوت وهدوء شديد :

” مولاي، لقد طلبتني وتأخرت، معذرة منك، ربما جئت في وقت غير مناسب، يمكنني الذهاب الآن والعودة لاحقًا”

قال سالار بهدوء شديد يرفع عن الملك حرج الرد عليها :

” خيرًا ما ستفعلين ”

رمقه إيفان بتحذير، لكن سالار في هذا الوضع هو اليد العليا، فهذه حرب وهو رجل الحرب، وهو المسؤول في هذه اللحظة عن كل ما يجدث داخل هذه القاعة، هنا تعلو صلاحياته فوق صلاحيات الملك :

“رجاءً دعي أحد الحراس يرشدك حيث تريدين، كي لا ينتهي بكِ الأمر تتناولين العشاء مع زوجة الملك بارق في سبز ” 











رمقته تبارك بغيظ شديد تشعر بصدرها يتآكل غضبًا منه، تحدق في عيونه بغضب شديد، هذا الرجل يستهين بها بشكل مبالغ، وسالار لا يهتم حقًا بنظراتها تلك يمنحها بسمة صغيرة محترمة، فقط لأن الملك جالس، ولأنها الملكة بالطبع ولها منه كامل الاحترام .

تدخل إيفان في المنتصف يحاول أن يتحدث :

” مولاتي، اعتذر عن حديث سالار، هو فقط لا يستطيع انتقاء كلماته طالما لم يكن الأمر متعلق بالقتال، اسمحي لي أن اوصلك بنفسي للخارج حيث تريدين ”

نظرت له تبارك ببسمة واسعة، ولا تصدق أن هناك من يتعامل معها بهذا الرقي، حركت عيونها صوب سالار الذي كان يحدق بها بحاجب مرفوع مستنكرًا ما يحدث .

استأذن إيفان من الجميع :

” دقائق واعود، سالار تولى الأمر ”

تركهم يشير لتبارك أن تسبقه في السير، وهي بالفعل تحركت معه خارج القاعة تقول بصوت منخفض :

” مولاي حقًا لا يجب عليك ذلك، رجاءً عد للاجتماع، استطيع طلب مساعدة أي فتاة هنا او حتى الحراس ”

لكن إيفان كان مصرًا على فعل ذلك، فهو لا يجلس معها كثيرًا وقد كان مقصرًا في حقها وبشدة، لذلك أراد تعويضها ولو بلفتة صغيرة.

لكن أثناء ذلك أبصر من الشرفة جسد نحيف لشخص يرتدي ثياب الجنود يراقبه قبل أن يهرول بعيدًا، جسد جعله يتناسى رغبته في تعويض الملكة عن غيابه ويندفع بسرعة صوب الدرج يركض للساحة تاركًا تبارك تقف مكانها بعدم فهم، وصدمة.

وإيفان لا يدري ما يحدث، هو فقط يريد وبشدة أن يراها ويعلم من هي .

كان يركض بشكل جعل الحراس يتحفزون بشكل مخيف مستعدين لصرخة هجوم، وقد ظن البعض منهم أنهم يتعرضون لهجوم .

في هذه اللحظة خرج سالار من القاعة تاركًا الجميع خلفه لينادي الملك لأمر ضروري، لكنه فجأة وجد جسد إيفان ينتفض راكضًا للاسفل .

اتسعت أعين سالار بعدم فهم ينظر لتبارك بلوم وريبة :

” ما الذي فعلتيه ليهرب منك الملك بهذا الشكل ؟!”

رمقتت تبارك باستنكار :

” ماذا ؟!”

” ماذا ماذا ؟؟ الرجل يركض وكأن موته يلاحقه، هل أدرك الآن أن وجودك جواره بمثابة كارثة له وللبلاد؟! بالله أخبرته أن إحضارك هنا لهو الفساد بعينه ”

كانت تستمتع له بصدمة ولا تصدق ما يقول ولم تجد ردًا عليه سوى كلمة واحدة :

” أنت عبيط ؟!”

اقترب منها سالار بشكل مثير للرعب وهي تراجعت للخلف حيث سور الشرفة :

” هل هذه سبة ؟؟”

ازدرت تبارك ريقها تحاول الحديث بكلمات متوترة من نظراته لها بهذا الشر :

” أنا بدافع …بدافع عن نفسي مش اكتر ”

” تدافعين عن نفسك بلسانك ؟! لو كانت يدك بمهارة لسانك، لكنتِ الآن محاربة عظيمة مولاتي ”

نظرت له تبارك بخوف تحاول الحديث لا ترى النافذة خلفها، لكن نظراته ل 

            الفصل الثالث عشر من هنا 

تعليقات



×