رواية مملكة سفيد الفصل الخامس عشر 15 بقلم رحمة نبيل
شيخ_مشكى
متنساش لايك للفصل قبل القراءة .
“كِرامًا حَيينَا ونَحيَا كِرَام
ونبغِي الكَرامَةَ حتى المَمَات”.
صلوا على نبي الرحمة .
________________________
تحرك بعيدًا عن ساحة القتال بعدما انتهى من مبارزته المعتادة مع الملثمة الكارهة له، أمر مثير للسخرية حقًا، فتاة تكن له حقدًا وكرهًا كبيرًا، فتأتي لمبارزته على أمل أن تتخلص منه في إحدى ضرباتها له .
نفخ إيفان بحنق يعيد خصلاته للخلف وهو يتحرك صوب قاعة العرش كي ينتهي من أمور مملكته ومن بعدها يتفرغ مساءً مع رجال جيشه بوضع خطط الهجوم على مشكى .
لكن فجأة وأثناء عبوره من أمام أحد مباني الغلال أبصر فتاة تندفع بسرعة خارج المبنى بشكل مثير للريبة، تنظر حولها كما لو كانت تسرق أو ما شابه، رفع حاجبه يقول بهدوء ولهجة قوية مرتابة :
” تبحثين عن شيء آنستي ؟!”
تصنم جسد الفتاة بقوة وكأنها سمعت صوت الموت خلفها، استدارت ببطء تحمد ربها أنها لم تنس وضع الغطاء فوق وجهها، نظرت بطرف عيونها صوب الحقيبة التي كانت تتركها جوار الباب الخاص بالمبنى تتأكد اولًا من أن الطريق خالي، ثم تعود لأخذها .
لاحظ إيفان حركات جسدها المتوترة وهي تتحرك صوب باب المبنى مجددًا، تشعر بجسدها يرتجف خوفًا .
” هل هناك مشكلة تواجهك ؟؟”
رفعت الفتاة عيونها له وودت لو تقول، نعم نعم هناك مشكلة تواجهني، وهي أنك الان تقف هنا وعلى بُعد صغير منك تقبع حقيبة ثياب الجندي التي اتنكر بها لمبارزتك والتي بغبائي تركتها هنا بعد المبارزة وجئت لابدل ثيابي وأخذها لتقفز في وجهي دون مقدمات .
” لا، لا مولاي بالطبع لا يوجد أي مشاكل أنا فقط كنت، الأمر أنني احتجت لـ ”
تعرف إيفان على صوتها بسرعة كبيرة ليدرك أنها هي نفسها فتاة الحظيرة، ماذا كان اسمها ؟! آه كهرمان صحيح .
اعتدل يقول بجدية كبيرة وهو يلاحظ ردة فعل جسدها ليتجاهل كل ذلك متحدثًا برسمية كبيرة :
” حسنًا آنستي لا اقصد ازعاجك، لكن وجودك جوار مخازن الغلال مرفوض تمامًا ”
رفعت كهرمان عيونها له بسرعة، لكن بالطبع لم يبصرها من خلف غطائها، ابتلعت ريقها تقول بصوت منخفض رقيق :
” معذرة لك مولاي، لكنني احتجت لتعديل وضعية حجابي بعدما كاد يسقط عن رأسي ولم أجد غير هذا المكان لفعل ذلك ”
أمسكت طرف ثيابها تميل ببطء شديد وهي تردد بلطف :
” ارجو المعذرة منك مولاي ”
راقب إيفان حركاتها ليبتسم لها بسمة جامدة بعض الشيء، وهو يضع يده على صدره يميل لها برأسه قليلًا كأي ملك او رجل نبيل أمام فتاة :
” لا بأس آنستي حقًا، يومًا سعيدًا لكِ، والآن اعذريني عليّ الرحيل ”
وبهذا الكلمات ختم إيفان الحديث القصير مع كهرمان، ورحل بهدوء شديد تاركًا إياها تتابعه بعيونها قبل أن تتحرك داخل مخزن الغلال تمسك الحقيبة بين أناملها، تشرد بها وهي لا تعلم نهاية كل هذا، هي لا تتقدم ولا تفعل شيء لأجل مملكتها فقط اكتفت بطلب مساعدة سالار ومن ثم ماذا ؟؟ هل يعيد لها سالار بلادها ؟؟
تنهدت تستدير لترى إيفان قبل أن يختفي داخل مبنى الإدارة، تشعر بضربات قلبها تعترض عما تفعل معه، لا تصدق أنها ألقت بكرهها في وجه الملك، أخبرته أنها تكرهه وبشدة، لكن هل تفعل حقًا ؟؟
بينما …
إيفان تحرك بهدوء صوب قاعة العرش ولم يكد يخطو لها حتى سمع صوت خطوات تأتيه من اخر الممر جعلته يستدير ببطء ليلمحها وقد عادت أخيرًا، ارتسمت بسمة أعلى فمه يستقبلها بعيون حنونة واضعًا يده على صدره يميل بعض الشيء قائلًا :
” مرحبًا بعودتك مولاتي ”
ابتسمت الملكة الأم وهي تراقب ابنها، ثم قالت بهدوء شديد :
” مرحبًا بك بني، اتمنى أن تكون اشتقت لي خلال فترة غيابي ”
” فعلت مولاتي ”
ختم حديثه وهو يمسك كف والدته يقبله باحترام، ثم امسكها منه، يسير بها صوب جناحها يرافقها له بهدوء شديد بعدما رأى في عيونها حديث مؤجل، وهو يعلم أن ذلك الحديث لن يكون بالمسالم، لذلك بكل هدوء دخل بها لحجرتها يقودها صوب أحد المقاعد يردد بجدية :
” كيف كانت رحلتك امي ؟؟”
” بخير مولاي، كانت جيدة، أخبرني أنت كيف هي أمور المملكة ؟!”
ابتسم لها بسمة صغيرة يردد بكلمات قصيرة مقتضبة :
” الحمدلله مولاتي كل شيء بخير ”
” والملكة ؟؟”
نعم ها هي وصلت للنقطة التي ينتظر إيفان أن تتطرق لها حتى يضع النقاط على الاحرف قبل لقاء والدته بتبارك، ابتسم لها بخبث :
” بخير كذلك، إن كنتِ تسألين عن حالتها ”
” لا عزيزي أنت تعلم أنني لا أفعل ”
نظر لها إيفان بهدوء شديد وقد حوت كلماته تحذيرات خفية يهدف منها لإعلام والدته أن أي محاولة للاقتراب من الملكة ستكون بمثابة محاولة للمساس به شخصيًا :
” وأنا سأتظاهر أنك تفعلين أمي، وتهتمين بصحة الملكة ”
نهضت والدته عن المقعد منتفضة من كلماته تلك :
” هل هذا تهديد منك ؟؟ تهدد والدتك لأجل فتاة …”
” لاجل الملكة أمي، ولا، معاذ الله أن اهددك لأجل أحد حتى وإن كان لأجلي شخصيًا، لكنني أمي أخبرك من البداية أن احترام الملكة من احترامي، لذلك رجاءً عليكِ أن تعامليها كملكة، وأنا أثق أنكِ عندما تقابلينها ستحبينها ”
نظرت والدته لعيونه بنظرات لم تطمئنه، لكنه لم يهتم وهو يقابلها بنظرات أشد ثباتًا وكأنه يفرض عليها أن تتقبل الأمر الواقع وأنها أصبحت الملكة وخلال أيام قليلة ونصبح زوجته .
” لك ذلك بني ”
هز لها إيفان رأسه ثم مالك يقبل يدها باحترام :
” اشكرك أمي، سوف اذهب لانهي بعض الأمور وبعد ساعات قليلة سوف ارسل لكِ لمقابلة الملكة ”
” واين هي ؟؟ لم أرها حين وصولي ”
نظر لها بهدوء :
” هي تتدرب الآن”
ختم حديثه يستأذن منها بهدوء، ثم تحرك خارج الجناح بقوة كبيرة تحت عيون والدته التي شعرت بالغضب يملئ صدرها، ولدها سيكون كالشوكة في خاصرتها، هي تعلم أنه ينفذ ما يريد دون أن يعطي الفرصة لأحدهم بالتدخل، لكن ليس هذا، ليس في أمر كهذا …
لكن لا بأس لترى الملكة أولاً ومن ثم تقرر ما تفعل، لربما خيبت ظنونها …
_______________________
كان سالار على وشك الجنون، أين اختفت تلك الفتاة، تركها دقائق قليلة، دقائق فقط تركها بها مخبرًا إياها أنه سيتبعها ليختار لها كتابًا يتحدث عن أساليب المبارزة و…اختفت .
اختفت بالتزامن مع اخبار فتاة له أن هناك من كان يحاول قتل فتاة في نفس ممر المكتبة، شعر بقلبه يتآكل من الرعب يزيح خصلاته بعصبية كبيرة وهو يتحرك في الممرات وقد كانت الأجواء مشتعلة وجميع الجنود منتشرين حوله وهو يكاد ينفجر بهم :
” جدوها لي ولو أسفل الأرض السابعة، سمعتم ؟! أحضروا الملكة، أريدها سالمة في دقائق معدودة ”
ختم حديثه يتحرك هو بين الممرات يتوعد لايًا كانت تلك التي حاولت أن تؤذي ملكتهم أسفل سقف قصرها .
صدره يشتعل بغضب شديد يتجاهل دانيار الذي كان يتحرك صوبه بتعجب :
” ما الذي يحدث سـ ”
لكنه لم يتوقف وهو يتجاوزه يبحث عنها بعيونه في الأرجاء ليقرر الذهاب والعودة حيث ساحة التدريب لعلها عادت هناك بعدما رحل هو، أو هكذا يأمل .
توقف تميم جوار دانيار يتعجب ما يحدث :
” ماذا تفعلون ؟! لِمَ الجميع مستنفر بهذا الشكل ؟! هل نتعرض لهجوم ؟؟”
هز دانيار كتفه بجهل شديد :
” لا اعلم حقًا، لكن غضب القائد هذا لا تراه إلا حينما يخطأ أحدهم في شيء كبير ”
” جيد إذن أنني لم التق به في هذه الحالة ”
نظر له دانيار يقول بجدية :
” أنت أخبرني ما الذي فعلته مع تلك اللصة؟!”
على الغضب ملامح تميم الذي تذكر كلمات برلنت له يقول بغضب شديد :
” آه بالله عليك لا تذكرني بتلك الفتاة، إنها حتمًا أكثر لصة وقحة قد يراها الشخص يومًا ”
ابتسم دانيار يفرك عيونه وكأنه للتو تلقى حقنة رمال داخلها، يشعر بالغضب يتلبس كامل أنحاء جسده، تحسس دون شعور السيف الذي يضعه في غمده يقول بصوت قاسي غاضب :
” نعم وقحة وبشدة ”
وعند سالار ..
ذهب للساحة يبحث عنها في المكان والذي كان فارغًا تمامًا، ليشعر باليأس يكاد يدب في صدره، وقد بدأ يصدق حقًا أن تلك التي تحدثت عنها شقيقة مرجان هي نفسها الملكة .
شعر بالاحباط وهو يفكر في الذهاب واخبار الملك بالأمر، تحرك يتنفس بصوت مرتفع وهو يفرك وجهه ويبعد خصلاته التي تدلت على وجهه بسبب الركض كثيرًا.
كاد يؤمن الآن أن فشله الاول سيُكتب جوار اسمها، ستكون هي السبب الوحيد الذي يزين دفتره الابيض بنقطة سوداء، وهذه النقطة سيكون اسمها ( تبارك )
هو فقط يأمل ألا يكون شيء قد أصابها، أو تكون تعرضت لـ..
” واوا ؟؟”
لا ليس واوا بل تعرضت لخطر و…مهلًا ما معنى ” واوا ” تلك ومن أين جاء ذلك الصوت الذي يكاد يجزم أنه يعلم صاحبته، ويتمنى، فقط يتمنى ألا تكون هي من تصدر تلك الكلمات الاعجمية التي لا يعلم عنها المعجم العربي أو الفارسي شيئًا، فقط لنأمل أن تكون الآن مضجرة في دمها أو تعاني إصابة قاتلة هي من منعتها الذهاب للمكتبة، أو ربما تكون تلك المرأة قد إصابتها بجروح صعبة الشفاء، هذا لسلامة قلبه وسلامة جسدها فقط .
لكن كل آماله ذهبت أدراج الرياح وهو يراها تجلس في الحديقة أسفل شجرة وحولها العديد من الأطفال تتحدث لهم بكلمات يصعب فهمها عليه هو، لا عليهم .
اقترب خطوات بطيئة منهم وهو يردد بصوت خافت :
” ليتكِ رحلتي وانتهيت منكِ، أيتها المزعجة ”
بينما تبارك والتي كانت تجمع حولها أبناء العاملين حينما أبصرت أحدهم مصابًا بجرح في ركبته أثناء ذهابها للمكتبة، لتجلس معهم وتعالجه وتندمج في اللعب بينهم وتنسى ما كان من المفترض فعله.
وكأنها واخيرًا وجدت نفسها في مكان هادئ لطيف بين أشخاص في غاية النقاء .
راقبها سالار باهتمام شديد وهي تلقي تعاويذها على الأطفال الصغار بكلمات غامضة لا يعلمها سوى المشعوذين أمثالها :
” سوسة ..سوسة سوسة ..سوسة كف عروسة، سوسة واللي يسقف ..يستاهل مني بوسة ”
ومن ثم وبعدما فرغت من إلقاء تلك التعاويذ المجهولة، انقضت على الأطفال في محاولة لتناولهم من وجنتهم، وسالار يتابع كل ذلك بانتباه كبير متسع الأعين، ولم يكد يتدخل لينقذ الاطفال من تلك الساحرة الضاحكة، حتى سمع صوت ضحكات صاخبة تخرج من الجميع ومن بينهم تبارك التي كانت بينهم كالطفلة .
ابتسم دون وعي يقول :
” أظن أن هذه الفئة الوحيدة التي تستطيع ملكتنا حكمها، الاطفال ”
زفر يقترب منهم بخطوات قوية وهو يخفي سيفه كي لا يرهب الاطفال :
” مولاتي ..”
رفعت تبارك عيونها بسرعة صوب سالار لتنتبه أنه يشرف عليهم بنظراته الغاضبة، حسنًا هذا ليس جيدًا، ابتلعت ريقها وقد تذكرت فجأة أنها تخلفت عن الذهاب للمكتبة، لكن ذلك الأمر السخيف لا يستحق كل هذا الغضب الذي يعلو وجه سالار في هذه اللحظة صحيح ؟!
ابتسمت له بسخافة ترفع يدها ترحب به :
” اهلًا…تـ…تحب تقعد معانا ؟؟”
رفع سالار حاجبه لتقول ببسمة غبية :
” احنا بنغني و…”
” تحركي معي مولاتي رجاءً ”
شعرت تبارك أنه يدعوها لموعد إعدامها الآن، لتهز رأسها رافضة وهي تجذب أحد الأطفال لاحضانها وكأنها تحتمي خلفه من سالار :
” لا لا، أنا … أنا لسه …لسه بلعب مع صحابي ”
ابتسم لها سالار بسمة مخيفة يعيد نفس جملته السابقة :
” تحركي معي مولاتي رجاءً”
ابتلعت ريقها وهي تبعد الصبي عنها تنهض من مكانها تحاول نفض ثيابها وهي تبرر له ما حدث :
” أنا هفهمك اصل وانا رايحة المكتبة فجأة ….فجأة لقيت منذر بيعيط، الولد المسكين وقع وهو بيلعب مع صحابه، وانا ….أنا عشان واجبي كممرضة وانسانة بحس قولت لازم ااا”
رفع سالار يده لتتراجع للخلف كعادتها مطلقة صرخة مرتفعة وهو فقط رفع يده ليشير لها أن تتحرك خلفه مبتسمًا بسمة جانبية :
” من بعد مولاتي ”
تنفست تبارك بصوت مرتفع تضم يديها لصدرها بريبة منه، ثم هزت رأسها تتحرك بسرعة أمامه وهي تحاول أن تزيد من خطواتها لتهرب منه، لكنه كان يلحق بها بخطوات قوية .
دخلت القصر وهو يسير خلفها بقوة وملامح جامدة وقد ابصرهم الجنود ليتنفسوا الصعداء أن القائد انقذ الملكة واحضرها، معتقدين أنها كانت في خطر محدق .
كانت تبارك تسير في الممرات وهي ترى نظراته الجميع لها تتعجب كل ذلك، هل طالت غيبتها لهذه الدرجة ؟! هي فقط تأخرت قليلًا .
فجأة وجدت نفسها أمام الجناح الخاص بها لتستدير متعجبة صوب سالار تسأله :
” احنا مش هنروح المكـ ”
قاطع كل ذلك يمد يده ليفتح باب الجناح الخاص بها يقول بملامح جامدة وصوت ثابت لا مشاعر به :
” تفضلي لترتاحي مولاتي ”
نظرت له تبارك ثواني وكادت تتحدث، لكنه قاطعها بصوت أكثر حدة رغم أن ملامحها لم تتغير :
” تفضلي مولاتي ”
ابتلعت تبارك ريقها تتحرك صوب الغرفة الخاصة بها تهز رأسها بهدوء وبمجرد أن دخلت سمعت صوت غلق الباب بقوة لدرجة انتفاضة جسدها ومن ثم سمعت صوت سالار من الخارج يقول بقوة :
” إياكم أن تغيب عن أعينكم ثانية واحدة، وإلا لن أجد أمامي سواكم لمعاقبتكم إن أصاب الملكة سوء ”
التوى ثغر تبارك بقوة معترضة على كل ذلك، مهلًا هل هي صغيرة ليضع من يراقبها ؟! حتى الملك لا يراقبها بهذا الشكل و…مهلًا مهلًا، الملك لا يعاملها من الأساس بهذه الطريقة الغبية والصارمة، من هذا السالار ليصدر أوامره لها ؟؟
وعند هذه النقطة اشتعل صدر تبارك لتتحرك بسرعة صوب الباب وقد شحنت نفسها بالغضب في لحظات نادرة، فتحت الباب بقوة تصرخ :
” من أنت لـتصدر أوامر تسير عليّ ؟؟”
لكن سالار والذي كان قد أنهى حديثه مع الجنود نظر لها نظرة صغيرة، ثم هز رأسه باحترام شديد.
وغادر بكل بساطة وهي تقف مكانها بصدمة :
” ايه دي ؟! يعني ايه الهزة دي ؟؟ أنت بتهددني ولا ايه ؟! لا بقولك ايه مش عليا ؟! مش عشان سكت على معاملة العبيد دي هتسوقوا فيها و…”
كانت تتحدث وهي تتحرك خارج الجناح بغضب شديد لا تدرك من هذا الذي أعطى لنفسه صلاحية التحكم بها وهي من كانت تعيش حرة طليقة، لكن فجأة وجدت الحراس يتحركون خلفها لتتوقف وتنظر لهم بغيظ شديد، ثم عادت إدراجها بسرعة تغلق الباب بقوة خلفها وصوت زفراتها يعلو في الإرجاء.
___________________
تجلس في مكتبة العريف باكية بخوف مما رأت وما حدث وجوارها مرجان يضمها لصدره بحنان شديد وهو يربت أعلى ظهرها ملاطفًا لها :
” هيا ليلا، توقفي عن البكاء عزيزتي، فهو لا يليق بجميلة مثلك ”
نظرت له ليلا تقول بخوف شديد :
” لقد كانت تقتلها أمام عيوني مرجان، وأنا كنت جبانة بالقدر الكافي كي لا استطيع إنقاذها
” لا حبيبتي أنتِ لستِ بالجبانة أبدًا ليلو الجميلة، أنتِ اقوى امرأة في هذا العالم، يكفي أنكِ لم تتواري خيفة، بل ركضتي لتحضري المساعدة ”
نظرت له ليلا بأعين دامعة وخوف شديد :
” نعم، لكننا لم نعلم بعد مصير تلك الفتاة المسكينة، وإن كانت تلك الشريرة قد تخلصت منها أم لا ”
ربت مرجان أعلى رأسها يقول بهدوء شديد وتعقل :
” لا تقلقي حبيبتي الله معها، وانا متأكد انها بخير ”
هزت رأسها وهي تضم شقيقها أكثر بحب شديد، بينما العريف يجلس أمامهم وهو يقرأ في كتابه يرمقهم من خلفه بحنق شديد، ثم اعتدل في جلسته يقول :
” أنتِ ايتها الشابة تعلمين جيدًا أنني أكره أصوات بكاء النساء خاصة داخل جدران مكتبتي، لذلك إما أن تتوقفي عن البكاء أو اطردك أنتِ وشقيقك للخارج و….”
توقف فجأة عن الحديث حين رأى مهيار يتقدم منهم بهدوء ملقيًا السلام عليهم قائلًا :
” ارسلت لي أيها العريف ؟!”
ابتسم العريف بسمة واسعة خبيثة :
” أوه مهيار العزيز، نعم لقد ارسلت لك كي ترى تلك الفتاة البكاءة فهي منذ دقائق قليلة فقط كانت قد اغشي عليها، لكن لا بأس ها هي أضحت كالقردة ”
استدار مهيار بعدم فهم متحدثًا :
” فتاة ؟! لماذا لم ترسل للطبيبة إذن و…”
فجأة توقف بصدمة حينما أبصر تلك الفتاة البكاءة وهي تسكن احضان مرجان، هتف بصدمة كبيرة لرؤيتها بهذا الانهيار :
” آنسة ليلا ؟!”
رفعت ليلا عيونها لمهيار لا تود رؤيته في هذه اللحظة تحاول أن تتحدث بصوت منخفض :
” مرحبًا سيدي الطبيب ”
اعتدلت بين ذراعي مرجان الذي لم يحررها لحظة واحدة وهو ينظر بتحفز لمهيار الذي جعل شقيقته ترتجف بين ذراعيه .
تحرك مهيار صوبها بهدوء شديد ودون أن يشعر جلس القرفصاء جوار مقعدها على بعد معين وهو يقول بهدوء شديد وخوف :
” ما بكِ ليلا ؟! ما سبب بكائك ؟؟”
نظرت له ليلا بصدمة وهي تراه يرمقها بأكثر النظرات حنانًا في العالم، بل وكأنها العالم، أو هكذا تمنت هي في هذه اللحظة، ابتسمت دون شعور ليبتسم هو لها بلطف يردد كلماته بخوف واضح :
” أنتِ بخير ليلا ؟!”
وفي تلك اللحظة تمنت ليلا لو تخبره أنها ليست بخير، إن كانت سترى نظرات الخوف والحنان تلك في عيونه فهي على استعداد ألا تكون، بالله هي بائسة من هذا الحب لهذه الدرجة .
” تريدين مني إحضار الطبيبة لفحصك ؟؟ أو اصنع لكِ مشروبًا مهدئًا ؟؟”
جذبها له مرجان يقول بهدوء وقد شعر بالغيرة الشديدة على شقيقته التي يعلم مقدار حبها لذلك الرجل، ومن غيره يعلم ذلك هو والعريف الذي يشهد نقاشاتهما الطويلة حوله :
” لا شيء سيد مهيار هي فقط تشعر بالتعب وسوف أذهب معها للمنزل، لا تقلق هي بخير حال لتقلق عليها بهذا الشكل ”
نظرت ليلا لمرجان بتعجب، ثم نظرت لمهيار الذي استوعب فجأة ما يفعل، نهض عن الأرض يعدل وضعية سترته البنية، ثم نظر لها بهدوء يقول بجدية كبيرة محتفظًا ببسمته :
” نعم، اعتذر أنا فقط خشيت أن يكون سوء قد أصابها”
ابتسم له مرجان بشكل مستفز جعل ليلا تتدخل قائلة :
” أنا بخير سيدي الطبيب لا تقلق ”
ولم تكد تتحرك سنتيمترًا واحدًا بعيدًا عن احضان مرجان، حتى جذبها الاخير له يقول بغيظ :
” نعم سيدي الطبيب هي بخير ”
رفع مهيار حاجبه يبتسم بسخرية :
” أرى ذلك مرجان، لكن ترى ما سبب امساكك لها بهذه الطريقة هل تخشى أن تطير بعيدًا عنك ؟!”
اتسعت عيون ليلا تبتعد عن يد مرجان بسرعة بينما مرجان التوى ثغره حانقًا لا يريد أن يقترب مهيار من شقيقته، يكفي أن الأخيرة حمقاء بالقدر الكافي لتذوب بكلمة واحدة منه .
” لا أنا فقط أخشى أن تسقط ارضًا إن تركتها ”
ختم حديثه يجذب له ليلا مجددًا يضمها له بقوة معاندًة إياها، بينما ليلا نظرت له بغيظ شديد لينظر هو لها بغيظ اكبر يقول بصوت مرتفع :
” ماذا ؟!”
” مرجان أيها السخيف دعني ”
همس لها مرجان بصوت منخفض معاند :
” لا لن أفعل، سوف اقيدك بهذا الشكل كي اتحكم في تلك القلوب التي تتطاير صوب هذا الرجل يا حمقاء ”
أجابته ليلا وهي تضرب قدمه في الاسفل بقوة :
” دعها تتطاير صوبه بدلًا أن تتطاير صوبك أنت وتصطدم في وجهك مصيبة إياك بالعمى أيها الأحمق ”
صرخ مرجان بصوت متألم يحاول أن يتحمل وجع قدمه دون أن يفك يديه عنها :
” ابدًا لن افعل ايتها الغبية، الرجل لا يراكِ، أين كرامتك يا بلهاء ؟!”
شعرت ليلا بالغضب يشتد داخل صدرها وهي تناظر مرجان بعصبية ترتفع على اطراف قدمها، ثم عادت برأسها للخلف ودون مقدمات اندفعت بها صوب خاصة مرجان متسببة في ارتجاج لهما هما الاثنين وصوت صرخات الاثنين يعلو في المكان .
تركها مرجان يصرخ وهو يضع يده أعلى رأسه :
” أيتها الغبية كل هذا لأنني اساعدك لإنقاذ كرامتك ”
كانت ليلا كذلك تضع يدها بوجع أعلى رأسها صارخة :
” يا الله أشعر أن عقلي تحرك من مكانه ”
كان مهيار يراقب كل ذلك بأعين مرتابة يضع يده أعلى فمه يشاهد ما يحدث أمامه، يشعر أنه يقف أمام طفلين، وكلما أصاب ليلا شيئًا انتفض جسده انتفاضة غير ملحوظة وهو يتحرك صوبها ليرى أنها ردت الضربة له بالمثل، فيعود مكانه يراقبها بأعين خائفة بعض الشيء .
بينما العريف يراقب ما يحدث بغيظ وتشنج :
” أيها الاحمقين، كلما حاولت التقريب بينهما، افسدتما الأمر ، أنا محاط بالعديد من الاغبياء هنا، لقد ارسلت للرجل خصيصًا كي أتخلص منهما و…”
توقف العريف حين أدرك نظرات مهيار المصدومة له ليبتسم بسمة صغيرة وهو يقول :
” حسنًا، ربما تحتاج للذهاب الآن بني، كي لا نعطلك كثيرًا بمشاكل هذين الغبيين ”
ارتفع حاجب مهيار وهو يحرك عيونه صوب مرجان وليلا اللذين كانا يمسكنا ببعضها البعض وكلٌ منهما يهدد الآخر بتركه اولًا قبل أن يتركه هو، نعم الآن تأكد أنهما شقيقان .
” إذن آنسة ليلا تبدين بخير حال، لذلك استأذنك بالرحيل ”
اعتدلت ليلا بسرعة كبيرة تنظر له بلهفة وهي تقول :
” ماذا ؟؟ نعم نعم أنا بخير حال وهذا ما حدث كان فقط مجرد مزاح و …”
فجأة شعرت بضربة من مرجان الذي قال بغيظ شديد :
” توقفي عن التحدث بهذه الرقة معه، هكذا سيطمع بكِ ”
نظرت له ليلا بشر تصرخ بجنون أن أفسد لقاءها مع الطبيب تنقض عليه دون تفكير :
” سأقتلك يا رأس الكتاب أنت”
وفي ثواني كانت تجذب شعره بجنون وهو يصرخ محاولًا أبعادها عنه مبررًا كل ذلك :
” أنا أفعل هذا لمصلحتك ايتها الناكرة للجميل ”
نظر لهما مهيار ثواني قبل أن يتنهد بصوت مرتفع راحلًا من المكان تاركًا العريف يكاد يصاب بالقلب مما يحدث بين هذين الغبيين .
” ليخلصني الله منكم اجمعين ”
_____________________
تسير في الممرات مع زمرد متحركة صوب السجن لزيارة برلنت بعدما علمت ما فعلته زمرد في تلك الفتاة التي اتهمت برلنت بالسرقة .
زفرت زمرد بحنق شديد :
” ماذا، لا تنظري لي بهذا الشكل، هي حية اقسم لكِ ”
صرخت بها كهرمان بصوت مرتفع سرعان ما تداركته حين لاحظت وجود الكثير حولها :
” كدتي تخنقين الفتاة ؟! يا امرأة ما به عقلك ؟! لقد …لقد شاهدتك إحدى الفتيات ماذا لو ابلغتهم بصفاتك ؟!”
نفخت زمرد بعدم اهتمام :
” لن افعل فقد كانت الإضاءة خافتة في الممرات القريبة من مكتبة ذلك العجوز، ثم أنا لم انزع لثامي ”
صمتت تتذكر تلك اللحظات التي أمسكت بها الفتاة بالقرب من المكتبة لتهددها، لكن الفتاة لم تصمت وهي تزيد من استفزاز زمرد التي جن جنونها ومدت يدها لتخنقها كتهديد لها فقط، لكن فجأة سمعت صوت صراخ فتاة تستنجد بالجميع أن هناك قاتلة حقيرة في القصر .
نعم هي القاتلة الحقيرة .
كانت تفكر زمرد وهناك بسمة واسعة ترتسم على وجهها، هي ليست مجرمة مختلة أو تحب القتل والعياذ بالله، لكنها فقط تكره، بل تمقت أن يتحداها أحدهم أو يستفزها، وربما هذا سبب كل مشاكلها مع قائد الرماة، أنه يتحداها ويستفزها، ذلك الوسيم .
فجأة شعرت زمرد بتوقف جسد كهرمان مثير للريبة، نظرت جوارها بتعجب وهي تقول :
” ما بكِ ؟؟ تحـ ”
وقبل أن تكمل كلماتها انتفضت كهرمان من جوارها بشكل مرعب وهي تركض في الممرات صارخة بصوت ملهوف كالتائه في الصحراء الذي أبصر بئر مياه :
” يا عم …يا عم …يا عم ”
كانت تركض بجنون وهي تبصر في نهاية الممر أمام قاعة العرش رجلًا تعرفت عليه بلمحة واحدة، العم محمد الذي كان يخطب في مسجد العاصمة في مشكى، نعم هو بالله هو، لا يمكن أن تخطأه ولو بعد سنوات فهو كان مقرب من شقيقها وهو …هو من حفظهما القرآن في طفولتهما .
نست كهرمان أين هي وماذا تفعل وأنها هنا خادمة، وأنها في نظر الجميع ميتة، فقط رأت أحد يحمل رائحة وطنها، شخص يحمل ملامح أبناء بلادها، سقطت دموعها بقوة وهي تركض بلهفة شديد :
” يا عم انتظر، يا عم هذه أنا..أنا هي الامـ ”
وقبل أن تكمل كلماتها شعرت بمن يدفعها بشيء صلب بسرعة لممر جانبي مانعًا إياها من الحديث، قبل أن تنطق بكلمة، وعلى بعد صغير منهم كانت زمرد تتابع كل ذلك بصدمة، صديقتها ركضت كالمجنونة بين الممرات تنادي لشخص لا تعرفه هي، ثم فجأة دفعها القائد سالار لممر جانبي بسيفه .
انتفضت تركض بسرعة صوب ذلك الممر تتحسس خنجرها، خنجر تعلم أنه لن يساعدها إن قررت الهجوم على القائد إن قرر أذية رفيقتها …
لكن حينما اقتربت من الممر رأت جسد كهرمان منهارًا ارضًا والقائد يقف أمامها بجمود وكأن لا شيء يحدث حوله قد يثير تعاطفه .
” توقفي عن البكاء، ما كان أرسلان ليفتخر أنه يمتلك شقيقه ضعيفة مثلك ”
رفعت كهرمان عيونها له تشعر بالانهيار والقهر، الذل يقتلها، بعدما كانت أميرة بلاد، أضحت خادمة في قصر آخر..
” أردت أن أعلم منه ما حدث، ارجوك، أنا ارجوك يا قائد إن كان شقيقي يمتلك لديك ولو ذرة صداقة صغيرة دعني أرى العم محمد، اريد الحديث معه، اريد معرفة سبب وجوده هنا، أن اطمئن على بلادي، أتوسل إليك ”
كان هذا كثيرًا عليها، أن تتوسل أحدهم لهو أمر ظنته يومًا محال، لكن لأجل وطنها ستفعل وستفعل أكثر.
تنهد سالار وشعر بالشفقة عليها وعلى ما وصل له حالها، وازدادت نيرانه نيرانًا وأقسم في نفسه أن يعيد لها مكانتها كأميرة لمشكى ويعيد لها وطنها وهذا أقل ما يقدمه لصديقه الحبيب .
” انهضي سأساعدك لمعرفة ما جاء لأجله ”
رفعت كهرمان رأسها لها بصدمة ليتحرك هو بهدوء شديد خارج ذلك الممر، لكنه وجد جسد يقف في مقدمته يناظره بفضول كبير، رفع عيونه لزمرد التي عادت للخلف بصدمة من نظراته تتلاشى التحديق بعيونه وهي تتحرك لتساعد كهرمان .
وهو سار صوب القاعة ليقابل أثناء ذلك الملكة والتي كانت تتجه حيث يتجه هو حسب أوامر الملك لها .
توقفت تبارك ترمقه بغيظ شديد وغضب وقبل أن تتحدث بكلمة واحدة توقفت متعجبة خروج فتاتين من الممر الذي خرج منه للتو، واحدة منهما منهار بشكل مثير للشك، رفعت تبارك عيونها له ليتنفس هو رامقًا إياها بنظرة غامضة،