رواية قلوب حائرة الجزء الثاني الفصل السابع العشرين 27 بقلم روز امين
وما العُمرُ إلا لحظةً،لحظةً وينتهي كلُّ شئٍ وكأنَّنا لم نكُن،نتركُ العالمَ بأسرِهِ ونُبْحِرُ عائدينَ من رِحْلتِنا الشاقَّةِ إلي ديارِنا الحقِّ،نعودُ في رحلةٍ لا يوجد بها مُسافراً سِوانا،لا جليسَ لا ونيسَ تاركين خلفَنا الجميعُ حتي من تعلًَقت بهم أرواحَنا،كما أتيْنا خاليين نرحلُ "ولكن" نتركُ أثراً يضَلُ في النفوسِ،إما بالإيجابِ أو بالسَلبِ.
بقلمي روز آمين
توقف المصعد وهرول منه وجد تجمع كبير من الأشخاص يقفون أمام مدخل الحُجرة المذكورة فركض حتي وصل وبانفاسٍ مُتقطعة بات يُبعد الجميع بيداه ليفسح المجال لحالهُ كي يصل إلي زوجتهِ وكأنهُ يسبحُ ضد التيار،إستمر هكذا حتي وجد حالهُ بالداخل،توقف بمكانهِ وكأن ساقاهُ تسمرت بأرضيهما،إتسعت عيناه بذهول وقام بوضع كفاه فوق رأسهْ وبات يهزها يميناً ويساراً والذهول وعدم التصديق والتقبُل هم سيد موقفهُ الذي لا يُحسد عليه
رأها،نعم هي زوجتهُ،ليتها تصبح شبيهتها بالملامح ولم تكُن هي بذاتها،ولكن كيف وهو الذي يحفظ ملامحها عن ظهر قلب،كانت مستلقيه فوق مقعدها كما هي،بكامل ثيابها حتي حجابها مازال مُثبتاً فوق شعر رأسها،تزحزح ففط قليلاً للخلف وظهر منهُ بعض خصلات شعرها مما أظهر أنها شقراء،ومُرتفع أيضاً للأعلي كي يُسهل عليهما عملية ذبح العُنق التي تُدمي القلوب لرؤياها
تزلزلتُ الارض من تحت قدماه وهو ينظر لمظهرها الذي تقشعرُ له الأبدان،تحرك بساقيه حتي إقترب عليها وبات ينظر لملامحها الملائكية التي وبرغم ما فعلوهُ بها إلا أنها كانت كطفلةٍ تغفو بسلام،فقد قاموا بقطع عُنقها وهي مُنومة فلم تشعر بشئ وبالتالي فلم تزعُر
إنتفض قلبهُ صارخاً وكاد أن يتلمسُ وجنتها أوقفهُ صوت الشُرطي الرادع قائلاً بصياح:
-ماذا تفعل يا رجُل،إبتعد من هُنا وأنصرف خارج الحُجرة
مازال يصوبُ نظرهُ عليها ثم حدثهُ بصوت رجُلاً بائس يلفظ أنفاسهُ الأخيرة:
-إنها زوجتي،تلك المستلقية والغارقة بدمائها الطاهرةً تكون زوجتي ذات القلبُ البريئ،والتي لا جُرم لها سوي أنها فقط قرينتي
أشار لهُ الرجل وتحدث بأسف:
-من المؤسف ما حدث لها سيدي،فلتبقي بمكانك أذاً ولكن دون لمس الضحية كي لا تُضيع أثراً من المؤكد أنهُ سيُساعدنا في الوصول السريع إلي مُرتكبي تلك الجريمةِ الشنعاء
دقق بالنظر بملامحها وتحدث إلي الشُرطي ببادرة أمل يُمني بها حاله:
-أريد فقط أن أري ما إذا كانت مازالت علي قيد الحياة لنُنقذها
هز الرجُل رأسهْ نافياً بأسي:
-مع الأسف سيدي،زوجتك فارقت روحها الحياة مُنذُ ما يُقارب من العشرةِ ساعات،وهذا ما تم توقعهُ من تصلُب جَسدها المتيبس
إستمعَ لحَديثِ الشُرطِيِّ الذي أنهي علي أخَرِ تمنِّي له ونزلَ عليهِ كصاعِقَةٍ كهربائيَّةٍ هزت كيَانَهُ وسحقت بجميعِ أمالِه،بقلبٍ يَئِنُّ من ثُقلِ ما يري ويتمزقُ لأجلِها حدَّث حالَهُ بأنينٍ:
-لما عزيزتي،لما؟
لما أسلمتي لهم حالَكِ بسهولةٍ ودعوتِهم يتفنَّنُون بذبحِي عن طريقِك بتلك الصورةِ البشعةِ؟
ألم أُحَذًِرك غاليتي،ألم أقل لكِ بألا تُعطي لهم الفرصةَ كي يُؤذوني بكم؟
وأكمل حديثه النفسي متألماً:
-الآن قولي لي،ماذا سأفعل وكيف سأُتابع حياتي حاملاً فوق عاتقي إثمُكِ العظيم
أهٍ ليالي،كيف سأواجهُ حالي وأنظر بمرآتي من جديدٍ وخطيئتِي بحقِّكِ أصبحَت كطوقٍ من حديدٍ يلتفُ حول عُنقِي ويضغطُ بقوَّتهِ فوقَهُ ويكادُ يَخرجُ بروحي؟
واسترسل متوجعاً:
-وصغاري،بما سأخبرهم إذا سألوني عنكِ؟
وابنتُكِ التي تنتظرُني وتتشوقُ لرؤياكِ،كيف سأُنبِّؤها بذاك الخبرِ المشؤومِ وانا الذي وعدتها بأن أُعيدُكِ إليها سالمةً
مال برأسهِ ورُغماً عنهْ نزلت دمعةٍ هاربةٍ واسترسل حديثَ النفسِ بتيقُن:
-رُغم حيْطَتِي كُنت أعلمُ أن ضربَتَهُم آتيةً لا محال،لكنَّ الذي لم أتوقعهُ أنها ستأتيني بتلك القوةِ المزلزلةِ لكياني،فقد ذبحوني عنكِ عزيزتي،نعم أوجعوني بكِ،لقد إستغلوا ثغرةَ برائتِك وسذاجةِ تفكيركِ وحُسنِ ظنكِ بالجميع
واسترسل مُستنكراً:
-"ولكن"كيف لهم أن يفعلوا بكِ هكذا أيتُها البريئة،يا لقساوةِ قلوبهم التي جعلتهم يقْدُمون علي قطعِ عُنقك بكُل تلك الوحشيةِ وأنتِ التي لا ذنب لها،أنا المقصودُ فما ذنبُكِ؟
" بأي ذنبٍ قُتلتي عزيزتي"
ليتني لم ارسلَكِ إلي الموتِ بيدي فقيدتي
صرخ داخلهُ واسترسل بتيهةً:
-آه ليالي،أأصبحتي حقاً فقيدتي!
أولم أراكِ بعدَ اليومِ؟
أولم تجادلينني وتجعليني أثورُ وأفور وأنا أتناقشُ معكِ؟
وصغاري،كيف لهما أن يُكملا حياتِهِما بدونكِ،حتي وإن لم تكوني لهما الأمُّ كما يجب أن تكون،لكنكِ تُبْقِين غاليتِهما والمفضلةِ من كُلِّ نساءِ العالمِ والتي لا يُمكنُهما الإستغناءُ عنْها.
وإلي هُنا لم يستطع التماسك وأنهمرت دموعهُ لتُجري فوق وجنتاه كشلالِ مياه،بكي وشهق علي مظهرها الذي يُبكي الحجر،دخل إليه أحد رجال السفارة المصرية والذي أبلغهُ رجال المخابرات بأن يذهب إلي موقع الحادث لصفته الرسمية حيث أن السفارة الجهة الرسمية الوحيدة التي يمكنها التدخل لحل مشاكل المواطن المُغترب ولا يحق لرجال المخابرات أو غيرهم بالتدخُل حيثُ أن تواجدهم بالبلاد يكون بصفة غير رسمية
وقف الرجل بجانبه وهمس بهدوء:
-حاول تتماسك يا سيادة العميد والسفارة هتخلص لسعادتك كل الإجراءات اللازمة
إستفاق لحالهُ وبتعجل جفف دموعهُ وتحدث بنبرة جادة:
-عاوز أستلم جثة مراتي في أسرع وقت يا أفندم،
واسترسل راجياً:
-أرجوك
ما تقلقش،إحنا هنتدخل بكل قوتنا وهنحاول نخليهم يسرعوا إجراءات التشريح علشان نستلم الجثة بعدها...كلمات نزلت علي قلب ياسين بمنتهي القساوة وكأنها سوطٍ جلد روحهُ فأدماها وازاد وجعاً فوق وجعها
تحدث الضابط الألماني بلغتهِ الأم عندما رأي وصول الحامل التي ستُنقل به الجثة إلي المشرحة إستعداداً لعملية التشريح ومعرفة سبب الوفاة وملابسات الحادث:
-الكُل يبتعد ويُفسح الطريق
ونظر إلي ياسين وتحدث بنبرة عملية:
-وأنتَ أيها السيد،هيا معنا إلي قسم الشرطة كي تُدلي بأقوالك وما إذا كُنت تتهم أحدهم في مقتل زوجتك
لم يستمع لكلمة واحدة مما قِيلت لتركيزهُ المباشر علي أم أطفاله التي يحملوا جسدها فوق ذاك الحامل اللعين،كان يُريد الصُراخ وبأن يقوم بنفض أياديهم اللعينةُ عنها" ولكن" أوقفهُ عقلهُ الذي مازال جزءاً منهُ مُستيقظاً
جذبهُ مسؤول السفارة من ذراعه كي يعي علي حاله ويبتعد وتحدث إلي الضابط الذي ينتظر إجابة ياسين:
-يُمكنك الإنصراف حضرة الشُرطي وأنا سأهتمُ بأمر السيد ياسين،وسنتبع سيارتك ونتحرك خلفها مباسرةً بسيارتي الخاصة
وافقهُ الشُرطي وتحركَ ياسين منساقاً خلف جُثمان زوجتهُ بقلبٍ يأنُ وجعاً ويصرخ من شدة تمزقهُ
❈-❈-❈
داخل مكتب عز المغربي المتواجد بمنزلهِ حيثُ مازالَ جالساً يترقب هاتفهُ بقلبٍ يرتجفُ خشيةً من المجهول،وهاتان المليكة والمنال مازالتا تجلستان بنفس وضعيهما والخوف والقلق ينهشان داخليهما،إنتفضت أجساد ثلاثتهم عند إستماعهم إلي رنين هاتف عز الذي صدح واخرجهم من حالة التشتُت والتيه،أجاب علي الفور عندما وجد نقش حروف إسم سيادة رئيس الجهاز وعلم أن الأسوء قد أتي بالفعل:
-أهلاً يا افندم،أنا سامع جنابك
تنهد الرئيس بأسي وتحدث:
-البقاء لله في زوجة العميد ياسين يا سيادة اللواء.
نزلت تلك الكلمة علي قلب عز زلزلته واشعرتهُ بالألم الشديد فتحدث الرجل من جديد بإعلام حين وجد الصمت من ذاك المصدوم:
-مش عاوزك تقلق علي ياسين وبنته،رجالتنا معاهم ومحاوطاهم،أنا بعت لك فرقة حراسة علي بيتك هتوصل كمان نص ساعة بالكتير علشان تأمنكم
واسترسل بنبرة عملية:
-ومحتاجك تيجي لي حالاً،فيه عندنا إجتماع عاجل لمتابعة تبعيات عملية الإغتيال،محتاجين نستفيد من خبرتك في المواضيع اللي زي دي علشان نشوف هنتصرف إزاي
نطق عز بنبرة خافتة:
-تحت أمر جنابك،مسافة السِكة وهكون في الجهاز
أغلق الهاتف وهب واقفاً بملامح وجه متألمة،سألتهُ منال التي بدأ الرُعب والشك يتسللان إلي قلبها:
-فيه إيه يا عز؟
واسترسلت بريبة:
-ليالي حصل لها حاجة؟
دقق النظر داخل عيناها المتلهفة لنطق كلماتهِ كما العطشان الذي يحتاجُ الإرتواءِ بشدة كي يضلُ علي قيد الحياة وتحدث بنبرة متألمة:
-البقاء لله يا منال،ليالي تعيشي إنتِ
أااااااه...صرخة مدوية خرجت من منال رجت بها أرجاء المنزل بأكملة وإستمع لها جميع من في المنزل وعلي أثرها هرولوا متتبعين مصدر الصرخة،أما مليكة التي أصابها الذُعر واتسعت عيناها بذهول،وضعت كفاها فوق فمها تكتم شهقاتها العالية وتحدثت بتيهة وعدم إستيعاب للخبر المشؤوم:
-لا،لا،أكيد فيه غلط
صرخت منال بكل ما أوتيت من قوة ووضعت كفاها فوق صدرها وصاحت بنبرة متوجعة:
-أه يا ليالي،أااااه يا بنتي
تحرك عز بساقان بالكاد تتحملا جسدهُ مُتخطياً كِلتا الصارختان وقام بفتح باب المكتب ليهرول إلي رئيس الجهاز لمتابعة الموقف وليطمئن علي فلذة كبدهِ وحفيدتهُ،وما أن أمسك مقبض الباب وقام بفتحهِ حتي وجد جميع ساكني المنزل بوجههُ،سألتهُ چيچي بنبرة هلعة:
-فيه إيه يا بابا؟
طنط منال بتصرخ ليه؟
لم يجب علي تسائلها وتحرك بطريقهُ تاركاً خلفهُ قلوباً تتوجعُ وتصرخ من شدة الألم وعدم التصديق هو سيد موقف الجميع،خرج من البوابة الحديدية وتحدث إلي الحرس:
-جهز لي العربية حالاً
هرول الرجل ليُجلب له السيارة في حين تحدث عز من جديد مخاطباً الحارس الآخر بنبرة حَذرة:
-فيه عربية حراسة جاية الوقت تساعدكم في حماية بيتي وبيت رائف بيه،مش عاوز نملة تعدي جوة أو تخرج من البيتين لحد الحراسة ما توصل، مفهوم
طأطأ له الرجل رأسهْ عدة مرات متتالية وسأل بارتياب:
-خير يا سعادة الباشا،هو الصويت اللي جوة ده بسبب إيه؟
مدام ليالي تعيش إنتَ يا كامل...قالها بأسي شهق الرجل وتنهد بألم،فوجئ بخروج ثُريا وهي تهرول من خارج منزلها وتتجه إليه فور إستماعها لصريخ منال بعدما أبلغت عَلية بغلق الأبواب وحماية الصغار،سألته بأنفاسٍ متقطعة:
-فيه إيه يا سيادة اللوا؟
ليالي ماتت يا ثُريا...نطقها بعيناي متألمة أثارت حُزن تلك التي نطقت بألم:
-لا حول ولاقوة إلا بالله،إنتَ مُتأكد من الخبر ده يا عز؟
بإبابة أجابها:
-رئيس الجهاز بنفسه لسة مبلغني الخبر في التليفون
ماتت إزاي؟...هكذا سألته فأجابها رافعاً منكبيه باستياء:
-ما أعرفش أي تفاصيل
بعيناي مذعورة هتفت مستفسرة بنبرة قلقة:
-وياسين والبنت فين؟
علي عجالة أجابها:
-بخير ما تقلقيش
بعيناي راجية تحدثت:
-إعمل إتصالاتك وهات ياسين والبنت في أسرع وقت يا عز،أكيد حياتهم هناك في خطر
ما تقلقيش،رجالة الجهاز معاهم وأول ما تخلص الإجراءات هيجيبوا جُثة ليالي وييجوا...قالها بتمزق ظهر بصوته فتحدثت وهي تتعمق بعيناه وتري ضعفهما وحزنيهما الذي شق صدرها لنصفين:
-إجمد يا عز وخلي بالك من نفسك،كُلنا محتاجين لك ومفيش غيرك يسند ياسين في مصيبته الكبيرة دي
أومأ لها بطمأنة ثم تحدثت بعيناي متوسلة:
-إدخلي لمنال وأقفي معاها يا ثُريا،إنتِ بنت أصول وهي في أزمة ومحتاجة لواحدة عاقلة زيك تاخد بإيدها
هتفت معاتبة إياه:
-إيه اللي إنتَ بتقوله ده يا عز،هو إنتَ فاكر إني مش هدخلها وأقف جنبها؟
عُمرك ما خيبتي أملي فيكِ يا بنت المغربي...نطقها شاكراً ثم وجدا يسرا ونرمين وسارة يهرولون إليهم بعدما وصل لديهم أصوات الصريخ التي باتت تطلقها كُلً من منال والعاملات،صُدم الثلاث بعدما استفهمن من ثريا عن سبب إطلاق الصراخ،تحرك عز إلي وجهته ودلفن جميعهُن إلي الداخل ليقفن بجانب منال والفتي،هاتف عز طارق وابلغهُ بالخبر المشؤوم وطلب منهُ العودة سريعاً إلي المنزل للوقوف بجانب أبن شقيقهُ ووالدتهُ
❈-❈-❈
بعد الظهيرة
وصلت لمار ووليد إلي حي المغربي بسيارة وليد الخاصة حيثُ ذهبت لمار معهُ بالصباح كي يذهبا إلي الميناء لإستلامهم الشُحنة وأستلماها بالفعل واطمأنا علي أنها وصلت إلي المخازن بسلام وبعدها إستقلا السيارة عائدين،وقد أوصي عز عبدالرحمن من خلال الهاتف بأن يمتنع هو وزوجته وزوجة وليد عن إخباره بوفاة ليالي،وابلغهُ أنهُ يفعل هذا لغاية في نفسه،فما كان من شقيقهُ المصدوم غير الطاعة والتنفيذ
توقف وليد بالسيارة أمام منزلهُ بعدما وجد حراسة مُشددة تحيطُ بمنزلي رائف وعز،ترجلت لمار من السيارة بساقان تهتزتان بعدما دب الرُعب داخل أوصالها حين وجدت تلك الحراسة الأمنية المُشددة وعلمت أن هناك حدثًُ جلل قد حدث،وما أرعبها هو فكرة إكتشاف حقيقتها التي سريعاً ما هاجمت تفكيرها،نظرت إلي وليد وتحدثت بارتياب:
-هو فيه إيه يا وليد؟
مش عارف،تعالي نشوف...جملة نطقها فتحدثت هي بانسحاب للخلف:
-بلاش،أنا بقول أرجع أنا الشركة أتطمن علي البضاعة واتأكد إنها وصلت للمخازن فعلاً
نظر لعيناها المذعورة وتحدث بنبرة خبيثة:
-شركة إيه اللي هترجعيها،ما انتِ سامعاني وأنا بكلم الحارس وأكد لي إن العربيات نزلت البضاعة ومشيت وإن الرجالة بتدخلها المخازن وترصها
بالكاد أنهي حديثهُ واستمعا إلي ضابط الحراسة الذي إقتربا عليهما وتسائل مستفسراً بصوتهِ الصارم وهو يوجه سلاحهُ بوجهيهما:
-إنتوا مين وواقفين هنا ليه؟
إرتعب داخل وليد وتحدث وهو يرفع يداها للأعلي في حركة إستسلامية:
-أنا وليد عبدالرحمن المغربي يا باشا،وساكن في الڤيلا اللي أنا واقف قدامها دي
وإنتِ مين؟هكذا سألها الضابط بحِدة فأجاب وليد نيابةً عنها:
-دي لمار مرات إبن عمي عُمر عز المغربي
رمقته بنظرة حارقة حيث كانت تُريد الفرار من ذاك المكان الذي أصبح كحلقة سينتهي داخلها أمرها،ولكن كيف لها الهرب وعيناي رجال كارم تحِطها من كل الجهات،تحدث الضابط وهو يُشير إليها إلي الداخل:
-إتفضلي يا هانم إدخلي الڤيلا
إبتلعت لعابها وتحدثت بنبرة جادة بصعوبة أجادت صُنعها:
-أنا عندي ميعاد شُغل مهم جداً ولازم اتحرك حالاً
واسترسلت بإبانة عِندما وجدت الضابط ينظر لها بريبة:
-أنا جيت مع وليد بيه علشان أخد عربيتي من الجراچ
تحدث الضابط بصرامة:
-مش هينفع يا أفندم،الأوامر اللي عندي بتقول إن ماحدش يخرج من البيت نهائي وده لسلامتكم
سألتهُ بنبرة حادة:
-يعني إيه مينفعش أخرج،هو كان حصل إيه للحراسة دي كلها؟
عقب علي سوالها بنبرة حادة:
-معنديش أوامر إني أتكلم،لما حضرتك تدخلي هتعرفي
واسترسل بغلاظة وهو يُشير إلي بوابة منزل عز الحديدية:
-إتفضلي قدامي يا أفندم
إدخلي يا لمار لما نشوف فيه إيه...جملة نطقها وليد نظرت عليه بيأس وتحركت أمام الضابط،دخلت إلي الداخل وجدت جمع هائل من نساء عائلة المغربي،زوجات أشقاء ثريا وزوجات أبناء عمومة عز المغربي،نظرت تتفقد الجميع وارتبكت حين وجدت منال تتوسط الأريكة وتحاوطاها ثُريا ويُسرا التي تُمسك برأسها وتضعها فوق كتفها وتحاوط كتفاها بذراعها في محاولة منها لتهدأة تلك المُنهارة ودموعها التي تنهمر فوق وجنتيها بغزارة وألم
وجدت إحدي العاملات الفلبينيات تتحرك أمامها فأوقفتها وتسائلت:
-هو إيه اللي حصل؟
أردفت العاملة بلغة ركيكة لعدم إتقانها اللغةِ العربية:
-مَدَاَم ليالي،مَات
شهقة خرجت منها وهزت رأسها بعدم تصديق وتحدثت بصوتٍ تسمعهُ أُذناها:
-ماتت،يا دي المصيبة،يا دي المُصيبة
فاقت علي حالها عندما وجدت أعيُن جميعهُن تصوب ناحيتها فهتفت بذعر موجهةً حديثها إلي منال بنبرة مُرتعبة:
-إيه الكلام اللي أنا سمعته ده يا Auntie،فعلاً ليالي إتقتلت؟
رمقتها راقية وكررت ما تفوهت به تلك اللمار:
-إتقتلت؟وإنتِ مين اللي قالك يا اختي إنها إتقتلت؟
إبتلعت لمار لُعابها واردفت بعدما أستعادت توازنها:
-يعني واحدة لسة صُغيرة في السِن وصحتها كويسة زي ليالي هتكون ماتت إزاي غير في حادثة أو قتل
لوت راقية فاهها ثم أردفت متهكة:
-طب إطلعي علي فوق يا غندورة وإلبسي لك حاجة عِدلة تقعدي بيها في عَزا سلفتك
واسترسلت وهي ترمقها بعدما حاوطت ذقنها بكف يدها:
-بدل المحزق والملزق اللي إنتِ لبساهولنا ورايحة جاية بيه ده
هرولت بالصعود إلي الأعلى وما أن إختبأت خلف باب غُرفتها وأغلقته حتي تنفست بصوتٍ عالي وكأن أنفاسها كانت مُحتبسة،دارت حول حالها بجنون ورُعب من ما هو قادم،كانت تريد مهاتفة المدعو عزيز علي عجالة،لكنها بالطبع لن تستطيع مهاتفتهُ من هُنا لوجود أجهزة التصنت،إرتدت ثوباً باللون الأسود سريعاً ونزلت من جديد إلي الاسفل لتنضم مع هؤلاء النسوة اللواتي يُبكين وينتحبن بقلوبٍ محترقة علي تلك التي غُدرت بغُربتها
❈-❈-❈
داخل قاعة الإجتماعات الخاصة بجهاز المخابرات المصرية
كان يجلس رئيس الجهاز بذاته يترأس طاولة الإجتماعات بداخل ما يُسمي بغرفة العمليات لمتابعة الوضع الراهن،وحولهُ لفيفٌُ من قامات الجهاز وعلي رأسهم اللواء السابق عز المغربي الذي دعاه رئيس الجهاز للإستفادة من خبراته السابقة في تلك المواضيع وأيضاً لوضعه في الصورة في قضية إغتيال زوجة نجلهْ
بتوقير تحدث الرئيس إلي عز المغربي لطمأنته:
-مش عاوزك تقلق يا سيادة اللواء،رجالتنا مع سيادة العميد ومحاوطاه ومش هيسبوه غير وهو في المدافن هنا في إسكندرية
واسترسل طالباً:
-أنا بس محتاج منك تتصل بيه وتوصيه بإنه لازم يرجع مع نعش مراته ويجيب بنته معاه علشان نقدر نأمنها كويس برجالتنا،وياريت توصيه يبعد عن الموضوع خالص وما يحاولش يتدخل وإحنا هنجيب له حق مراته لحد عنده
تنفس عز عالياً ثم تحدث متسائلاً:
-وتفتكر سعادتك إن سيادة العميد هيقتنع بكلامي لو قُلت له؟
واسترسل بملامح وجه حزيتة وقلبٍ مُحملاً بثُقل من الهموم:
-ما جنابك عارف هو قد إيه عنيد وخصوصاً في أخذ الحق،وده مش أي حق سعادتك،دي مراته اللي إتغدر بيها ولولا ستر ربنا كان زمان بنته هي كمان راجعة معاها في نفس النعش
تنهد رئيس الجهاز بألم وأردف قائلاً بيقين لمواساة عز:
-قدر الله وماشاء فعل يا سيادة اللواء،ياسين راجل مؤمن والمفروض يحتسب ويسيب لنا الموضوع
واستطرد بتوعُد:
-وإحنا هنجيب له العيال دي إن شالله يكونوا مستخبيين تحت الأرض،وساعتها يبقي يعمل فيهم اللي هو عاوزه
إستمع الجميع إلي صوت طُرقات فوق الباب،هتف رئيس الجهاز قائلاً للطارق بنبرة صارمة:
-إدخل
خطي بساقيهِ أحد الضباط المسؤلين عن مراقبة الجهات الإعلامية وهو يُهرول ويبدوا علي وجههِ الإنزعاج وهتف قائلاً بإحترام:
-في حاجة حصلت ولازم يكون عند سعادتك عِلم بيها يا أفندم
ضيق الرئيس إحدي عيناه وتسائل بحذر:
-حاجة إيه دي يا مُعتصم؟
بسط مُعتصم ساعديه ووضع جهار الحاسوب الذي جلبهُ معه صوب عيناي الرئيس وتحدث بنبرة قلقة:
-الموقع الإخباري إياه،نشر عن الحادثة بتاعة مرات سيادة العميد وذكره بالإسم ونزل صورته مع الخبر
إتسعت عيناي الرجُل وعز الذي نطق سريعاً متسائلاً:
-ناشرين صورة ياسين؟!
دقق الرئيس في الخبر وقرأهُ بصوتٍ عال ليُسمع المتواجدين ويُطلعهم علي الوضع:
-العثور علي جثة زوجة أحد ضباط المخابرات المصرية ويُدعي العميد ياسين عز المغربي مقـ.ـتولة بأحد الفنادق داخل دولة ألمانيا وألغاز تدور حول تواجدها بهذا الفندق في ساعة مُتأخرة من الليل،ويُذكر أن هذا العميد قام بالتخطيط وتنفيذ العديد من العمليات للقبض علي الجماعات التي يطلقون عليها بالمتطرفة
وقد تحدث لنا أحد شهود العيان من عُمال الفندق الذي شاهد الجُثة،بأن القـ.ـتل تم عن طريق الذبح بسكينٍ حاد بالرقبة
هتف أحد الرجال المسؤلون بنبرة قلقة:
-إنتشار الخبر مع صورة سيادة العميد كارثة يا أفندم وتعتبر ضربة كبيرة للجهاز
هتف عز مكملاً علي حديث ذاك المسؤول:
-ده غير إنها هتُعيق مهمة رجالتنا داخل ألمانيا وهتصعب عملية القبض علي الكـ.ـلاب دول
واسترسل بنبرة قلقة:
-كدة حياة ياسين وبنته أصبحت في خطر هناك
إستشاط داخل الرئيس لكنهُ أظهر عكس ذلك بحُكم خبرته وتحدث مُطمأناً للجميع:
-ما تقلقوش أنا هتصرف.
أشار إلي أحد الضُباط الواقفين وتحدث بنبرة جادة:
-خلي مكتب السكرتارية تطلب لي مكتب سفير... وقام بذكر البلد المتواجد به ذاك الموقع الإخباري العالمي،تحرك الضابط سريعاً ليُتابع ما كُلف به
وبعد دقائق معدودات كان الرجُل يتحدث بطريقة دبلوماسية بها بعض الحِدة واللوم بعدما ألقي التحية علي السفير:
-سعادتك شفت الخبر اللي منشور علي الموقع عندكم،يا أفندم كدة ما يصحش،الناس دي كدة بتعوق شُغلنا وبتأذينا
رد عليه الطرف الآخر محاولاً التهدئة وأبلغهُ أنهُ سيتم حذف الخبر في الحال،فتحدث الرئيس من جديد:
-ياريت الحذف يبقي بمنتهي السرعة قبل الخبر ما ينتشر،الخبر نازل من حوالي ست دقايق وعامل أكثر من عشرين ألاف مشاهدة لحد الآن
بنفس التوقيت داخل دولة ألمانيا
بوقت الظهيرة وبأحد النوادي الإجتماعية،كانت تجلس بمقعدها حول منضدة مستديرة تُراقب باهتمام من خلف نظارتها الشمسية صغيراها وهُما يعومان داخل حمام السباحة بصحبة الكابتن المسؤول عن تدريبهما،أمسكت جهاز الحاسوب الخاص بها لمتابعة سير العمل وللإطلاع أيضاً علي أخر مستجدات أخبار الحبيبة مِصر،لفت إنتباهها ذاك الخبر العاجل علي أحد المواقع الإخبارية الشهيرة،بدا علي ملامح وجهها الإنزعاج وهي تقرأ الخبر عن مقـ.ـتل زو جة العميد المِصري،دققت النظر بملامح وجه ذاك الياسين وهزت رأسها بحزن وأسي لطريقة مقتلها
وفي غضون ثواني حُذف الخبر وأختفي من أمام عيناها،ضيقت عيناها مستغربة ما حدث،ضغطت فوق زر الموقع ودخلت إليه وباتت تبحث عن الخبر من جديد لكنها لم تجد لهُ أثراً وكأنهُ سراباً وأختفي،رفعت حاجبها بإستغراب ثم أخذت نفساً عميقاً وزفرته بهدوء
رفعت بصرها لتتابع صغيراها وجدت طفلتها ذات الخمس أعوام تأتي عليها مهرولةً والماء يتساقط من ثوبها الخاص بتمرين السباحة،وضعت الحاسوب سريعاً وانتفضت واقفة،إلتقطت الرداء الخاص ( البُرنس) بلونهِ الوردي المحبب لدي صغيرتها وألبستها إياه سريعاً وهي تتحدث بترغيب:
-برافو يا حبيبتي،كُنتي هايلة النهاردة في التمرين
إعترض ذاك المُشاكس الذي تحدث من خلف شقيقتهُ متذمراً بطفولية:
-وأنا يا مامي مش برافو عليا ؟!
أمسكت الرداء الخاص به هو الآخر وتحدثت بنبرة مشجعة وابتسامة رائعة:
-إنتَ بطلي يا حبيبي وهيكون لك مستقبل كبير قوي في السباحة.
تحدثت الصغيرة إلي والدتها متسائلة بتبرم:
-هو بابي هييجي إمتي يا مامي،أنا جُعت قوي وعاوزة أكُل
حالاً يا حبيبتي،أنا طالبة الغدا وعلي ما ندخل ناخد شاور ونغير هدومنا هيكون بابي وصل.. كانت تلك جُملتها قبل ان تسيرُ بجانب صغيراها بإتجاة الحمام الخاص بالنادى
داخل أحد الأماكن المتطرفة عن المدينة بدولة بريطانيا
كان يجوب المكان ذهاباً وإيابً بقلبٍ يغلي وعيناي تطلقُ شزراً
وهتف بنبرة حادة غاضبة:
-إلي الآن لا أدري كيف تفشلون بإتمام مهمة بتلك البساطة،
واسترسل بتحابق وهو ينظر إلي رجالة:
-وكيف لتلك المرأة أن تتخلي عن إتفاقنا المُبرم سابقاً،ألم تتعهد تلك المُتبرچة إلي رچال المُنظمة بأن تأتي لهم بزوجة وإبنة ذاك الزنديقُ الكافر إلي الفندق،وقد تلقت مبالغ طائلة علي تلك المهمة التي فشلت
أما ذاك الذي يقف بساعدين مرتخيين للأسفل واضعاً كفاه فوق بعضيهما وهو ينظر أسفل قدماه خجلاً وإحترامً لذاك الرجل فتحدث بإبانة:
-الحقُ يُقال سيدي الأمير،المرأة لم تُقصر في عملها وفعلت ما طُلب منها بحذافيرهُ وأنا كُنت مع رچُل المُنظمة داخل الفندق ورأيتُ حديثهُ اللازعُ لها
وأسترسل وهو يجز علي نواجذه بضيق:
-لكنها أبلغت الرچل أمامي بأن الشيطانة الصغيرة إبنة ذلك اللعين هي من تراجعت عن الذهاب إلي الفندق في أخر وقت
وأكمل بنبرة حقود:
-يبدوا أن قدرها لم يأتي بعد،ولكن لا تقلق يا أمير،أعدك بأن لا تفُلت من بين أيادينا المرةِ القادمة
إبتسم ساخراً ذاك المدعو بالأمير وتحدث متهكمً:
-عن أي مرةً قادمة تتحدث يا رچُل،هذا إذا أرسلها ذاك المُشرك إلي ألمانيا مرةً أخري
تحدث أحد الرجال الحاضرين بتساؤل متعجباً:
-وما الذي يمنعهُ من إرسالها سيدي أنا لا أفهم ؟
وأكمل شارحً:
-الفتاة طالبة بكلية الطب في إحدي أهم الچامعات بالعالم أچمع،ومن المؤكد أن هذا الكافر سيُرسلها بعدما تنتهي فترة حدادهُ علي زوجتهْ
ضيق الرجُل عيناه وأردف بنبرة تشكيكية:
-لا أظن أن ياسين المغربي بذاك الغباء،هو يعلم جيداً أن إبنتهُ كانت ضمن العملية ولذا فانا أتوقع عدم إرسالهُ لها إلي دولة ألمانيا من جديد
وأكمل متأملاً بتمني:
-ولكن دعنا نأمل أن يُساعدنا الله ويشتت عقل ذاك الكافر ويجعلهُ يُرسل لنا الفتاة كي نُرسلها حتي تؤنس والدتها بالأخرة
قال كلماتهُ الاخيرة وضحك بتشفي وتلاهُ الجميع الضحك
وتحدث أحد الرجال بإشادة:
-رجال المنظمة التي نتعاون معهم ذو خبرة ومهارة عالية وسيستطيعون إيصالنا لما نريد أيها الأمير،بدليل أنهم نجحوا بما فشلنا به نحنُ طيلة تلك السنوات المُنصرمة
واسترسل بإبانة:
-من كان لهُ أن يتخيل أنهم يزرعون جاسوسة داخل بيت هذا المغفل مُنذُ أكثر من ثلاث سنوات ولم يكتشفها هو أو أبيه الكافر إلي الأن،إنها معجزة سيدي الأمير
أومأ بموافقة ذاك الذي يطلقون عليه إسم الأمير وتحدث باستحسان:
-نعم مُعجزة يا أبا بلال،كانت فكرةًُ سديدة أن نتعاون مع تلك المنظمة ونضخ لهم الأموال التي تأتينا من الإخوةِ مقابل تخطيتهم العبقري لتخليصنا من هؤلاء الكَفرة
وافقهُ الجميع الرأى واستمروا بحديثهم المُضلل لعقولهم المغيبة،فقد وضع الله غشاوة علي أعينهم فباتوا يرون الحق باطل والباطلُ حق واعطوا لانفسهم الولاية علي البشر بل والابشع انهم برروا إزهاقهم لأرواح الأبرياء وإستباحتهم لدمائهم التي حرمها الله وروع المطمأنين تحت تنفيذهم لحُكم الله وشرعهُ والله من أفعالهم براء،وباتوا يخدعون أنفسهم بزعم أنهم يحسنون صنعا
❈-❈-❈
عودة إلي منزل عز المغربي من جديد،
داخل حُجرة حمزة بالأعلي،كانت تحتضنهُ بقوة وهي تُبكي بمرارة ودموع حارة لم تستطع إيقافها لأجل ألا تُحزن الفتي،تحدثت من بين دموعها إلي حمزة الذي يُبكي بمرارة لأجل خبر وفاة والدتهُ الذي علم به عن طريق صياح منال:
-كفاية يا حمزة،كفاية عياط يا حبيبي وإدعي لها بالرحمة
بقلبٍ متألم أردف بعدم إستيعاب للخبر:
-أنا مش مصدق إن ماما ماتت،
واسترسل بتيهة:
-يعني أنا كدة خلاص مش هشوفها تاني؟
مش هتاخدني في حضنها ولا هشوف ضحكتها الحلوة تاني؟
وخرج من أحضان تلك الباكية وسألها بتمني:
-مش يمكن يكون الخبر مش صحيح وماما كويسة؟
تنهدت بألم وتحدثت بنبرة متألمة:
-إهدي يا حمزة
هتف برجاء:
-طب ردي عليا وريحيني،هو مش ممكن فعلاً يبقوا غلطانين
واسترسل متوسلاً:
-طب إتصلي ببابا وأنا أكلمه وأسأله،كلميه لأن شكله مشغول علشان كدة ما بيردش عليا،لكن لما يلاقي رقمك إنتِ هيرد أنا متأكد
أردفت وهي تجفف دموعها:
-بابا مش هيرد علي حد يا حمزة،إهدي وحاول تتقبل الخبر وإدعي لماما
أمسك هاتفهُ وتحدث وهو يضغط علي رقم شقيقتهُ:
-أنا هكلم أيسل أكيد فتحت موبايلها
أنزل هاتفهُ بنبرة بائسة بعدما وجدهُ مُغلقاً بناءاً علي تعليمات ياسين لإيهاب كي لا تعلم الفتاة بوفاة والدتها قبل أن يُخبرها هو بذاته:
-وأيسل هي كمان لسة قافلة تليفونها
بكت لأجلهِ بمرارة،فُتح الباب ودخل منه طارق الذي تحرك سريعاً وقام بسحب إبن شقيقهُ أوقفهُ وأدخلهُ بأحضانه ضاغطاً عليه بإحتواء دون حديث فتحدث الفتي بقلبٍ ينزف دماً علي والدته:
-شفت اللي حصل يا عمو،أمي ماتت خلاص
ربت علي كتف الفتي وتحدث لبث القوة بداخلهُ:
-إجمد كدة أُمال،إنتَ حفيد عز المغربي يعني الرجولة كُلها
جففت مليكة دموعها وتحدثت إلي طارق بنبرة حزينة:
-أنا هنزل علشان طنط منال يا طارق وإنتَ خلي بالك منه
واسترسلت وهي تُشير إلي الصَنية الموضوعة جانباً:
-ياريت تخليه ياكل أي حاجة لأنه ما فطرش
أومأ لها بموافقة وتحركت هي في طريقها إلي الأسفل،وما أن وصلت إلي منتصف الدرج حتي وجدت قسمت وداليدا تهرولتان من باب المنزل بعدما علمتا من أحمد حيثُ أخبرهُ طارق بعدما طلب منه عز،نظرت قسمت إلي مليكة وهتفت بنبرة ساخطة:
-خلاص يا مليكة،قتلتي القتيلة وجاية تمشي في جنازتها؟
إرتعب داخل مليكة وانكمشت علي حالها فاسترسلت وهي ترمقها بنظرة حارقة:
-نازلة من فوق ولا كأن البيت بقي بيتك خلاص،طب إستني لما جثتها ترجع وتدفن وبعدها إبقي خُدي مكانها براحتك
واستطردت بإهانة:
-ولا هي قلة الأصل والبجاحة بقت عيني عينك
هتفت ثُريا بدفاع عن تلك التي تتخذها كأبنة لها:
-عيب أوي الكلام اللي بتقوليه ده يا قسمت هانم،مليكة نازلة من عند حمزة كانت بتواسيه وبتحاول تخليه ياكل حاجة،وبدل ما تشكريها إنها واقفة مع حفيدك جاية تهنيها وفي قلب بيت جوزها؟
هتفت بصراخٍ ودموع حارقة علي إبنتها الشابة الذي نزل خبر وفاتها كصاعقة كُبري هزت قلبها:
-ما انتِ لازم تدافعي عنها يا ثُريا،مش دي اللي خربتي بيت بنتي علشانها وعلشان تعمري بيتك،خطفتي جوز بنتي وقهرتيها علي عُمرها علشان بيتك ما يتقفلش بعد ما الراجل الوحيد اللي حيلتك راح
إهدي يا أم ليالي وتعالي إقعدي،قلبي عندك يا حبيبتي...هكذا نطقت تلك الراقية مع تجاهل الجميع لحديثها
بدموعها الحارة هتفت داليدا بنبرة حادة وهي ترمق مليكة بسخطٍ:
-إهدي يا مامي مش وقت الكلام ده،خلينا نشوف إيه اللي حصل لأختي الأول وبعدها كل واحد هيتحاسب علي غلطه
بصراخٍ حادّ صاحت منال موبخة الجميع تحت ارتياب مليكة وشعورها بألم أسفل بطنها جراء الضغط النفسي التي تعرضت له مُنذُ فجر اليوم وإلي الآن:
-حرام عليكم يا نااااس،إنتوا إيه،قاعدين تلقحوا علي بعض وإحنا لسة ماعرفناش البنت ماتت إزاي،حسوا بالنار اللي جوايا
واسترسلت بذُعرٍ ظهر بَيِنّ داخل عيناها:
-مرات إبني ماتت وإبني وحفيدتي لوحدهم في الغُربة وأنا قاعدة ما أعرفش عنهم أي حاجة
دخل عز المغربي من الباب بعد إنتهاء الإجتماع الطارئ،إستشاط داخلهُ عندما إستمع لصياح الجميع،هتف بنبرة حادة وملامح وجه صارمة:
-صوتكم عالي ليه؟
إلتفتت علي صوتهِ قسمت التي مازالت واقفة بمكانها وهتفت بنبرة حادة:
-إبنك بعت بنتي للموت يا سيادة اللواء؟
واسترسلت بنبرة لائمة:
-بعتها مع بنتها علشان يرتاح ويعيش حياته مع اللي خطفته منها
واسترسلت صارخة بما أثار حفيظتهُ:
-إبنك ظالم وذنب بنتي هيفضل معلق في رقبته،بس أنا مش هسكت،وهاخد حق بنتي منه
ذنب بنتك؟نطقها ساخراً واسترسل متسائلاً بتهكم:
-مش عاوزة تعرفي الهانم بنتك ماتت إزاي يا قسمت هانم؟
نظرت إليه بتدقيق في حين تمعن الجميع بالنظر إلي عز لمعرفة سبب الوفاة وبالأخص لمار:
-بنتك إتقتلت في أوتيل بعد ما هربت من الحراسة وراحت تسهر مع شوية ستات تافهين زيها،لا وكانت عاوزة تاخد البنت معاها لولا ستر ربنا والبنت طلعت أعقل من أمها ورفضت
واستطرد بصياحٍ غاضب:
-الهانم شهيدة ظلم ياسين خلت سمعته بين زملائة في الطين بعد ما كسرت كلامه وهربت من الحراسة،قدمت فرصة علي طبق من دهب للكلاب اللي ليهم سنين مستنيين فرصة علشان يكسروه بيها
واستطرد وهو ينظر إليها باستياء:
-اللي قتل بنتك هو غبائها واستهتارها يا هانم،مش إبني
واسترسل بنبرة حادة وهو ينظر إلي الجميع:
-وقسماً بالله ما أسمع صوت واحدة فيكم لأرميها برة البيت مهما كانت هي مين،اللي يقعد يقعد باحترامه
قال كلماته وتحرك إلي داخل المكتب تحت نحيب منال ودموع نرمين الحارقة علي ليالي،وقفت ثُريا عندما وجدت كِلتا المتسمرتان بوقفتيها والحرج هو سيد موقفيهما،تحركت إلي قسمة وتحدثت بنبرة هادئة وهي تسحبها من يدها وتُجلسها بأقرب مقعد لتستريح:
-إقعدي يا قسمة ووحدي الله،أنا عارفة ومقدرة حرقة قلبك علي بنتك،بس مفيش داعي نرمي بعض بإتهامات باطلة
واسترسلت بنبرة لقلبٍ مُحترق:
-ربنا يصبر قلبك،حرقة الضنا بتوجع وأنا مجرباها
جلست بالفعل قسمة وجاورتها داليدا واكملا نحيبهما ودموعهما الحارقة علي فقيدتيهما الغالية
تحركت ثُريا إلي مليكة وتحدثت بنبرة رحيمة:
-روحي إفردي ظهرك علي السرير وإرتاحي لك شوية،محدش عارف اللي جاي مخبي إيه
أومات لها وبالفعل تحركت لحاجتها الملحة للإستلقاء فوق التخت
❈-❈-❈
بعد آذان العصر مباشرةً
فى مكانٍ ما أمام البحر داخل حى المغربى وذلك لأخذها الحيطة لكى لا يستمع إليها أو يراها أحداً من عائلة زوجها إذا تحدثت من حديقة المنزل،حيث واجهت إعتراض الحرس علي خروجها من المنزل لكنها استعطفتهم بدموعها الكاذبة وابلغتهم أن حالتها النفسية سيئة للغاية جراء ما حدث وتحتاج التحرك أمام البحر ليسريحُ قلبها الحزين ولو قليلا،فوافق الضابط بشرط أن يلازمها أحد الحرس لضمان أمانها وبالفعل تحركت بصُحبته
وبعد دقائق كانت تجوب المكان أمام الشاطئ ذهاباً وإياباً بهيئة فزعة وجَــسدٍ مُرتعش،تتحدث من خلال هاتفها الجوال بجنون ودموع الزُعر تجري فوق وجنتيها وكل هذا يحدث تحت ذلك الحارس الواقف بعيداً عنها:
-بس أنا ما كُنتش أعرف إن إنتقامكم منه هيكون عن طريق مراته وكمان هايكون بالبشاعة دى،ليالى ما لهاش ذنب علشان تعملوا فيها كدة يا عزيز،إيه ذنبها تدفع هى تمن جبروته وظُلمه
واسترسلت نادمة:
-أنا لو كنت أعرف إنكم خلتونى أتقرب منها واجيب لكم خط سيرها علشان فى الآخر تنتقموا منها بالشكل البشع ده،ما كنتش وافقت إنى أشترك معاكم فى الجريمة دى أبدأ
بكلمات لازعة وتهديد صريح هتف الطرف الآخر عبر الهاتف:
-لمار،إنتِ هاتنسي نفسك ولا إيه،إنتِ فى مهمة مُكلفة بيها بناءاً عن إتفاق بالتراضى بين الطرفين يا ماما،والمنظمة ما كانتش بتدفع لك الفلوس دى كُلها علشان خاطر تعترضى على شغلها وتيجى تحاسبيها؟
واسترسل بإبانة:
-ولو تفتكري الفلوس دى كانت تمن تنفيذك للأوامر بطاعة عمياء وبدون أى إعتراض أو نقاش
بنبرة صوت تنتفضُ من شدة رُعبها تحدثت بهيستيريا:
-أنا مش قادرة أكمل خلاص،أنا عاوزة أوقف العملية وأظن كدة إنتم حققتم إنتقامكم وأصبتوا ياسين المغربى فى مقتل
هتف بإساءة بنبرة صارمة:
-مش إنتِ اللى تقرري إمتى تنهى المهمة يا حلوة،إنتِ مجرد أداة تنفيذ مش أكتر،ياريت تعرفى حجمك كويس وما تديش لنفسك أهمية أكتر من اللى تستحقيها وإلا إنتِ عارفة العواقب كويس
واسترسل بتهديداً صريح لإخافتها:
-إنتِ مش بعيدة عن أديهم وممكن قوى اللى حصل فى مرات العميد يتكرر وبنفس الطريقة،شكلك ناسية إنتِ شغالة مع مين
إنتفض داخلها وارتعبت أوصالها أثر تهديدهُ الصريح،فى حين استرسل هو بنبرة أهدأ:
-إهدى وما تخليش خوفك يأثر على ثباتك النفسى،إفهمى يا لمار،أنا خايف عليكِ،الناس اللى إحنا شغالين معاهم مابيهزروش ومافيش فى قلوبهم رحمة،وإنتَ عارفة كدة كويس قوى من خلال شغلك معاهم السنين اللي فاتت،ممكن جداً لو إختلفتي معاهم يوصلوا لك ويعملوا فيكِ نفس اللي إتعمل فى ليالي اللي إنتِ زعلانة عليها قوى دي
واسترسل بطريقة ساخرة خالية من الإنسانية:
-حاولى تنسي وياستى لو زعلانة عليها قوى كدة،إبقي إقري لها الفاتحة وفرقى على المساكين كام ألف دولار من اللى هتاخديهم لما تخلصى مهمتك
أجابتهُ بنبرة مرتعبة:
-حاول تفهمني يا عزيز،أنا مرعوبة وبموت كل دقيقة من ساعة ما عرفت اللى حصل،حاسة إنى ممكن اتكشف فى أى لحظة،وأكيد ياسين بعد ما يرجع بجثة مراته ويفوق من صدمته من اللى حصل لها هيبقى عامل زي الوَحش،مش هيرحمنى لو إكتشف إن ليا دخل فى الموضوع
أردف بثبات كي يُطمأنها:
-فوقى يا لمار وحاولى تستعيدى ثباتك الإنفعالي اللى إتدربتى عليه،إنتِ لحد الوقت ماشية مظبوط ومفيش غلطة واحدة تقدر توصلهم ليكِ،وياستى لو اللى خايفة منه حصل وإنكشفتى،إيه المشكلة
واسترسل بتذكير لها:
-إنتِ ناسية إن كارت خلاصك وخروجك أمنه من بيت المغربى فى أدينا؟
أردفت بنبرة مرتعبة:
-يا عزيز حاول تفهمني،ياسين بدأ يشُك فيا وأكيد بعد موت مراته الشك ده هيزيد ويقلب ورايا
بكلمات مُطمأنة تحدث:
-علي العموم الموضوع خلاص قرب ينتهي،وأنا كنت هبشرك بس كنت حابب أخليها لك مفاجأة بكرة،إحنا هنستلم الأجهزة اللي فيها الأمانة بتاعتنا بالليل
واسترسل ساخراً:
-وهنحط لهم أجهزتهم اللي بردوا حطينا لهم فيها هدية مننا لأخو الباشا
واسترسل بايضاح:
-وإعملي حسابك إن بكرة الصبح مش هتروحي معاهم الدفنة،هنحاول نوصلك واحد من طرفنا معاه جهازين تصنت هتزرعي واحد منهم في أوضة ياسين والتاني فى مكتب الراجل الكبير وبكدة هتكون إنتهت مهمتك،وبعدها تخرجي من البيت هتلاقي رجالتنا مستنيينك وهياخدوكي في مكان أمن لحد ما نأمن لك خروجك من البلد كلها
بجد يا عزيز،بتتكلم جد...نطقتها بفرحة عارمة فأكد لها ذاك العزيز متحدثاً بصدق:
-هي الأمور دي فيها هزار،أنا اللي منعني إني أبلغك هي الأوامر اللي عندي،لأن المنظمة عوزاكي تظهري بطبيعتك ومايظهرش عليكي أي نوع من الإرتياح أو السعادة قدام أهل البيت علشان مايشكوش فيكي وتخرجي بسلام
وافقتهُ الرأي وأغلقت معهُ وانسحبت عائدة بصحبة الحرس الذي رافقها الخروج بناءاً علي أوامر كارم
❈-❈-❈
كانت تغط في سباتٍ عميق داخل إحدي غُرف الأوتيلات الفخمة المتواجدة بدولة فرنسا،حيث حضرت إليها مُنذُ بضعة ساعات فقط بعد إنتهاء مُهمتها بألمانيا،إستمعت إلي رنين هاتفها الذي صدح بجوارها علي الكومود،بسطت يدها وضغطت علي زِر رفض المكالمة دون رؤيتها للمتصل،تأففت بنومتها عندما تكرر الإتصال وحينما تذكرت أن هذا رقمها الجديد والذي لا يعلمهُ سوي المدعو علاء،أجابت قائلة بصوتها المتحشرج بفضل نومها:
-مش مبطل زن من الصبح كدة ليه يا علاء،ما أنتَ عارف إني لسة واصلة وتعبانة ومحتاجة أنام
هتف بصياحٍ غاضب أرعبها:
-تنامي إيه يا ناهد،قومي شوفي المُصيبة اللي ورطتي نفسك ودبستيني معاكِ فيها
سألته بنبرة مُترقبة:
-مصيبة إيه يا علاء؟
صاح بنبرة مُرتعبة وصوتٍ مُرتجف:
-الست مرات الراجل المسؤل اللي خلتيني أوصلها للفندق،إتقتلت يا ناهد،المجرمين اللي إنتِ إتفقتي معاهم دبحوها في الفندق والدُنيا مقلوبة
إنتفضت من نومتها وفي غضون ثواني كانت تجلس وتساءلت بنبرة مُرتابة:
-مين اللي قال لك الكلام ده يا علاء؟
أجابها بحكم أنهُ يسكُن بالقرب من ذاك الفندق:
-الأوتيل كله مقلوب والبوليس جه وخد الجثة علشان يشرحوها
إزاي،دول أكدوا لي إنهم هياخدوا لها شوية صور هي وبنتها وخلاص علي كدة...هكذا نطقت بذهول وعدم تصديق فأجابها ذاك الرجُل بفطانة:
-أُمال كُنتي عوزاهم يقولوا لك إيه يا مغفلة،هاتي لنا الست بأديكي علشان نقتلها؟
أردفت بنبرة مشتتة:
-أتاريهم إدوني فلوسي برغم إن البنت مجتش مع مامتها
هتف بنبرة حادة:
-مكانوش عاوزين شوشرة يا مُغفلة،شكلك وقعتينا في منظمة إرهابية
واسترسل بنبرة لائمة:
-ضيعتينا بغبائك يا ناهد منك لله،ربنا يستر والبوليس مايوصليش
أردفت بإقناع لتهدأة ذاك المذعور:
-هيوصل لك إزاي بس والعربية مش بتاعتك يا علاء،إنتَ مجرد وصلتها وروحت ركنت العربية مكان ما قالوا لك،خليك ملتزم في بيتك اليومين دول وأول ما الأمور تهدي تحجز أول طيارة طالعة علي فرنسا وتجي لي هنا
واستطردت لإرضائه:
-وصدقني هديك ربع المبلغ اللي أخدته كتعويض عن الضرر النفسي اللي حصل لك
وافقها الرأي واغلقت معهُ وباتت تدب فوق ساقيها وتهتف نادبة خظها:
-يادي الحظ الإسود،يعني ياربي يوم ما تجي لي مصلحة مرتاحة ويطلع لي منها شوية فلوس حلوين،تجي لي من وراها مُصيبة،أنا كان مالي ومال القرف ده كله
❈-❈-❈
عودة إلي منزل اللواء عز المغربي
عند الغروب وبعد ذهاب قسمة وداليدا ليرتاحا بمنزلهما إستعداداً ليومهما العصيب
تجلس إبتسام زوجة المهندس حسن المغربي حيثُ حضرت هي وزوجها ونجليها بعدما إستمعوا لتلك النكبة ليساندوا أهل زوجها،همست إلي يُسرا تسألها وهي تتطلع إلي نرمين التي تجلس بصمتٍ تام داخل مقعداً منفصل ودموعها المُنهمرة وحدها هي من تُعبر عن مدي حزنها وعُمق جُرحها مما يحدث:
-هي نرمين مالها يا يُسرا؟
واسترسلت وهي تنظر لوجهها باستياء:
-خاسة ووشها عدمان كدة ليه؟
تنهدت يُسرا واردفت شارحة:
-نرمين وليالي كانوا أصحاب أوي واللي حصل لها صعب عليها تتخيله
واستطردت بإبانة:
-ده غير موضوعها مع سراج
عقبت مستفسرة:
-بالمناسبة،هي عملت إيه مع سراج،هيطلقوا بجد زي ما سمعنا؟
واستطردت باعلام:
-أنا شيفاه قاعد برة في الجنينة مع الرجالة وإحنا داخلين من شوية
تنهدت بألم وتحدثت بإشادة:
-سراج راجل محترم وإبن أصول،أكيد جه يقف مع أعمامي لما عرف الخبر
واستطردت بإبانة رداً علي سؤال زوجة خالها:
-هو كان عاوز يطلق قبل ما يسيب البيت ويمشي علشان يريحها،لكن ياسين لما شاف نرمين محتارة ومش عارفة تاخد قرار،إستأذن من سراج وطلب منه يأجل فكرة الطلاق شوية لحد ما نرمين تستقر وتتأكد هي عاوزة إيه
واستطردت شارحة:
-ياسين قال له إن أكيد لما يبعدوا عن بعض هيقدروا ياخدوا قرار صح ويتأكدوا إذا كانوا فعلاً حابين يرجعوا ويكملوا علشان خاطر الولد اللي بينهم،ولا هيرتاحوا في البُعد وساعتها هيتأكدوا إن الحياة إنتهت بينهم خلاص والطلاق هنا يبقي هو الحل الأسلم،وماما كمان عجبها رأي ياسين
تساءلت باهتمام:
-طب واختك رأيها إيه؟
أجابتها باستفاضة:
-أهي من يوم ما سراج ما أخد هدومه وساب البيت ومشي وهي زي ما حضرتك شايفة كدة،طول الوقت حابسة نفسها في بيتها،يا إما قاعدة سرحانة وحزينة
بعد قليل دخل سراج بجانب عبدالرحمن بعدما طلب منه بأن يدخل ليطمأن علي ثُريا ويقدم لها واجب العزاء هي ومنال،حيث أتي هو وشقيقاه ليساندوا عائلة المغربي ويقف بجانبهم في تلك الفاجِعةِ الكُبري،وما أن رأتهُ نرمين حتي شعرت بروحها الغائبة قد رُدت إليها،ودت لو أسرعت إليه ورمت حالها لداخل أحضانهُ ليحمل عنها ثِقل همومها
تحرك إلي ثُريا الجالسة بجانب منال وتحدث:
-البقاء لله يا أمي،لله ما أعطى ولله ما أخذ
أومأت ثُريا برأسها واردفت بنبرة متألمة:
-لا إله إلا الله يا أبني
وتحدث أيضاً إلي منال قائلاً بتوقير:
-البقاء لله حضرتك،ربنا يصبر قلوبكم
بدموعٍ حارة أجابته بنبرة ضعيفة خافتة:
-مُتشكرة يا سيادة العقيد
تحدث بهدوء إلي ثُريا بنبرة حنون:
-لو إحتاجتي أي حاجة يا أمي أنا قاعد برة،رني لي وأنا تحت أمرك
تسلم وتعيش يا ابني...هكذا أجابته
تحرك إلي يُسرا وإبتسام ومليكة ووالدتها التي تساندها وعلياء وقدم لجميعهُن واجب العزاء،ونظر علي تلك الجالسة لحالها وتحرك إليها فهبت واقفة وكأنها كانت تنتظر قدومهُ علي أحر من الجمر،مد يدهُ كي يصافحها وتحدث بنبرة يملؤها الحنين وهو ينظر لعيناها:
-البقاء لله
نزلت دموعها تجري فوق وجنتيها وتحدثت بعدم إستيعاب من بين شهقاتها بعيناي مُتألمة:
-شفت يا سراج،ليالي ماتت
الله يرحمها،هوني علي نفسك يا نرمين...نطقها بهدوء وما كان من تلك الحزينة سوي أنها رمت حالها لداخل أحضانه وتحدثت برجاءٍ وشهقاتٍ عالية:
-ما تسبنيش يا سراج،تعالي نروح بيتنا،أنا والولاد محتاجين لك قوي،من يوم ما سبت البيت ومبقاش حاجة ليها طعم،كل الأيام بقت شبه بعضها والحياة بقت ضلمة قوي من غيرك
بعدم استيعاب كان يستمع لحديثها الخارج من بين شهقاتها المتقطعة،أحقاً تلك هي زوجته تلك المتمردة الناقمة علي حياتها؟!
لف ساعديه حول ظهرها باحتواء أراحها وتحدث ليطمأنها:
-إهدي يا نرمين،إهدي وبعدين نتكلم
خرجت من أحضانه ونظرت له وتحدثت بعيناي متوسلة:
-أنا مش عاوزة أتكلم يا سراج،أنا عوزاك ترجع لي وتاخدني في حضنك اللي ما حسيتش بالراحة من يوم ما بعدت عنه،عوزاك تطمن خوفي وترجع بيتك تنوره من تاني
نظر لعيناها غير مستوعب التغيير الذي حدث لها فتحدثت برجاء:
-علشان خاطري
أجابها بهدوء:
-حاضر يا نرمين
هتفت متسائلة بلهفة:
-يعني مش هتسيبني لوحدي تاني وهتبات معايا في بيتنا النهاردة؟
عقب قائلاً بتأكيد:
-إن شاء الله
نظرت لهُ بعيناي شاكرة وضغطت علي كفاه المُمسكة إياهما فتحدث هو ليتحرك للخارج:
-إقعدي إرتاحي وأنا قاعد برة مستنيكي لما تطلعي
ربنا يخليك ليا يا سراج...نطقتها بنبرة حنون وعيناي تنطق احتياجاً وحباً،تنهد براحة ثم تحرك عائداً للخارج من جديد
❈-❈-❈
أما بدولة ألمانيا
حل الظلام وكَسا بسوادهِ الحالك السماء وكأنهُ يشاطر ياسين وابنتهُ حزنهما،عاد إلي المنزل بعدما أخذت الشرطة أقوالهُ وأطمئن علي جثمان زوجتهُ التي يتم تشريحهُ بعجالة بناءاً علي التوصيات لكي يأخذ الجثة بالصباح الباكر ويعود بها إلي أرض الوطن
دخل إلي المنزل وجد إبنته تتوسط الجلوس بالأريكة،يجاورها إيهاب مُمسكاً بيده كأساً من العصير الطازج وينتظرها لتُنهي شطيرتها التي بالكاد جعلها تتناولها بعد محايلات،ألقت بشطيرتها فوق الطاولة وهبت واقفة تهرول علي والدها وسألته بارتياب وهي تدورُ بعيناها حولهُ وخلفهُ كالغريق الذي يبحث عن قشة نجاتهْ:
-فين مامي يا بابي؟
واسترسلت بنبرة هلعة:
-هي مجتش معاك ليه؟
نظر لها مستسلماً بملامح وجه يبدو عليها الإرهاق والألم واليأس،فسألتهُ بدموعٍ تلألأت داخل زرقاوتاها:
-إنتَ مبتردش عليا ليه؟
واسترسلت بنبرة خافتة:
-مامي فين؟
لمعت عيناه بدموع الألم والعجز،لأول مرة بحياته يشعر بالعجز وقلة الحيلة أمام إبنته،بماذا سيُخبرها،أيخبرها بأنهُ فشل بإرجاع والدتها سالمة كما وعدها؟
أم سيخبرها أنه عجز عن حماية والدتها ولم يستطع إبعادها عن دائرة الإنتقام الأثم
لم يستطع سوي أن يسحبها ويقوم بتخبأتها داخل ضلوعهُ،شعرت الفتاة بألم والدها فتيقنت بأن كارثةٍ ما قد حلت بوالدتها المتمردة،خرجت سريعاً وابتعدت عن أحضانه وسألته بنبرة صارخة:
-مامي حصل لها إيه،رد عليا يا بابي؟
مال برأسهُ لليمين بأسف،فصرخت الفتاة وتحدثت:
-مااااامي،لا،لااااا،ماتقولش إن مامي حصل لها حاجة
بدموعهُ المتألمة حدثها:
-خلاص يا أيسل،ماما راحت عند اللي خالقها وأكيد هي في مكانة إحسن من هنا بكتير
برفضٍ قاطع هزت رأسها وتحدثت:
-ماتقولش كدة علي مامي،هي أكيد كويسة وهترجع
واسترسلت باستنكار:
-حضرتك بتقول كدة لأنك زعلان منها علشان خرجت من وراك
بس والله مامي طيبة وبتحبك،هي ما كانتش تقصد تخالف تعليماتك أو تضايقك،هي بس كان نفسها تخرج وتعيش حياتها زي ما بتحب
هز رأسهْ بألم لأجل صغيرتهُ فحاوط وجنتيها وتحدث بحنان:
-إهدي يا حبيبتي،إهدي
صرخت الفتاة بكل صوتها فسحبها وخبأها بأحضانه وبات يُربت علي ظهرها بحِنو تحت حزن وتأثر إيهاب ورجاله الذين شعروا بالذنب رغم عدم تقصيرهم بحمايتهما
أتي الليل،وكُلٍ ذهب إلي مكان غفوتهِ كي يُريح جسدهُ ولو قليلاً إستعداداً ليومٍ عصيب ينتظرهم في الصباح الباكر،حيثُ سيصل جثمان ليالي ويتم إيصالها لمسواها الأخير مع توديع ودموع الجميع الحزينة لأجل فراقها
كانت لمار تجلس بجانب عُمر الغافي وهي تنكمش علي حالها محتضنة ساقيها بذراعيها وتنظر بذُعر علي ذاك النائم وملامحهُ الحزينة جراء ما حدث إلي زوجة شقيقهُ وأيضاً الذنب يتأكلُ قلبها،والرُعب مما هو قادم يكادُ أن يُنهي عليها برغم طمأنة عزيز لها
نرمين التي تحتضن زوجها وتقبض علي ملابسهُ بقبضة يدها وتغط في سبات عميق،من يراها يعتقد كأنها كانت عليلةًٌ منذ الكثير وأخيراً حصلت علي الشفاء التام وأرتاح جسدها الذي ذاق الامرين في الألمِ سابقاً
ياسين الساند بظهرهِ علي التخت محتضناً فوق ذراعهُ صغيرتهُ الغافية بدموعها الجافة علي وجنتيها،نائمة فوق تخت والدتها ومحتضنة ثوبها الذي خلعته عنها قبل أن تخرج لميعادها الأخير،كان محتضنها بحِنو وهو يلمس علي شعر رأسها كي يُشعرها بالأمان وتغفوا عَل الكوابيس التي تطاردها من الحين للآخر وتجعلها تفزع صارخة بإسم غاليتها،تبتعد عنها تاركه إياها لتغفوا بسلام
مليكة التي تجلس فوق تختها ودموعها تنهمرُ فوق وجنتيها وتشهق بألم كُلما تذكرت رحيل ليالي عن الدُنيا وبتلك القساوة،وما أرقها هو إتصالها المتكرر علي ياسين وعدم رده عليها،أمسكت بهاتفها من جديد وطلبت هاتفهُ الصامت بجانبه،أمسكه ونظر بشاشته،تنهد بألم ثم أعاده من جديد علي الكومود دون رد كي لا يزعج صغيرتهُ الغافية وأيضاً إحتراماً لمشاعرها وعدم إثارة حُزنها
تنهدت تلك العاشقة وبكت متألمة لحاجتها إلي الطمأنة علي حبيبها وصغيرتهُ الحزينة،فهي منذُ خروجهُ من جناحها قبل سفرهِ مباشرةً وإلي الأن لم تستطع مهاتفته
ليلة حزينة مرت علي الجميع وتركت وجعاً بقلوبهم سواسية،وسؤالاً أوحد يراودُ تفكيرهم ويتردد علي مخيلة جميعهم
"بأي ذنبٍ قُتلت تلك البريئة"