رواية قلوب حائرة الجزء الثاني الخاتمه الثاني 2 بقلم روز امين

 

رواية قلوب حائرة الجزء الثاني الخاتمه الثاني 2 بقلم روز امين


داخل الأراضي التركية

وتحديدًا من داخل إحدى الأوتيلات الفخمة،كانت تغفو في سلامٍ وهدوء يبدوا من ملامحها الإسترخاء الشديد، شعرها الحريري يتناثر فوق الوسادة بشكلٍ يخطف الأنفاس ينسدل بعضّا من خصلاته على وجهها مما هوس ذاك العاشق الذي خرج من الحمام للتو مرتديًا شورتًا قصيرًا وصدرهُ عاريًا كعادته بحضرتها، لينضم سريعًا لتلك المثيرة ويجاورها الفراش مال بوجهه على خاصتها ليضع قُبلة رقيقة بجانب شفتيها مما جعلها تشعر بأنفاسه المُلتهبة وعلى عجلة فتحت عينيها وأغلقتهما عدة مراتٍ بنعاسٍ لتتبسم على الفور حين رأت إبتسامته وهيأته الجذابة،إقترب عليها ليلثم شفتها السُفلى ليهمس بصوتٍ مبحوح جعل قلبها يخفق بشدة:

-وحشتيني

تبسمت لتسألهُ بنظرة حنون:

-جيت إمتى؟

نطق ليخبرها:

-من حوالي نص ساعة

ثم استرسل وهو يداعبُ أنفها بخاصته بدلالٍ:

-يلا يا حبيبي بقى إصحي علشان نقعد مع بعض شوية

سألتهُ تلك المدللة وهي تتمطئُ بدلالٍ أنثوي طالما ثار جنون ذاك العاشق:

-هي الساعة كام يا حبيبي؟

رفع يدهُ ونظر يتطلعُ بتمعنٍ بساعة يدهِ الفخمة:

-إتنين ونص

رفعت جسدها للأعلى مستندة على ظهر التخت لتنطق باستغراب:

-ياه يا ياسين،كل ده قاعد برة وسايبني لوحدي

وتابعت بنظراتٍ لائمة:

-وبعدين إنتَ مش قولت لي إن كلها ساعة وراجع،يعني تخرج من الساعة تسعة ترجع لـ إتنين ونص الفجر يا أستاذ؟!

كان قد حضر إلى تركيا في مهمة من المفترض أنها سرية لكنهُ ما عاد يطيقُ الإبتعادِ عن فاتنتهُ،فكلما زادت سنوات عمرهما زاد شوقه ولهيب عشقه لتلك الرقيقة،فتحدث إلى رئيسهُ أن يسمح له باصطحاب زوجته كتمويه إلى المخابرات التركية كي تظهر زيارته للبلد على أنها زيارة سياحية كزوج بصحبة زوجته،لم ينسى ابتسامة رئيسه الذي كشف دهائه وأراد مداعبتهِ قائلاً بممازحة:

-خلينا نمشيها تموية يا سيادة اللوا،وده أوبشن من الجهاز لوحش المخابرات "ياسين المغربي" بس، علشان تعرف غلاوتك وإن راحتك تهمنا


تبسم وأمال برأسهِ للرجل شاكرًا أفضالهِ عليه،عاد لواقعه ليجيب ساحرةُ عينيه:

-أعمل إيه بس يا حبيبي،الإجتماع بدأ وساعة جرت ساعة لحد ما بقينا الساعة واحدة ونص، نهيت الإجتماع بسرعة وجت لك وأنا بسابق الزمن

مطت شفتيها حزنًا لينطق وهو يُدللها وكأنها طفلة لا إمرأة بالغة:

-خلاص بقى متكشريش،إنتِ عارفة الدنيا كلها في كوم وزعل حبيبي كوم تاني

ظلت على حالها العابس ليزيد من دلالها متابعًا بغمزة من عينيه:

-خلاص بقى،فين ضحكة حبيب جوزه اللي بتجيبه على بوزه


كادت أن تضحك لكنها تماسكت لأبعد حد لينطق وهو يتحسسُ وجنتها الناعمة:

-وحياة "ياسين" عندك لتضحكي

تبسمت لتأخذ نفسًا مطولاً وهي تقول بنبرة حنون:

-أنا مستعدة أدفع عمري كله علشان خاطر" ياسين" وعيون "ياسين"



عندما يغلق العالم جميع الأبواب أمامك وتصبح وحيداً حزيناً لا تعلم ماذا تفعل أو لا تعلم تفعل لماذا؟؟ أصبحت بلا هدف و بلا حياة فقط تتنفس لكن الروح مهجورة تأتى هى لك طوق...

ملئ الشوقُ عينيه لينطق بصوتٍ يفيضُ هيامًا:

-وعمر "ياسين" فداكِ يا قلب وروح وكل حياة "ياسين"


إقتربت لتستند بجبهتها على خاصته لتتابع مسترسلة بعين إمرأة عاشقة حتى النخاع:

-هو أنتَ عملت فيا إيه،إزاي خلتني أختزل الدنيا كلها في وجودك؟!

أجابها بعينين تشعُ حنانًا:

-حطيت حبيبي جوة عيوني وقفلت عليه برموشي علشان أخبيه عن كل الناس


شعرت بارتعاشة قوية هزت قلبها إثر كلماته التي حملتها لعنان السماء لتتراقص روحها على أنغامِ كلماتهِ الرومانسية ليميل عليها يقتطفُ قُبلةً شغوفة يبث لها مدى إشتياقه وحنينه لقربها لتبادلهُ إياها لتؤكد له أن رغبتهُ متبادلة،ظلا يسبحان داخل بحر غرامهما الساحر لمدة بث بها كل طرفًا للأخر مدى شوقه وعشقه الهائل للشريك حتى انتهيا وأخذها بأحضانه الحانية التي تُشعرها بأنوثتها وقيمتها لدى حبيبها.

*****

صباح يومًا جديد في مدينة "الأسكندرية"

خرج من غرفة نومهِ بعدما ارتدى بدلة أنيقة عاقدًا ربطة عنقه بتمرس،تحرك إلى المطبخ بعدما استمع لصوتٍ آتي منه فتوقع وجود حبيبته،بالفعل وجدها تقف أمام جهاز تحميص الخبز"التوستر"تحرك حتى استقر خلفها ليحتضن خصر تلك الرشيقة ومال على عنقها يقبلهُ بنعومة وهو يقول:

-صباح الخير يا قلبي

انتابتها قشعريرة سرت بكامل جسدها من تلامس شفتيه لجلد عُنقها لتنطق وهي ترخي جسدها عليه للخلف:

-صباح الخير يا كراملتي

قطب جبينهُ لينطق مستهجنًا:

-يادي كراملتي اللي طلعتي لي فيها مؤخرًا دي كمان،يا بنتي جوزك ظابط مخابرات قد الدنيا والجهاز كله بيعمل له ألف حساب

واسترسل ساخرًا:

-يبقى شكلي إيه قدام رؤسائي وزمايلي لو عرفوا إن واحد بالطول والعرض ده بيتقال له يا كراملتي؟!

رفعت كتفيها وتحدثت وهي تمط شفتيها بدلال:

-واحد ومراته إيه دخل الناس بينهم


انتهت مما تفعل لتلف جسدها تقابلهُ وتنطق بانتشاء وهي تلف ساعديها حول عنقه:

-وبعدين أنا حُرة، ادلع جوزي بالطريقة اللي تعجبني

ضغطت بأسنانها على شفتها السُفلى لتتابع بإغراءٍ جعل كل ذرة بجسدهِ تنتفضُ:

-إلا إذا كان سيادة ظابط المخابرات عنده مانع؟


ابتلع ريقهُ لينطق منساقًا وهو ينظر بتشهي لشفتيها المكتنزة:

-سيادة ظابط المخابرات سايب لك نفسه يا باشا،تدلعي فيه بالطريقة اللي تعجب جناب معاليكِ

ضحكة رنانة أطلقتها ليهتف بملاطفة:

-نهاره دلع إن شاءالله

ضحكت لتقول وهي تُلفت إنتباههُ للوقت:

-يلا علشان تفطر وتلحق شُغلك يا باشا،ولما ترجع هوريك الدلع على أصوله

ابتسم ومال يُقبل وجنتها لينسحبا إلى الطاولة المتواجدة بوسط المطبخ فسألها وهو يتلمس الخبز الساخن بحذرٍ:

-حمصتي التوست كويس يا روحي؟

أجابته بموائمة:

-أه يا حبيبي،عملته زي ما بتحبه بالظبط

أمسكت قطعة منه وقامت بتغطيتها بمعجون الجُبن المطبوخ وناولتهُ إياها لينطق وهو يأخذها:

-تسلم إيدك يا قلبي

-بالهنا والشفا يا كراملتي...قالتها بملاطفة وبدأت تتناول طعامها ثم تحدثت إليه بتوددٍ:

-بقول لك إيه يا كارم

تطلع لينطق بنبرة تشعُ حنانًا:

-إيه يا عُمري

أجابتهُ برجاء:

-إيه رأيك نعدي بكرة على نانا ثُريا وناخد عزو ومسك نخرجهم في المول،بابي ومليكة مسافرين ليهم تلات أيام والولاد من وقتها مخرجوش وزهقانين من قعدة البيت

طالعها لينطق بنبرة حماسية:

-وماله يا حبيبي،إنتِ عارفة أنا بحب إخواتك إزاي وخصوصًا اللمض عزو والمغرورة مِسك واسترسل مبتسمًا وهو يتذكر ماضيهما الجميل معًا:

-البنت دي بتفكرني بيكِ في بداية تعارفنا ببعض

ضحكت لتنطق:

-قلبك إسود قوي يا حضرة الظابط

-ده أنا بردوا؟!...قالها وهو يرفع حاجبهُ باستهجان لتطلق ضحكاتها مما أسعد قلب حبيبها الذي أخذ نفسًا مطولاً ليتابع بنبرة جادة متسائلاً عن أمر الحمل:

-عملتي إيه مع الدكتورة سهام؟

تهربت من عينيه لتنطق بهدوء استدعته بصعوبة:

-اديني متابعة معاها وماشية على العلاج مظبوط


ضيق بين حاجبيه ليسألها من جديد:

-طب يعني بتقول لك فيه تقدُم مع العلاج ولا إيه؟

أجابتهُ وهي تتناول حبة من الزيتون الاسود وتتلفتُ حولها بنظراتٍ زائغة:

-أه طبعاً يا حبيبي،هو أصلاً مفيش مشكلة لا عندي ولا عندك،أخر مرة قالت لي إن المسألة مسألة وقت

اومى لها وطالعها بنظراتٍ مبهمة لم تفهمها ليقف قائلاً بعدما أمسك بكوب قهوته الصباحية:

-طب يلا علشان أوصلك للمستشفى بطريقي

قرب كوبهُ ليرتشف أخر قطراتٍ به من القهوة لتنتفض هي سريعًا تلملم الطاولة وعلى عجالة تحركت بجانبهِ قاصدة عملها كطبيبة ماهرة بإحدى المستشفيات الإستثمارية الكبرى

*******

باليوم التالي

داخل أحد المراكز التجارية،اصطحب كارم زوجتهُ والصغيرين بعدما هاتف ياسين وأخذ الإذن منه ومن سيادة اللواء عز المغربي وثريا بالتأكيد فهما حفيديها الغاليين بحكم أنها تعتبر ياسين إبنًا لم تلدهُ من داخل رحمها، جلس الجميعُ حول الطاولة التي حجزها كارم داخل المركز ليسأل ذاك المشاكسُ الصغير:

-هتاكل إيه يا عزو باشا؟

أجابهُ بنبرة حماسية:

-تشيز برجر

ضيقت بين عينيها لتشملهُ بنظرة لائمة وهي تقول:

-فينك يا مليكة تشوفي المسخرة اللي بتحصل

ضحك بطفولية ليقول مشاكسًا لشقيقته الكُبرى:

-مامي قالت لي أختار اللي أنا عاوزة النهاردة،وبعدين ده يوم فيري يا سيلا متبقيش خنيقة

اتسعت عينيها من وصف شقيقها لتنطق بملامة مصطنعة:

-بقى أنا خنيقة يا عزو؟!

ربعت ساعديها لتتابع بشفاةٍ ممدودة للأمام:

-زعلت منك خلاص

ضحك كارم وهو يتابع حديثهما المُسلي بصمتٍ واستمتاع لتنطق الصغيرة وهي تربت على كف شقيقتها باحتواء ورعاية:

-مش تزعلي يا سيلا،عزو بيهزر معاكِ هو مش يقصد


-قلب سيلا إنتِ يا مِسكي...قالتها وهي تميلُ باتجاه الصغيرة تغمرها بالأحضان وتنثر عليها قبلاتها الحنون الصادقة لتبادلها الصغيرة بقبلاتها الشغوفة،لينطق عز بامتعاض وهو يشملهما بازدراء:

-إبتدينا بقى تلزيق البنات والكُهن اللي مش بحبه

وما أن استمع إليه كارم حتى انفجر ضاحكًا بقهقهاتٍ عالية لم يستطع التحكم بها ليتوقف بعد مدة وهو يسأل الصغير بتعجب:

-إيه يا ابني الكلام اللي بتقوله ده، جبته منين ومين علمهولك؟!

رفع قامتهُ بغرور ليجيبهُ بكبرياءٍ يليقُ بابن "ياسين المغربي":

-أنا علمت نفسي كل حاجة

سألهُ كارم بجبينٍ مُقطب:

-والباشا على كده عارف؟!

رد على سؤالهُ بأخر دَل على دهائهُ وذكائهُ الوراثي:

-أي باشا فيهم؟!

سألهُ الأخر بهدوء:

-هو باشا واحد اللي أقصده،بباك طبعاً ياسين باشا المسؤل الاول والاخير عنك

رد عليه:

-ومين قال لك إن ياسين باشا هو الوحيد المسؤل عني،فيه سعادة الباشا الكبير سيادة اللوا عز المغربي،ده الأب الروحي ليا

قطب كارم جبينهُ متعجبًا من دهاء ذاك الماهر وقدرتهِ على الإلتواء في الحديث،لم يتعدى سنواته العشر بعد ليكن بذاك الدهاءِ والمكر،لكن لما الإستغراب إذا كان لهُ أبًا كـ"ياسين" "وحش المخابرات" وجدًا كـ عز المغربي ذاك الماكر وطريقه الملئ بالإنجازات والمعجزات في جهاز المخابرات والمُلقب بـ"ذئب المخابرات"،تحدث كارم بعدما قرر عدم مجابهة ذاك الماكر الصغير وتغيير مجرى الحديث:

-هتاخد حلو إيه يا حبيبي؟

تبسم ليجيبهُ بلباقة:

-هسيب ده لذوق أيسل

كانت منشغلة بالحديث مع الصغيرة لتنتبه حين استمعت لاسمها يُنطق من بين شفاه شقيقها الصغير لتجيبهُ بسعادة بالغة ترجع لعشقها الهائل لشقيقيها الصغيران:

-بس كده،عز باشا الصغير يؤمر

ونظرت لشقيقتها لتسألها بمرحٍ:

-وأميرة ياسين باشا قررت تاكل إيه

تطلعت لشقيقها لتقول:

-أنا هاكل زي عزو

تطلع إليها ورفع قامته لأعلى كعادته عندما يشعر باتباع أحدهم له لينطق بحنين عندما تذكر تلك الماكثة بمنزل جده عز:

-مش كُنا جبنا ليزا معانا يا سيلا؟


نطقت وياليتها لم تذكره بذاك الموضوع:

-ما أنتَ عارف ليزا يا حبيبي،مبتحبش تخرج لأي مكان من غير مروان

تجهمت ملامح وجههُ وشعر بالغيرة تقتحمُ صدرهُ من شقيقه الكبير لكنه التزم الصمت كي لا يُفسد يومهما ذاك،بعد قليل جاء النادل بالطعام وبدأ الجميع بتناوله متلذذين لينتهوا بعد مدة ويقف غز وشقيقته التي تحدثت وهي تقفز للأعلى بحماس:

-يلا يا سيلا وديني أسوق العربيات

-حاضر يا حبيبتي...نطقتها وهي تقف وتُشير إلى كارم:

-يلا يا حبيبي

بالفعل تحرك الجميع إلى مدينة الألعاب الخاصة بالمكان وبالتحديد داخل الصالة المخصصة للعبة سباق السيارات الكهربائية،استقل كل من كارم وعز في سيارة خاصة بهما اما الصغيرة فجلست بجوار شقيقتها الكُبرى وبدأ السباق ليتحرك الجميع بمرحٍ وسعادة وهم يتسابقون، كانت مسك تقود السيارة ممسكة بالطارة ظاهريًا فقط بينما أيسل هي من تتحكمُ بالقيادة وتحريك السيارة من خلال مساعدة الصغيرة بتحريك الطارة يمينًا ويسارًا،وكذلك الحال مع كارم والصغير مما خلق أجواءًا حماسية بين الجميع، قضيا وقتًا رائعًا داخل اللُعبة وبعدها خرجا ليدخلا الصغيران الحُجرة الخاصة بلُعبة"بحر الكُور"ليقول لهما كارم بتوصية:

-خلي بالك من أختك كويس يا عز وإحنا هنقعد قصادكم نشرب قهوة وعنينا هتكون عليكم، ولما تزهقوا شاور لي وأنا هاجي أخدكم

أومأ له قائلاً بكبرياء:

-متقلقش يا حضرة الظابط،أنا موجود وهعرف أحمي أختي كويس

هز رأسهُ بيأسٍ من ذاك المشاكس الذي حصل على غرور وثقة والدهُ كاملةً دون إشراك أحدًا معه ليتحرك بجوار زوجته ويجلسا حول منضدة مقابلة لغرفة الألعاب الزجاجية ليراقبا الصغيرين من خلالها،تحدث لزوجته باحترام:

-تشربي إيه يا حبيبي؟

أجابته بابتسامة رائعة طالما سحرت عينيه بها:

-هوت شوكليت

داعبها وهو يغمز بعينيه:

-أول مرة أشوف شيكولاتة سايحة بتشرب شيكولاتة

أجابتهُ وهي تدعي الخجل:

-متكسفنيش بقى يا كارم

ابتسم ساخرًا لينطق بما جعل بؤبؤُ عينيها يتسعُ من صدمتها:

-لا وإنتِ وش كسوف يا بنت "ياسين"

فغر فاهها وهي تطالعهُ ببلاهة ليتابع ممازحًا:

-إنتِ هتبرقي لي وتعملي فيها مصدومة،بذمتك خلفة ياسين المغربي فيها حد بيتكسف ولا بيخاف

وأشار بكفهِ باتجاه شقيقها الذي يحاول فرض سيطرتهُ على كل من داخل اللُعبة بحُجة التنظيم:

-إتفرجي على سيطرة الباشا الصغير وإنتِ تعرفي معنى كلامي


إلتفتت إلى تلك الحُجرة الزجاجية لتشاهد ذاك المشاكس وهو يقف بالمرصاد للأطفال ويحركهم بتنظيمٍ وسيطرة كاملة دون إعتراضًا منهم، اطلقت ضحكاتها وتحدثت بملاطفة:

-جدو عز مسمية بلطجي عيلة المغربي،اللي عاوزه بيعمله غصب عن أي حد

واستطردت وهي تهز رأسها:

-حتى بابي نفسه مش بيعرف يسيطر عليه


أمسك كوب قهوته وارتشف منه قليلاً ثم تحدث بجدية:

-أقول لك على حاجة بس من غير زعل


أومأت بعينيها ليسترسل هو بهدوءٍ:

-برغم إن عمري ما شفت حد بيحب ولاده زي ما سيادة اللوا بيحبكم،إلا إني بشوف في عيونه نظرة عجيبة وهو بيبص لـ "عز"

واستطرد بنظراتٍ مشتتة:

-نظرات كلها عشق وشوق من نوع مختلف


ابتسمت وتحدثت بتفهمٍ وحياديّة توصلت لهما بعد صراعٍ نفسي دام الكثير من السنوات حتى حصلت على ذاك السلام النفسي:

-عزو ليه وضع خاص مع بابي،ده أول ولد يجيبه من مليكة


أخذت نفسًا مطولاً لتنطق بنبرة هادئة:

-كلنا عارفين يعني إيه راجل يجيب بيبي من الست اللي بيحبها،وبابي مش بس بيحب مليكة،ده بيعشقها،وبالتالي حبه ليها إترجم لمشاعره لـ عز

بسط كفيه يحتضنُ بهما خاصتيها ثم تعمق بالنظر بمقلتيه وهو يقول بتمني:

-وأنا إمتى مشاعري ليكِ هتترجم لـ إبننا يا "أيسل"؟


ازدردت لعابها لتبتسم بهدوء وهي تقول:

-أكيد هييجي اليوم ده،وقريب كمان يا حبيبي

طالعها بعيني مشتاقة ليقول:

-هموت على إبن منك يا قلبي،بقيت بنام وأقوم وأحلم باليوم اللي هتبشريني فيه بخبر حملك

أجابتهُ بعينين تمتلؤُ غرامًا:

-بعد الشر عليك ياحبيبي،إن شاءالله يحصل وقريب قوي

إندمجا بحديثهما المعسول وانشغلا عن الصغار حيث تحدثت الصغيرة إلى شقيقها:

-عزو، أنا هروح التواليت وهرجع على طول

كان منشغلاً بالحديث مع فتاةٍ شقراء قد تعرف عليها للتو داخل اللُعبة لينطق دون مبالاة:

-روحي مع أيسل بس متتأخريش


تحركت الفتاة خارج الغرفة ووقفت تتطلع على شقيقتها وجدتها منسجمة مع زوجها فزفرت وكادت أن تتحرك باتجاههما لكنها توقفت باللحظة الأخيرة وفكرت بأن تعتمد على حالها للمرةِ الأولى فابتسمت بزهوٍ وتحركت صوب الحمامات دون أن تخبر شقيقتها

.*******

داخل الأراضي التركية

وبالتحديد داخل إحدى الباخرات المتواجدة ببحر"مرمرة"،كعروس البحار تقف بثوبها الأبيض الطويل الذي يرفرف خلفها بتموجٍ،تطلقُ الحرية لشعرها الحريري لينطلق متراقصًا مع نسمات الهواء وكأنهما يعزفان معًا مقطوعة موسيقية رائعة،تتمسك بكفيها بسور ذاك اليخت الذي قام بتأجيره عاشق عينيها كي يقضي به ليلته بصحبة تلك المثيرة،ولأجل الحصول على الخصوصية صرف المسؤل عن قيادة اليخت ليقوم هو بتلك المهمة كي يفعل ما يحلو له ويتجولا بثيابٍ متحررة،كانت تتطلع بعينين مشدوهةً بسحر المياة ولونها الأزرق الذي يخطفُ الأبصار،عاشقةً هي لكل ما هو بحر،أغمضت عينيها باستمتاع لتسحب نفسًا مطولاً من ذاك الهواء النقي تحتفظ به داخل رئتيها لمدة ثم تزفرهُ براحة وهدوء،غزت جسدها قشعريرة لذيذة حين شعرت بذراعاي حبيبها تحتوي خصرها وتلتفُ بقوة وكأنهُ يثبت للعالم أجمع ملكيتهُ لمن سلبته عقله وامتلكت قلبهُ وختمت عليه بختمها ليصبح ذاك الجبروت أسيرًا لعشقها الأبدي،كان مرتديًا شورتًا قصيرًا يصل لمنتصف الفخدين باللون الأسود يعتليه قميصًا بنصف كم من اللون البنفسجي تاركًا العنان للثلاث أزرة العلوية مما اعطاهُ مظهرًا مثيرًا،مال بجانب أذنها ليهمس متسائلاً بصوتٍ حنون جعل القشعريرة تتسللُ إلى جسدها بطريقة لذيذة:

-عجبك المنظر؟

تنفست براحة لتلقي برأسها للخلف مستندة على كتفه باسترخاءٍ راقَ له لتنطق بصوتٍ حالم:

-قوي يا "ياسين"،كل حاجة هنا حلوة قوي،منتهى الإيثارة

همس بنعومة أثارت حواس كليهما:

-الإيثارة بالنسبة لي هي إنتِ وبس،مفيش غيرك يقدر يثير ويجنن ياسين المغربي يا مليكة


إستدارت لتواجههُ ثم لفت ذراعيها حول عنقه ونطقت بما جعل عينيه مشدوهة:

-ياسين المغربي ده بتاعي أنا وبس،مِلْكي ومَلكِي ومالك قلبي وكياني


واسترسلت بنبرة إمرأة تهيمُ غرامًا بعشق رجلها الوحيد:

-تمر السنين ولهيب عشقي ليك بيزيد

تحدث ليكمل على حديثها:

-كل ما أقول خلاص يا ياسين، وصلت في عشقك ليها للمنتهى،ومفيش بعد كده غرام،تحصل حاجة وألاقي بعدها نار حبي بتشعلل وتقيد وكأن حبنا لسه بيبتدي


إحتوت وجنتيه بكفيها وباتت تتلمسُ شعيرات ذقنه النابتة التي تعشقها لتنطق بصوتٍ يهيمُ عِشقًا:

-أنا مبسوطة قوي يا ياسين،حاسة إني طايرة من السعادة

غمز بعينيه ليقول بذات مغزى:

-هو حبيبي لسه شاف طيران،ده أنا هعيشك ليلة إسطورية تعيشي عمرك كله على ذكرياتها

ضحكت بخلاعة أجادتها مؤخرًا على يده ليهتف بنبرة عالية:

-أيوا بقى حبيب جوزه اللي هيدلعه


أمسك كفها واصطحبها لمنتصف المكان ثم ضغط على زِرٍ بجهاز التحكم عن بعد ليصدح صوت موسيقى لإحدى الأغاني الفرنسية الراقية ليبدءا بخطواتهم المتمرسة رقصة الـ سلو،تطلع بمقلتيها الساحرتين لينطق هامسًا وهو يتحرك برشاقة:

-إنتِ أحلى ست في الدنيا كلها

شعرت بحالها كفراشة تتراقصُ على نغمات كلماته التي تأسرُ روحها ليتابع بزرقاويتاه الساحرة:

-تعرفي،زمان كنت بقارن بين جمال أي ست بشوفها لأول مرة وبين الستات اللي في محيط حياتي

سألتهُ بدلالٍ زاد من أنوثتها:

-طب وحاليًا؟

أجابها بقولٍ واحد:

-مبقتش بشوف ستات أصلاً

واسترسل صادقًا:

-من ساعة ما شوفتك وإنتِ موتي كل الستات في عنيا،قلبي وعيوني مبقوش شايفين ولا عاوزين غير مليكة وبس

انتفض قلبها حبورًا بكلماته الرائعة لتنطق بصوتٍ هائم:

-كلامك بيخلني أتغر وأحس إني مميزة

على عجلة نطق وهو يطالعها بفخرٍ:

-وهي اللي تشقلب كيان ياسين المغربي وتخليه زي المراهق قدام نظرة من عينيها متبقاش مميزة؟!

وتابع بغمزة رائعة:

-دي تبقى جبارة

أطلقت ضحكة مثيرة زلزلت كيان ذاك الملك

*********

عودة لمدينة الأسكندرية

انتهى الوقت المحدد للعبة لتقف أيسل وهي تقول لزوجها:

-هروح أجيب عز ومسك ونروح ناكل أيس كريم


ابتسم لها ووقف ليرافقها بعدما دفع حساب المشروبات،ضيقت عينيها وهي ترى شقيقها يخرج دون الصغيرة فأسرعت عليه تسألهُ بعينين تجوب المكان علها تجد شقيقتها:

-مِسك فين يا عزو؟

رفع كتفيه للأعلى ليجيبها وهو يمط شفتيه:

-هي مش جت عندك علشان توديها التواليت؟


-تواليت إيه؟!... قالتها بعينين مرتعبتين جثى كارم على ركبتيه ليحاوط كتفي الصغير ويسألهُ بعدما ساوره الشّكّ وتفعل الحِس المخابراتي لديه:

-إحكي لي اللي حصل بالتفصيل يا عز


قص له الصغير ما حدث لتتمسك بذراع شقيقها جيدًا وتهرول خلف "كارم"الذي أسرع الخُطى إلى الحمام الخاص بالسيدات واستدعى الأمن كي يستطيع التفتيش وللأسف لم يعثر على أي أثرٍ للصغيرة فبات يستجوب كل من حوله دون جدوى،صرخت بصوتٍ مرتعب وانهيار:

-مسك ضاعت يا كارم،ضاعت

حاوط كتفيها ليتحدث بأملٍ ظهر بعينيه في محاولة منه لبث الطمأنينة بقلبها:

-إهدي يا حبيبتي وحاولي تتماسكي،هنلاقيها في المول إن شاءالله،الأمن برة مش هيسيب طفلة صغيرة تخرج من غير أهلها


كانت تتطلعُ عليه بنظراتٍ زائغة وجسدٍ يرتجفُ هلعًا لتهز رأسها بشرودٍ وتيهة حتى فاقت على صرخات الصغير المرتعبة:

-فين مِسك يا سيلا،بابي هيخرب الدنيا

تذكرت والدها وغضبهُ الجحيمي الذي سيطال الجميع ولن ينجو منه أحد إن لم يتم العثور على الصغيرة بأسرع وقت فارتعش جسدها أكثر،جثى بركبتيه ليقترب من مستوى الصغير وتحدث بقوة ليطمأنهُ بعدة كلمات حادة:

-متخافش يا حبيبي،مِسك موجودة حوالينا وهنلاقيها حالاً


ثم هب واقفًا بظهرٍ مفرود ليتابع تعليماته لتلك المصدومة:

-خلي بالك من الولد وأنا هروح على غرفة مراقبة الكاميرات

واسترسل على عُجالة:

-لو معاكِ أي صورة ليها على الفون إبعتيها لي بسرعة علشان أديها لأمن المول يدوا أوامر بمنع خروجها من البوابات

بصوتٍ مرتجف تحدثت:

-أنا هاجي معاك

يعلم علم اليقين أنهُ سيدخل حربًا خاسرة لا محال إذا ما ناقشها لذا فقد استسهل وسحبها من كفها وتوجه سريعًا لغرفة الكاميرات،بات يفحص التسجيلات مع الرجال ليصطدم الجميع بخروج الطفلة مع إمرأة ثلاثينية ترتدي جونلة قصيرة باللون الاسود بالكاد تصل لمنتصف فخديها يعتليها قميصًا أبيض تشمر اكمامهِ لمنتصف ساعديها عاقدة لشعرها الأسود على هيئة ذيل حصان،راقبا خروجها نهائيًا من المركز التجاري بصحبة تلك المرأة التي اتجهت صوب الجراچ الخاص بالمكان،تحدث كارم إلى الرجل:

-بسرعة شغلي كاميرات الجراچ


تلبك الرجل وتحدث بارتباك ظهر بعينيه:

-للأسف يا افندم،كاميرات الجراچ كلها عطلانة لأن كان كان فيه حريق في الجراچ من كام يوم وأثر على كفاءة الكاميرات ومن يومها وهي متوقفة،وبعتنا للشركة علشان تيجي تركب بدالهم وأكيد هييجوا النهاردة

اتسعت عينيه شزرًا ليهتف بنبرة غاضبة بعدما رأى ذُعر زوجته وشهقات دموعها التي ارتفعت:

-نعم يا روح أمك،وأنا هعمل إيه بأم كاميراتك اللي هتركبها؟!


جحظت عينين الرجل لينطق باعتراضٍ جاد:

-ميصحش اللي حضرتك بتقوله ده،عيب قوي لما تبقى راجل محترم وـ....


وقبل أن يكمل كلماتهِ إنقض عليه ذاك الغاضب ليقبض بكفيه على تلابيب قميصه بقوة جعلت من جسد الأخر ينتفضُ بارتعابٍ، ليهتف كارم مزمجرًا كالأسد وهو يهزهُ بعنفٍ:

-هو أنتَ لسه شفت العيب،العيب ده أنا هعمله فيك إنتِ والحمير اللي مشغلينك


إنتفض الجميع واستدعى زملاء ذاك الموظف مدير الأمن المسؤل عن المكان برمته ليحضر على عجالة بعدما انقلب المكان لفوضى وحالة من الهرج والمرج بسبب ثورة ذاك الساخط،استشاط المدير وصدح صوته لكنه تراجع وارتعب حين علم بشخص كارم وبشخص والد الطفلة المختطفة ليتحدث محاولاً تهدأت ذاك الثائر:

-إتفضل معايا حضرتك على الجراچ وأكيد هناك هنلاقي دليل يوصلنا للخاطفة


نظر لزوجته وتحدث بنبرة هادئة وثباتٍ قد اكتسبهُ من خلال ممارسة عمله:

-خليكِ هنا مع عز وخلي بالك منه كويس،وأنا هروح معاهم وهرجع لك ومعايا مِسك

برغم ثقته الهائلة التي يتحدثُ بها إلا أنها لم تعد تستطيع التماسك فانهارت لتنطق ودموعها تنساب فوق وجنتيها وهي تقول:

-أنا وعز هنيجي معاك،مش هقدر أقعد هنا وأنا مش عارفة إيه اللي بيحصل برة


-سيلاااااا... نطقها بعينين تمتلؤُ بغضبٍ لو خرج لحطم المكان بأكمله، ليتابع محذرًا:

-تسمعي الكلام اللي بقول لك عليه وتنفذيه بالحرف الواحد،وسبيني أشوف شغلي

شهقت بدموعها ليزفر حين رأى حزنها والألم يسكن عينيها،إقترب يحتضنُ وجنتيها لينطق بحنانٍ ملئ عينيه:

-خليني أتحرك بسرعة علشان نقدر نرجع مسك قبل ما تبعد ويفوت الاوان،لو أخدتكم معايا هتشلوا حركتي، فهماني؟

نطقها بحنان لتهز رأسها بتفهُم لينطلق مهرولاً للخارج في بدء رحلة بحثه عن الصغيرة المفقودة،فاقت على شقيقها الذي هز يدها بعنفٍ وهو يقول:

-كلمي بابي يا "أيسل "ييجي ينقذ"مسك" من العصابة

هزت رأسها برفضٍ تام وهي تقول:

-بابي مسافر برة مصر يا حبيبي،وعلى ما يوصل لهنا هيحتاج يوم على الأقل،كده هنقلقه على الفاضي

صرخ الصغير بذُعرٍ ظهر بَيِن على ملامحه خشيةً من فقدان شقيقته:

-قولت لك إتصلي بـ بابي، هو هيعرف ينقذها،إتصلي وإلا أنا هقول له إنك مش رضيتي تتصلي وضيعتي مِسك

باتت كلمات الصغير تترددُ بأذنيها وكأن لها صدى صوت فانتفض داخلها حين تذكرت غضب والدها الجحيمي الذي سيفتكُ بها لو لم تخبرهُ بالأمر في الحال،ابتلعت لعابها لتُخرج الهاتف من حقيبة يدها تحت إصرار ذاك المزعج،بيدٍ مرتعشة ضغطت زِر الإتصال برقم والدها الذي يعيشُ بعالمهِ الخاص حيثُ مازال يتحرك بحرفية ويدور بتلك التي تسكن أحضانه يتراقصان على أنغام قلبيهما قبل الموسيقى،إنتهت الرقصة ليتحرك نحو الطاولة المتواجدة بالمنتصف وتناول من فوقها كأسين مملؤين بعصير التفاح البارد،ناولها كأسها وارتشف كلًا منهما شربة من كأس الأخر ليميل بعدها على شفتيها يلتهمها في قُبلة شغوفة فصلها صدوح صوت الهاتف،بالبداية لم يكترث له ومال ليقتطفُ قبلةً أخرى ليعاود الإتصال مرةً أخرى فتحدثت هي بلهاثٍ وعينين عاشقتين:

-شوف التليفون الاول وبعدين نكمل وصلة غرامنا

أمسك خصلة هاربة من شعرها ليقوم بتثبيتها خلف أذنها ثم هز رأسهُ رافضًا وهو يقول:

-الوقت ده بتاع حبيب جوزه وبس،وأنا كُلي مِلك لعيونه ورهن إشارته

نطقت بعينين تهيمُ غرامًا بعشق زوجها:

-وحبيب جوزه مش عاوزة من الدنيا كلها غير حُضنك يا ياسين

دفنت وجهها تتمسحُ بصدره العاري والظاهر من فتحة قميصه لتغمض عينيها بانتشاء:

-بحبك، بحبك قوي

صدح صوت الهاتف للمرة الثالثة على التوالي ليبتسم قائلاً:

-كده بقى لازم أرد،بما إن المتصل مصمم قوي كده يبقى أكيد تليفون خاص بالشُغل


إبتعد واتجه صوب الهاتف وأثناء تحركهُ قام بارتشاف ما تبقى من كأسه على دفعةٍ واحدة ليصل للهاتف وما أن نظر به حتى تعجب وضيق بين حاجبيه ليجيب فورًا:

-إيه يا حبيبي،متصلة أربع مرات ورا بعض ليه؟!

إنتفض جسده هلعًا حين استمع لصرخاتها وهي تقول:

-إلحقني يا بابي، مِسك إتخطفت

إنفلت الكأس الزُجاجي من يدهِ ليرتطم بالارضية وبلمح البصر تهشم وتناثرت قطعه لتملؤ الأرضية مما جعل قلب تلك الواقفة يهوى في قدميها لتهرول إليه وتقف بقبالته وتسألهُ بارتيابٍ وهي ترى شحوب وجههِ كشحوب الموتى:

-مالك يا ياسين،إيه اللي حصل؟!

ابتلع لعابهُ ليواليها ظهره وهو يهمس لابنته كي لا تستمع تلك التي لو علمت لانتهى أمرها في الحال:

-بتقولي إيه يا أيسل؟

تعجبت من هدوء والدها لكنها رجحت بفطانتها وجود مليكة بجواره لتنطق بشهقاتٍ عالية:

-كانت بتلعب مع عز لعبة بحر الكور وخرجت راحت التواليت واتأخرت،ولما روحنا نشوفها ملقينهاش

جز على نواجذهِ في محاولة لكظم غيظه لتخرج الحروف من بين أسنانه:

-إختصري وقولي لي النتيجة؟!

هتفت بدموع عينيها وصوتٍ يقطع نياط القلب:

-واحدة ست ظهرت في الكاميرات وأخدتها وخرجت برة المول


-وبعدين...سألها بثباتٍ يصطنعهُ بقوة كي لا تلاحظ حبيبته لتجيبهُ ابنته:

-كاميرات الجراچ متعطلة،ومعرفناش نوصل لها، وكارم خرج للجراچ مع الامن

سألها بقلبٍ ينشطر لنصفين:

-أخوكِ فين؟

تطلعت لقبضة يدها الحديدية الممسكة بكف شقيقها لتقول:

-عز معايا

تحدث تحت ارتعاش قلب مليكة:

-خليكِ في مكان أمن وأنا هبعت لك عمك طارق حالاً ياخدكم

جذبت ذراعه بعدما ساورها الشك من نظراته وملامحه التي تحولت لمرتعبة لتنطق بعينين زائغتين وقلبٍ ينتفضُ رعبًا:

-فيه إيه يا ياسين،ولادي حصل لهم إيه؟

أغمض عينيه يعتصرهما فلم تعد لديه القدرة على ضبط النفس اكثر من هذا فمهما حاول أن يُهدأ من روعه لاجلها لم ولن يستطع،نطق وهو يملس على كتفها:

-إهدي يا حبيبي،كل حاجة هتبقى كويسة

وتابع وهو يومي برأسه:

-كل اللي عاوزة منك هو إنك تثقي فيا،إتفقنا؟

استمع لصرخات صغيره الذي اختطف الهاتف من يد شقيقته الكبرى ليقول:

-إنتَ فين يا بابي، تعالى رجع أختي

استمعت لصرخات نجلها الصغير لتصرخ بعلو صوتها وهو تتعلقُ بتلابيب ياسين:

-بنتي حصل لها إيه يا ياسين؟، إنطق


للحظة شعر بالعجز حيال تلك المنهارة التي سقطت أرضًا بعدما فقدت ساقيها القدرة على حملها وبين نجله المرتعب وصغيرتهُ التي لا يعلم عنها شيئًا وما إذا كانت أمنة أم سقطت بين أيادي أعدائه،جلس على عقبيه ليجاور تلك المنهارة ثم جذبها لتسكن احضانه وتحدث بقوة وثباتٍ لصغيره:

-متقلقش يا حبيبي،عمو كارم هيلاقيها وفي أقل من نص ساعة أختك هتبقى قدامك

صرخ الصغير بارتعاب:

-تعالى يا بابي، هات مامي وتعالى، أنا خايف

نطق كلمته الاخيرة بذُعرٍ ظهر بنبراته الهلعة لينشطر قلب ياسين لنصفين من شدة ألمه،تمالك من حاله ليهتف بقوة وحزمٍ:

-عز،متخافش قولت لك،أنا بخلف رجالة مش عيال صغيرة،خليك جنب أختك وحاول تهديها لحد ما عمك طارق ييجي ياخدكم،ومتتحركش من جنبها، مفهوم يا عز


جذبت من يده الهاتف لتسألهُ بأنفاسٍ لاهثة وصوتٍ خرج بصعوبة:

-أختك فين يا حبيبي

ما أن استمع لصوت والدته حتى انهار وصاح صارخًا:

-مِسك إتخطفت يا مامي، فيه ست خطفتها من الحمام

ألقت الهاتف لتصرخ بجنون وهي تتشبثُ بتلابيب قميصه:

-أنا عاوزة بنتي يا ياسين، هاتي لي بنتي

وضع كفه خلف رأسها باحتواء لينطق بعينين أسفتين:

-حاضر يا حبيبي،والله لارجعها لك في أقرب وقت بس أرجوكِ إهدي

ظلت تصرح وتنادي باسم صغيرتها ليأخذ الهاتف ويبتعد قليلاً ليتابع حديثهُ مع ابنته:

-خلي بالك من نفسك ومن اخوكِ وأنا هكلم عمك حالاً

أجابت والدها بدموعها الغزيرة:

-بابي من فضلك تعالى

-حاضر يا قلبي...قالها بصوتٍ حنون ليتابع بجدية:

-أنا هقفل معاكِ وإنتِ إهدي وحاولي تهدي أخوكِ،إتفقنا يا سيلا؟

إتفقنا يا بابي...نطقتها بشهقاتٍ متقطعة

أغلق الهاتف ليتطلع على تلك الملقاه على أرضية اليخت بجسدٍ مرتجف وروحٍ واهية وكأنها على وشك أن تلفظ أنفاسها الاخيرة،تنهد بألم ليضغط على رقم شقيقه حيث كان يجلس بحديقة المنزل بحضور العائلة بأكملها،استمع لصدوح رنين هاتفه لينظر به بعينين متعجبة:

-ده ياسين

ابتسم والدهِ ليقول بسخرية:

-الباشا أخيرًا إفتكر إن ليه عيلة يسأل عليها

مالت منال على المنضدة لتُمسك بكأس العصير وتناولهُ لزوجها وهي تقول:

-العصير يا باشا

تناولهُ من يدها لميل برأسهِ قائلاً مع إبتسامة شكر:

-تسلم إيدك يا منال

لكزت چيچي زوجها وهي تقول:

-رد على التليفون،هتفضل سايبة يرن كده

إبتسم ليجيبها بدعابة:

-خليه يدوق شوية،إمبارح رنيت عليه أربع مرات معبرنيش

غمز عز لنجلهِ قائلاً بذات مغزى ولطافة:

-طول عمرك وإنتِ فاقد لحِس إختيار الأوقات المناسبة يا طروق

قهقه بعدما وصل له المعنى ليتابع عز بعدما ارتفع رنين الهاتف مرةً أخرى بعد انقطاعه:

-كفاية عليه كده ورد

ابتسم طارق ليجيب على الإتصال أخيرًا بمداعبة:

-معقولة الباشا إتعطف واتلطف ورن على الفقير إلى الله

لم يكمل جملته حين قاطعهُ الأخر بنبرة هلعة:

-إتحرك بسرعة يا طارق على مول...... هتلاقي أيسل وعز رجعهم حالاً على البيت


أصيب بتيبس في أطرافه حتى أنهُ لم يستطع نطق كلماتهِ بشكلٍ متزن وهو يقول:

-فيه إيه يا ياسين،إنتَ بتتكلم كده ليه؟

بقلبٍ يتمزق وينزف دمًا على صغيرته:

-مِسك مش لاقينها، وكارم بيدور عليها وساب أيسل وعز لوحدهم في المول

نهض منتفضًا وهو يقول بهلعٍ ظهر بعينيه:

-إنتَ بتقول إيه يا ياسين،يعني إيه مش لاقينها؟!


انحنى عز للأمام ليضع الكأس فوق الطاولة ثم إلتفت ليسأل نجله بارتياب:

-فيه إيه يا طارق؟!

استمع ياسين لصوت والدهِ فشعر بحاجته الملحة لالقاء جسده المنهك داخل أحضانه فتحدث بنبرة مستسلمة:

-إديني بابا يا طارق

ناول الهاتف لوالده وتحدث بعدما صرخت منال متسائلة عن ما أصاب نجلها:

-ياسين بيقول إن مسك اتخطفت

أُصيب الجميع بحالة من الصدمة لتشهق منال وهي تهتف بقلبٍ يرتجفُ:

-إتخطفت إزاي،وكارم كان فين؟

لتتابع بلومٍ وهي ترى زوجها يبتعد بالهاتف جانبًا:

-قولت لك بلاش أيسل تاخد الولاد يا عز مش هتعرف تخلي بالها منهم، قولت لي كارم معاها

لم يعر لحديثها الملام أدنى إهتمام ليتحدث على الفور إلى نجله المنهار:

-إيه اللي حصل يا ياسين؟

أجاب والدهُ تحت صرخات مليكة المدوية:

-مش عارف يا بابا،أيسل كلمتني من المول وهي منهارة هي وأخوها

واسترسل متوسلاً:

-إتصرف أرجوك يا باشا ورجع لي بنتي

بقلب أبٍ يرتجفُ خوفًا على نجله أجابهُ:

-متخافش يا حبيبي،بنتك هترجع، المهم خلي بالك من نفسك إنتَ ومراتك

واسترسل بارتيابٍ غزى قلبه:

-انا قلقان عليك يا ياسين

أجابهُ بثقة ليطمئن قلبه:

-متخافش عليا يا باشا،أنا مأمن نفسي كويس، أهم حاجة تشوف لي موضوع بنتي بسرعة

ثم استرسل على عجلة:

-هقفل مع حضرتك علشان أعمل إتصالاتي،وبعد إذن معاليك خلي طارق يتحرك فورًا علشان أيسل وأخوها


-هتعدي بعون الله يا ياسين،زي ما غيرها عدى علينا دي كمان هتعدي،خليك واثق في ربنا...كلمات نطقها عز ليقوى من عزيمة نجله قابلها الأخر بكثيرًا من التفاؤل والامل ليغلق وكاد أن يضغط على رقم رئيسه بالعمل قاطعته تلك التي هرولت عليه لتتمسك بذراعه قائلة:

-إتصل برجالة الجهاز وخليهم يحجزوا لنا تذاكر علشان نسافر حالاً

بقلبٍ يتمزقُ لأجلها تحدث:

-ممكن تهدي لحد ما أعمل مكالمة على السريع

صرخت بعدما فقدت صبرها وما عاد فيها التحمُل أكثر:

-مش ههدى ولا هسكت غير لما ترجعني مصر وحالاً

رفع كتفيه للأعلى ليجيبها باستسلام:

-ودي هعملها إزاي يا مليكة،علشان نرجع مصر محتاج مش أقل من ست سبع ساعات

واسترسل بحكمة وعقلانية:

-إهدي لما أعمل إتصالاتي وبعدين نتكلم وأحجز التذاكر

صرخت وهي تجذبه من تلابيب قميصه بجنون بعدما فقدت عقلها:

-مش هتزفت يا ياسين،رجعني مصر حالاً،أنا قلبي بيتحرق على بنتي وإنتَ بكل برود بتقولي إهدي

كور قبضة يده ينفضها بالهواء ليكظم غيظه من أفعالها وقبل أن ينطق أغمض عينيه ليزفر بقوة في محاولة منه بطرد الغضب الذي سكنه وملئ قلبه،ثم فتحمها من جديد لينطق وهو يكز على نواجذهِ:

-أبوس إيدك تسبيني أشوف شغلي،ربع ساعة هعمل إتصالات مهمة علشان أنقذ ما يمكن إنقاذه وبعدها نتكلم

شهقات متتالية خرجت منها جعلت قلبه ينفطرُ لأجلها وعلى الفور جذبها لتسكن بأحضانه وتحدث وهو يربتُ عليها:

-أنا حاسس بالنار اللي مولعة في قلبك على مِسك وعاوزك تتأكدي إن جوايا أضعافها،بس لازم نهدى ونفكر بالعقل،كل اللي عاوزة منك هو إنك تثقي فيا

خرجت من بين أحضانه لتسألهُ متلهفة:

-هترجع لي بنتي يا ياسين،صح؟

أمسك كفها وقربه من شفتيه ليلثم باطنه وهو يقول بعينين صادقتين:

-هرجعها لك يا حبيبي

أومأت عدة مرات متتالية ليجري هو إتصالاته برؤسائه ثم هاتف كارم الذي فؤجئ برقم ياسين لينطق بارتياب:

-هو يوم مطلعتلوش شمس أنا عارف

وتوعد في سريرته لزوجته الحمقاء على إبلاغ والدها المجنون بما حدث ليضغط زِر الإجابة قائلاً بجدية:

-مساء الخير يا باشا

-مساء الزفت على دماغك يا بيه...كلمات إنفجر بها ذاك الغاضب بشدة جعلت من الاخر يغمض عينيه ويقوم بجذب شعره للخلف بقوة كادت أن تقتلعه من جذوره ليتابع ياسين سخطه عليه:

-هي دي حمايتك لولادي يا حضرة الظابط،مش عارف تخلي بالك من عيلين

وتابع بصوتٍ جعل الاخر يحمد الله على عدم وجوده أمام ذاك الحانق وإلا لفتك به دون رحمة أو تردد:

-إنتَ اللي زيك عار على جهاز المخابرات المصرية

كان يتلفت من حوله بريبة خشيةً من استماع هؤلاء الرجال المجاورين له داخل الجراچ لمعاينته لتوبيخ ذاك الثائر له فتحدث بصوتٍ متزن:

-أنا بعاين الجراچ جنابك وأكيد هلاقي دليل يوصلني للخاطف


-دليل إيه اللي لسه بتدور عليه عندك يا فاشل...قالها بسخطٍ ليكمل بتوعدٍ مرعب:

-أقسم بالله العلي العظيم،لو بنتي ماظهرت كمان ساعة لاكون مطلع روحك بإيدي، وما فيه مخلوق هيقدر يرحمك من بين إيديا يا كارم


إرتعب داخله لينهي الأخر المكالمة دون تكليف حاله استماع رد كارم الذي زفر بقوة ليهتف في المدير المسؤل عن الأمن بالمكان:

-تتصرف حالاً وتخلق لي أي عامل شاف البت دي أو أي زفت دليل أتحرك عليه وإلا ههد المكان ده فوق روسكم

ازدرد لعاب الرجل ليومي برأسه عدة مرات متتالية بذُعرٍ ظهر بعينيه الزائغة

*********

عودة إلى منزل عز المغربي

حضرت ثريا وراقية بعدما علما بما حدث من صوت نحيب منال وهي تهرول خلف طارق لتذهب معه كي تطمئن على الصغير وأيسل لكن عز قام بإقناعها بالمكوث هنا وبأن كارم بعث قوى أمنية لحمايتهم لحين حضور طارق الذي أصر على إحضارهما بنفسه حسب توصية ياسين له


هرولت چيچي لتناول والدة زوجها المنهارة كوبًا من الماء وهي تقول:

-إشربي حبة ماية وحاولي تهدي يا طنط

هزت رأسها برفضٍ وهي تقول بنبرة بائسة:

-أهدى إزاي وحفيدتي مخطوفة، وياعالم مين اللي خطفها وبيعمل إيه فيها الوقت

حاوطت "راقية"ذقنها بكف يدها لتقول بما دب الرُعب داخل قلوب الجميع:

-هو الخوف كلهُ ليكون اللي خطفينها الجماعة اللي إسمهم داعش ويعملوا معاها زي ما عملوا في المسكينة ليالي

شهقت منال بذعرٍ لتنطق ثريا بدموعها المنهمرة خوفًا على الصغيرة التي تعتبرها بمثابة حفيدة لها:

-فال الله ولا فالك يا راقية،

واسترسلت بنظراتٍ عاتبة:

-إيه الكلام اللي انتِ بتقوليه ده؟!،تفائلي بالخير وإدعي لها

لوت فاهها وتحدثت وهي تمصمص شفتيها بتذمرٍ:

-ده على أساس إني بقول كلام محصلش يا ثريا؟!

زاد نحيب منال لتحدث"تارا" زوجة عمر وهي تُربت على ظهر منال:

-إهدي يا ماما إن شاءالله هيلاقوها

أمنت بضعف:

-يارب، يارب يا تارا

لم تكتفي تلك المرأة بما تفوهت بينما تابعت بخ سمها قائلة:

-اللي حصل لبنت ياسين ده فكرني بالمسلسل بتاع أحمد السقا اللي العصابة خطفت إبنه من المول زي كده علشان ياخدوا كليته

اتسعت أعين الجميع لتتابع وهي تنظر أمامها بجبينٍ مُقطب:

-دي أكيد عصابة من بتوع تجارة الاعضاء،دايرين في كل حتة يلملموا في كلاوي العيال مش مخليين

صرخت منال توبخ تلك المنزوعة العقل والقلب:

-إسكتي يا سِت إنتِ،مش عاوزة أسمع صوتك

تطلعت ثريا على راقية التي تشمل منال بنظراتٍ إزدرائية لتحدثها بنبرة جاهدت لتخرج هادئة:

-قومي روحي على بيتك يا راقية،ولما إن شاءالله نتطمن على البنت هنبقى نبلغك

رفعت حاجبها الأيسر لتنطق باستنكار:

-وده يصح بردوا يا بنت الأصول؟!

واستطردت معللة:

-معقولة عيلة جوزي تبقى واقعة في مصيبة كبيرة زي دي ومقفش جنبهم!،دي حتى تبقى عيبه في حقي

تبادلت ثريا نظرات اليأس بينها وبين چيچي التي زفرت باستسلام لتلتفت ثريا إلى منال وهي تقول بنبرة هادئة:

-إهدي يا منال وإشربي لك شوية ماية

واسترسلت بيقين:

-أنا قلبي بيقول لي إنها بخير

هتفت على عجلة:

-يارب يا ثريا،يارب تبقى بخير وترجع بالسلامة،أنا مش هقدر أتحمل صدمة جديدة في حياتي

أقبل عليهُن عز الممسك بهاتفه حيث كان يقف بعيدًا يجري إتصالاته المكثفة ليتابع الأمر، سألته منال متلهفة:

-عملت إيه يا عز

تحدث وهو يجلس فوق المقعد باستسلام:

-عملت إتصالاتي والكل اتحرك وإن شاءلله مش هتكمل ساعة إلا وهي هنا

إنهمرت دموعها من جديد لتهمس راقية بهسيسٍ لم يصل سوى لأذنها:

-ده لو لحقوها قبل ما ياخدوا قلبها وفشتها وكلاويها

سألته ثريا بقلبٍ يتمزق ألمًا:

-ياسين عامل إيه يا سيادة اللوا

تنهد بيأسٍ وهو يتطلع إليها:

-هيتجنن يا ثريا،مش قادر يستوعب إن بنته تايهة وهو ميعرفش حاجة عنها ولا قادر يكون موجود علشان يدور عليها بنفسه

نطقت بصوتٍ حزين:

-ومليكة كمان هيحصل لها حاجة،كلمتها من شوية وحاولت أهديها بس البنت منهارة ولا سمعت كلمة واحدة من اللي قولته لها،وكأنها في عالم تاني

-كل الذنب عليها...كلمات عاتبة نطقت بها راقية لتتابع بإبانة:

-هو فيه واحدة عاقلة تسيب جوز عيال صغيرين وتدور تلف مع جوزها،ولا ياسين ده كمان

واسترسلت بازدراء:

-كل شوية ساحبها معاه هنا وهناك وفاكر لي نفسها إبن العشرين

هبت منال من مكانها لتهتف بصراخٍ أرعب الجميع:

-إطلع برة يا ست إنتِ،روحي على بيتك وسبيني في همي


وقف سريعًا ليمنعها من الوصول لتلك الشمطاء والفتك بها لينطق في محاولة منه على سيطرة غضب تلك الساخطة الذي لو أخرجته بتلك الحشرية لفتك بها:

-إهدي يا منال وإقعدي علشان ما تتعبيش

جاورتها أيضًا ثريا التي تحدثت بمؤازرة:

-إهدي علشان الضغط ما يرتفعش معاكِ ويتعبك


بالكاد هدأت وجلست من جديد تحت نظرات تلك التي مصمصت شفتيها وهي تتطلع على منال بحاجبٍ مرتفع وكأنها مخطئة،رمقتها ثريا بحدة ونظراتٍ تحذيرية علها تصمت وتكف عن أذية الغير بكلامها المسموم

*********

بمكان أخر من مدينة الاسكندرية

صفت إحدى السيارات الفخمة أمام بناية شاهقة ليترجل رجلاً بأواخر الثلاثينات وقام بغلق الباب خلفه،ليستدير للطفلة التي ترجلت من الكنبة الخلفية ليُمسك بيدها بعد أن غمرها بابتسامة سعيدة بادلتهُ إياها بأخرى مطمئنة وهي تتناول لوحًا من الشيكولاتة المغلفة المتواجدة بيدها، إلتفت لتلك التي ترجلت من الناحية الاخرى ليقول بجدية:

-هاتي الأكياس من شنطة العربية وخلي عواد يساعدك

ثم نظر إلى الذي هرول عليه مقبلاً وهو يقول:

-يلزمش أي خدمة يا باشا؟


أشار على تلك العاملة الفلبينية وهو يقول:

-تعالى يا عواد ساعد "أرينا" وطلع معاها الشُنط على فوق

-تحت أمرك يا باشا...قالها حارس البناية ليتحرك الاخر صوب المصعد الكهربائي،ولچ إلى مسكنه ليجد زوجته الجميلة تجلس فوق الأريكة التي تتوسط الفناء وطفليها يجاوراها يلتهيان بألعابهما لتنطق دون أن تلتفت لذاك الذي ولج للتو:

-إنتَ جيت يا حبيبي

أشار للصغيرة لتلتزم الصمت لتبتسم بدعابة ثم أجاب زوجته وهو يقوم بتعليق عُليقة المفاتيح بمكانها المخصص:

-أه يا حبيبتي جيت

نطقت بتبكيت مداعب:

-ياريت تكون جبت خزين الشهر كله ومانسيتش حاجة زي عوايدك


اجابها وهو يتحرك ممُسكًا بكف الصغيرة وهما يتجهان لتلك التي تواليهما ظهرها:

-متقلقيش، "ألينا"جابت كل اللي كان مكتوب في الورقة

ليسترسل بمشاكسة:

-وجبت لك معايا ضيفة كمان

أسرعت بالإلتفات لتفرد الصغيرة ذراعيها وهي تقول بمرح:

-أنا جيـــت

اتسعت عيني"علياء "لتصيح بسعادة وهي تقفز كالأطفال من فوق الاريكة:

-مِسك

هرولت لتأخذها بأحضانها تقبل وجنتيها وأسرع الصغيران ليقوما بالترحيب بالطفلة ويدخلاها لتلهو بصحبتهما،أقبلت علياء لتُقبل زوجها وهي تسألهُ:

-مجبتش عزو وأنس ومروان معاك بالمرة ليه؟


-أجبهم منين...قالها ساخرًا ليُشير إلى الطفلة التي اندمجت سريعًا باللعب مع أبناء خالها:

-دي" ألينا" لقت البنت تايهة في الحمام لوحدها وكتر خيرها جابتها معاها على الجراچ



فلااااااش باك!!!!!!

ذهب شريف عثمان إلى ذاك المركز التجاري الضخم بصحبة العاملة الفلبينية التي تعمل لديه بالمنزل ليجلبا معًا ما يلزم المنزل من لحوم وخضروات وفواكه وما شابه ليكفي إحتياجات المنزل الشهري،انتهيا من جلب ما يلزمهما ودفع الحساب وكادا أن يتحركا للخارج فتحدثت العاملة التي تتحدث باللغة العربية الفصحى:

-أستميحك عذرًا سيدي، لأبد أن أذهب إلى دورة المياة لحاجتي الملحة

تطلع إليها لينطق بهدوء:

-تمام بس ياريت ما تتأخريش، أنا هستناكِ في العربية في الجراچ


تحرك لوجهته لتذهب هي صوب الحمام لتجد الطفلة واقفة بالحمام وهي تبكي لتهرول عليها فهي تعرفها جيدًا من زيارات مليكة لمنزل شريف بالصغار وأيضًا حين تتجمع العائلة بمنزل سالم عثمان وتذهب معهم تلك الـ" ألينا":

-ماذا بكِ يا صغيرة،لما تبكين وما الذي أتى بكِ إلى هنا؟!

نطقت بدموعها:

-أنا جيت التواليت بس مش عارفة أدخله لوحدي وكمان مش هعرف أروح لـ أيسل تاني لأني نسيت المكان

سحبتها لداخل الحمام وهي تقول:

-هيا أدخلي معي وأنا سأعتني بكِ

ساعدتها بقضاء حاجتها وعدلت من وضع ثيابها ثم قررت أن تصطحبها معها إلى خالها وهو يدبر لها شأنها، وما أن رأها ذاك المرتدي نظارته الشمسية ينتظرُ بتأفف حتى انتفض من مقعده ليفتح باب السيارة ويخرج لاستقبال نجلة شقيقته الغالية:

-مسوكة قلب خالها

هرولت عليه لتحتضنه قائلة بحبورٍ:

-خالو شريف حبيبي

بعد قبلاته الحارة علم من العاملة ما حدث فقرر أن يأخذ الصغيرة دون أن يعلم أحد ليعاقب شقيقتها وزوجها على التفريط بحق صغيرة شقيقته،وجلب لها لوحًا من الشيكولاتة من داخل الاكياس حيث يجلب الكثير منها لأجل نجليه

إنتهى الفلاش بااااك

شهقت علياء لتنطق بذهولٍ وارتعاب:

-يا نهارك إسود يا شريف،يعني إنتَ أخدت البنت من غير عِلم أيسل، دي زمانها قالبة الدنيا على أختها

إرتمى فوق المقعد ليقول بلامبالاة:

-خليهم يترعبوا علشان يتربوا وبعد كده يبقوا ياخدوا بالهم من العيال

-يا قلبك يا أخي...قالتها وهي تلتقط هاتفها من فوق المنضدة ليسألها ببرودٍ:

-هتعملي إيه يا عالية؟

أجابته وهي تضغط زر الإتصال:

-هكلم أيسل طبعاً

نطق بلامبالاة وهو يلوح بذراعه في الهواء:

-سبيهم يتربوا شوية

هزت رأسها باستسلام وهي ترمقهُ بازدراذٍ وتقول:

-مش عارفة بس إنتَ جايب البرود ده منين

********

كانت تجاور عمها المقعد الامامي للسيارة محتضنة الصغير وهما يزرفان الدمع معًا،تجلد ذاتها وتحملها كامل الذنب على التفريطُ بأمانة والدها الذي وثق بها وسلمها قطعة من قلبه وبالأخير أضاعتها،سؤالاً يلح عليها ويراودها،لو لم يتم العثور على الصغيرة كيف ستواجه والدها،تحدث طارق بقلبٍ يتألم من أجل الجميع:

-حاولي تتماسكي شوية علشان خاطر أخوكِ، مينفعش كده

هتفت بقلبٍ يذرفُ دمًا:

-أنا السبب يا عمو،الحق كله عليا،أنا اللي أهملتها واتلهيت عنها لحد ما اتخطفت

ربت على كفها المحاوط بكتف الصغير وهو يقول متطلعًا للطريق:

-هوني على نفسك يا أيسل،ده قدر وكلنا لازم نتقبله بقلوب راضية


قطع حديثهما صدوح صوت الهاتف لتتألم عندما وجدت نقش اسم علياء ونطقت باستياء:

-دي علياء،الخبر أكيد وصل لهم

-طب ردي عليها...قالها طارق بهدوء لتناولهُ الهاتف وهي تقول بشهقاتٍ متقطعة:

-مش قادرة أتكلم يا عمو،خد رد عليها إنتَ

ضغط زر الإتصال وفتح مكبر الصوت ليقول بنبرة متماسكة:

-أيوة يا علياء

تحدثت باستغراب:

-طارق، أمال فين أيسل؟!

تنهد ليجيبها:

-أيسل جنبي بس تعبانة ومش قادرة تتكلم

هتفت سريعًا لتطمئن قلبه:

-مِسك عندنا

اتسعت أعين الثلاثة وبقولٍ واحد تحدثوا:

-إيه؟

اختطفت الهاتف من فوق التابلوة وهي تقول بعدم استيعاب:

-عندكم إزاي، ولقتوها فين يا علياء؟!

قصت لهما ما حدث ليهز طارق رأسه باستياء من أفعال صديقه الغير محسوبة لتغلق الهاتف سريعًا وعلى الفور هاتفت والدها الذي كان يقود اليخت عائدًا للشاطئ بعدما أبلغ رجال الجهاز ليقوموا بحجز تذكرتين عودة إلى القاهرة في الحال،كانت تجاورهُ تلك المنتحبة التي أبدلت ثوبها بأخر محتشم وارتدت حجابًا ساتر لشعرها،ضغط زر الإجابة متأملاً ليصله صوت نجلته السعيد:

-لقينا مِسك يا بابي

شعر بقلبهِ قد قفز من بين أضلع صدره من شدة السعادة وهو يسألها:

-لقتوها فين؟

انتبهت مليكة ليتراقص قلبها وهي تنظر لذاك الذي هتف بحبورٍ هائل:

-لقوها يا حبيبي لقوها

ضغط على مكبر الصوت ليستمعا معًا إلى تفاصيل الواقعة تحت اشتعال قلب ياسين وخجل مليكة من أفعال شقيقها المخجلة لينطق إلى طارق بسخطٍ:

-روح هات البنت وروحها يا طارق

وتابع متوعدًا بشرٍ ظهر بزرقاويتيه:

-قول لصاحبك يشوف له مكان ميخطرش على بال بشر يستخبي فيه،لأن وحياة أمي لو شفته قدامي ماهخليه ينفع لحاجة خالص


أغلق طارق ليخبر باقي أفراد العائلة وهاتفت أيسل زوجها الذي مازال يجوب الشوارع للحصول على دليل قبل أن يتخطى الساعة التي حددها وحش المخابرات له قبل الفتك به ووقوعه داخل عرين الأسد

أما ياسين فتطلع لتلك المجاورة له تطالعهُ بنظراتٍ مترقبة لينطق وهو يصك أسنانه ببعضها:

-يحمد ربنا إبن "سُهير"ألف مرة على حُبي ليكِ،اللي لولاه قسمًا بربي لكنت خليت الذبان الازرق ما يعرف له طريق

نطقت على استحياء وهي تتهربُ من عينيه:

-خلاص بقى يا حبيبي،المسامح كريم


طالعها بنظراتٍ شزرة لينطق بنبرة حادة متوعدة:

-وحياة أمي ما هسيبك يا شريف يا عثمان

ازدردت لعابها ليسترسل هو بنبرة باردة وهو يُدير مقود الباخرة ليعود داخل البحر من جديد:

-إدخلي غيري هدومك وإلبسي الفستان اللي كنتي لبساه

اتسعت عينيها لتسألهُ متعجبة:

-بطل هزار يا ياسين وكمل علشان نسافر للولاد

صاح وهو يرمقها بنظراتٍ نارية:

-نعم يا اختـي؟!

سفر إيه ده إن شاءالله؟

واسترسل مستاءًا:

-مش كفاية البيه أخوكِ وعمايلة السودة، كمان عاوزة تقلي مزاجي وتضيعي لي الليلة اللي برسم لها من إمبارح؟!

إنتِ أكيد بتهزر صح؟!... قالتها بعدم استيعاب لشدة حاجتها للسفر للإطمئنان بنفسها على الصغيرة واحتضانها كي يطمئن قلبها ويهدئ ليفاجأها برده وإصراره على تكملة الرحلة البحرية والاستمتاع بليلتهما الساحرة:

-الطريقة الوحيدة اللي ممكن أسامح أخوكِ بيها هي إن الليلة تمشي بالتخطيط اللي رسمتهولها

نطقت كي يتراجع:

-إعقل يا ياسين ولف وإرجع بينا على الشط

-إعقلي إنتِ وإتقي شري الساعة دي يا بنت سُهير...قالها وهو يضغط على شفته السُفلى بتوعدٍ ليُبطئ حركة اليخت ويوقفه لتصرخ وتهرول من أمامه بعدما علمت بنيته،هرولت تطلق ضحكاتها ليلحق بها وهو يقول بصوتٍ مرح:

-إعقلي وخدي لك ساتر يا ليكة

وصل لمكانها ليحملها بين ساعديه وينظر لها بعينين تهيمُ غرامًا وهو يقول:

-بحبك يا مليكة

وأنا بعشقك يا قلب مليكة...قالتها بقلبٍ يرتجفُ عشقًا ليميل على شفتيها يلتقطهما ويذوبا معًا بلذة حلوها ثم تحرك بها للداخل لينعما بداخل أحضان بعضيهما ويسبحا ببحر غرامهما المميز.

انتهت احداث الرواية نتمني ان تكون نالت اعجابكم وبانتظار أراؤكم في التعليقات وشكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم


للمزيد من الروايات الحصريه زورو قناتنا على التلجرام من هنا

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1