رواية مملكة سفيد الفصل الخامس 5 بقلم رحمة نبيل





رواية مملكة سفيد الفصل الخامس 5 بقلم رحمة نبيل


ملكة_عديمة_الفائدة

*مساء الخير، قبل القراءة اضغط على الفوت ⁦) علامة النجمة تحت (*

صلوا على نبي الرحمة..

اتمنى الفصل يعجبكم .

فصل آخر هدية لكم

_______________

اصوات الأمواج المتلاطمة، وهدير المياه وصرخات مكتومة …

كان هذا فقط ما يصل لمن على متن السفينة بعد أتزانها وبصعوبة شديد، حالة من الرعب تلبست الجميع بسبب غياب أجساد القائد والملكة أسفل المياه بعد سقوطهما .

مسح صامد عرق بدأ يظهر على جبينه برعب شديد مما يرى، كان البحر قد ابتلعهما بالكامل وبكل غدر، منذ ثواني فقط كان يبتسم لهما ويظهر لهما صفاءه، لكن اتضح الآن أن تلك لم تكن بسمة عادية، بل كان بكل بساطة يكشر لهما عن أنيابه وفي ثواني تعكر صفاءه ..

وأسفل المياه كان سالار يكتم أنفاسه بمهارة عالية، فهو لم يكن جاهلًا بالسباحة أو ما شابه، فلا تدري متى ترميك اقدارك لمعركة مع البحار .

كان يبحث بعيونه عنها في كل مكان وقلبه يكاد يتوقف من الرعب، لأول مرة يخشى شيئًا، ضياع الملكة يعني خسارته لكل تاريخه المحفوف بالانتصارات، أن يخسر مهمة لهو عارٌ غير مستعد أن يزين دفتر ملئ بالمكاسب .

وفجأة ابصرها تحرك يديها وقدميها على بعد كبير منه وبكل حماقة، وكأنها تعاند البحر ليزداد هو عنادًا وتشبثًا بها .

سبح جهتها بمهارة عالية وبسرعة فائقة، حتى التقط جسدها بسرعة كبيرة يخرج بها لسطح المياه مطلقًا شهقة عالية هاتفًا من بين أنفاسه :

” يا الله يا مغيث …”

وقبل أن يتبع جملته بأخرى شعر بها تضربه بيديها وقدميها وتتحرك بعنف شديد وكأنها ما تزال محتجزه أسفل المياه، وهو يحاول أن يتحكم بحركة جسدها كي لا يسحبها الموج مجددًا :

” لقد نجونا، تنفسي مولاتي، أنتِ بخير تنفسي جيدًا”

وفجأة تلقى صفعة على وجهه دون أن ترى هي أين تحط يدها، فقط ما تزال تشعر أنها أسفل المياه، وهو يصرخ بها أن تتوقف :

” بالله عليكِ توقفي قبل أن يشتد غضبي واريكِ مني ما لا يسرك و…”

ومجددًا هبطت صفعة أخرى على وجهه ليصرخ بجنون :

” لعنة الله على الكافرين، اقسم أنني …”

ولم يكد يتم جملته إذ تمادت بعدما بدأت تصعد فوق جسده وتنزل رأسه أسفل المياه مستعملة إياها كطوق نجاه صارخة :

” مش بعرف اعوم ….مش بعرف اعوم ”

كانت تتحدث وهي تُغرق رأس سالار الذي كان يحاول الخروج من المياه دون أن يؤذيها، وهي ما تزال تضغط على رأسه وتصرخ بجنون باكية برعب.

تشعر أنها ستموت الآن إن افلتته كل كوابيسها تجمعت أمام عيونها لتغطي على ذلك المشهد أمامها وتعرض لها مشاهد أخرى لخيالاتها التي كانت تراودها يوميًا، كانت تعيش يوميًا في كوابيس أن تموت وحدها ولا يشعر بها أحد حتى تتعفن، والآن ستموت ويتركونها ليذوب جسدها في المياه:

” حد يخرجني من هنا، مش بعرف اعوم، مش بعرف اعوم، مش بعرف اعوم ”

وعلى السفينة ركض أحد أفراد الطاقم يحضر طوق نجاه وصمود يصرخ وهو يشاهد ما يحدث :

” يا ويلي هل تحاول قتل قائد الجيوش ؟؟”

أجابه صامد وهو يرى ما تفعل :

” أقسم أن الملك لن يكفيه أن يجز رأسها أو ينفيها إن فعلت ..”

وفجأة اتسعت أعين الجميع حينما انتفض جسد سالار بقوة من أسفل المياه بعدما يأس أن تتوقف هي عن دفعه للاسفل، ليتراجع جسد تبارك للخلف بسرعة كبيرة ساقطة في المياه مرة أخرى وهي تصرخ أن ينقذوها، وقبل أن تعود للدوامة السابقة، شعرت بمن يسحبها من ثيابها للخلف جاذبًا إياها للأعلى، فتحت عيونها بصعوبة لتبصر وجه سالار الذي كان يحدق فيها بشر، ومن ثم جرها خلفه من ثيابها وكأنه امسك لصًا يحاول سرقة حذاءه من أمام المسجد ..

يجرها في المياه سابحًا، وهي كانت تشعر أنها شربت نصف المحيط حتى طريقها لطوق النجاة، ولا تدري كيف لكنها فجأة شعر باليابسة أسفلها وهناك عدد كبير يجتمع حولها مانعين عنها الشمس …

نظرت لهم، لا تشعر بشيء، فقط دوار ورغبة بالقيء الشديد، سمعت صوتًا يتحدث بلهفة :

” أنتِ بخير مولاتي ؟؟”

رفعت عيونها لذلك القصير الذي يرافق سالار ولا تتذكر له اسمًا، وقالت بصعوبة من بين أنفاسها :

” بخير ايه ؟؟ ده مسح بوشي البحر كله ”

دفع سالار الجميع عنها بعدما صعد هو للسفينة يسير صوبها بكل هدوء، ثم جلس القرفصاء يراها تحاول الاعتدال في جلستها، ليجذبها من ثيابها بعنف تسبب في اهتزاز جسدها بقوة وصوته يصدح في جدية كبيرة :

” أنتِ بخير ؟؟”

” لا أنا مبلولة ”

رفعت عيونها له، ونظرت بتشوش شديد، ثم مدت يدها تبحث عن شيء صلب كي تستند عليه، تحاول التحدث بكلمات ما وهو يضيق عيونه محاولًا فهم ما تريده، لكن فجأة اغمض عيونه بقوة كبيرة وهو يشعر بها و قد اغرقته بقيئها …

عض سالار شفتيه وهو يسمع صوتها ما تزال تفرغ ما في معدتها عليه والجميع يشاهد بأعين متسعة، وهو داخله يشعر برغبة عميقة أن يحملها ويلقي بها للبحر ليأخذ منها ثأره :

” لعنة الله على الكافرين ….”

______________________

” مجموعة كالمنبوذين يقتحمون مملكة بحجم مشكى، لهو أمر مثير للشك والريبة ”

ابتسم إيفان يستمع لكلمات تميم التي ألقاها بمجرد جلوسه، مال برأسه قليلًا محاولًا التفكير في الأمر، بالطبع هو لم يقتنع ولو للحظة بكل تلك الروايات التي وصفت تلك الغارة الشنيعة والمذابح البشعة بحق الأسرة الحاكمة لمشكى، الأمر وما فيه أن ذلك السبب الذي يختفي بخبث خلف كل ما حدث يحتاج فقط للصبر .

قال دانيار بهدوء شديد يوافق تميم الحديث :

” بالطبع يا تميم، فمن أين لهم بالأسلحة لذلك، وهم جماعة مرتزقة لا مصانع لهم ليصنعوا كل تلك الأسلحة، ولن تنفعهم العداد بلا عدة، إلا إذا اغاروا على قافلة أسلحة ”

نظر له إيفان ومازالت بسمته لم تنمحي عن وجهه، يستمع لكل كلمة ويحللها في عقله بهدوء وصمت، ذكي هو وماكر وهادئ ..

” هذا أكثر الاحتمالات منطقية دانيار، فلا يعقل أنهم بنوا مصانع بلا إمكانيات تؤهلهم لذلك، بل وصنعوا عدد أسلحة يؤهلهم لاحتلال مملكة كاملة ذات جيشٍ وسيادة ”

وكانت تلك كلمات تميم، الذي صمت يفكر ومن ثم أضاف :

” كما أن وحسب شهادة البعض ممن كانوا على حدود مشكى ذلك اليوم، فالاسلحة التي استعملوها كانت جيدة الصنع، تمامًا كتلك التي ….”

قاطعه إيفان بكل هدوء :

” نصنعها نحن، يستخدمون أسلحة تشبه خاصتنا، أو …ربما هي ذاتها ”

نظر له الاثنان بتعجب ليبتسم ويقول بهدوء شديد :

” الأسلحة التي كانت مع المنبوذين ذلك اليوم حين الغارة على مشكى هي نفسها اسلحتنا يا تميم ووجودها بين اكفتهم يعني شيئًا من عدة احتمالات، انهم اغاروا على قافلة لنا، وهم ما كان لهم من جرأة ليفعلوا ذلك، أو أنهم اغاروا على قافلة لمملكة تشتري منا اسلحة، ونحن لم نسمع بشيء كهذا، أو الاحتمال الاخير …”

صمت ينظر لهم نظرات غامضة جعلت أعين كلاهما تتسع بقوة والاجساد تتصلب بتحفز شديد.

ابتسم إيفان وقد أدرك أن مقصده وصل لهما؛ لذلك أشار ببساطة أن يتحركا قائلًا وهو ينهي الأمر :

” سنكمل النقاش في هذا حين عودة سالار يا رجال ونكتمل لنفكر سويًا، يمكنكم المغادرة ”

حياه الاثنان وخرجا من جناح الملك والذي استقبلهما فيه خصيصًا لأجل الحصول على خصوصية وهدوء بعيدًا عن الجميع .

وبمجرد خروج دانيار وتميم، حتى ابتسم إيفان وهو يضم كفيه ويشرد أمامه بأعين قد علتها نظرات تفكير عميقة، يتنفس بصوت مرتفع وقد قرر أن يستحم كي يهدأ ويفكر بشكل أفضل، لكن ما كاد يتحرك من فراشه إلا وسمع صوت الحراس يهتفون أن الملكة الأم تطلب إذن الدخول وهو قد أعطاهم الاذن، لتتحرك والدته داخل جناحه برأس مرفوع تقول ببسمة واسعة :

” صباحك ملئ بالخير والتوفيق مولاي ”

” صباح الخير لكِ أيضًا مولاتي …”

ابتسمت له الملكة وهي تقترب منه تقول بجدية وسعادة غريبة بعض الشيء عليها :

” جئتك لمعرفة إذا ما كنت تمتلك أي مخططات معينة لأجل الاحتفال الوطني مولاي ”

نظر لها إيفان ثواني وكأنه لا يفهم ما تقصد أو يستوعب، وفجأة أدرك ما تريد وقد نسي أمر ذلك الاحتفال تمامًا :

” آه نعم، بشأن هذا، فالأمور متروكة لكِ أمي كالعادة ”

تحدث وهو يتحرك في جناحه بهدوء شديد، لكن فجأة توقف على كلماتها حين قالت بخبث :

” إذن بني، هل تريد مني دعوة بعض الاميرات للحفل لربما تغير رأيك و..”

” أمي ”

قاطعها بصرامة ومن ثم قال منهيًا ذلك الحوار :

” هذا الأمر اخرجيه من رأسكِ رجاءً ”

” بني أرجوك اسمعني، لربما تجدك مبتغاك في أي امرأة غير تلك الـ ”

” ليست تلك امي، بل الملكة، أنا لم اخاطر بأمهر مقاتلي المملكة وقائد الجيوش الاعلى لأجل أن أبحث عن امرأة أخرى، لذا رجاءً انتهينا ”

هزت والدته رأسها وقد التمعت عيونها بالاصرار على تنفيذ ما تريد، تهز راسها ببسمة صغيرة :

” كما تريد مولاي، اسمح لي بالمغادرة ”

هز رأسه وهو يراها تتحرك صوب الباب وتخرج منه، ليذهب وينتهي مما كان يريد .

وبعد ساعة وحينما خرج وارتدى ثيابه قرر الذهاب للتدريب كعادته، لكن وقبل أن يتحرك، أبصر مشهدًا جعله يسرع وهو يشير للجنود ألا يتبعوه …

خرج يتبع تلك الفتاة التي تسير بحرص شديد وتتلفت بشكل يخبر الجميع أن ينتبهوا لها فهي على وشك القيام بشيء سييء .

ابتسم إيفان بسخرية شديد وهو يراها تتعمق صوب ممر لا يوجد به أحد تقريبًا، تناسى منصبه وكل شيء يتبعها لمعرفة ما تريد ونا تنوي ظنًا أنها جاسوسة أو متسللة، ولم يدري أنها نفسها مقتحمة مرحاضه وصاحبة كارثة الثيران .

وحينما توقفت أمام أحد الأبواب ابتسمت بسمة واسعة تضم المنشفة وبعض الثياب لها تمني نفسها بحمام ساخن منعش فاخر في جناح قائد الجيوش والذي كان خارج البلاد في هذا الوقت .

فجأة سمعت صوت خلفها يهتف بكل برود :

” لا انصحك بفعلها …”

صرخت كهرمان برعب شديد تستدير بسرعة خارقة وهي تضرب من خلفها بما تحمل، ثم التصقت في ركن الممر، وايفان وضع يده أعلى وجهه بغضب لتتسع أعين كهرمان مرددة بارتجاف :

” مولااااي ؟؟؟ أنا… أنا..”

” أنتِ ماذا أيتها الكارثة ؟! كدتي تتسببين في إصابتي بالعمى، ما الذي تفعلينه هنا امام جناح قائد الجيوش ؟؟ ”

نظر للثياب التي القتها على وجهه ليشحب وجهها هي .

حدقت به كهرمان وهي تدرك أن تلك المرة قد وضعت بالفعل نهاية لحكايتها البائسة، إن علم الملك أنها جاءت لتستحم في جناح قائد الجيوش مستغلة عدم وجود جنود على بابه، سينحر رأسها..

لكن هي ليست بالغبية لتعترف بما كادت تفعل، هي ستراوغه بكل ذكاء، وبالفعل نطقت بما سيجعلها تنجو من العقاب :

” أنا جئت كي انظف جناح قائد الجيوش، واطمأن أن كل شيء به صالح للاستخدام بعد غلقه لفترة طويلة ”

لو أنكِ قلتِ الحقيقة لكان افضل من هذا الهراء الذي اخرجتيه من فمكِ للتو كهرمان، أقسم أن لا غباء ينافس خاصتك، هذه المرة لن يكفي زمرد أن تعلق جسدك على باب السكن لتطعلك عبرة لكل غبي أسفل سقف تلك القلعة .

ابتسم إيفان بسمة جانبية أظهرت لها جيدًا أنه لم يقتنع، حسنًا هذا جيد نوعًا ما، فلو كان اقتنع بالهراء الخاص به لشكت في قواه العقلية ولتأكدت أنه لا يصلح ملكًا من الأساس .

تنحنحت وهي تقول بصوت خافت بعض الشيء :

” حسنًا بما أنك هنا مولاي، فسوف ارحل الآن واعود وقت آخر للتنظيف ”

تحركت ببطء لحمل ثيابها التي القته بها منذ ثواني، وقد كانت تتلاشى النظر له، وهو فقط يراقبها بسخرية لاذعة وحينما رأى أنها انتهت وتحركت بكل بساطة بعيدًا عنه أوقفها يقول :

” القائد لا يمتلك مرحاضًا واسعًا فخمًا كما تتخيلين، بل هو يمتلك واحدًا صغيرًا لا يستخدمه اغلب الوقت ”

نظرت له بصدمة ليكمل ببسمة وقد عرفها من ثيابها التي تحملها وصوتها المرتجف :

” هو في العادة يقضي أوقاته خارج القصر ولا يستعمل جناحه أو مرحاضه سوى مرات قليلة”

علت نظرات الخيبة أعين كهرمان وقد شعرت بالحنق يعلوها، ليقترب منها إيفان يضيف :

” هو يستحم معظم الأوقات في البحيرات وأسفل الشلالات، إن كنتِ تفكرين الآن في الأمر ”

اشتعل وجه كهرمان بقوة وهي تتراجع بعيدًا عنه :

” ماذا ؟! لا لا أنا … أنت يا مولاي قد فهمت الأمور بشكل خاطئ صدقني، من جاء على ذكر الاستحمام الآن بالله عليكِ، أنا فقط كنت اريد تنظيف المكان ”

نظر ليدها :

” بثياب نظيفة وسائل استحمام ومعطر جسد ومنشفة ؟! لا اظن ذلك ”

تنهدت كهرمان تهتف من بين أسنانها :

” لا أحب التعامل مع الاذكياء حقًا، الأمر مرهق ”

أطلق إيفان ضحكات مرتفعة وهو يقول بجدية :

” صدقيني نفس الأمر معي، لا أحب التعامل مع الحمقى، يكون التعامل معهم مرهقًا كذلك كما يحدث لي معكِ الآن”

هزت رأسها وهي تضم الثياب لها تخفي اسفلهم اشيائها الخاصة بالاستحمام :

” نعم اصدقك فأنا….مهلًا هل وصفتني بالحمقاء للتو ؟؟”

تنهد يتجاهلها متحركًا بعيدًا عنها وقد أخذت أكثر مما تستحق بالفعل :

” نعم فعلت.”

راقبت كهرمان رحيله لتشعر فجأة بالغضب يملء صدرها والحنق يعميها :

” هذا كان قاسيًا حقًا ”

سارت خلفه بغيظ شديد وفي رأسها تود أن تستوقفه للشجار معه، لكن فجأة ابصرته يخرج سيفه من الغمد وهو يتحرك للدرج الخلفي الذي يؤدي للساحة الخلفية حيث رأته لأول مرة وهو يبارز قائد الرماة .

ووصل لها صوته يقول بهدوء لأحد الجنود :

” اخبر أحدهم أن يأتي لمبارزتي …”

ابتسمت بسمة جانبية تميل برأسها وقد شعرت بالحماس لمتابعة مبارزة أخرى، لكن هذه المرة أرادت أن تكون عن قرب أكثر…

__________________________________

” ومن ثم تركتها ورحلت، أعني أنا فعلت الصواب، فمثل تلك الفتيات ذوات الألسنة الحادة لا يجب أن تتناقش معهن بالمرة، أفضل حل هو أن تتجاهلهن، حسنًا إن أردت رأيي فالنساء جميعهن يجب تجاهلن ”

ختم تميم كلماته وهو يركز كل حواسه في المواد التي يملكها أمامه لصنع قنبلة جديدة غير تلك التي خربت سابقًا، ومازال عقله يعرض عليه لقاءه مع تلك الفتاة قصيرة القامة طويلة اللسان .

بينما كان دانيار يجلس جواره يصفر بلا اهتمام لأي شيء، يحمل بعض السهام ويقوم بتلميعها، وتميم يكمل حديثه بكل جدية :

” لا لا يا دانيار، أنا لم أخطئ فيما فعلت، بل ما فعلته كان عين العقل ”

صمت ثم أكمل وكأن دانيار يحاوره بالفعل :

” صحيح هذا ما فكرت به كذلك، ثم أنا لا قبل لي بالتعامل مع النساء بحنان ولين مثلك ”

بدأ دانيار يختبر شفرات السهام واحدة تلو الأخرى، وتميم يكمل عمله بكل دقة وحرص شديد لئلا ينفجر بهم المعمل مجددًا :

” نعم أنت محق دانيار، يجب أن نتجنب النساء كي لا نتسبب لأنفسنا بصداع ”

ابتسم دانيار بسمة سعيدة حينما أتم التأكد من جميع سهامه العزيز، ومن ثم بدأ ينظف حاملة السهام نفسها بكل هدوء وتميم يكمل عمله وكذلك حديثه :

” وأنت أخبرني ما الجديد في حياتك ؟! هل فعلت ما طلب منك الملك ؟!”

ترك فجأة تميم ما بيده منتبهًا له :

” لا تقل أنك نسيت يا رجل ”

نظر له دانيار بطرف عينيه ليبتسم الآخر :

” نعم هذا ما ظننته أيضًا، آه يا صديقي الحياة ليست بهذه السهولة التي كنا نعتقدها حينما كنا صغارًا، أتتذكر تلك الأيام دانيار حينما كنا نركض في السهول ونلعب في البحيرات دون أن نحمل همًا ”

صمت يتنهد بصوت مرتفع :

” نعم كانت بالفعل ايام جميلة ”

فرك دانيار خصلات شعره، ثم تمطأ وتميم يكمل حواره الشيق بينه وبين دانيار الخيالي الذي يصنعه كي لا يصاب بالجنون من تصرفات المزعج الحقيقي .

وفجأة انتفض تميم عن مقعده يقول بأعين متسعة :

” لقد نجحت، لقد نجحت، تغير لون المسحوق دانيار، انظر لقد نجحت في صنع بارود متطور غير ذلك التقليدي يا رجل ”

نظر له دانيار بفضول شديد ليبتسم له تميم :

” نعم يا غبي الأمر رائع، بارودي العزيز سيحدث ثورة في عالم الأسلحة ”

نهض دانيار يتحرك صوب طاولة الأدوات الخاصة بتميم يقول وهو يشير صوب المادة التي بدأت ذراتها تهتز على الطاولة :

” مهلًا، هل تحركت تلك المواد للتو ؟!”

نظر له تميم بعدم فهم :

” ماذا ؟!”

لكن دانيار دفع رأسه وانظاره بسرعة صوب الطاولة وهو يصرخ مشيرًا لتلك المادة الصلبة التي كانت تنجذب بشكل غريب صوب النار :

” يا غبي انظر، باردوك العزيز يركض صوب النيران كالمشتاق للحبيب ”

اتسعت عين تميم وهو يحدق بذرات البارود التي تجذبها النيران كالمغناطيس، ليقول وهو يشعر أن القادم ليس جيدًا أبدًا :

” أوه لا ”

صرخت دانيار بجنون :

” ماذا تعني بأوه لا ؟؟ ما الذي فعلته يا أحمق؟!”

تراجع تميم للخلف شيئًا فشيء، ثم قال بريبة وبقلق :

” إذن يا صديقي يستحسن أن تركض الآن، فالقادم لن يعجبك، أو يعجبني أو يعجب أحد داخل جدران ذلك القصر ”

وبمجرد أن ختم كلماته هرول تميم للخارج صارخًا بصوت مرتفع :

” حريق على وشك النشوب داخل المعمل ”

كل ذلك ومازال دانيار لم يستوعب بعد ما يحدث ويقف أمام الطاولة يراقب هرولة ذرات الباورد صوب الشعلة التي يستعملها تميم عادة لتسخين المواد، ثواني حتى عاد له تميم يسحبه خارج المعمل صارخًا :

” أيها الغبي اركض سوف تصبح قطع محترقة بعد ثواني ..”

هرول الإثنان للخارج برعب شديد في الوقت الذي على صوت انفجار في المكان هز اركان القصر بأكمله ..

في ذلك الوقت كانت برلنت تسير صوب الطابق السفلي لإحضار بعض المؤن اللازمة لتحضير طعام الجنود، تتلو بعض الأغاني القديمة التقليدية للنساء وهي تسير باستمتاع وهدوء، لكن فجأة شعرت بالأرض تهتز أسفلها، ضيقت ما بين حاجبيها بتعجب تقضم قطعة تفاح داخل فمها ثم أخذت تلوكها بتفكير وهي تحدق بذرات الرمال التي تهتز ارضًا :

” ما الذي يحدث هنا؟! هل هناك زلزال أو ما شابه ؟؟”

رفعت عيونها ببطء وجهل، لتشعر أن الهزة ازدادت وبمجرد أن نظرت أمامهما اتسعت عيونها بقوة وهي ترى رجال كثيرين يركضون صوبها وأحدهم يصرخ بجنون :

” اخلوا الممـــر ..اخــلوا الممــــر ”

شهقت برلنت وهي تتراجع للخلف تضع التفاحة في فمها، ثم ألقت الإناء من يدها تسمك طرف ثوبها كي تركض، لكن فجأة شعرت بمن يجذب ثيابها بيد قوية ويركض بها صارخًا :

” ابتعدوا بسرعة ”

و برلنت كانت تركض دون وعي، وهناك تفاحة في فمها تمنع صرخاتها وعيونها متسعة بشكل مثير للضحك، وتميم يركض معها دون أن يعلم هويتها أو يدري من بجذب، هو فقط أخذ كل من قابله في طريقه….

نزعت برلنت التفاحة من فمها وهي تصرخ بنبرة توشك على البكاء :

” أسرع، يا ويلي اسرع سنموت، كله بسبب ذلك المختل الذي لن يتوقف إلا عندما يقتل له دزرينة رجال ونساء ”

نظر لها تميم ليقول بغيظ شديد :

” هذه أنتِ يا طويلة اللسان، لو علمتك من البداية لتركتك علّ القنبلة هذه المرة لا تخيب آمالي وتحولك لاشلاء .”

اشتد جنون برلنت لتنحني فجأة على ذراعه وتنقض عليه بالعض الذي جعله يطلق صرخات ولعنات وسباب ارتفع في الممرات، حتى أنه فجأة تعرقل وسقط ارضًا بسبب حركاتها، ليغفل عن الدرجات أسفل قدمه ويسقط عليها مع برلنت والعديد من الأشخاص بقوة والجميع أعلى الدرج يراقبون بأعين متسعة ما يحدث ….

__________________________

كانت الصغيرة تجلس في أحد الأركان باكية بصوت مرتفع، وقد ازداد ارتفاعًا بمرور الوقت ليأتي على أثره تلك المرأة المتجبرة المرعبة وهي تصرخ في جميع الأطفال حولها أن يبتعدوا جانبًا، ثم حدقت بالصغيرة الباكية وهي تنغزها بيدها :

” مالك يا بت أنتِ على المسا نازلة عياط كده ليه ؟؟”

رفعت الصغيرة الباكية وجهها وهي تقول من بين شهقاتها بصعوبة شديدة :

” تبار…تبارك ضربتني ”

ومن ثم انفجرت مجددًا في البكاء لتستدير السيدة تحدق في الجميع بشر كبير وقد شعرت داخلها بغضب قادر على إحراق مدينة بسكانها، تلك الملعونة تبارك والتي تتسبب لها بالعديد من المشاكل في العمل، تكرهها وتكره اليوم الذي خطت به ذلك الملجأ، منذ جاءت وهي متمردة مجادلة، لا تخشاهم وهذا أكثر ما يثير حنقها .

” فين الزفتة تبارك …فين طين البرك اللي مش هتسكت غير لما اقطم رقبتها ؟؟”

كانت تتساءل وهي تبحث عنها بين الجميع وقد نوت لها الليلة على جحيم لن تنساه، ستقومها ولو كان بالاجبار، ستجعلها تخضع لها ولو كان بالقوة .

ابتعدت جميع الفتيات عن المربية في تلك اللحظة وقد بدأت ملامح الرعب ترتسم على وجوههن، رافضين الحديث بكلمة، لكن الصغيرة الباكية نهضت بسرعة كبيرة تقول بحنق طفولي لا تعلم له عواقب :

” مستخبية تحت السرير اللي هناك ده يا أبلة سميحة ”

نظرت سميحة في المكان بأعين غاضبة، ثم تحركت صوب الفراش ومالت بجسدها الممتلئ لتجد تبارك تجلس في الركن ملتصقة بالجدار وكأنها تود لو تصبح رسمة عليه لا روح فيها، تضم دميتها الغبية الممزقة والمتسخة لصدرها وهي ترتجف، وحينما لمحت أعين سميحة تلتمع بالتهديد في الظلام قالت بصوت مرتعش :

” هي …هي اللي شتمتني وقالت إن… إن ماما مش كويسة يا أبلة ”

حجج كثيرة لم تكن سميحة مهتمة بسماعها أو التفكير بها حتى وهي تميل بجسدها أكثر تجذب لها جسد تبارك بقوة غير مهتمة بالارضية الباردة التي التصق بها وجه الصغيرة وهي تصرخ برعب .

بل فقط جذبتها للخارج، ثم سحبتها من خصلات شعرها تهز جسدها وتخضه بقوة صارخة :

” هو أنا مبقاش ورايا غيرك ؟! مبقاش فيه غير تبارك هي اللي عاملة مصايب ؟! ايه اسيب شغلي واشتغلك يا روح امك ؟!” 










بكت تبارك برعب وهي تشعر بقلبها يكاد يتوقف :

” والله ما عملت حاجة يا أبلة والله هما اللي بيضايقوني وبيضربوني، أنا آسفة والله، خلاص يا ابله سميحة بالله عليكِ خلاص ”

تحولت الصغيرة من مرحلة الدفاع للانكار، واخيرًا وصلت للتوسل، ترتجي منها رحمة بطفلة صغيرة يتيمة لا تملك من الحياة ما يؤهلها للدفاع عن نفسها أمام تلك الطاغية التي سحبتها خارج العنبر بأكمله وهي تحاول سحب نفسها منها باكية برعب صارخة :

” والله ما عملت حاجة يا أبلة سميحة، بالله عليكي آخر مرة والله آخر مرة ”

لكن أي كلمات وأي رجاء يلقى صداه عند امرأة قد انتزعت قلبها ووضعت محله صخرة مصمتة لا رحمة بها، كانت تلك المرأة ممن قال الله عنهم في كتابه العزيز ” ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ۚ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ”

كانت قاسية للدرجة التي تجعلها تهبط فوق جسد الصغيرة تبارك بسوط دون الاهتمام لصرخاتها التي هزت أرجاء الملجأ بأكمله وحركت قلوب الاموات في قبورهم ..

كل ذلك كانت تراه تبارك أثناء حلمها وهي تتحرك برعب وترتجف على الفراش باكية تهمس كلمات غير مفهومة له، هو فقط جاء كي يطمئن عليها بعد تبديل ثيابه، ليسمع صوت تأوهات من الخارج جعله يندفع للداخل، ليرى جسدها يهتز بهذه الطريقة المرعبة ويختض وينتفض كما لو كانت تحارب في أحلامها، لكن حروبها كانت أكثر شراسة من تلك الحروب التي يخوضها هو، كانت تحارب كوابيسها، وما اسوء من محاربة ما لا تستطيع التحكم به أو لمسه .

مال سالار قليلًا فقط ليصل صوته لها أثناء نومها وبدأ يقرأ بعض آيات القرآن بالقرب من أذنها بصوت خاشع أجش، صوت وصل لها في أحلامها بلسمًا، ليتبدل الكابوس بحلم جميل لفارسها البوليوودي الذي كانت تراه سابقًا وهو يضمها ويهمس لها كلمات مطمئنة بصوته الاجش، يهمس لها بآيات من القرآن ويربت على ظهرها بحنان لتبتسم تبارك واخيرًا تاركة لنفسها فرصة التنفس براحة داخل أحضانه .

ابتسم سالار حينما رأى جسدها قد بدأ يتراخى شيئًا فشيء ليعود بظهره على المقعد وهو يتنفس بصوت منخفض :

” ترى ما الذي تضطرين لمحاربته في احلامك مولاتي ؟؟”

____________________

أي جنون ذلك الذي ألقى بكِ لمثل ذلك كهرمان ؟! كيف فكرتي في مثل تلك الفكرة الغبية لتثبتي له أنكِ لستِ حمقاء كما يظن، وتنتقمي منه، وكيف ستفعلين وأنتِ من الأساس ترتدين ثياب جندي ولثام جندي ؟!

تنهدت بصوت مرتفع تتقدم صوب ساحة التدريب حيث كان يقف الملك وهو يحرك السيف الخاص به في الهواء بمهارة شديدة وتمكن كبير وملامح مرعبة جعلت اقدام كهرمان ترتعش رعبًا .

ابتلعت ريقها وهي تستدير رغبة في الهرب وإرسال أحد الجنود غيرها، لكن استوقفها صوت إيفان الذي قال متأففًا :

” وهل سأنتظر اليوم بطوله ؟؟”

استدارت كهرمان ببطء تنظر له ولجسده الذي كان يلتمع بسبب ذرات العرق عليه، ابتلعت ريقها وقد بدأت قبضتها ترتعتش، هي لن تنجو من ذلك، لطالما وصفتها زمرد بالتهور، لكن ما ما تفعله الآن اسوء من التهور بمراحل، هذا ببساطة انتحار .

كيف تعتقد تلك الغبية أن تدريبات شقيقها لها سابقًا قد تؤهلها لمجاراة ملك سفيد في قتال بالسيوف ؟!

تأفف إيفان بصوت مرتفع وهو يرى ذلك الجندي يتقدم بتردد صوب الساحة، لذلك تحرك صوبه بخطوات واثقة ودون مقدمات رفع سيفه في الهواء ليباغته بضربة قوية تصدى لها الجندي بمهارة جعلت بسمة واسعة ترتسم على فم إيفان يقول بهمس :

” ارني ما لديك يا فتى ”

وفي ثواني رفعت كهرمان سيفها وعادت للخلف بحركات ماهرة، ثم ركضت بسرعة كبيرة قافزة في الهواء وهي تحرك سيفها بمهارة لا بأس بها تهجم على إيفان الذي تصدى لض 

            الفصل السادس من هنا 

تعليقات



×