رواية اصقلها شيطان الفصل الخامس 5 بقلم سماح سماحه
فشلت سدرة في استذكار حرف واحد من دروسها فقد ضاع تركيزها فكلما نظرت في صفحات كتبها تجد وجه ماجد متجسدًا أمامها يعيد عليها ما قاله لها وتهديده بتأجيل زواجهما، وراحت تتسأل لما يفعل معها هكذا ألم يحبها بقدر ما تحبه كما يخبرها دومًا، لما لا يتعجل في أتمام الزواج حتى يجتمعان تحت سقف واحد بمنزل أحلامهما كما يتمنان دومًا، هى لا تريد قصرًا ولا حتى منزل متوسط كمنزل خالتها فكل ما تريده أن تجتمع به في حلال الله حتى وأن كان مسكنهما عشة على جرف نهر، لكنه دائمًا ما يصعب عليها الأمور كي لا يعجل بزواجه منها، فأخر كلماته لها تهديد مبطن معناه أنها أن لم تعود إلى ممارسة مكالمات الفيديو فستكون السبب في تأخير موعد الزفاف وليس هو، لكنها لن ترضخ لتهديده هذه المرة فهى لن تنسى ذلك الموقف الذي مرت به ذات ليلة حينما كانت تجتمع في سهرة سعيدة مع خالتها وزوج خالتها يتسامرون في أمورهم اليومية حينها جاء لحسان تنبيه على هاتفه بأشعار من موقع تواصل اجتماعي فإمسك الهاتف ليراه فإذا به يستغفر ربه مررًا، تعجبت ميسرة وسألته عما حدث فنظر لها متألمًا وأمسك هاتفه ليريها ما ورد له.
- دا واحد صاحبي باعت ليا على الماسنجر بيحذرني من الموقع دا، استغفر الله العظيم، دا موقع أباحي بيسهل مكالمات الفيديو والتواصل بين الحريم والرجالة لممارسة الرذيلة مقابل فلوس، استغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم، مين عاقل وعنده ضمير يقبل على نفسه أنه يغضب ربه ويعمل الذنب العظيم حتى لو أدولوا فلوس الدنيا كلها.
رفعت ميسرة يدها لتضعها على صدرها بحسرة وحزن.
- استغفر الله العظيم هى الدنيا وصل بيها الحال لكدا، والواحد بيقول الخير قل من الدنيا ليه اتاري من الأثم والهم اللي ناس حطت نفسها بيه، لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.
ثم رفعت ميسرة يدها لأعلى تدعو ربها.
- يارب خرجنا من الحياة على خير ولا تفتنا بما يفعله السفهاء من خلقك وأهديهم وأهدينا يارب، يارب تحفظنا بحفظك من الشيطان وشركه يارب.
نظرت ميسرة بأتجاه سدرة كي تحذرها وتنصحها من تصفح تلك المواقع المشينة لتجد دموعها منهمرة فأنتابها القلق وأقتربت منها تضمها برفق تمسد على ظهرها.
- ايه يا حبيبتي بتعيطي ليه مالك؟.
حاولت سدرة تمالك نفسها حتى لا تبدي ما بداخلها من ندم وألم أمام خالتها وزوجها وينكشف المستور لهما فهى تتمنى الموت على أن يعلما بجرمها الفادح الذي ارتكبته في حق ربها ونفسها وحقهما.
- مفيش يا خالتو انا بتأثر لما بسمع حاجة زي دي.
شددت ميسرة من ضمها حتى تطيب ألمها.
- عندك حق يا بنتي ربنا يعافيكِ ويعافينا كلنا من البلاوي دي.
مسحت سدرة دموعها وتجرعت مرار حلقها بحزن.
يُقال ذاتِ يوماً يقع كائن من يكُن في هيام الحُب ها أنا الكائن في حُب معشوقي وقعتُ تخطيت تلك المشقات معكَ وتلك المتاعب معكَ وتلك الآلآم معكَ ها أنا اليوم معكَ اسأل...
- يارب اللهم آمين.
ثم أبتعدت عنها ونهضت تستأذن منهما للذهاب لغرفتها متحججة بأستذكار دروسها وهى في الحقيقة تريد أن تذهب وتختلي بنفسها قبل أن ينفجر صبرها وتنهار أمامهما وتقر بما فعلت، فما فعلته ذنب عظيم أن علما به فلن يغفرا لها أبدًا فما فعلاه لأجلها من تضحيات حتى تصبح ذو شأن عظيم يستحقان عليه الجزاء الحسن وبدلًا من أن تكافئهما على أحسانهما لها عقابتهما وعقابت نفسها بذلك العقاب الأليم، جلست على فراشها تبكي بحسرة وحزن وعاهدت نفسها على أن لا تعود لفعل ذلك الأثم حتى وأن كانت النتيجة خسارة ماجد وخسارة حبها الكبير له، فخسارتهما أهون بكثير من غضب الله عليها وخسارة أهلها ونفسها، عادت سدرة من تذكر ذلك الموقف لتثبت على قرارها بعدم العودة لممارسة المكالمات مهما هددها ماجد فهى لن ترضخ لترهيبه كما أعتادت، وعندما يأس منها ماجد ومن عودتها أقترح عليها فعل أخر سيدر عليهما المزيد من الأموال وكان هذا الفعل هو بداية دخولها لحياة هارون الذي تسببت له في الكثير من المعاناة والألم، رجعت سدرة لواقعها الأليم من بحر ذكرياتها الأشد ألمًا على روحها تحدث نفسها وتلومها على انسياقها في دروب الشيطان بكل طواعية.
- انا السبب، انا اللي مشيت وراه، ليه عملت في نفسي كدا، ليه سبته يسيطر عليا ويفقدني السيطرة على عقلي ويخليني أعمل كل حاجة غلط من غير ما أقوله لأ، منك لله يا ماجد ربنا ينتقم منك، حسبي الله ونعم الوكيل فيك زي ما خسرتني نفسي والراجل الوحيد اللي حبيته بجد وحسيت معاه بالأمان، وخليته مكرهش حد في حياته قد ما كرهني.
في بيت الخالة ميسرة جلست على الأريكة يتملكها الحزن الشديد ممسكة بألبوم يضم صور تجمعها مع شقيقتها الراحلة في مراحل حياتهما حتى وفاتها وكذلك لسدرة منذ طفولتها حتى غادرت يوم زفافها الذي كان بمثابة السيف الذي قطع كل تواصل بينهم، كيف لا وهى تزوجت رغم عنها هى وحسان من رجل بعمر جدها من أجل أن تنعم بماله فقط وبرغم من تهديداتمها لها بالتبرأ منها وأعتبارها ميتة بالنسبة لهما الإ أنها لم تهتم لأمرهما وذهبت وتزوجت منه بمفردها، كثيرًا ما تسألت ميسرة وتحيرت في أمر سدرة فكيف لها أن تتزوج برجل غير ماجد وهى التي تحدت الجميع لأجله، فميسرة وحسان كانا لا يوافقان على أرتباطه بسدرة نظرًا لما يتمتع به من سيرة غير طيبة جعلتهما يعترضان ويرفضان طلبه للزواج من سدرة التي هددتهما بالأنتحار أن لم يلبى لها رغبتها ويوافقان على زواجها من ماجد الذي كانت تراه حينها حبيبها الوفي، لكن لم تدم حيرتها لأن علمت بعد ذلك عندما أقرت سدرة بخطاءها أن ماجد شبيه الرجال هو من غواها وأقنعها بفعل ذلك من أجل الحصول على المال سريعًا وبسهولة كي يتزوجا، زفرت ميسرة بقوة وقهر ودموعها تنساب بحرارة.
- ربنا يسامحك يا سدرة على اللي عملتيه في نفسك وفينا، عملنا فيكِ ايه نستاهل عليه منك كدا دا أحنا كنا بناخد من قوتنا ونديلك ونوفرلك كل اللي نفسك فيه عشان منحسسكيش باليتم، دا أنتِ خليتيني حمدت ربنا وبحمده في كل وقت على عدم الخلفة وبقيت أقول لنفسي الحمدلله أحسن ما كان يجي ولد فاسد يخسرني انا وجوزي الغلبان دنيتنا، بس والله لا انا ولا جوزي قصرنا في تربيتك ونصحك، ليه طلعتي كدا ليه حبيتي الغلط ومشيتي في طريقه ليه، وبعد دا كله جاية تقولي سامحوني بعدا أيه يا سدرة بعد ما استنفذتي كل طاقتنا في مسامحتك على أخطاءك ولا على عدم سماعك لنصيحة مني دا أنتِ حتى مخفتيش من خسراتنا وضحيتي بينا عشان الفلوس خليها تنفعك بس انا عمر قلبي ما هيسامحك أبدًا على الحزن والقهر اللي ملوه بسببك.
في ذلك الوقت سمعت ميسرة صوت المفتاح في باب المنزل فأسرعت تطوي الألبوم وتخفيه تحت الأريكة حتى لا يراه زوجها ويتذكر كسرته وحزنه على ما فعلته بهما سدرة ثم مسحت دموعها ورسمت ابتسامة بسيطة على محياها تستقبله بها، دخل حسان ملقيًا عليها السلام.
- السلام عليكم.
نهضت ميسرة وأتجهت ناحيته تأخذ من ما يحمله.
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
- أيه دا كله يا حبيبي جايب الحاجات دي كلها ليه؟.
أشار لها حسان برفق.
- انا قبضت النهاردة فقولت أجيب حاجات البيت بالمرة فعديت على عبده البقال جبت شوية جبن على زيتون على تونة وزيت وسكر وشاي وحاجات تانية، وكمان جبت فاكهة وخضار ولحمة وفراخ، جبت خزين البيت عشان متتعبيش نفسك وتنزلي تجيبيهم وأنتِ لسه تعبانة.
أخذت ميسرة الحقائب البلاستيكية منه ووضعتها على طاولة الطعام ثم عادت تربت على صدره برفق.
- ربنا يريح قلبك ويخليك ليا يا حبيبي، أدخل يا خويا غير هدومك على ما أرص الحاجات دي وأجهز لينا الغدا.
أومأ لها حسان بابتسامة لكنه لم يتحرك وظهر عليه التردد فتمعنت ميسرة في وجهه وسألته.
- في حاجة حصلت يا حسان ؟.
نظر لها حسان بصمت فهو يخشى أن يقص عليها ما حدث فتغضب منه مجددًا فهز رأسه بنفي واستدار يتجه لغرفته.
- لأ مفيش حاجة انا رايح أغير هدومي.
لكنها أمسكت معصمه وأوقفته تسأله بألحاح.
- استنى يا حسان مش هتمشي من هنا غير ما تقولي أيه اللي حصل؟.
زفر حسان ثقل أنفاسه الجاثمة على صدره ونظر لها بحيرة أيخبرها ما حدث وتغضب منه أم يخفيه عليها ويترك الأمر حتى يأتي أوانه.
- مش عارف أقولك أيه يا ميسرة، أقولك الحقيقة وتزعلي مني ولا أخبي عليكِ اللي حصل.
تركت ميسرة يده وهزت رأسها تتفهم حيرته.
- أكيد اللي حصل له علاقة بسدرة صح؟.
أومأ لها عدة مرات.
- أيوه أتصلت عليا النهاردة وطلبت مني أقنعك وأخليكِ توافقي بحاجة عملتها عشانا أحنا الأتنين.
عقدت ميسرة حاجبيها بتسأل.
- عملت أيه تاني مش كفاها عمايلها السودة في حقنا.
هز حسان رأسه بنفي.
- لأ المرة دي معملتش حاجة وحشة دي قدمت ليا انا وإنتِ على عمرة وعايزنا نروح نعمل جوازات عشان يجي عليهم التأشيرة وتخلص حجز الطيران.
صرخت ميسرة بحزن وأشارت له بعدم موافقتها.
- لأ يا حسان مش هروح العمرة دي، انا صحيح نفسي فيها ودعيت ربنا كتير أنه يكتبها لينا بس مش عايزاها عن طريقها، دا كفاية أن الفلوس اللي عمالة تصرف فيها يمين وشمال مش فلوسها دا مستحلاها من فلوس أجوازها أن كان اللي مات ولا اللي مجوزاه دلوقتي وانا لا يمكن أقبل منها مليم واحد.
أومأ لها حسان متفهمًا.
- انا فاهم قصدك بس هى حلفت ليا أن هى بتصرف من فلوس ميراثها من جوزها الأولاني الله يرحمه وده حقها الشرعي يعني مفيهوش حرمانية.
أصرت ميسرة على موقفها وعدم قبول اي مساعدة أو أموال من أبنة شقيقتها.
- لأ يا حسان هى لما اجوزته مكنش في نيتها أنه يكون جواز يرضي ربنا دي كان في نيتها أنها تستغله وتاخد منه فلوس تديها للمجرم اللي أسمه ماجد بعد ما أقنعها أنها تتجوزه عشان فلوسه والجواز اللي زي ده حرام وكل اللي يجي من وراه حرام بردو وانا مش هروح أ عمل عمرة من فلوس مشكوك فيها أو عليها شبهه.
أمسك حسان زوجته من ذراعيها يومأ لها كي تهدأ.
- خلاص يا حبيبتي اهدي ومتزعليش نفسك واللي أنتِ عايزاه هيحصل.
نزلت عبرات ميسرة وهى تطالبه برجاء.
- عشان خاطري يا حسان متجبش ليا أسمها ولا تقابلها ولا تكلمها تاني كفاية علينا اللي عملته فينا وخسارتنا لتربيتنا فيها دي خلتني كرهت الخلف وحمدت ربنا أننا مخلفناش لأنه كان ممكن يبقى زيها.
ضمها حسان لصدره وربت على ظهرها برفق.
- خلاص يا حبيبتي قولتلك أهدي دلوقتي عشان الضغط والسكر ميرتفعوش عليكِ وترجعي تتعبي تاني.
استكانت ميسرة في حضن زوجها بعدما استمعت لنصيحته فما حدث لها من ألم في أخر مرة مرضت بها وتحذير الطبيب من أنتكاسة ثانية تصيبها ستسبب الكثير من المضاعفات المرضية لها تلزمها الفراش جعلها تهدأ وتقلل من حدة غضبها.