رواية مملكة سفيد الفصل السادس 6 بقلم رحمة نبيل

 




رواية مملكة سفيد الفصل السادس 6 بقلم رحمة نبيل



هناك بعض النقاط التي تسرع البعض منها في الحكم عليها واهمها، أن البعض يظن ” تبارك ” غبية لأجل تصرفاتها المرتابة، لكن اعزائي ببساطة تبارك شخص منطقي لأبعد الحدود، تخيلوا أن تستيقظوا لتجدوا رجلًا يخبركم نفس ما قاله سالار لها، واضطررتم لخوض مغامرة ابعد ما تكون عن حياتكم العادية، بالطبع ستجهلون كل شيء يمر عليكم مثلها، وتخطئون وترتابون وتخافون من كل شيء مجهول، فهذه المرة الأولى لها التي تتعامل مع مثل هذه الأشياء، وهي فتاة وحيدة منغلقة بالطبع يجب أن تكون ردات فعلها كما رأيتم، فأنا وضعت نقاط كثير في شخصية تبارك واهمها ( خوف تبارك الدائم من الموت والحرص على حياتها باعتبارها وحيدة لا سند لها، ومنطقيتها بعيدًا عن الخيال ) فهي لن تركض وتلبي النداء وهي سعيدة دون رفض، وفجأة تجد نفسها ماهرة في التأقلم على كل ذلك، هذا غير منطقي…وقريبا تنكشف باقي نقاط شخصيتها التي ستذهلكم .

ثانيا شخصية كهرمان، البعض وصفها بالغباء وصدقوني كهرمان عقليًا ابعد ما يكون عن الغباء، هي شخصية ماهرة ذكية وحكيمة لأبعد حد وظهر ذلك في موقف عدة، عيبها الوحيد هو التسرع والتهور والحكم بعاطفة .

البعض منذ الآن يعترض ويقول ( لا اريد سالار لتبارك / لا اريد إيفان لتبارك / لا اريد فلان لفلانة ) اعزائي ظننت أننا تخطينا هذه الأمور سابقًا، فللأسف ما قررته في هذه الرواية هو ما سيحدث بغض النظر عن أي اعتراضات، حبكة الرواية قوية، وكل ما شهدتموه اصنفه أنا مجرد بداية لا أكثر، تمهيد لملاحم قوية واحداث شديدة، فقط اصبروا ومهما كانت النتيجة تأكدوا أنه هو الصحيح ونحن جربنا هذا سابقًا .

واخيرًا ليس هناك بطلٌ محدد الأربعة ابطال بنفس المقدار ونفس الحجم، فلا يأتي أحدهم ويظن أن دور إيفان دور مساعد، دعوني اخيب ظنكم واخبركم أن إيفان داهية وملك كبير كما سالار متجبر وقائد جيوش عظيم، ودانيار قائد رماة ماهر، وتميم صانع أسلحة خبير، وقريبا ينضم لنا مهيار الطبيب الملكي ….

والآن نصيحة من رحرح، استمتعوا بالاحداث وتأكدوا أن ما يحدث الآن هي قشرة بسيطة تخفي خلفها الكثير والكثير فلا تتسرعوا بالحكم، هذه الرواية كما وعدتكم ستخطف انفاسكم .

والآن قراءة ممتعة .

صلوا على نبي الرحمة

______________________

تأففه يعلو كل ثانية خمس مرات أو أكثر، لا يطيق وجودهم داخل مكتبته العزيزة، أو بالأحرى هو لا يطيق وجود أي كائن حي داخل مكتبته..

” أشعر أن العريف لا يحب وجودنا داخل مكانه الحبيب ”

أردف تميم بهدوء شديد وهو يحمل بين يديه ورقة وقلم يحاول أن يتذكر جميع مكونات البارود ليعيد نفس التجربة بشكل أفضل، بينما جواره يجلس دانيار الذي عاد لتوه من الخارج.

ابتسم العريف يتحسس بومته الخاصة ثم قال :

” نعم صدقت، أنا لا أحب وجودكم داخل مكتبتي، أو في محيطي الخاص، بل …أنا لا احبكم بتاتًا ”

ابتسم دانيار يجيب بهدوء شديد وهو يضجع على مقعده بكل استرخاء فقد أصبحت مكتبة القصر والتي يعتبرها العريف ملكية خاصة، هي مكان تجمعهم لحين الانتهاء من ترميم معمل تميم :

” وكذلك نحن لا نحبك، لكن هل وجدتنا نشكو ذلك ؟؟ لا صحيح ؟؟ إذن اسمعنا صوت هدوئك .”

ارتفعت أصوات من البومة التي تعلو كتف العريف وكأنها تعترض تمامًا على كلمات دانيار، ليبتسم لها دانيار حاملًا السهام الخاصة به يوجه سهمًا صوبها قائلًا :

” صوت اضافي واجعل منكِ طبقًا لعشائي يا ثرثارة ”

وكأن البومة قد فهمت ما يريد إذ تراجعت مرة أخرى بخنوع على كتف العريف تصمت، بينما العريف قال :

” بالله ما الذي يجبرني على تحمل وجودكم هنا ؟! ألا يكفيني مرجان بكل حماقاته وضوضائه ؟؟”

رفع مرجان والذي كان يجلس ارضًا بين العديد من الكتب رأسه قائلًا بعدم فهم :

” وماذا فعلت الآن يا عريف ؟؟”

تجاهله العريف يكمل :

‘ارجو أن يتم الانتهاء من المعمل قبل عودة سالار فلن أتحمل أن يأتي هو الآخر لمكتبتي العزيزة، فتملئ أصواته الصاخبة جدرانها الحساسة ”

قال تميم بجدية بعدما رفع رأسه عن الاوراق أمامه :

” صحيح على ذكر سالار، ألا تعلم متى سيعود ؟! مرت اسابيع منذ غادر لذلك العالم المخيف”

تمتم العريف بصوت منخفض وهو يتحرك صوب أرفف بعض الكتب :

” عسى ألا يفعل، لقد سئمت منكم حقًا ومن قائدكم ذلك، صرت أترقب الحروب بفارغ الصبر فهي ما يبعدكم عني ”

وعلى ذكر الحرب شرد دانيار يقول بصوت خافت :

” إذن أيها العريف من برأيك قد يساعد المنبوذين لدخول مشكى ؟؟ أنت لمحت أن الأمر لم يكن محض صدفة، هل تعلم شيئًا لا نعلمه ؟!”

نظر له العريف بطرف عينه، ثم عاد ينتبه لما يفعل، لا تعنيه إجابة في الوقت الحالي، بينما دانيار تأكد من شكوكه، ذلك العجوز المخيف والذي يعلم أكثر مما يظهر، يخفي عنهم سرًا قد يغير مجرى الحكاية بأكملها..

وبعد صمت لدقائق قال العريف بنبرة غامضة أبعد ما تكون عن نبرته الحانقة والمتهكمة والكارهه، يقول بصوت أجش خافت وهو يحمل كتاب ويسير صوبهم بتؤدة :

” أحيانًا لكي تسير مركبك المحطمة، عليك بأخذ شراع غيرك، ولتفعل ذلك تحتاج لمساعدة ممن يحترفون الأخذ والسرقة …”

صمت ثواني ثم قال بخبث :

” كالقراصنة مثلًا ”

وها هو ذلك العجوز يعود لالغازه التي تخفي خلفها حقائق مخيفة، حقائق يستغرقون ربما أشهر طويلة لحلها، فقط لأن العريف يحب لعب دور مقدم الفوازير، ويهوى فقرة السحر والالغاز .

كان تميم ينظر له ببلاهة وفم مفتوح يحاول أن يفهم ما يقصد العريف، وفي النهاية قال وهو ينفخ بغيظ :

” أنت أيها العجوز الخرف، لو أنك قلت كلماتك دون الغازك الغبية تلك ستصيبك لعنة؟! هل هناك من يهددك لعدم كشف الحقيقة ؟؟”

شاركه دانيار الغيظ والغضب لتلك اللعبة التي يخوضها معهم العريف :

” كانت نصف مشاكل المملكة لتنتهي في وقتها، لو أنك أخبرتنا بما تعلم دون لعب دور الغامض الذي لا يليق بك، صدقني أنت بهيئتك المخيفة تلك أبعد ما يكون عن الخبث والغموض، هيئتك تصلح لتكون مشعوذ ”

ابتسم العريف بسمة جانبية يقترب من دانيار فجأة بشكل جعل الاخير يتراجع بنصف جسده العلوي بصدمة، لكن العريف ابتسم بسمة جانبية يقول :

” وأين التشويق يا فتى؟؟ أين الغموض ؟؟ لولا الغموض لأصبحت جميع القصص بلا لون، ولاضحت جميع الحكايات بسيطة لدرجة الممل”

صمت ثم ابتسم بسمة مخيفة يهمس بصوت كالفحيح :

” تمامًا كقصتك دانيار، لو أنك أدركت من البداية أن لا مفر لك من الوقوع في قبضة القراصنة، وأن ما يحوم حولك هو ما تنفر منه، لانتهت قصتك قبل بدئها، لنبذت قدرك المحتوم، لكنه القدر يا فتى، كُتب عليك وانتهى ”

ابتعد عن دانيار الذي كان وجهه لا يُفسر وفي رأسه تدور كلمات العريف والذي يدرك جيدًا أنه يعني كل كلمة يقصدها، ذلك الرجل ليس ساحرًا أو مشعوذًا لكنه كان من هؤلاء الأشخاص الذي يرون رؤى وتتحقق بمشيئة الله ..

نظر العريف بطرف عينه لتميم الذي تراجع بمقعده للخلف ونظر له بريبة كبيرة، يضيق عيونه :

” إياك، سمعت إياك وقول كلمة أيها العجوز، فأنت لم يسبق لك وبشرتني بخبر مفرح، طوال الوقت تنبأني بمصائب ”

ابتسم له العريف يقول :

” لا تقلق مصيبتك أهون من مصيبة رفيقك، أو ربما لا تكون، من يدري ”

همس له تميم بقلق :

” الله يريحني منك يا عجوز يا جالب المصائب ”

استقام العريف ثم تحرك بعيدًا عنهم وهو يردد بصوت مرتفع يرفع يده في الهواء وضحكات عالية ترن في المكان :

” كله مقدر …كله مقدر وسيحدث رغم انوفكم أجمعين”

أخرج دانيار سهمًا يضعه داخل القوس وهو ينظر لظهر العريف بشر وقد شعر برغبة عارمة في قتله يهمس بغل وغضب :

” سأقتله لهذا الحقير النحس ”

لكن تميم قفز عليه يجذب يده بعيدًا عن العريف يحاول منعه من قتله، ودانيار ينظر له بغضب وكلماته ما تزال ترن في أذنه..

لكن العريف لم يكن يهتم لشيء وهو يردد بلا توقف يختفي داخل المكتبة ومن بين ضحكاته :

” لا شيء أكيد، ولا شيء حتمي، لكن الأكيد والحتمي هو أن مصير مملكتنا على وشك أن يتغير كليًا، ومستقبل سفيد على اعتاب التحول وكل ذلك سيكون على يده هو، هو فقط من سيفعل، سيفعل ويغيرها ويغير خارطة هذا العالم …….”

___________________

قاعة كبيرة تتميز باللون الاسود، العديد من المقاعد ترتص على جانبي القاعة وفي المنتصف ممر كبير فارغ إلا من سجاد ثمين باللون الاحمر …

وفي المقدمة يقبع عرش ضخم مرصع بكل الاحجار الكريمة ذات اللون الاسود، وعليه يجلس رجل بجسد ضخم وملامح شرسة ونصف وجه مشوه بالكامل، وأيدي مليئة بالجروح والتشققات وكأنها تخبرك عن مدى الكفاح الذي خاضه ذلك الرجل ليصل لعرشه، لكن أحيانًا تخدعك الادلة وتضللك الحقائق، فتلك الجروح ليست نتيجة كفاحه، بل نتيجة بطشه وجبروته، تلك الخدوش والتشوهات شاهد عيان على كل الفساد الذي عاثه ذلك الرجل خلال سنوات عمره السبع والثلاثين …

ارتسمت بسمة على وجهه المقيت والمقزز وهو يراقب تمايل إحدى نساءه الكثيرات امامه وأمام أعوانه، تتمايل على موسيقى صاخبة بكل فجور وكأن لا غد ولا موت .

تحرك خصرها الواضح من ثوبها المكشوف يمينًا ويسارًا، فقط كي تنال شرف إعجاب ذلك الطاغية ” بافل” والذي نصب نفسه قائدًا ورئيسًا للمنبوذين، منصبًا أخذه وراثة من والده بعد مقتله على يد إحدى زوجاته الكثيرات ..

وحينما انتهت رقصة تلك الفتاة مالت تحيي جميع الرجال في القاعة، ثم نظرت لبافل تنتظر منه إشارة رضى واحدة، لكنه فقط ابتسم يشير لها أن تتحرك بعيدًا.

علت الخيبة وجهها وشعرت بالحسرة وهي تتحرك خارج قاعة القصر، بالطبع ليس قصر بافل أو رجاله، فهم كانوا ومازالوا جماعة من الخنازير البرية لا مسكن لهم سوى الوحل ولا طعام لهم سوى القمامة، لكن تدور الحياة ويحصل هؤلاء الخنازير على مسكن لهم لا حق لهم به، ولا علاقة لهم فيه …

هم فقط ذهبوا وجلسوا داخل ذلك المسكن ثم اشهروا أسلحتهم بكل تبجح في وجه قاطينه، فقد كان ذلك القصر الشاهق هو نفسه قصر مشكى الذي نهبه بافل مع جماعته بعدما هدر دماء جميع العائلة الملكية وفرض سيطرته على المكان بالقوة .

” إذن سيدي ما الخطوة القادمة ؟؟”

سؤال جيد كان ينتظره بافل، ما الخطوة القادمة يا ترى، وبأي مملكة يبدأ ؟؟ سفيد أم سنز أم آبى ؟؟

ابتسم بسمة جانبية يقول بصوت هادئ مرعب :

” الخطوة القادمة هي الاستمتاع بلحظات النصر، الاستمتاع قبل العودة لساحة المعركة مرة أخرى، لا بد أن خبر سقوط مشكى وصل لجميع الممالك، وهم الآن يفكرون في طريقة لرجوع المملكة مرة أخرى ”

نظر الرجال لبعضهم البعض قبل أن يتساءل أحدهم :

” إذن هل نبدأ بتجهيز الجيوش ؟؟”

” بل ابدأ بتجهيز الاحتفالات يا عزيزي، نحن سنقيم احتفالًا في مملكتي لتنصيب نفسي قائدًا وملكًا عليها ”

لم يفهم أحد ما يفكر به بافل، ولن يفعلوا، لكنهم يثقون بعقله وبأنه سيقودهم للنصر يومًا ما .

لذلك صمتوا وبدأوا يفكرون بطموح كبير أن القادم سيكون لهم، وأن القدر سيكون حليفهم …

________________________

تسير وهي تتمسك بأحزمة حقيبتها تنفخ بسخرية شديدة مما يحدث في حياتها العجيبة المريبة تلك، يظنها ستخاف تلك الأمور الغريبة حولها وتخشى ذلك الظلام الدامس، وتلك الغابة المخيفة، وترتعد لسماعها تلك الأصوات المرعبة ؟! وتركض له تستغيث به منهم ؟؟

نفخت بسخرية لاذعة على تلك الأفكار الغبية وهي تنظر لظهر سالار وتردد بتسائل :

” هو احنا قدامنا قد ايه ونوصل ؟؟”

أمسكت حقيبة ظهرها بقوة وهي تركض خلف سالار الذي كانت خطواته سريعة وواسعة، وخاصة باقدامه الطويلة تلك…

هي الآن تسير مع الثلاثة بين الادغال كما في الأفلام الأجنبية، تتحرك بحذر مخافة أن يلتف ثعبان على قدمها دون شعورها، أو أن يهبط صقر أعلى رأسها، أو أن يهجم عليها أحد الحيوانات المفترسة من خلف الأشجار، هي تعلم كل الالاعيب تلك .

نظر لها سالار ثواني قبل أن يعود للنظر أمامه قائلًا بجدية :

” لقد تخطيتها في طريق الذهاب في يوم وبضعة ساعات، لكن معكِ لا أدري ربما اسابيع أو شهور، إن كنا محظوظين سنصل قبل أن أبلغ الاربعين من عمري ”

” هانت يعني، أنت كام يوم وتتم الاربعين ؟؟”

نظر لها يجيب ببسمة صغيرة ساخرة مستفزة :

” ليس كثيرًا، ربما سبع سنوات تقريبًا ”

نظرت تبارك لظهره وهي تحسب بكل جدية ما ستستغرقه الرحلة، وتوقفت فجأة متسعة الأعين:

” سـ..سبع سنوات ؟؟ ليه بنلف طريق رأس الرجاء الصالح ولا ايه؟؟ ده لو هنلفه زحف مش هياخد مننا سبع سنوات ؟؟”

كانت تتحدث وهي تركض خلفه بسرعة كبيرة تتمسك بحقيبتها، وفي الامام يسير صامد وصمود بحذر لتبين ما قد يعيق رحلتهما..

وسالار يسير وهو ينظر حوله بأعين حادة، يتجاهل كلماتها وثرثرتها، هو ليس من ذلك النوع الذي يتحدث كثيرًا وإذا تحدث لا يطيل الحديث، وإذا فعل واطال فسيندم ذلك الذي اضطره للخروج عن صمته، ليس معنى ذلك أنه شخص انطوائي لا يحب التحدث، هو يحب التحدث كثيرًا لكن باستخدام سيفه ويده ..

سالار يضمر عكس ما يخفي، داخله شخص مبتسم، حنون و عفوي، لكن ذلك الشخص لا يظهر سوى في سهراته القليلة مع رفاقه وجيشه، قليلًا …

ابتسمت تبارك وهي تركض بصعوبة بين تلك الأغصان والاعشاب، لا تدري أي جنون جعل حالها ينتهي بها لمثل تلك المغامرة، هي حتى لا تصدق بوجود تلك المملكة التي يتحدث، لكنها تسايره، فقط تفعل بمبدأ ( وماذا حملت لكِ حياتك المملة تبارك لتتمسكي بها بهذا الشكل ؟؟ ما الضير في خوض مغامرة قد تنتهي بموتك ؟؟)

” صحيح يا قائد هو أنا أول ما اوصل المملكة هبقى ملكة على طول ؟؟ يعني هتعملوا مراسم وابقى الملكة بتاعتكم ”

أزاح سالار الاغصان يتحدث بكلمات قليلة :

” ربما ”

” يعني هلبس تاج ولبس حرير ودهب ”

” نعم ”

صمتت ثم قالت بخجل من نطق تلك الكلمات :

” وهتجوز ملك ؟؟”

” صحيح ”

ابتسمت تبارك لتلك الأفكار الغبية، هي تتزوج ملك وتصبح ملكة وتعيش حياة مليئة بالرفاهية بعدما تجرعت الفقر كاسات دون أي رحمة ؟؟ الأمر جنوني بقدر جنون تلك المغامرة، ستتظاهر أنها تصدق كل ذلك وتفرح.

” وأنت على كده شغال ايه؟ مساعد الملك ؟!”

لم يجب سالار عليها وهو يدفع بقدمه أحد الأغصان بقوة كاسرًا إياها، ثم انتزعه من الشجرة يتجاهل صوت ثرثرة تبارك خلفه والتي ركضت تحاول اللحاق به وهو ما يزال يحمل ذلك الغصن بين يديه :

” يعني حاجة كده زي البودي جارد ؟؟ اصلك ماشاء الله عندك جتة، أنت بتروح جيم ؟؟ ”

وفجأة وأثناء حديثها لم تنتبه تبارك لبعض الفروع الملتحمة أسفل قدمها لتتعرقل بقوة وتسقط ارضًا، ثم شعرت فجأة بجسدها يُسحب للأعلى بسرعة مهولة تصرخ بجنون ورعب :

” يا قـــــائـــد …”

استدار سالار بسرعة يبحث عنها لكنه لم يبصر سوى فراغ فقط، وفجأة شعر بشيء يسقط فوق رأسه، ولم يكن ذلك الشيء إلا حقيبة تبارك التي كانت معلقة كالخروف وقت سلخه في أحد الافخاخ التي يصنعها بعض الصيادين البرية، أو المختلين..

ابتسمت تبارك وهي ما تزال معلقة من قدمها رأسًا على عقب :

” شوية مساعدة …ارجوك ”

” أوه نسيت أخبارك أن هذه الغابة تحتوي افخاخ، هذا خطأي ”

” لا ولا يهمك أنا عرفت اهو بنفسي، نزلني الله يكرمك ”

مسح سالار وجهه بغيظ شديد وهو يتمتم ببعض الكلمات الغير واضحة، يتبع الفخ يعيونه حتى وصل لمربطه، وبقوة شديدة انتزع الحبل من حول الشجرة لينفك وينفك معه الفخ وتسقط تبارك بقوة ارضًا وتعلو صرخاتها للمرة الثانية وقد بدأت تأوهاتها تزداد، تشعر بعظامها وقد تحطمت بالكامل، مال سالار قليلًا يستند على ركبته متحدثًا بملامح جامدة وبصوت أجش:

” أنتِ بخير ؟؟”

كان وجه تبارك ما يزال مدفونًا في الأرض أسفلها، لكن رغم ذلك رفعت ابهامها تقول بصوت مكتوم وهي تبصق الوحل من فمها :

” زي الفل …”

تنهد سالار بصوت مرتفع يمد لها الفرع كي تمسكه، ليرفعها عن بركة الوحل، ثم ساعدها لتقف متجاهلًا الوحل الذي يمنع عنها الرؤية بسبب اغماضها لعيونها، إذ رفعت يديها تحاول تحسس الطريق أمامها وهو يقول ناظرًا حوله :

” بما أن لا شيء حدث، لنكمل الطريق قبل حلول الظلام ”

وبعد هذه الكلمات ساد صمت طويل جعل تبارك تتعجب، فهي تنتظر هنا أن يمد لها زجاجة مياه أو قطعة قماشية تمسح وجهها، مدت يدها أمامها تقول :

” يا قائد …يا قائد، مين هنا ؟؟ حد هنا ؟؟ أنا… أنا مش شايفة ”

انحنت ارضًا تتحسس المكان بحثًا عن الحقيبة الخاصة بها، وبمجرد أن لمستها شعرت بمن يجذبها بقوة منها وصوت سالار يردد بحسرة :

” الآن فقط اتمنى أن أصل لمملكتي قبل الشيخوخة، حلمي أن أخوض حربًا أخيرة قبل التقاعد ”

كانت تبارك تضم الحقيبة لصدرها وهي تسير خلفه مغمضة العين، تعتمد على جذبه لها من الحقيبة وكأنها فأر صغير، لكنها حقًا لا تستاء، فهي ومنذ ابتعدت عنهم في بداية الغابة وكادت تصبح طعامًا للحيوانات، أخذت قرار أن تخوض تلك المغامرة وتستمتع بها، وها هي تفعل.

هل هناك اجمل من السقوط في الوحل والسير مجروره مع ثلاثة رجال لا تعلم عنهم شيئًا في غابة مخيفة ؟!

يالها من متعة !

____________________

انتهى من تفقد الجيش يعود لجناحه للحصول على بعض الراحة، جذب لثام وجهه يخفي خلفه نصف ملامحه، ليس لشيء سوى للحصول على بعض الدفء بعدما كادت أنفه تتجمد من برودة الجو في مثل تلك اللحظات .

كانت ثيابه سوداء اللون كلثامه وخلفه يرفف معطف من الجلد الذي يُصنع خصيصًا لأبناء الطبقة النبيلة والتي لا ينتمي لها ولو بمقدار شعرة، فهو ابن لمزارع بسيط، لكن بفضل الله ومساعدة سالار أصبح ما هو عليه اليوم، القائد دانيار والرامي الأول في جيش مملكة سفيد، مكانة لم يحلم يومًا أن يحتلها .

ابتسم وهو يبعد خصلاته السوداء عن عيونه، لكن فجأة تجمدت عيونه حينما أبصر من بعيد جسد يركض في الظلام، جسد يبدو كالاشباح يتحرك بخفة مثيرة للاعجاب، لكن الوضع لن يكن مناسبًا ليبدي إعجابه بشخص ربما يكون متسلل.

تحرك دانيار بسرعة كبيرة خلف ذلك الجسد، لكن بخفة تمنحه فرصة التلصص دون أن يشعر به أحد، وجد الجسد يسير صوب الجزء الخلفي من القصر، حيث مساكن الجنود ..

اشتعلت عيونه وركض خلفه وهو يخرج سهم من حاملة السهام بسرعة ويتجهز لأي قتال محتمل …

وخلف القصر، وعلى مقربة من مساكن الجنود، كانت زمرد تقف في ظلام الليل ترفع سيفها الذي هربته بكل ذكاء معها للقصر، تحركه في الهواء بقوة مرعبة، تقفز وتقاتل اشباحًا، وهذه كانت عادتها اليومية كي لا تضعف أو تنسى ما تعلمته سابقًا..

كل يوم مساءً وفي نفس المكان تأتي لتتمرن وتقوي نفسها تحسبًا لأي شيء، لكن فجأة ارتعدت أوصالها لسماع صوت خطوات يقترب من مكان تدربها المعتاد، ركضت بسرعة واختبئت خلف إحدى الأشجار لتجد اجساد متشحة بالسواد تقترب من المكان حيث كانت تتدرب وصوت أحدهم يقول بنبرة ولهجة تعلمها تمام العلم :

” أنتهي من إحراق ذلك المبنى بمن فيه وتخلص من الجنود وحينها تسهل مهمة الاقتحام ”

اتسعت أعين زمرد بقوة وهي تهمس بخفوت :

” آهٍ من هؤلاء الخنازير، ألن يتوقفو عما يفعلون ؟؟”

تحركت بخفة من خلف الأشجار وهي تتلتحف بالليل وتندمج بسوداه مبتسمة بسمة واسعة وقد وجدت خصمًا حقيقيًا لها اليوم…

رفعت السيف وهي تسير ببطء تقترب من أحد الرجال الذي كان يراقب الطريق للآخرين حتى ينتهون من إحراق مساكن الجنود، ودون أن يشعر بأحد كانت زمرد تكتم فمه بقوة وهي تضع السيف على رقبته هامسة :

” مرحبًا بالخنزير الصغير، مالكم تركتم الوحل واصبحتم تلعبون بمصائر البشر ؟؟”

اتسعت عين الرجل بقوة وشعر بتصلب جسده من ذلك الصوت، أضحى قلبه ينبض بجنون وهو يهمهم أسفل يد زمرد يحاول التحدث، لكنها لم تمنحه ما يريد إذ سحبت السيف بقوة تقطع له رقبته تاركة إياه يسقط ارضًا وهي راقبته ببسمة تقول بكل شر :

” سلامي لابا بافل، وأخبره أنني قريبًا سأرسل له ابنه الحبيب ”

ختمت حديثها تخطو أعلى جثته تتحرك صوب مبنى الجنود، لكن في طريقها أبصرت جسدًا يقترب من المبنى كبيرة يشهر سهمًا أمامه وهو يشير لها بشر :

” سيفك ارضًا، ويدك لفوق …”

ابتلعت زمرد ريقها برعب من تهديد ذلك الجندي لها، والذي تعلمه جيدًا وتجهل اسمه، لا تدري إلا أنه أحد رماة الجيش وفقط ..

ابتسمت بتوتر تقول :

” هييه ما بك، أنا لا انتوي لكم شرًا اقسم، جئت في سلام ”

نظر لها دانيار بشر يقترب منها، لكن فجأة أبصر سيفها المضجر في الدماء والجثة الملقية ارضًا، عاد بنظره لها لتكمل ببسمة صغيرة :

” حسنًا هذا ..امممم….لنتفق أنه كان يعوق رحلة السلام الخاصة بي ”

في تلك اللحظة ارتفعت أصوات داخل سكن الجنود لتتحفز جميع حواس دانيار، وتنظر زمرد له وتضيف :

” أوه ونعم هناك رفاق له، دخلوا لهذا المبنى بغية إحراقه بمن فيه من الجنود، اعتقد أنهم لا يحبونكم ”

ابتسم دانيار بسمة انعكست في عيونه وهو يقول بصوت خافت وقد تعرف عليها بالطبع من صوتها وعيونها، تلك الكارثة التي لا تنفك تسقط في طريقه بطرق غريبة :

” إذن تحملين السيوف كالرجال، وتتسللين كاللصوص، هل تستطيعين التصرف كالنساء لمرة واحدة ؟؟”

نظرت له بعدم فهم ليبتسم بسمة سرعان ما تلاشت وهو يسحب منها سيفها بقوة آمرًا إياها دون أي تردد وبأعين مرعبة وصراخ :

” اسمعيني صراخكِ يا امرأة.”

وهكذا فعلت زمرد التي ركضت بسرعة مهولة صوب القصر وهي تصرخ كأي امرأة طبيعية وبصوت زلزل الجدران وايقظ النائمين _ تمامًا كما أمر دانيار _ تتحرك بين الممرات تصرخ بجنون تتظاهر بالرعب والهلع :

” النجـــدة …هنــاك متمردين داخل القصر…هناك هجوم على القصر جهة الغرب…استيقظوا …هناك من يحاول إحراق القصر جهة مساكن الجنود ” 











وقبل أن تكمل زمرد صراخ أطلقت شهقة عالية وهي تلتصق في الجدار خلفها تتفادى ذلك الهجوم المرعب من الرجال الذين اندفعوا بجنون صوب الخارج، يتقدمهم الملك الذي حمل سيفه وركض بثياب نومه، وكأنه كان ينتظر اشارتها يصرخ في الجنود :

” الجميع صوب الجهة الغربية وليبق عشرة رجال هنا لحماية النساء، احملوا اسلحتكم جميعًا، لا تتركوا منهم سوى من يستسلم ”

وقف في النافذة يصرخ بصوت جهوري وهو يلمح الجنود الساهرين يركضون صوب الجهة الغربية، ويرى الرماة قد وقفوا بحالة استنفار، ثم تحرك هو بسرعة كبيرة يحرك السيف بين أصابعه ..

في تلك اللحظة رأت زمرد اندفاع جسد تميم للخارج بشكل مرعب وهو يركض كالقذيفة يتحرك صوب الجهة الغربية وبين يديه يحمل سيف وسلسلة حديدية لا تدري سبب حمله لها، لكن هي فعلت ما أُمرت والآن ستتحرك لتراقب ما يحدث وتستمتع برؤية هؤلاء الخنازير يُبادون على بكرة أبيهم …

كان دانيار قد هجم بالفعل على مساكن الجنود ليجد أنهم سبقوه واستيقظوا من نومهم وانتفضوا لتشتعل الحرب بينهم وبين هؤلاء المتمردين _ إن كانوا كذلك من الأساس_ ابتسم يراقب الجنود وصحوتهم السريعة يهمس بينه وبين نفسه وهو يرفع سيفه :

” كان القائد ليفتخر بتلاميذه وبشدة ”

في تلك اللحظة سمع دانيار صوت أبواق الانذار تنطلق ليبتسم وقد علم أن تلك الخائنة الشرسة قد أبلغتهم رسالته، رفع سيفها الذي انتزعه منها وهو ينطلق به للقتال، لكن بعد لحظات شعر بالملل من المحاربة بهذه الطريقة .

وضع السيف داخل حاملة السهام الخاصة به، وسحب ثلاث سهام دفعة واحدة وضعهم في القوس ثم نظر لهم يبتسم مرددًا بصوت مرعب :

” نعم هذه هي المتعة ”

وفي ثواني ترك السهام الثلاثة لتستقر في ثلاث أجساد أمامه، ويطلق هو صفيرًا مبتسمًا :

” نعم ها أنا استطعت واخيرًا اتقان الأمر، المرة القادمة سأجرب أربعة سهام ”

سمع صوتًا خلفه يقول بلهاث بسبب ركضه :

” رقم قياسي جديد ها ؟؟”

ابتسم دانيار وهو يحدق بوجع تميم الذي اعتدل في وقفته، ثم حرك السلسلة في الهواء بشكل مرعب وصوت دانيار يهمس له :

” نعم يا عزيزي، أرني كيف ستتخطاه ”

نظر له تميم غامزًا :

” راقب وسترى ….”

وقبل أن يتحرك أحدهم وجودا إيفان يندفع بشكل مرعب يجز الرؤوس دون أن يرى أحدهم وهو يصرخ في جنوده، ليبتسم الإثنان وينطلقا للقتال .

______________________

كانت ساحة مملكة مشكى تشبه حانة للرقص والفواحش، الساحة التي لم تشهد تجمعًا كهذا التجمع سوى وقت الصلاة أو الاحتفالات بالاعياد أو غيرها ..

ها هي تستقبل أفواج من السكارى والراقصات اللواتي يتمايلن بأجسادهن في منتصف الساحة في محاولة يائسة لجذب انتباه بافل والحصول على امتيازات مرافقته ..

لكن الأخير كان يجلس على أحد المقاعد يراقب بأعين ضبابية شاردة ما يحدث، لحظات ونظر جواره ليرى أحد الرجال يقترب منه هامسًا :

” ذهب الرجال لمملكة سفيد كما طلبت سيدي، ساعات ونسمع عن قتل جنود إيفان ”

ابتسم بافل وهو يشرد بعيونه أمامه، ثم صرف بيده ذلك الرجل، يستند على سيفه :

” وكأن مملكة بحجم سفيد ستنخدع بهؤلاء الحمقى الذين ارسلتهم، هم فقط كانوا مجرد هدية صغيرة للملك الصغير، هدية ليستمتع بها مع جنوده ويعلم أن لي مئات الطرق للوصول له في عقر داره وايضًا ليعلم أن الحرب قد بدأت”

رفع بافل عيونه صوب الفتاة التي كانت تتمايل بحركات راقصة قوية عكس حركات الأخريات التي كانت تتسم بالدلال ..

ابتسم وهو يشرد بها وقد ذكرته قوتها وملامحها الحا 

             الفصل السابع من هنا 

تعليقات



×