رواية مملكة سفيد الفصل الثامن 8 بقلم رحمة نبيل

 




رواية مملكة سفيد الفصل الثامن 8 بقلم رحمة نبيل


صلوا على نبي الرحمة

______________________

كانت ضربات قلبه تتسابق، وانفاسه تكافح للخروج من صدره، يشعر بجسده قد تصنم بمجرد سماعه لكلمات تلك الفتاة، صديقه وشقيقه هو يحتضر وارسلها لتأخذه إليه حتى يودعه ؟!

كانت صرخته التي أطلقها منذ ثواني خارجة من اعماق روحه السحيقة، صرخة جعلت المكان حوله يهتز ومرجان يرتجف رعبًا يتمسك بالكتب خوفًا أن تسقط من قوة النبرة .

بينما العريف خرج من داخل المكتبة يصرخ بجنون مساوي لجنون دانيار :

” من ذاك الذي يصرخ بين جدران مكتبتي ؟؟ هذه مكتبة يا اغبياء، مكتبة حيث لا مكان للحديث أو الصراخ، اخرجوا من هنا، اخرجوا جميعكم من هنا قبل أن أحرقها بكم ”

كان يصرخ وهو يشير للباب، لكن دانيار لم يهتم وهو يندفع صوب زمرد التي أطلقت صرخة عالية تتراجع للخلف مرتعبة من ملامحه، شاهقة بصوت مرتفع ليقول العريف بتحذير :

“كم مرة عليّ القول لا للصراخ داخل مكتبتي ؟؟”

أصبح دانيار على بعد خطوة واحدة من زمرد يهمس لها من بين أسنانه بصوت مرعب :

” إن كانت هذه إحدى الاعيبك اقسم سأ…”

” وهل تراني حمقاء كي اضيع وقتي وآتي حيث مكتبة هذا العجوز الذي يصرخ بنا ألا نصرخ، واقف أمامك لأجل لا شيء ؟؟ وكأنني اتحين الفرص لرؤيتك؟؟ أنت تحلم يا رجل ”

ختمت حديثها تنفخ بسخرية لاذعة جعلت أعين دانيار تشتد، يشير لها كي تسبقه ورعبه ازداد على تميم :

” اسبقيني وارشديني حيث هو .”

شعرت زمرد بالغصب من طريقته في الحديث معها وكأنها تعمل لديه، لذلك توقفت مكانها تأبى الحراك خطوة واحدة، تهمس من بين أسنانها بشر :

” أنا لا أعمل لديك يا سيد سأخبرك مكانه وأنت أذهب و…”

توقفت عن الحديث حينما وجدت سيفها الخائن يتوسط رقبتها، بعدما أجبرها على رفع رأسها كي لا يصيبها أذى، وصوت دانيار الذي أصبح بالقرب منها يهسهس بغضب :

” إن لم تتحركي أمامي في هذه اللحظة وارشدتيني حيث تميم، سأجعل سيفك العزيز يختتم رحلته القتالية برأسك قبل أن احرقه بنفسي ”

نظرت له زمرد بتحدي وأعين مشتعلة، لا يعجبها أن يهددها، لا يعجبها ابدًا، هي زمرد المتجبرة الداهية _ كما يسميها البعض وتفتخر هي _ يأتي ذلك الوسيم ويهددها ؟؟ حسنًا صبرًا .

” لا لا، لِم هذا الشر يا سيد، أنا فقط امزح، هيا سأخبرك أين هو صديقك عسى أن تحترقا سويًا ”

ولم تنتظر لتسمع رده إذ تحركت تسبقه بسرعة وهو خلفها يشعر بالغضب منها والرعب على تميم .

_______________

ساقطة ارضًا وهو فوقها بعدما أصبح شبه فاقد للوعي، لا يشعر بشيء حوله، يتنفس بصعوبة شديد، ثم فجأة توقفت أنفاسه لشدة الوجع الذي أصاب خصره .

ابتلعت برلنت ريقها تحاول أن تبعده وقد شعرت بارتجافة عنيفة في جسدها الذي لم يلمسه رجل سابقًا :

” أنت يا سيد .. أنهض هذا ليس صحيحًا، استغفر الله هذا ليس صحيحًا، ستموت وتحملني ذنوب لمسك لي، تحرك رجاءً وزنك ثقيل ”

لكن تميم والذي كان لا يشعر بجسده بعدما فقد دماء كثيرة وهو ما يزال متسطحًا على جسد برلنت التي رفعت رأسها تنظر له بفضول :

” هل مِت ؟؟”

وعندما لم يصل لها إجابة منه، سقطت دموعها برعب شديد وقد بدأت شهقاتها ترتفع أكثر وأكثر حتى ملئت المكان حولها وجسدها يرتجف أسفله تنادي بصوت مرتفع :

” ساعدونا …رجاءً ساعدونا، الرجل مات، يا الله لقد مات، رجاءً ليساعدني أحدكم، يا سيد ارجوك انهض عني ”

نظرت له برلنت ثواني تتأمل وجهه قبل أن تنفجر في بكاء عنيف وهي تتذكر ما كانت تفعل له :

” أنا آسفة، سيدي أنا آسفة لأنني دعوت أن أتخلص منك، لم أكن أقصد أن تموت حقًا، اقسم أنني لم اقصد ”

توقفت ثم نظرت له وقالت بصوت منخفض من بين شهقاتها :

” أنت من كنت لئيمًا معي ووقح وحقير، لكنني اسامحك، اقسم أنني اسامحك لترقد روحك في سلام فقط ”

فجأة انتفض جسد برلنت على شعورها بهواء ساخن على رقبتها وقد اخترق حجابها ليصيب بشرة رقبتها، ارتجف جسدها بقوة وهي تسمع همس خفيض وصوت رخيم يخرج من الجثة التي تعلوها :

” أنا من لن ادعك تعيشين بسلام حينما أصبح بخير، سأريكِ كيف تتفننين في سبي والدعاء عليّ ”

اتسعت أعين برلنت بقوة وهي تنظر صوب تميم الذي كان يحدق فيها من بين جفونه شبه المغلقة بشر، اطالت النظر به وقد شحب وجهها بعنف، ليبتسم تميم بسمة جانبية يقول بصوت منخفض بغرض اخافتها:

” بوو ..”

فجأة أطلقت برلنت صرخات هزت المكان حولها لشدة الرعب الذي أصابها في تلك اللحظة، ودون مقدمات انتفضت من أسفله تلقي جسده بعيدًا عنها لا تهتم بمقدار إصابته أو أي شيء آخر .

وتميم الذي اصطدم جسده بالأرض أسفله بقوة كبيرة أطلق تأوهًا قويًا، وهو يتوعد لها بوجع :

“أيتها الغبية، سأريكِ … سأطعمك قنابلي المرة القادمة ”

زحفت برلنت للخلف بسرعة كبيرة وهي ترتجف باكية :

” أرجوك ارحمني أنا مجرد عاملة هنا، ارجوك أنا أنام وحدي في غرفتي المظلمة ليلًا ”

نظر لها تميم وهو يضغط على جرحه بغضب صارخًا مستنكرًا تلك الجملة الغير مناسبة البتة للحديث :

” وما شأني بنومك وحدك ليلًا، هل احضر فراشي آتي لمشاركتك الغرفة؟؟”

” لا أنا …أنا فقط … أنت بعدما تموت ستـ ستخرج روحك لأنك مقتول، هكذا كانت تخبرني امي .. أنا فقط ارجوك يمكن لروحك الطواف في أماكن افضل من غرفتي، القصر ملئ بالغرف الجميلة، ما حاجة روحك لغرفة صغيرة ضيقة كخاصتي ؟؟”

نظر لها تميم بعدم فهم وقد علم في تلك اللحظة أنها تظنه سيرهق روحه بعد الموت ويطاردها، حقًا ؟؟

” تالله وبالله ووالله لو أنني شبح ولي انتقامٌ معكِ، سأسامحك، ليس لأن قلبي الرحيم، بل لكرهي أن اسكن جسدًا بمثل غبائي ”

نظرت له برلنت بصدمة من كلماته واستنكار شديد تلبسها، وكم شعرت بالندم لخوفها منذ ثواني أن يموت .

فتحت فمها ولم تكد تتحدث حتى سمعت صوتًا رجوليًا يصرخ بقوة :

” تميــــــم …”

________________________

كانت تقف أمام قلعة عملاقة لا تستطيع رقبتها أن تعلو أكثر لترى قمتها، شعرت بقلبها يرتجف، الأمر حقيقة، هو ليس بمجنون، حسنًا هي لم تكن أبدًا أن تتوقع نهاية هذه الرحلة بهذا الشكل، شكت وشكت أنه مجرد مخبول يتحدث بكلمات غير حقيقية ..

تتساءلون لماذا تبعته إذن ؟؟ حسنًا هو شبه خطفها وهددها وهي لم تمتلك خيارًا سوى المجئ معه بعدما فشلت مساعيها للهرب، وحينما أصبحت في منتصف الغابة خافت العودة وقررت أن تكمل تلك الرحلة المجنونة، والآن ها هي تقف أمام قلعة عملاقة تكاد تمنع أشعة الشمس .

” هذه قلعة سفيد مولاتي .”

نظرت له بدهشة تتساءل بصوت مصدوم :

” ازاي هندخلها ؟؟”

نظر لها بهدوء شديد ونبرته خرجت مريبة وكأنه يهددها :

” حدثيني بالفصحى رجاءً”

هزت رأسها بتردد، ثم نظرت مجددًا للقلعة لتكتشف وجود عدد كبير من الرجال فوقها يحملون سهام، ومدافع عديدة، يا الله هؤلاء الرجال مازالوا على عهدهم القديم ..

لحظات هي حتى انتفض جسد تبارك تتطلق صرخة مرتعبة وهي تنبطح ارضًا تضع يديها فوق رأسها حينما تفاجئت بصوت سالار الجهوري والمخيف الذي هتف بنبرة آمرة صاخبة :

” افتحــــــوا الأبـــــواب ”

نظرت له تبارك وهي مازالت منبطحة ارضًا تحمي نفسها برعب منه، وقد كاد قلبها يتوقف للتو من مفاجئته لها، مرت ثواني وسمعت صوت أحد الجنود يصيح بصوت مرتفع :

_” افتحوا الابواب للقائد ..”

رأت تبارك بأعين متسعة ابواب القلعة تُفتح وتظهر من خلقها مروج خضراء بديعة تحتوي العديدة من المباني بيضاء اللون، والكثير والكثير من الرجال الذين يحملون سيوف في كل ركن من أركان القلعة .

أشار سالار لها كي تتقدمه :

” من بعدك مولاتي .”

ماهذا الشعور الجيد الذي تشعر به في هذه اللحظة ؟؟ نعم إنه الزهو، هي مولاته والملكة، ملكة هذه القلعة ؟؟ بل هذه البلاد الشاسعة والتي منذ خطت إليها مع سالار _ بعدما تركا صامد وصمود على الحدود_ ذُهلت وشعرت بالاعجاب الشديد، مزارع كثيرة ومنازل مبهرة ومعمار خاطف للانفاس، يبدو أن الأيام القادمة تحمل لها الكثير.

وها هي بوابة القلعة تُفتح لها على مصرعيها وكأنها ترحب بها في مستقبل مجهول لا تدري جيد هو أم سييء؟!

سارت ترفع رأسها عاليًا بفخر لا تعلم له سبب، هو فقط يملئ صدرها، تسير مختالة في الممر الصخري الذي يتوسط الحدائق الخضراء وعلى جانبي الممر العديد من الجنود يستندون على سيوفهم، تأملتهم تبارك بانبهار كبير مبتسمة..

وفجأة انتفض جسدها مبتعدة عن الممر برعب بسبب صوت سالار الذي خرج جهوري بنفس الشكل السابق يأمر الجنود بحدة ودون رحمة :

” أظهروا بعض الاحترام والترحيب بملكتكم يا رجال”

وفي ثواني رفع الرجال السيوف عاليًا بشكل جعل تبارك تتراجع خلف ظهر سالار تحتمي به وهي تراهم يحركون السيوف بشكل منظم يصيحون بصوت عالٍ وفي نبرة واحدة دون شذوذ :

” أنرتي البلاد مولاتي ..”

ابتسم سالار باستحسان وهو ينظر لتبارك خلف ظهره وملامحه كانت جامدة مخيفة وحادة بشكل جعلها ترتجف، يشير لها أن تتحرك أمامه:

” من بعدك مولاتي ..”

ولم تعلم تبارك هل كانت نبرته ساخرة أم لا، لكنها على أية حال رفعت رأسها عاليًا تسير بكل كبرياء في الممر الصخري وهو خلفها يبتسم بسمة جانبية ساخرة ..

” ها قد جاءت كارثتك يا سفيد ”

_____________________

يتوسط عرشه وحوله جميع مستشاريه عدا تميم ودانيار، الجميع كان حاضرًا يشهد على تسليم ذلك الخائن من مملكة آبى والذي أحضره الملك آزار بنفسه ليمثل أمام عدالة سفيد .

رفع إيفان رأسه عاليًا ينظر لذلك الرجل الذي يرتجف أمامه نظرات غامضة ثم قال :

” إذن أنت من خنت ولاء ملكك وسمحت لهؤلاء الرجال بالدخول لمملكتي بختمه الخاص بالتجار ؟؟”

رفع الرجل رأسه وهو يرتجف بقوة، نظر صوب آزار الذي بادله النظرات بأخرى مرعبة، يحذره أن يحيد عن قول الحق وعن الاعتراف بكل ما حدث، آزار ليس بالملك الاحمق الذي يطمح لبناء عداوة شخصية مع مملكة بحجم سفيد لأجل رجل كهذا، لذلك إن كان تسليمه سيخفف غضب إيفان فللجحيم هو وعائلته اجمعين..

” أنا يا مولاي … أنا لم أعلم أنهم…”

صمت يبتلع ريقه برعب شديد :

” سامحني يا مولاي أتوسل إليك أن تعفو عني، سأعمل خادمًا لك المتبقي من عمري، اقسم أنني لن افعل ما فعلت مجددًا ..”

كان الرجل يبكي ويتوسله من بين شهقاته، ابتسم له إيفان بقسوة دون أن تهتز له شعره واحدة، هو فيما يخص مملكته لا قلب له ولا يرحم، من أخطأ يُعاقب .

” أخبرني كيف أخذت ختم الملك الخاص وادخلتهم به ؟؟ اوراق هؤلاء الرجال خُتمت بختم التجار صحيح ؟؟ كيف فعلت ذلك ؟!”

رفع الرجل عيونه باكيًا مرتجفًا يتوسل منه رحمته يعلم أنه لن ينالها، فمن نال سابقًا رحمة من آل سفيد، فكبيرهم ومؤسس سفيد كان رجل متجبر، صخرة تسير على الأرض لا يرحم من يخطأ في حقه، بل يدهسهم أسفل أقدامه دون شفقة، لقد كان ملك سفيد الاول عبارة عن قصة رعب يتم ارهاب الاطفال بها، ستأكل أم نحضر لك كبير سفيد ؟؟ ذلك الرجل ذو العين الصناعية بعدما فقد خاصته في أحد الحروب .

على الاقل إيفان كان به بعض الرحمة والعدل وهو سيستغل كل ذرة رحمة لديه ليعفو عنه :

” مولاي أنا… أنا المسؤول عن اوراق التجار وحركة التجارة بين مملكتنا ومملكتك، وامتلك الختم الخاص بمرور التجار، وأنا من ختمت لهم عليه بنفسي ليسمح جنودك لهم بالعبور”

نظر له إيفان ثواني، ثم قال بغموض :

” إذن أنت من سمحت لهم بالمرور عبر حدود مملكتي بتصريح التجارة ؟؟ ”

” نعم مولاي هذا صحيح، ارجو رحمتك مولاي ..”

ختم كلماته، ليكرر إيفان ناس جملته السابقة :

” تعني أنك من ختمت على تصاريح الخروج بختم التجار ؟؟”

نظر له الرجل ثواني بريبة، ثم نظر لآزار الذي احتدت نظراته وهو يحدق بإيفان يشعر بالغضب يملئ صدره بسببه، تنفس بصوت مرتفع يأمر الرجل أن يثبت حديث إيفان عليه .

ليهز الرجل رأسه للمرة الثانية :

” نعم مولاي أنا من ختمت لهم بختم التجار قبل دخول مملكتك مباشرة .”

اتسعت بسمة إيفان ينظر للرجال جواره، ثم نظر للرجل يقول بنبرة غامضة مرعبة :

” لكن الختم على تصاريح هؤلاء الرجال لم يكن ختم تجار يا عزيزي ”

اتسعت أعين جميع من بالقاعة وشحب وجه الرجل الذي ارتجف جسده فورًا ونظر لآزار الذي اهتز صدره لثواني، واتسعت بسمة إيفان الخبيثة وهو يقول :

” هؤلاء الرجال دخلوا مملكتي عبر مملكتك ملك آزار بتصريح زيارة وليس تصريح تجارة ”

انتفض آزار بقوة ينظر صوب إيفان قائلًا بصوت مرتفع :

” لكن أنت من قال أنه كان تصريح تجارة ملك إيفان، هل تتلاعب بي أم ماذا ؟؟”

رمش إيفان ببراءة شديدة يهز رأسه، ثم قال ببساطة شديدة :

” لقد أخطأت ملك آزار، وأنت لم تصحح لي خطأي، بل سارعت لتحضر رجلًا بريئًا يؤكده لي ”

اشتعل صدر آزار ينهض عن مقعد الذي يقع يمين عرش إيفان وهو يصرخ بجنون في وجهه وقد احتدت أعينه وعلت نبرته :

” ما الذي ترنو إليه من خلف العابك تلك ملك إيفان ؟!”

” أنا لا أرنو لشيء سوى أمان مملكتي والذي هددته مملكتك ملك آزار، ومن يتجرأ ويهدد مملكتي بقشة، سأمحيه بالسيوف ”

انتفض رجال آزار في غمضة عين يرفعون سيوفهم بقوة في وجهه إيفان وجنوده بتهديد واضح، وكأنهم كانوا يتحينون فرصة القتال، واشتعلت الأجواء داخل القاعة وقد بدت كما لو كانت الحرب ..

صرخ آزار وقد وصل غضبه للقمة :

” إن كنت تطمح لحربٍ معي إيفان فلا تبحث عن حجج واهية تبرر بها أسبابك، جميعنا نعلم أنك تبغي توسيع رقعة مملكتك، تمامًا كأجدادك الجشعين وستفعل ذلك على حساب مملكتي، ولن استبعد أن تستعين بهؤلاء المنبوذين الملاعين ليساعدوك كما ساعدوك في إسقاط مشكى سابقًا”

ختم حديثه وهو يخرج سيفه بقوة ودون مقدمات كان يضعه أمام وجهه إيفان في إعلان صريح للحرب :

” إن كنت تريدها حربًا فلك ذلك ..”

” نحن لسنا دعاة حرب ملك آزار، لكن إن دعت الحاجة فنحن أهلٌ لها، والآن إن لم ترد أن تخرج من سفيد محملًا بجثث رجالك جميعهم وتمتلئ مقابر مملكتك بجثث جنودك فأنزل سيفك ”

ولم يكن ذلك الصوت صوت إيفان أو حد رجاله، بل كان صوت من ترتعش له ابدان جميع الرجال، الرجل الذين لا يبصرونه سوى في أرض المعركة..

كان سالار يقف خلف آزار دون أن يحرك يده يأمره بكل قوة أن ينزل سيفه، وحينما أبصر ارتجاف جسد آزار _ غضبًا بالطبع _ اتسعت بسمته وهو يحرك نظراته صوب جنود مملكة آبى يصرخ في وجوههم بصوت جهوري :

” إن لم ترغبوا في رؤيتي أدق ابواب مملكتكم في الغد مع جيشي، فأنزلوا سيوفكم جميعًا”

سالار لم يكن من الحمق الذي يجعله يجهل عاقبة تهديد أحد الملوك والتي قد تؤدي لإعدامه، لكن ساعة الحروب تسقط كامل القوانين والعقوبات، وهو يتجاهل كل ذلك حين المساس ببلاده أو ملكها، وطالما أن آزار تناسى عقوبة تهديد ملك، فهو كذلك .

نظر الرجال بريبة صوب آزار في انتظار أمر منه لخفض اسلحتهم، وآزار كان فقط ينظر بأعين إيفان الذي ابتسم بسمة واسعة يرفع رأسه عاليًا بكل غرور، يزيح سيف آزار بعيدًا عنه بسهولة ..

قبض آزار على سيفه وقد شعر بالجحيم، الجحيم يبتلعه في تلك اللحظة، أن يتواقح عليه رجل بين جنوده لهو الجحيم بحد ذاته .

وحينما وجد سالار منه اعتراضًا على كلماته نزع سيفه من غمده في ثواني معدودة، ثم وضعه بتهديد واضع على رقبة آزار يهمس بفحيح :

” رقبتك مقابل كلمة، قل لهم أن يخفضوا أسلحتهم ”

نظر له آزار بسخرية، يعلم سالار جيدًا أن آزار ليس بالرجل الهين، هو لا يخاف منه وهو يعلم ذلك، لكنه لن يتوانى عن قتل كل من يعترض طريقه ويهدد ملكه ومملكته.

في تلك اللحظة التي أشهر بها الجميع سيوفهم وآخرهم سالار، انطلقت صرخة أنثوية لا تناسب بأي شكلٍ من الأشكال هذا المشهد، صرخة جذبت أنظار الجميع خاصة إيفان الذي تصلب جسده بقوة يراقب ذلك الجسد الصغير الذي يختفي خلف الرجال بأعين حريصة .

نظر آزار بهدوء صوب رجاله يأمرهم باخفاض أسلحتهم، في نفس اللحظة التي وضع بها سالار السيف داخل غمده، ليشعر فجأة بقبضة على كم ثيابه، وفجأة تذكر تبارك .

استدار ببطء مستنكرًا ما تفعل :

” حقًا ؟؟”

كان يحدق بها، ليجدها تتمسك بكم ثيابه تحتمي خلفه من الجميع، ورغم ذلك عيونها تدور في المكان بانبهار شديد، رغم رعبها وجسدها الذي يرتجف، إلا أنها لا تنكر أن كل ذلك مبهر حقًا

أطال إيفان النظر صوب سالار، يحدق في الجسد الصغير النسائي الذي يختبئ خلفه، لكنه في تلك اللحظة لم يهتم سوى لابعادها عن كل ذلك، وفورًا أشار بعيونه لجنوده نحوها بأمر صامت أن يحملوها خارج القاعة.

تحرك الجنود صوب تبارك يتحدث لها أحدهم بهدوء أن تخرج معهم، لكن تبارك وحينما رأتهم يقتربون منها ارتجفت تزيد من قوة تمسكها بسالار تقترب منه أكثر هامسة بخوف :

” لا ..لا …يا قائد، يا قائد ”

نظر لها سالار يتنفس بصوت مرتفع، ثم نظر للجنود وكاد يصرفهم كي لا يخيفونها، لكن بنظرة من إيفان اغمض عيونه، ثم همس لها بصوت منخفض وبشكل لا يظهر للجميع قربه منها :

” مولاتي اذهبي مع الجنود سيأخذونك لجناحك كي ترتاحي قليلًا حتى تنتهي تلك الجلسة ”

تمسكت به في خوف شديد، هي لا تعرف في هذا المكان سواه، وحتى إن كانت تتشاجر معه وتختلف منه كثيرًا وتكره صراخه، لكنها تثق به :

” لا أنا خايفة، خليني هنا وأنا والله مش هصرخ تاني ..”

” ماذا ؟؟ مولاتي رجاءً اذهبي مع الجنود، وفضلًا توقفي عن التحدث بهذه اللهجة، هذا غير مسموح هنا ”

نظرت له بخوف ثم رأت الجنود ينتظرونها، لذلك افلتت كم ثيابه ببطء وتحركت مع الجنود بهدوء وبريبة .

لكن وقبل أن تخرج من القاعة بشكل كامل استدارت للمرة الأخيرة ونظرت لسالار الذي كان يقف بكل جسارة بين الرجال ببنيته القوية، ومن ثم تحركت بعيونها ونظرت صوب الملك لأول مرة منذ جاءت لتُصدم به يحدق فيه وجهها بأعين ضيقة، شهقت تتحرك بسرعة خارج المكان مع الجنود، بينما إيفان عاد بنظراته لما يحدث وابتسم بسمة جانبية وقال :

” والآن ملك آزار ما رأيك أن نتحدث بكل هدوء ودون صراخ ؟؟”

_________________________

نظرت برلنت بلهفة صوب الرجل الذي ركض صوبهم بسرعة كبيرة، وفجأة أشرق وجه تميم يهمس بتعب شديد قبل أن يسقط في غيمة سوداء تبتلعه :

” دانيار …”

ركض له دانيار بلهفة وخوف شديد يتلقف جسده بين أحضانه بحنان شديد يضمه له يهمس له بهدوء :

” اخي ما بك ؟؟ من ذلك الذي ستفقده والدته وفعل بك هذا ؟!”

نظر تميم لوجهه ببسمة صغيرة يحاول الحديث، لكن الوجع قاتله في تلك اللحظة، اقترب من كتف دانيار يستند عليه حتى يصل لكتفه يهمس له بصوت منخفض يأبى أن يظهر ألمه أمام أحدٍ، لا يظهر ضعفه ولو كان تنازعه روحه للخروج من جسده :

” خذني بعيدًا عن هنا دانيار، أشعر بالوهن الشديد يا أخي، فقط خذني لمهيار ولا تجعل أحدهم يراني بهذه الحالة ”

نظر له دانيار برعب وهو يرى أجفانه تكاد تنغلق يهتف باسمه في رعب شديد ليسمع جواره صوت مرتعب يتساءل بارتجاف :

” هل رحل ؟؟”

استدار دانيار كالرصاصة صوب صاحبة الصوت ودون أن تستوعب برلنت كيف ومتى ولماذا وجدت سيف يوجه صوب رقبتها وصوته خرج مرسلًا موجات هلع لقلبها :

” من أنتِ وماذا تفعلين هنا وما علاقتك بإصابته ؟؟”

نظرت برلنت للسيف الذي كان يوجهه على رقبتها وشعرت برغبة عارمة في البكاء، تنفست تحاول أن تجد كلمات في عقلها للدفاع عن نفسها، لكن فجأة وجدت جسد يقف أمامها يستلم هو حد السيف بدلًا منها :

” أنت أيها الرجل، مالك ترفع سيفك في وجه كل من تحدث بكلمة جوار أذنك ؟؟ تحلى ببعض المروءة ولا ترفع سيفك في وجه أمرأة ”

نهض دانيار يقف مقابلًا لها يشرف عليها من الاعلى، ثم مال بعض الشيء يهمس لها بفحيح :

” أنا في حياتي لم أرفع سيفي بوجه امرأة، ولن أفعل.”

ختم حديثه يرفع جسد تميم أعلى كتفه بقوة ثم رمى برلنت بنظرات مشتعلة :

” إن علمت أن لكِ علاقة بما حدث له من بعيد حتى سأحضرك واريكِ الويل ولو عدتي لرحم والدتك ”

تحرك بسرعة يركض في القلعة بسرعة كبيرة وأعلى كتفه يقبع جسد تميم، يستغل عدم وجود الكثير من الأشخاص في هذه البقعة من القصر ويتخذ طرقًا مختصرة للوصول إلى مشفى القصر :

” تحمل يا أخي…”

نظرت زمرد لاثره بعدم فهم تهتف بجدة وهي تلوح بيدها في الهواء بحنق :

” يقول أنه في حياته لم يرفع سيفًا على امرأة، الكاذب رفعه عليّ اليوم مرتـ …. أوه”

كانت برلنت تراقب بصدمة أثر دانيار:

” نعم، أوه ”

صمتت زمرد فجأة وقد على الذهول وجهها تفهم ما يرمي إليه من خلف حديثه وقد اتسعت عيونها وابتسمت بعدم تصديق وقد جمدت من الصدمة في أرضها، تهمس من بين أسنانها:

” ذلك الـ …”

__________________

اقتحم عيادة القصر بقوة وهو يصرخ بصوت مرتفع :

” مهيار …مهيار ساعدني ”

انتفض شاب في نهاية العقد الثالث من عمره يتميز بالملامح الهادئة والمشرقة، ينظر صوب باب غرفته، لتتسع عيونه بصدمة يركض صوب دانيار يشير لها على الفراش الموضوع في أحد أركان الغرفة :

” يا الله ما به تميم ؟؟”

” لا اعلم من ذلك القذر الذي تجرأ ولمسه، لكن صبرًا اقسم أنني سأعلم منه واريه كيف يكون جحيم الأرض ”

بدأ مهيار يساعد تميم في التسطح براحة، ثم ركض يبحث عن أدواته وهو يتنفس بصوت مرتفع :

” يا ويلي دانيار الجروح ملتهبة ”

” ماذا تعني ؟؟ عالجه وإلا جعلتك تتسطح جواره ”

نظر له مهيار بحدة ولم يهتم بالرد عليه وبدأ بالعمل وتقطيع ثيابه، ومحاولة استدراك ما يحدث، ودانيار يقف فوق رأسه يراقبه بحدة مما جعل مهيار يرفع رأسه له صارخًا :

” بالله عليك تحرك يمينًا أو يسارًا أن تعيق حركتي بهذا الشكل، يا الله أي كوارث هي تلك التي تسقط على رأسي”

ابتسم دانيار بشكل مستفز يشير صوب تميم :

” عالج تميم الأن في هذه اللحظة أريده أن ينهض ويخرج معي من غرفتك العفنة مهيار ”

هز مهيار رأسه ثم رفع يده عاليًا يحركها في الهواء وهو يحمل مشرطه يردد بشكل جدي بالكامل مغمضًا عينه، يقول بنبرة عالية :

” لتُشفى جروح تميم في الحال ..”

أنهى حديثه يفتح عيونه ينظر صوب تميم الذي ما يزال مسطحًا بجروحه، رفع مهيار المشرط صوب عيونه وهو يحركه بسأم :

” ياااه ما بها عصاي السحرية لا تعمل؟!”

رفع رأسه صوب دانيار ينظر له ببسمة مستفزة وصدمة مصطنعة :

” يبدو أنها تعطلت ”

ابتسم دانيار لعمله أنه يسخر منه، سرعان ما جذبه من ثيابه نحوه بشر يهسهس من بين أسنانه وهو يكاد يبتلع مهيار بالمعنى الحرفي :

” هل تحاول السخرية مني ؟؟”

” نعم هذا بالفعل ما احاول فعله، فأنت لا تتوقع مني أن أفعل ما تطلبه مني ”

” بلى اتوقع، كيف إذن درست الطب أيها الطبيب الفاشل ؟؟”

اشتعلت أعين مهيار يهمس في المقابل بشر :

” أنا طبيب ولست ساحر ..”

” إذن عالج صديقي الآن”

” سأفعل إن تركت ثيابي ”

تدخل صوت بينهما وهو يردد بوهن شديد أثناء تسطحه على على الفراش :

” عذرًا لكما، إن انتهيتما من ذلك الشجار الذي تجريانه في هذه اللحظة، رجاءً أنقذوني قبل أن أسلم روحي لخالقها”

نظر الاثنان في نفس الوقت صوب الفراش قبل أن يترك دانيار ثياب مهيار، يرفع سيف زمرد عليه وقد فاده هذا السيف اليوم كثيرًا : 











” هيا أيها الفاشل عالج ذلك الرجل والآن..”

رفع مهيار مشرط في وجه دانيار يقول بصوت متوعد :

” في انتظار ذلك اليوم الذي ستتسطح به أمامي وتكون تحت رحمتي ”

ابتسم له دانيار يقول بعناد :

” وقتها سأكون جثة، فأنا طالما هناك أنفاس بصدري لن أسمح لك بلمسي ”

امسك تميم مفرش السرير يضغط عليه بقوة صارخًا يتعب شديد ووجع كبير غير مصدقًا أنه الآن ينازع الموت في حين أنهما يجريان جدالًا :

” ياالله اقبض روحي وخلصني من كل ذلك .”

صرخ دانيار بجنون في مهيار :

” تحرك وخلص الرجل من وجعه مهيار قبل أن انتهي منك …”

___________

كانت ما تزال الساحة مشتعلة وقد بدأ آزار يزداد جنونًا مما حدث معه، نظر في أرجاء القاعة يأمر حنوده بالتحفز، ثم قال بجدية :

” إذن ملك إيفان إن كنت تعتقد الآن أنني سأجثو أسفل أقدامك أتوسل رحمتك، فأنت لا تعرفني جيدًا، إن أردت حربًا فالغد موعدنا ..”

قال إيفان بكل ذرة هدوء وتعقل يمتلكها :

” لا لا ملك آزار، أي حرب تلك استغفر الله، أنا فقط أخبرك أن التهديد والأسلحة لا تنفع في حوار معي ومع جنود، لذلك أن تأتي ومعك نصف جيشك ليس بالشيء الجيد، فإما أن تأتيني غدًا وحدك مع مستشاري مملكتك كرجل لا يهاب شيئًا، أو تأتي محتميًا خلف جيشك، مملكتي واسعة تستوعب كامل الجيش ”

هكذا كانت الأمور طوال الوقت، لا يُذكر أن هناك مواجهة انتهت بين آزار وإيفان على خير، ولو أن إيفان ترك تعقله القليل في جميع لقائاته مع آزار، لكانت الآن سفيد في حروب لا تنتهي مع آبى .

تنهد آزار بصوت مرتفع يطيل النظر في أعين إيفان بشكل حاد، قبل أن يهز رأسه ببساطة :

” لك هذا ”

وبهذه الكلمات ختم آزار حديثه وتحرك خارج القاعة دون كلمة واحدة وخلفه جميع جنوده الذين لحقوا به بسرعة وطاعة، والرجل الذي كان ما يزال جاثيًا ارضًا يرتجي منه رحمة، استغل كل ما حدث وركض بسرعة كبيرة خلف آزار.

كل ذلك وأعين إيفان مشتعلة، ينظر أمامه دون ردة فعل، ودون أي مقدمات ارتسمت بسمة جانبية على فمه، ينظر صوب سالار الذي كانت نفس البسمة تعلو وجهه لكن بشكل أكثر 

            الفصل التاسع من هنا 

تعليقات



×