رواية لعنتي جنون عشقك الفصل السادس والعشرون26 بقلم تميمة نبيل


 

رواية لعنتي جنون عشقك الفصل السادس والعشرون بقلم تميمة نبيل



كانت سما في الحديقة منحنية على ركبتيها تضع بذورا في حوض الورود الخاص بها ......كعادتها كل يوم بعد أن تخرج كلا من سابين وحلا الى العمل .........

تغمرها أشعة الشمس بدفئها وهي سارحة بخيالها مسافرة بقلبها عند فارسها .....الن يرتاح قلبها أبدا .الن يهدأ بالها .....الى متى ستظل قلقة عليه ......ترى هل يستطيع تدبير أموره بنفسه .....هل يتقبل المساعدة كما أخبرها , أم أنه عاد لعناده الأحمق و رفض الجميع .....منذ أن هاتفته آخر مرة , لم تسمع صوته مجددا .....انتظرت منه أن يطمئنها على نفسها .....الا أنه كالعادة لم يبالي وتركها تستجدي أخباره خلسة من كل من حولها .........لكنها لم تستطع الحصول على معلومة ...... أي معلومة تريح قلبها الملهوف ..... الجميع يناورونها و يلتفون حول اسئلتها ........ ماذا به ..... هل حدث شيء والجميع يخفون عنها ..........

يالهي .......إنها تكاد تموت قلقا عليه .......منذ مدة .....منذ ما يقرب من الشهرين اتتها مكالمة من رقم غريب قرب وقت الفجر .....استيقظت على الفور من نومها القلق المحمل بأحلامٍ أسيرة فارسها ......فالتقطتت هاتفها لتجيب بلهفةٍ متمنية أن يكون هو من يهاتفها .....الا أن الصمت طال من الطرف الآخر فلم تستطع منع نفسها من الهمس بلهفة 

( فارس ؟.......أهذا أنت ؟........)

لم يأتيها أي جواب , فقط سماع صوتِ أنفاسٍ كادت تجزم أنها أنفاس حبيبها ......لكن لو كان هو لماذا يهاتفها في هذا الوقت من رقمٍ غريب .......ودون حتى أن يسمعها صوته ......تعرف أنه خطأ كبيرا أن تتمادى في مكالمتها مع مجهولٍ قد يكون مجرد أحمق لكنها لم تستطع منع نفسها من الهمس باستجداء 

( فارس .....أهذا أنت؟......أرجوك أجبني حبيبي ........)

تعالت أنفاسه المتحشرجة ......وسمعت تنهيدة حارة ثم أغلق الخط بعدها .....إنه هو , هي متأكدة أنه هو ......ماذا أراد , ولماذا لم يسمعها صوته ......إنه ليس بخير , وهي تدرك هذا ........حاولت مكالمته مرارا بعدها الا أنه لم يجبها أبدا وحتى هذه اللحظة .......

أين أنت .....فقط اشفق على حالي واسمعني صوتك يا من قلبك في قساوة الحجر 

( ياسميناااا...........)

توقفت أصابعها تماما و توقف قلبها عن خفقاته حين سمعت تلك الهمسة المختنقة المتحشرجة من خلفها ......هل هي تحلم ....هل وصل هوسها الى هذه الدرجة .......

التفتت ببطء وهي ترفع يدها لتداري أشعة الشمس لتتمكن من رؤية صاحب ذلك الظل العملاق .........لم ترى ملامحه , لكنها عرفت ظله ......شموخه وصلابته .......وقفته الشرسة .....انقباضة كفيه ........

قامت ببطءٍ وهي تنظر بذهول الى حبيبها .....فارسها .....يقف أمامها بنظارته الداكنة و عصاه الرفيعة ............

همست بذهول همسة محتنقة لم تكد تسمع لكنها وصلت الى اذنيه ( فارس .......)

وقفت أمامه صامتة تماما ...بينما قبلها يصرخ ضاربا صدرها مهددا بقتلها في اية لحظة .......تنهدت أخيرا وهي تميل براسها لتتشرب من ملاحه الحبيبة ......إنه هنا ......يقف أمامها بوجهٍ لم تتبين تعابيره

الظالم القاسي هنا ......يقف أمامها بخيرٍ تماما بعد أن أهلكها قلقا الفترة الماضية .....لكن الغضب لم يعرف طريقا الى قلبها ......يكفيها إنه هنا من جديد .....

اقتربت منه ببطءٍ قاطعة تلك الخطوات القليلة التى تفصل بينهما الى أن وقفت على بعدِ خطوة واحدة منه ....لم ينطق أيا منهما لفترةٍ طويلة ..... طويلة جدا .......كان كلا منهما ينظر للآخر يريد أن يتأكد ان نصفه الآخر أمامه .......

كانت ملامح فارس متصلبه للغاية وانفراجة خفيفة تباعد بين شفتيه لتستطيع سحبه لأنفاسه بصعوبة ..... ماذا به ؟....هل هو مريض ؟....إنه شاحبا بالفعل .....صدره يعلو ويهبط بسرعةٍ غريبة ......

مدت أصبعها الرقيق لتقترب به من وجهه .... وتتتبع تفاصيل ملامحه ...لكن دون أن تلمسه ....فقط يبعد إصبعها عن وجهه مسافة لا تكاد ترى .....أخذت تحرك اصبعها وكأنها ترسم على الهواء الملامس لملامح وجه فارسها ..جبهته ...وجنتيه ...انفه .....فكه ......شفتيه ......آآهٍ من شفتيه ....إجتاحتها ذكرى امتلاكهما لشفتيها في أيامٍ ظنت فيها أنها لامست النجوم بيدها .....

ظل إصبعها يمر دون وعيا منها على الهواء الملامس لشفتيه ....مرة بعد مرة .... ترسمهما على الهواء ........بينما اغروقت عينيها بالدموع في لحظةٍ واحدة...........ثم انسابت في انهارٍ صغيرةٍ صامتة على وجنتيها ..........

تنظر اليه وهي تنهل من حب كل تفصيلة من تفاصيل وجهه .... لم ينقصها سوى أن تزيل تلك النظارة القاتمة التى تحجب عينيه الحبيبتين عنها ....لكنها لا تريد المخاطرة بافساد تلك اللحظة .....تريد فقط أن تشبع من رؤيته قبل أن يبتعد من جديد .......عند هذه الفكرة شعرت بقلبها يكاد نفجر من شدة خوفه ....هل هذا هو سبب عودته ؟.....أن يحررها أخيرا ؟.......

لم تستطع منع نفسها من التاوه بنحيبٍ صامت هامسة ( فارس ........)

لم يتحرك من مكانه .... بدا وكانه تحول الى تمثالٍ من حجر .. لا يتحرك به سوى تصاعد صدره المتزايد ..... اكثر واكثر ........

فجاة استدار معطيا ظهره اليها وهو يرفع يدا بسرعة ليمسح شيئا من على وجنته لم تتبينه .........ثم وجنته الأخرى .........

ماذا به ؟....إنه ليس بخير حقا ......حبيبها المسكين يتألم .......مسحت دموعها ثم التفتت حوله بسرعة لتقف أمامه وهي تمسك بكتفيه لتهمس بقلق 

( ماذا بك يا فارس ؟.................)

لم يرد للحظة وهو مطرقا برأسه ينازع أنفاسه ليسيطر على شيءٍ ما .........ثم رفع يديه ببطء تاركا عصاه الخفيفة تسقط أرضا ليضعهما فوق يديها الممسكتين بكتفيه ......نظارا اليها عبر نظارته السوداء فلم تتبين ما به من الحاجز الذى يغطي عينيه ....

قبض على كفيها الصغيرين لينزلهما عن كتفيه دون أن يتخلى عنهما ....فظلا واقفين ممسكين بيدي بعضهما كطفلين ضائعين ......الى أن ترك فارس أحدى يديها ليرفع يده الى وجهها ....يتلمس كل جزءٍ منه كما اعتاد أن يراها دائما .......

أمال رأسه قليلا وهو لا يزال فاغرا شفتيه قليلا ...يراها باصابعه وكأنه فنان يريد أن يصنع تمثالٍ رآه بقلبه قبل عينيه ......

مد إصبعا واحدا ليلف خصلة ناعمة على إصبعه أكثر من مرة .....ليتركها بعد ذلك تنزلق ثم يعود ليلفها مرة أخرى الى أن همس باختناق 

( تكلمي مرة أخرى ياسمينا........أريد أن أتأكد أنها أنتِ )

اغمضت عينيها والدموع تجري اكثر و اكثر على وجنتيها لتتساقط على شفتيها المبتسمتين ابتسامة حزينة ....ثم همست باشتياق خائن 

( إنها أنا ............)

ظهر طيف ابتسامة على زاوية شفتيه تحاكي ابتسامتها حزنا وهو يستمر في لف خصلات شعرها حول اصبعه ثم تركها ....دون وعي منه تقريبا .......ثم همس بعد فترةٍ همسةٍ اكثر اختناقا 

( ليس قبل أن أتأكد بنفسي ......)

في حركةٍ واحدة اعتقل خصرها النحيل بين ذراعيه الحديدتين ليرفعها اليه حتى اصبح وجهها الدافىء في مواجة وجهه ثم هبط برأسه كالصقر مندفعا ليدفن وجهه في عنقها الناعم ....ليقبله مرة ثم يستنشق رائحتها مرة اخرى ......مرة بعد مرة ......بينما أغمضت عينيها وهي تتعلق بعنقه تتلاعب بخصلاتِ شعره التى اشتاقت لأصاعبها المداعبة الحانية .......أخذ الدوار يحيط بها من شدة قربه و عصفِ مشاعره التى كان يبثها بالقرب من اذنها .... أنفاسه الدافئة تهدر في أمواجٍ موسيقية داخل أذنها .......

ثم همس بتحشرج ( أين عطرك ياسمينا ؟.........)

سحبت أنفاسها بجهدٍ وهي تتعلق اكثر بعنقه خوفا من أن يختفي من جديد ...... ثم حاولت النطق بصعوبة الى أن همست بصوتٍ مرتعش باكٍ 

( لم أضعه منذ أن رحلت .........)

رفع رأسه لينظر اليها عبر نظارته الداكنة طويلا و صدره يتنفس بصعوبةٍ لاهثا ...ضاربا قلبها بشدة .....الى أن قال أخيرا بصوتٍ اجش ( لم يعد مهما بعد الآن .........)

فتحت عينيها المبللتين لتنظر اليه بخوف ....لم يعد مهما بعد الآن ؟.......ماذا تبقى بينهما اذن .........ماذا تبقى له من ياسمينا ......لا شيء ....ببساطةٍ لا شيء يذكر ..........

ازداد انهمار دموعها الصامتة وهي تنظر بعجزٍ الى عينيه المظلمتين ...تريد أن تنزع تلك النظارة اللعينة .....أومأت برأسها بصمت ....ثم همست أخيرا همسة منتحبة ....قد تمزق قلب أي انسانٍ يمتلك ذرة من الاحساس 

(نعم .......نعم ...عرفت أنه لم يعد ........)

لم يدعها لتكمل عبارتها ......وهو يلتهم كلمتها الاخيرة بين شفتيه وهو يهاجم بهما شفتيها المرتعشتين من البكاء .....استمر هجومه الناري طويلا وهي بالمقابل لم تستطع سوى أن تستجيب له بجنون ِ شوق الليالي الطويلة التى كانت فيها وحيدة بعيدة عن حضنه الدافىء الذى لم تغرق فيه منذ فترةٍ طويلة ........

كان يتوقف فقط ليلتقط انفاسه هامسا بخشونة ( جميلة ......جميلة ) ثم يعاود هجومه الشرس وهو يدور بها وهي متعلقة به ...تطير فوق السحاب .... تلامس النجوم ......لقد عاد ......لقد عاد فارسها .....

حين تركها اخيرا كان كلا منهما ينظر الى الآخر لاهثا من تلك العاصفةِ التى أطاحت بهما منذ لحظات .....الى أن استطاع فارس النطق أخيرا بصوتٍ أجشٍ لاهث وهو يمسك بوجهها بين كفيه 

(ما أجملك ......يالهي ما أجملك )

ابتسمت بانبهار من تلك المشاعر المجنونة المرتسمة على وجهه .... لقد علق على جمالها كثيرا من قبل ... الا إنه لم يكن بمثل هذا الشوق والجنون قبلا .... لم تره بمثل هذه المشاعر الهوجاء حتى في أشد لحظاتهما العاطفية معا .......هل اشتاق اليها بالفعل الى هذه الدرجة ؟......

اتسعت ابتسامتها اكثر و الدموع تابى ان تنضب ..... فمد يده ليمسح تلك الانهار الصغيرة برفق من احدى وجنتيها ..ثم الاخرى ..ثم همس بعذاب 

( لا تبكي ......لا أريد رؤية دموعك أبدا )

ضحكت قليلا من بين بكائها وهي تومىء برأسها علامة الموافقة ....دائما ما تجيبه بالإشارة ....بعد أربعة سنوات لازالت تفعل ذلك ....

أخرجها من شرودها وهو يهمس بابتسامة ٍحانية ..مربتا على وجنتها 

( احسنت ..........)

رفعت عينيها اليه لتسأله كيف رأى موافقتها الا إن ابتسامته المذهلة أوقفت الكلمات و منعتها من الخروج ....ما أجمل ابتسامته , إنها ابتسامة لم ترها من قبل .....ابتسامة من كان يلهث خلف شيئا ما الى أن وجده أخيرا .....

أفاقت فجأة من شرودها المجنون بطيف ابتسامته لتنظر حولها ثم عادت لتنظر اليه بحيرة وهي تهمس 

( فارس .... كيف وصلت الى هنا ؟)

ابتسم اكثر وفتح شفتيه ليجيبها ...الا إنه عاد ليغلقهما وكانه تمهل قليلا ثم قال أخيرا 

( لقد أقلني ادهم اليكِ ........)

اليكِ ......ما أروع تلك الكلمة البسيطة ....همست مرة أخرى 

( لماذا عدت الى هنا .....ظننت ....ظننت أننا ........)

جذبها مرة أخرى الى أحضانه وهو يسند جبهته على جبهتها هامسا ( ششششششش..........هيا استعدي لنذهب الى بيتنا )

انتفض قلبها مراتٍ ومرات قبل أن تهمس بلهفة ( بيتنا !!..........)

ابتسم وهو ينظر الى صدمتها ثم همس ( نعم بيتك يا حرمي المصون ......يبدو أنكِ اعتدت على الحرية بدون زوجك )

ظلت تنظر اليه فاغرة فمها وهي تشعر فجأة بعدم قدرتها على فهم اي شيء ........همست 

( لا أفهم ......لا أفهم )

رفعها بين ذراعيه مرة اخرى وهو يقبلها بقوةٍ عجزت معها عن التنفس ........الى أن شعرت بنفسها تترنح بين ذراعيه حتى كادت أن تسقط فتشبثت بكتفيه وهي تشعر به يكاد يسقط .....فصرخت بخوف 

( فارس .......ماذا بك ؟؟؟)

أنزلها أرضا وهو يتمسك بخصرها بشدة يكاد أن يسقطها بثقله الذى ارتمى عليها ......صرخت سما مرة أخرى وهي تبكي بلوعة 

( فارس ....أرجوك أجبني , ما بك ؟؟)

ظل يتنفس بصعوبة لعدة لحظات ثم همس بإجهاد 

( أنا بخير ......لا تقلقي , لم يكن من المفترض أن أقف طويلا تحت أشعة الشمس )

همست سما بخوف ( لماذا ؟.......)

صمت قليلا مترددا ثم انحنى ليقبل وجنتها وهو يهمس ( الحرارة .....الحرارة انهكتني بعد ساعات السفر .....ثم حرارتك )

احمر وجهها بشدة وهي تضربه في كتفه لارعابها بهذا الشكل ...الا إنها لم تصدق كلماته . إنه يبدو متعبا للغاية .....همست أخيرا وهي تحيط خصره بذراعيها و تتحمل وزنه 

( هيا لنصعد .......يجب أن ترتاح قليلا )

أوقفها وهو يمسك بذقنها ليرفع وجهها اليه قائلا بخفوت ( قوديني الى بيتنا ياسمينا .....لن أرتاح في مكانٍ آخر )

ظلت تنظر اليه تحاول أن تستشف ما به .....ثم همست أخيرا 

( اصعد معي ........دقائق و سأكون جاهزة )

ابتسم برفق وهو لا يحيد بنظره عنها أبدا .....لم يتحرك حتى وكأنه يخشى أن يفقد لحظة من النظر اليها .....الى أن أومأ برأسه وهو غير قادر على النطق ...

دخل معها الى المنزل ببطء وهو لايزال مستندا عليها وعند بداية السلم توقفت ونظرت اليه قائلة 

( هل تنتظرني هنا ......حتى لا تضطر لصعود السلم )

تشبث بها دون وعي منه وكأنه طفل على وشك ان تبتعد أمه عنه .....ثم قال بخشونة 

( سألازمك كظلك .........)

ضحكت برقةٍ وهي تشعر بقلبها الذى كان يحتضر هذا الصباح ...قد انتعش الآن وتوهج بحرارة ِ شمسٍ ذهبية تجري في عروقها ..ثم ساندته مرة اخرى ليصعدا السلم درجة درجة .......بدا أن السلم بالنسبة لكليهما كرحلةٍ ناعمةٍ تلك التى كانا يقومانِ بها على شاطىء البحر كل يوم .....كانت تائهة في شرودها وذكرياتها العذبة بينما هو يميل عليها كل لحظةٍ يكاد ان يسقطها بوزنه وهو يقبل عنقها مرة و وجنتها مرة .......الى أن وصلا الى غرفتها , فساعدته ليجلس على حافة الفراش ثم اتجهت الى حمام وعادت بعد لحظاتٍ وهي تمسك بمنشفةٍ مبللةٍ بماءٍ بارد ......انحنت لتجلس القرفصاء امام ركبتيه و رفعت يدها بالمنشفة لتمسح وجهه وعنقه بها .......بينما كان هو متشبثا بحافة الفراش بقبضتين من حديد وانفاسه تتهدج فوق وجهها الأحمر .....

مدت يدها لتلتقط نظارته الداكنة تنوي ابعادها عن عينيه لتمسحهما بالمنشفه الا انه امسك بيدها بقبضةٍ وقوية قبل أن تتمكن من ذلك ليمنعها .... نظرت اليه بدهشة وهي تهمس 

( دعني أنزعها لامسح لك وجهك .........)

ابتلع ريقه وظل ممسكا بكفها بين اصابعه بقوة ومد يده الاخرى ليعاود تلمس ملامحها برقة .......ثم همس 

( لا أريد أن أنزعها الآن .... لقد تغير شكل عيني من العلاج المكثف , لا أريدك أن تريها الآن )

عبست بشدة من كلامه السخيف فقالت 

(ما هذا الكلام الطفولي .....دعني أرى عينيك لاعرف ماذا اصابهما )

حاولت نزع النظارة مرة اخرى الا انه عاد ليمسك بيدها اسرع واقوى من المرة الاولى ثم رفعها الى فمه ليقبل باطن كفها بطريقةٍ غريبة لم ترها منه من قبل ..... كان كمن يلتمس الدعم منها فهمست

( لن يضايقني أبدا منظر عينيك يا فارس .......أبدا .......ضع هذا في تفكيرك دائما )

شعرت بتأوهٍ مكتوم في باطن كفها فرفعت يدها الاخرى لتتخلل خصلاتِ شعره بأصابعها ........الى أن همس باختناق 

( هيا يا سما ....دعينا نذهب الى بيتنا حبيبتي )

حبيبتي ......حبيبتي .....مستعدة لان تموت وهي مبتسمة الان لمجرد سماعها تلك الكلمة منه .......لكنها استطاعت تجميع البقية الباقية من سيطرتها على نفسها ثم نهضت لتقول برقة 

( سأعد نفسي ..........)

التقطتت حقيبة صغيرة و أخذت ترتب بها بعض الاشياء القليلة الضرورية ....الى متى سيبقيها بجانبه هذه المرة ؟......هي لا تعلم حقا .....لكنها لن تهتم , ستبقى بجواره طالما هو يحتاجها ......لن تعطل حياتها من أجله بعد الآن .... ستتابع ما بدأته لكنها أيضا ستبقى بجواره دائما ما أن يطلب ..... هذا هو ما سيكون الوضع .......وهي سعيدة به ....او على الأقل لا تملك غيره ........

بعد أن أغلقت حقيبتها أخرجت ملابس بسيطة لترتديها عوضا عن تلك البدلة الرياضية الوردية الطفولية التى ترتديها ......ثم فكت سحابها لتنزع عنها سترة تلك البدلة ......ظنت إنها سمعت شهقة مكتومة فنظرت بسرعة الى فارس الذى كان ينظر اليها هو الآخر ..... محددا مكانها من وقع خطواتها ........

أكملت خلع ملابسها ..........ثم أخذت تتعثر وهي تحاول ارتداء بنطالها الجينز كعادتها دائما اثناء ارتدائه ......واثناء دورانها كانت تراقب فارس الذى نهض من مكانه ليقف متابعا ما تفعله ومعالم الوجوم ترتسم على وجهه فاغرا شفتيه قليلا وهو يديره ملاحقا إياها في كل حركةٍ في انحاء الغرفة ......فقط لو يتوقف عن النظر اليها بهذه الطريقة .....لم تستطع منع ابتسامة خجولة من الظهور على شفتيها وهي ترتدي قميصها الابيض النظيف ......ثم قالت وهي تغلق ازراره .....

(أين حقائبك ؟.........)

لم تسمع منه جوابا وهو لايزال مسمرا بمكانه فأعادت مرة اخرى ( أين حقائبك ؟..........فارس هل سمعتني ؟)

رفع رأسه لينظر الى وجهها وقد ارتفع حاجباه من خلف نظارته وهو يهمس بغباء ؛( ماذا ؟............)

عبست وهي تهز رأسها بياس ....ثم قالت ( حقائبك .......أين هي ؟)

سعل قليلا ليجلي حنجرته ثم قال بخفوت ( سيأخذها ادهم الى البيت ........بعد أن أحضرني الى هنا ....)

عبست مرة اخرى ثم همست ( مدلل ........)

مرت لتلتقط حقيبتها الا إنه اعتقل خصرها بين ذراعيه ليرفعها عن الأرض وهو يقول بغضب ( ماذا قلتِ ؟.........)

ابتسمت لعينيه المخبأتين ثم ضحكت قائلة ( لم أقل شيئا ........أنزلني )

ابتسم هو الآخر وقال ( ليس قبل أن تعتذري ..........)

تظاهرت بالتفكير قليلا ثم همست بوداعة ( اعتذر .........)

اتسعت ابتسامته ثم اخفض رأسه ليقبل وجنتها ليهمس بعدها ( فتاة طيبة ...........) ثم أنزلها أرضا 

ابتعدت عنه عدة خطوات ثم قالت بمرح ( هيا بنا أيها المدلل ..........)

هجم نحوها مباشرة فصرخت بالرغم من انها تعرف انها ستنجح في الهرب منه ....الا أنها لم تكمل في جريها نحو الباب سوى خطوتين لتشعر بنفسها تطير في دوامةٍ لتلقى بعدها على كتفه وهو يدور بها بسرعةٍ الى ان اخذت تصرخ شاهقة برعب وهى تغمض عينيها بشدة 

( أنا اسفة ......أنا اسفة ......انزلني )

توقف بعد فترةٍ وهو ينزلها ارضا دون ان يتركها بينما يلهث ضاحكا .....رفعت رأسها اليه غاضبة ثم اخذت تضرب صدره بقبضتيها .....كيف نما مهاراته لهذه الدرجة .......هل كان يلعب مع الممرضات الاجنبيات ........ارتسمت في ذهنها صورا مجنونة فعادت لتضربه بقوة اكبر بينما ضحكه يزيد اكثر .........الى ان ضمها بين ذراعيه بقوةٍ وهو ينهي ضحكه بتنهيدةٍ كبيرة مستندا بذقنه فوق رأسها .......بينما تعلقت هي بخصره بشدةٍ وهي تغمض عينيها مستمتعة بهذا الحلم الرائع ......

رفع ذقنها اليه ليقول بعد فترةٍ بصوتٍ عميق (هيا بنا صغيرتي .........)

صغيرتي ؟!!!......انه حقا يبدو مختلفا للغاية ......

اتجهت الى حقيبتها لتحملها الا انها فوجئت به يمسك بالحقيبة لياخذها منها وهو ينظر اليها مبتسما ...ممسكا بمرفقها وهو يهمس 

( فلتقوديني ياسمينا ..........)

كانت رحلة العودة طويلة جدا .....وكانت اعصاب سما على وشكِ الانفجار من الصمتِ الذى يسود سيارتها الصغيرة منذ ان بدا الرحلة ....انه صامتا بشكل مريب .... ملتفتا اليها بالكامل يراقب تحركات يديها ....هل تصدر صوتا ؟؟؟..... مالذى يثير اهتمامه الى هذا الحد ؟........حاولت مكالمته اكثر من مرةٍ لتسأله عن علاجه .....او عمله الذى تعرف انه بدا في متابعته من جديد .....الا انه كان يجيبها باقتضابٍ وكأنه لا يريد الكلام .....فقط يريد ان يستمع الى حركاتها البسيطة ..........

حين وصلا الى بيتهما اخيرا .....دخلت سما امامه لتتطلع حولها الى البيتِ الذى اعتبرته يوما بيتها ......ابتسمت بحزنٍ وهي تتنهد ....يالهي ...كم اشتاقت اليه ....

شعرت بيدي فارس على كتفيها وهو يديرها اليه ليقول بصوتٍ اجش ( لماذا هذه التنهيدة الحزينة ............)

مسحت دمعة خائنة سقطت على وجنتها لتقول بصوتٍ خافت وهي تطرق برأسها ( لقد اشتقت لبيتنا ....لهذا البيت )

عبس حين لاحظ محاولتها لتعديل الكلمة .....فقال بقسوة وصرامة ( بيتنا ......بيتنا يا سما )

رفعت عينيها الدامعتين اليه ثم همست بحزن

( لم أشعر به بيتي أبدا ...... كنت أخدع نفسي وأقنعها بأنه بيتي .....احببته .. احببته كثيرا لكنني ادرك الآن انه لم يكن يوما بيتي ..... ولن يكون .... سأظل دائما محطة استراحة في حياتك يا فارس ......لكن لا بأس في هذا , سأكون بجوارك دائما ما أن تحتاجني.......الى ان ....الى ان تقرر ......متى ستكون النهاية والى ان تاتي هذه النهاية ارى انه من العدل ان اخبرك منذ الان ان حياتي لن تتوقف عليك .....كما كنت دائما , اتمنى ان تتفهم ذلك .....)

ظل صامتا ينظر اليها من علوه ....انفاسه تتهدج بعذاب وهو يشدد من قبضتيه فوق كتفيها حتى كاد ان يحطمها ......عضت على شفتيها من الالم الا انها لم تصدر صوتا .......امسك فجاة بذقنها يرفع راسها بقسوة ٍ اليه وهو يصرخ غاضبا 

( اسمعيني جيدا .... هذا البيت هو بيتك الوحيد , لن يكون لكِ غيره ابدا ....... ولن يكون لكِ مفرا مني , فدعكِ من كل تلك السخافات التى ذكرتها الان .......لقد كان احساسك هذا من الماضي اما الان فقد تغير كل شيء ...... هل فهمتِ ؟.....)

ابتلعت ريقها وهي تستمع الى قسوته الغاضبة .....هل سيعود الى قسوته القديمة ؟.... هل يجب عليها الان ان تبتعد عن مرمى يديه ؟......وبالفعل حين ترك ذقنها ورفع يده مدت ذراعها بسرعةٍ دون تفكير امام وجهها اتقاءا ليده الطائشة التى عرفتها سابقا .......

تسمرت يده فوق اطار نظارته وارتفع حاجباه من خلفها وهو ينظر الى ذراعها المرفوعة امام وجهها .......قال بصدمةٍ ظاهرة في صوته بوضوح 

( لماذا أخفيتِ وجهك ؟........)

انزلت ذراعها ببطء وهي تنظر اليه بتوجس لكن مع بعض الراحة ....ثم همست بحزن ( لطالما عانيت من يدك الطائشة حين تغضب )

فتح فمه بصدمة ... ثم عاد ليغلقه وهو يتنفس بصعوبة .....الى أن تمكن في النهاية من الهمس بخوف 

( لم أضربك يوما يا سما .........)

رفعت يدها لتمسك بيده الممسكة بكتفها ثم همست بندم ( لا .....لم تقصد أبدا , أنا أعرف ذلك ........)

ازداد ارتفاع حاجبيه وخرجت الأنفاس ساخنةٍ كاللهيب من شفتيه .....قال بتحشرج 

( سما أنا لم أضربكِ يوما ....... اليس كذلك ؟....)

انه يبدو كمن فقد ذاكرته تماما ...... عادت لتسأل نفسها مرة أخرى ...ماذا به ؟........همست تحاول الخروج به من هذا الموضوع المؤلم لكليهما 

(فارس .... أنا مدركة لأن غضبك في أغلب الأحيان لم يكن موجها ضدي , كنت تكسر الأشياء من حولك , تصرخ , تركل كل شيء .....)

استطاع أن يهمس مذهولا باختناق 

( وكنتِ أنتِ من الأشياء التى طالتها يدي اليس كذلك ؟..............)

ترك كتفها ليستدير مبتعدا عنها وهو يغرز أصابعه في خصلاتِ شعره بشدةٍ كادت أن تقتلعه من جذوره ..........التاع قلبها من رؤيته بهذا الشكل ....حبيبي ....حبيبي المسكين , الى متى ستظل معذبا ......

اقتربت منه بسرعة لتقف امامه ثم امسكت بوجهه بين كفيها لترفعه قليلا .....ثم همست برقة ودموعها تنهمر على وجنتيها 

( لا بأس .....صدقني لا بأس )

أمسك بوجهها هو الاخر بقوةٍ وهو ينظر اليه يكاد يلتهم كل جزء فيه ....ثم جذبها بقوة محيطا خصرها بذراعه بينما يده الاخرى انتزعت نظارته ليرميها على اقصى استطاعته لنهاية الغرفة ....لتعود الى شعرها جاذبا راسها اليه لييجتاحها بقبلةٍ عميقة اودعها كل عذاب وشغف السنين الطويلة التى جمعت بينهما .......قبل حتى أن تنظر الى عينيه التى اشتاقت اليهما ......فارتفعت على أطراف أصابعها لتتعلق بعنقه وتودعه كل حنانها واشتياقها في هذه القبلة التى لم تشعر في حياتها بما هو اروع منها .....

رفع رأسه عنها بعد فترةٍ طويلة ليلتقط انفاسه......ثم نظر الى عمق عينيها ليقول بصوتٍ متأوه لاهث 

( لم أرى في حياتي من هي اجمل منكِ ........يالهي .... ما أنتِ حقا ؟.....حورية من القصص الخيالية أم جنيةٍ خياليها شاء الحظ أن يجعلها زوجتي ........)

رمشت بعينيها عدة مرات وهي تشعر بشيءٍ خاطىء..........عينيه ...لونهما متغير قليلا ..كما قال منظرهما اصبح غريب من العلاج الكثف ....لكن ليس هذا ما اثار حيرتها .. بل انها لم تهتم أبدا بذلك ........لكن هناك شيءٍ ما في نظراته .... نظراته التى ترصد كل حركةٍ من حدقتيها .... من لسانها الذى يمر بارتجاف على شفتيها .......عينيه .....يالهي ......عينيه .......انه ........

قفزت من بين ذراعيه لتبتعد عنه خطوة واحدة ثم رفعت يدها لتلوح بها امام وجهه ....فتبعتها حدقتيه اللامعتين بدموعٍ ابت كرامته أن تحررها.... وهو ينظر اليها مبتسما بحزنٍ ولوعة 

شهقت سما بشدة وهي تغطي فمها بيديها وعينيها تتسعان برعب .........ثم أخذت تبتعد الى الخلف بتعثر الى أن ارتطم ظهرها بجدار الغرفة ....... بينما هو يقترب منها بخفة النمر .......بعينين مفترستين ......

يالهي ...ما أجملها .... تخيلها كثيرا ...بعدد الليالي التى قضتها معه لاربع سنواتٍ كاملة .....لكنه أبدا لم يكن ليتخيلها بمثل هذه الروعة ......شعراشقر داكن يميل الى الذهب المختلط بالعسل ......تلتف خصلاته في موجاتٍ مجنونة حتى منتصف ظهرها ......بشرة ذهبية ليست شديدة البياض بل ذهبية مسمرة وكانها قضت اليوم كله على الشاطىء ..........ثم تأتي عيناها ........

عينانِ تناقضانِ سمارها الذهبي لتكونا في اللونِ السماءِ الصافية ......هل هذا هو سبب اسمها ؟...........

هل هذه هي سماؤه ؟...... هل هذه هي الطفلة التى سافرت معه منذ اربعةِ سنوات ؟.......هل هذه هي من تملك صفاتٍ قريبة للملاك .....هل هي الياسمينا التى لم يرها الا من خلالِ عطرها .........هل هي النسمة الوحيدة التى عطرت حياته .......هل هذه هي ؟......

لم يكن ليصل خياله الى روعتها .......ليس لانه لم يرى من هي أجمل منها ..........لقد رأى الكثير من الجميلات في حياته وبعضهن كن أجمل منها ربما .........لكن فيها شيئا ما .....سحرا طفوليا غريبا .... يعتقد أنه سيظل يلازمها مهما طال بها العمر .......

ظل يقترب منها وهو يبتسم بشراسةٍ عابثة .....صرخت سما بشدة وهي متسعة العينين بذعر 

( لا تقترب .........)

توقف فارس مكانه وهو ينظر اليها عابسا بحيرة .......بينما لايزال مبتسما ثم قال برقة وهو يقترب منها خطوة اخرى 

( اهدىء سما .....إنه أنا )

كان صدرها يرتفع وينخفض بشدة وهي تلهث من هولِ ما تراه الا انها تمكنت من التقاط تمثالٍ خزفي موضوع على الطاولة بجوارها ورفعته عاليا وهي تعاود الصراخ مرة أخرى 

( لا تقترب مني .......)

ضحك فارس وهو لا يزال عاقدا حاجبيه ثم يده الى ذراعها ليحاول جذبها اليه ليهدئها الا إنها فرت من بين ذراعيه باعجوبة وكان الطريق الاقصر بالنسبةِ لها هو طريق غرفتهما فجرت اليها بسرعةٍ مذهلة قبل أن يستطيع فارس استيعاب ما يحدث 

أغلقت سما الباب خلفها بالمفتاح وهي تلهث بعنف ثم استندت بظهرها الى الباب بينما كان هو خلفها بخطوةٍ واحدة لم يستطع فيها اللحاق بها قبل ان تغلق الباب .....طرق الباب برفق حتى لا يرعبها اكثر وهو يهمس ( ياسمينا ....افتحي الباب , لا تخافي )

لم يسمع ردا أبدا .....عاد ليطرق الباب برفق ....ثم قال بعد فترة بصوتٍ خافت مستعطف 

(حسنا يا سما .....لا تفتحي الباب الآن , لكن هل لي أن أطلب منكِ طلب ؟........ اجلسي عند الباب )

لم يصله الا الصمت الكئيب ......لكن بعد فترة سمع صوتا ناعما يجري على الباب من الجهة الأخرى .........

انزلقت سما ببطءعلى سطح الباب المغلق بينهما الى ان جلست على الأرض وهي تحتضن التمثال الخزفي بين ذراعيها بشدة وهي ترتجف بقوة ......

استند فارس بظهره على الباب ثم على الأرض هو الاخر في الجهة المقابلة ......أخذ نفسا عميقا وهو يحاول تهدئة قلبه المرتجف ....لا يصدق انه يحبس ياسمينته بالداخل .....لكم يتمنى ان يظل مغلقا عليها هذا الباب طوال العمر حتى لا تطير منه مع نسائم الهواء التى قد تخطفها بعيدا .......استطاع ان يقول اخيرا بصوتٍ اجش 

؛( لقد اشتقت اليكِ حبيبتي ........كانت فترة طويلة مدمرة بكل المقاييس تلك التى عشتها بعيدا عنكِ .......)

أرجعت سما راسها الى الخلف لتستند على الباب مغلقة عينيها على الدموع الحبيسة وهى تستمع الى صوته الاجش ......بينما تابع فارس 

(لم أخبرك بنيتي في خوض الجراحة الأخيرة ......لاننى لم أكن لأتحمل فشلا جديدا أمامك يا صغيرتي , لم يكن هناك ما هو أشد استحالة عندي من خوض ذلك الألم مرة أخرى .......لكنى فعلتها من أجلك .......حين قررت أنكِ تستحقين الافضل )

أخذ جسد سما يرتعش بشدةٍ وبدرجةٍ مرعبة حتى باتت غير قادرة على السيطرة على شهقاتها المصدومة .......إنه يراها .... إنه يراها .....لم تكن يوما على هذه الدرجة من القرب برجلٍ مبصر ......لقد خاضت معه كل مراحل علاجه وابتهلت كثيرا من أجل نجاحه .....الا ان الواقع كان شيئا آخر .......هناك رجلا غريبا مبصرا يجلس عند الطرف الآخر من الباب .......رجلا استطاع رؤيتها حين عانقها .....رفعت يديها الى وجنتيها الساخنتين وهي تشهق بصمت ......رجلا غريبا يبثها الان كلماتٍ مغلفةٍ بمشاعر لم تسمعها في صوته من قبل ........

تكلم فارس مرة اخرى بصوتٍ مخنوق 

( هل تستطيعين تخيل أن أكون منتظرا نتيجة أن تعودي الي من جديد......أم أن أكون مضطرا لتحريرك من تلك الصفقة القذرة بأكملها )

تابع بعد فترةٍ اخرى من الصمت 

( هل قلت لكِ من قبل ........كم أحبك .....كم أحببتك وكم سأحبك ابدا .......لم أكن أتصور أن أحتاج الى بصري لاستطيع نطقها )

افلتت منها شهقة عالية من البكاء لم تستطع السيطرة عليها ......عندها التفت فارس ليطرق الباب وهو يقول مستجديا 

( افتحي يا سما ...... افتحي أرجوكِ , أريد أن أضمك بين ذراعي )

كانت سما تهز رأسها بالنفي وهي تشهق باكية بحرارة ...... كيف استطاع ...... كيف استطاع أن يجري الجراحة وحده ....دون حتى أن يعلمها ..... ماذا لو .......ازداد نحيبها وهي تغمض عينيها بشدة ......لم تدرك لفترة ما قاله للتو من شدة هلعها من فكرة خوضه للجراحة ......ماذا قال ؟..... هل قال انه يحبها ؟.........هل قال هذا أم أنها أحلامها المثيرة للشفقة كالمعتاد .........

إنها تشعر بأنها على وشكِ الانهيار تماما .......فارس هنا ..... فارس خاض جراحة غير مضمونة بمفرده ...فارس يرى ......فارس يحبها !!!!!!.......

يالهي إنها على وشكِ الاغماء .....ماذا تفعل الآن .......كيف تتصرف مع هذا الكائن الملقى بالخارج والذى يبدو على وشكِ الهجوم عليها والتهامها ........انها تحتاج الى سابين ...... لكن كيف ستأتي اليها الان على وجه السرعة ؟.........حلا ..... ليس هناك سوى حلا ..... صحيح أنها تفوقها سذاجة لكن ليس هناك أحدا غيرها .........

التفتت قليلا الى الباب ثم قالت بضع كلمات لم يظهر منها حرفا واحدا معمولا به في اللغةِ العربية .......فقال فارس بصوتٍ مرتفع 

( ماذا ؟؟..... لم أفهم شيئا ياسمينا ...تحدثي بشيءٍ أستطيع فهمه )

حاولت مرة اخرى وهي تحاول ان تتكلم بلغةٍ مفهومة فقالت بتحشرج عالٍ من بين بكائها ( أريد حلا ..........)

قطب جبينه وهو يسمع طلبها الساذج ....ثم حاول ان يثنيها عن طلبها قائلا بتملق 

( سما .......افتحي الباب حبيبتي وسنتكلم فقط أنا وأنتِ )

صرخت بشدة وغضب ( أريد حلاااا ..........)

صمت فارس تماما ثم قام من مكانه ليكلم حلا وهو يتميز غيظا ..... لم تكن تلك الصورة التى رسمها للقائهما .......أن تكون حلا معهما !!!!!!!..................



بعد فترةٍ قصيرة كانت حلا تدق جرس الباب ليفتح لها فارس بعد أن أوصلها ادهم وألحت عليه الا يدخل معها حتى لا يحرج سما بوجوده في هذا الموقف ......دخلت حلا ببطء وهي تنظر برهبة الى فارس ...... إنه يبدو مختلفا تماما وهو ينظر الى عيني من يحدثه .....

إن سما محقة في أن ينتابها التوتر ....لقد أخافوها بما خططوا له .... فقد كان ادهم يعرف بجراحة فارس حتى أنه سافر وقتها ليحضرها الا انه تكتم الأمر حتى عنها هي حتى لا تبوح بأي شيءٍ لسما .... خوفا من فشل الجراحة ........

قالت حلا برقةٍ وهي تنظر بخجل الى فارس ( مبارك لك يا فارس ............)

نظر اليها فارس مبتسما وقد أطل حنانا جديدا من عينيه ثم قال بمرح

( اذن أنتِ حلا .......الآن فهمت ما أصاب ادهم من سنين طويلة ,أنتِ جميلة للغاية )

احمر وجه حلا بشدةٍ ثم ابتسمت بحرج وهي تهمس ( شكرا ........)

تردد فارس قليلا ثم قال بخفوت ( كيف حالك الآن ؟............)

ابتسمت حلا ورفعت اليه عينين ودودتين لتقول برقة ( أنا بأحسن حال ....... اشكرك )

قال فارس بعد فترةٍ صمت حرجة بينهما ( لقد حاولت مساعدتك صدقيني لكن ............)

قاطعته حلا برقةٍ وابتسامةٍ حزينة بينما قلبها ينزف من جرحٍ كان قد شارف على الشفاء ( نعم ....... أعرف , لقد أحكموا الحصار من حولي )

عبس فارس وهو يتطلع الى ملامحها الحزينة ثم قال بخفوت (منذ سنين وأنا أشعر بأنني تسرعت في تصديقهم ..........)

ابتسمت حلا مرة اخرى ونظرت اليه بعينين دامعتين ( لا عليك ....... لا مهرب من القدر , مهما كنت ستحاول ........)

ابتسم فارس بحزن وقال ( هل أنتِ بخيرٍ الآن ؟.............)

أمومأت حلا برأسها مبتسمة وهي تمسح دمعة ٍ وحيدة سقطت على وجنتها ......ثم تظاهرت بالمرح وقالت 

(اذن أين هي تلك الجبانة ............)

ضحك فارس برقة وهو يشير الى الغرفة الاولى المجاورة عند أول الممر .......فاتجهت حلا الى باب الغرفة وطرقته برفق وهي تقول 

( سما .......إنها أنا حلا ...افتحي الباب )

مرت عدة لحظات قبل ان تفتح سما الباب بحذر ثم تمد يدها لتسحب حلا الى الداخل ثم تغلق الباب لكن ليس قبل أن ترمق فارس بنظرةٍ شرسة .....و الذى كان واقفا يحاول ان ينظر بلهفةٍ من شق الباب ......

ما أن دخلت حلا الى الغرفة واغلقت الباب حتى تعلقت سما في عنقها وهي تبكي بصوتٍ مرتفع .......ضمتها حلا اليها بشدةٍ وهي تهمس برفق 

( هششششش ......اهدئى , أعرف أنه كان أمرا صعبا عليكِ )

رفعت سما وجهها الذى كاد ان ينفجر من احمراره وتورمه ثم قالت شاهقة ( هل كنتم تعرفون ؟.......جميعكم تعرفون واخفيتم عني )

قالت حلا وهي تهدئها (لم نكن نعرف صدقيني ........لقد علمت الآن أن ادهم هو الوحيد الذى كان يعرف وقد كانت سفرته القصيرة منذ شهرين ليحضر الجراحة )

صرخت سما ( كيف استطاع ادهم أن يفعل ذلك بي .......كيف ؟؟....كيف منعني من أن أكون بجواره )

ربتت حلا على وجنتها لتقول برقة ( كانت هذه هي رغبة فارس يا سما .............)

اغمضت سما عينيها لتقول باكية ( يا الهي .....حين أفكر أنه كان من الممكن .....أن يحدث أي شيء )

عادت حلا لتقول برفق (هشششش ..... إنه بخير , ويقف بالخارج مثل الحائط المنيع )

ابتعلت سما ريقها واهتزت حدقتاها ثم قالت وهي تمسك بكف حلا ( حسنا ..... لا مجال للكلام هنا , هيا بنا لنذهب )

ارتفع حاجبا حلا بدهشةٍ وهي تقول بحذر ( نذهب الى أين تحديدا ؟.....................)

قالت سما بحدة ( الى بيتنا .......أنا لن أبقى هنا بمفردي مع هذا الكائن الموجود بالخارج للحظةٍ واحدة )

عبست حلا وهي تضع اصبعها على فمها لتهمس ( هششششش ..... اخفضي صوتك , سيسمعك ........ماذا سيقول عنا ....زوجناه لحمقاء ؟؟)

صرخت سما بهلع ( أنا لن أستطيع أن أبقى هنا بمفردي ...... مستحيل , أنتِ لا تفهمين .....)

سحبتها حلا من ذراعيها لتجلسها على الفراش وجلست بجوارها لتقول بصرامة ( ما الذى لا افهمه ...... انه فارس ...زوجك منذ اربعة سنوات )

ابتلعت سما ريقها وهي تقول بتلعثم ( انتِ لا تفهمين ..... لم اكن يوما بمثل هذا القرب من رجلٍ يراني ..... لم اعرف غيره من الرجال اصلا .....الان .... نظرته ......لا ....... لن استطيع ...... اشعر به غريب عني تماما , ليس فارس الذى اعتاد ان يحتاجني بكل تفاصيل حياته ......ماذا سيبقيه بجواري الان .......)

اخذت حلا تستمع الى هذيانها و تناقض عباراتها ...... انها تشعر به شخصا غريبا وفي نفس الوقت تتسائل ما الذى سيبقيه متمسكا بها الان بعد ان زال احتياجه لها .......آآآه يا سما الصغيرة كم كانت حياتك قاسية مشتتة .......

قالت سما اخيرا ودموعها تنساب على وجنتيها ( انتِ لا تفهمين كلمة واحدة مما اقول ......... اليس كذلك ؟)

ابتسمت حلا وشردت عيناها بعيدا وهي تهمس ( بل أفهمك تماما .........)

قفزت الى ذهنها صورا من ليلة زفافها .......زفافها لادهم .......حين وقفت امام المرآة لتنظر الى صورة الجارية التى باعت نفسها للمرةِ الثانية ......ولمن ؟...... للشخص الذى شهد حياتها منذ بدايتها ........ أذلت نفسها ولجأت اليه بالطريقة الوحيدة التى تعرفها بنات ايثار الراشد .........

تذكرت حين دخل الوحش الى غرفتها ينظر اليها بقسوة الايام التى ابتعدتها عن حمايته .........ابتسمت حين تذكرت حماقتها وهي تساله بغرور عن سبب دخوله الى غرفتها .........

اتسعت ابتسامتها وهي تتذكر ذلك المفترس وهو يؤكد لها انها اصبحت زوجته وان لا شيء سيمنعه عنها .........حينها سقط قلبها بين قدميها ....... وطافت عبارة واحدة في عقلها ......... مالذى فعلته ؟!!... لقد تزوجت اخي ......أخي القاسي المتسلط الذى عرفته لاكثر من عشرين عام ......لن يصبح أخاها بعد الآن وسيصبح صورة طبق الأصل للشاري الأول ...... طلال .......

رمت تلك الذكرى البائسة لتنظر الى سما من جديد لتهمس مبتسمة ( أفهمك تماما ....... لم اتصور للحظة واحدة انى سأكون زوجة ادهم ......بعد كل ما مررت به .....ادهم مهران لا غيره )

ثم تابعت وقد شعرت بسما تهدا قليلا ( ادرك تماما ان الوضع جديدا عليكِ ..... لكنك اغفلتِ شيئا مهما , اغفلتِ أن تذكري سعادتك باستعادة بصره ..... هل أنتِ سعيدة أم أن هذا ما لم تكوني لتتخيليه بالرغم من خوضك الطويل للعلاج معه ........كنت بجواره دائما في مشوار العلاج لكن بداخلك لم تتمني أن يستعيد بصره حقا ......)

اتسعت عينا سما بذعر وهتفت ( مالذى تقولينه ؟....... لم أتمنى لفارس سوى الخير دائما , لو كنت استطعت لكنت أعطيته حياتي .....)

قالت حلا برفق ( أعلم ....... لكنك لم تتخيلي يوما أن يزول السبب الذى يبقيه متمسكا بكِ .......)

اغمضت سما عينيها ودموعها تزداد انهمارا ...... يالهي ..... هل هذا صحيح ؟....... الست سعيدة لاستعادته لبصره ؟........هل لهذه الدرجة أنا خبيثة النفس ..........

ربتت حلا على وجنتها برفق لتفتح عينيها المتورمتين وتنظر اليها بتضرع ...... لكن حلا قست قلبها قليلا وقالت بحزم 

( ها هي الفرصة قد أتت لتعرفي السبب الحقيقي الذى سيبقيه معك ........لقد عاد فارس مهران , فتعاملي مع هذا .......)

ارتعش قلب سما من ذكر اسم فارس مهران ...... وكأنها لم تكن تعرفه من قبل ........ لكن شيئا ما في طريقة ذكر حلا لاسمه جعلها ترتجف وهي تتخيل عودة ...... فارس مهران ..... القادر على الحصول على أفضل واجمل النساء ..... وأعلاهن نسبا وأصلا .......

رفعت نظرها المحبط اليائس الى حلا .......التى نهرتها قائلة ( اياكِ ........ اياكِ ان تفكري بهذا الشكل )

ظلتا تنظرانِ الى بعضهما طويلا ...الى ان قالت سما بغضبٍ طفولي حزين 

( لقد قال عنكِ جميلة .........)

اتسعت عينا حلا قيلا ثم انفجرت في الضحك طويلا الى أن استطاعت القول أخيرا 

(كنت تتنصتين من وراء الباب ؟.....حسنا بالتأكيد معه حق ...... ادهم دائما يقول عني جميلة دائما )

عبست سما وضربتها على ذراعها ثم همست بجدية

( انه يستطيع أن يرى يا حلا ....... لقد رآني بالفعل ماذا لو لم أكن قد أعجبته ...... لم يعطني الفرصة لاستعد .....انظري الى شعري المشعث وثيابي الخرقاء ..... أبدو كمن على وشكِ تنظيف انابيب المطبخ .......)

طرقة قوية على الباب جعلتهما تنتفضانِ معا ثم وصلهما صوت فارس يقول بخشونة 

( حلا افتحي الباب ......سأتولى أنا الأمر من هذه النقطة )

شهقت سما وهي تضع يدها على فمها ونظرت مرتعبة الى حلا ثم همست

( هل استطاع سماع كل ما قلناه ؟........يالهي الوضع يزداد سوءا )

قامت حلا من مكانها لتفتح الباب الا ان سما تمسكت بها بشدةٍ وهي تنظر اليها برعب هامسة 

( لا تتركيني وحدي معه ......إنه يبدو مفترسا )

ابتسمت حلا ثم طرقت راس سما باصبعها وهي تقول ( تذكري ما قلته .......إنه الوقت الذى ستعرفانِ فيه إن كان مصيركما واحد ....دون أي حواجز )

ثم فتحت الباب لتطالعها هيئة فارس المخيفة بالفعل ....مرت بجانبه ثم مالت عليه لتهمس ( أعطها بعض الوقت ..........)

اختفت الوحشية قليلا من ملامحه وابتسم شبه ابتسامة اليها وهو يحاول أن يكون هادئا ......

بعد أن رافق حلا الى باب البيت حيث ينتظرها ادهم في سيارته ......عاد الى سما التى كانت جالسة على حافة الفراش متشبثة به بشدة وهى تبدو على وشكِ الانهيار في اية لحظة ......ابتسم قليلا بشراسة ...... وفكر ... تلك القطة الذهبية هي زوجته ...... الا إنه عاد ليخفي ابتسامته ورسم الجدية على وجهه ثم سار ببطءٍ ليجلس بجوارها على حافة الفراش دون ان يلمسها ...... الا إنه لم يفته انتفاضتها الخفيفة وابتعادها عنه قليلا وهي مطرقة براسها الى الأرض رافضة النظر اليه .......

قال بهدوءٍ ( مرحبا .....) ........ ردت عليه بخفوت بعد فترةٍ دون أن تنظر اليه ( مرحبا ........)

قال فارس باتزان بينما عيناه تموجانِ عبثا .......( لم تهنئيني حتى الآن .........)

ردت عليه سما بخفوت ( حمدا لله على سلامتك ..........)

اقترب منها ثم أحاط خصرها بذراعه غير مباليا بإحتجاجها المذعور ........أحنى راسه ليقبل وجنتها المشتعلة برقة ونظر اليها بطرف عينه ثم قال بصوتٍ عميق ( لكن تلك للعودة من السفر .......لم تهنئيني بعد على استعادة بصري )

ظلت سما مطرقة براسها دون أن تنظر اليه .... ثم همست بإنكسار بعد فترة

( لم تخبرني شيئا .......عن خوضك للجراحة , بعد كل السنين التى عشتها معك اثناء رحلة العلاج الطويلة .......لم تهتم لأن تخبرني , من باب العلم بالشيء لا اكثر ......لكن يبدو أننى ساظل دائما أحتل هامش حياتك فقط )

التفت اليها فارس بغضب فانتفضت تنوي الهرب منه الا إنه أمسك بذراعيها بشدة وهو يلصقها به بينما أخذت تتلوى بين ذراعيه برعب 

لكنه لم يتركها بل شدد على ذراعيها وهو يقول بغضب ( انظري الي .........)

رفضت سما النظر اليه و استمرت في مقاومته وهي تتاوه فهزها مرة أخرى وهو يعيد بصرامة اكبر

( افتحي عينيكِ وانظري الي ............والا فسأتبع الطريقة التى ستجعلك تفتحينهما بها رغما عنكِ )

فتحت عينيها برعب تنظر اليه فصدمتها عيناه القاسيتانِ الشرستان .....قال بعنف 

( الم تستمعي لأي مما قلته منذ قليل ..... كنت مرعوبا من النتيجة , لأننى اتخذت قرارا بأن أحررك اذا ما فشلت كالتى سبقتها )

ابتلعت سما ريقها وقد مزقتها كلمة .....أحررك .....كالمرةِ الأولى ........ظلت تنظر اليه مرتجفة بعينين مبللتين .......

هدأ فارس قليلا ثم قال بفظاظة 

( اذن ........هل نبدأ من جديد ؟...........)

ظلت متسمرة مكانها فترة طويلة .....ثم أومأت برأسها في النهاية وهي تشعر بأنها على وشكِ الاصابة بنوبةٍ قلبية ..........

اخذ فارس نفسا عميقا وهو يشعر بزوال غضبه ... الا ان ملامح وجهه لم تتغير حين قال بصرامة 

( بداية ...... هل هذا هو شكلك حين تنظفين انابيب المطبخ ؟........لأنه إن كان فأنا أعدك بأننى سألازم دوريات تنظيف الأنابيب طوال العمر )

نظرت اليه سما بعينين متسعتين وهي غير قادرة على استيعاب أيا مما قاله .....الى أن انفجرت في البكاء المختلط بالضحك الهيستيري فضمها الى صدره بقوةٍ وهو يستند بذقنه على رأسها المهتز بشدة من البكاء .......ثم همس 

( كفى حبيبتي ........ كفي ....لقد عاد فارس مهران ........لكن ليس ذلك التافه الذى سمعتك تتحدثين عنه ..... ليس من سينظر الى نساءٍ مزيفاتٍ تاركا ياسمينة ..... لم يدق قلبه لغيرها دون حتى أن يراها ......ياسمينة أعطته كل ما استطاعت قبل أن تأخذ لنفسها شيئا.......)

أخذت تشهق وهي تخبىء وجهها في صدره القوى وهو يشدد من احتضانه لها .........ثم قال بصوتٍ عميق خنقته العاطفة 

؛( سما ...... أنا متعبا جدا , أريد أن انام ........)

رفعت نظرها لتنظر الى وجهه بلهفة ثم همست بعطفٍ ملتاع ( نم حبيبي .........لقد اتعبتك للغاية ....)

ابتسم لمرأى تلك الكلمة وهي تخرج من بين شفتيها المكتنزتين اللتين تبدوان ِ في استعدادٍ تام ل ..........هز رأسه ليبعد تلك الأفكار السيئة عن تفكيره .... انه انسانا مسؤولا الآن ....... لا بد له من ان يعطيها الوقت لكي تعتاد عليه ........اللعنة ..... لابد ان يصبح مسؤولا .......سحبها معه لتستلقي على صدره وهو يرجع الى نهاية الفراش ليرتاح بينما قلبه أبعد ما يكون عن الراحة ........

استمرا على هذا الوضع الى أن حل المساء .....كان فارس قد ذهب في سباتٍ عميق بينما سما مستلقية في أحضانه متسعة العينين غير قادرة على التقاطِ انفاسها .........حتى لا توقظه ....... يا الهي ...... يا الهي ....... إنه يستطيع رؤيتها ........ ماذا سيحدث بعد ........

أخذ قلبها يخفق بشدة حتى شعرت بالدوار 

( اهدئي يا سمينا .......لن انقض عليكِ )

انتفضت حين سمعت صوته العابث .....فرفعت رأسها اليه بذعر لتجد عينين مفترستين تنظرانِ اليها ..........شهقت بصمت ثم همست متلعثمة 

( فارس ..... فارس .... أرجوك لست مستعدة بعد ........)

نظر فارس اليها بنفس النظرة المفترسة .... حتى كاد أن يتوقف قلبها الى أن قال أخيرا 

( للطعام ؟؟؟.........)

رمشت بعينيها لتقول بغباء ( ماذا ؟؟.......)

أجابها مبتسما وهو يرفع نفسه قليلا (أنا جائع ...... لم أتناول شيئا منذ أمس )

عبست ... ثم فكرت قليلا .... ثم عبست مرة أخرى ..... ثم قالت أخيرا ......

( بالطبع ...... بالطبع ..... حالا سأرى إن كان هناك ما أستطيع تحضيره سريعا )

نهضت بحذر .... فنهض معها ليقول مبتسما ( سأساعدك .........)

قالت بحدة ( ابقى مكانك .........) ثم استدركت لهجتها الحادة لتخفف منها قليلا وهي تقول بتلعثم 

( أقصد .... لا ..... لا داعي ....... استرح هنا وأنا سأحضر لك الطعام )

ابتسم بشيطنة ......ثم قال ( بل سأعدك ..... جهزي نفسك لذلك من الآن ياسمينا ......)

ابتلعت ريقها وهي تستدير مغمضة عينيها وهي تخرج من الغرفة ...... واعية له وهو يتبعها كظلها ...........

إنه يلاعبها ........ تبا إنه يلاعبها .......اثناء تجهيزها للطعام وهو يدور من حولها ..... يرفع يده فجأة فتصرخ بخوف ..... ليقول مبتسما ( كنت أريد أن أحضر الملح من على الرف الذى يعلو رأسك الجميل ..........)

تعود لعملها .... ينحنى بجوار ساقيها فتقفز شاهقة ...... ليقول مبتسما ( آسف حبيبتي ...... لقد أسقطت حبة الطماطم )

تستدير لتكمل تقليب شرائح اللحم في مقلاتها .........فيصرخ فجأة ( ما هذا ؟!!!!.........)

تقفز صارخة هي الأخرى ( مااااااذاااااااا ؟.............)

يقول بعدها مبتسما معتذرا ....( كنت أريد فقط أن أسألكِ ........هل نسيتي وضع الفلفل ؟..... لأنى أحب الإكثار منه )

تعود لعملها متذمرة ... شاتمة بهمسٍ شرس ..........

جلسا أمام بعضهما يتناولانِ الطعام بصمتٍ قاتل ...........كانت سما تبتلع الطعام بصعوبةٍ وهي تشعر به يراقبها وهو يأكل مستمتعا .....الا يملك أي ذوق ..... الا يرى أنها لا تستطيع أن تأكل وهو يحدق بها بهذا الشكل الفظ .........

( حدثيني عن دراستك .........)

رفعت رأسها بحدة وهي لا تصدق ان هذا الطلب صدر منه ......ابتلعت ما في فمها بصعوبةٍ ثم قالت مترددة 

( ستبدأ بعد شهرين ..........)

قال فارس بهدوء وهو يتظاهر بتناول الطعام ( لا بد أنكِ متحمسة للغاية ........)

أجابت سما بتوتر وخوف ( نعم .........نعم يا فارس أنا متحمسة للغاية أخيرا سأبدأ في تحقيق حلمي بعد أن تأخرطويلا )

اختفت ابتسامته تدريجيا ......فهبط قلب سما بين قدميها , الا أنها لن تستسلم هذه المرة ..... وهي أصلا تتمنى حدوث أية مشكلة لتنتهز الفرصة وتفر هاربة من هذا المدعو زوجها ..........

رفع رأسه اليها ليقول بنبرة تهديد ( سأراقبك كظلك ياسمينة ...........و ستكون نهايتك اذا اقترب منكِ أحد زملائك يوما )

ارتفع حاجباها بدهشة .... ثم انفجرت ضاحكة من حماقته التى تثبت انه بالفعل فارس زوجها .......قالت برقةٍ وهي تخفض وجهها المحمر بعد موجة الضحك 

( زملائي اللذين تتحدث عنهم يصغرونني بأربعة سنواتٍ كاملة .......لكن هذا لا يمنع أن هناك طاقم التدريس و الدفعات الأكبر سنا ......)

عبس فارس بجديةٍ ثم قال بغضب ( هل تريدينني أن أحبسك هنا ولا تري الطريق أبدا ؟.........)

ابتسمت سما بحلاوة وهي تهز رأسها نفيا ..... فقال فارس بصرامة ( اذن اصمتى وأكملي طعامك ............)

أسندت ذقنها الى كفها وهي تتأمله مبتسمة بشرود يتناول طعامه غاضبا .... يحاول جاهدا السيطرة على نفسه ..........هل حقا عاد ليرى .....لم تعرفه مبصرا من قبل ..... لكن كل مافيه يخبرها بأنه فارس حبيبها ......لكن مع وهجٍ جديد لم يكن يمتلكه من قبل .........ترى ماذا ستخبىء لهما الأيام ....... هل من أملٍ بينهما .......

.................................................. .................................................. .............................................

بعد أسبوعين 

كانت سما متشبثة بمقعدها برعب وهي تجلس بجوار فارس الذى يقود سيارته كالمجنون .... متفاديا .... متجاوزا ......يقوم بحركاتٍ راقصةٍ لعينة بسيارته .......

قالت سما وهي تلهث برعب ( فارس ...... كفى , إنك تقود بشكلٍ فاشل تماما )

ضحك فارس بسعادةٍ لا توصف وهو يقول ( اعذريني حبيبتي ....... لم اقد سيارة لمدة أربعة سنوات )

قالت سما بحنق (هذا سببا أدعى لتقود ببطء ...... نريد أن نصل الى البيت أحياءا )

ضحك فارس وهو يكاد لا يشعر بها بجواره أبدا ..... أخذت سما تفكر بحنق منذ اسبوعين وهي تتقلب فوق نارٍ هادئة .........عاد بكل بساطةٍ الى حياتها وكأن شيئا لم يكن ...... يحاول استعادة كل ما فاته في السنوات الماضية .......لكن مشركا إياها في كلِ ما يقوم به .....خرجا كثيرا اثناء تلك الفترة ...... ضحكا واستمتعا ......الى أن يأتي الليل .....فيجذبها اليه محتضنا إياها بشدةٍ ليذهب في سباتٍ عميق بعد دقائق من مجهود اليوم .......تاركا إياها مستيقظة محدقة في الظلام مرتجفة من قربه ........

إنها لا تنكر أن هاذين الإسبوعين .... كانا ..... من أجمل أيامِ حياتها ........تشعر بأنه يتعمد اكتساب صداقتها .....بطريقةٍ خرقاء لا تقنع طفل صغير ...... لكنها طريقةٍ محببة ....... محببة للغاية .......

الى ماذا يدبر ؟........ لا تصدق برائته الخادعة أبدا .....عيناه تنضحانِ خبثا و عبثا ...... ينظر اليها بطريقةٍ ....... بطريقةٍ أشعرتها بأنوثتها لأول مرة في حياتها ....... تجعلها تحمر خجلا وتتعثر أثناء سيرها .......تنهدت بقوةٍ وهي تفكر .... ما الذى تنويه يا فارس ...

تنفست سما الصعداء حين وصلا سالمين الى بيتهما أخيرا ........التفتت اليه هاتفة بحدة 

( إنها آخر مرةٍ سأسمح لك فيها بقيادة السيارة .........)

ضحك فارس ثم هجم عليها ليخطف قبلة من خدها الوردي ...... فضربته سما على كتفه قائلة بحدة 

( نحن خارج البيت ..........تأدب )

ضحك بمرح وعيناه تلمعانِ حبا ..... ثم همس ( اذن هيا لندخل .......)

اهتز قلبها من لهجته العاطفية ......وعادت لتفكر ... نعم إنه هو .......هو فارسها .......

حين اندست الى جواره تلك الليلة أخذها في أحضانه كما عودها ....يتلاعب بخصلاتِ شعرها الناعم ......يرفع ذقنها ليقبل وجنتها كل فترة .......يحدثها عن كلِ ما حدث معه في حياته ..... كعادته كل ليلة .......يعرفها على نفسه .......يتعرف عليها ......يسمعها ..... يحبها .......نعم إنه يحبها كما لم يحب أحدا من قبل ........

اقترب منها ومال الى عنقها ليستنشق عطر الياسمين الذى عادت اليه من جديد ..... إنها تنوي قتله , الى متى الصبر .....رفع ذقنها اليه ناظرا الى عينيها البريئتين المشعتين ......فهمس بلوعة 

( ياااسمينا ......ارحميني لم أعد لأحتمل الصبر )

ابتسمت .... حقا ابتسمت لعينيه بينما اشتعل خديها خجلا .....اقترب ليقبلها مرة ..... مرتين ..... في المرةِ الثالثة تعلقت بعنقه فما كان منه الا أن جذبها ليرفعها اليه هامسا بعنف ( أحبك ياسمينا ..... أحبك حبيبتي )
تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1