رواية لعنتي جنون عشقك الفصل الثلاثون30والاخير بقلم تميمة نبيل




 

رواية لعنتي جنون عشقك الفصل الثلاثون والاخير بقلم تميمة نبيل

كانت تجلس وحيدة ....تنظر الى السماء التى غربت عنها الشمس منذ دقائق .......إنها تجلس هنا منذ ساعتين .... تنتظره دون جدوى ....لقد بكت وترجته أن يأتي .... فأجابها متمهلا مدعيا التفكير على مضض أنه سيحاول , فتوسلته من جديد ..... بكت كثيرا و صرخت تنشج .... أنها مستعدة لتوسل حبه من جديد ..... مالذى أصابها ..... والى أي حالٍ أوصلها ...... لماذا لا تستطيع أن تخرجه من حياتها ببساطة .... لماذا تشعر بأن حياتها متوقفة على نجاحها في استعادته .......
غطت الدموع وجهها و أغرقته تماما بنعومةٍ صامتة .... جذبت أنظار كل من يجلس حولها في ذلك المقهى الجميل و الذي تنبعث منه أنغامٍ موسيقيةٍ حالمة ممتزجة براحةِ البن الرائع ..... لقد اختارته لتثير لديه الحنين للقائاتهما هنا منذ سنوات ......
لكنه لم يأتي ..... وها هي تجلس لتبكي من جديد ..... تبكي حبها الذى سرقته ساحرة شيطانيةٍ سوداء ...... امتصت حبه ثم لفظته بلا روح .... لتذهب و تسلب روح أخيها الوحيد ..... و تمتلك ابنته التى كانت على وشكِ ان تناديها بأمي يوما بدلا من كلمة عمتي ... لولا اعتراض احمد القاسي ...... وليس هذا فحسب ......بل أنها في طرفةِ عين أتت له بصغيرةٍ شريرةٍ مثلها ......
وهي التى عاشت سنواتٍ لتحاول وتحاول دون جدوى .........
لم تستطع منع شهقةِ بكاءٍ انفلتت من بين شفتيها فجذبت الأنظار اليها بدهشةٍ أكبر ..الى تلك المخلوقة الذهبية ..ذات الشعر الذهبي المتطاير و العينين اللتين تشبهانِ بركتين من العسل الصافي الغارق في دموعهما ..... لحظتها تحرك ذلك الظل الداكن و الذي كان جالسا في زاويةٍ بعيدةٍ في نفس المقهى ليراقبها بغضبٍ ناري .......اقترب منها ببطء دون أن تشعر بوجوده حتى بعد أن أشرف عليها بطوله الفارع .....أخرج من جيبه ورقتين نقديتين تفوقانِ ثمن القهوة الحزينة التى طلبتها دون أن تمسها فأصبحت في برودةِ الطريق الشاحب بعد هطول الأمطار .......
نظر اليها بعبوس وهي تبدو تائهة في عالمها الحزين البائس دون حتى أن تلمحه .....فمد يده دون أن يستطيع منع نفسه و التقط يدها الموضوعة على الطاولة ليجذبها اليه وهو يقول بخشونة
( هيا يا دارين ...لن يأتي )
انتفضت مذعورة وهي تنظر اليه من بين دموعها ..... فقالت بدهشةٍ وصدمة
( ما الذي أتى بك الى هنا .........)
ظل ينظر اليها بعبوس .... ممسكا بيدها المرفوعة اليه بينما هي جالسة مكانها تنظر اليه بضياع و الدموع تأبى أن تجف من على وجهها
قال بصلابة ( قلت لكِ هيا .... و سنتكلم لاحقا )
ارتجفت قليلا خوفا من نظراته القاسية .... تلك العينانِ تخيفانها بشدةٍ .... بلونهما الغريب ونظراتهما الثعبانية ......إنها تلعب بالنار وهي تعرف ذلك ..... وذلك الشرس الواقف أمامها بهيئته الساحرة سيذيقها أياما أشد وطأة مما عرفته سابقا
تلعثمت وهي تقول بخوف ( كنت ..... كنت منتظرة صديقتي .... إنها .....)
لم يمهلها لتكمل كلامها بل جذب يدها بقسوةٍ لينهضها من مكانها حتى أنها اصطدمت بالطاولة و أراقت القهوة الباردة على ثوبها .... وأصبح منظرهما غاية في الفظاعة أمام الأنظار الفضولية ......لكنه لم يأبه أبدا وقال بهمسٍ خطير
( هيا بنا لنخرج من هنا يا دارين قبل أن أفعل ما قد أندم عليه فيما بعد..............)
ارتعشت بشدة وهي تنظر اليه برعب ثم أومأت برأسها دون أن تنطق حرفا .... فقط التقطت حقيبتها لتسمح له بجرها خلفه.........
.................................................. .................................................. .................................................. .
دخل احمد مكتب ادهم مهران دون استئذان وهو يبدو على وشكِ خنق أحدهم .....رفع ادهم عينيه عن حاسوبه وهو ينظر بدهشةٍ الى احمد الذي يطل الغضب من عينيه وما أن وصل الى مكتب ادهم حتى رمى الملف الذي كان يمسك به ليسقط أمام ادهم مباشرة على سطح المكتب وهو يهتف بحنق
( لقد أخذتها ........)
عقد ادهم حاجبيه وهو ينظر الى احمد ثم بدلا من ان يساله عن سبب غضبه الاحمق استعاض عن اضاعة الوقت ففتح الملف الملقى امامه ليتعرف فورا على اوراق الصفقة التى كانو يعدون لها منذ شهرين ......فرفع ادهم نظره الى احمد وقال بهدوء
(من أخذها ؟ اليس من المفترض ان بيننا وبين المجموعات الأخرى اتفاقٍ على عدم تجاوز الأدوار المعلنة ...........من تجرأ ليخرق هذا الإتفاق ؟.......)
هتف احمد بغضب ( ومن غيرها ...... مجموعة عماد الراشد )
اتسعت عينا ادهم وهو ينظر الى احمد ..... وقفزت الى ذهنه صورة صغيرته المخادعة وهي تجلس بجواره على طاولة العشاء وقد بدا عليها الإرتباك الشديد ... وكلما نظر اليها اثناء تناوله الطعام ... كانت تبادله النظر بابتسامتة تزداد عذوبة و إغراءا مرة بعد مرة حتى نسي تماما ما كان ينوي قوله .........
ظل شاردا قليلا وهو يتذكر حلاه المشرقة و المتدفقة العاطفة ..... فظهر طيف ابتسامة على فمه اخذ يتسع تدريجيا حتى انفجر فجأة في الضحك .........
ازداد اشتعال غضب احمد وهو ينظر الى ادهم الذي يضحك دون أن يهتم بتلك الصفقة .........والتى لم تكن مهمة لديه هو شخصيا الا بعد أن شهد غدر سابين التى تعيش معه بمنتهى البراءة دون أن تخبره بما تنويه من أعمالٍ إجرامية ......
قال احمد بغضب (ادهم ..... لا تستفزني أكثر , العمل عمل ....إن سكتنا هذه المرة أيضا ستضيع هيبتنا في السوق )
استمر ادهم يضحك لكن رأفة بحال احمد الذي كان على وشكِ الإنفجار غضبا .....حاول السيطرة على ضحكه ثم قال بهدوء
( احمد ..... لنكن صرحاء مع أنفسنا , هذه الصفقة صغيرة نوعا ما بالنسبةِ إلينا ...... لكنها تعتبر هائلة بالنسبةِ اليهن فلما كل هذا الغضب؟ ...... ثم أنك المسؤول الأول عن هذا بتعمدك استثناء مجموعة عماد الراشد من اتفاق رجال الأعمال ...... لذا فمن حقهم خرق اتفاقٍ لم يَتفِقوا عليه أصلا .......)
شعر احمد بأنه على وشكِ ضرب هذا العاشق المتيم الجالس أمامه و الذي يتكلم بمنتهى البرود و أوشك على أن يرميه برأيه الا أن رنين هاتفه قاطعه فالتقطه ليجد أسم سابين مضيئا فرد مسرعا
( مرحبا حبيبتي .......)
وصله صوت سابين تقول برقةٍ مخادعة ( احمد حبيبي ..... أعتقد أنهم يريدوننا أنا وأنت في مدرسة تالا ......الآن )
عقد احمد حاجبيه وهو يقول بقلق ( الآن ..... لماذا ؟هل حدث شيء لتالا ؟.....)
أجابته بسرعة ( لا ....لا ...تالا بخير , أعتقد أنه أمر تافه.......لكنهم يريدوننا الآن )
تحير احمد من طلب المدرسة المفاجىء لكنه أجاب بسرعة ( دقائق و أكون هناك .... الى اللقاء حبيبتي )
أغلق احمد الخط وعاد لينظر لادهم الذي كان ينظر اليه مبتسما ..... فعبس احمد قائلا ( ماذا ؟؟.........)
أجاب ادهم مبتسما ( الى اللقاء حبيبتي ؟!!.........لم أرك تكسر أضلاعها لما فعلته )
ابتسم احمد قليلا ثم قال بهدوء ( سأكسرهم في البيت ...... كيف سأطولها و هي على الهاتف ؟)
ثم تابع قائلا وهو يغادر ( سأذهب الآن لأرى أية كارثة قد تسببت فيها تالا ..................)
.................................................. .................................................. .........................................
كان احمد يجلس بجوار سابين التى تجلس واضعة ساقا فوق الأخرى و هي تنظر بصلفٍ الى الزوجينِ الغاضبينِ الجالسينِ أمامهما في حجرة مديرة المدرسة .... والتى كانت بدورها تجلس متوترة خلف مكتبها ........ثم تنحنحت قليلا مخاطبة احمد
( سيد احمد لقد استدعيتك اليوم لأن تصرفا كالذي حدث ......لا يليق بالمدرسة )
نظر احمد بتوجس الى مديرة المدرسة وهو لم يفهم بعد ما فعلته تالا .......ثم قال بقلق
( هل أخطأت تالا خطأ كبيرا الى هذه الدرجة ؟...........)
عبست مديرة المدرسة وهي تقول بصرامة ( لم تفعل تالا شيئا يا سيد احمد ..... لكن السيدة سابين فعلت )
عقد احمد حاجبيه بشدةٍ وهو ينظر الى سابين مستفسرا .... الا انها نظرت اليه بهدوءٍ ثم عادت لتنظر نظرة ارهاب الى الزوجين الغاضبين امامها .....
تبرعت لحظتها تلك السيدة الجالسة امامهما بالقول
( هل توافق على أن تمد زوجتك يدها على ابني .............)
اتسعت عينا احمد بصدمة وهو ينظر الى سابين التى لم تفقد هدوئها .....بل قالت بمنتهى البرود
( لقد جذبته من قميصه فقط ..... أي أنني عمليا لم أضع يدي عليه )
ازداد اتساع عينا احمد و هو ينظر الى برودها الامتناهي .......بينما قالت السيدة الأخرى بغضبٍ هادر
( لقد رفعته عن الأرض ......و هددته بحلق شعر رأسه كاملا .....)
أغمض احمد عينيه وهو يهمس .... يا الهي ......الا أن سابين أنزلت ساقها بعنف وهي تندفع الى الأمام هاتفة بحدة
؛( و ابنك يضايق ابنتى منذ بداية العام ...... لقد أنذرته أكثر من مرة و لم يرتدع )
وضع احمد يده على ركبة سابين يمسكها بقوةٍ و هو يرميها بنظرةٍ مهددةٍ حتى لا تتمادى اكثر و تفضحه أكثر من هذا ..... فنظرت اليه سابين بحنقٍ لكنها استسلمت و رجعت الى مقعدها بغضب .......بينما قضى احمد الساعة التالية كلها في الإعتذار الى والد الطفل و والدته و الى مديرة المدرسة .........
وبعد عودتهما الى البيت سارعت سابين الى التقاط تميمة الصغيرة من بين ذراعي امتثال وتضمها الى صدرها وهي تحييها بكلماتٍ مداعبة ...... جاء احمد خلفها وهو يقول بحدة
( سابين ..... الى متى ستظلين تتصرفين تلك التصرفات الهوجاء , تضربين ولدا صغيرا , يالهي لا أصدق أنك وضعتني في هذا الموقف وأنا الذى كنت أظن انهم قد استدعوني من أجل تالا .... لأفاجأ بأن زوجتي هي السبب )
نظرت اليه سابين بتحدٍ سافر و قالت بقوة ( إنها لا تستطيع المواجهة, بالرغم من عدم خوفها من شيء ..الا إنها لا تواجه أبدا .... أردت أن أعلمها كيف كيف تواجه أمثال هذا الغبي الصغير .... هل رأيته .... هل رأيت كيف ينظر بغباء و استفزاز ..... لقد كنت طيبة معه جدا بالنسبة الى ما يستحقه ...... أنت لا تعلم كيف كنت أصارع الأولاد الأكبر مني سنا عندما كنت في مثل سن تالا )
وقبل أن يجيبها كانت قد انطلقت الى غرفة تميمة لتضعها في فراشها الصغير ......لكنه تبعها مصرا وهو يقول بحدة
( سابين ..... أنت ستفسدين كل ما حاولت غرزه في تالا يوما , ......لا أريدك أن تنشئيها على أساليب ايثار الراشد )
توقفت مكانها تماما توليه ظهرها .......لم يرى سوى شعرها الاسود و قد اختفت عنه كل انطباعاتها ...... زفر بقوةٍ ثم اقترب منها ببطء و أمسك بكتفيها بكفين حازمين .... همس بصوته العميق
( سابين ...... سابين انظري الي )
لكنه كان يشعر بتشنجح عضلاتها تحت يديه ......فعاد ليمسد كتفيها وهو يقول برفق ( سابين ...... حبيبتي , ستغضبين مني الآن ؟؟)
استدارت ببطءٍ لتنظر اليه بعينين قاسيتين كالحجر ثم قالت بهدوء ( كلما تجادلنا في موضوعٍ سنعود الى نفس النقطة ..... اليس كذلك ؟)
عقد حاجبيه وهو يحيط عنقها الناعم بيديه ناظرا الى عمق عينيها ...... ثم قال
( سابين .....ستظل بيننا اختلافاتٍ كثيرة , لن انكر هذا ابدا , لكني ساقول لك بكل قوة ..... أنا أحبك سابين , أحبك بقوةٍ جعلتني أرى بداخلي شخصا لم أعرفه قبل أن أعرفك أبدا ...... فاياكِ أن تجعلي شيئا ... أي شيء يبعدنا أكثر عن بعضنا , سأظل متذمرا من كل طرقك في الحياة .. من جنونك و غطرستك ...من سلاطة لسانك و نظراتك العابثة ....... سأحاول دوما أن أخضعك ......لكن حبك سيظل قيدي الى الأبد .......)
نظرت اليه بدهشةٍ قليلا و ابتسامة يأسٍ صغيرة تظهر على شفتيها .... ذلك المارد الضخم الأحمق ..... من المفترض أنه الآن ينقل اليها عواطفه الجياشة .....
سيظل متذمرا من طرقها في الحياة ..... من جنونها وغطرستها ......من سلاطة لسانها و نظراتها العابثة !!.... الا يعلم الأحمق أنها لم تعد تنظر بعبثٍ لسواه ..... ذلك الضخم الهمجي ملأ عينيها لدرجة أنها لم تعد تعترف برجلٍ غيره ........
سيحاول دوما أن يخضعها ........ و يخبرها بهذا بكل بساطةٍ وسذاجة ... ... إنه باخبارها ذلك ينمي فيها الجنون أكثر وأكثر و يشوقها لتحدي كل ما سيحاوله يوما ..... أحيانا تشك في ذكاء الرجال مهما بلغت مناصبهم في الحياة ..........
ابتسمت أكثر وهي تتسائل .... هل هذه هي فكرته عن الطريقة المثلى لشرح مشاعره تجاهها ........
لكن حبك سيظل قيدي الى الأبد ......هاكذا أنهى خطبته الرائعة ..... لماذا لم يقل تلك الجملة فحسب .....
مدت يدها لتحيط بها عنقه و تستطيل على أطراف أقدامها بالرغم من طولها الفارع ..... ثم نظرت الى عينيه البنيتين العميقتين وهمست بإغراءٍ عبقري
( اطمئن يا مهراني ..... ابنة ايثار الراشد لا تتقبل الهزيمة , ولا تسمح بضياع ما يخصها من بين يديها )
أحاط خصرها بيديه وقال مبتسما ( وما هو هذا الذي يخصك ولن تسمحي بضياعه ؟...........)
لم تتنازل و تجيبه ......بل ارتفعت لتقبله بقوةٍ تخبره عما تملكه ..... ضمها اليه بقوة بين ذراعيه ..... لكم تحب القوة التى يضمها بها
تشعر وكأنه يريد أن يدخلها بداخل صدره .... تشعر بأنه حين يضمها يكون متخوفا أن تفلت منه .......
ارتفع رأسه بعد فترةٍ وهو يقول هاتفا بعبوس ( كدت أن أنسى ..... كيف تجرأت على مواجهتي و تحدي اسمي بنيل تلك الصفقة من دونِ علمي ..... أتعرفين إن كان أحدا آخر تجرأ ليفعلها كنت لأسحقه .........كيف تمكنتِ من خداعي بهذا الشكل , ماذا سيقول الناس .... أنني أسهل لك مرور الصفقات اكراما لأنكِ زوجتي ؟)
يمرر لها الصفقات ؟؟....... و إكراما لأنها ؟؟؟!!!!........ إن ضربته الآن فهل يعتبر هذا تجاوزا للحدود الزوجية المحترمة ؟؟.........
رمشت بعينيها قليلا حتى لا تتفوه بما قد تندم عليه ... ثم قالت بعد فترةٍ بمنتهى العملية دون أن تفك قيدها من حول عنقه
( مقابلة سابين الراشد تستلزم أخذ ميعاد و انتظار الرد إن كنت سأوافق أصلا على مقابلتك أم لا ......يمكنك أخذ موعد )
عقد حاجبيه ثم قال ( سابين ..... لست أمزح حاليا ......)
لكن سابين قاطعته وهي تجذب ربطة عنقه لتقرب وجهه من وجهها وهي تهمس بشراسة
( و قسما بالله .... إن أعدت الحديث عن العمل الآن فسوف تنام الليلة في حجرة الضيوف , أو بجوار تالا على أحسن تقدير )
شعر بأنه في هذه اللحظة يتمنى لو لكمها لكمة لتغير خريطة معالم وجهها ....... لكنه آثر السلامة , فلا نية لديه للنومِ بعيدا عنها الليلة ...أو أية ليلة من ليالي حياته ........
حسنا فليتنازل هذه المرة و غدا سيحاول أخذ موعدا من رئيسة مجلس إدارة مجموعة عماد الراشد .... ليبدآ اتفاقا جديدا بين المجموعتين
أما الآن .... الآن يريد فقط أن يطمئن أنها في أحضانه .....يخاف أن تهرب منه من جديد .......
عاد ليعتصرها بين ذراعيها بقوةٍ حتى سمعها راضيا و هي تئن من شدة ضغطه هذه المرة أكثر ..... فحملها بين ذراعيه وهي متعلقة بعنقه تضحك بالم و تشعر بأن ضلوعها على وشكِ التحطم ...... فدفنت وجهها في عنقه تستمتع برائحته العطرة .....
للحظةٍ دعت الله الا يحرمها من هذه الرائحة يوما ..... قبلها بقوةٍ ثم همس في أذنها بصوتٍ عميق
( اعتذري عن كل ما سببته لي يوما .........)
لم يترك وجهها عنقه وهي تضحك برقةٍ أذابت قلبه ......وهمست ( أنت تطلب هذا الطلب كل يوم ...... الن تيأس ؟؟)
لو رفعت رأسها لرأت نظرة حنانٍ تذيب الحجر تطل من عينيه وهو يقول بحب
( لن أمل .... ولن أيأس ..... ستعتذرين يا سابين )
رفعت وجهها الساحر اليه لتهمس له بحب ( اعتذر يا أحمد لأني لن أعتذر لك أبدا )
اتسعت ابتسامته و قال بيقين ( بل ستعتذرين يوما ...... فلما لا تعتذرين الآن و تختصري الوقت )
ظلت تنظر اليه تكاد تتشرب ملامح وجهه الصلبة بعينيها الزرقاوين المشعتين ...... ودعت الله من جديد الا يحرمها منه أبدا .......ولتظل أسيرته للأبد ...... فقد كانت تلك هي تعويذة تالا الصغيرة التى نثرتها فوق رأسها يوما .........
.................................................. .................................................. ....................................
كانت تنظر اليه وقلبها يخفق بشدة بين ضلوعها ...... تراه وهو يحمل تميمة الصغيرة و التى قاربت الآن على السبعة أشهر ......
الصغيرة لم تكمل بعد العام من عمرها ...... وها هي تسقط أسيرة لسحره .... فكلما حملها بين ذراعيه تأخذ في الضحك و الزقزقة كصغار الطيور ..... أنها لا تضحك بهذه الطريقة لأي أحد غيره ....... غير وحش آل مهران .........
ماذا فعلت طيبا في حياتي لأستحق رجلا مثلك ......ستظل تسأل نفسها هذا السؤال كل يومٍ وكل ليلة .... ولن تحصل على إجابة أبدا ......غير القدر كان يدخره لها منذ أن وجدت في هذه الدنيا لتذوق عذابها ...... مؤقتا فقط الى أن حان موعدها معه .......
رفع في لحظةٍ خاطفة وجهه الضاحك اليها ....ليأسر نظراتِ الشوق التي تخصه بها وحده ...........ففاض من عينيه شوقُ يفوقه ..... وتراجعت ضحكته لتصبح ابتسامة خاصة .... خاصة بحلا الراشد فقط ......
اقترب منها وهي واقفة في مدخل القصر في ذلك اليوم الربيعي و الذي اختاروه ليجتمعو سويا كنهاية كلِ أسبوع ........
صعد السلالم القليلة التى تفصلها عنه و انحنى ليقبلها دون أن يتكلم .... و كأن قبلته في حد ذاتها هي كل ما أراد قوله ........
ابتعد عنها قليلا بينما تشبثت كف تميمة الصغير بخصلةٍ من شعر حلا الطويل و جذبتها ... لا تريد أن تتركها .... فضحكت حلا وهي تميل برأسها الى الصغيرة اتقاءا للألم .......
مد ادهم يده ليتحسس بطن حلا برفق وهو يقول مبتسما ( لماذا تقفين طويلا ؟..........)
ردت حلا مبتسمة ( لم اقف الا للتو ..... لقد مللت الجلوس ..... متى ستوقف أحكامك العرفية ضدي ؟..... الا يكفي أنني أعمل من المنزل ؟.......)
رد ادهم بجدية ( يجب أن تكوني ممتنة لأنني أسمح لك بالعمل أصلا ........مجرد نظرك لشاشة الحاسوب طويلا يضايقني )
ابتسمت اكثر .....وهمست ( إنها تتحرك ..........)
ابتسم ادهم ومد يده سريعا ليضعها على بطنها من جديد ... حين شعر بركلةٍ قوية تضرب يده فانتعش قلبه و ذابت عيناه ..... يبدو أنها ستكون قوية تلك الصغيرة ......و لم ستكون ضعيفة ؟؟...... فأمها هي القوة بحد ذاتها ...... أمها التى رباها بنفسه ........
رفع عينيه العميقتين اليها فأبصر دموعها و قد انهمرت على وجهها ..... ولم يسألها عن سببها ..... قديما أيضا كان يتجنب سؤالها عن سبب دموعها ... قد يكون بسبب معرفته السبب ..... ذلك الألم الذي كان يخشاه و يتجنبه ........
أما الآن فو لا يسألها لأنه موقنا من السبب ..... ما اجمل دموعها الآن كلما نظرت اليه ..... وهل يلومها ؟..... لولا أن رجولته تمنعه لكان شاركها إياها كلما نظر اليها ........
لقد تاها طويلا الى عادا الى بعضهما ..... الي سكنت أحضانه التى تنتمي اليها ...........
قاطع أفكارهما الصامتة صوت سابين و هي تأتي من خلفهما قائلة بسعادة
( أين صغيرتي ؟.......لقد أنهيت مكالمة العمل بأعجوبة )
ناولها ادهم الصغيرة وهو يقول متذمرا بدعابة ( أنتِ تنجبين و نحن نرعاها من أجلك ........نحن في خدمتك دائما سيدتي )
عبست سابين وهي تلكم ذراعه و تقول بحدة ( الا تكمل عملا طيبا دون تذمر أبدا ..........صدقت مقولة أن الخال والد بالفعل !!!)
مدت حلا يدها لتدلك مكان لكمة سابين على ذراع ادهم وهي تقول بلهفةٍ غاضبة
( لا تقتربي من حبيبي ثانية ..........)
ابتسم ادهم اليها بحب بينما رفعت سابين عينيها الى السماء تلتمس الصبر و هي تقول بملل
( غرامكما أصبح كالمرض ..........)
ثم نزلت الي الحديقة تبحث عن احمد ..... فوجدت فارس جالسا يهمس رقةٍ شيئا أضحك سما الجالسة على حجره بينما احمر وجهها بشدة .... همست سابين بحنق
( موجة الحماقة قد ضربت الجميع اليوم ...... أين اذن زوجي الهمام لنمثل مشهدا أحمقا نحن أيضا )
أخيرا وجدته في زاوية الحديقة .... كان واقفا بجانب دارين التى أصرت أميرة على حضورها ... حتى أنها تقريبا هددتها بغضبها عليها إن لم تحضر اليوم الأسبوعي لإجتماع العائلة ........
نظرت سابين وهي تحمل طفلتها الى احمد وهو يحيط كتفي دارين بذراعه .... يتكلم معها بهدوءٍ حان ...... تجمد قلب سابين حين رفعت دارين نظرها و التقت عيناهما معا ........
لم يرى غيرها تلك النظرة المشبعة بالكره و النوايا القاتلة ...... ضمت سابين طفلتها اكثر الى صدرها دون وعيا منها ...... متى سينتهي هذا الكابوس ..... لكن كيف سينتهي و عمار قد بدأ آخر جديد .....
أقسمت سابين في نفسها .... لو تجرأ أحد على مس سعادتها التى وجدتها أخيرا فلن تتوانى عن استحضار سابين القديمة .... التى لا يردعها رادع ..........
كان عمار ايضا يقف بعيدا ليراقب تلك النظرات المتبادلة بينهما ..... وقد رأى مشاعر دارين جلية لعينيه .... انتابه الغضب الذى صار مألوفا لديه مؤخرا ............
استدار بعنفٍ وهو يلتقط هاتفه من جيبه و يطلب رقما ..... و نظر بطرف عينه ليرى انتفاضة دارين و هي تنظر الى هاتفها ثم ترفع عينيها مجفلة تنظر من حولها في خوف و كأنه قد ضبطها متلبسة .......الى أن رأته ..... فالتفتت لأحمد تهمس له شيئا فأومأ برأسه ..... وهو يراقبها عاقدا حاجبيه وهي تبتعد بتعثر لترد على هاتفها .......
جلست سابين تهدىء نفسها من الغضب الذي انتابها بسبب نظرات دارين ........الى أن جاءت حلا و جلست بهدوءٍ بجوارها تعتصر أصابعها .. تنظر لسابين ثم تعاود النظر أمامها ... قالت أخيرا بتردد
( سابين .......)
نظرت اليها سابين و قالت ( هاتِ ما لديكِ يا حلا ...... أنا واثقة من أنه شيئا لن يعجبني )
قالت حلا بخفوت و حذر ( أمي .........)
لم تمهلها سابين كما توقعت و هتفت بحدة ( كنت أعرف ...... لا أريد سماع أي شيءٍ عنها بعد الآن )
ابتلعت حلا ريقها لكنها صممت على المتابعة ( سابين أرجوك ...... إنها تحتاج الى المساعدة , أنا متأكدة من ذلك ...... قلبي يخبرني )
نظرت اليها سابين بحنق و قالت ( اذن فلتسكتي قلبك الساذج ......... أنها تستطيع حماية نفسها جيدا )
ارتجفت حلا قليلا و همست تنظر أمامها الى البعيد
( هل رأيتِه ؟...... أنه غير طبيعي أبدا ..... لقد رأيت الشر في نظراته , وتلك النظرات أنا أستطيع فهمها جيدا )
ظلت سابين صامتة فترة ثم قالت بقسوة ( هي اختارته بنفسها ....... إنها في السابعة و الاربعين و تتزوج من رجلٍ في الأربعين .... وطبعا لأنه وعدها بالكثير ...... لابد لها أن تدفع الثمن اذن )
قالت حلا بسرعة و هي ترتعش أكثر ( ولما يتزوج رجل مثله من امرأة تكبره بسبع سنوات ....... صدقيني إنه غير مريح أبدا )
لم ترد سابين ... فتابعت حلا بحزن
( لقد رفض ادهم تماما أن يتدخل في الأمر, كما أنه منعني من رؤيتها ثانية بعد زواجها به ....... لم أعهده بهذه القسوة من قبل )
ردت سابين بشرود ( لقد قام اذن بشيءٍ صائب في النهاية ..........)
نظرت حلا الى القسوة الظاهرة على ملامح سابين .... وعرفت أنه لا مجال لتدخلها ...... سألت نفسها كيف تستطيع سابين أن تكون بهذه القسوة .... إن كان هناك من يجب الا يسامح أو يتجاوز عن ما مضى .......فستكون هي ........لكن و لأنها هي .......فهي لا تتحمل ما تتخيله من صورٍ مؤلمة لما قد تكون ايثار تحياه الآن ....... لا شيء يبرر ما يصيبها ..... وهي شبه متيقنة من أنه يصيبها مكروه ......
لقد رأته مرة ..... ونظرت الى عينيه ..... وكانت تلك النظرة كفيلة لأن تعرف ....... أنه مريض .... فقد عاشت مع مريضٍ مثله من قبل .......


انتهت احداث الرواية نتمنى ان تكون نالت اعجابكم وبأنتظار اراؤكم فى التعليقات وشكر 
لزيارة عالم روايات سكير هوم 
لمتابعة روايات سكيرهوم زوروا قناتنا على التليجرام من هنا

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1