رواية عزلاء امام سطوة ماله الجزء الثانى الفصل السابع و الثلاثون 37 بقلم مريم غريب
_ هدنة قصيرة ! _
بحث عنها في كل مكان بالقصر.. كان شيئًا عجيب !
ألا يجدها بغرفتهما... أو حتى بغرفة الأولاد.. و لم تكن برفقة أمه.. إذ تركها للتو ليصعد إلى زوجته و يطلعها على دعوة الزفاف التي تلقاها الليلة و إياها
لكنه لم يعثر عليها ...
كان القلق قد بدأ يساوره، حتى أنه هبط للأسفل و خرج إلى الباحة باحثًا عنها.. فتش في كل مكان و جاب أرجاء الحديقة الشاسعة بوجهاتها الأربعة... كاد يذهب نحو البوابة ليسأل عنها أفراد الحراسة.. لعلها غافلته و خرجت رغم أنه لا ينفك يشدد على الأمن بألا يسمحوا لها بالخروج إذا لم يكن هو برفقتها، و أن يمنعوها أيضًا بطريقة مهذبة غير مباشرة حتى يعطونه خبرًا أولًا ...
يراها "عثمان"... و هو يستدير فجأة.. رفع وجهه لأعلى أكثر، فقد كانت تقف بأعلى قمة بالمنزل، السطح المسيّج و الذي يتفرد بالطابق الخامس و الأخير للقصر المنيف
لم تلاحظه كما يرى، و كانت تعتمر حجابها الآن.. تنفس "عثمان" الصعداء مطمئنًا لوجودها أمامه.. و بدون أن ينتظر أكثر إنطلق ذاهبًا إليها ...
كان السطح له بابًا.. و كان هذا الباب مواربًا، فدفعه "عثمان" برفق كي لا يصدر له صوت... و مشى ناحيتها بخطوات صمّاء.. كان يقف إلى جوارها في أقل من ثوانٍ
وجوده صار ملحوظًا الآن.. لكنها بدت غير عابئة... فطنت إلى حضوره.. إنما ظلت على حالتها الغريبة.. فقط تقف و تستند بمرفقيها إلى السور العريض.. و تسبح بنظراتها في الأفق الملبّد بغيوم الخريف الساحلية تارة.. و تراقب أمواج البحر البعيدة الثائرة تارة أخرى
من مبهجات و رفهيات ساكني قصر "البحيري" هي إمكانية رؤية بعض المعالم الأبرز للمدينة من علوٍ.. و خاصةً الروضة الزرقاء الواسعة هناك.. البحر الذي لا يوجد له شبيه أو مثيل بأيّ مكان سوى هنا، بتلك المدينة الساحرة على الدوام ...
-عايز إيه يا عثمان ؟
تفاجأ "عثمان" من لهجتها الثابتة أكثر من سؤالها.. كان صوتها يتحلى بجمودٍ، ربما هو تبلّد، و لعل ذلك أكثر ما يخشاه.. لا يجوز أن ينال أيّ فتور من علاقتهما.. خاصةً بهذا الوقت.. لا يجوز أبدًا ...
-جهزي نفسك الليلة ! .. خرج صوته صلبًا بدوره، و أردف باقتضاب :
-معزومين على فرح في القاهرة ..
تلتفت له هنا.. فيقابل نظراتها الجوفاء بنظراتٍ باردة، بينما تقول بنفس الاسلوب المتبلّد :
-ماعنديش فستان !
عثمان عاقدًا حاجبيه بذهول :
-إيه ؟!
كررت "سمر" بايضاح أكثر :
-ماعنديش فستان مناسب.. كلهم وسعوا عليا أوي. إنت مش شايف جسمي خس إزاي !
عبس "عثمان" أكثر و هو ينقل ناظريه ليقيس جسمها من أعلى لأسفل و يتحقق من إدعائها... كانت ملابسها فضفاضة فلم يتبين بدقة.. لكنها أيضًا لم تبدو لعينيه أكثر نضارة و جمالًا... ربما لأنه يحبها.. يراها جذابة و جميلة حتى بأسوأ الظروف !!
-أوك ! .. تمتم "عثمان" هازًا كتفيه بخفة
مد يده إلى جيبه الخلفي، سحب جزدانه الجلدي، أخرج منه حفنة سخية من الأوراق النقدية ذات الأرقام العالية.. ثم قدمهم إلى زوجته قائلًا :
-إتفضلي.. هابعت معاكي السواق و إنزلي إشتري كل إللي نفسك فيه. بس أهم حاجة تكوني جاهزة قبل الساعة 6
لم تنظر "سمر" إلى النقود حتى.. إنما قالت بصرامة :
-رجع فلوسك في جيبك. أنا مش هاخد منك فلوس تاني. مش عايزة منك حاجة أصلًا !
-نعم ! قولتي إيه ؟!
سمر بصرامة أكبر :
-قلت مش هاخد منك فلوس.. مهما حصل ليا مش همد إيدي تاني لفلوسك و لا هاطلب منك حاجة
إزداد تعبير الذهول على وجهه و هو يستمع إلى كلماتها.. حتى فرغت... رفع يده و مسح على وجهه بقوة مغمغمًا :
-آاااه.. الجنان ده أنا عرفه. و الحالة إشتغلت تاني شكلها !
-بتقول حاجة ؟ .. تساءلت "سمر" بتجهم
أفلتت منه ضحكة معابثة فشل بالسيطرة عليها، لكنه سرعان ما قمعها حين شاهد العبوس ينتشر على قسماتها.. أخذ نفسًا عميقًا، ثم قال بصوت أكثر هدوءً :
-طيب يا سمر.. إيه رأيك ننزل سوا ؟ مش هاديكي فلوس حاضر. هانزل معاكي و هادفع الفلوس بنفسي.. تمام كده ؟!
لم ترد عليه، فاعتبر ذلك بمثابة الموافقة و أستطرد :
-يبقى متفقين . إتفضلي قدامي لو سمحتي ! .. و مد ذراعه للأمام بحركة لبقة
سمر بجمود : أغير هدومي الأول !
نهاها باشارة من يده :
-لأ زي ما إنتي كده.. إنتي زي الفل. يلا من فضلك عشان ننجز !
°°°°°°°°°°°°
و بالفعل... رافقت "سمر" زوجها حتى الأسفل بفمٍ مطبق.. إستقلّت إلى جواره السيارة التي تتسع لفردين فقط، كانت تلك السيارة بالنسبة له لا غنى عنها خاصةً بنهزاته معها، كان يفضلها دائمًا.. و هي أيضًا، حتى وقتٍ قريب !!!
-ما سألتنيش يعني هانروح فرح مين ! .. هكذا تساءل "عثمان" أثناء قيادته و بعد إجتيازه أسوار القصر
حانت منها إلتفاتة صغيرة نحوه، ثم قالت بجفاف و هي تحدق عبر زجاج النافذة بجانبها :
-عارفة.. فرح مراد صاحبك. سلاف مرات دكتور أدهم كلمتني من شوية و عزمتني بنفسها. لولاها ماكنتش وافقت أنزل معاك دلوقتي أساسًا
يرفع "عثمان" حاجبه مرددًا :
-لا و الله !
تمر لحظاتٍ على تعليقه الاستنكاري.. لتصدر عنها زفرة حانقة مفاجئة، ثم تعاود النظر إليه مغمغمة بانفعال مكبوت :
-أنا نفسي أعرف.. إنت إزاي بتقدر تعمل كده ؟!!!
أخذ "عثمان" ينقل نظراته بينها و بين الطريق و هو يتساءل :
-بعمل إيه مش فاهم !!
فتحت فاها لتنفجر بوجهه بشدة ...
لكنها أمسكت غضبها بأخر لحظة.. أغلقته ثانيةً و هزت رأسها للجانبين، أشاحت بوجهها عنه من جديد مغمعمة :
-و لا حاجة !
أطلق "عثمان" سبّة خافتة لم تنتبه "سمر" إايها مطلقًا... لم ينقصه كل هذا هو الآخر.. إذ كان غضبه لا يقل حدةً عن غضبها ...
لكنه رغم هذا عمد إلى تهدئة أعصابه و تحدث إليها برفقٍ :
-يعني إنتي يا سمر.. مش شايفة إنك غلطانة خالص ؟
علت زاوية فمها بابتسامة تهكمية و قالت بسخرية دون أن تنظر إليه :
-أنا دايمًا غلطانة يا عثمان.. إنت مش محتاج تفكرني كل شوية أو تثبتلي حاجة زي دي. أنا المعنى الحرفي للغلط !
تنهد بثقل و قد عجز عن مجادلتها.. لم يعرف كيف يتصرف أو كيف يفتتح الحوار معها مرةً أخرى... سدت المنافذ كلها بوجهه.. لتقع عيناه على مذياع السيارة أمامه، أشرق وجهه في هذه اللحظة بإبتسامة محمّلة بمشاعره القوية التي يكنَّها لها
و من دون ترددٍ مد يده ضغط زر التشغيل، ثم أمسك بهاتفه و أوصله لا سلكيًا بالمذياع.. أستغرقه الأمر بضع لحظات حتى عثر على الغنوة التي لطالما آنسته و أسهدته أيضًا خلال فترة بعدها عنه لعامٍ و أكثر ...
-إسمعي معايا الغنوة دي ! .. قالها "عثمان" بصوتٍ عالٍ بعض الشيء لتسمعه جيدًا وسط النغمات الصاخبة
و تابع بحنينٍ مفعمًا بالشوق الجارف الدائم إليها :
-سمعتها بالصدفة بعد ما سبتيني علطول و روحتي تقعدي مع أخوكي ساعة الحادثة.. مابطلتش أسمعها كل يوم من ساعتها. حنى لما رجعتيلي تاني !
حركت "سمر" رأسها قليلًا لترمقه بطرف عينها، عندما تغلغلت الألحان بأذنيها و لمست شيئًا شديد الحساسية بداخلها.. و لا شعوريًا، إندمجت كليًا مع الكلمات ...
مَغْرَم . . مَغْرَم أَنَا بيك
علطول و أَنَا صَابِر و صَبْرِي فِي هوايا
دَلِيلٌ
لَيْل وَرَا لَيْل
و لَا دوقت النَّوْم
شَوْقٌ و غَرَام
لَا عِتَابَ و لَا لَوْمَ
دَارِي أَنَا دَارِي
حَيْرَتِي و مراري
و أَنْت و لَا دَارِي
يَا لَيْل . . يَا لَيْل . . يَا عَيْنُ
أَنْت الحبيته
و أَنْت اللَّيّ نَادِيَتِه
مِنْ بَيْنِ النَّاسِ
و أَنَا قُلْت خَلَاص
و أَنْت بتهواني
و فِي يَوْمِ تَنْسَانِي
و أَنَا دوقت معاك
طَعْمٌ الْإِحْسَاس
و آه يَا زَمَان . . يَا زَمَانِي آه
آهِ مِنْ الْعَيْنِ و اللَّيْلِ وَ الَآهٌ
الصَّبْر جَمِيل
قَالُوهُ فِي المواويل
و الْقَلْب يَا دَوب
يادوب يَرْتَاح
ليّل يَا شَوْقٌ
مَع صَبْرِي صَبَاح
قَادِرٌ تَنْسَانِي ؟!
طَيَّب إِنْسانِيٌّ ..
صَعُب أَنَا أَنْسَاكٌ
و أَنَا رُوحِي معاك
و أَفْضَل أَنَا إِدَارِيٌّ
حَيْرَتِي و مراري
و أَنْت و لَا دَارِي
يَا لَيْل . . يَا لَيْل . . يَا عَيْنُ يَا لَيْل
مَغْرَم . مَغْرَم أَنَا بيك علطول
و أَنَا صَابِر
و صَبْرِي فِي هوايا دَلِيلٌ ...
كانت في حالة غير متزنة.. بعد سماع هذا... و كأنها كانت بعالم آخر.. و عادت فجأة لأرض الواقع
حيث إرتعدت بقوة حين إنفتح باب السيارة من جهتها، أفاقت على الفور، لتكتشف بأنه قد توقف.. لا بد أنهما وصلا إذن !
تطلعت "سمر" إليه ...
كان يقف أمامها مادًا يده إليها، عبست في وجهه مجددًا و أعرضت عن مساعدته و العون المحبب الذي يقدمه لها، تمسكت بإطار السيارة و ترجلت بنفسها متجاهلة إياه ...
أومأ "عثمان" مبتسمًا و تجاوز تصرفها بسعة صدر.. أقفل سيارته، ثم إستدار لاحقًا بها تجاه ذلك الممر المفضي لهذا الصرح الخاص بأزياء النساء فقط، و ليست أيَّة نساء.. بل ذوات الجاه و سليلات العائلات الكبرى فاحشة الثراء
كان هذا بناء مكوّن من طابق واحد فقط... لكن مساحته الضخمة كانت باذخة الواجهة و كافية جدًا.. لو لم تكن "سمر" برفقة "عثمان" لما دخلت هذا المكان بسهولة.. و كأنه معروفًا من طريقة تعامل الجميع معه، بدايةً من أفراد الأمن الذين أمطروه بالتحيات الحارة و العاملات الشابات بالداخل، وزعن عليه الابتسامات الرقيقة و الترحيبات
بينما هو كان شديد التحفظ رغم أنه لكان يرتأيها فرصة ذهبية لإثارة غيرة زوجته بعد ما رآه اليوم من برودٍ في تعاملها معه... لكنه لم يفعل ذلك، لأنه أيضًا يدرك بأنه أساء إليها في المقابل، و عوض التفكير بالتسبب لها بأيّ مضايقة.. ها هو قد أمسك بيدها أمام الجميع و سار بها للداخل.. حتى ظهرت هذه فجأة !
-مش ممكن عثمان البحيري بحاله عندنا !!!
كانت امرأة في أواسط الخمسينيات تقريبًا، مليحة الوجه إلى حدٍ ما، شعرها قصيرًا و مصبوغًا بشقرة تميل للبياض.. ما إن رأت عثمان حتى هرولت إليه فعليًا و أمام نظرات "سمر" الخاوية غير المقروؤة دنت منه لتحتضنه و تقبله على خديه ..
-أهلًا يا عثمان. خطوة عزيزة يا حبيبي ! .. أسرفت السيدة الجميلة في الترحيب به على هذا النحو
ليبتسم "عثمان" في وجهها قائلًا بكياسة :
-متشكر جدًا يا مدام شكيرة. أخبارك إيه ؟
-أنا كويسة.. بس إيه مدام شكيرة دي يا بابا ؟ أنا طنط شكيرة يا ولد. و لا إكمنك كبرت و بقيت راجل ملو هدومك و أطول مني هاتعاملني بالرسميات ؟ ده أنا كنت بغيرلك البامبرز و إنت بيبي !
ضحك "عثمان" معلقًا بحرج :
-Ops ! طيب بليز بلاش نمنشن الذكريات دي دلوقتي. أنا جايلك بمراتي يا طنط !!
نظرت "شكيرة" حيث أشار، نحو تلك الفتاة الضئيلة التي وقفت بجواره واجمة تمامًا ...
-أهلًا أهلًا يا حبيبتي ! .. رحبت بها بحفاوةٍ أيضًا
-بسم الله ما شاء الله. زي القمر يا عثمان. مراتك أحلى منك بكتير
عثمان مبتسمًا : أيوة عارف. و دي حاجة ماتزعلنيش.. سمر أحلى طبعًا
لم تعير "سمر" أيّ منهما إهتمامًا، كانت تعلم بأنهما لا يتفوهان سوى بالمجاملات.. و هي بالفعل قد شبعت منها حتى أصابتها التخمة و الغثيان !
-و عشان هي أحلى مني و في نظري أحلى ست في العالم كمان. جبتهالك بقى عشان تلبسيها أحلى حاجة عندك. حاجة قيّمة و في نفس الوقت محتشمة.. زي ما إنتي شايفة هي محجبة !
بقيت "سمر" تتابع حديثهما كمستمعة فقط، بينما ترد "شكيرة" كمن بوغتت :
-أنا كنت فكراك جاي توصي على حاجة لمامتك زي كل مرة. فاجئتني بصراحة لأني مش بصمم للمحجبات خالص و ماعنديش حاجة تناسب الحجاب مية في المية !!
-لأ أنا ماعرفش الكلام ده. إتصرفي يا شكيرة هانم.. إنتي أحسن Fashion designer في البلد. إن شاالله تعمليلها فستان و هي واقفة قدامك Special Piece. أنا مش هامشي من هنا بيها إلا و هي لابسة من عندك حاجة ماحصلتش. إحنا عندنا معاد الليلة و أنا مستعجل. و تحت أمرك في التكلفة طبعًا إللي تقولي عليه موافق
شكيرة بحيرة : مش حكاية تكاليف يا عثمان.. طيب. طيب أنا هاشوف هقدر أعمل إيه
عثمان بحزم : مش هاتشوفي. حضرتك هاتلبسي سمر أحسن حاجة ممكن تخرج من تحت إيدك ! .. و نظر بساعة يده معلنًا :
-معاكي ساعتين بالظبط
تنهدت "شكيرة" بعمق، ثم قالت بعد تفكير قصير مستسلمة :
-أوكي يا عثمان. عشان خاطر عيونك إنت.. و عيون القمر قبلك طبعًا !
و رمقت "سمر" بابتسامة حلوة، ثم نظرت له مستطردة :
-بس بالنسبة لك. مش محتاج حاجة و لا إيه ؟
عثمان بدهشة : إنتي بقيتي تصممي رجالي و لا إيه يا شكيرة هانم ؟!
قهقهت "شكيرة" بمرحٍ و قالت :
-لأ حبيبي دي بنتي تالا.. قسمت الآتيليه بينا و هي أخدت نصه و بتصمم للجنسين. حريمي و رجالي. بس إيه يا عثمان. ماقولكش على جمال شغلها
-لأ كده شوقتيني.. تمام. خدي إنتي سمر و اعملي اللازم. و أنا هاروح أبص على الشغل التاني
-أوكي. إتفضلي معايا يا حبيبتي !
يترك "عثمان" يدها هنا، لم تشأ أن تبين له إنزعاجًا مِمّ سمعت للتو.. ذهابه للتعامل مع فتاة أخرى، فتاة تكون إبنة هذه السيدة التي رغم كبر سنها تحوز جمالًا خارقًا... فماذا عن إبنتها يا ترى !!!
و كأنها وضعت حجرًا على قلبها... مضت مع السيدة من غير أن تلقي عليه نظرة.. بينما أخذتها الأخيرة إلى غرفة مستديرة... لم تكن سوى مكانًا للقياس تقريبًا.. أو ورشة لتنفيذ التصميمات، شيئًا من هذا القبيل
و بعد مرور ساعتين أو أقل.. اقتحمت العاملات المكان بدزينة من الفساتين و أدوات الأزياء، و كانت "شكيرة" تمارس عملها بمهارة منقطعة النظير.. حيث تمكنت بسهولة و بقدرٍ من التركيز أن تبدع قطعة خاصة بالفعل كما قال "عثمان"... في وقتٍ قياسي، قامت بتحويل ذلك الفستان الزهري نصف المكشوف إلى آخر يلائم امرأة محجبة كالتي أمامها.. أغلقته عليها باحكام و جعلته يبدو و كأنه خيط من البداية من أجلها
كان مبهرًا للجميع... و ل"سمر" أيضًا، عندما نظرت لنفسها بالمرايا المحيطة بها.. لم تستطع أن تنكر مدى روعة الشيء الذي ترتديه... رغم ذبولها و شحوبها، كانت فيه كالحورية في أوج اشتعالها !
لم تنتبه حتى تناهى صوته إلى سمعها فجأة بأنه قد عاد ...
إستدارت كليًا للخلف، لتجده يلج إلى الغرفة في حلة زرقاء و ربطة عنقه محلولة.. رأته يخاطب "شكيرة" و في نفس الوقت يبحث بعينيه عنها.. حتى وجدها علة يمينه، ليجمد بمكانه في الحال ...
-إيه رأيك يا عثمان ! .. تساءلت "شكيرة" و هي تعقد ذراعيها أمام صدرها و تعاين صنع يديها على جسم "سمر" بتفاخر
نظرت "سمر" إلى زوجها، لتجده يومئ برأسه مثنيًا على ما يراه :
-Perfect ! جميل جدًا يا شكيرة هانم. بجد تسلم إيدك
تمتمت "شكيرة" برقة :
-You welcome يا سيدي.. طيب. طالما عجبك أروح أحضر الفاتورة. و بالمرة أشوفلها شوز عندنا يمشي مع الفستان !
-إتفضلي ! .. ردد "عثمان" دون أن يحيد بعينيه عن زوجته
و في خلال ثوانٍ كانا بمفردهما.. فلم يعد يطيق صبرًا، و إتجه نحوها !!!
رفرف قلبها بشدة.. حين رأته مقبلًا عليها ببطء و نظراته تشملها بتفحصٍ لا يخلو من الإعجاب ...
و تلقائيًا علقت أنفاسها بصدرها و هي تستشعر الذبذبات الحارة المنبعثة من جسمه الآخذ بالاقتراب منها، حتى توقف أمامها مباشرةً.. المسافة بينهما لا تُذكر، لكنها لا يتلامسان... إلى أن أحست بكفه يقبض على يدها فجأة و أصابعه تتخلل أصابعها و تشتبك بهم بقوة دفعتها للإنهيار داخليًا و أطلقت أنفاسها المحبوسة برئتيها
أطبقت جفونها فورًا خشية أيّ خطوة يقدم عليها تاليًا، بينما يرفع "عثمان" كفه الآخر و يضعه على مؤخرة رأسها.. يقربها منه بتمهلٍ، ليفاجئها بقبلة رقيقة مطوّلة فوق جبينها.. ثم يبعد وجهه قليلًا لينظر بوجهها المحاط بحجابها الجميل و الذي أضفى عليها براءة و وقارًا في آن ...
-بحبك يا سمر ! .. قالها "عثمان" هامسًا بحميمية أيقظت كل مشاعرها الخامدة تجاهه مرةً واحدة
فتحت عيناها على وسعهما في هذه اللحظة، لتتصلا بعينيه الحادتين فورًا... إزدردت لعابها بتوتر و هي تمتثل رغمًا عنها للسحر الذي يبثه لها بنظراته، و من جديد أجبرت نفسها على تصديقه، خاصةً و هو يكرر نفس الكلمة ثانيةً و لكن بلهجة أكثر خشونة و كأنه يثبت لها مشاعره و ملكيته وحده إياها :
-بحبك !
و للمرة الواحدة... بعد الألف تقريبًا... فشل التظاهر و التمسك بالثبات، خانتها دموعها و فرت من عينها دون أدنى محاولة منها لمنعها، لكنها عندما حاولت إزالتها بظاهر يدها منعها
قبض "عثمان" بيده الأخرى على يدها الحرة.. دنى بوجهه من وجهها و طفق يقبل تلك اللآلئ المنتثرة على خديها، ثم يتمتم بحرارة أذابتها :
-أنا آسف.. و الله آسف. كل ما بوعدك إني هاتغير و هاخد بالي منك.. مابوفيش يا سمر. بس و الله غصب عني. وحياتك عندي !
إبتلعت "سمر" غصة باكية، و تركت لدموعها العنان تمامًا... لكن من دون عويلٍ كشيمتها أو حتى نشيجٍ ...
ضمها "عثمان" إلى صدره، أخذ يربت عليها و بمسح على رأسها بحنان و هو يقول بلطفٍ :
-طيب هاعملك إللي إنتي عايزاه.. و الله ما هازعلك تاني. بحلفلك. المرة دي لو على رقبتي.. مش هاعمل حاجة غير برضاكي.. بس نعدي الفترة دي. إديني فرصة أخيرة. هدنة قصيرة. و بعد كده مش هايبقى في مشاكل.. أوعدك يا سمر !
وعد ! وعد مجددًا !!!
لقد قالها بنفسه للتو... إنه لم يفي يومًا بوعده.. كيف تصدقه هذه المرة ؟ كيف تضمن حقيقة صدقه ؟
في الواقع ما من ضمانات... و هو كالعادة يعلم بأن لا خيار أمامها.. فما الفائدة من جوابها ؟ ما الفائدة !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! ..................................................... !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!