![]() |
رواية صدفة ام قدر (العشق الخماسي) الفصل الخامس والاربعون 45 بقلم سميه عبد السلام
#صدفة_ام_قدر
#العشق_الخماسي
#البارت_45
بسم الله الرحمن الرحيم
البارت 45
تجاوزت الساعة العاشرة مساءًا ولم تخطو قدمه البيت إلا الآن بعد ان انتهى دوام عمله الذي أعتاد عليه رغم صعوبته لكن ما يجعله هين بالنسبة له هو حبه وشغفه في كل شيء يتعلق بمهنة الطب، ترجل داخل البيت الهادئ الذي يوحي بغياب أفراده بخطوات هادئة ويحك خلف عنقه بأرهاق وتعب نحت نفسه على ملامح وجهه، قرر بداخله ان يصعد إلى شقتهم ويأخذ حمامًا منعشًا يخفف به تعب اليوم ولكن قبلها تمنى أن يراها رغم علمه بأنهم ذهبوا لشراء الثياب الجديدة كما اخبرته شقيقته «قدر» في الهاتف.
جاب بعينيه في ردهة المنزل الكبيرة عله يروي ظمأ قلبه برؤيتها وخابت اماله وهو لا يرى شيء سوى الفراغ، تنهد بيأس واخذ اولى خطواته في الصعود للأعلى حتى انتبه لها وهو يراها بطرف عينه تخرج من المطبخ وتحمل في يدها كوب زجاجي ومع الدخان الذي يخرج منه يجعلك تتقين انه مشروب ساخن وليس عصير !
استدار بجسده وهو يقترب بخطواته منها، يتفحص تعبيرات وجهها المنزعجة ويدها الأخرى إلى تدلك بها بطنها أثر التوعك الذي تشعر به ورغم دفعها للمشروب الساخن من بين شفتيها إلا أن التقلصات لم تهدأ بعد، وبحكم خبرته كـ طبيب التقط سبب الحالة التي هي فيها والتي بالتأكيد منعتها من الذهاب معهم.
رمقها بملامح عابثة واردف ببسمة مشاكسة:
"في حد يشرب يانسون في الولعة اللي إحنا فيها دي؟!!"
زاغ بصرها ناحية الصوت ورأته يقف أمامها على بعد خطوات يتابعها بعينيه، أخفت وجعها وشعورها بالألم والذي من المفترض ان تكون اعتادت عليه إلا ان كل مرة تتعب بهذا الشكل واكثر وفي الغالب تلجأ إلى المسكنات، رمقته بأقتضاب وحنق مردفة بسخرية لاذعة:
"معلش اصل عندي فقرة غنائية مع تامر حسني"
وعلق على حديثها بأبتسامة سمجة رسمها على وجهه، حتى خرجت «ريهام» من إحدى الغرف ورأته يقف هكذا لتقول:
"انت جيت يا رحيم؟؟"
حرك رأسه ناحيتها وقال بهدوء:
"اه لسه راجع حالًا"
رمقته بأعين متفحصة وهي ترى كم يبدو عليه التعب لتضيف ببسمة جميلة ووجه بشوش:
"طب يلا روح انت غير هدومك على ما اكون سخنت لك الأكل"
هتف يعترض بأدب:
"لأ ماتتعبيش نفسك انا الحمدلله فطرت في المستشفى"
عبثت ملامحها بضيق مردفة بأصرار:
"وهو ياحبيبي أكل المستشفى ده أكل؟!! ده العيانين نفسهم مش بيرضوا ياكلوه، روح بس انت غير هدومك وتعالى"
"طالما مصرة استني بقا أجاي معاكِ واساعدكِ"
رفضت الأخرى بسرعة مردفة بعفوية:
"ياحبيبي ماينفعش تدخل المطبخ انت دكتور"
وعند ذكرها لأسم مهنته انتبه أنه لم يخلع عنه 'البالطو' بعد، ولم ينتظر دقيقة أخرى حتى خلعه واقترب من احد كراسي المائدة يضعه عليه، ثم عاد ببصره لزوجة عمه وقال بأبتسامة لطيفة مع قوله المرح:
"ودلوقتي مابقتش دكتور.. يعني ينفع أدخل المطبخ"
تبسمت ضاحكة علي تصرفه ثم تنهدت بقلة حيلة ودخلت المطبخ ومن خلفها «رحيم» الذي نظر إلى «ندى» بطرف عينه ورأها عادت تمسك ببطنها بوجع من جديد قبل ان تراه، كانت تريد ان تدخل هي الأخرى إلى المطبخ وتساعدهم إلا أن الألم اشتد عليها، لم تقدر حتى على الصعود إلى شقتهم والنوم بغرفتها بل جلست على كرسي الطاولة التي تركت فوقها الكوب فارغًا واخرجت هاتفها تعبث به علها تشغل عقلها عن الألم ولو بالقليل.
بداخل المطبخ وضعت «ريهام» الأواني التي تحمل بداخلها الطعام على الموقد تقوم بتسخينه وبجانبها «رحيم» الذي اخرج غلاية يضع بها الماء واخذ يتفحص العلب الزجاجية وما المكتوب عليها حتى يأخذ مراده في حين انشغلت «ريهام» فيما تفعله واثناء ذلك قالت:
"انا بقا لما عرفت انك هتعوق في المستشفى قلت احوش لك نصيبك من كل حاجة عشان تبقا كلت زينا، مع ان معروف أن الغايب ملوش نايب"
قالت الاخيرة بمزاح ليشاركها «رحيم» في الحديث بقوله الهادئ مع بسمة حانية علت شفتيه ناهيك عن تلك الطبقة الرقيقة التي شكلت نفسها فوق عينيه الزرقاء:
"إزاي بقا أن الغايب ملوش نايب وانا واختي غيبنا عنكم السنين دي كلها ومع ذلك رجعنا ولقينا نصيبنا لسه موجود"
كانت تتفقد الأواني برفع الأغطية من عليها بقطعة قماش حتى لا تصل لها حرارتها، لتتجمد يدها مكانها عندما اخترق أذنيها جملته التي كان يقصد بها معاملتهم الجيدة معه ومع شقيقته وابدًا لم يتعامل احد منهم معهم على أنهم غرباء او حتى تسلل لهم الشك بأنهم ليسوا بأبناء «حسن» وحتى اقل شيء يفعلونه ليتأكدوا من ذلك لم يفعلوه ورفضوا وهو تحليل الـ DNA الذي يثبت هوية النسب.
وقفت «ريهام» في مقابلته تتطلع به بوجه حزين رغم الابتسامة التي تجاهد في إظهارها وعلى الرغم من الدموع التي زينت مقلتيها لتذكرها بما حدث في الماضي:
"عشان حسن عمره ماكان غايب عنا يارحيم لما سابنا ومشي، مشي بجسمه بس روحه كانت لسه متعلقة هنا وفي كل ركن في البيت ده، غياب حسن مش بس كسر ابويا الحج وسارة لأ ده كسرنا كلنا، جدك امرنا كلنا نشيل اي حاجة تخص ابوك من البيت وماحدش يجيب سيرته كأنه مش موجود، ماحدش فينا كان عارف هو بيعمل ليه كده بس لما انت جيت وشافك كلنا شفنا زكريا اللي هو حاول يداريه عنا، كان بيحاول مايبنش ضعيف وقليل الحيلة قدام اعمامك عشان هما كمان مايضعفوش زيه، بس كلنا شفنا الانكسار والحزن والفرح والخوف في عيون ابويا الحج لما شافك، الانكسار والحزن بسبب فراق ابوك عنا كل السنين دي والفرح ان ابنه رجعله والخوف انك تكون وهم وانك مش حسن إبنه"
ادمعت عيناه على فراق والده وتمنى لو كان والده حاضرًا الآن ليرى بنفسه انه كان مخطأ في قرار هروبه من هنا وحرمان نفسه وعائلته الصغيرة التي كونها بعيدًا عن هذا المنزل الذي لا يحمل لهم غير الحب.
تمتم «رحيم» بنبرة أضحت كم هو حزين وأيضًا مشتاق:
"ياريتني كنت هو... ياريت كان موجود معانا دلوقت"
رفرفت الدموع فوق أهداب «ريهام» التي تطالعه بخليط من الحزن والأسى والشفقة تجاهه وبعدها احتضنت وجهه بيديها قائلة بعاطفة جياشة:
"ومين قال إنك مش هو؟!! اللي واقف قدامي دلوقت هو حسن نفس الملامح نفس الطيبة ونفس الحنية هو بس.. يادوب الإسم متغير، واحلى حاجة عملها حسن انه سابلنا حتة منه قبل ما يمشي، والحتة دي تبقا انت واختك قدر "
بالخارج عند «ندى» جلست تشاهد الفيديوهات التي يتم نشرها على فيسبوك بملل والوجع كما هو، زفرت بقوة وهي تغلق جفونها تعتصرهما حتى انتبهت لصوت يخبرها بوصول رسائل جديدة لها وبالتحديد من تطبيق الواتساب صاحب الصوت المميز، فتحت الاشعارات لتدخل الدردشة على الفور والتي كانت من رقم غير مسجل لكنها انتبهت للصورة الموضوعة وعلمت منها صاحب الرقم والذي لم يكن سوى «هشام» الذي كان قبل ساعات يتصل بها حتى يعتذر لكن ماذا الآن؟ ماذا يريد؟؟
لم تترك «ندى» نفسها للفضول بل تحركت بعينيها لتقرأ الرسالة مهلًا..بل رسالتان أحدهما صورة لـ Pdf لملخص ما لأحد موادها الدراسية التي لم تمتحنها بعد والرسالة الأخرى كان محتواها:
"ازيك يا ندى !! عارف انك اكيد مسجلتيش الرقم انا هشام اللي بعته فوق ده ملخص للمادة اللي هتمتحني فيها المرة الجاية أبقي بصي عليه، انا بطرقي عرفت انه مهم ومع كل الدفعة تقريبًا إلا أنتِ"
لم تنتظر وقامت بتحميله وبعدها فتحته ومعه انفتح فم «ندى» بذهول وهذا لأنه نفس الملف التي كانت تبحث عنه ولم تعثر عليه والجميع يبحث عنه، فهو ملخص لكتاب حوالي مئتي صفحة في ثلاثين صفحة فقط والجميع يعلم انه لن يخرج منه الامتحان.
اسرعت أناملها بالكتابة على لوحة المفاتيح لتترجم ذهولها ودهشتها إلى كلمات.
"جيبته منين؟!! ده الدفعة كلها دايخة عليه وماحدش عارف يجيبه"
وتحولت الخانة التي أسفل رقمه من متصل الآن إلى يكتب وبعدها وصلتها رسالة يقول فيها:
"ومين قالك أن الدفعة كلها دايخة عليه مش يمكن انتِ بس اللي مش معاكِ الملخص ده؟!!"
لم تفهم إلى ما يرمي إليه لتقول بتأكيد:
"لأ انا متأكدة انا سألت البنات زمايلي وكلهم اكدوا انهم مش معاهم، اصل ليه يكدبوا يعني؟؟"
بعث لها رسالة تحتوي على سبعة من نفس الايموشن _رمز تعبيري_ الضاحك وبعدها كتب:
"عشان طيبة وعلى نياتك، ندى انتِ بقالك سنتين في الكلية المفروض تكوني اتعودتي على حواراتها وعدم السلكان اللي بين الزمايل"
نفذ صبرها من هذه المماطلة لمعرفة الإجابة وكتبت:
"ايوة جبته إزاي يعني؟؟"
انتظرت إجابته التي طالت والتي توحي بطول الرسالة.
"دخلت كلمت بنت من زمايلك اللي متأكدة انهم مش بيكدبوا وقلت لها اني معاها في نفس السنة وكنت محتاج الـPdf ده، بعتته هي على طول وده علشان انا ولد إنما لو كنت بنت ماكنتش بعتت وعلى فكرة الولاد بردو بتعمل مع بعضها كده يعني عدم السلكان في الطرفين انا مافهمتش الحكاية دي غير بعد سنة أولى جامعة لما شلت مادة واتفاجأت ان الدفعة كلها كان معاها ملخص ليها إلا أنا، ومن هنا بقيت ادخل للولاد اعمل اني بنت والعكس بردو"
قرأت الرسالة بتعبيرات وجه مشدوهة، لكنها لا تعلم أن هذا اقل شيء يحدث بالجامعة وللحق هناك ايضًا طلاب كل ما يفعلونه أنهم يسخرون وقتهم في مساعدة غيرهم بكافة الطرق الممكنة وهذا لتيقنهم أنهم لن يأخذوا مجهودهم كما يزعم البعض بل سيزيد من أجورهم عند «المولىٰ»
لم تعرف بماذا تجيبه بعد ان شعرت أنها حمقاء وتصدق كل ما يقال لها وهذا بسبب طبيعتها الفضولية في كل شيء والتي تجعلها تصدق اي شيء بسهولة.
"والله يا هشام مش عارفة أشكرك إزاي او اقول اي الملف ده انا فعلا كنت محتجاه اوي"
اتاها رده المازح:
"ممكن مثلًا تقوليلي تسلملي يا هشام ربنا يخليك يا هشام مش عارفة اودي جمايلك فين يا هشام الكلام مخلصش يعني ياندى"
علت البسمة شفتيها واستمروا في تبادل الأحاديث بينهم حتى انتهت بتسجيل «ندى» رقمه بحجة أنها ربما تحتاج لسماعدته في باقي المواد الأخرى، ولم ترفع عينيها من على الهاتف والذي لم يجعلها تنتبه لوصول اخوتها و ابناء عمها على صوت «ادهم» وهو يقول:
"ندى! ندى انتِ سمعاني؟؟"
ارتبكت حالما رأته يقف بطلته الجذابة التي تخطف الأنظار أمامها ورغمًا عنها احتلت الإبتسامة وجهها مع حمرة طفيفة على خديها قائلة بتلعثم:
"اه..ايوة يا أدهم سمعاك كنت بتقول اي؟؟"
اردف يكرر حديثه الذي لم تسمعه:
"بقولك أمي فين؟؟"
"في المطبخ مع رحيم"
كاد يتحرك صوب المطبخ حتى هتفت هي بسرعة وهي تنتفض من مجلسها:
"أدهم !! جيبتلي لبس العيد زي كل مرة؟ اوعى تكون نسيتني"
لم تختلف نبرة صوته الهادئة رغم المكر الذي غلف حديثه حتى يوصل لها رسالة مبطنة من خلال كلماته:
"أكيد جيبتلك يا ندى يعني هيجيب للكل وانساكي انتِ، ده حتى سبت سليم يختارلك اللبس المرة دي عشان هو عارف عني اي اكتر حاجة بتحبيها واي اللي بيليق عليكِ"
هو لم يكن بالغبي حتى لا يلاحظ نظرات الإعجاب التي كان يراها في عينيها منذ بدء مرحلة مراهقتها لكن هو ابدًا لم يكِن لها المشاعر التي تنتظرها هي هو فقط يراها كشقيقة له، تمنى لو كان يملك السلطة لتحكم في قلبه وأحبها حتى لا يكون هو السبب في كسر قلبها، ولهذا قرر ان يقلل التعامل بينهم ويكون حذر في أي كلمة عفوية قد يقولها وتفسرها هي بشكل خاطئ لكن إذا تطور الأمر بشكل سيء وزاد تعلقها به سيلجأ هو للحل الأخير والذي يكره وهو المواجهة...المواجهة بحقيقة مشاعره.
ارتخت تقاسيم وجهها المتحمسة إلى أخرى غير مبالية حزينة لتعود إلى جلستها الأولى بوجه محبط فـ لم يكن هذا الرد الذي انتظرته فكيف له ان يقول ان شقيقها يعلم اكثر منه عنها وهو من عاش معها منذ ولادتها حتى الآن؟؟ ثم تابع بعد تيقنه من ان رسالته قد وصلت لها وقال:
"لو عايزة تشوفيهم وتتفرجي عليهم، هما مع سليم طلع بيهم على شقتكم يحسبك هناك شكله ماخدش باله أنك قاعدة هنا"
امأت له برأسها واكتفت بها بينما هو تابع سيره إلى المطبخ ووجد والدته تقف في منتصف المطبخ و «رحيم» تقريبًا كان يقبع بين أحضانها شعر بالغيرة على ولادته منه ولم ينتظر حتى قطع المسافة بينهم وفصل بين الإثنين وهو يقول بضيق مزيف:
"إيدك بس ياسطا عشان فيها طلقها دي"
أبتسمت والدته على مزاحه على عكس «رحيم» الذي ابتعد بحرج وردد معتذرًا:
"انا بعتذر انا مش قصدي انا بس افتكرت ماما الله يرحمها انا بس ماكنتش عايز اضايقكِ"
وقبل ان تتحدث «ريهام» بلهفة تنفي ظنونه وتقول عكس ذلك كان «أدهم» يلف زراعه حول عنق «رحيم» وقال:
"لأ بسم الله ما شاء الله واضح التربية وانك متعوب عليك، طب ما تقعد جمب سليم شوية يمكن يلقط منك حاجة بدل ما هو قارفنا كده"
"شوف يأخي مهما تقول عليا بردو مش هزعل ليه؟ قول ليه؟"
تمتم بها «سليم» بعد ان دخل المطبخ وانضم إليهم وعندما طالت نظرات «ادهم» المشمئزة اكمل حديثه:
"عشان انت حبيبي تقول اللي انت عايزه، انما أخوك عمر اللي شبه السلعوة لو قالي كلمة كمان هسمعه القاموس الجديد في الشتايم"
رمقه بقرف ولم يكلف نفسه عبء الرد عليه بل تجاهله بينما الاخر شهق بقوة وبعدها قال وهو يمثل الصدمة على ملامحه حالما رأى زوجة عمه:
"نهار ابوكم اســوح جايبين نسوان في المطبخ وياترى جدي يعرف بالمسخرة اللي بتحصل هنا دي يابهوات؟؟!"
لم ينتظر الإجابة منهم بل اقترب من «ريهام» التي تبتسم على شقاوته ثم تابع وهو يضع يده على كتفها ويلحق بحديثه غمزة عابثة واضاف بمشاكسة:
"ألا الحلو شاقطينه منين؟؟ من شارع الهرم ولا جامعة الدول؟؟"
لم يقدر «رحيم» على منع نفسه من الضحك بينما «أدهم» أردف ببرود ظاهري عكس ثورة غضبه المشتعلة بداخله من طريقة تعامل إبن عمه مع والدته:
"طب شيل إيدك عن أمي ياحلو واتنيل على عين أهلك احترم نفسك عشان انا على تكة وهنفجر في وشكم انتم الاتنين"
مط شفتيه بضيق زائف ونظر الى زوجة عمه وقال بعتاب:
"ينفع كده يا ريري اللي الشحط إبنك ده بيعمله معايا؟؟ انا ماعرفش خلفتيه إزاي ده؟؟!"
ابتسم بسمة سمجة وقال بأستهزاء:
"ده على أساس أن أمك هي اللي مخلفة عصفور كنارية ما انت زي البغل اهو وماحدش اتكلم"
تدخل «رحيم» بعد ان كبت ضحكاته عليهم رغم شعوره بالالفة بينهم وقال وهو يشتم رائحة غير سارة بالمرة:
"بعد إذن قصف الجبهات المتبادل بينكم بس هي ريحة الشياط دي جاية منكم ولا جاية منين؟؟"
وبكلماته كأنه حفز حواس «ريهام» التي صرخت بفزع:
"يالــهوي... الأكل اتحرق!!"
__'__'__'__'__'__'__'__'__'__'__'__'__'
وفي نفس الحارة ولكن في عمارة تبتعد عن منزل «المنشاوي» بعض الأمتار كانت «علا» تجلس على الأريكة في منزل رفيقتها «نرجس» وتحمل بين كفيها هاتفها الخلوي المضيء على صورها هي وزوجها تارة تبتسم بحنان وتارة أخرى تبتسم بحزن واشتياق، تسأل نفسها أحقًا قد يكون «احمد» خائن ولا يحبها؟؟ وان كانت الإجابة نعم لما لم تلاحظ شيء عليه طوال هذه السنين؟؟ أدمعت عيناها بحسرة على حالها فـ من المفترض ان اليوم يكون أسعد أيامها كما كان بالسنين السابقة حيث تذهب مع العائلة وتنتقي ثوب العيد مع حبيبها وكانت كل مرة تتعمد اختيار ثوب ضيق لتثير استفزازه وبعدها ينتهي الأمر بالضحك سويًا.
منذ عام في مثل هذه الأيام
وقفت «علا» تختار الملابس بعناية حتى وقع بصرها على فستان قصير للغاية بالكاد يتعدى طوله منطقة الحوض فقط يغطي جزء بسيط من الفخذ بينما من الأعلى كان مفتوحًا على شكل مثلث مقلوب بحملات رقيقة للغاية وكأنه صمم خصيصًا ليبرز مفاتن الأنثى التي سترتديه، لمع الخبث في عينيها واسرعت تخرج هاتفها تهاتف به زوجها الذي كان في محل اخر ليس ببعيد عنها، حضر «احمد» على الفور وعلى وجهه بسمة متسعة وقال بحالمية وشجن:
"وحشتيني اوي بقالي عشر دقايق ماشفتكيش"
ابتسمت بحب له لكن هذا لم يمنعها من تنفيذ ما أرادت فعله وقالت وهي تسحب احدى الفستاين المعلقة تقول بحماس:
"ها؟! أي رأيك يا أحمد حلو الفستان مش كده؟؟"
تطلع «احمد» في قطعة القماش التي كانت تمسكها زوجته وقال بهدوء وهو يحك عنقه من الخلف:
"بصي هو أي حاجة انتِ تختاريها أكيد حلوة بس سؤال هو فين بقا الفستان؟؟"
تصنعت الاستغراب وهي تفتح عينيها بدهشة مع حركة يدها بالفستان حتى يراه أكثر وقالت:
"أهو الفستان يا احمد إزاي مش شايفه؟!!"
رفع سبابته يشير نحوه بأستنكار:
"ده فستان؟!!"
امأت برأسها بمعنى نعم بينما هو باغتها بقوله المندفع:
"اللي انا شايفه ده مش فستان ده قميص نوم !!"
هتفت بأعتراض:
"ايوة يا أحمد بس الفستان ده بجد عاجبني وعايزة ألبسه بكره"
التفت برأسه حولهم حتى سقطت عينيه على فستان من اللون القرمزي ولم ينتظر حتى احضره لها وقال ببتسامة عاشقة:
"خدي ألبسي ده اللون ده بيبقا حلو فيكِ أوي مع أن القمر هيغير منكِ بس مش مشكلة"
عبثت ملامحها بأمتعاض بسبب فشل مخططها في جعله يغار عليها حتى وجدته يقترب من اذنها يهمس لها بمكر:
"والفستان ده اشتريه هو كمان عشان عاجبني وشليه في جهازك عشان لما تبقي في بيتي أعرف اقيمه مظبوط"
عادت من شرودها من تلك الذكرى التي مر عليها عام بدمعة ساخنة هبطت من عينيها حتى سقطت على شاشة الهاتف التي لم تعد «علا» تراها بوضوح بسبب السحابة البيضاء التي غطت على سواد عينيها، في حين اقتربت منها «نرجس» وهي تحمل صينية بها كوبين من عصير الليمون يهدأ من حالة الحزن والشرود التي تلبستهن.
"عملتلنا كوبياتين ليمون إنما أي لوز اللوز، بدل ما كنا نروح معاهم وحد فيهم يحرق دمي وهي مش ناقصة غتاتة بصراحة و..."
توقفت عن الثرثرة بعد رأت العبوس والخذلان المرتسم ببراعة على وجه «علا» ناهيك عن خديها المبتلة بدمعاتها، أسرعت «نرجس» من خطواتها ووضعت الصينية على الطاولة أمامها وبعدها تحركت تجلس بجانب صديقتها مردفة بقلق:
"مالك يا علا؟؟ اوعى تكوني زعلانة على أحمد اللي زي أحمد دول مايستهلوش دمعة من عينك ده كلب ولا يسوى"
اغلقت جفونها بضيق بسبب نعتها لزوجها بالكلب لكنها تغاضت عن ذلك واردفت بضعف بعد ان فتحت عينيها:
"بس هو واحشني يا نرجس انا كنت عايزة ارد عليه اعرف هيقول أي ويبرر تصرفاته الغريبة دي معايا إزاي"
تمتمت «نرجس» بتحذير:
"إياكِ يا علا احنا مش بنعمل ده كله عشان في الآخر تستني مبرر، زي ماهو كان بيتجاهلك الفترة اللي فاتت وبيعاملك وحش انتِ كمان تجاهليه خليه يعرف قيمتك واوعي تديه ريق حلو لحد ما تقابلي البت اللي بتقولي عليها دي وتجيب لينا الصور وساعتها انا بنفسي اللي هخليه يطلقكِ"
شعرت بوخز عنيف في قلبها عند سماعها الكلمة الاخيرة من فاه «نرجس» مرددة بذهول:
"طلاق؟؟ هي ممكن توصل لطلاق؟"
ردت الأخرى بأستنكار:
"ليه هو انتِ كنتِ فاكرة أي؟؟ ولا انتِ كنتِ ناوية تكملي معاه بعد ما تتأكدي بنفسك أنه بيخونك، فين كرامتك ياعلا"
تمتمت «علا» بتردد:
"ايوة..بس هو ممكن يكون أحمد مظلوم والبنت دي بتفتري عليه وانا غبية وصدقتها"
ابتلعت ريقها بخوف من ان تزيل «علا» تلك الشكوك حول زوجها من عقلها وترجع علاقتها طبيعية كما كانت بعد ان اتت فرصتها من ذهب لتفسد هذه العلاقة التي دائمًا ما كانت تقارن بينها وبين علاقتها مع «فارس» وتجد أنها خاسرة فيها ولا تملك منها شيء سوى خطيبها «فارس» على عكس رفيقتها التي تتلقى الحب والاهتمام والحنان من زوجها أضعاف مضاعفة ناهيك عن الهدايا التي يحضرها و الخروجات التي لا تنقطع.
"ده انتِ تبقي غبية لو ما صدقتيش ده المفروض تحمدي ربنا انه كشفه قدامك دلوقت قبل مايكون معاك عيلين ولا تلاتة وترجعي تحتاسي انتِ بيهم، وتفتكري حد هيلومه ابدًا ده هيقولولك ده راجل يعمل اللي هو عايزه ودي نزوة وهتعدي وهتضطري تستحملي عشان خاطر العيال إنما دلوقت تدوري كده وتدعبثي لحد ما تلاقي اللي يدينه وساعتها تتطلبي الطلاق وتاخدي حقوقك منه"
لم تسترسل اكثر في بخ سُمها بسبب صوت الدق على باب منزلها، لتسرع «علا» في مسح دموعها بينما «نرجس» تحركت صوب الباب واثناء ذلك قالت:
"ده تلاقيه بابا ونسي المفاتيح زي عادته"
لكنها اخطأت التخمين وهي ترى شاب يرتدي قميص قطني باللون الأزرق الغامق وفوق رأسه قبعة رياضية 'كاب' من نفس اللون تخفي معالم وجهه ولا يظهر منه سوى شفتيه وهذا بسبب خفضه لرأسه حتى لا تتعرف الواقفة عليه، تأملته قليلًا ثم اردفت بصوت حاد ومتعجرف:
"افندم مين حضرتك؟"
وكما هو لم يرفع رأسه بل مد يده بحقيبة كبيرة للغاية ثم أضاف بنبرة حاول تغييرها قليلًا:
"ده Order محجوز بأسم حضرتكِ، اتفضلي"
حركت عينيها على الحقيبة ولم تمد زراعها ثم عادت تبصره من جديد وهي تقول بأمتعاض:
"بس انا مطلبتش حاجة ومش هدفع فلوس حاجة وبعدين شكلك بيقول أنك نصاب، مش يمكن تكون الشنطة دي فيها مخدر،ات اصلًا وتجيب لأبويا مصيبة زي فيلم على باب الوزير بتاع عادل إمام"
عض شفتيه بغيظ من استنتاجها الغبي مثلها وحافظ على هدوئه رغم رغبته الملحة في سبها الآن:
"حضرتك شكلك بتتفرجي على أفلام كتير ياريت تقللي فرجة شوية او ولعي في التليفزيون أحسن، ثم إني لسه مخلصتش كلامي الـ Order تمنه مدفوع يافندم"
اخذته منه على مضض ولم تكلف نفسها عبء الرد عليه وشكره بل قامت بأغلاق الباب في وجهه بقوة، بينما «فارس» رفع رأسه وتطلع في الباب أمامه بصدمة وقال بذهول:
"يابنت العبيطة دي قفلت في وشي"
صك على فكه بغيظ وعاد يدق من جديد لكن بقوة عنيفة هذه المرة حتى فتحت الباب تصرخ في وجهه ولم تنتبه لهويته بعد:
"في اي بيت ابوك هو، عشان تخبط عليه كده و.."
توقفت بصدمة وهي تراه يقف أمامها يقابل نظراتها ببسمة سمجة لم تصل حتى لعينيه، لتقول هي بخوف مصطنع:
"طبعًا الكلام ده مش ليك، ده لأبن الجيران اللي بيخبط على الباب ويجري عيل غتت كده ما انت عارفه"
امأ لها برأسه يؤيدها في الحديث بسخرية:
"طبعًا عارفه ماهو نفس العيل الغتت ده بردو قفل الباب في وشي من شوية"
حاولت ان تبتسم لتخفي أحراجها منه حتى تبدلت ملامحه الساخرة إلى اخرى هادئة وقال ببسمة جميلة زادت من جماله المتواضع:
"اللي في الشنطة ده الفستان اللي كان عاجبك انا اشتريته مخصوص عشانك أينعم كلفني مبلغ بردو بس مافيش حاجة تغلى عليكِ يانرجس"
اتسعت عينيها من الصدمة والفرحة ولم تصدق ما تسمعه منه فقط كل ماخرج منها هو قول:
"بجد يا فارس؟!!"
زادت بسمته في الاتساع حتى ظهرت أسنانه وهو يرى فرحتها بهذه الهدية والمفاجأة وقال بهيام:
"بجد يا قلب فارس"
ومن شدة فرحتها اندفعت نحوه حتى تلقي بنفسها بين أحضانه وكأن عقلها تغيب لكن الآخر كان رد فعله الأسرع وهو يبتعد للخلف خطوتين ورفع يده في وجهها بمعنى توقفي وقال:
"لسه مش دلوقت يا نرجس، لما تبقي حلالي سعتها انا اللي مش هخرجك من حضني"
توردت وجنتيه بشدة فقد أحرجت نفسها وهو زاد من خجلها بقوله الذي أسر قلبها، لكن بالطبع هذا لم يدوم بسبب تذكرها لشيء ما وقالت:
"فارس اوعى تكون نسيت تجيب معاه الهيلز الأبيض بتاعه ما انا أكيد مش هلبسه على شبشب يعني"
مسح على وجهه بحسرة وهدر من بين أسنانه بغيظ:
"انا قلت لـ سليم بلاهة الجوازة دي، انا لسه شباب مش حمل يجيلي ضغط ولا سكر"
بينما عند «علا» التي كانت على مقربة منهم واستمعت إلى الحوار الدائر بينهم وفرحت لصديقتها انها واخيرًا تصالحت مع خطيبها ودعت لها ان تتوفق في أمور حياتها القادمة، حتى سمعت هاتفها برقم ما رغم أنه غير مسجل لكنها علمت من هو صاحبه.
"ازيك يا انسة علا، انا شو..احم شهد كنت عايزة نتقابل انا وانتِ عشان اديكِ الصور بنفسي"
ابتلعت ريقها وحمحمت حتى يخرج صوتها بشكل طبيعي وغير مبحوح وهي تجيب عليها:
"تمام، نتقابل في نفس المطعم ان شاء الله"
"استني مني رسالة على الواتس أقولك نتقابل أمته والساعة كام"
أغلقت الهاتف بوجه شاحب وخوف من القادم الذي لا تعلم عنه شيء رغم أن كل مايحدث الآن يوحي بقدوم كارثة سوف تحل على رأس الجميع، لكن كيف؟ ومتى؟ لا تعلم هو فقط مجرد إحساس تحاول هي تكذيبه.
__'__'__'__'__'__'__'__'__'__'__'__'__'
انتهى «رحيم» من تناوله الطعام في نفس التوقيت الذي سمع فيه صوت غليان المياه مع تلك المكونات التي وضعها فيه، أطفأ الموقد وسحب كوبًا وضع به بعض حبيبات السكر ثم سكب المشروب بداخله واخذ يقلب حتى تأكد من ذوبانه بالكامل، التقط الكوب وخرج لها ولكنها لم يجدها تجلس على الطاولة لم يجد غير الكوب الفارغ أعلى الطاولة خمن أنها ربما تكون ذهبت إلى شقتهم حتى سمع صوت التلفاز العالي، بَدل خطواته وتحرك ناحية الصوت.
كانت تجلس بأرهاق وتعب مع شحوب وجهها تشاهد التلفاز بعد ان أحضرت احد الأفلام الكرتونية وبالتحديد فيلم "ربانزل"
مع حركة يدها على بطنها في محاولة منها لتخفيف الألم...
وعندما رأته يقترب منها اعتدلت في جلستها وتوقفت حركة يدها وصبت كامل تركيزها على الفيلم هي بالأساس تشعر بالحرج!
وضع الكوب أمامها على الطاولة مع قوله الهادئ:
"اشربي ده يا ندى كويس عشانك وهيقلل من الألم وافضل من المسكنات"
ابتلعت ريقها بتوتر لتقول بنبرة جامدة تخفي حرجها منه فمهما كان هو في النهاية شاب:
"ومين قالك إني تعبانة هو انا اشتكيت لك؟؟"
لم تتغير ملامحه بل ابتسم بخفوت وقال بنبرة لينة ومرحة:
"مش لازم تشتكيلي يا ندى... انا بردو دكتور مش فررجي"
تطلعت في الكوب أمامها وقالت بشيء من السخرية والاستهزاء:
"واي ده بقا ان شاء الله، سم فيران؟!!"
نفى هو برأسه بهدوء رغم ضيقه من طريقة تعاملها معه وقال:
"لأ يا ندى مش سم فيران، ده قرفة على زنجبيل على حِلبة حصى على شوية حاجات تانية كدة، أمي الله يرحمها كانت متعودة تعمله لقدر عشان هي كمان زيك كده بتتعب بردو بس لما ماتـ.ـت بقيت اعمله أنا بنفسي ليها"
قد سبق واخبرتها «قدر» أنها تتعامل مع شقيقها بكل أريحية ولا تخفي عنه شيء حتى بالامور الخاصة بالفتيات، ورغم طريقته اللبقة والهادئة في الحديث إلا أنها عقبت بسخرية:
"وياترى بقا يادكتور بتعامل كل المرضى بتوعك كده ولا انا حالة خاصة؟؟"
نظر لها مطولًا دون تعقيب وعلم أنها ربما تشعر بالحرج منه لهذا تتحدث بهذه الطريقة ليجيب بصدق:
"بس انتِ مش مريضة عندي يا ندى عشان أتعامل معاكِ بطريقة معينة، انتِ بنت عمي ويهمني أمرك زي قدر بالظبط وتعاملي معاكِ دلوقت كـ رحيم إبن عمك مش رحيم الدكتور"
كان يرسل لها رسالة معينة من خلال جملته الأخيرة يعرفها أنه فعل هذا لأن أمرها يهمه ويريد المساعدة ولا يحبذ رؤيتها بهذا الشكل بدافع صلة القرابة بينهم والذي تمنى توطيدها اكثر من ذلك وليس بدافع تعوده على العمل كطبيب والفرق شتان بينهما أن كانت تفقه الجالسة أمامه حديثه، لكن سيطرة الخجل عليها جعلها لا تفكر في كلماته بشكل جيد خاصة وهي تريد الآن الهرب من أسر نظراته المثبتة عليها.
هي تعلم انه شخص جيد وذو خصال طيبة لكن ما لا تعلمه هي لما تتعامل معه بهذه الطريقة الفجة؟؟ نعم هي طبيعتها شرسة قليلًا وعنيفة في بعض الأحيان لكن فقط مع الغرباء ومن يحاول أن يضايقها كما حدث في أول لقاءات بينها وبين «رحيم» لكن الآن بعد ان أدركت أنه إبن عمها ويعيشون سويًا في نفس المنزل وترى تعامله مع من بالمنزل وطريقته المهذبة التي تتحول الى أخرى حادة معها بسبب طريقتها المستفزة والمعتادة معه لكن ماذا الآن؟؟
هي تتبع نفس الطريقة حتى تثبت لنفسها أنه شخص سيء يستحق ان تكرهه لكن ات رد فعله هادئ ولطيف و ودود عكس ما انتظرته منه، زاغت ببصرها على التلفاز خاصة عندما رأته يجلس على كرسي منفرد بجوار الأريكة التي تجلس هي فوقها يتصنع انه يشاهد الفيلم مثلها، التقطت الكوب بتوتر وقالت بنبرة خرجت متحمسة حتى تغير مسار الحديث:
"أنا بعشق الكرتون أوي وخصوصًا كرتون ربانزل ده كرتوني المفضل على فكرة"
باغتها هو بقوله السريع والعفوي:
"عارف"
ضمت حاجبيه بأستغراب وقالت:
"عارف اي؟"
حرك رأسه بالكامل ناحيتها وقال:
"لأ هو من ناحية عارف فأنا عارف كتير بس حاليًا قصدي على الكرتون عارف أنك بتحبي كرتون ربانزل وكمان لونك المفضل البنفسجي بكل درجاته"
رمقته بأستغراب نعم الجميع يعلم حبها للكرتون بصفة عامة لكن لا أحد يعلم كرتونها المفضل هي حتى لا تتذكر أن سبق لها واخبرت «قدر» او ما شابه!!
فضلت الصمت وظلت ساكنة حتى انتهت من الكوب ووضعته فارغًا على الطاولة ليأخذه هو وقال قبل ان يستعد لذهاب إلى شقتهم يكمل ما منعته منه زوجة عمه بطلبها بتناوله للطعام:
"بقيتي أحسن ولا لسه الوجع موجود؟؟"
كانت تريد الصراخ في وجهه بسبب طريقته اللطيفة وكم الحنية التي تتلقاها منه الآن وقول:
"يابني بــقــا"
لكنها احتفظت بهذا الرد لنفسها بعد ان تداركت أن ألم معدتها وظهرها وجانبها الأيمن لم يعد لهم وجود وقالت بدهشة:
"لأ مافيش وجع !! هي الكوباية دي كان فيها أي؟؟ ده حدث أهم من حدث إكتشاف مقبرة الملك توت عنخ آمون "
ابتسم على طريقتها المضحكة وقال بعبث:
"ما انا قلت لك، قرفة وزنجبيل وحلبة حصى وشوية حاجات تاني كده واكيد طبعًا السكر و المايه"
"غريبة!!"
همست بها بهدوء لكن وصلت إلى مسامعه قطب جبينه بتعجب ظنًا منه أنها ستعلق على المكونات:
"أي اللي غريب؟؟"
"يعني المفروض ان احنا مش بنطيق بعض ودلوقت انت بنفسك اللي عاملي ده وبتتعامل معايا بالطريقة دي والأغرب بقا إني أمنت لك وشربته رغم اني عارفة انت اد اي بتكرهني وانا على فكرة ببادلك نفس الشعور"
تنهد بعمق ونظر لها لبعض الوقت منغمسًا في ملامح وجهها التي جمعت ما بين الحدة واللين القسوة والطيبة وهتف بعدها:
"يمكن ده إحساسكِ انتِ من ناحيتي بس أنا لأ، انا في الأول لما كنت بتعامل معاكِ كنت برد عليكِ بطريقتك المستفزة معايا كنت حاسس اننا عاملين زي القط والفار بس بعدين حسيت أنه لأ مش ده انا ومش ده رحيم ولا دي طريقتي، عشان كده دلوقتي انا بتعامل معاكِ بطبيعتي"
لم يكن يعلم ان بكلماته تلك يزيد من حالة التيه والتخبط في مشاعرها اكثر، التي لم تعد تعرف من تحب؟ ومن تكره؟ وأن كانت حقًا تحب إبن عمها «ادهم» لما يدق قلبها عندما ترى «رحيم»؟؟ لما ترغب في الإبتسامة عندنا تراه يضحك؟؟ لما اطمأن قلبها عندما رأته عاد من عمله بعدما اخبر جده انه لن يقدر على حضور الافطار معهم؟؟ ولنأتي للسؤال الأهم الذي تخشى «ندى» مواجهته وهو هل هي تحب «ادهم» كما تعتقد ام انه تعود وتعلق بوجوده معها منذ الصغر؟؟
ورغمًا عنها وضع عقلها الاثنين في مقارنة على الموقفين اللذين حدثوا الآن عندما أخبرها «ادهم» في وسط حديثه أنه لا يعلم عنها ما تريده وما تفضله كشقيقها الذي بالتأكيد يهتم بأمورها ويعلم عنه، بينما «رحيم» يخبرها أنه يعلم كرتونها المفضل وكذلك لونها المحبب لقلبها ومن حديثه فهمت أنه لا يعلم هذا فقط، كان العقل يرجح كفة «رحيم» على عكس القلب الذي يريد ان تميل الكفة الأخرى في الميزان.
لاحظ هو ملامح وجهها المشتتة وعينيها الزائغة والتي لم تعد تشاهد التلفاز، وها قد نجحت الخطوة الأولى في إظهار شخصيته الحقيقية أمامها وليس كما تريد هي أن تراه والخطوة القادمة ستكون التقدم بشكل رسمي وطلب يدها من جدها ووالدها خاصةً بعد أن تيقن من مشاعره تجاهها وقرر ان يكون صريح وواضح في علاقتهم.
__'__'__'__'__'__'__'__'__'__'__'__'__'
عاد «فارس» من عند خطيبته ولم يدلف للمنزل بسبب علمه بغياب والدها الذي تقابل معه على السلم ولهذا كان متأكد من أن من سيفتح الباب هي لا أحد سواها، لهذا لم يتأخر وعاد سريعًا محددًا وجهته إلى شقة «مصطفى» ووجد «ريهام» كادت تخطو وتدخل غرفتها تجرب الثياب الجديدة التي اشتراها لها أبنها الأكبر، اقترب منها وسألها على مكان تواجد «احمد» واخبرته انه يجلس داخل حجرته.
طرق على الباب ولم ينتظر سماع الأذن منه ودلف ومن ثم حرك عينيه بعشوائية يبحث عنه حتى وجده يلقي بنفسه فوق السرير بأهمال حيث كان نصف جسده فوق الفراش وقدميه تدلى على الأرض وبجانبه زراعيه الممدودة، حرك «احمد» بصره بهدوء ناحيته وهو على نفس الوضع قال:
"ما تدخل واقف كده ليه؟؟"
رد الاخر بتهكم:
"مش لما البيه يعدل نفسه الأول"
زفر الهواء بحنق ونهض من على الفراش فقط جلس على طرفه وقال بضيق:
"ادينا اتعدلنا خير يا فارس؟؟"
هو رفيقه واقرب الاشخاص له في هذا المنزل ويعلم طبع «احمد» المرح الذي لا يتوقف عن الضحك و المشاكسة وكذلك الشكوى من ظلم جده له في حمل البضاعة وادخالها لوحده إلى المخزن وطريقته في المول وشجاره مع «سليم» وحتى طريقته الآن جميعهم يخبروه انه هناك خطب ما به.
اقترب بترو وجلس بجانبه واضعًا يده على ظهره وقال بصوت هادئ ينبع من قلقه على رفيقه:
"مالك يا صاحبي؟؟ فيك اي مغيرك كده؟؟"
وكأن أفعاله السابقة يجذب بها انتباههم حتى يأتي له أحد ويسأله ما به فهو شخص غير كتوم، وكأن قول «فارس» كان المحفز له حتى يبكي، وضع يده على وجهه يكتم شهقاته حتى لا يعلو صوتها بينما «فارس» احاط بكتفه وسحبه في حضنه وباليد الآخرى اخذ يمسد على خصلاته وبعد خمس دقائق اخرج بهما «احمد» كل ما بجعبته تنهد «فارس» وسأله بعد ان اعتدل الإثنين في جلستهم:
"قولي بقا مالك فيك اي؟؟"
اخرج هاتفه من جيبه وفتحه على تلك الدردشة المشؤومة واعطى الهاتف للجالس جواره، انتظر منه ان يرى اي ردة فعل لكن الآخر كانت ملامحه ثابتة لا توحي بشيء حتى خرج صوته ساخرًا:
"وهو عشان الناس الزبالة في حياتك كتير يبقا تصدق ان الزبالة دول أهلك؟!! فوق يا احمد من الهبل اللي انت فيه انا ماكنتش أعرف ان عقلك صغير كده"
انتفض من مضجعه بغضب وقال:
"تقدر تقولي اللي هيعمل كده هيستفاد اي وليه يلبس نفسه مصيبة اصلًا إلا لو كان معاه دليل على كلامه"
ظل جالس مكانه يرمقه بنظرات غير مصدقة وحاول ان يجاريه في حديثه:
"ماشي نفترض ان حركة الرسايل دي ما اتعملتش في 100 فيلم عربي قديم قبل كده وسبحان الله لأجل الصدفة تكون كلها رسايل كذب الغرض منها الاذية بس مع لينا ونفترض بردو ان علا مراتك اللي هي حب عمرك اصلًا مش بتحبك وعلى علاقة بسليم تقدر تقولي واحدة زيها أي يجبرها تتجوزك لو هي مش بتحبك؟؟ ونفترض بردو ان اللي بعت ده مش شخص مغلول منك وبيحاول يوقع بينكم ولو وريت الرسايل دي لعيل بريالة مش هيصدقها بس بردو مع لينا تقدر تقولي فين دليل الشخص اللي بعت الرسايل دي؟؟"
نفخ الهواء بنزق وقال بأختصار:
"ماعرفش ماعرفش"
ابتسم «فارس» وقرر بداخله تأديب هذا الأبله ثم قال وهو يقف وتحرك حتى وقف أمامه:
"لأ إزاي ماتعرفش ؟؟ لازم تعرف عشان لما تتخانق تاني مع سليم وماحدش فينا يكون موجود والخناقة تخلص بمو,ت حد فيكم يبقا على الأقل لما تمو,ت ان شاء الله يبقا معاك حاجة متأكد منها أنك على حق"
ابتلع ريقه بأذدراء وقال بتهكم:
"طب لو هو مافيش حاجة بينهم فعلًا ليه تتصل عليه واحنا قاعدين مع بعض ولما اسأله مين بيكلمه يقول أسامة سكرتير أدهم"
عقب بهدوء يقاوم بداخله محاولة ضرب هذا الأرعن وقال:
"طب ما تبدل كده يعني لو مثلًا نفترض ان علا كلمتني أنا وانت سألتني وانا رديت عليك نفس رد سليم كده، بردو هتشك فيا؟"
نفى ذلك بقوله:
"لأ عشان انت خاطب نرجس وكلنا عارفين انك بتحبها رغم أنها حرباية"
اغلق جفونه بنفاذ صبر وقال:
"طب بغض النظر عن حرباية اللي انت لسه قايلها دي، بس انت بنفسك جاوبت أهو، يعني لو كان الكلام ده عن اي حد فينا غير سليم ماكنتش هتصدق، لأنك مش واثق في أخلاقه صح سليم بيصاحب بنات كتير وبيكلمهم بس الدنيا ماضقتش بيه عشان يبص على مرات أخوه اعقلها يا أحمد وماتخليش شوية هواجس تلعب في دماغك وتشكك في أخوك"
صمت حتى يرى تأثير كلماته ثم تابع هذه المرة ولكن بنبرة حزينة وقال:
"انا قبل ما اجيلك هنا كنت عند نرجس بعمل الفكرة اللي قالها سليم عشان اصالحها وشفت علا هناك وكان باين عليها معيطة ولما سألت نرجس قالت ان في مشكلة بينك وبينها هي ماحكتش تفاصيل بس نرجس قعدت تدعي عليك وهي بردو اللي مخلية علا ماتردش على مكالماتك يعني واحدة زي دي لو فعلًا زي ما بتقول وعلى علاقة بسليم انت مش هتفرق لها وكانت طلبت الطلاق، وكل اللي بتعمله ده ملوش غير تفسير واحد أن علا بتحبك ولسه باقية عليك بلاش انت بقا تضيعها بغباءك"
لم يعلق الاخر ولم ينطق ببنت شفة ليصرخ «فارس» بوجهه:
"أنا بجد مش عارف احنا بنتناقش في أي اصلًا؟!!"
ابتلع ريقه وحك رقبته وقال بتساءل غبي:
"فارس هو أنا عكيتها جامد يعني؟؟"
مط شفتيه بسخرية واستهزاء وهتف:
"عكيتها ؟؟ ده انت تحمد ربنا أن ماحدش فيهم عرف العبط اللي أنت مصدقه ده وإلا كانوا نفخوك وخصوصًا بقا أدهم اخوك اللي زقيته في صدره قبل ما تمشي"
انتفض جسده برعب أثناء قوله:
"لأ أدهم بذات ماينفعش يعرف، ده انا لما وريته الرسايل دي قبل كده هزقني لما حس إني ممكن اكون مصدقها مابالك بقا لم يعرف إني روحت اتخانق مع سليم بسببها، ده يشلوحني"
رمقه بمقت ونظرات غامضة وبعد لاحظت هتف بحماس:
"أسمع أنا عرفت إزاي هتحل الموضوع بس قبلها تعمل بلوك لرقم ده"
وفي الشقة التي تلي شقته وشقة عمه الأوسط كان «رحيم» يتحرك في الردهة في طريقه للخروج بعد ان أخذ حمامه وبعدها جرب الملابس التي أهداها إياه «ادهم» والذي قال حينها:
"انا اشتريت لك الهدوم دي على ذوقي مش عارف ذوقي بقا هيعجبك ولا لأ بس في الحالتين هتلبسهم بردو"
ابتسم بخفوت وفتح باب الشقة بعد ان ارتدى سروال قطني خفيف لونه رمادي وقميص قطني بنصف أكمام لونه أبيض مع خصلات شعره المصففة بعناية لكن توقف وقام بأغلاق الباب بعد ان تذكر أنه لم يرى شقيقته طوال اليوم، عاد إدراجه حتى يطمئن عليها تحرك واستقرت قدماه أمام باب غرفتها الذي دق عليه بهدوء وبعدها سمع صوتها يأتي من الداخل تسمح له بالدخول.
فتح الباب وترجل منه وجدها تقف أمام المرآة تمشط خصلاتها القصيرة المبتلة بعد ان جففتها قليلًا والتي بالكاد يتعدى طولها كتفها وهذا ليس لأنها قامت بقصه سابقًا بل هو هكذا من يومِه كوالدتها تمامًا عكس شقيقها صاحب الشعر الأسود الكثيف والناعم والتي تحبه هي كثيرًا لأنه يذكرها بوالدها.
أقترب منها بخطوات بطيئة ووقف خلفها يطالع انعكاسها في المرآة مع يده الممدودة وكفه المفتوح وقال ببتسامة مرحة وحنونة:
"تسمحيلي يا Princesse ؟؟"
توقفت أناملها عما تفعله وحركت عينيها على كف يده المفتوحة أمامها ثم حركتها لتنظر لانعكاسه هو الآخر في المرآة تزامنًا مع وضعها للمِشط براحة يده مع إبتسامة شغوفة علت شفتيها:
"والبرنسيس نفسها كلها ملكك اعمل فيها ما بدالك"
اتسعت بسمته واخذ يمشط خلاصتها البنية التي نفس لون عينيها وتلك النقاط الحمراء المتناثرة على وجنتيها وانفها 'النمش' كان يحرك يده في رأسها بلطف وشعرت وكأنه يداعبها واخذ يسيطر عليها الشعور بالراحة والاطمئنان وكذلك الأمان... الأمان الذي تجده بكنف شقيقها كان شعورًا جميلًا مليئ بالدفء والحنان والذي ابدًا لم تفتقرهم حتى بعد غياب والديها بسبب وجود شقيقها الداعم لها في كل شيء وحتى عندما ابتعدت عنه لفترة قصيرة وجاءت هنا تولى هذه المهمة عنه عائلتها... عائلة «المنشاوي».
بدأت بسمتها تختفي تدريجيًا ورفعت رأسها تنظر له في المرآة بنظرة حزينة ومنطفأة قائلة:
"رحيم أنت لسه زعلان مني؟؟"
لم يتوقف عما يفعله وقال وهو يدعَي الانشغال في جمع خصلاتها مع بعضها وقال:
"ده المفروض! بس اعمل أي في قلبي الطيب اللي حتى وانتِ غلطانة مش عارف يزعل منكِ"
وبعدها جمع خصلاتها في شكل كعكة أعلى رأسها مع ترك بعض الخصلات المتمردة والتي اعطت شكل لطيف لها مع تركه لخصلاتين بطول شعرها على جانبي وجهها، استدارت له «قدر» ببطء تطالعه بعينين لمع فيهما بريق حزين وقالت:
"هتصدقني لو قلت لك أن من ساعة ماعملت اللي عملته وانا مش مرتاحة وبذات وانا شايفة معاملة أدهم الكويسة معايا وسليم اللي بقا يرتاح في الكلام معايا اوي كأنه يعرفني من زمان كل ده خلى شعور الندم جوايا يزيد ومش عارفة افرح ولا اتبسط بأجواء العيد، عارفة اني كان لازم ارجع لك الأول قبل ما اتصرف من دماغي بس هي جت معايا كده أقسم لك بالله إني عملت كده من خوفي عليك "
ومع اخر حديثها أمتلئت عينيها بدموع الندم والحزن بينما «رحيم» قابل نظراتها بهدوء وقال بما جعلها تشعر بالراحة قليلًا:
"هصدقك بس مش هصدقك عشان بابا الله يرحمه ربانا على أننا مانكدبش لأ هصدقك عشان لو الدنيا كلها وقفت ضدك انا الوحيد اللي هكون معاكِ وهيساندك بس ده مش معناه إني اسيبك تكملي في الغلط بالعكس أنا هقف جمبك لحد ما تصلحيه بنفسك، وانا لسه عند وعدي ليكِ إني مش هقول حاجة لـ ادهم و سليم وانتِ اللي هتتكلمي معاهم بنفسك"
امأت له بسرعة وقال بدفاع:
"وانا هقول لهم مش هخبي عليهم اكتر من كده بس بلاش دلوقت بكره العيد ومش عايزة يزعلوا بسببي على الأقل لو قلت لهم ورفضوا وجودي وسطهم هنا في البيت أكون حضرت معاهم العيد، واجرب شعور العيد وسط العيلة من تاني اللي اتحرمت منه"
احتضن وجهها بيديه يستمر في بث دعمه له رغم استبعاده لفكرة طرد أبناء عمها لها من المنزل وقال:
"وحتى لو قلتِ وهما ما قبلوش بيكِ وسطهم انا بردو مش هسيبك وهمشي انا وانتِ من هنا، بس لازم تعرفي حاجة ان ولاد عمك قدمولنا كتير يعني مفهاش حاجة لو تعبتي شوية عشان يسامحوكِ، وتأكدي أن أي خطوة هتاخديها هكون في ضهرك"
كانت تريد البكاء الآن وبشدة من فرط فرحتها وسعادتها وأن هذه الغرفة الضيقة لم تعد تتسع لجناحيها حتى تحلق بهما في سماء أخيها، لكن هذه المرة غلب دموعها صوتها المرح وهي تقول:
"انا طبعًا متأكدة أنك هتكون في ضهري بس هو الحقيقة انا حاليًا عايزاك في حضني، ممكن؟"
وات الرد وهو يسحبها لأحضانه يدفنها بداخل ضلوعه التي تتشكل كالدرع لتحميها من أي شر قد يطولها، ونظر إلى الجزء الظاهر من السماء من شرفتها المفتوحة وتمنى ان يكون والديهم يروهم الآن، خرجت هي بعد فترة لا بأس بها وقال يمزاحها هو الآخر متغزلًا بها:
"تعرفي أن قصة الشعر دي حلوة عليكِ بشكل يجنن لأ دي تخبل"
قطبت جبينها وضمت حاجبيها في محاولة منها أن تتذكر أين سمعت مثل هذه الكلمات المألوفة بالنسبة لها:
"أنا زي ما اكون سمعت الجملة دي قبل كدة بس مش عارفة فين؟"
تمتم «رحيم» ببتسامة وقال:
"اه ما أنا سمعتها زيك بردو بس في فيلم كرتون الأميرة و الوحش"
رمقته بأستغراب قائلة:
"ايوة بس انت ملكش في التليفزيون اصلًا عشان يبقا ليك في الكرتون وتحفظ جمله كمان"
ابتلع ريقه وحرك عينيه بتوتر خوفًا من ان يُكشف أمام شقيقته وادعى اللامبالاة في قوله:
"لأ ما هو انا بقيت أحب الكرتون"
هزت رأسها طويلًا وهي ترمقه بنظرات خبيثة وبسمة متسعة أظهرت أسنانها وقالت بمغزى:
"آه، ما ندى هي كمان بتحبه"
هتف بعفوية غير مقصودة بعد ان فهم الحديث بشكل خاطيء وقال:
"مين ده اللي بتحبه؟؟"
علَ صوت ضحكها وقالت بمرح:
"بتحب الكرتون يا رحيم أُمال هتكون بتحب مين يعني إبن الجيران"
انكمشت ملامحه بأنزعاج وقال وهو يرمقها بطرف عينه أثناء خروجه من الغرفة:
"تصدقي أنك عيلة غتتة"
صاحت هي من خلفه ومازالت تضحك:
"استنى بس هفهمك ماتبقاش قفوشة كده"