رواية الثمن هو حياتها الفصل التاسع والتسعين 99 بقلم مجهول
الاختباء في الحمام
بدا صوتها العذب كالموسيقى في أذني نائل، وشعر بغضبه يتلاشى.
وعندما رأت خلود رد فعله قبلت خده وقالت له: "هناك أحد ما يطرق الباب.
وأنا متأكدة أنك لا تريد أن تضيع جهودي سدى، أليس كذلك؟"
فنظر يبرود إلى خلود القلقة دون أن يقول أي كلمة.
فقالت بسرعة : " هيا اختبئ في الحمام. يمكنك أن تشاركني الغرفة اليوم أيضا،
طالما أن أحدا لن يكتشف وجودك هنا هل يبدو هذا جيدا؟"
ثم مدت يدها وسحبته من السرير، دون أن تنتظر رده. وقام بلعب نائل الدور
الذي أسندته إليه وذهب إلى الحمام كما قالت له.
وبعد أن أغلقت باب الحمام خلفه ذهبت خلود لتفتح باب غرفتها.
"آنسة أمل أنا هنا لتوصيل وجبة الإفطار.
كانت تظن خلود أن جوليا هي التي على الباب، ولكن اتضح فيما بعد أنها كانت
الخادمة التي أتت لتحضر وجبة الإفطار وبمجرد أن أخذت الصينية منها،
غادرت دون أن تدرك أن نائل كان مختبئا في الغرفة.
بعد ذلك خرج نائل من الحمام واضعا ذراعيه أمام صدره. وقد كانت لغة جسده
تدل على أنه غير راض عما جعلته خلود يفعله. فلم يدرك لماذا عليه أن يختبئ
في منزله الخاص.
ثم اقترب من خلود، بينما تراجعت هي . خطوة بخطوة، حتى اضطرت في
النهاية للوقوف في الزاوية.
وأثناء تراجعها، قدمت له وعاء الشعيرية الذي كانت تحمله، قائلة: "أعلم أنك
غاضب مني. أسفة بشأن ذلك دعني أعوضك بوجبة الإفطار هذه".
نظر نائل إلى وعاء الشعيرية الساخنة. إنها تجيد استخدام أشياء مصنوعة من
قبل الآخرين لتعويضي، أليس كذلك؟
قرب شفتاه منها وقال: "تناولي العشاء معي الليلة لتعويضي".
وقد كان ذلك أمرًا أكثر من كونه سؤالا.
هدأ أخيرًا قلب خلود الذي كان ينبض بسرعة. وقالت: "اتفقنا. لكن توقف عن
الغضب مني، حسنا؟"
كانت تعلم لو تسربت أخبار عن اختباء نائل في الحمام، فإن ذلك قد يؤثر
على سمعته كمدير تنفيذي لشركة هادي.
ثم سحبها نائل لتصبح أقرب إليه. وضغط شفتيه على جبينها قائلا: "حسناً.
وبعد ذلك استدار وغادر الغرفة.
كما غادرت خلود منزل عائلة هادي بعد تناول وجبة الإفطار، وأخذت معها أزهار
الياسمين التي كانت تريد أن تستخدمها في تصاميمها إلى مكتبها للعمل عليها
حتى وقت متأخر حيث كانت قد قررت أن تقوم بقص بتلات الأزهار باستخدام
الألياف الضوئية قبل خياطتها على الذي لكي تعطي تأثيرا ثلاثي الأبعاد.
وكانت خلود قد أمضت يومًا كاملًا في تطوير النموذج الأولي لتصميمها، وكانت
هذه العملية طويلة وشاقة. كما كان عليها التعامل مع بعض المستندات في
العمل وتقديم بعض الملفات للتقييم.
وهكذا بقيت خلود مشغولة بمهامها حتى انتهى وقت العمل الرسمي. وكان نائل
قد طلب من سالم أن يصطحبها من العمل.
وعندما وصلت إلى مكتب المدير التنفيذي كان نائل لا يزال يعمل. فجلست
على الأريكة وواصلت عملها في إنجاز تصميم الياسمين الخاص بها. حتى ناداها
نائل قائلا: "تعالي إلى هنا".
فذهبت نحوه ووقفت أمام مكتبه كأحد موظفيه بانتظار أوامره.
نظر إليها نائل نظرة خاطفة وقال مشيرا إلى المساحة الفارغة بجانبه. "اجلسي
هنا".
لم تصدق خلود ما سمعته لكنها تجولت حول مكتبه حتى رأت كرسيا بجانب
کرسیه.
ثم سألت بتعجب: "هل حقا تريدني أن أجلس هنا؟".
أوما نائل برأسه تأكيدا وأشار لها بالجلوس.
لديه كل هذا المكتب الضخم، ولكنه لا يسمح لي بالجلوس على الأريكة أو
الكرسي. بل يريدني أن أجلس على هذا الكرسي الصغير. هل يتنمر علي؟ أه، لقد
نسيت . فقد أخطأت صباح هذا اليوم ووعدته بتعويضه.
انتفخ خدي خلود وهي تجلس على الكرسي بغضب.
بينما قام نائل بتمشيط شعرها بسعادة كما لو كانت حيوانه الأليف اللطيف.
فقلبه الذي كان فارغا ذات يوم أصبح ممتلئا الآن.
وكان نائل قد طلب من سالم إحضار العشاء لهما قبل العودة للعمل. ثم مر
الوقت ببطء وكلاهما لم يتحدثا بأي كلمة.
وفجأة طرق الباب ودخلت مايا إلى مكتبه.
ففي كل مرة يعمل فيها نائل بعد انتهاء الدوام الرسمي، كانت تجد حجة للعمل
الإضافي لتتمكن من قضاء المزيد من الوقت معه.
قالت مايا: السيد هادي، لديك اجتماع مقرر مع مديري شركة الجواد بعد ظهر
يوم الغد لمناقشة تفاصيل تعاوننا للنصف الثاني من العام".
ثم نقلت نظرها عبر ملامح نائل الجميلة من حاجبيه القويين والزاوية إلى أنفه
المحدد جيدا وشفتيه الممتلئتين والجذابتين. لا يمكن لأي امرأة في الدنيا
مقاومة هالته الأسرة.
تمتم نائل فقط ردًا على ذلك.
وبدلا من أن تغادر على الفور، حدقت مايا فيه للحظة قبل أن تسأله بتردد: "هل
سأحضر الاجتماع معك؟"
رفع نائل نظره عن الوثيقة التي بين يديه ونظر إليها يبرود وأجابها: "إذا كان
لديك ارتباطات أخرى يمكنني أن أطلب من سالم أن يرافقني".
ردت مايا بسرعة : بالطبع لا. ثم أدركت أن ردها كان مبالغ فيه بشكل كبير،
فخفضت صوتها وأضافت: "أنا فقط كنت قلقة من أن تحضر خلود معك".
تغيرت تعابير وجه نائل وأصبحت أكثر برودة.
خلود، التي كانت تعمل بجد بجانب نائل مثل القطة، رفعت رأسها وسمعت مايا
تتحدث عنها بصوت عال وواضح.
فقد كان مكتب المدير التنفيذي ضخمًا، ولذلك لم تتمكن مايا من رؤية خلود
الجالسة بجانب مكتب نائل من المكان الذي كانت تقف فيه.
ثم تابعت مايا، غافلةً عن وجودها: "إن" خلود لم تدرس إدارة الأعمال ولا تمتلك
أي خبرة في إتيكيت العلاقات العامة. لذلك كنت أشعر بالقلق من أن يؤثر
وجودها في مثل هذه المناسبات على محادثاتنا.
وبينما كانت تتحدث عن الصورة الأكبر للشركة كان واضحا أنها متحيزة جدا
ضد خلود أيضا. فبعد حضور خلود الحفلة السابقة مع نائل عرف الكثير من
الناس أنهما زوجان مما أغضب مايا جدا لأنها لم ترغب في تدمير ما تبقى من
خيالها.
وحينها لمع شيء ما في عيني خلود فبالعودة إلى منزل عائلة هادي، كانت مايا
قد حاولت بالفعل تصعيب الأمور عليها، والآن تحاول التقليل من شأنها أمام
نائل
لماذا لم انتبه أبدا إلى مدى حبث مايا؟
أسند نائل رأسه على كفيه المطويين بينما شكل الضوء هالة فوق رأسه.
وأصبحت نظرته أكثر برودة عندما سمع كلام مايا.
وبعد مدة من الزمن، كسر الصمت قائلا: "إنها ليست أقل قدرة منك".
لقد رفض انتقادها لخلود برد مقتضب فقط.
رمشت مايا بعينيها بسرعة بعد قول نائل فهي كانت تعلم أنها سكرتيرة
استثنائية، ومن الصعب العثور على شخص بمثل مواصفاتها في كافة أنحاء
المدينة. حيث أتقنت لغات أجنبية عديدة بعد تخرجها من جامعة مرموقة مع
درجة الماجستير والتي أنهتها قبل نهاية الوقت المحدد للبرنامج. وهو ما جعلها
تتلقى العديد من عروض للعمل من قبل عدة مدراء تنفيذيين لكبرى الشركات
وأهمها.
كيف يمكنه مقارنتي بخلود التي لا تعرف حتى أي شيء من إتيكيت التعامل مع
الآخرين؟
كانت مايا تغلي في أعماقها، وأصابعها ترتعش من الغضب. وعلى الرغم من
غضبها الكبير، كانت تعلم جيدا أنه من الأفضل لها عدم إظهار أي مشاعر سلبية
أمام نائل.
ولتخفف من إحباطها قالت: لماذا لا تحضر خلود معك إلى الاجتماع لكي أرى
قدراتها؟ أريد أن أتعلم منها"