رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الثالث و الاربعون 43بقلم سهام صادق


 

رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الثالث و الاربعون بقلم سهام صادق



لم يكوي قلبها يومًا رَجُلًا ولم تحترق روحها وتتجرع مرارة الذل إلا على يديه، هو وحده القادر على فرض قيوده عليها ڪرَجُل.. 

رَجُل مهما حاولت تخطيه إلا أنه كان أشبه بالهوس.

غَادرها الغرور -الذي تستطيع رسمه بكل سهوله على ملامحها- عندما رأته ينهض: 

_ الله يبارك فيكِ يا "سمية" مع إن الاتصال كان ممكن يغني لأني مقدر مشاغلك وتعبك مع "هارون". 

تمنت لو استطاعت الصراخ عليه بعد حديثه الذي زاد من حقدها وقد وقف "سيف" يتابع ما يحدث في صمت. 

بنظرة خاطفة تلاقت عينيّ "عزيز" مع "سيف" وأردف قائلًا وهو يستكمل خُطواته نحو غرفة مكتبه. 

_ أسيبك مع ولادك اكيد وحشينك زي ما أنتِ وحشاهم. 

اِبتسامة صغيرة داعبت شفتيّ "كارولين" الواقفة بعدما رأت عبوس وجه حماتها ثم تحركت عيناها نحو "عزيز" بنظرة منبهره. 

شعرت "نيرة" بتوتر الوضع لتحاول اِجتذاب أنظار والدتها إليها. 

_ على فكرة يا ماما أنتِ وحشتيني أوي، قوليلي عمو "هارون" اخباره إيه دلوقتي.

بنظرة جامدة رمقت "سمية" ابنتها وأزاحت يدها عنها قائلة بجمود. 

_ مش شايفة إني وحشت حد فيكم. 

تحركت "سمية" نحو غرفة الضيافة الواسعة؛ فاقترب "سيف" من "نيرة" وربت على كتفها قائلًا بصوت خفيض. 

_ زعلانه مننا عشان اتفاجأت بكتب كتاب عمي. 

طالعته "نيرة" وقد ارتسم على محياها التعجب. 

_ ما هي اللي كانت مشغوله وقطعت التواصل معانا. 

هز "سيف" رأسه لها وكاد أن يتحرك جِهة والدته لكنه تفاجئ بدسها  سيجار بين شفتيها. 
بصعوبة نطق وهو مصدوم. 

_ أنتِ بتشربي سجاير من امتى؟ 

أشعلت "سمية" قداحتها وقربتها من سيجارتها ثم نظرت إليه بنظرة مستهزءة ونفثت دخانها بضيق. 

_ "سيف" أنا دماغي وجعاني ومش ناقصة كلام كتير. 

دار "سيف" حول نفسه وهو يحرك يده على خُصلات شعره ثم نظر نحو "نيرة" لتضيق عيناه عدم رآها لا تهتم. 

_ أنتِ كنتي عارفة إنها بتشرب سجاير.

طالعته "نيرة" بنظرة خاوية ثم أشاحت عيناها عنه... فهي لم تعد تهتم بأفعال والدتها. 

بصوت متأفف دهست "سمية" سيجارتها بالمطفأة وهتفت بمقت. 

_ مش هتعمل ليا استجواب عشان سيجارة، وأيوة يا سيدي بشرب سجاير واختك عملت زيك كده وفي الاخر تقبلت الأمر.

_ وأنا مش هقبل أمي تشرب سجاير. 

صَاح بها "سيف"؛ فأسرعت إليه "نيرة" تُكمم فَمّه قائلة: 

_"سيف" وطي صوتك، عمو لو سمع... 

تجهمت ملامح "سمية" من شدة الغضب وقاطعت حديثها بنبرة حادة. 

_ خلي "عزيز" يسمع وخليه كمان يجي يعرف إن ابن اخوه المحترم بيعلي صوته على أمه وبيحاسبها قبل ما يحاسب نفسه 

اِرتجف جسد "كارولين" من الخوف عندما رأت عينيها جهتها؛ اِعتلت شفتيّ "سمية" اِبتسامة ساخرة وقد أسعدها رؤيتها هكذا أمامها ثم أشارت بإصبعها عليها. 

_ روحت اتجوزتلي واحدة  كانت مدمنة كحول. 

أغمضت "كارولين" عينيها بقوة وتحاشت النظر نحو "نيرة". 
حَدجها "سيف" بنظرة قوية وكاد أن يتحرك ويترك لها المكان لتتمالك "سمية" ضيقها الذي تخرجه على كل من حولها. 

_ "سيف" استنى متزعلش. 

إلتقطت "سمية" عُلبة سجائرها واِتجهت إليه حتى تضعها في يده قائلة: 

_ أنا مش بشربها كتير وقت بس لما بكون متضايقة.. واهي العلبة معاك إرميها. 

رمق "سيف" العُلبة ثم رمقها لترفع "سمية" كفها وتربت على خده برفق. 

_ لما تعوز تنتقدني يبقى انتقدني وإحنا لوحدنا متنساش إنك مهما كبرت وبقيت دكتور جامعي فأنا أمك. 

أخفضت "نيرة" رأسها بعد حديث والدتها مع شقيقها... فهي مهما ثارت لا تأبى لها والدتها، بل وتعاقبها بالخصام حتى تُصالحها هي. 

عندما رأت "سمية" لين ملامحه.. ابتسمت داخلها واقتربت منه حتى صارت المسافة بينهما منعدمة وبصوت هامس قالت: 

_ ياريت تختار أماكن مناسبة للسهر وبلاش تنجر ورا الشرب... الكاس بيجيب كاس يا حبيبي... 

اِبتعدت عنه وغمزت له بعينيها، فابتلع "سيف" لُعابه وتحركت عيناه نحو "نيرة" التي وقفت تطالعهم بفضول. 

_ أنا جايه من السفر تعبانه، اشوفكم على العشا بعد يومين عندي في البيت بمناسبة رجوع "هارون" بالسلامة.

اِتجهت "سمية" نحو حقيبتها لتلتقطها وتباطأت بخُطواتها وهي تتحرك أثناء مغادرتها لكنها توقفت ونظرت نحو "سيف" ثم ربتت على كتفه وكأنها تخبره أن هذا السر بينهم. 

_ مع إني عارفة إن "عزيز" هيرفض العزومة بس واجب عليا أقوله. 
... 

اِتسعت ابتسامة "عزيز" وهو يميل برأسه إلى الوراء مستندًا على ظهر مقعده. 

_ طيب وأنا مليش نصيب من الكيكة اللي بتعمليها. 

ارتبكت "ليلى" وهي تقطع الكعكة التي طلب منها العم "سعيد" بأن تصنعها لهم اليوم وهما يشاهدون أحد افلام السهرة. 

_ هبقى أعملك واحده لوحدك.

تنهد بقوة وتحرك بمقعده: 

_  وعد يا "ليلى"؟

تعلقت عينيها نحو باب المطبخ بإرتباك تخشى دخول زوجة عمها أو العم "سعيد" ثم حركت رأسها وكأنه يرى موافقتها بحركة رأسها 

_ "ليلى" كل ده عشان تقوليلي إنك هتنفذي الوعد.

بصوت خافت متوتر خرج صوتها. 
_ وعد.

_ طيب امتى؟

تساءَل بمكر منتظرًا أن يسمع ردها لتهتف سريعًا قبل أن تنهي المكالمة. 

_ عم "سعيد" بينادي عليا وجاي ناحية المطبخ. 

نظر "عزيز" إلى هاتفه ثم انفجر ضاحكًا متوعدًا لها. 

_ ماشي يا "ليلى"، بقى بتعملي للعم "سعيد" حساب عني. 

طرقة خافته طرقتها "سمية" على باب الغرفه ثم دلفت دون أن يأذن لها. تلاشت ابتسامته سريعًا واعتلى الوجوم ملامحه.. ؛فامتقعت ملامح "سمية" وتساءَلت وهي تنظر نحو الهاتف القابع بين يديه.

_ الظاهر إني قطعت لحظة حلوه. 

بضيق هتف "عزيز" وهو يتحاشىٰ النظر إليها.

_ مش معقول جاية تباركيلي تاني يا "سمية"!. 

حاولت" سمية" السيطرة على مشاعرها التي تقودها نحو الهلاك وتهادت في مشيتها حتى صارت طاولة مكتبه ما تفصل بينهما. 

_ لأ أنا جاية أعزمك على عشا عائلي عاملاه بمناسبة رجوع "هارون" بالسلامة.

ابتسم "عزيز" دون النظر إليها.

_ أنتِ قولتي بنفسك عشا عائلي يا "سمية". 

بإبتسامة استطاعت تصنعها هزت "سميه" رأسها واستندت بذراعيها على طاولة مكتبه ثم انحنت إلى الأمام قليلًا حتى تسمح لفتحة ثوبها أن تظهر ما أسفله. 

_ أنت برضو من العيلة يا "عزيز".

اِنتفض "عزيز" من المقعد الجالس عليه واستدار بجسده؛ فصار ظهره لها.

_ جيتي ليه النهاردة يا "سمية"، عايزة تقوليلي إنك فرحانه بجوازي. 

بشماتة ردت عليه وهي تتحرك نحوه.

_ أنا فعلاً فرحانه يا "عزيز"، فرحانه جدًا ومستنية اشوف النتيجة.

اِشتعلت عيناه بالغضب وإلتف إليها؛ فابتسمت وهي تتراجع خُطوة إلى الوراء ثم اِستدارت بجسدها حتى تبعد عيناها عن نظراته المشتعلة. 

_ وإيه هي النتيجة يا "سمية"؟!. 

اِفتر فاه "سمية" عن اِبتسامة خبيثه وتحركت نحو باب الغرفة.

_ اتمنى تطلع كسبان في النتيجة مع إني مأظنش. 

وقبل أن تغادر الغرفة أردفت بمكر أجادت رسمه الليلة.

_ زمان واحد عجبته بنت حلوه وصغيرة أبوها كان شغال في ورشة عامل وأنت عارف بقى النهاية يا "عزيز". 
... 

وضعت "زينب" بيدها على قلبها الهادرة دقاته من أثر السرعة التي يقود بها ثم التفت إلى الوراء حتى ترى الصغير الذي انكمش على حاله. 

_ هدى السرعة بقى ، متطلعش غضبك في حاجة ممكن تموتنا لو عايز تموت براحتك لكن أنا و "يزيد"... 

_ ممكن تسكتي خالص.

صَاح بها للمرة الثالثة حتى تصمت وتكف عن الكلام لتحتد عينيها من صراخه عليها. 

_ على فكرة دي تالت مرة ترفع صوتك عليا، أنا مش واحدة شغاله عندك. 

أبطئ "صالح" من سرعة سيّارته؛ فهذه هي عادته عندما يغضب يفرغ طاقة غضبه في قيادته. أغمضت "زينب" عينيها ثم زفرت أنفاسها بعدما حمدت الله على نجاتها هي والصغير. 

_ وما دام عارفه إنك مش مجرد واحدة شغاله عندي ليه بتنسي إنك مراتي.

بضيق عقدت ساعديها أمامها وأشاحت عيناها نحو نافذة السيّارة.

_ المفروض منتكلمش قدام الولد.

تنهد "صالح" بقوة بعدما رمقها بطرف عينيه وسُرعان ما كان الغضب يعود ليحتل تفكيره. 

فور دخولهم إلى المنزل اِتجه بصغيره نحو غرفته قائلًا: 

_ ياريت تستنيني عشان نتكلم.

لم تهتم بما قال واتجهت نحو غرفتها تهتف بتذمر. 

_ واستناك ليه ، أنا مش عايزة اتناقش أصلاً. 

عندما غادرت الغرفة بعد وقت اندهشت من وجوده حتى الآن بغرفة الصغير. اِحتضنت حاسوبها الشخصي واتجهت بخُطوات هادئة نحو غرفة الجلوس التي صَارت تفضل تحضير دروسها بها. 

جلست على الوسادة واِجتذبت إليها الطاولة التي عليها دفاترها وحاسوبها. 

_ ركزي يا "زوزو" وانسى كل اللي حصل، أنتِ لازم تثبتي شطارتك في مدة قصيرة.

دست رأسها في أحد دفاترها تدون كل ما تسمعه بتركيز. 

تحرك "صالح" ببطئ من جوار صغيره بعدما اِرتخت ذراعيه ثم ابتسم عندما رأه يحتضن دُميته لكن اِبتسامته اتمحت عندما طرقت حصونه ذكرى من ذكريات الماضي. 

تسارعت أنفاسه بقوة وأغمض عينيه وصوت "سارة" بضحكتها البريئة يقتحم فؤاده. 

فلاش باك!!.

"صـالـح" 

ندائها أيقظه من سباته العميق، فهو قضى في رحلته الأخيرة أسبوعًا خارج البلاد. 

فتح عينيه بصعوبة لينظر إليها بتشويش متسائلًا بصوت ناعس. 

_ هي الساعة كام دلوقتي؟

حركت كتفيها له بجهل وهي تضم دميتها لها وقد اِعتدل في رقدته ونظر حوله؛ فالغرفة مَازالت غارقة بالظلام. 

إلتقط هاتفه لينظر إلى الوقت متنهدًا؛ فالوقت لم يتخطى الثالثة صباحًا. 

_ إيه اللي مصحيكي في الوقت ده؟

زمت شفتيها مثل الأطفال بعبوس وأسبلت جفنيها وهي تتحرك بجسدها. 

_ فيه حاجة بتتحرك في بطني.

طالعها برجفة وأنفاس بدأت تخرج ثقيلة من بين شفتيه لتُسرع في اِجتذاب ثوبها الفضفاض إلى الوراء حتى تريه كيف صَارت بطنها منتفخة. 

_ شوف بطني كبرت إزاي، جدو بيقولي إن نونو جوه هنا.

أظلمت عيناه ثم أشاحهم بعيدًا عنها. 

_ "سارة" روحي أوضتك. 

بعند أجابته. 

_ لأ أنا عايزة أنام جمبك جدو بيقولي إنك بتخاف من الضلمة وأنا لازم انام معاك عشان أحميك.

زفرة طويلة خرجت من شفتيه أخرج معها حُرقة قلبه وقبل أن يهتف بشئ اِندفعت نحو الفراش لتستلقي عليه. 

_ "سارة" قومي روحي نامي في أوضتك. 

لكنها لم تبالي بحديثه ورفعت ثوبها حتى تريه بطنها وما تراه عليها. 

_ هنا بيضربني. 

ثم هتفت بعدما شعرت بنفس الحركة التي صارت تشعر بها. 

_ ضربني "صالح"، أنا هضربه. 

وتحت أنظاره الشاخصة أخذت تصفع بطنها... انتفض بفزع واجتذب يدها يتمتم بهلع. 

_ أنتِ بتعملي إيه؟

بغضب صَاحت وهي تُحاول إنتشال يدها منه. 

_ بضربه عشان بيضربني. 

دمعت عيناه بعجز وابتلع غصته المره كالعلقم وضمها إليه. 

_ هو مش بيضربك، هو بيلعب معاكي عشان يقولك إنه موجود. 

ليته يستطيع الصراخ، ليت عمره انتهى في تلك الليلة. 

_ خده شيلوا في بطنك أنت، أنا مش عايزاه يلعب في بطني. 

دفعته حتى تبتعد عنه وحين حررها ورأت دموعه عادت إلى حضنه تتمسح به. 

_ لا متعيطش أنا هخليه جوه بطني خلاص. 

فاق من ذكرياته على اهتزاز هاتفه داخل سترته ليُخرجه سريعًا وعندما وقعت عيناه على اسم المتصل غادر غرفة صغيره. 

تعجبت "زينب" ورفعت أحد حاجبيها عندما رأته يُغادر الشقة، للحظة أصابها الفضول من مغادرته وسُرعان ما كانت تهز رأسها قائلة: 

_ قولنا نركز في شغلنا ومستقبلنا يا "زوزو". 
.... 

اِحتدت نظرات "صالح" وهو يستمع إلى تبرير المسئول عن تصوير حفل الخِطبة وعرض الصور والمقاطع كـ دعايا ليُسرع "ماهر" بإجتذاب ذراعه والإبتعاد به قليلًا. 

_ الراجل كلامه صح يا "صالح"، قبل أي حاجة بتنزل على صفحتهم كدعايا بياخدوا إذن العريس والعروسة. 

اِحتقنت ملامح "صالح" ورمقه بنظرة زاجرة. 

_ ما شاء الله كانوا مهتمين بتسليط الكاميرا على مراتي. 

رغمًا عن "ماهر" ابتسم وقال بشماته. 

_ عيشت وشوفتك يا ابن "الزيني" غيران. 

بضيق تنهد "صالح" وحدقه بنظرة قاتمة ليتحدث "ماهر" بتعقل. 

_ خلينا نتكلم مع الراجل بهدوء عشان يتمسح الڤيديو الأساسي والصور من عنده وبعدين نشوف هنعمل إيه في الحد من إنتشار الڤيديو اللي معصبك مع إني شايفه عادي... واحده بترقص مع جدها.

زفر "صالح" زفرة قوية، فيكفيه ما قرأه من آراء وصلت حد التغزل بجسدها. 

عادوا إلى الطاولة التي يجلس عليها الرَجُل وقد تأفف بضيق من جلوسه كـ متهم أمامهما. 
... 

في تمام الساعة الرابعة والنصف فجرًا.... 

دلف "صالح" الشقة وعلى وجهه ارتسم القليل من الإرتياح. تحرك بضعة خُطوات ثم ضاقت حدقتاه وهو يرى نور الغرفة مضاء وحاسوبها مفتوح على الطاولة ودفاترها مَازالت بمكانها.

اِقترب من جهاز الحاسوب الذي يبدو عليه بأنه إصدار قديم ثم ابتسم. 

بحث بعينيها عنها يتساءَل داخله، هل ذهبت لتنام وتركت أشيائها هڪذا وعندما وقعت عيناه على فنجان القهوة الفارغ وضع إحتمال آخر وتحرك نحو المطبخ. 

لم يجدها بالمطبخ كما توقع ليتجه نحو غرفتها التي كانت مفتوحه ومضاءة أيضًا. بحيره وقلق اِقترب من باب الغرفة وكاد أن يهتف باسمها لكنه توقف مكانه دون حديث.. 

اِزدرد لُعابه وهو يراها تُصلي بخشوع وقد هزته هيئتها.. أطرق رأسه بخزي.. فهل ملاك مثلها تستحق أن تتزوج برَجُل مثله مسلم بالهوية لا أكثر. 

تحرك نحو غرفته ، فمنذ أن صار يضع اهتمامه عليها وبات يكتشف الكثير عنها وليته عرفها بعيدًا عن محيط جده..
.... 

أصابتها الدهشة وهي ترفع خُصلات شعرها لأعلى لتعكصه فوق رأسها ووجدته يغادر المطبخ وهو يحمل فنجان قهوته ويتحدث بالهاتف. ابتسم لها وأبعد الهاتف قليلًا عنه وقال وهو يحدق بمظهرها اللطيف. 

_ صباح الخير. 

اِزدردت "زينب" لُعابها وتحاشت النظر إليه وبصوت أقرب إلى الهمس ردت عليه بعدما تجاوزت مكان وقوفه. 

التمعت عيناه بنظرة عابثة وهو يحرك يده على عنقه وقد انتقلت عيناه نحو ساقيها العاريتين بسبب قِصر القطعة السفليه من المنامة التي ترتديها وسُرعان ما كان ينتبه على صوت المتصل؛ فتنحنح بحرج حتى يسيطر على نبرة صوته. 

_ ابعتلي كل تقارير الرحلات الأخيرة على الإيميل بتاعي يا "كريم". 

زفرت "زينب" أنفاسها بقوة وهي مغمضة العينين لتتسع حدقتيها فجأة عندما انتبهت على حالها... هل عاد يخطف أنفاسها برائحة عطره. هزت رأسها بقوة رافضة أي شعور يخترق قلبها ..؛ فعليها أن تتغلب على مشاعرها وتركز بمستقبلها... فالحُب لا يفيد صاحبه هڪذا صارت تقنع حالها. 

شعرت بيد "يزيد" عندما اِجتذبها من ملابسها؛ فاستدارت جِهته وقبل أن تخبره أنها ستعد لهم طعام الفطور. 

_ "زوزو".. موبايلك.

أعطاها الصغير الهاتف الذي صدح رنينه مجددًا وفور أن أجابت آتاها صوت "سما" الضاحك.

_ كنتِ تريند إمبارح أنتِ وجدو يا "زوزو"، اه لو شوفتي وش "أشرقت"... ولا طنط "لبنى"..بس مش عارفه ليه الڤيديو بتاعك وصورك اتمسحوا من بيدچ الفوتوجرافر ومبقتش شايفه الڤيديو منتشر زي امبارح.

توقفت "سما" عن الكلام ثم تساءَلت. 

_ على كده الكابتن عمل إيه لما شاف الڤيديو، اسكتي الفوتوجرافر كان باين عليه معجب بيكِ. 

تخضبت وجنتيّ "زينب" بحرج ونظرت نحو الهاتف الذي وضعته على طاولة المطبخ وشرعت في إعداد طعام الفطور لها وللصغير الذي أخذ ينظر لها ويستمع إلى حوارهم.

_ "سما" ،"يزيد" جمبي فخدي بالك من الكلام لاني فاتحه المايك عشان بحضر الفطار. 

اِزدادت ضحكات "سما" وهتفت بمشاكسة.

_  "يزيد" يا حبيبي مش طنط "زوزو" قمر.

ابتسم الصغير وهو ينظر نحو "زينب".

_ أه قمر. 

_ سمعتي ، وعلى فكرة اتقدم ليكِ عريس بس مش هحكيلك عنه غير لما اشوفك بڪره عند جدو. 

بوجه محتقن ردد "صالح" ما سمعه. 

_ عريس!!! وعلى كده أنا موقعي إيه من الإعراب بالنسبة لـ "سما" هانم 
... 

ابتسم "عزيز" عندما وجد "عزيز" سائقه يقف جِوار السيّارة وينتظره. 

_ قولت كفايه اجازة لحد كده، أنا بقيت كويس ولا أنت استغنيت عني يا "عزيز" بيه.

اِقترب منه "عزيز" يربت على كتفه قائلًا: 

_ تفتكر قدر استغنى عنك يا "عزيز"، وياريت بقى تبطل "عزيز" بيه أنت دلوقتي عم مراتي. 

أثلج الكلام فؤاد "عزيز" -العم- لتتسع اِبتسامته. 

_ المقامات محفوظة يا "عزيز" بيه.

تنهد "عزيز" بيأس منه؛ فهو حتى قبل إرتباطه بـ "ليلى" كان دائمًا يطلب منه نداء اسمه مجردًا لكنه كالعادة يخبره أنه لا يستطيع. 

فأسرع "عزيز" قائلاً: 

_ أول طفل ليك و "ليلى" هناديك باسمه وبكده إن شاء الله هنحل المشكلة. 

اِبتسامة عريضة ارتسمت على شفتيّ "عزيز" وقد داعب الحديث من جماله قلبه المشتاق بأن يحمل طفله من "ليلى". 

_ آه يا "عزيز" لو كان حد قالي كده من شهور كنت قولتله ولاد إيه اللي اشيلهم وكفايه عليا ولاد اخويا لكن دلوقتي أنا بحلم باليوم اللي اشيل فيه طفل ليا من "ليلى".

قالها "عزيز" عندما اِستقل سيّارته وقد قرر الجلوس بالأمام مما أدهش "عزيز" - السائق - لكنه لم يُعلق. 

_ إن شاء الله يا بيه البيت يتملي عليك بالولاد والبنات. 

تنهد "عزيز" و داعبت شفتيه اِبتسامة واسعة وهو يتخيل "ليلى" تحمل في أحشائها طفله. عندما سرح عقله قليلًا  ضغط على زر الإتصال بها لكنه تفاجئ بأن الهاتف مغلق. 

_ إيه حكاية التليفون اللي دايمًا مغلق دا، هي الشبكة وحشه أوي عندكم يا "عزيز"؟.

طالعه بحيره دون فهم ليواصل "عزيز" كلامه.

_ اصل اغلب الوقت تليفون "ليلى" بيكون مغلق.

هَـز "عزيز" رأسه بعدم فهم لـ حديث سَيّده وهو يركز عيناه على الطريق. 

_ تليفونها فيه مشكلة وقالت وهي راجعه من المصنع هتروح تصلحه وتشوف فيه إيه. 

_ مصنع؟؟ 

تساءَل "عزيز" بدهشة ليتوتر "عزيز" -العم- وهو يرمق سَيّده بنظرة سريعة. 

_ هو أنت يا بيه مش موافق على شغلها في المصنع.

رغم شعور "عزيز" بالغضب لأنها لم تخبره بذهابها إلى العمل إلا أنه تمالك نفسه وقال: 

_ أنا مش شايف ليه داعي الشغل يا "عزيز" حاليًا، المفروض تهتم بتجهيز الڤيلا مع "نيرة" وتشوف اللي ناقصها. 

_ معلش يا بيه، أنت عارف الشغل المكان الوحيد اللي "ليلى" بتلاقي نفسها فيه وأنا بصراحة مقدرش افرض رأيي عليها وأجبرها على حاجة.

حرك "عزيز" رأسه ثم أخرج زفيرًا طويلًا وقال: 

_ روح على المصنع يا "عزيز". 
... 

ابتسمت "ليلى" عند دلوفها حجره المكتب التي تجمعها بزملائها. 

_ صباح الخير.

باِبتسامة بشوشة طالعها "بسام" بعدما رفع عيناه عن الأوراق التي أمامه. 

_ صباح الخير يا "ليلى". 

اِقتربت "ليلى" من طاولة مكتبها وقد تعلقت عينيّ "بسام" بها وتساءَل على أمل ألا تأتي "سلوى" اليوم ويكون لديه فرصه ليُصارحها بمشاعره نحوها. 

_ هي "سلوى" مش هتيجي؟

إلتفت "ليلى" جِهته بعدما وضعت حقيبتها على طاولة المكتب. 

_ قالت اخوها هيجبها لأنها ملحقتش باص الشغل.

أماء "بسام" برأسه وهو يتنهد. 

_ هو استاذ "عادل" جوه في مكتبه؟.

تساءَلت وهي تتذكر رؤيتها له في عقد قرانها ليبتسم "بسام" قائلًا: 

_ استاذ "عادل" واخد اجازة يومين لأن مراته تعبانه... 

ثم أردف بمزاح. 

_ الحمدلله كده مفيش ضغط شغل. 
.... 

_ "سـلـوى"، يا "سـلـوى" استنى.

هتفت بها إحداهن بالممر المفتوح عليه مكاتب الموظفين واِقتربت منها. 

_ فيه إيه يا "عبير" انجزي أنا متأخرة خلينى ألحق امضي.

اِبتسامة واسعة اِرتسمت على شفتيّ الواقفة. 

_ يا ختي متقلقيش اتأخري براحتك ما أنتِ مين قدك زميلة "ليلى" هانم.

بإستياء ردت "سلوى" عليها بعدما عقدت ساعديها أمامها. 

_ "ليلى" هانم. 

بدهشة قطبت "عبير" حاجبيها بعدما انتبهت أن "سلوى" مثلهم لا تعرف أمر عقد قِران "عزيز الزهار" على "ليلى". 

_ معقول متعرفيش باللي حصل، لا يا "سلوى" حقك تزعلي ده انتوا على طول سوا. 

بضيق هتفت "سلوى" بعدما ضجرت من حديثها المبهم. 

_ ما تخلصي يا "عبير" فيه إيه.

عادت الابتسامة تشق ثغر "عبير" ثم حركت إصبعها على شاشة الهاتف قبل أن تضعه أمام عينيّ "سلوى" التي اتسعت بذهول. 

_ عيب بجد لما نكون زمايل ومنعرفش بالخبر غير من تهنئة رؤساء الأقسام. 

بأعين صارت جاحظة وبصوت خرج متقطع رددت
"سلوى". 

_ ڪتب ڪتاب "عزيز الزهار" و "ليلى محمود". 

_ عندك حق تنصدمي زينا، "ليلى" دي مطلعتش سهله... بس إزاي عرفت توقع "عزيز" بيه. 

رفعت "سلوى" عيناها إليها ومَازالت الصدمة تسيطر على ملامحها لا تُصدق ما قرأته ورأته.

تحركت من أمام "عبير" التي وقفت تلوي شفتيها بتهكم. 

_ دي شكلها اتصدمت فيها فعلاً. 

اِبتسمت "ليلى" عندما رأت "سلوى" أمامها؛ فأخيرًا أتت وسـ تستطيع إخبارهم بعقد قِرانها والإعتذار منها ومن "بسام" لأنها أخفت الأمر عليهم لكنها ستخبرهم بمبرر مقنع حتى يلتمسوا لها العذر ويتفهموا الأمر. 

_ أتأخرتي كده ليه يا "سلوى". 

قالتها "ليلى" وهي تنهض ووقفت وراء طاولة مكتبها ثم التقطت أنفاسها. 

_ أنا عندي ليكم خبر.

تعجب "بسام" وركز انتباهه معها لتقترب "سلوى" منها وقد خرج صوتها أخيرًا. 

_ "ليلى" هانم مرات "عزيز" بيه "الزهار" معقول عايزه تقول لينا خبر مهم، يا ترى هو ده الخبر. 

غَادرت الدماء ملامح "بسام" الذي صدمه ما سمع لتنظر إليها "ليلى" وهي لا تستوعب كيف علمت بأمر عقد قرانها. 

_ أنتِ عرفتي يا "سلوى"؟ 

بتهكم ردت "سلوى" وهي تنظر نحو "بسام" الذي وقف مصدومًا لا يستطيع التفوه بشئ. 

_ المصنع كله بقى عارف... اصل التهنئة نازله على صفحة المصنع مع صوره حلوه للعيلة. 

أرادت "ليلى" أن تتحدث وتوضح لها الأمر لكن "سلوى" فاجأتها عندما اِجتذبت يدها. 

_ فين الدبلة ولا خايفة نحسدك يا "ليلى" هانم... صحيح يطلع من تحت السواهي دواهي. 

دخل "عزيز" المصنع وعلى محياه ابتسامة وقد أقبل عليه العاملين لتهنئته وإخباره كم هم سعداء بهذا الخبر. 

أخيرًا دخل غرفة مكتبه ودلف ورائه السيد "رفعت" يتحدث معه عن بعض الأمور الخاصة بالإنتاج وحاجتهم لأنواع أقمشة جديدة. 

_ إن شاء الله يا أستاذ "رفعت" هتناقش مع "نيهان" و متقلقيش فيه دفعة جديده من الأقمشة قريب هنستلمها. 

ابتسم السيد "رفعت" له. 

_ الف مبروك مره تانيه يا فندم.

ابتسم "عزيز" واتجه نحو مكتبه قائلًا بود. 

_ الله يبارك فيك يا أستاذ "رفعت".

كاد أن يتحرك السيد "رفعت" ويُغادر لكن توقف مكانه مبتسمًا. 

_ ياريت تبعتلي مدام "ليلى". 

_ اكيد طبعًا يا فندم.

غادر السيد "رفعت" غرفة المكتب ليجلس "عزيز" على مقعده مسترخيًا منتظرًا قدومها.... 

تعليقات



×